تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٣

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٣

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٧

مظاهره الّذين هم أنبياؤه وأولياؤه (ع) هدى أهل السّماوات والأرض أو مبيّنون لأهل السّماوات والأرض أو بحسب مظاهره الّتى هي لطائف الولاية ، والنّبوّة والرّسالة نور السّماوات والأرض في العالم الكبير أو في العالم الصّغير بالوجوه السّابقة أو بحسب مظاهره الّتى هي الأرواح والعقول والقلوب والنّفوس البشريّة والنّفوس الحيوانيّة نور السّماوات والأرض في العالم الصّغير بالوجوه السّابقة ، أو بحسب مظهره الّذى هو ضياء الشّمس نور السّماوات والأرض الطّبيعيتين بالمعنى المدرك لكلّ أحد ، أو بحسب مظهره الّذى هو مثال أوليائه الظّاهر في صدور السّالكين نور السّماوات والأرض في العالم الصّغير ان لم يكن ذلك المثال قويّا على إنارة خارج عالم السّالك ، أو في العالم الصّغير والكبير ان صار المثال قويّا على إنارة الخارج أيضا ، والى هذا الوجه اشعار العارف الرّبّانىّ قدس‌سره بقوله :

كرد شهنشاه عشق در حرم دل ظهور

قد ز ميان برفراشت رأيت الله نور

أو بحسب مظهره الّذى هو قوّة الواهمة والمتخيّلة والخيال ، أو بحسب مظهره الّذى هو المدارك الباطنة أو هو المدارك الظّاهرة (مَثَلُ نُورِهِ) اى صفته أو حديثه (كَمِشْكاةٍ) اى كصفة مشكوة أو حديث مشكوة وقد مضى سابقا انّ التّشبيهات التّمثيليّة لا يلزم فيها ذكر جميع أجزاء المشبّه ولا ذكر جميع أجزاء المشبّه به ولا التّرتيب بين اجزائهما ولا ذكر جزء مخصوص عقيب اداة التّشبيه ولا الإتيان بلفظ المثل في جانب المشبّه ولا في جانب المشبّه به ولا الإتيان بأداة التّشبيه ، وأضاف النّور الى ضمير الله مع انّ المناسب ان يقول مثله لانّه جعله نفس النّور للاشارة الى انّ الذّات بحسب مقام الغيب ومقام الذّات الاحديّة لا خبر عنه ولا حكم عليه وانّما الخبر والحكم عليه بحسب مقام ظهوره بمراتب ظهوره كما أشرنا اليه والمشكوة الكوّة الغير النّافذة (فِيها) اى في المشكوة الّتى لا ينفذ النّور منها (مِصْباحٌ) اى سراج (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) في تكرار المصباح ظاهرا معرّفا تفخيم وتعجيب من شأنه كما انّ تنكيره اوّلا يفيد التّفخيم (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) قرئ بضمّ الدّال وكسرها مشدّد الياء ومهموز الآخر منسوبا الى الدّرّ أو فعّولا مشدّد العين مضموم الفاء أو فعّيلا مشدّد العين مضموم الفاء أو مكسورها من الدّرء بمعنى الدّفع وعلى اىّ تقدير فهو بمعنى شديد التلألؤ (يُوقَدُ) قرئ بالياء التّحتانىّ وبالتّاء الفوقانىّ مبنيّا للمفعول من أوقد ، وقرئ توقّد ماضيا مبنيّا للفاعل من التّوقّد (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) فانّ في الزّيتونة كثرة نفع للعرب من حيث انّها طعام وشراب وفاكهة وادام ودهن ، وتوقّد الكواكب أو الزّجاجة أو المصباح من تلك الشّجرة باعتبار توقّد فتيلة المصباح بدهن ثمرتها (لا شَرْقِيَّةٍ) لا تكون في مشرق الحائط حتّى لا يقع عليها الشّمس مدّة من اوّل النّهار (وَلا غَرْبِيَّةٍ) لا تكون في مغرب الحائط حتّى لا يقع عليها الشّمس مدّة من آخر النّهار فيكون زيتها أصفى وثمرها أشهى لكونها بارزة للشّمس طول النّهار ، أو المعنى انّها ليست من شجر الدّنيا فانّ شجر الدّنيا لا تكون الّا شرقيّة أو غربيّة أو شرقيّة وغربيّة جميعا بالاضافة الى الجهات المتخالفة ، أو المعنى انّها لا تكون منسوبة الى شروق الشّمس بحيث لا يقع عليها ظلّ فيحترق ثمرها ولا منسوبة الى غرب الشّمس بحيث لا يكون الشّمس غاربة عنها دائما فلا ينضج ثمرها ، أو المعنى انّها ليست من الشّجر الواقع في جهة الشّرق أو جهة الغرب من المعمورة فانّ هاتين الجهتين لشدّة حرارة الشّمس فيهما يحترق ثمر شجرهما بل تكون واقعة في وسط المعمورة فيكون ثمرها أتمّ نضجا غير محترق من حرّ الشّمس وغير نىّ من برد الهواء (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) لفرط صفائه ولطافته (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ).

١٢١

تطبيق أجزاء المثل بالممثّل له على الاحتمالات الاربعة عشر فيه على عدد آل محمّد (ص)

اعلم ، انّ تطبيق هذا المثال على الممثّل له إذا علمت انّ الممثّل له هو المشيّة أو العقل الاوّل أو مطلق العقول أو ربّ النّوع الانسانىّ أو مطلق أرباب الأنواع أو النّفوس الكلّيّة أو الجزئيّة أو عالم المثال أو روح الإنسان أو عقله أو قلبه أو نفسه أو النّفس الحيوانيّة أو مثال خلفاء الله الظّاهر على صدر السّالك المسمّى بالسّكينة والفكر عندهم سهل عليك تطبيق أجزاء المثل على الممثّل له ، فانّه إذا أريد بالنّور المشيّة كان المشكوة عالم الطّبع والزّجاجة عالم الأرواح مطلقا والمصباح نفس المشيّة من وجهها الى العالم الّذى يسمّى بالكرسىّ والفيض المقدّس وكانت الشّجرة هي المشيّة أيضا بوجهها الى الله الّذى يسمّى بالعرش والفيض الأقدس ، أو كانت الشّجرة هي المادّة الاولى أو مطلق المادّة ، أو كانت المشكوة عالم المثال أو عالم النّفوس وباقي أجزاء المثال كما سبق ، وإذا أريد العقول أو النّفوس أو عالم المثال بالنّور الممثّل له كانت المشكوة عالم الطّبع أو عالم المثال والزّجاجة عالم النّفوس والمثال أو عالم النّفوس فقط ، والشّجرة مطلق عالم المشيّة أو جهتها الإلهيّة أو جهتها الخلقيّة أو المادّة الاولى أو المادّة المطلقة ، وإذا أريد النّفوس من النّور كانت المشكوة عالم الطّبع أو عالم البرزخ والزّجاجة عالم المثال والشّجرة هي المشيّة بما ذكر فيها من الوجوه ، أو العقول أو المادّة ، وإذا أريد عالم المثال كانت المشكوة عالم الطّبع والزّجاجة عالم البرزخ ، والشّجرة يجوز ان تكون كلّ ما سبق عليه وان تكون هي المادّة ، وإذا أريد بالنّور الممثّل له الولاية أو النّبوّة أو الرّسالة أو الإسلام أو الايمان أو الرّوح أو العقل أو القلب أو النّفس البشريّة أو مثال الشّيخ كان تطبيق سائر الاجزاء ظاهرا ، وإذا أريد النّبىّ (ص) أو الولىّ (ع) أو الرّسول (ص) أو المؤمن كان المشكوة أبدانهم الطّبيعيّة أو صدورهم المنشرحة بالإسلام ، وبالرّسالة وخلافتها أو قلوبهم المنقوشة فيها احكام النّبوّة وآثار الولاية والزّجاجة نفوسهم أو قلوبهم أو عقولهم والمصباح بحسبها ، والشّجرة هي المشيّة أو العقول الكلّيّة وأرباب الأنواع أو النّفوس الكلّيّة ، أو جهة الإيحاء وافاضة العلوم اللّدنّيّة أو ولايتهم أو نبوّتهم ، ويجوز ان يراد بالنّور الممثّل له الرّوح النّفسانىّ أو الرّوح الحيوانىّ أو النّفس النّباتيّة ويكون الزّجاجة الرّوح الحيوانىّ أو النّفس النّباتيّة أو الطّبع الجمادىّ والمشكوة النّفس النّباتيّة أو البخار المتكوّن في القلب أو فيه وفي الشّرائين أو الطّبع الجمادىّ أو القلب الصّنوبرىّ أو هو مع الشّرائين أو جملة البدن ، وفي الاخبار أشير الى بعض الوجوه والى بعض وجوه أخر فعن الصّادق (ع) هو مثل ضربه الله تعالى لنا ، وعنه (ع) (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال : كذلك الله عزوجل مثل نوره قال : محمّد (ص) كمشكوة قال : صدر محمّد (ص) فيها مصباح ، قال : فيه نور العلم يعنى النّبوّة ، المصباح في زجاجة قال : علم رسول الله (ص) صدر الى قلب علىّ (ع) الزّجاجة كأنّها قال : كأنّه كوكب درّىّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة قال : ذلك أمير المؤمنين علىّ بن ابى طالب (ع) لا يهودىّ ولا نصرانىّ يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمّد (ص) من قبل ان ينطق به ، نور على نور ، قال : الامام في اثر الامام ، وقد ورد عنهم (ع) مع اختلاف في بيان الوجوه نظير هذا الخبر كثيرا ، وعن الباقر (ع) انّه تعالى يقول : انا هادي السّماوات والأرض مثل العلم الّذى أعطيته وهو النّور الّذى يهتدى به مثل المشكوة فيها المصباح فالمشكاة قلب محمّد (ص) والمصباح نوره الّذى فيه العلم ، وقوله : المصباح في زجاجة يقول : انّى أريد ان أقبضك فاجعل الّذى عندك عند الوصىّ ، كما يجعل المصباح في الزّجاجة كأنّها كوكب درّىّ فأعلمهم فضل الوصىّ يوقد من شجرة مباركة فأصل الشّجرة المباركة إبراهيم (ع) وهو قول الله عزوجل : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انّه حميد مجيد وهو قول الله تعالى :

