نهاية المرام في علم الكلام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية المرام في علم الكلام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: فاضل العرفان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-392-8
ISBN الدورة:
978-964-357-390-4

الصفحات: ٦١٦

والجزء سابق في التعريف على المركب.

وإنّما يلزم عدم تناهي المقولات بجعل المشتق اسمه من الأعراض مقولة لو كانت الأعراض غير متناهية ومعروضاتها غير متناهية وتصورها على التفصيل والاشتقاق من كلّ واحد منها ، وكلّ ذلك غير لازم. ونتيجته وهي قوله : فلهذا لم نجعل المطلق مقولة غير لازمة ؛ لأنّ الذي ذكره ليس المطلق. وقد صرح به في جواب الاعتراض حيث قال : الشيئية المحمولة على المعنى الآخر ليس تخصصها بكونه مضافا ، بل بأمر آخر.

٣٤١

البحث الرابع

في الفرق بين النسبة والاضافة (١)

قال الشيخ : «ليس كلّ نسبة إضافة ، فإنّ لكلّ شيء نسبة في الذهن إلى الأمور التي تلزمه في الذهن ، لكن لا تكون تلك إضافة. ولا تحمل الإضافة على شيء من المقولات النسبية حمل الجنس ، لكن المضاف يوجد في كلّ واحد منها بأن يعرض له ، فإنّ الشيء متى كانت له نسبة التي هو بها أين وهذه النسبة إلى شيء فإنّه يصير بها مضافا إليه من غير أن يصير المضاف جنسا له فإنّ كون زيد في الدار هي نسبة التي هو بها أين ، وهذه النسبة ليست إضافة بل أينا.

ثمّ إذا اعتبرت التكرير وجدت الموصوف بالابن يعرض له ، من حيث هو ذو ابن ، أن يصير مقول الماهية بالقياس إلى ما هو فيه ، من حيث هو محوى وذلك حاو ، لا من حيث إنّه أين فقط ، بل من حيث هو محوى حاويه. فإذا اعتبرته من هذه الجهة وجدته قد عرضت له الإضافة ، كالبياض ، من حيث إنّه بياض ، هو لذي البياض ، فإنّ ماهيته مقولة بالقياس إلى ذي البياض لا ماهية أنّه البياض ، بل ماهية أنّه الأبيض. كذلك كون الشيء في مكان ليس هو نفس كون ماهيته مقولة بالقياس إلى غيره ، بل هو موضوع لذلك من حيث تصير النسبة شاملة

__________________

(١) راجع التحصيل : ٤٠٩ ؛ مجموعة مصنفات شيخ الاشراق ١ : ٢٧٠.

٣٤٢

للطرفين للحاوي والمحوي ، فإن أخذت النسب متكررة في كلّ شيء صارت له إضافة. ومعنى المتكرر أن يكون النظر لا في النسبة فقط ، بل بزيادة اعتبار النظر إلى أن للشيء (١) نسبة من حيث له نسبة ، وإلى المنسوب إليه كذلك ؛ فانّ السقف له نسبة إلى الحائط ، فإذا نظرت إلى السقف من حيث النسبة التي له فكان مستقرا على الحائط ، ونظرت من حيث هو مستقر على الحائط صار مضافا لا إلى الحائط من حيث هو حائط ، بل من حيث هو مستقر عليه ؛ فعلاقة السقف بالحائط ، من حيث الحائط حائط ، نسبة ، ومن حيث يأخذ الحائط منسوبا إليه بالاستقرار عليه والسقف بنفسه منسوب ، فهو إضافة.

