نهاية المرام في علم الكلام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية المرام في علم الكلام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: فاضل العرفان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-392-8
ISBN الدورة:
978-964-357-390-4

الصفحات: ٦١٦

يجتمعان.

الثالث (١) : برهن اقليدس في شكل العروس على أنّ مربع وتر القائمة يجب أن يكون مساويا لمجموع مربعي ضلعيها ، فإذا فرضنا قائمة كلّ واحد من ضلعيها عشرة وجب أن يكون وترها جذر (٢) مائتين ، لكن ليس للمائتين جذر ؛ لأنّه يجب أن يكون أقلّ من خمسة عشر وأكثر من أربعة عشر ، فيلزم الانقسام. ولو كان كلّ من ضلعيها خمسة حتى كان مجموع المربعين خمسين وجب أن يكون الوتر جذر خمسين ، وهو منكسر ؛ لأنّه يجب أن يكون أكثر من السبعة وأقلّ من الثمانية. وهكذا لك أن تفرض من الأعداد ما لا تحصى كثرة.

الرابع (٣) : برهن اقليدس على أنّ كلّ خط متناه في طرفيه معا يمكننا أن نعمل عليه مثلثا متساوي الأضلاع ، فإذا فرضنا خطا مركبا من جزءين وعملنا عليه مثلثا متساوي الأضلاع وجب أن يقع كلّ واحد من الأجزاء على مفصل الآخرين ، وذلك يوجب التجزئة.

الخامس (٤) : إذا أخذنا خطا مركبا من جزءين ووضعنا على أحد جزئيه جزءا آخر حصل هناك زاوية قائمة ، فوترها إن كان من جزءين كان وتر القائمة مساويا لكلّ واحد من ضلعيها المحيطين بها ، هذا خلف. وإن كان من ثلاثة كان الوتر مساويا لمجموع الضلعين ، هذا خلف.

__________________

(١) راجع المباحث المشرقية ٢ : ٢٧ ؛ المطالب العالية ٦ : ١٤٩ ؛ مناهج اليقين : ٢٨.

(٢) جذر الشيء أصله ، وعشرة في حساب الضرب جذر مائة ، كذا في الصحاح. يعني انّك إذا ضربت عددا في نفسه فالمبلغ الحاصل من الضرب هو المجذور وذلك العدد هو جذر ذلك المبلغ ، ثمّ إنّ الوتر الذي اعتبر كونه وترا لقائمة المثلث المذكور لا بدّ أن يكون جذرا للمائتين وانّه يكون أكثر من أربعة عشر جزءا وثمن جزء إلى ربع جزء. شرح المواقف ٧ : ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) راجع المطالب العالية ٦ : ١٤٧ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٢٧.

(٤) المصدر نفسه ؛ المطالب العالية ٦ : ١٤٩.

٤٨١

فإذن هو أكثر من الاثنين وأقلّ من الثلاثة ، فيلزم انقسام الجزء. وفيه نظر.

السادس (١) : برهن اقليدس على أنّ كلّ خط فإنّه يمكن تنصيفه ، فالخط المركب من الثلاثة أو الخمسة أو ما عداهما من الأعداد الأفراد يمكن تنصيفه ، فيلزم انقسام الجزء.

السابع (٢) : استدل ابن الهيثم (٣) في «شرح شكوك اقليدس» : أنّ كلّ خط يمكن تقسيمه بثلاثة أقسام متساوية ، فالخط المركب من جزءين أو أربعة أو خمسة إذا قسم كذلك لزم انقسام الجزء.

الثامن (٤) : إذا فرضنا مثلثا متساوي الأضلاع على خط مركب من ثلاثة جواهر خرج من إحدى زواياه خط إلى الجزء الثاني من الضلع الذي بوترها ، فوجب أن ينقسم ذلك المثلث إلى مثلثين متساويين ـ بالشكل الرابع من المقالة الأولى لاقليدس ـ ويكون الخط المخرج من تلك الزاوية إلى ذلك الضلع عمودا ، فيكون كلّ واحد من هذين المثلثين فيه قائمة والزاوية الأخرى فيه ثلثا قائمة ، وهي إحدى زوايا المثلث ، فتكون الباقية ثلث قائمة ، فنقول :

وتر القائمة منها ثلاثة أجزاء ووتر الزاوية التي هي ثلث قائمة جزءان ، فوتر الزاوية التي هي ثلثا قائمة أكثر من جزءين ، فإن كانت ثلاثة كان ضلع القائمة مثل وترها ، هذا خلف. وإن كان أقل من ثلاثة انقسم الجزء.

التاسع (٥) : برهن اقليدس على أنّ السطوح المتوازية الأضلاع التي هي على

__________________

(١) المصدر نفسه : ١٦٥ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٢٨ ؛ مناهج اليقين : ٢٨.

(٢) راجع المطالب العالية ٦ : ١٦٥.

(٣) أبو علي ابن الهيثم.

(٤) راجع المطالب العالية ٦ : ١٤٩.

(٥) المصدر نفسه : ١٥٤.

٤٨٢

قاعدة واحدة وفي جهة واحدة وفيما بين خطوط بأعيانها متوازية فإنّها متساوية ، ومتى كان كذلك بطل الجوهر الفرد ؛ لأنّا إذا قدرنا أحد السطحين أربعة في أربعة حتى كان مجموعه ستة عشر والسطح الآخر طوله بين المشرق والمغرب ، فإنّه يلزم أن يكون مجموع تلك الأجزاء الكثيرة ستة عشر جزءا ، وهو محال.