١٢٢

إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) يقول لستم يهود فتصلّوا قبل المغرب ولا النّصارى فتصلّوا قبل المشرق وأنتم على ملّة إبراهيم (ع) وقد قال الله عزوجل : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وقوله : يكاد زيتها يضيء يقول : مثل أولادكم الّذين يولدون منكم مثل الزّيت الّذى يعصر من الزّيتون يكادون ان يتكلّموا بالنّبوّة ولو لم ينزل عليهم ملك ، وعن الصّادق (ع) عن أبيه في هذه الآية : الله نور السّماوات والأرض ، قال بدأ بنور نفسه مثل هداه في قلب المؤمنين كمشكوة فيها مصباح ، المشكوة جوف المؤمن والقنديل قلبه ، والمصباح النّور الّذى جعله الله فيه ، توقد من شجرة مباركة قال : الشّجرة المؤمن زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة ، قال : على سواء الجبل لا غربيّة اى لا شرق لها ولا شرقيّة اى لا غرب لها ، إذا طلعت الشّمس طلعت عليها ، وإذا غربت غربت عليها ، يكاد النّور الّذى جعله الله في قلب المؤمن يضيء وان لم يتكلّم نور على نور فريضة على فريضة وسنّة على سنّة يهدى الله لنوره من يشاء ، قال : يهدى الله لفرائضه وسننه من يشاء ، ويضرب الله الأمثال للنّاس قال : فهذا مثل ضربه الله للمؤمن ، قال : فالمؤمن ينقلب في خمسة من النّور مدخله نور ، ومخرجه نور ، وعلمه نور ، وكلامه نور ، ومصيره يوم القيامة الى الجنّة نور قال الرّاوى : قلت لجعفر (ع) انّهم يقولون مثل نور الرّبّ قال سبحان الله ليس لله مثل اما قال : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ)؟! ويجوز ان يراد بالمصباح ولاية محمّد (ص) مخصوصا فليكن الزّجاجة نبوّته والمشكوة رسالته ، والشّجرة لطيفته السّيّارة الانسانيّة أو مادّته الكاملة وجثّته العنصريّة اللّتين كانتا في حاقّ الوسط غير مائلتين الى التّوحيد ولا الى التّكثير كعيسى وموسى (ع) فانّ أحدهما مال الى التّوحيد والآخر الى التّكثير ، ويجوز ان يراد بالمصباح نبوّة محمّد (ص) فليكن الزّجاجة رسالته والمشكوة صدره ، والشّجرة لطيفته السّيّارة ، أو ولايته الكاملة أو مادّته ، وقيل : انّ المشكوة إبراهيم (ع) والزّجاجة إسماعيل (ع) والمصباح محمّد (ص) من شجرة مباركة يعنى إبراهيم (ع) لانّ أكثر الأنبياء من صلبه لا شرقيّة ولا غربيّة لا نصرانيّة ولا يهوديّة يكاد زيتها يضيء اى يكاد محاسن محمّد (ص) تظهر قبل ان يوحى اليه ، وقيل : المصباح القرآن ، والزّجاجة قلب المؤمن ، والمشكوة لسانه وفمه ، والشّجرة شجرة الوحي يكاد حجج القرآن تتّضح وان لم تقرأ (نُورٌ عَلى نُورٍ) خبر بعد خبر لمثل نوره يعنى صفة نوره الّذى هو المشيّة صفة نور على نور في شدّة الاضاءة لتضاعف اضاءته بصفاء زيته وصفاء زجاجته ، وجمع المشكوة لنوره على انّ المشيّة الّتى هي وجود مطلق مقوّمة لجميع الوجودات المقيّدة فهي وجود مطلق وارد على جميع الوجودات المقيّدة وهكذا سائر الوجوه المذكورة في النّور ، أو خبر لمبتدء محذوف اى نور الرّبّ نور على نور بجميع الوجوه المذكورة في النّور أو خبر بعد خبر لله اى الله بحسب مظاهره نور على نور ، أو مبتدء خبر محذوف اى في المشكوة نور على نور ، أو خبر بعد خبر للمصباح ، أو خبر بعد خبر للزّجاجة ، أو خبر بعد خبر لكأنّ ، أو صفة لمصباح ، أو لكوكب ، أو خبر مبتدء محذوف اى الكواكب الدرّىّ نور على نور أو مبتدء وعلى نور خبره ومسوّغه الوصف المقدّر اى نور عظيم على نور أو مبتدء وخبره (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) وعائده تكرار المبتدأ اى نور على نور يهدى الله اليه (مَنْ يَشاءُ).

وجوه اعراب آية النّور

وبيان اعراب الآية بنحو الإجمال ان يقال : الله مبتدء ونور السّماوات خبره كما هو الظّاهر أو بدل منه أو صفته ومثل نوره كمشكوة جملة وخبر بعد خبر لله أو خبر له أو حال أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو معترضة وفيها مصباح صفة لمشكوة أو مستأنفة أو معترضة والمصباح في زجاجة صفة مصباح أو صفة مشكوة أو حال من مشكوة والعائد على الاوّل تكرار الموصوف وعلى الأخيرين يكون

١٢٣

مقدّرا اى المصباح فيها في زجاجة ، أو مستأنفة أو معترضة وفي زجاجة خبر المصباح أو حال منه والزّجاجة كأنّها كوكب صفة زجاجة أو صفة مصباح أو صفة مشكوة ، أو حال منهما والعائد مثل عائد جملة المصباح في زجاجة أو مستأنفة أو معترضة وكأنّها كوكب درّىّ خبر الزّجاجة أو حال منها ، ويوقد من شجرة مباركة صفة كوكب أو حال منه أو خبر بعد خبر لكأنّ ، أو خبر للزّجاجة أو خبر بعد خبر لها ، أو حال من الزّجاجة ، أو من ضمير كأنّها ، أو صفة زجاجة أو حال منه أو خبر للمصباح أو خبر بعد خبر له ، أو حال منه أو من المستتر في قوله في زجاجة أو خبر بعد خبر لله أو خبر له ابتداء أو حال منه أو من نور السّماوات أو مستأنفة أو معترضة وتوفيق التّأنيث والتّذكير لما يحمل عليه ويوصف به موكول الى تفطّن النّاظر الخبير ، ويكاد زيتها يضيء صفة للشّجرة أو حال منها أو مستأنفة أو معترضة ، ونور على نور قد مضى وجوه اعرابه (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) يعنى يوصل الى طريق المقصود أو يذهب اليه بمن يشاء ويضرب الأمثال للتّنبيه على طريق المقصود لجميع النّاس ليهتدى من يهتدى ويضلّ من يضلّ ويحيى من حىّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) عطف على الله نور السّماوات أو على جملة مثل نوره كمشكوة أو على جملة يهدى الله لنوره من يشاء ، أو على جملة يضرب الله الأمثال (فِي بُيُوتٍ) متعلّق بعليم واشارة الى انّ مظاهره كما انّهم مظاهر له تعالى مظاهر لجميع أسمائه وصفاته ، وحجّة على انّ مظاهره أنوار السّماوات والأرض مثل مقام ظهوره لانّ المظاهر إذا كانوا مظاهر لعلمه الّذى هو من صفاته الحقيقيّة الّتى هي أشرف الصّفات كانوا مظاهر لاضافاته الّتى هي أضعف الصّفات والمعنى انّه كما يعلم بكلّ الأشياء في مقام ذاته ومقام ظهوره عليم بكلّها في مظاهره ، ويجوز ان يجعل في بيوت متعلّقا بمحذوف يفسّره يسبّح المذكور بطريق باب الاشتغال ، ويجوز تعلّقه بالجمل السّابقة والمراد بتلك البيوت بيوت خلفاء الله من الأنبياء والأولياء (ع) وصدورهم وقلوبهم وولايتهم ونبوّتهم وذوات الأنبياء والأولياء (ع) ، ويجوز ان يراد بالبيوت الّتى (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) المساجد الصّوريّة فانّ المساجد الصّوريّة يجوز ان ترفع على سائر البيوت ولا يجوز ان ترفع البيوت عليها والمساجد الحقيقيّة اذن الله ان ترفع على كلّ الموجودات إذنا تكوينيّا وارتفاعا تكوينيّا وإذنا تكليفيّا وارتفاعا تكليفيّا (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ) قرئ مبنيّا للمفعول ومبنيّا للفاعل بالياء التّحتانىّ وبالتّاء الفوقانىّ ، وإذا كان مبنيّا للمفعول وبالياء التّحتانىّ كان مرفوعه واحدا من الظّروف الثّلاثة الآتية ، وإذا كان بالتّاء الفوقانىّ كان مرفوعه السّبحة المستفادة من الفعل ، وإذا كان مبنيّا للفاعل كان مرفوعه رجال ، وتأنيث الفعل باعتبار صورة الجمع المكسّر وجملة يسبّح (لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) حاليّة أو مستأنفة ، والغدوّ مصدر استعمل بمعنى أوقات الصّبح ولذلك حسن مقابلته مفردا مع الآصال جمعا والمراد بالتّسبيح تنزيه اللّطيفة الانسانيّة عمّا يعاوقه عن السّلوك الى الرّبّ سواء عدّى بنفسه الى الله أو الى اسم الله أو باللّام سواء كان اللّام للتّقوية أو للغاية ، فانّ تلك اللّطيفة مظهر لله واسم له وتنزيهها ليس الّا لله (رِجالٌ) فاعل يسبّح المذكور ان قرئ مبنيّا للفاعل وفاعل محذوف ان قرئ مبنيّا للمفعول ، وفي أخبارنا انّ رجال خبر مبتدء محذوف كناية عن البيوت اى هم اى البيوت رجال ، ويجوز ان يكون رجال مبتدءا خبره يخافون (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ) التّجارة مطلق المعاملة أو هي البيع والشّرى والبيع من الاضداد يستعمل في الشّرى والبيع كالشّرى ، فعلى هذا كان ذكر البيع بعد التّجارة من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ أو من قبيل ذكر المرادف بعد المرادف للتّأكيد ان كان البيع اعمّ من البيع والشّرى بطريق عموم الاشتراك ، أو المراد بالتّجارة مطلق المكاسب سواء كان بطريق المعاملة

١٢٤

أو غيرها وبالبيع التّجارة المعهودة (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) قد مضى في سورة البقرة عند قوله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) تحقيق الذّكر واقسامه ، والذّكر سواء كان لسانيّا جليّا أو جنانيّا خفيّا أو صدريّا حقيقيّا ويعبّر عنه بالسّكينة والفكر والحضور وهو مثال الشّيخ المتمثّل عند السّالك لقوّة اشتغاله بالذّكر المأخوذ منه أو كان تذكّرا لأمره ونهيه عند كلّ فعل لا ينافي الاشتغال بالمكاسب ، بل إذا كان حال السّالك ملاحظة امره تعالى ونهيه عند فعاله وكان كسبه بلحاظ امره تعالى وعدم قعوده عن الكسب بلحاظ نهيه تعالى كان كسبه ذكرا بل كان من أشرف أقسام الذّكر كما مضى في سورة البقرة ، فانّ الذّكر اللّسانىّ والجنانىّ عبارة عمّا يجرى على اللّسان أو على الجنان ويذكر الإنسان بسببه صفات الرّحمن وهذا الكسب بذلك اللّحاظ يذكر الإنسان بسببه صفتي لطفه وقهره واضافتى امره ونهيه ، فالرّجال لا يتركون الكسب لذكر الله بل يجعلون الكسب ذكرا لله (وَإِقامِ الصَّلاةِ) قد مضى في اوّل البقرة تحقيق وتفصيل للصّلوة وأقسامها وإقامتها (وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) قد مضى هناك بيان الزّكاة وايتائها مفصّلا روى عن الصّادق (ع) انّهم كانوا أصحاب تجارة فاذا حضرت الصّلوة تركوا التّجارة وانطلقوا الى الصّلوة وهم أعظم اجرا ممّن لا يتّجر ، وفي خبر : هم التّجّار الّذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله إذا دخل مواقيت الصّلوة ادّوا الى الله حقّه فيها ، وسئل الصّادق (ع) عن تاجر فقيل : صالح ولكنّه قد ترك التّجارة ، فقال (ع) : عمل الشّيطان ، ثلاثا ، اما علم انّ رسول الله (ص) اشترى عيرا أتت من الشّام فاستفضل فيها ما قضى دينه وقسّم في قرابته يقول الله عزوجل : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) (الآية) يقول القصّاص : انّ القوم لم يكونوا يتّجرون ، كذبوا ولكنّهم لم يكونوا يدعون الصّلوة في ميقاتها وهو أفضل ممّن حضر الصّلوة ولم يتّجر (يَخافُونَ) حال أو صفة بعد صفة لرجال أو خبر بعد خبر اى هم رجال يخافون أو خبر لرجال أو جواب لسؤال مقدّر في مقام التّعليل (يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ) في الأحوال من الحزن والسّرور والقبض والبسط والخوف والرّجاء وغير ذلك من الأحوال المتضادّة وذلك لكثرة ما ترى من أسباب ذلك فانّ ذلك اليوم يوم يعرض فيه الجنّة ونعيمها والجحيم وأنواع عذابها على الخلق (وَ) تتقلّب (الْأَبْصارُ) من الانفتاح والانغماز ، والشّخوص والخشوع ، والدّوران والسّكون ، أو تتقلّب القلوب من اخسّ أحوالها الى أشرفها ، أو من حالاتها الخسيسة الى اخسّها ، أو الأبصار من ابصارها الى العمى أو من ضعف الأبصار الى حدّته ، أو تتحرّك القلوب الى الحناجر والأبصار يمنة ويسرة لكثرة المدهشات ، أو تتقلّب القلوب من الشّكّ الى اليقين والأبصار ممّا رأته غيّا فتراه رشدا (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) اللّام اشارة الى العاقبة أو الى العلّة الغائيّة وعلّة لقوله تعالى : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) أو (يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) أو لاذن الله أو لترفع أو ليذكر فيها اسمه ، أو ليسبّح أو لقوله (لا تُلْهِيهِمْ) أو لذكر الله واقام الصلوة أو ليخافون أو للتقلب فيه القلوب ، أو للكلّ على سبيل التّنازع ، والجزاء بأحسن ما عملوا امّا بان لا يجزى غيره سواء كان حسنا أو قبيحا ، أو بان يجزى جميع الأعمال حسنها وأحسنها وقبيحها بجزاء أحسنها ، وهذا هو المراد ، وقد مضى في سورة التّوبة في نظير الآية بيان لوجه جزاء جملة الأعمال بجزاء أحسنها (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) من غير نظر الى عمله واستحقاقه (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) عطف أو حال في معنى التّعليل أو عطف فيه معنى الاضراب والتّرقّى فانّ الظّاهر من الزّيادة على قدر جزاء العمل ان تكون بقدر وحساب فأضرب عنه وقال بل يرزقهم بغير حساب وانّما قال الله يرزق من يشاء بغير حساب لافادة هذا المعنى والتّعليل عليه فكأنّه قال : بل الله يرزقهم بغير حساب لانّهم يشاءوهم الله والله يرزق من يشاء بغير حساب (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على