وهذا معنى ما يقولون : إنّ النسبة تكون لطرف واحد ، والإضافة تكون للطرفين ؛ فإنّك إذا أخذت السقف مستقرا على الحائط وجدت النسبة من جهة السقف المستقر ، وأمّا من جهة الحائط فلا نسبة فيه إلى شيء من حيث هو حائط. فأمّا (٢) إن أخذت النسبة من حيث إنّ السقف مستقرّ على مستقر عليه ، والحائط مستقر عليه المستقر ، انعكست النسبة وصلحت لأن تكون إضافة. وكلّ (٣) نسبة لا تؤخذ (٤) في الطرفين جميعا من حيث هي نسبة ، فهي نسبة غير إضافية ؛ فكلّ نسبة يؤخذ الطرفان فيها من حيث النسبة فهي إضافة. والأمور التي تؤخذ منسوبة بلا زيادة فهي منسوبة فقط ، وإن أخذت منسوبة على هذا الشرط فهي مضافة» (٥).

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «الشيء».

(٢) في المصدر : «وأمّا».

(٣) في المصدر : «فكل».

(٤) في المصدر : «توجد».

(٥) الفصل الثالث من المقالة الرابعة من قاطيغورياس الشفاء ١ : ١٤٥ ـ ١٤٦. بتصرف العلّامة.

٣٤٣

البحث الخامس

في أنّ الإضافة وجودية في الأعيان أم لا (١)؟

سألت شيخنا أفضل المحقّقين نصير الملّة والدين «قدّس الله روحه» عن هذه المسألة فأجاب : بأنّ من الإضافات ما هو وجودي ، كالفوقية والتحتية ، ومنها ما هو اعتباري. ثمّ ذلك الوجودي ليس موجودا على معنى أنّ له ثبوتا في الأعيان كثبوت السواد للجسم ، بل على معنى أنّ الماهية الموصوفة بالفوقية مثلا لها كونها أنّها فوق ، وذلك أمر ثابت في الأعيان.

وهذا الجواب فيه نظر ، فإنّ المعقول لنا أنّ السماء فوق الأرض ، فهنا أمران : السماء والفوقية ، وثالث هو كون السماء موصوفة بالفوقية ، ثمّ الوصف قد يكون بالفعل وقد يكون بالقوة على معنى أنّ للسماء استعداد الموصوفية بالفوقية ، فإذا سلم أنّ الفوقية ليست ثابتة في الأعيان ومعلوم أنّ الاتصاف بها أو استعداد الاتصاف بها لو كانا ثابتين ، لزم التسلسل.

واعلم أنّ الناس قد اختلفوا في أنّ الإضافة هل لها وجود في الأعيان؟

__________________

(١) راجع الفصل العاشر من ثالثة إلهيات الشفاء : ٣٧١ ؛ تعليقة صدر المتألهين : ١٥٠ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٥٦٠ ؛ نقد المحصل : ١٣١ ؛ كشف المراد : ٢٥٨.

٣٤٤

فالمتكلّمون وجماعة من الأوائل منعوا من ذلك (١) ، وزعموا أنّها من الاعتبارات الذهنية كالكلية والجزئية. وذهبت طائفة من الحكماء إلى أنّها وجودية في الأعيان.

واحتج الأوّلون بوجوه (٢) :

الأوّل : لو كانت الإضافة أمرا موجودا في الأعيان لزم التسلسل المحال ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : أنّ الإضافة لو كانت ثابتة في الأعيان ، فإمّا أن تكون جوهرا أو عرضا. والأوّل باطل بالضرورة ، فإنّه لا يعقل للإضافة وجود مستقل بنفسها ، ولا تأصل لها في التحقق ، فليس في الأعيان وصف الأبوة والبنوة وأشباههما قائما بذاته غنيا عن محل يقوم فيه. والثاني باطل أيضا ؛ لأن كلّ عرض لا بدّ له من محل يحل فيه فحلول ذلك العرض في محله إضافة لذلك العرض إلى ذلك المحل ، فيكون عرضا موجودا مفتقرا إلى محل ، فحلوله في ذلك المحل إضافة أخرى ويتسلسل ؛ لأنّ الحلول غير الإضافة ، فإنّ الأبوة إذا كانت حالّة في ذات الأب كان كونها في محل مغايرا للمفهوم من الأبوة ، فيكون ذلك إضافة عارضة للأبوة ، والكلام فيه كالكلام في الأوّل ويلزم التسلسل.