لا يقال : هذا المحال مشترك الالزام ، لأنّ أحد السطحين إذا كان ذراعا في ذراع والآخر طوله من المشرق إلى المغرب كيف يمكن أن يقال إنّ أحدهما مساو للآخر؟

لأنّا نقول : السطحان المتوازيان إذا كان أحدهما مربعا قائما على قاعدته وكان الآخر مستطيلا مائلا وكانا جميعا على قاعدة واحدة فيما بين خطين متوازيين ، فإنّه بمقدار ما يزيد في طول السطح المائل ينقص في عرضه ، والمحال إنّما يلزم لو كان عرض السطح المائل هو القاعدة المشتركة ، وليس كذلك ، بل كلما ازداد الطول انتقص العرض.

وهو مشترك الإلزام ؛ لأنّا نفرض المربع أصغر ما يمكن أن يوجد من المربعات والسطح الآخر ممتدا من المشرق إلى المغرب ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّه ليس في ذلك المربع من المقادير ما يساوي هذا السطح. واحتمال القسمة إلى غير نهاية غير مفيد هنا.

العاشر (١) : برهن اقليدس على أنّه يمكن أن يقسّم كلّ خط بحيث يكون ضربه أجمع في أحد قسميه مساويا لمربع القسم الآخر (٢) ، وذلك يوجب التجزئة ؛ لأنّ الخط المركب من ثلاثة أجزاء ، إن انقسم بقسمين متفاوتين كان أحدهما اثنين والآخر واحدا ، وضرب الكل في الواحد ثلاثة ومربع الاثنين أربعة.

__________________

(١) المصدر نفسه : ١٦٥.

(٢) وهذا النوع من التقسيم يسمّى ب «نسبة ذات وسط وطرفين». المصدر نفسه.

٤٨٣

الحادي عشر (١) : نفرض سطحا مربعا من ستة عشر جزءا مضمومة بعضها إلى بعض ، فكلّ واحد من الخطوط الأربعة الكائنة من الأجزاء الأربعة مماس بصاحبه مماسة لا فاصل بينهما وكذا الأجزاء ، فالقطر إنّما يحصل من الجزء الأوّل من الخط الأوّل ، والثاني من الثاني ، والثالث من الثالث ، والرابع من الرابع. فهذه الأجزاء التي في القطر إن كانت متلاقية لا فرج فيها لزم أن يكون القطر مساويا للضلع ، وهو باطل بالحس والبرهان الهندسي الدال على أنّ الزاوية الأكبر بوترها الخط الأطول (٢) ، ولا شكّ أنّ القطر بوتر القائمة وكلّ من الضلعين بوتر نصف قائمة ، فيكون القطر أعظم. وإن كانت أجزاء القطر غير متلاقية ، بل تكون فيها فرج ، فنقول : تلك الفرج إن اتسعت للجزء فليفرض امتلئوها به ، فيصير القطر سبعة أجزاء ، فيكون القطر مساويا للضلعين ، هذا خلف. أو لا يتسع له ، فيلزم الانقسام.

وقول بعض المثلثين : «إذا كان الخط مؤربا كان بين أجزائه فرج بخلاف الضلع المستقيم» ليس بشيء يعتد به.

ثمّ سألوا أنفسهم فقالوا : لو قلب هذا المربع لصار ما كان قطرا ضلعا وبالعكس ، فكيف يصح ثبوت الفرجة بينهما (٣)؟

أجابوا : بأنّه غير ممتنع أن يتغير حالها عند القلب والتحريك في التأليف كما في الرحا.

وهذا أسخف من الأوّل.

__________________

(١) المصدر نفسه : ١٥٢ ـ ١٥٣ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٢٨ ؛ كشف الفوائد : ٨٧ ؛ مناهج اليقين : ٢٨ ؛ شرح المواقف ٧ : ٢٨ ـ ٢٩.

(٢) العبارة كذا مشوشة ، والمراد منها : أنّ وتر الزاوية القائمة أطول من كلّ واحد من ضلعيها.

(٣) ج : «بينها».

٤٨٤

الثاني عشر (١) : إذا فرضنا خطا مستقيما كالوتر وقع على زاوية قائمة حتى يحصل الوتر جذر مجموع مربعي (٢) الضلعين وفرضنا كلّ واحد من الضلعين خمسة ، كان هذا الوتر جذر خمسين ، فإن حركنا هذا ، طرف هذا الوتر من أحد الجانبين ، جزءا تحرك الآخر أقلّ من جزء ؛ لأنّه لو تحرك جزءا لصار أحد الضلعين ستة والآخر أربعة ، فيكون الوتر جذر اثنين وخمسين وقد كان بعينه جذر خمسين ، هذا خلف. فوجب أن يتحرك أقلّ من جزء.