١٢٥

يهدى الله ومعادل له والمناسب للمعادلة ان يقول : ويضلّ الله عن نوره من يشاء لكنّه للاشارة الى انّ الهداية من الغايات الذّاتيّة والإضلال من الغايات العرضيّة كأنّه ليس الّا من فعل العبد عدل عنه وقال والّذين كفروا بالنّور يعنى بعلىّ (ع) وولايته ، أو عطف على جملة يسبّح له فيها ومعادل له والمعنى لا يسبّح له فيها رجال (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) لكنّه عدل الى هذا للاشعار بانّ كون أعمالهم كسراب معلّل بكفرهم ، وللاشارة الى انّ عدم التّسبيح مسبّب عن كفرهم أيضا ، أو عطف على جملة رجال على ان تكون خبرا لمحذوف ، أو عطف على جملة يخافون على ان تكون مستأنفة (بِقِيعَةٍ) القيع والقيعة والقيعان بكسرهنّ جمع القاع وهي ارض سهلة مطمئنّة قد انفرجت عنها الجبال (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) وهذا من التّشبيهات التّمثيليّة مثّل عمل الكافر الّذى يشبه الطّاعات الّتى تصدر عمّن قبل الولاية وصار ذا لبّ بتلقيح الولاية والبيعة الخاصّة الولويّة بسراب يلمع لمعان الماء الجاري في بيداء بعيدة في نضارة صورة عمله وخلوّها عن معنى الطّاعات وفنائها من غير بقاء اثر منها على النّفس وشبّه الكافر العامل لهذا العمل أو النّاظر الى هذا العامل وعمله الّذى يطلب الحقّ وكان الحقّ مستورا عنه ويفتتن بصورة هذا العمل بظمآن يفتتن بصورة السّراب ، وشبّه توجّه العامل أو النّاظر الى صورة هذا العمل وافتتانه به بافتتان الظّمآن واسراعه الى السّراب ، وشبّه فناء العمل من غير اثر منه حين الحاجة اليه بفناء السّراب حين الإتيان اليه بعد شدّة الحاجة باشتداد الظّماء بسبب سرعة الحركة وتهيّؤ شرب الماء ، وشبّه وجدانه الله في القيامة ومحاسبة الله ايّاه ومطالبته باماناته الّتى أودعها عنده بوجدان ذلك الظّمآن المسرع الى السّراب مع خيبته من مرجوه محاسبا قويّا مطاعا كان له على ذلك الظّمآن ديون ويطالبه بتلك الدّيون فوفّاه حسابه (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) تهديد للكافر والنّاظر الى صورة عمله فانّ سرعة الحساب كناية عن عدم فوات الجليل والحقير عنه (أَوْ كَظُلُماتٍ) يعنى انّ الّذين كفروا بالولاية امّا يكونون على صورة الإسلام ويكون عملهم صورة عمل المؤمن أو لا يكونون على صورة الإسلام ولا يكون عملهم موافقا لعمل المؤمن ، بل يكون بخلاف الشّريعة وخلاف عمل المؤمن فيكون بصورته مظلما كما انّه لا يكون له لبّ مثل عمل الكافر السّابق الّذى كان على صورة الإسلام ولم يكن له ايمان ، فشبّه أعمالهم المظلمة بظلمات اللّيل ونفوسهم المظلمة ببحر عميق أو بعيد السّاحل ، واضطرابات نفوسهم بسبب كثرة الآمال والشّهوات وكثرة خوفهم بحسبان كلّ صيحة عليهم بالأمواج المتتابعة والمتراكمة ، وشبّه الاهوية السّاترة للحقّ عن نظره بالسّحاب السّاترة للشّمس الواقعة فوق البحر فانّها تصير سببا لشدّة الظّلمة وكثرة الأمواج خصوصا إذا كان معها قطرات من المطر فقال أعمالهم كظلمات (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ) اى يغشى البحر أو العامل (مَوْجٌ) من البحر (مِنْ فَوْقِهِ) اى من فوق الموج أو البحر أو العامل (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ) هذا الضّمير كالضّمير السّابق (سَحابٌ) قرئ بالاضافة ومنوّنا (كَظُلُماتٍ) قرئ بالرّقع مبتدء ومسوّغه وصفه المستفاد من التّنوين ، أو خبر مبتدء محذوف ، وقرئ بالجرّ وهو على قراءة تنوين سحاب يكون بدلا من ظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) وهي ظلمة البحر وظلمه اللّيل وظلمة الأمواج وظلمة السّحاب (إِذا أَخْرَجَ) العامل أو إذا اخرج مخرج (يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) يعنى لا يريها ولا يقرب رؤيتها أو يريها بعد جهد ومشقّة بعد ان لم يكد يريها فانّه قد يستعمل في هذا المعنى (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) يعنى من لم يهده الله لنوره ، وهذا يدلّ على انّ قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) (الى آخره) معادل لقوله يهدى الله لنوره من يشاء ولم يقل : من لم يهتد الى نوره ، للاشعار بانّ الاهتداء الى النّور مسبّب من فعل الله بخلاف الكفر فانّه مسبّب من استعداد العبد والمراد بالنّور الّذى يجعله الله للعباد الولاية الّتى هي كالبذر في ارض القلب وكالانفحة للبن الوجود وكاللّبّ

١٢٦

لجوز الأعمال ولوزها وفستقها ، وبها يصير العباد اولى الألباب ، والأعمال ذوات الألباب ، وبدونها يكون وجود العباد وأعمالهم كالجوز الخالي من اللّبّ وهذه هي الّتى لا تدع العباد ان يخرجوا عن طاعة مشايخهم ، وهي الّتى إذا قويت وصفّت النّفوس ظهرت بصورة مشايخهم في قلوبهم وقوله تعالى : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) اشارة الى هذا الظّهور فانّه في القيامة تصفو النّفوس من حجب المادّة وتظهر ولايتهم بصورة امامهم ، وبظهور هذا النّور يكون جميع الخيرات ويدفع جميع الشّرور ، وتلك الولاية كسفينة نوح يكون المتوسّل بها آمنا من أمواج الفتن وظلمات الزّمن ، والى هذه الولاية أشار من قال :

بهر اين فرمود پيغمبر كه من

همچو كشتى ام بطوفان ز من

ما واصحابيم چون كشتىّ نوح

هر كه دست اندر زند يابد فتوح

والى ذلك الظّهور أشار بقوله :

چون خدا مر جسم را تبديل كرد

رفتنش بى فرسخ وبى ميل كرد

چونكه با شيخي تو دور از زشتئى

روز وشب سيّارى ودر كشتئى

هين مپر الّا كه با پرهاى شيخ

تا ببينى عون لشكرهاى شيخ

(فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) لانّه من ذاته ان يكون ليس في ذاته وصفاته ، ومن الله ان يكون ايسا في ذلك كلّه فكأنّه تعالى قال : لم يكن له نور لانّه ماله من نور من ذاته ، وللاشارة الى بعض وجوه التّأويل ورد عن الصّادق (ع) شرح في تأويل الآية حتّى قال : إذا اخرج يده المؤمن في ظلمة فتنتهم لم يكد يريها ومن لم يجعل الله له نورا إماما من ولد فاطمة (ع) فماله من نور امام يوم القيامة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) جواب لسؤال مقدّر نشأ من قوله يسبّح له فيها فانّ تقييد التّسبيح بكونه في تلك البيوت وكونه من رجال مخصوصين يوهم انّه لا يسبّح له في غيرها فصار المقام مقام ان يسأل عن تسبيح غير الرّجال المذكورين والتّسبيح في غير تلك البيوت فقال تعالى : الم تر خطابا لمحمّد (ص) أو لمن يتأتّى منه الرّؤية فانّ الرّائى إذا نظر بأدنى تأمّل رأى انّ جميع الذّرّات في جميع الأحوال وجميع الأفعال يكونون في تسبيح الرّبّ والتّسبيح للرّبّ ، فانّ الكلّ يكونون في الاستكمال الفطرىّ على الدّوام وهذا الاستكمال تنزيه للّطيفة الّتى هي اسم الرّبّ ومرآته عن سمة النّقصان وحجب القوى وإخراج لها من القوى الى الفعليّات ، وهذا التّسبيح أتمّ من التّسبيح اللّسانىّ الاختيارىّ الّذى يكون أكثر الأوقات مشوبا بالأغراض النّفسانيّة وتدنيسا لتلك اللّطيفة وتركا للتّسبيح في الحقيقة وضدّا له ، وقد سبق مكرّرا انّ المراد بتسبيح الرّبّ سواء عدّى بنفسه الى الرّبّ أو الى اسم الرّبّ أو عدّى بالباء أو باللّام الزّائدة للتّقوية أو باللّام التّعليليّة تنزيه تلك اللّطيفة عن شوب القوّة والاستعداد فانّ تلك اللّطيفة نازلة الرّبّ واسمه وتنزيهها ليس الّا للرّبّ وبتنزيهها يكون تنزيه الرّبّ فالله تعالى شأنه يسبّحه ويسبّح لأجله جميع من في السّماوات (وَ) جميع من في (الْأَرْضِ) والمراد جميع الموجودات فيهما بطريق التّغليب ويكون ذكر الطّير بعدهما لكونها ممّا ليست في الأرض ولا في السّماء في الأغلب بل بينهما ، أو المراد بهما ذو والعقول خاصّة وذكر الطّير من بين سائر الحيوان لكونها أشرف من أكثر اصنافه وأكثر تفطّنا (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) اى حالكونها ذوات صفيف الاجنحة في الجوّ ، وهذا التّقييد يشعر بانّ ذكرها لكونها في الجوّ (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ) الصّلوة الدّعاء والرّحمة والعبادة المخصوصة الموضوعة في كلّ ملّة ولكلّ أمّة والكلّ مناسب فانّ الله يعلم دعاء كلّ والرّحمة اللّائقة به وعبادته الخاصّة به ، وكلّ من في الأرض والسّماء والطّير قد علم كيفيّة دعائه لله وطريق الرّحمة الخاصّة به والعبادة المخصوصة به ، فانّ طريق رحمة كلّ وكيفيّة دعائه لله هو سيره على طريقه الخاصّة به وعدم الانحراف منها