أجاب الشيخ هنا بما لا يسمن ولا يغني من جوع ، فقال (٣) :

«يجب أن نرجع في حلّ هذه الشبهة إلى حدّ المضاف المطلق ، فنقول :

__________________

(١) وهو مذهب المحقّق الطوسي حيث قال في تجريد الاعتقاد : «إنّ الإضافة ليست ثابتة في الأعيان». وأمّا المستفاد بالتأمّل في كلماته أنّه قدس سرّه يرى الاضافة من المعقولات الثانية الفلسفية التي عروضها في الذهن واتصافها في الخارج ، كمفاهيم العلّة والمعلول والإمكان والوجوب والماهية والعرض وغيرها ، وهذا مختار صدر المتألهين أيضا ، كما في الأسفار ٤ : ٢٠٤. فلا مبرّر لما أسند إليه المصنّف من عدّها من المعقولات الثانية المنطقية ؛ حيث مثّل لها بالكلية والجزئية.

(٢) انظر الوجوه في المباحث المشرقية ١ : ٥٦٠ ـ ٥٦٢ ؛ نقد المحصل : ١٣١.

(٣) في الفصل العاشر من ثالثة إلهيات الشفاء. بتصرف العلّامة.

٣٤٥

المضاف هو [الذي] (١) ماهيته مقولة (٢) بالقياس إلى غيره ، فكلّ شيء في الأعيان يكون بحيث ماهيته إنّما يقال (٣) بالقياس إلى غيره ، فذلك الشيء من المضاف ، لكن في الأعيان أشياء كثيرة بهذه الصفة ، فالمضاف في الأعيان موجود ، ثمّ إن كان في المضاف ماهية أخرى ينبغي أن يجرد ما له من المعنى المعقول بالقياس إلى غيره ، [فذلك المعنى هو بالحقيقة المعقول بالقياس إلى غيره ، وغيره إنّما هو معقول بالقياس إلى غيره] (٤) بسبب هذا المعنى ، وهذا المعنى ليس مقولا (٥) بالقياس إلى غيره بسبب شيء غير نفسه ، بل هو مضاف لنفسه ، فليس هناك ذات وشيء هو الإضافة ، بل هناك مضاف بذاته لا بإضافة أخرى ، فتنتهي من هذا الطريق الإضافات. وأمّا كون هذا المعنى [المضاف] (٦) بذاته في هذا الموضوع [فهو من حيث إنّه في هذا الموضوع ماهية معقولة بالقياس إلى هذا الموضوع] (٧) فله وجود آخر ، مثلا : وجود الأبوة في الأب أمر زائد على ذات الأب ، وذلك الموجود (٨) أيضا مضاف فليكن هذا عارضا من المضاف لزم (٩) المضاف. وكلّ واحد منهما مضاف لذاته إلى ما هو مضاف إليه فلا (١٠) إضافة أخرى ، فالكون محمولا مضاف لذاته والكون أبوة مضاف لذاته».

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) كذا في النسخ والمباحث وكشف المراد ، ولكن في المصدر : «معقولة».

(٣) في المصدر : «يعقل».

(٤) ما بين المعقوفين ساقط في النسخ وأضفناه من المصدر.

(٥) كذا في النسخ والمباحث وكشف المراد ، ولكن في المصدر : «معقولا».

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٧) ما بين المعقوفين ساقط في النسخ والمباحث وكشف المراد وأثبتناه من المصدر.

(٨) في المصدر : «الوجود».

(٩) كذا في المصدر ، ولعلّ الصواب وفقا للسياق : «لذي».

(١٠) كذا ، وفي المصدر : «بلا».