الثالث عشر (٣) : لنفرض خط : «أب» متناهيا ونفصل منه من جانب «ب» جزءا من الف جزء هو «ب ج» ولنخرج خطي «ج د أه» من نقطتي «ج أ» كلّ واحد منهما مركب من أجزاء متساوية كم كانت ، ولتكن ثلاثة على قائمتين ولنخرج من «ب» إلى «د» خطا وإلى «ه» آخر ، فلا شكّ أنّ «ب ه» يقطع «ج د» على نقطة «ز» فمثلثا «ب ج د» ، «ب ه أ» متشابهان ، فنسبة «ب ج» إلى «ب أ» كنسبة «ج ز» إلى «أه» ، فحينئذ «ز» جزء من الف جزء من ثلاثة أجزاء لا تتجزأ ، هذا خلف.

ولو زدت في طول «أب» وعملت العمل المذكور ازداد انقساما ، ولمّا كان ذلك محالا كان القول بالجزء باطلا.

__________________

(١) راجع المباحث المشرقية ٢ : ٢٨ ؛ المطالب العالية ٦ : ١٥١ ، وقد مثّل فيه بالسلم الموضوع على الجدار.

(٢) في المباحث : «مربع».

(٣) راجع المطالب العالية ٦ : ١٥١.

٤٨٥

الرابع عشر : قال النظام : الجزء إذا لم يكن في نفسه طويلا لم يصح أن يصير بانضمام غيره إليه ممّا ليس بطويل طويلا.

وهو ضعيف ؛ لمنع الملازمة ، وإلّا لكان الجزء جسما. ولا امتناع في انضمام ما ليس بطويل إلى ما ليس بطويل ، فيصير طويلا.

الخامس عشر : الله تعالى قادر على الزيادة في هذه الأجسام إلى ما لا يتناهى ، فكذا يجب في النقصان.

وهو ضعيف لعدم التلازم ، ومنع المقدم بالفعل.

السادس عشر : قال ابن الراوندي : قول أصحاب الجزء يؤدي إلى ما يدفعه العقلاء ؛ لأنّه لا عدد له نصف إلّا وله ربع وسدس وثلث ، وذلك لا يتم مع الجزء الذي لا يتجزأ ؛ لأنّا لو فرضنا عشر أجزاء لكان لها نصف ولم يكن لها ربع ولا ثلث ولا سدس ، وهذا خلاف المعلوم من الأعداد.

وهذا في غاية الضعف ، لعدم الملازمة.

السابع عشر : إذا كان هناك شكل كري ، فلا بد من احتوائه على مثله من الأطواق ، فيكون الطوق الأوّل أوسع ، فإذا انتهى إلى الحدّ الذي يقولونه من الجزء الذي لا يتجزأ فسمت (١) احتواؤه على ما هو دونه ، وهو يقتضي الانقسام.

وليس بجيد لمنع الكلية ، فليس كلّ طوق يحتوي على طوق دائما ، بل ينتهي إلى المركز ، وهو جوهر فرد لا يحتوي على شيء.

__________________

(١) كذا.

٤٨٦

البحث التاسع

في فروع الجزء وعدمه

وفيه مسائل :

المسألة الأولى

في أنّ الجسم هل يقبل القسمة إلى غير النهاية مع حفظ صورته النوعية (١)؟

هذه المسألة إنّما تتفرع على نفي الجوهر الفرد. وقد عرفت فيما تقدم (٢) أنّ من الأجسام ما هو مركب من عدّة أجسام مختلفة الطبائع وتحصل لها صور نوعية بواسطة ذلك التركيب والامتزاج ، كالصور المعدنية والنباتية والحيوانية والإنسانية. ومنها ما هو بسيط ، صورته النوعية حاصلة له في الفطرة الاولى لا باعتبار المزاج والتركيب بصور العناصر ، كالنارية والهوائية.

__________________

(١) راجع الفصل الثاني عشر من المقالة الثالثة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ١ : ٢٤٠ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٤٣ ؛ شرح المواقف ٧ : ٣٢.

(٢) في البحث الأوّل من هذا الفصل.

٤٨٧

أمّا الصور الأولى ، فتعدم بعدم (١) التركيب والمزاج ، لأنّها تابعة لهما ولا بقاء للتابع من دون متبوعه (٢).

وأمّا الصور الثانية ، فذهب المشّاءون إلى أنّ لها حدا في الصّغر صور الماء ، وكذا للهواء وباقي العناصر ؛ لأنّ الأجسام لو احتملت الانقسام لا إلى نهاية مع بقاء صورها النوعية لأمكن عليها الامتزاج وكان الفعل والانفعال فيها أسهل ، فكان يمكن حصول اللحم والعظم وأصناف التراكيب من الأركان الأربعة في غاية الصغر ، فكان يحصل فيل على قدر الذرة. ولو أمكن ذلك كان أكثري الوجود لا أقلي الوجود ؛ لأنّ امتزاج الأقل قبل امتزاج الأكثر ، لأنّ الأكثر إنّما يحصل عن اجتماع الأقل وحصوله بعد حصوله. ولما لم يوجد ذلك البتة ولا نادرا علمنا أنّ للأجسام حدا في الانقسام والتصغر مع بقاء صورها النوعية.

ولا يمكن عكس هذا الدليل علينا ، فيقال :

لم لا توجد بعوضة في (٣) قدر الفيل؟

لأنّا نقول : تصغر الأجزاء يعين على الامتزاج وكبرها مما يعوق عنه ، ولهذا استعين على تكوينها بالدّق والسحق.

والاعتراض من وجوه (٤) :

الأوّل : لو سلّمنا أنّ امتزاج الأقلّ عددا قبل امتزاج الأكثر عددا ، لكنّه غير نافع ؛ لأنّ الكلام ليس فيه ، لكن لا نسلم أنّ امتزاج الأقل مقدارا قبل امتزاج

__________________

(١) ق : «لعدم».