١٢٧

وهو عبادته الخاصّة به فعلى هذا جاز ان يكون ضمير علم راجعا الى الله والى كلّ (وَتَسْبِيحَهُ) كيفيّة تنزيهه لله بخروجه من قواه الى فعليّاته غاية الأمر انّ غير ذوي العقول يعلم بالشّعور البسيط دون الشّعور التّركيبىّ كما في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) يعنى بالشّعور التّركيبىّ (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) فيجازيهم بحسب أفعالهم ولا يفوته شيء من أفعالهم حتّى لا يجزيه (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعنى انّه تعالى خالقه ومالكه فكيف لا يعلم افعال خلقه فيه (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) يعنى غاية ملك السّماوات والأرض هو الله أو رجوع افعال كلّ من في السّماوات والأرض اليه بمعنى انّ الفاعل في الكلّ هو الله وانّ الوسائط بمنزلة الآلات كالقلم واليد والقوّة المحرّكة والقوّة الشّوقيّة والارادة للنّفس فاذا نظر النّاظر الى افعال العباد وانّها صادرة منهم لكن نظر الى انّهم مسخّرون لنفوسهم ونفوسهم مسخّرة لارادتها ، وارادتها نازلة إليهم من غيرهم علم انّ الأفعال كلّها راجعة بحسب الصّدور الى مسخّر إرادات العباد وليس الّا الله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) الجملة مستأنفة في مقام التّعليل لقوله لله ملك السّماوات أو لقوله الى الله المصير ، أو للمجموع والخطاب لمحمّد (ص) لانّه هو الرّائى لمثل ذلك لا المحجوب عن مشاهدة فعل الحقّ في افعال العباد والطّبائع ، أو لكلّ من يتأتّى منه تلك الرّؤية ، أو لكلّ راء فانّ كلّ راء ينبغي له ذلك ، والاستفهام على الاوّل والثّانى للتّقرير ، وعلى الثّالث للتّوبيخ ، والإزجاء السّوق (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) اى بين قطعه المتفرّقة (ثُمَّ يَجْعَلُهُ) بعد جمع قطعه (رُكاماً) متراكما (فَتَرَى الْوَدْقَ) اى المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ) اى من السّحاب فانّ كلّ ما علا مطبقا فهو سماء (مِنْ جِبالٍ فِيها) بدل من قوله من السّماء والمعنى ينزّل من السّحاب من القطع المعظمة المرتفعة في السّحاب (مِنْ بَرَدٍ) بعضا من برد والوجوه الاخر في اعراب الآية ومعناها ضعيفة جدّا (فَيُصِيبُ بِهِ) اى بضرر البرد (مَنْ يَشاءُ) من عباده فيهلك حرثه وماله ويخرب دوره (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) اى سنا برق السّحاب أو البرد (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) لشدّة لمعانه (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما حال اللّيالى والايّام تكون ذوات غيم وبلا غيم؟ ـ وذوات مطر وبرد وبلا مطر وبرد؟! ـ فقال تعالى : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) بان يجعل بعضهما حارّا رطبا فيحصل فيه بخار فيتولّد منه سحاب ومطر وبرد ويجعل بعضهما حارّا جدّا أو باردا جدّا أو يابسا فلا يحصل فيه سحاب أو بان يجعل مكان اللّيل النّهار ومكان النّهار اللّيل أو بان يجعل اللّيل طويلا وقصيرا وكذا النّهار (إِنَّ فِي ذلِكَ) التّقليب (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) الّذين يبصرون الأشياء من حيث حكمها ومصالحها ونضدها وترتيبها وغاياتها المترتّبة عليها ، فانّ هؤلاء يعتبرون باختلاف اللّيل والنّهار بالزّيادة والنّقيصة والبرودة والحرارة والنّور والظّلمة ، ويستدلّون بذلك الاختلاف والانتضاد في الاختلاف والحكم المودعة فيه والغايات المترتّبة عليه من تربية جملة المواليد على انّ خالقهما عليم حكيم قادر قوىّ وان ليس هذا الانتضاد في الاختلاف الّا من مبدء حكيم وليس من الدّهر كما يقوله الدّهريّون ، ولا من الطّبع كما يقوله الطّبيعيّون ، ولا بمحض الاتّفاق كما يقوله القائلون بالبخت والاتّفاق (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) جملة حاليّة أو معطوفة على قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ) (الآية) بلحاظ المعنى فانّه في معنى : الله يسبّح له من في السّماوات ، والاستفهام والنّفى لا يفيد الّا تأكيد هذا المعنى ، أو على قوله : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أو على قوله : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) ، أو على : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي) ، بلحاظ المعنى ، أو على يقلّب الله اللّيل ، والمراد بالماء الّذى خلق الله منه الدّوابّ هو النّطفة ولذلك نكرّ الماء اشارة الى نوع

١٢٨

خاصّ منه أو جنس الماء فانّه جزء مادّته وبه بقاؤه وحياته (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحيّات والحيتان والديدان (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كالاناسىّ والطّيور وبعض حشرات الأرض (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كذوات الأربع من الانعام والسّباع وغيرها ، ولم يقل : ومنهم من يمشى على أكثر ، لانّ أكثر ما يمشى على أكثر كان اعتماده على اربع ، وما كان اعتماده في المشي على أكثر يكون نادرا ، نسب الى ابى جعفر (ع) انّه قال : ومنهم من يمشى على أكثر (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) وهذا بمنزلة منهم من يمشى على أكثر وجواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : هل كان في الحيوان ما يمشى على أكثر؟ ـ فقال : يخلق الله ما يشاء (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على خلق ما يمشى على أكثر من الأربع فهو في مقام التّعليل لقوله تعالى : يخلق الله ما يشاء والإتيان بمن الّتى هي لذوي العقول في غير ذوي العقول لتغليب ذوي العقول والاقتران به (لَقَدْ أَنْزَلْنا) من مقام المشيّة ومقام الأقلام والألواح (آياتٍ) تدوينيّة في صورة الآيات القرآنيّة الّتى تلوناها عليكم وآيات تكوينيّة في صور طبيعيّة من مثل تسبيح من في السّماوات وازجاء السّحاب وإنزال الأمطار وتقليب الايّام وخلق الدّوابّ كلّها من الماء وجعلها مختلفات في المشي وغيره (مُبَيِّناتٍ) واضحات أو موضحات (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) بسبب تلك الآيات فلا غرو في عدم اهتداء بعض مع وضوح الآيات الهاديات فانّ الهداية بيد الله لا غير ، والصّراط المستقيم هو الولاية وطريق القلب (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ) عطف على الله يهدى سواء جعل معطوفا على قدر أنزلنا أو حالا أو يقولون حال بتقدير المبتدأ (وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعنى انّ ايمانهم محض قول لمنافاة فعلهم له ولذلك قال (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) وهذا وجه آخر للدّلالة على عدم ايمانهم (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) وجه آخر للدّلالة على عدم ايمانهم وانّهم انّما توجّهوا اليه لجلب النّفع في دنياهم (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) فينصرفوا عنه مع يقينهم به بسبب ذلك المرض (أَمِ ارْتابُوا) في نبوّته (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لا الله ورسوله (ص) حتّى يتوهّموا انّه يحيف عليهم (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) جواب لسؤال مقدّر عن حال المؤمنين الّذين لم يكن ايمانهم محض القول (إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا) هذا الدّعاء ، أو سمعنا حكمه سواء كان لنا أو علينا (وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ) قرئ يتّقه بكسر القاف والهاء بدون الإشباع على الأصل ، وقرئ يتّقه بسكون القاف وكسر الهاء بلا إشباع تشبيها له بالكتف في التّخفيف ، وقرئ بكسر القاف وكسر الهاء مع الإشباع ، وقرئ بكسر القاف وسكون الهاء تشبيها للضّمير بهاء السّكت (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ وَأَقْسَمُوا) اى القائلون آمنّا بالله أو الّذين تولّوا (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) مفعول مطلق نوعىّ لاقسموا اى أقسموا مبالغة ايمانهم كما هو عادة الكذّاب يكثر الايمان ويؤكّدها ويغلّظها ، أو جهد ايمانهم مفعول مطلق لمحذوف هو حال اى يجهدون جهد ايمانهم (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) بالخروج في الغزوات (لَيَخْرُجُنَّ قُلْ) لهم (لا تُقْسِمُوا) اى لا حاجة الى القسم لانّ طاعتك (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يرتضيها العقل والعرف ونفعها عائد إليهم لا إليك حتّى يحتاجوا الى الإظهار والقسم عليها (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ قُلْ) لهم (أَطِيعُوا اللهَ) بالفعل لا بالقول فقط (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا)

١٢٩

اى تتولّوا لا تضرّوه شيئا (فَإِنَّما عَلَيْهِ) اى على الرّسول (ص) (ما حُمِّلَ) من تبليغ رسالته وقد بلّغ لا هدايتكم الى الطّاعة حتّى يكون وبال تولّيكم عليه (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) من متابعته فضرر التّولّى عائد عليكم (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) الى الايمان الّذى هو بضاعتكم لآخرتكم وهو ولاية علىّ (ع) (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) اى التّبليغ (الْمُبِينُ) الظّاهر بحيث لا يخفى على أحد أو المظهر للمقصود (وَعَدَ اللهُ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما لمطيع الرّسول؟ ـ أو ما لمن اهتدى الى الايمان الحقيقىّ؟ ـ فقال : وعد الله ووعده لا خلف فيه (الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) بالبيعة العامّة النّبويّة أو بالبيعة الخاصّة الولويّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) اللّازمات للايمان حتّى يستقرّ ايمانهم (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) يجعلهم خلفاء الماضين أو خلفاء نفسه (فِي الْأَرْضِ) اى ارض العالم الصّغير أو ارض العالم الكبير بان يخرج الجبابرة المسلّطين عليها عنها أو يجعلهم منقادين للإسلام طوعا أو كرها (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) في الصّغير أو الكبير.