٣٤٦

وهذا الكلام على طوله لا يفيد شيئا ؛ لأنّ هذا إنّما يرد على من يجعل المضاف الذي هو المقولة مضافا بإضافة أخرى. وإلزام التسلسل ليس من هذه الحيثية ، بل من حيثية أخرى، وهي أنّ الأبوة مثلا من حيث هي أبوة ، ماهية تعقل بالقياس إلى الابن ، ثمّ إنّها عارضة لموضوع هو ذات الأب ، فعروضها للأب وحلولها فيه ليس هو نفس كونها أبوة ؛ لأنّ الأبوة إضافة بالقياس إلى البنوة لا إلى ذات الأب ، وعروض الأبوة للأب وحلولها فيه إضافة بالقياس إلى المحل الذي هو الأب.

فإذن عروض الأبوة للأب حالة زائدة عليها عارضة لها وهلمّ جرا إلى غير النهاية.

قال أفضل المتأخرين : «هذا الاعتراض غير متوجِّه ؛ لأنّ غايته بيان أنّ الأبوة موصوفة بإضافة أخرى ، وهي العروض للموضوع ، ولكن لم قلتم : إنّ العروض للموضوع لا بدّ له من إضافة أخرى؟ وذلك لأنّ الأمر المقول بالقياس إلى الغير إن كان له مفهوم آخر وراء تلك المقولية ، فحينئذ لزم الحكم بالتغاير ، وإن لم يكن له مفهوم وراء تلك المقولية امتنع الحكم بالتغاير. فهاهنا لمّا رأينا الأبوة عارضة للموضوع وكان مفهوم الأبوة غير مفهوم العروض للموضوع لا جرم حكمنا بتغايرهما واعترفنا بأنّ الأبوة عرضت لها إضافة ، وهي كونها عارضة لموضوعها. فأمّا (١) العروض للموضوع فليس له مفهوم وراء ذلك ، فلا يلزم أن يكون للعروض للموضوع عروض آخر للموضوع حتى يلزم التسلسل ، بل يكون ذلك العروض للموضوع عارضا للموضوع لذاته ونفسه لا لغيره ، فاندفع التسلسل» (٢).

وفيه نظر ، فإنّ عدم التغاير في المفهوم النوعي لا يمنع التسلسل بالنظر إلى

__________________

(١) في المصدر : «وامّا».

(٢) المباحث المشرقية ١ : ٥٦١ ـ ٥٦٢.

٣٤٧

التغاير الشخصي. ولا شكّ في تغاير الإضافات بالشخص باعتبار تغاير المضاف إليه بالشخص. ولا ريب أنّ الأبوة عارضة ، فقد عرضت لها إضافة العروض ، وهذه إضافة العروض ليست إضافة عروض السواد لمحله بل هي مغايرة له ، فهنا إضافتان حينئذ : أبوة وعروض الأبوة. ثمّ إنّ عروض الأبوة عرض بالضرورة إن كان وجوديا ، فله موضوع وهو عارض لذلك الموضوع ، فعروضه مغاير لعروض الأبوة وهكذا حتى يلزم التسلسل. والغلط نشأ من عدم الفرق بين الاتحاد النوعي والشخصي ، وتوهم أنّ التسلسل إنّما يلزم باعتبار التغاير النوعي وليس كذلك.

الثاني : لو كانت الإضافة موجودة في الأعيان لكان تقدّم الزمان المتقدم على الزمان الحاضر وصفا ثابتا ، ولو كان ثابتا لكان الموصوف به ثابتا ؛ لامتناع قيام الصفة بذاتها أو بغير الموصوف ، لكن الموصوف بالتقدّم هو الزمان السابق ، فيكون الزمان المتقدم ثابتا مع الزمان الحاضر ، والتالي باطل وإلّا لانتفى التقدم ووجد جزءان من الزمان دفعة ، ولزم بقاء الزمان مع انّه سيال ، أو إعادة المعدوم ، فالمقدّم مثله.