(٢) في النسخ : «مطبوعه».

(٣) ق : «على».

(٤) والمعترض ابن سينا حيث يدافع عن أصول المشائين بهذه الوجوه ويناقض بها رأي انكساغورس ، فراجع نفس المصدر.

٤٨٨

الأكثر مقدارا ؛ فإنّ وجود الأقل مقدارا في الأكثر مقدارا إنّما هو بالقوة لا بالفعل لما عرفت من وحدة الجسم ، والذي بالقوة فهو غير موجود. وإذا لم يكن الأقل مقدارا حاصلا بالفعل لم يكن له امتزاج بالغير فضلا عن أن يكون امتزاجه قبل امتزاج شيء آخر ، بل الأولى أن يكون امتزاج الأكثر في المقدار قبل امتزاج الأقل في المقدار إذ الأكثر محصّل محصور والأقلّ غير محصّل ولا محصور.

الثاني : سلمنا تقدّم امتزاج الأقل على امتزاج الأكثر مطلقا ، لكن لا نسلم الاكتفاء بذلك المزاج في حصول الصورة النوعية ، لجواز أن يكون العظم مع ذلك معتبرا ، لجواز أن يكون استعداد المزاج لقبول النفس المدبرة إذا كان وافيا بأفاعيلها ، وإنّما يتم ذلك بمقدار معين من العظم.

الثالث : هب أنّه لو تم ذلك الاستعداد فإنّه تفيض عليه من واهب الصور النفس ، لكن ذلك الامتزاج إنّما يحصل في مكان معين مخصوص ، فلو كانت تلك المادة يسيرة لانفعلت عمّا يحيط بها ولا يبقى ذلك المزاج إلى أن يحصل فيه الاستعداد لقبول تلك الصور ، بل يفسد قبل ذلك.

واعلم : أنّ الانفصال قد يكون بالانفكاك (١) وقد يكون باختلاف الأعراض (٢). والذي يكون باختلاف الأعراض الإضافية لا يجب أن يبلغ الجسم إلى حدّ يكون بعد ذلك فاقدا لتلك الصورة ؛ لأنّ تلك الصورة فاشية في جميعه ، وإلّا لكان إمّا أن يخلو كلّ واحد من أجزائه عن تلك الصورة وإمّا أن يكون بعض

__________________

(١) كسرا أو قطعا. والفرق بينهما انّ القطع يحتاج إلى آلة نفاذة فاصلة بالنفوذ دون الكسر. وأيضا للقطع نوع اختصاص بالأجسام اللينة والكسر بالأجسام الصلبة. شرح المواقف ٧ : ٣٢.

(٢) والقسمة والانفصال باختلاف الأعراض ينقسم إلى ما يكون بسبب عرضين قارّين (حقيقيّين) ، وإلى ما يكون بسبب عرضين إضافيّين. والمراد من القار ما للموضوع في نفسه ، كالسواد والبياض في البلقة ، ومن الإضافي ما للموضوع بحسب قياسه إلى غيره ، كاختلاف محاذاتين أو موازاتين أو مماسّتين. راجع شرح الإشارات ٢ : ٥٥ ـ ٥٦.

٤٨٩

أجزائه خاليا عن تلك الصورة دون البعض.

والأوّل لا يخلو إمّا أن يتغير حالها عند الاجتماع عمّا كانت عليه حالة الانفراد ، أو لا يتغير. فإن لم يتغير لم يحصل بالاجتماع إلّا الزيادة في العدد والمقدار ولم تحصل تلك الصورة النوعية ، فلا تكون للجسم تلك الصورة البتة ، هذا خلف.

وأمّا إن كان اجتماع الأجزاء يوجب حصول الصورة للمجموع ، فتلك الصورة الحاصلة بالامتزاج فاشية في الكل ، وهو المطلوب.

وأيضا امتزاج تلك الأجزاء لا يفيد صورة أخرى إلّا إذا كانت مختلفة الطبائع ، فتكون لكلّ جزء منها طبيعة خاصة وكلّ ما يفرض في ذلك الجسم من الأجزاء فله تلك الطبيعة. فالانقسام الوهمي والذي بحسب اختلاف الأعراض الإضافية لا يخرج الجزء الصغير عن طبيعة الجزء الكبير.

وأمّا إذا كان الانقسام فكّيا تعذر حفظ الجسم مع افراطه في التصغّر صورته النوعية لاستيلاء ما يحيط به عليه وضعف قوته لصغره عن دفع المضاد له خصوصا مع عظمه وزيادة قوته عليه ، فينتقل إلى طبيعة المجاور بسرعة ، والاستقراء يحققه.

وأمّا الانقسام بالأعراض الحقيقة كالبلقة ، فكالانفكاكي في التناهي.

فبطل بهذا قول من قال : إنّ أصغر أجزاء الأرض أكبر من أصغر أجزاء النار ؛ لأنّ تلك النار إذا انقلبت أرضا لم يجب أن يكون ذلك عند الأرض حتى يتصل بها ، فإنّ كثيرا من العناصر تعرض له الاستحالة في غير حيّزه الطبيعي ، وإذا صار ذلك الجزء الصغير من النار أرضا صار أصغر ممّا كان ، لأنّ الخمود يصغره أيضا ، فيكون وهو أرض أصغر من الجزء الذي فرضناه أصغر من الأجزاء الأرضية ، وذلك محال.