اعلم ، انّ ألفاظ القرآن لسعته لا تحمل على معنى واحد ولا على وجه واحد بل كان المنظور منها جميع معانيها بجميع وجوهها لسعة المتكلّم والمخاطب بها ، فالإيمان إذا أريد به الإسلام الحاصل بالبيعة العامّة النّبويّة يجوز ان يراد بالعمل الصّالح الأعمال اللّازمة للإسلام ، وان يراد بالاستخلاف التّسلّط الصّورىّ والغلبة في الدّنيا كما ورد انّه لمّا قدم رسول الله (ص) وأصحابه المدينة وآواهم الأنصار رمتهم (١) العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون الّا مع السّلاح ولا يصبحون الّا فيه ، فقالوا : ترون انّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنّين لا نخاف الّا الله؟ ـ فنزلت هذه الآية وصدقت بعد الغلبة على المدينة ونواحيها وانقياد العرب لهم أو بعد فتح مكّة كما قيل : انّها نزلت في فتح مكّة ، وفي رواية عن رسول الله (ص) : زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها ، وفي خبر عن المقداد عن رسول الله (ص) انّه لا يبقى على الأرض بيت مدر ولا وبر الّا ادخله الله تعالى كلمة الإسلام بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل امّا ان يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها وامّا ان يذلّهم فيدينون لها وعلى هذا فمعنى قوله (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) ليسلّطنّهم على مخالفيهم حتّى يمكنهم إظهار كلمة الإسلام ولوازمها ، ويجوز ان يراد بالعمل الصّالح البيعة الولويّة الايمانيّة وبالاستخلاف الاستخلاف في العلم والتّصرّف بالنّسبة الى العالم الصّغير أو الى العالم الكبير ، ويجوز ان يراد بالاستخلاف استخلاف لطيفتهم الولويّة الّتى تظهر بصورة ولىّ الأمر في ملكهم الصّغير ، وإذا قويت وتمكّنت صارت خليفة لله في العلم والعمل في الصّغير والكبير ، ويجوز ان يراد بالاستخلاف الاستخلاف في النّبوّة أو الرّسالة بعد استخلاف اللّطيفة الولويّة ، وإذا أريد بالايمان الايمان الحاصل بالبيعة الولويّة يجوز ان يراد بالاستخلاف الاستخلاف في الملك أو الاستخلاف في العلم والعمل ، أو الاستخلاف بظهور صورة ولىّ الأمر ، أو الاستخلاف في النّبوّة والرّسالة ، وإذا أريد بالايمان الايمان الشّهودىّ الّذى لا يكون الّا بشهود ملكوت ولىّ الأمر جاز ان يراد بالعمل الصّالح البقاء على الحضور عنده ، وبالاستخلاف الاستخلاف في النّبوّة أو الرّسالة ، والى هذه المعاني وتلك الوجوه أشير في الاخبار فانّه فسّر الّذين آمنوا تارة بالمسلمين وتارة بالمؤمنين القابلين للولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة ، وتارة بالكاملين في الايمان من الائمّة الاطهار (ع) ، والاستخلاف تارة بالاستخلاف في الملك وتارة بالاستخلاف في العلم والدّين والعبادة ، وتارة بالاستخلاف في ظهور القائم (ع) من أراد الاخبار فليرجع

__________________

(١) اى اتّفقوا على إيذائهم.

١٣٠

الى المفصّلات (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ) من الأعداء الظّاهرة في الكبير ومن الأعداء الباطنة في الصّغير (أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي) بشيء من أنواع الشّرك الصّورىّ أو الباطنىّ (شَيْئاً) من الأصنام والاهوية والشّركاء في الولاية (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن حكم الله ودينه فانّ من لم يبلغ الى هذا المقام وبقي استعداد للدّخول فيه كان كأنّه غير خارج من طريق الانسانيّة وان لم يكن داخلا فيها بالدّخول التّكليفىّ أو السّلوكىّ بعد بخلاف من وصل الى هذا المقام وخرج بعد منه فانّه خرج من القوّة الى الفعل وبالخروج من هذا المقام يبطل الفعليّة ولا يكون فيه قوّة واستعداد فيكون هو الفاسق حقيقة ، وإذا أريد بالّذين آمنوا المؤمنون التّابعون للائمّة (ع) من الشّيعة كان إنجاز الوعد في حال الحيوة الدّنيا أو في حال الاحتضار (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) لمّا كان قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) تعريضا بالحاضرين وأمرهم بالايمان والعمل الصّالح فكان في معنى آمنوا واعملوا الصّالحات ، وكان عملوا الصّالحات مجملا وأراد ان يفصّل الأعمال الصّالحة عطف عليه قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) أو قدّر آمنوا ولم يصرّح به لاستفادته بعينه من قوله (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بخلاف أقيموا الصّلوة فانّه لم يستفد من قوله عملوا الصّالحات فكأنّه قال فآمنوا وأقيموا الصّلوة (وَآتُوا الزَّكاةَ) قد مضى في اوّل البقرة بيان وتفصيل لاقامة الصّلوة وإيتاء الزّكاة (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في سائر ما أمركم به أو أطيعوه في اقامة الصّلوة وإيتاء الزّكاة بمعنى اجعلوا الدّاعى على صلوتكم وزكوتكم محض أمره (ص) دون غيره من المراياة والصّيت وإمضاء العادة والمماثلة لامثالكم أو حفظ المال أو تحصيله أو حفظ العيال والعرض والجاه وغير ذلك ممّا يجعله صاحبوا النّفوس غايات لأفعالهم وعباداتهم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لا تَحْسَبَنَ) قرئ بالخطاب والغيبة ، ويجوز ان يكون الخطاب لمحمّد (ص) وان يكون عامّا وعلى قراءة الغيبة فالفاعل مستتر اى لا يحسبنّ حاسب أو الفاعل (الَّذِينَ كَفَرُوا) والمفعول الاوّل محذوف اى لا يحسبنّهم الّذين كفروا (مُعْجِزِينَ) الله عن ادراكهم (فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وهذا كلام منقطع عن سابقه لفظا ومعنى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) كلام منقطع لتعليم أدب من الآداب (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ) اى ملكتهم (أَيْمانُكُمْ) في خبر : هي خاصّة في الرّجال دون النّساء ، قيل : فالنّساء يستأذنّ في هذه الثّلاث ساعات؟ ـ قال : لا ولكن يدخلن ويخرجن ، وفي رواية اخرى : هم المملوكون من الرّجال والنّساء والصّبيان الّذين لم يبلغوا (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) يعنى في كلّ يوم وليلة (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) يعنى في الأوقات الّتى يكون الإنسان في الأغلب عاريا من الثّياب السّاترة للعورات ومن ثياب التّجمّل ودخول الموالي وغير البالغين المميّزين في تلك الأوقات يوجب رؤية العورات والمساوى ويذهب بهيبة الشّخص من الانظار (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) لم يقل في جوف اللّيل لانّه ليس وقت طواف ودخول أو لانّ الأمر بالاذن في طرفي النّهار يكون لاستغراق اللّيل ، أو لانّ وجوب الاذن في الطّرفين يوجب وجوبه في وسطه بالطّريق الاولى (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) العورة الخلل في الثّغر وغيره وكلّ مكمن للسّتر والسّوءة والسّاعة الّتى هي قمن من ظهور العورة فيها وهي المراد هاهنا (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ) في ترك الاستيذان والدّخول من غير اذن ان شاؤا (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) استيناف جواب لسؤال مقدّر في مقام التّعليل بتقدير مبتدء محذوف اى هؤلاء لأجل حاجتكم إليهم في خدمتهم وفي تربيتهم كثير الطّواف

١٣١

عليكم ، ويكون الاستيذان عسرا عليكم وعليهم (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) بدل من الضّمير واشعار بأنّهم كالاجزاء والأبعاض منكم فلا حاجة لهم ولا لكم الى الاستيذان في غير وقت ظهور العورات ، أو بعضكم فاعل فعل محذوف أو مبتدء خبر محذوف (كَذلِكَ) التّبيين من تبيين الأحكام مع الاشارة الى عللها وحكمها (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الاخر والأحكام القالبيّة والقلبيّة مع حكمها وعللها (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم مصالح ما يجعله شريعة لكم (حَكِيمٌ) ينظر الى دقائق الحكم ويشرع ما يترتّب عليه دقائق الحكم (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ) لا من المماليك فانّ حكم أطفالهم وقت البلوغ حكم أنفسهم في الاستيذان في الأوقات الثّلاثة (الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) في جميع الأوقات فانّه المستفاد من اطلاق الاستيذان ومن مقابلته مع غير البالغين الّذين كان حكمهم الاستيذان في الأوقات الثّلاثة (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) اى الّذين كانوا بالغين ومستأذنين من قبلهم (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التّكرار لمحض التّأكيد والمبالغة في امر الاستيذان (وَالْقَواعِدُ) اللّاتى قعدن من طلب النّكاح ليأسهنّ من رغبة الرّجال إليهنّ وعدم ميل الرّجال إليهنّ لكبرهنّ (مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) لعدم طمعهنّ فيه وعدم طمع الرّجال فيهنّ (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ) الجملة خبر الموصول ودخول الفاء في الخبر امّا لكون اللّام موصولا ، أو لوصف القواعد باللّاتى ، أو لتوهّم امّا أو لتقديره ، ولمّا امر بالاستيذان وقت ظهور العورة وطرح الثّياب استفيد منه لزوم لبس الثّياب وستر العورات خصوصا للنّساء اللّاتى يكون جميع بدنهنّ عورة قال امّا العجائز فليس عليهنّ جناح (أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) يعنى بعض ثيابهنّ وهو الجلباب والخمار كما قرئ ان يضعن من ثيابهنّ فانّ إظهار غير الكفّين والقدمين والوجه من البدن على غير المحارم كما كان حراما لغير العجائز كان حراما لهنّ أيضا (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) اى بشيء من الزّينة ومواضعها فانّ إظهار الزّينة ومواضعها سواء كان من العجائز أو غيرهنّ ممّا يريب الرّجال ، نعم ورد استثناء الشّعور منهنّ فانّه ان لم يكن الرّجال ينزجرون من رؤيتها لم يكونوا يرغبون فيها (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) بالسّتر وترك وضع الثّياب (خَيْرٌ لَهُنَ) من الوضع (وَاللهُ سَمِيعٌ) فلا يقلن للرّجال ما يريبهم (عَلِيمٌ) بنيّاتهنّ فلا يضعن ثيابهنّ لقصد ارتياب الرّجال (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) استيناف منقطع عن سابقه لفظا ومعنى ولذلك لم يأت بأداة الوصل وبيان لادب آخر من آداب المعاشرة وذلك كما روى ونقل انّ المرضى كانوا يكرهون معاشرة الاصحّاء ومؤاكلتهم لتأنّف الاصحّاء عن معاشرتهم ولاحتمال انزجارهم من مؤاكلتهم ومعاشرتهم وكان الاصحّاء يكرهون مؤاكلتهم لعدم قدرتهم على الاكل مثلهم ، وكان الغازون إذا خرجوا الى الغزاء خلّفوا الزّمنى على بيوتهم وكره الزّمنى الاكل منها وكان إذا خرج سريّة كانوا يدفعون مفاتيح بيوتهم الى الغازين ليأخذوا ويأكلوا ما يحتاجون اليه فيكرهون الاكل منها دون الاجتماع مع صاحبيها ، وكانوا إذا أرادوا ان يطعموا المرضى ولم يكن في بيوتهم ما يطعمهم به ذهبوا بهم الى بيوت قراباتهم فكره المرضى الاكل منها وكان المرضى يتحرّجون بعدم الاستطاعة للجهاد وعدم القدرة على الطّاعة وعدم زيارة الرّسول (ص) والمؤمنين مثل الاصحّاء فرفع تعالى الحرج من ذلك كلّه بقوله ليس على الأعمى حرج (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) وحذف المتعلّق ليذهب ذهن السّامع كلّ مذهب ممكن ، وقد مضى في اوّل الكتاب انّ الوجوه المحتملة كلّها مقصودة من ألفاظ القرآن فكأنّه قال : ليس على هؤلاء حرج في المؤاكلة مع الاصحّاء والمعاشرة معهم ، ولا في الاكل من بيوت من خلّفوهم عليها ولا في الاكل والأخذ من البيوت الّتى أعطاهم صاحبوها مفاتيحها ، ولا في الاكل من بيوت أقرباء الدّاعين ولا في التّخلّف