واعترض بأنّ هذه الإضافة قد ثبت أنّها غير موجودة في الأعيان ، لكن لا يلزم من انتفاء كون هذه الإضافة الخاصة ثابتة في الأعيان أن لا يكون شيء من الإضافات ثابتا في الأعيان ، فجاز أن تكون بعض الإضافات ثابتة دون البعض.

وفيه نظر ، فإنّ جنس الإضافة إذا كان وجوديا والتخصص بأمر ثبوتي لم تبق الإضافة الخاصة عدمية ، ولا شكّ أنّ التقدّم داخل تحت مطلق الإضافة ويخصص بخصوصية التقدم الذي هو الثبوت في الزمان السابق ، وذلك أيضا أمر ثبوتي ، فكيف تكون هذه الإضافة عدمية؟

نعم هي صفة قد عرض لها العدم باعتبار عدم موضوعها ، كما يعرض للسواد العدم عند عدم محله.

٣٤٨

الثالث : لو كانت الإضافة موجودة لكانت مشاركة لسائر الموجودات في مطلق الوجود ومتمايزة عنها بخصوصيتها وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، ولا شكّ أنّه ما لم يتقيد الوجود بتلك الخصوصية لم توجد الإضافة في الأعيان فيكون ذلك القيد (١) سابقا على وجود الإضافة ، فلا توجد الإضافة إلّا بعد وجود الإضافة قبلها ، فحدوث الإضافة مشروط بإضافات سابقة عليها لا نهاية لها.

الرابع : الوجود من حيث هو وجود إن كان مضافا فكلّ موجود مضاف ، هذا خلف. وإن لم يكن مضافا فالإضافة لو كانت موجودة في الأعيان فهي لا تكون إضافة من حيث إنّها موجودة ، فالمضاف من حيث إنّه مضاف غير موجود وهو المطلوب.

وفيه نظر ، فإنّ النتيجة اللازمة : أنّ المضاف من حيث إنّه مضاف غير الوجود لا أنّه غير الموصوف بالوجود بمعنى أنّه يمتنع اتصافه بالوجود. وهذا الذي ذكروه يتأتى في جميع الماهيات.

الخامس : لو كانت الإضافة موجودة لزم أن يكون الباري تعالى محلا للحوادث ، والتالي باطل على ما يأتي ، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : انّ كلّ حادث يوجد فإنّ بينه وبين الله تعالى إضافة المعية ، وقبل وجوده كان الله تعالى معه إضافة التقدّم وبعده تصير له إضافة البعدية ، ثمّ تلك المعية لم تكن موجودة قبل وجوده ولا تبقى بعده ، فهي حادثة. ثمّ يلزم وجود حوادث لا نهاية لها حالّة فيه تعالى ؛ لأنّ تلك المعية إذا تصف الله تعالى بها حدثت له إضافة الاتصاف ولم تكن قبل ذلك ثابتة له ، ثمّ ذلك الاتصاف ثابت في الأعيان موجود حادث حالّ فيه ، وهكذا إلى ما لا يتناهى.

والتقدم والتأخر إضافتان لا توجدان إلّا معا ، لكن المعية تنافي التقدم فلا

__________________

(١) في المباحث : «التقيد».

٣٤٩

يوجدان البتة ؛ لأنّ امتناع اللازم يقتضي امتناع الملزوم.