٤٩٠

المسألة الثانية : في أنّ الجوهر هل يصح وقوعه على موضع الاتصال بين جوهرين(١)؟

اختلف الشيخان هنا ، فذهب أبو هاشم إلى جوازه ومنعه أبو علي وأبو القاسم الكعبي وأبو إسحاق وقاضي القضاة.

حجة أبي هاشم بأنّا إذا فرضنا خطا مركبا من أربعة جواهر ثمّ أزيل جزءان من وسطه صحّ وضع الجزء في الفرجة التي بين الطرفين على حدّ لا يلاقي واحدا من الطرفين ، وإنّما يكون كذلك إذا كان على موضع الاتصال منهما.

اعترض بمنع ذلك ؛ لأنّه لو صحّ لكان قد حصل في تلك الفرجة ما هو أقلّ مقدارا من الجزء ، وقد بيّنا أنّه أصغر المقادير فيجب المنع من صحّة وضعه على حدّ لا يلاقي واحدا من طرفيه لهذا المانع.

وهذا في غاية الضعف.

أمّا أوّلا ، فلأنّ المكان الخالي يمكن أن يشغله المتمكن مطلقا ولا يمكن اسناد الامتناع إلى أنّه لو حصل في ذلك المكان لا نقسم وانقسامه محال ، لأنّ الأمكنة لا مدخل لها في تصحيح القسمة وعدمها.

وأمّا ثانيا ، فلأنّا نعلم بالضرورة إمكان حركة هذا الجزء من أحد الجزءين إلى الآخر ؛ لأنّه إذا أمكن أن يجاوز كلّ واحد منهما والوسط خال قضت الضرورة بإمكان الحركة ، وحينئذ يلزم المحذور.

وأمّا ثالثا ، فلأنّا نفرض الخط على حاله والجزء يتحرك عليه من أوّله إلى آخره ، فيعود المحذور. ولا مدخل لخلو البعض عن المالئ في جواز الحركة وعدمها ،

__________________

(١) راجع المطالب العالية ٦ : ٢١. وقال فيه : «فأباه الجبائي والأشعري وجوزه أبو هاشم والقاضي عبد الجبار».

٤٩١

ولا في اقتضاء الانقسام وعدمه.

احتج أبو علي بوجهين :

الأوّل : الخط المركب من أربعة إذا وضع على طرفيه جزءان فلو صحّ وضع جزء على حدّ لا يلاقي واحدا من الطرفين حتى يكون على موضع الاتصال من الجزءين ، أوجب أنّ الخلل الحاصل بين الطرفين يصغر عن الجزء ، وقد بيّنا أنّه أصغر المقادير.

الثاني : لو وقع على موضع الوصل منهما لكان الاعتماد الذي فيه لا يكون بأن يولّد كونا يصير به آخذا قسطا من هذا الجوهر أولى من قسط وكذلك في الجوهر الآخر ، لأنّه لا مخصص يخصصه ببعض دون بعض ، وذلك يقتضي صحّة وجود أكوان متضادة في ذلك المحل ، أو أن يصير هذا الجزء آخذا لجميع الجوهرين.

وقد اعترض على أبي علي بوجوه :

الوجه الأوّل : قوله (١) يؤدي إلى قسمة الجزء ، لأنّه يصير ملاقيا لأحد الجزءين بقسط والآخر بآخر.

الوجه الثاني : يقتضي أن يحصل في الجوهر الواحد كونان متضادان ، لأنّه يوجد فيه كون يصير به آخذا قسطا من هذا الجزء ، وكون مضاد له يأخذ به قسطا آخر من الجزء الآخر.

الوجه الثالث : يلزم كون الجوهر الواحد في مكانين.

وله أن يجيب عن الأوّل : بأنّه ليس وقوعه على موضع الاتصال من الجزءين بأعظم من صحّة ملاقاته لستة أمثاله ، فإذا جاز هذا ولم يقتض تجزئته ، فكذا هنا.

وعن الثاني : بأنّ المحاذاة إذا كانت واحدة فلا تضاد في الكون وإن تغاير.

__________________

(١) في هامش نسخة ج : «هذا وجه الاعتراض لا قول أبي علي».

٤٩٢

وعن الثالث : بأنّ المحاذاة واحدة ، لأنّه ليس شاغلا لحيّز الجوهرين ولا ساترا لهما حتى يكونا مكانين له ، وإنّما يجوز وقوعه على موضع الوصل منهما ، وليس ذلك عبارة عن مكانه.

واعلم : أنّ التحقيق هنا أن نقول : إن كان وقوعه على مفصل الجوهرين موجبا لشغل أحدهما بالكلية بالملاقاة والحصول فيه دون الآخر لم يكن على موضع الاتصال. وإن كان شاغلا لهما معا لزم انقسامه قطعا. فإن كان شاغلا لبعض من كلّ منهما لزم انقسامه وانقسامهما معا.

المسألة الثالثة : في شكل الجزء (١)

قال المثبتون : إذا شبه الجزء بشيء من الأشكال ، فهو بالمربع (٢) أشبه من غيره ؛ لأنّ المربع تتساوى جوانبه وأطرافه حتى لا تتفاوت ، والجزء كذلك ؛ لأنّه لو شبه بالمثلث لرئي من أحد الجوانب ، كأنّه (٣) أكثر من الجانب الآخر ، فإنّ هذا حال المثلث.