١٣٢

عن الجهاد ولا في عدم الطّاعة والزّيارة مثل الاصحّاء ، وكرّر لفظ حرج للاشارة الى عدم الفرق بين الثّلاثة في ظنّ التّحرّج وعدمه (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) حرج (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) متعلّق بالمجموع أو مختصّ بالأخير والمعنى ليس على أنفسكم حرج في ان تأكلوا منفردين أو مع المعلولين من بيوت أنفسكم ولمّا كان الولد وبيته للوالد جعل بيته داخلا في بيوتكم ولم يذكره منفردا كما ورد في حقّ ولد : أنت ومالك لأبيك ، وورد : انّ أطيب ما يأكل المرء من كسبه ، وانّ ولده من كسبه (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) بكونكم وكلاء للمالك في ضيعته أو مخزنة أو داره ، أو اعطى المالك المفتاح عارية ، أو المراد بيت المملوك فانّ المفاتح جمع المفتح بمعنى المخزن والسّيّد مالك للمولى ومملكوه (أَوْ صَدِيقِكُمْ) فانّ الصّداقة تقتضي السّرور بأكل الصّديق من بيته ولا اقلّ من الاذن ولكن كلّ ذلك ما لم يعلم عدم الاذن من صاحبيها ، وما لم يؤدّ الى السّرف والإفساد (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً) مجتمعين مع صاحبي البيوت أو مع المعلولين أو مع إنسان آخر أو مع ضيف (أَوْ أَشْتاتاً) متفرّقين منفردين فانّهم كما قيل كرهوا الأكل من البيوت المذكورة بدون صاحبيها وبعض البطون كان الرّجل منهم لا يأكل وحده ويتحرّج بالأكل وحده وكانوا لا يأكلون في بيوت الفقراء فانّ الغنىّ كان يدخل بيت الفقير من ذوي قرابته أو صداقته فيدعوه الى طعامه فيتحرّج عن الأكل وكانوا إذا نزل بهم ضيف يتحرّجون الأكل الّا معه (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً) أدب آخر وأتى بالفاء لانّه متعقّب للاذن في دخول البيوت (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) يعنى ليسلّم بعضكم على بعض فانّ المعاشرين كلّا منهم بمنزلة نفس الآخر ، أو سلّموا على أهل البيوت حتّى يردّوا السّلام عليكم فيكون سلامكم على أهل البيوت سلاما على أنفسكم ، أو سلّموا على أنفسكم إذا لم تجدوا فيها أحدا بان تقولوا ، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين أو بان تقولوا ، السّلام علينا من عند ربّنا (تَحِيَّةً) مفعول مطلق من غير لفظ الفعل (مِنْ عِنْدِ اللهِ) مشروعة من عند الله أو نازلة من عند الله فانّ لسان المسلّم حين يسلّم بأمر الله يكون مسخّرا لأمر الله ، والجاري على اللّسان المسخّر لله جار من الله (مُبارَكَةً) لانّها دعوة مؤمن لمؤمن بأمر الله ودعوة المؤمن للمؤمن بركة عليهما ، وإذا كانت بأمر الله وكان الدّاعى ناظرا الى امره ضوعفت بركتها (طَيِّبَةً) لما فيها من صيرورة نفسي المسلّم والمسلّم عليه طيّبتين (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) واحكام المعاشرة أو الآيات التّدوينيّة في بيان احكام المعاشرة (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) حكمها ومصالحها أو لعلّكم تصيرون عقلاء أو لعلّكم تعقلون الآداب اللّازمة في المعاشرة وتفهمونها فتعملوا بها (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) منقطع عن سابقه لفظا ومعنى أو هو جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : إذا لم يمتثل المؤمنون تلك الأوامر هل كانوا مؤمنين؟ ـ فقال : انّما المؤمنون (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فلا يتخلّفون عمّا أمروا به (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) للمؤمنين كالجمعة والعيد والقتال والمشاورة (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) للذّهاب (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) يعنى انّ الأمر مفوّض إليكم (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) اى للمستأذنين فانّ الالتفات الى غيرك وغير الله إذا كانوا عندك معصية عظيمة لهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يغفر ما يلحقهم من التّوجّه والنّظر الى غيرك حين لا ينبغي ان ينظروا الّا إليك (رَحِيمٌ) يرحمهم بواسطة التّوجّه إليك والاستيذان

١٣٣

منك ، نقل انّ الآية نزلت في حنظلة بن ابى عيّاش وذلك انّه تزوّج في اللّيلة الّتى كانت في صبيحتها حرب أحد فاستأذن رسول الله (ص) ان يقيم عند اهله فأنزل الله عزوجل هذه الآية فأقام عند اهله ، ثمّ أصبح وهو جنب فحضر القتال واستشهد فقال رسول الله (ص) : رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صفائح من فضّة بين السّماء والأرض فكان سمّى غسيل الملائكة (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ) اى دعاءكم ونداءكم للرّسول (ص) (بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) بان تذكروا اسمه أو كنيته أو تنادوه بصوت رفيع بل اخفضوا من أصواتكم عنده ولا تذكروه باسمه وكنيته بل اذكروه بألفاظ التّعظيم مثل يا رسول الله (ص) ، ويا نبىّ الله (ص) ، وأمثال ذلك ، ولا تقولوا : يا محمّد (ص) ، ويا أبا القاسم (ص) كما في الخبر ، نسب الى الصّادق (ع) انّه قال : قالت فاطمة (ع) : لمّا نزلت هذه الآية هبت رسول الله (ص) ان أقول له : يا أبه ، فكنت أقول : يا رسول الله (ص) فأعرض عنّى مرّة أو ثنتين أو ثلاثا ثمّ اقبل علىّ فقال : يا فاطمة (ع) انّها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك ، أنت منّى وانا منك ، انّما نزلت في أهل الجفاء ، والغلظة من قريش من أصحاب البزخ والكبر ، قولي : يا أبه ، فانّها أحيى للقلب وارضى للرّبّ ، والمعنى لا تجعلوا دعاء الرّسول (ص) لكم أو عليكم بالخير أو الشّرّ كدعاء بعضكم بعضا للغير أو على الغير في جواز عدم الاجابة أو كدعاء بعضكم الله لبعض أو على بعض ، أو المعنى لا تجعلوا دعاء الرّسول (ص) لكم الى امر كجهاد وغيره كدعاء بعضكم بعضا (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ) لفظة قد للتّحقيق (الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ) انسلّ وتسلّل انطلق في استخفاف يعنى يعلم الله الّذين ينطلقون من الجهاد في استخفاف وهو ان بحيث لا يطّلع عليه أحد أو ينطلقون من المسجد كذلك فانّه نقل انّ المنافقين كانوا يثقل عليهم خطبة النّبىّ (ص) يوم الجمعة فيلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد استتارا من غير استيذان ، وقيل : كانوا يتسلّلون من الجهاد (لِواذاً) مفعول له أو مفعول مطلق بحذف مضاف اى تسلّل لو إذ أو حال واللّوذ بالشّيء الاستتار والاحتصان به كاللّواذ مثلّثة واللّياذ والملاوذة (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) اى عن امر الله أو عن امر الرّسول (ص) (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) بليّة أو امتحان يظهر ما في قلوبهم من النّفاق في الدّنيا (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة أو كلاهما في الدّنيا أو في الآخرة أو في كلتيهما (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بعد ما حذّرهم بالعذاب على مخالفة امره حقّق ذلك بأنّه قادر عليه ولا مانع له منه لكون الكلّ مملوكين له من غير مانع (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الأفعال والأحوال والأخلاق والنّيّات والخطرات والمكمونات الّتى لا استشعار لكم بها ، وهذا تعميم لعلمه تعالى بعد تخصيصه بالّذين يتسلّلون وتأكيد لتحذيرهم بانّه عالم بجميع ما كنتم عليه (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) عطف على محذوف اى يعلم الآن ويوم يرجعون أو عطف على ما أنتم عليه أو ظرف لفعل محذوف بقرينة قوله (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) أو ظرف لينبّئهم ، وتخلّل الفاء امّا بتوهّم امّا ، أو بتقديرها ، أو لفظة الفاء زائدة فلا تمنع من عمل ما بعدها في ما قبلها ، وعلى اىّ تقدير يكون الكلام التفاتا من الخطاب الى الغيبة (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تعميم آخر لعلمه تعالى.

١٣٤

سورة الفرقان

وهي سبع وسبعون آية ، مكّيّة كلّها ، وقيل : مكّيّة الّا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة

من قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (الى قوله) (غَفُوراً رَحِيماً).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) هو اسم للقرآن باعتبار نزوله الى مقام الفرق وعالم الفصل ، وباعتبار صدوره عن مقام قلب النّبىّ (ص) الّذى يعبّر عنه بالبيت المعمور فانّ المصدر الّذى هو قلب النّبىّ (ص) يكون حينئذ من عالم الفرق ، وباعتبار فرقه بين الحقّ والباطل والمحقّ والمبطل ، وباعتبار تفرّقه في النّزول طول ثلاث وعشرين سنة ، وباعتبار محكماته الّتى هي مبيّنات المعنى ، وقد مضى في سورة البقرة عند قوله : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) ، وفي اوّل آل عمران بيان اجمالىّ للفرقان والقرآن ، وقد سبق انّ اختيار التّنزيل على الانزال في القرآن باعتبار انّه منزّل من مقام الإطلاق الى مقام التّقييد ومحتاج الى تعمّل شديد من قبل من ينزّل عليه بخلاف سائر الكتب السّماويّة فانّها منزلة من مقام التّقييد ولا حاجة فيها الى زيادة تعمّل من قبل من ينزل عليه ، وتعليق تبارك على الموصول للاشعار باعتبار حيثيّة الصّلة في الحكم كأنّه قال : كثر خيرات الّذى نزّل الفرقان من حيث انّه نزّل الفرقان وهو يدلّ على كثرة خيرات الفرقان وهو كذلك لانّ المتوسّل به يكثر خيراته الدّنيويّة وخيراته الاخرويّة كما في الآيات والاخبار وكما يشهد به التّجربة والوجدان (عَلى عَبْدِهِ) يعنى محمّدا (ص) (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ) جمع العالم وهو ما سوى الله أو ما في جوف الفلك أو ما اشتمل على كثرات متّحدات بالوحدة الطّبيعيّة كأفراد النّبات والحيوان والإنسان أو ما اشتمل على افراد كلّ واحد من تلك الإفراد مشتمل على كثرات متّحدات بالوحدة الطّبيعيّة كانواع النّبات والحيوان ونوع الإنسان ، أو هو اسم جمع لانّ شرط الجمع بالواو والنّون ان يكون مفرده علما لمذكّر عاقل أو وصفا له ، ولانّ العالمين مختصّ بذوي العقول والعالم اعمّ من ذوي العقول كما قيل ، وعلى اىّ تقدير كان المقصود من العالمين المكلّفين من الانس والجنّ لانّ إنذاره (ص) خاصّ بهم (نَذِيراً) وللاشعار بانّ الإنذار مختصّ بشأن الرّسالة المشعر به تنزيل الكتاب فانّ الكتاب لا يكون الّا للرّسول (ص) اقتصر عليه ولم يذكر التّبشير الّذى هو من شؤن الولاية (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قد تكرّر فيما سلف انّ اللّام في مثله يدخل على المبدء والغاية والمالك ، ولمّا كان المقصود ذمّ من اتّخذ من دون الله إلها ومن أنكر الرّسول (ص) وكتابه وصف نفسه اوّلا بكثرة الخيرات ثمّ بانزال الكتاب على محمّد (ص) ليكون كالبرهان على ذمّ من أنكرهما ثمّ وصف نفسه بخالقيّة ملك السّماوات والأرض ليكون ردّا على من زعم انّ للشّيطان ملكا وهو منعزل عن الله ومقابل ومعاند له (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) وهذا ردّ على من زعم انّ عيسى (ع) أو عزيرا ابن الله ، وعلى من قال : نحن أبناء الله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) وهو ردّ