__________________

(١) اتّفق المتكلّمون (من الأشاعرة والماتريدية) على انّ الجوهر الفرد لا شكل له ، وأثبت له أكثر المعتزلة شكلا ، إلّا انّهم اختلفوا في تشبيهه ببعض الأشكال ، فقال بعضهم : هو أشبه بالكرة. وقال آخرون : هو أشبه بالمربع. وشبهه آخرون بمثلث. وشبهه بعضهم بالمكعب.

وأمّا الباقلاني ففي موقفه تردد. فهو تارة يتفق مع الأشاعرة على نفي الشكل للجوهر الفرد ويقول : «إنّ الجوهر الفرد لا يشبه شيئا من الاشكال ، لأنّ المشاكلة هي الاتحاد في الشكل ، فما لا شكل له فكيف يشاكل غيره؟» ، الباقلاني وآراؤه الكلامية : ٣٢٩.

وتارة أخرى ينسب إليه تحديده بشكل معين للجوهر ، فينسب إليه الجويني انّه قد أشار في بعض كتبه إلى اختيار شكل المربع من حيث يمكن أن ينتظم من الجواهر الفردة خط مستطيل ، الشامل : ٦٢. راجع أيضا المطالب العالية ٦ : ٢١.

(٢) قال به أبو الهذيل العلاف ومن تبعه. راجع ابن متويه ، التذكرة : ١٧٣ ؛ كشاف اصطلاحات الفنون ١ : ٢٩١.

(٣) ق : «فانّه».

٤٩٣

وهذه الملازمة ممنوعة.

ولو كان كرة لم يصح تأليف الأجزاء إلّا مع فرج ، فيؤدي إلى أن يكون هنا ما هو أصغر من الجزء.

فإن صحّ أنّه شبيه بالمربع أمكن أن يلقاه ستة أمثاله من الجهات الست.

وحكي عن عبّاد (١) أنّه : منع من صحّة تلاقي الأجزاء وقال : إنّ الجزء لا يلاقي غيره (٢).

فقال له أبو هاشم : من ذهب إلى أنّ الجسم مركب من الأجزاء لم يصح له منع ملاقاة بعضها لبعض (٣).

وحكي عن عباد : المنع من صحّة إيجاد الله تعالى الجزء المنفرد عن غيره.

وقال لا يجوز إلّا عند مضامة غيره له (٤).

وهذه الحكاية منافية لما تقدم عنه أولا. مع أنّهما باطلتان.

أمّا الأوّل ، فلما قاله أبو هاشم.

وأمّا الثاني ، فلأنّه لا ارتباط بين الجوهرين ، فجاز وجود كلّ منهما منفردا عن صاحبه. والأوائل منعوا من وجوده مطلقا ، وإلّا لكان إذا وصل إليه طرفا خطين ، فإن داخلهما بالأسر كان الطرفان متباينين للخط ، لأنّ ذلك الجزء مباين له والمداخل للمباين مباين ، فلا يكون الطرف طرفا ، هذا خلف. وإن لم يداخلهما بالأسر لزم انقسامه ، هذا خلف.

__________________

(١) عباد بن سليمان العمري. يجوز أن يكون اسمه «عباد» ويجوز أن يكون «عبّاد» وكلاهما موجود عند العرب. وهو من أصحاب هشام الفوطي ، وله كتاب يسمّى الأبواب ، نقضه أبو هاشم. طبقات المعتزلة ، الطبقة السابعة : ٧٧.

(٢) راجع مقالات الإسلاميين : ٣١١.

(٣) المصدر نفسه : ٣١٥.

(٤) المصدر نفسه. وقد أجاز أبو الهذيل على الجزء أن يفرده الله فتراه العيون.

٤٩٤

المسألة الرابعة : في صحّة كون الجوهر مكانا

اعلم أنّ المكان هنا في مصطلح هؤلاء أنّه : ما يعتمده المتمكن. وقد اختلف الشيخان في أنّه هل يمكن أن يكون الجوهر مكانا لغيره؟ فجوزه أبو علي وأكثر المشايخ ، ومنعه أبو هاشم بناء منه على أنّ المكان يعتبر فيه كثرة أجزائه على أجزاء المتمكن.

وهذا باطل ، بل لو حصل في الجزء الواحد سكون يمنع ثقل المتمكن من توليد الهوى فيه فقد صار مكانا له. وكذا الأجزاء القليلة مع كثرة أجزاء المتمكن بعد أن يختص المكان بسكون كثير ، لأنّه لا يصير مكانا بكثرة أجزائه ، بل بما ذكرناه من منع الهوى للمتمكن فيه.

قال أبو هاشم : يصحّ أن تكون يد أحدنا مكانا للذبابة لما قصرت أجزاؤها عن أجزاء اليد ، ولم يصح أن تكون مكانا للحجر الثقيل لما زادت أجزاؤه على أجزاء اليد ، وكان من حق المكان أن تزيد أجزاؤه على أجزاء المتمكن ، وإذا كان كذلك ولا يزيد أحد الجزءين على صاحبه فيجب أن لا يكون الجزء مكانا لمثله أصلا.

وهو غلط ، لأنّ اليد لم تكن مكانا للحجر الثقيل لاحتياجها في مدافعة الثقل الذي فيه إلى سكون زائد وربما لم تتمكن من ذلك ، ولو فرضنا قدرته عليه كانت يده مكانا.

٤٩٥

المسألة الخامسة : في أنّه هل يصحّ رؤيته؟

اتّفق المشايخ على أنّ الله تعالى يرى الجوهر منفردا عن غيره. وأمّا نحن فيصح منّا أن نراه عند انضمام غيره إليه. ولكن الخلاف في أنّه هل يصحّ منّا أن نراه منفردا؟ فجوزه الشيخ أبو علي عند قوة الشعاع ، وهذا هو الظاهر في كتاب ابنه أبي هاشم. لكن قد حكى عنه الشيخ أبو عبد الله البصري أنّه مع انفراده يستحيل أن يرى ؛ لأنّه إذا كان منفردا دخل في تضاعيف أجزاء الشعاع حتى يصير كالجزء منه ، ولا بدّ من فاصل بين ما يرى وبين ما يكون آلة في الرؤية ويرى به ، فلهذا لا يصحّ رؤية الشعاع ، فكذا الجزء الواحد لمّا داخله.

لا يقال : لو لم ير وحده لم ير منضما إلى مثله لهذه العلّة.

لأنّا نقول : إن كانت الحال في الجزءين والثلاثة حال هذا الجزء لم يصحّ رؤيتها ، وإن خالفت حالها حاله لم يجز القياس.

لا يقال : لو كان متلونا بغير لون الشعاع لم يثبت الالتباس ، فكان يجب رؤيته حينئذ.

لأنّا نقول : متى أجرينا الجزء مجرى الشعاع الذي به يرى ، فكما لا يجب رؤية لون الشعاع فكذا لون هذا الجزء.

وهذا ممنوع ؛ لأنّ الشعاع لمّا كان آلة لم ير لأنّ المتوسط بين آلة الإدراك والمدرك من شأنه أن لا يدرك بخلاف الجزء ، فإنّه ليس آلة البتة. على أنّ العلّة في امتناع رؤيته لو كانت هي انفراده لم يصح أن يراه الله تعالى ، ولمّا صحّ أن يرى مع الانضمام ، لأنّ التأليف لا مدخل له في الرؤية ، وكان يجب أن لا ترى الأجسام ؛ لأنّ انضمام ما ليس بمرئي إلى ما ليس بمرئي لا يصيّره مرئيا.

وهذا ممنوع ؛ لجواز أن يكون الانضمام شرطا في الرؤية عندنا.

٤٩٦

الفصل الثاني

في الجسم

وفيه مباحث :

البحث الأوّل

في حدّه (١)

أمّا المتكلّمون فقد عرفت كلامهم فيه ، وأنّ بعضهم عرّفه بأنّه الطويل

__________________

(١) الجسم) Body (في بادئ النظر هو هذا الجوهر الممتد القابل للأبعاد الثلاثة : الطول والعرض والعمق. وهو ذو شكل ووضع ، وله مكان ، إذا شغله منع غيره من التداخل فيه معه. فالامتداد وعدم التداخل هما إذن المعنيان المقومان للجسم. المعجم الفلسفي للدكتور صليبا ١ : ٤٠٢.

وانظر البحث في الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء : ٦١ ؛ إلهيات النجاة : ٢٠١ ؛ شرح الإشارات ٢ : ٥ ؛ المطالب العالية ٦ : ٩ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٩ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٨٢.

٤٩٧

العريض العميق (١). وبعضهم عرّفه بأنّه المنقسم مطلقا. وأمّا الفلاسفة فقالوا : الجسم يطلق بالاشتراك على معنيين (٢) :

أحدهما عرض وهو : الجسم التعليمي ، أعني الطول والعرض والعمق ، وهي الأبعاد الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم. وقد عرفت (٣) البحث في إثباته ونفيه.

والثاني جوهر ، وحدّه في المشهور أنّه : الطويل العريض العميق. وقد تقدم في باب الكم (٤) الفرق بين هذه الأمور وبين الجسمية. وقد تقدم أنّ الجسم قد ينفك في الوجود الخارجي عن الخط (٥). وأمّا السطح فإنّه وإن كان لا ينفك عنه في الوجود الخارجي ، ولكنّه ينفك عنه في الوجود الذهني. وأمّا الجسم فإنّه وإن كان لا ينفك عنه في الخارج وفي الذهن إلّا أنّه مغاير للصورة الجسمية ؛ فإنّ الشمعة إذا شكّلتها بالأشكال المختلفة كانت الجسمية الواحدة محفوظة والمقادير مختلفة ، فليس كون الجسم جسما باعتبار هذه الأمور.

قال أصحاب هذا الرسم (٦) : لا شكّ أنّ الجسم لا يخلو عن صحّة فرض هذه الأبعاد فيه ، فهذه الخطوط المفترضة إن كانت مفروضة في اتصال الجسم وإن

__________________

(١) هذا التعريف للمعتزلة. ولعلّهم أخذوه من المعنى اليوناني القائل : بأنّ الجسم هو ذو الثلاثة أبعاد الطول والعرض والعمق ، وهو ما ملأ مكانا. والتعريف الثاني في عبارات المصنف قال به الاسكافي من المعتزلة ، واتّفق معه أكثر الأشاعرة والماتريدية وهو قولهم : إنّ الجسم هو المؤلف ، أو هو : الجوهر القابل للانقسام من غير تقييد بالأبعاد الثلاثة. راجع التصور الذري في الفكر الفلسفي الإسلامي : ٥٤ ـ ٥٦.