١٣٥

على من زعم انّ الأصنام أو الكواكب أو اهريمن شريك له في الملك (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ردّ على من قال بقدم الكواكب أو الظّلمة أو اهريمن (فَقَدَّرَهُ) اى قدّر ذاته وأحواله وارزاقه وأمد بقائه ووقته ومكانه واجله (تَقْدِيراً وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) اى من دون هذا الّذى ذكر بالأوصاف المذكورة (آلِهَةً) لا يوصفون بشيء من الأوصاف المذكورة بل يوصفون بأضدادها فانّهم (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) فضلا عن ان يكونوا مالكين للسّماوات والأرض (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) يعنى لا يملكون المنسوبات الاختياريّة ولا المنسوبات الغير الاختياريّة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله إنكارا لرسالة رسوله (ص) وكتابه (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) يعنى لمّا عجزوا عن معارضته ورأوا حسن نظمه أنكروه وقالوا : كان هذا بمعاونة معاونين له (فَقَدْ جاؤُ) اى منكروا الرّسالة أو منكروا الله والرّسالة جميعا (ظُلْماً) حيث أنكروا ما حقّه الإقرار وعبدوا ما حقّه الجحود والإنكار (وَزُوراً) اى رأيا وقولا منحرفا عن الصّواب (وَقالُوا) هذا القرآن أو هذه الاخبار الّتى يخبر محمّد (ص) بها (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) اى مكتوبات الأقدمين وصلت اليه أو الأحاديث المتفرّقة الّتى لا نظام لها كانت من الاوّلين ووصلت اليه وقد مضى انّ الأساطير جمع الأسطار جمع السّطر ، أو جمع الاسطار أو الاسطير بكسر الهمزة فيهما ، أو جمع الاسطور بضمّ الهمزة وتستعمل الثّلاثة بالتّاء والمجموع بمعنى الأحاديث الّتى لا نظام لها (اكْتَتَبَها) مستأنف أو خبر لأساطير الاوّلين ، واكتتب بمعنى كتب أو استكتب أو استملأ ، وقرئ اكتتبها مبنيّا للمفعول على ان يكون أصله اكتتب له الأساطير ثمّ حذف اللّام واتّصل الضّمير واستتر (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) يعنى تكرّر تلك الأساطير عليه حتّى يحفظه لانّه كان أمّيّا أو تملى عليه لتكتب له (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من سماوات الأجسام والأرواح وكذا ارضهما ، ومن يعلم السّرّ الّذى لا يطّلع عليه أحد من السّماوات والأرض في العالم الكبير يعلم السّرّ والجهر من سماوات الأرواح وارض الأشباح منكم فاحذروا من ان تقولوا أو تفعلوا في الملأ أو الخلأ أو تخيّلوا أو تنووا ما يليق بالله أو بمحمّد (ص) أو بكم (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فلم لا يؤاخذ العاصي والعاتي؟ ـ فقال : انّه كان غفورا يستر على المساوى ولا يؤاخذ ما بقي في العاصي استعداد التّوبة (رَحِيماً) يرحمهم فضلا عن ان لا يؤاخذهم (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) زعموا انّ الرّسالة تنافي البشريّة ولوازمها ولذلك قالوا : (ما لِهذَا الرَّسُولِ) ليكون حجّة على إنكارهم (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) لرفع الحاجات ظنّا منهم انّ الرّسول (ص) لا ينبغي ان يكون محتاجا وهذا خطأ منهم فانّ الرّسول لو لم يكن بشرا أو كان بشرا ولكن لم يكن متّصفا بلوازم بشريّته لما صحّ رسالته فانّ الرّسول (ص) هو الّذى يحفظ حقوق الكثرات ولو لم يكن فيه دقائق الكثرات ممتازة لما صحّ منه حفظ حقوقها (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) وهذا أيضا خطأ منهم فانّ الملك لو كان يصحّ ان يراه البشر من غير سنخيّتهم معه لكان هو رسولا بل الملك ان ظهر على البشر هلك أو جنّ أو غشي عليه فلا يصحّ نزول الملك اليه بحيث يشاهدوه (وْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) وهذا أيضا خطأ فانّ مشيّة الله لم تقتضي اجراء الأشياء الّا بالأسباب (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) لمّا حصروا الخيرات في الخيرات الحسّيّة قالوا أمثال ذلك (وَقالَ الظَّالِمُونَ) وضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بظلمهم وبانّ هذه الأقوال منهم ليست الّا ظلما (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)

١٣٦

سحر كمنع خدع وتباعد وكسمع تكبّر ، والمسحور المفسد من المكان لكثرة المطر أو قلّة الكلأ (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) يعنى في حقّك أو مخاطبا لك فانّهم شبّهوا رسالته من الله بالرّسالة من ملك الرّوم تارة ومن ملك الفرس اخرى ، وانّ رسول الرّوم أو الفرس له خدم وحشم وخيام واموال وربّنا تعالى شأنه خالقهما فليكن رسوله أشرف من رسولهما (فَضَلُّوا) حيث انحرفوا عن طريق الآخرة وتوجّهوا الى الدّنيا وشبّهوا رسول الله (ص) في الأمور الاخرويّة برسول الملوك في أمور الدّنيا (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) الى الآخرة أو الى الحقّ الواقع أو المعنى فضّلوا عن طريق المحاجّة فلا يستطيعون (سَبِيلاً) بالغلبة في المحاجّة ، وقصّة عبد الله بن ابى أميّة المخزومىّ ومحاجّته مع الرّسول (ص) وتمثيله له ملك الرّوم والفرس مذكور في المفصّلات (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) لكنّه لم يشأ ذلك لمنافاته للرّسالة من الله وترغيب النّاس عن الدّنيا (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى في آخر آل عمران في ذيل قوله تعالى (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) بيان كيفيّة جريان الأنهار من تحت الجنّات (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) والجملة على قراءة رفع يجعل معطوفة على قوله (تَبارَكَ الَّذِي) يعنى يجعل لك في الآخرة قصورا ، وعلى قراءة الجزم معطوفة على الجزاء ، ويصحّ عطفه على الجزاء على قراءة الرّفع أيضا (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) اضراب من الأدنى الى الأعلى يعنى كذّبوك في رسالتك بل كذّبوا بالقيامة والآخرة الّتى هي متّفق عليها من الكلّ (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) التّغيّظ شدّة الحرّ أو هو من الغيظ بمعنى الغضب أو اشدّه أو سورته وتغيّظ السّعير لكون عالم الآخرة بشراشره حيّا عالما شاعرا محبّا لله مبغضا لله (وَزَفِيراً) زفير النّار صوت توقّدها (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) الثّبور الهلاك أو الويل (لا تَدْعُوا) جواب سؤال مقدّر بتقدير القول كأنّه قيل : ما يقال لهم؟ ـ فقال : يقال لهم : لا تدعوا (الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً قُلْ) لهم (أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً) جواب لسؤال مقدّر ورفع لتوهّم الامتنان بهذا الإحسان (وَمَصِيراً لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ) ولمّا كان تمام الإحسان الى الأضياف حضور ما يشاؤه كلّ أحد وعدم زوال النّعمة أتى بهما (كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) عطف على هنالك سواء كان للزّمان أو المكان ، أو عطف على قل بتقدير اذكر ، أو ظرف ليقول والفاء زائدة أو بتقدير امّا أو توهّمها (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من افراد البشر ومن سائر المواليد ومن الكواكب والأصنام أو ما يعبدون عبادة طاعة من دون ولىّ أمرهم (فَيَقُولُ) خطابا للمعبودين (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ) بأنفسهم (ضَلُّوا السَّبِيلَ قالُوا) التّعبير بالماضي لتحقّق وقوعه أو لوقوعه بالنّسبة الى محمّد (ص) فانّه كان يشاهد كلّ ما لم يشاهده غيره من امر الآخرة (سُبْحانَكَ) عن كون أمثالنا أندادا لك وشركاء في المعبوديّة (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) يعنى للعابدين ولنا أو المراد المعبودون فقط (أَنْ نَتَّخِذَ) قرئ بالنّون مبنيّا للفاعل ومبنيّا للمفعول (مِنْ دُونِكَ) من دون اذنك أو هو حال من أولياء ولفظ من للتّبعيض (مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ) من المشتهيات الدّنيويّة فاشتغلوا بها عن الآخرة (وَآباءَهُمْ) يعنى لم يكونوا في ضيق في وقت كونهم مستقلّين بأمرهم ولا في وقت كونهم عيالا لغيرهم فلم يكن لهم اضطرار حتّى

١٣٧

يتذكّروا الآخرة وتكون في ذكرهم (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) الذّكر يطلق على الكتب السّماويّة والشّرائع الالهيّة ، وعلى الرّسالة والولاية ، وعلى الأنبياء وأوصيائهم (ع) ، وعلى الولاية التّكوينيّة الّتى هي فطرة الله الّتى فطر النّاس عليها ، وعلى الجهة الّتى بها يتذكّر الله من الأشياء (وَكانُوا) في الذّرّ أو بأصل فطرتهم أو صاروا (قَوْماً بُوراً) هالكين مصدر وصف به ولذلك يطلق على الواحد والاثنين والجماعة والمذكّر والمؤنّث بلفظ واحد ، أو مشترك بين جمع بائر ووصف بار بمعنى هلك ومصدره يعنى انّهم كانوا هالكين من الحيوة الانسانيّة وغافلين عن اللّطيفة الالهيّة الّتى بها يكون تذكّر الإنسان لله ولأمور الآخرة فلم يتذكّروا من التّوجّه إلينا امرا الهيّا اخرويّا بل كان توجّههم في العبادة لنا الى الجهة النّفسانيّة منّا الموافقة لجهاتهم النّفسانيّة واهويتهم الكاسدة وشياطينهم المغوية فكانوا في عبادتنا يعبدون الجنّ واهويتهم (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) عطف على قالوا بتقدير القول اى فيقال للعابدين : فقد كذّبكم المعبودون وصرف للخطاب من المعبودين الى العابدين (بِما تَقُولُونَ) الباء بمعنى في أو للسّببيّة أو للتّعدية نظير كذّب بالآيات بمعنى كذّب الآيات ، ويكون حينئذ بدلا من المفعول والمعنى كذّبكم المعبودون في قولكم انهم آلهة أو في قولكم انكم عبدتموهم ، أو في قولكم ربنا هؤلاء أضلونا وقرئ بالغيبة والمعنى كذبكم المعبودون بقولهم : سبحانك (الى آخرها) (فَما تَسْتَطِيعُونَ) ايّها المشركون (صَرْفاً) للعذاب عن أنفسكم (وَلا نَصْراً) لأنفسكم وقرئ بالغيبة فيكون المعنى لا يستطيع المعبودون صرفا ولا نصرا لكم ثمّ صرف الخطاب الى المكلّفين الحاضرين فقال : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) بالاشراك بالله أو باىّ ظلم كان لكن بشرط ان لا يتوب (نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) والشّرط مطلق والوعيد غير مقيّد لكنّ الخلف في الوعيد غير قبيح بل حسن ممدوح ثمّ صرف الخطاب الى محمّد (ص) فقال ردّا على من أنكر أكل الرّسول (ص) ومشيه في الأسواق (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) اختبارا وفسادا فانّ الله جعل الأنبياء والأولياء (ع) فتنة وامتحانا للمؤمنين ، واختبارا وفسادا للمنافقين ، وجعل المؤمنين ارتياضا وامتحانا بأفعالهم الغير المرضيّة للأنبياء والأولياء (ع) وبأفعالهم الاخرويّة واتّصالهم بالرّسالة والولاية اختبارا وفسادا للمنافقين ، وجعل المنافقين والكافرين امتحانا للأنبياء والأولياء (ع) بايذائهم القولىّ والفعلىّ وللمؤمنين كذلك ، وعلى هذا كان اضافة بعض الى الضّمير لتعريف الجنس المفيد لفرد ما لا على التّعيين (أَتَصْبِرُونَ) استفهام في معنى الأمر اى اصبروا (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) جملة حاليّة في معنى التّعليل سواء قلنا بلزوم قد في الماضي الّذى وقع حالا أو لم نقل.