(٢) راجع ابن سينا ، رسالة الحدود (حد الجسم).

(٣) في المجلد الأوّل ، ص ٣٢٧.

(٤) في المجلد الأوّل ، ص ٣٢٦.

(٥) مثل الكرة الساكنة الخالية عن الحركة.

(٦) وهم المعتزلة كما مرّ.

٤٩٨

لم تكن مفروضة فيه (١) ، فلا بدّ وأن يكون الاتصال حاصلا عند ذلك الفرض ، ولا شكّ أنّ ذلك الاتصال كان موجودا قبل ذلك الفرض ، لأنّ صحّة الفرض إذا توقفت على ذلك الاتصال استحال أن يكون الاتصال موقوفا على وجود الفرض وإلّا دار. وإذا كانت الاتصالات موجودة قبل الفرض ، ولا (٢) شكّ أنّ الاتصالات إنّما تكون موجودة إذا كانت ممتدة في الجهات ، فالجسم لا يخلو عن هذه الامتدادات.

فإن عنيتم بقولكم (٣) «الاتصالات كانت موجودة» أنّ الاتصال الذي تفرض فيه الخطوط المتقاطعة موجود ، فذلك صحيح لكنّه هو الصورة الجسمية وذلك لا نزاع فيه. وإن عنيتم به أنّ هناك جهات متباينة مختلفة بالفعل تفرض فيها الخطوط الممكنة الفرض ، فليس الأمر كذلك ؛ لأنّه ليس يجب أن يكون عدد الجهات بالفعل بحسب الخطوط الممكنة الفرض ، وإلّا كانت الجهات غير متناهية بالفعل ، لأنّ الخطوط يمكن فرضها غير متناهية.

ولأنّ الجهة منتهى الإشارة ، وتلك الجهة إنّما تصير تلك الجهة بالفعل عند حصول ذلك الخط بالفعل ، ولولاه لم يكن لتلك الجهة من حيث إنّها تلك الجهة حصول بالفعل. فالاتصال الذي عرض له الآن إن حكم عليه بأنّه هذه الجهة أو في هذه الجهة ، موجود قبل الفرض. نعم لا توجد قبل الفرض هذه الجهة ، لأنّ هذه

__________________

(١) العبارة كذا في النسخ ، وفي المباحث المشرقية : «فهذه الخطوط المفترضة إمّا أن تكون مفروضة في اتصال الجسم أو لم تكن مفروضة فيه ، بل في غيره هيولى كان أو غيره ، فلا بد ...» ، ٢ : ١٠.

وفي الأسفار : «وهذه الخطوط المفروضة إمّا أن تكون مفروضة في اتصال الجسم ، فيكون الاتصال حاصلا بالفعل في الجسم وإلّا لم تكن مفروضة فيه بل في معنى آخر غير الاتصال والمتصل بنفسه هيولى كان أو غيرها فلا بد ...» ، ٥ : ٦.

(٢) في المباحث : «فلا».

(٣) هذا إشكال على تعريف المعتزلة المشهور للجسم.

٤٩٩

الجهة إنّما حدثت بالفرض لا قبله ، كما إذا فرض خط في سطح ، فإنّ هذا الخط لم يكن موجودا قبل حدوث هذا الخط. وإن كان الاتصال الذي وجد فيه الآن هذا الخط قد كان موجودا قبل هذا الخط.

وهذا الإشكال إنّما جاء ، لأنّه ربما اشتبه الفرق بين قولنا : كان الاتصال الذي وجد الآن في هذه الجهة وبين قولنا : كان اتصالا في هذه الجهة. والفرق بينهما كالفرق بين قولنا : كان الإنسان الذي هو الآن أبيض قبل كونه أبيض وبين قولنا : كان الإنسان أبيض قبل أن صار أبيض. فإنّ الأوّل صادق بخلاف الثاني.

وبالجملة : لو كانت الاتصالات الخطية الممكنة الفرض في الجسم حاصلة متميزا بعضها عن البعض قبل الفرض ، حصل في الجسم ما لا يتناهى من الأجزاء فعلا (١). فالاتصالات البعدية موجودة في الجسم بالقوة.

لا يقال : إذا كانت الاتصالات البعدية موجودة بالقوة وكذا الانفصالات ، كان الجسم في اتصاله وانفصاله بالقوة ، وما بالقوة ليس بموجود ، فالجسم ليس بمتصل ولا منفصل بالفعل.

لأنّا نقول : الاتصالات الخطيّة موجودة بالقوة ، أمّا الاتصال بمعنى الصورة الجسمية فانّه موجود بالفعل.

فإذن الرسم الصحيح أن يقال : «الجسم هو : الذي يمكن أن تفرض فيه الأبعاد الثلاثة المتقاطعة على الزوايا القوائم». والجسم قد يخلو عن هذه الأبعاد ولا يخلو عن إمكانها.

والمراد بالإمكان هنا : العام ، ليندرج ما يجب فيه الأبعاد ، كالفلك

__________________

(١) وهو محال.

٥٠٠