الجزء التّاسع عشر

(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) اى لقاء حسابنا وثوابنا وعقابنا أو لقاء مظاهرنا ، وعدم رجاء اللّقاء امّا بعدم الاعتقاد به أو بعدم الالتفات والتّوجّه اليه وعدم الطّلب له كحال أكثر المعتقدين للآخرة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) لرسالة الرّبّ فانّ الملك اولى بالرّسالة من الله من البشر أو لتصديق محمّد (ص) في رسالته ، أو المعنى ان كان ينزل الملك على محمّد (ص) فلو لا انزل علينا الملائكة فانّا ان لم نكن اولى بنزول الملك منه فلسنا بادون منه (أَوْ نَرى رَبَّنا) فيخبرنا بنفسه بتكاليفنا أو يخبرنا انّ محمّدا (ص) رسول منّى ، أو ان كان لنا ربّ يرسل رسولا إلينا فلم لا يظهر علينا حتّى نريه؟ (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) عند أنفسهم (وَعَتَوْا) تجاوزوا الحدّ في الاستكبار (عُتُوًّا كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) يعنى انّهم استدعوا نزول الملائكة وهم مجرمون متدنّسون بدنس المادّة والملائكة مجرّدون عن المادّة مطهّرون عن دنسها ولا يظهر المجرّد على المادّىّ

١٣٨

الّا هلك وإذا هلك المادّىّ الغير المطهّر من ادناسها لم يكن له بشرى بل كان له العذاب ، ووضع المجرمين موضع المضمر ليكون كالعلّة للحكم (وَيَقُولُونَ) اى الملائكة (حِجْراً مَحْجُوراً) حراما محرّما يعنى البشرى أو الجنّة أو رؤية الرّبّ أو التّعوّذ فانّه لا معاذ لكم أو يقول المجرمون ذلك (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) اىّ عمل كان ممّا يحسبونه ذخرا لآخرتهم من الصّدق والامانة والوفاء والدّيانة والانفاقات والصّلات والأعمال الّتى كانت على صورة ملّة الهيّة وعبّر بالماضي لإيهام انّه واقع أو اخبار عن وقوعه ، أو اخبار بانّ المخاطب حاله ومقامه حال من قامت قيامته ويرى ما سيقع بالنّسبة الى النّاقصين واقعا (فَجَعَلْناهُ هَباءً) الهباء عبارة عن الغبار الّذى يرى في شعاع الشّمس (مَنْثُوراً) صفة هباء أو خبر بعد خبر (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة أو يوم يرون الملائكة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) اى أفضل منزلا (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) مستراحا من هؤلاء في الدّنيا أو ليس التّفضيل مرادا (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ) عطف على يومئذ أو على يوم يرون الملائكة أو متعلّق بالحقّ ، أو بقوله للرّحمن والجملة معطوفة على سابقتها (بِالْغَمامِ) حالكون السّماء متلبّسا بالغمام أو تشقّق بتراكم الغمام وقوّته كأنّ الغمام صار آلة التّشقّق أو تشقّق بخروج الغمام الّذى قال الله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) فانّ في وقت الاحتضار يتشقّق سماء الأرواح ويظهر الغمام الحاصل في الرّوح من كدورات النّفس بالشّهوات والغضبات وينزّل الملائكة رحمة أو نقمة (الْمُلْكُ) هو بتثليث الميم مصدر ملكه واسم للملوك وهو مبتدء وقوله (يَوْمَئِذٍ) خبره سواء كان بمعناه المصدرىّ أو بمعنى المملوك لكن إذا كان بمعنى المملوك كان التّقدير عظمة الملك لئلّا يلزم الاخبار بظرف الزّمان عن الذّات وحينئذ يكون قوله (الْحَقُ) خبرا بعد خبر و (لِلرَّحْمنِ) كذلك أو متعلّق بالحقّ أو حال عن المستتر فيه أو يومئذ متعلّق بالملك أو بالحقّ أو بقوله للرّحمن والحقّ خبره ، وللرّحمن مثل السّابق أو الحقّ صفته وللرّحمن خبره والمراد بقوله يومئذ يوم الاحتضار والموت أو يوم القيامة (وَكانَ) ذلك اليوم (يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) عطف على المستتر في كان أو على يومئذ أو على يوم تشقّق السّماء ، أو متعلّق بيقول الآتي والجملة معطوفة على سابقتها وعضّ الظّالم (عَلى يَدَيْهِ) كناية عن غاية ندمه وتحسّره فانّ الغضوب أو المتحسّر إذا بلغ الغاية في الغضب أو التّحسّر يعضّ على أنامله ويده (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) طريقا الى النّجاة أو طريقا واحدا ولم يتفرّق بى الطّرق أو طريقا عظيما هو طريق الولاية وهذا هو المناسب لقوله (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) ان كان المنظور التّعريض بالامّة فالمراد بقوله فلانا منافقو الامّة وان كان المنظور مطلق الظّالم فالمراد بقوله فلانا مطلق الرّؤساء في الضّلالة (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) عن الشّريعة أو الولاية أو القرآن أو النّبىّ أو الولىّ أو علىّ (ع) أو العقل أو الفطرة (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) الذّكر بلسان الرّسول (ص) أو مطلقا (وَكانَ الشَّيْطانُ) ابتداء كلام من الله أو من قول الظّالم (لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) لانّه يدعو الإنسان الى امر ثمّ يتركه ولا ينصره وقت حاجته في الدّنيا أو في الآخرة (وَقالَ الرَّسُولُ) عطف على يقول يا ليتني أو على يعضّ الظّالم أو على تشقّق السّماء وعلى التّقادير فالمعنى على الاستقبال اى يقول الرّسول (ص) في ذلك أو عطف على قال الّذين لا يرجون وحينئذ يكون على مضيّه يعنى قال الّذين لا يرجون استهزاء بالرّسول (ص) :

١٣٩

لو لا انزل علينا الملائكة ، وقال الرّسول (ص) تشكيّا منهم (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ) يعنى جملة القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) (مَهْجُوراً) متروكا ، وفي خطبة عن أمير المؤمنين (ع) فانا الذّكر الّذى عنه ضلّ ، والسّبيل الّذى عنه مال ، والايمان الّذى به كفر ، والقرآن الّذى ايّاه هجر ، والدّين الّذى به كذّب (وَكَذلِكَ) اى مثل جعل الأعداء لك مشتملا على حكم ومصالح عديدة من سوق اتباعك الى دار الآخرة كما قيل :

اين جفاى خلق بر تو در جهان

گر بدانى گنج زر آمد نهان

خلق را با تو چنين بد خو كند

تا ترا ناچار رخ آن سو كند

آن يكى واعظ چو بر منبر بدى

قاطعان راه را داعي شدى

مى نكردى أو دعا بر اصفيا

مى بكردى أو خبيثان را دعا

مرو را گفتند كأين معهود نيست

دعوت أهل ضلالت جود نيست

گفت نيكوئى از اينها ديده ام

من دعاشان زين سبب بگزيده ام

چون سبب ساز صلاح من شدند

پس دعاشان بر من است اى هوشمند

ومن نشر فضلك في العالم وإيصال صيتك الى اسماع بنى آدم فانّ فضل الفاضل ينشره حسد الحاسدين ومن توجيه النّاس وترغيبهم الى رؤيتك وصحبتك فانّ النّفوس مفطورة على التّوجّه الى كلّ جديد ، ومن تمييز المؤمن عن الكافر والخالص عن المنافق ، ومن ظهور المعجزات عنك بسبب العداوة ومن تمكينك في دينك وتمكين اتباعك وتقوية قلوبكم وغير ذلك من المصالح (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) المراد بالعدوّ امّا الجنس المطلق على الواحد والكثير ، أو المراد به معنى الجمع فانّه كان لكلّ نبىّ أعداء عديدة ولفظ العدوّ يطلق على الواحد والجمع (مِنَ الْمُجْرِمِينَ) لا المؤمنين (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) تسلية له (ص) ولامّته من شدّة الخوف من كثرة الأعداء (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) يعنى تارة يقولون : لو لا انزل علينا الملائكة سخريّة بك ، وتارة يقولون : ان كان ما يقول حقّا فلم لا ينزل القرآن عليه مجموعا؟ ولاىّ سبب ينزل عليه آية بعد آية؟! فانّ الله الّذى يدّعى هو الرّسالة منه قادر على إنزال الكتاب جملة وليس يحتاج الى تأمّل وتروّ ومضىّ زمان لجمعه وتأليفه ، ووضع المظهر موضع المضمر لاحضارهم بصفتهم الفظيعة (كَذلِكَ) الانزال بالتّفريق أنزلناه (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) فانّه كلّما نزل عليك آية من القرآن ازداد أنسك بالرّحمن ، وكلّما ازداد أنسك ازداد ثبات قلبك على الدّين (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) عطف على أنزلناه المقدّر ، والتّرتيل القراءة بتؤدة (١) والمراد قرأناه عليك مفصولا متفرّقا في ثلاث وعشرين سنة (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) اى بحال شبيهة بحالك في ادّعاء الرّسالة مثل قولهم : هذا ملك الرّوم وملك الفرس إذا أرسلوا رسولا كان له خدم وحشم وضياع وعقار وخيام وفساطيط ، وحالهم في الرّسالة شبيهة بحالك في ادّعاء الرّسالة من الله الّذى هو خالق الأرض والسّماء ، بل حالك في هذا الادّعاء اجلّ وارفع من حالهم وإذ ليس لك مثل ما لهم فلم تكن رسولا أو بحال شبيهة بحالك في البشريّة مانعة من الرّسالة مثل قولهم : انّك تأكل وتمشي في الأسواق مثلنا وهذه الحالة تدلّ على الاحتياج ، والاحتياج ينافي الرّسالة من الغنىّ المطلق ، أو بحال شبيهة بحالك بل أشرف من حالك ولم ينزل الى صاحبها ملك ولم يصر رسولا فلست أنت برسول مثل قولهم : لو لا أنزل إلينا الملائكة فانّه في معنى قولهم ، نحن أشرف حالا منه من حيث تربية الآباء وتعليم المعلّمين واكتساب الفضائل الانسانيّة فانّا قد تدرّسنا في مدارس العلم وأتعبنا أنفسنا في تحصيل العلوم والحكمة واكتسبنا الخطّ والكتابة ، ومن حيث الجدة والحسب ولم نصر رسلا فكيف صار هو رسولا من بيننا مع انّه لم يرأبا ولم يحصّل علما

__________________

(١) التؤدة بضم التاء وفتح الهمزة أو سكونها.

١٤٠