السادس : لو كانت الأبوة موجودة لقامت بالأب ؛ لأنّه هو الموصوف بها ، فإمّا أن تقوم بجميع أجزاء الأب أبوة واحدة فيلزم انقسامها بانقسام الأب ؛ لأنّ كلّ واحد من الأجزاء إمّا أن يحلّ فيه شيء من الأبوة ، أو جميع الأبوة ، أو لا يحل فيه شيء منها البتة. ويلزم من الأوّل الانقسام ، فللأبوة نصف وثلث كما للأب ذلك ، وهو ضروري البطلان. والثاني يلزم منه حلول العرض الواحد في أزيد من محل واحد ، وهو باطل بالضرورة. والثالث يقتضي أن لا يكون المحلّ محلا ، أو تقوم (١) بكلّ جزء أبوة فيلزم حلول العرض الواحد في محالّ متعددة إن كانت الأبوة واحدة بالعدد ؛ وأن تكون هناك أبوّات كثيرة فلا يكون الأب أبا بل آباء متعددة ، وهو محال ؛ وأن يكون كلّ جزء من الأب أبا ، وهو محال أيضا إن كانت الأبوة كثيرة بالعدد. ثمّ إضافة كلّ واحدة من هذه الأبوات إن كان لها بنوة واحدة لزم تعدد إحدى الإضافتين دون الأخرى ، وهو محال. أو إلى بنوات متعددة ، فلا أولوية في اختصاص بعض الأبوات بالإضافة إلى بعض البنوات إن تساوت. وإن اختلفت لم يكن مفهوم الأبوة ولا مفهوم البنوة واحدا ، وتكثرها بالنوع غير معقول.

وقد احتج المثبتون بأنّا نعلم بالضرورة أنّ السماء فوق الأرض ، فهذه الفوقية إمّا أن تكون مجرّد عمل العقل من غير أن يكون لها في الخارج مطابقا ، وإمّا أن تكون ثابتة في الخارج. والأوّل باطل ؛ لأنّ ما لم يكن له في الخارج اعتبار لم يدخل فيه الصدق والكذب ، فإنّه لو قال القائل : أنا أفرض الخمسة زوجا ، لم يجب تكذيبه ؛ لأنّه أخبر عن عمل عقله لا عن الشيء في نفسه ، فكذا هنا كون السماء فوق الأرض إن كان شيئا بحسب عمل العقل لم تكن هذه القضية واجبة الصدق ولا ضدها واجب الكذب ، وبطلان التالي يدل على بطلان المقدم ، وهو أنّ كون

__________________

(١) عطف على قوله «فإمّا أن تقوم بجميع أجزاء الأب ...».

٣٥٠

السماء فوق الأرض ليس مجرّد عمل العقل بل له في الخارج ثبوت. وكذا أبوة زيد لعمرو وجميع الإضافات.

وأيضا فوقية السماء ليست مجرّد فرض غير مطابق للخارج كفرض الخمسة زوجا ، ولا أمرا سلبيا ؛ لأنّه نقيض اللافوقية التي هي أمر عدمي ، ولا أيضا نفس كون السماء سماء ، فإنّ كونه سماء غير مقول بالقياس إلى الغير وكونه فوقا مقول بالقياس إلى الغير ، فتغايرا.

وأيضا الأبوة حادثة بعد أن لم تكن ، فإن لم تكن وجودية لم يتجدد شيء لكن التجدد حاصل ، فهي ثبوتية.

والجواب : المعارضة بالأمسية والغدية ، فإنّ جميع ما ذكرتموه آت فيهما مع أنّ اليوم لا يصير أمسا إلّا بعد عدمه والمعدوم المحض لا يتصف بالثبوتية. ولأنّه يقتضي أن يكون الأمس متقدما على اليوم وصف ثبوتي (١) في الخارج ، وقد سبق بطلانه.

قيل عليه (٢) : التقدم والتأخر إضافتان بين المعقول المأخوذ من الموجود الحاضر والمعقول الذي ليس مأخوذا في الموجود الحاضر ، وأمّا قبل ذلك فلا يكون الشيء في نفسه متقدما ، فكيف يتقدم الموجود على لا شيء؟! فما كان من المضافات على هذا السبيل فإنّما تضايفها في العقل وحده ولا تكون موجودة في الأعيان ، بخلاف كون السماء فوق الأرض ، فإنّ السماء والأرض لما كانتا موجودتين كانت فوقية إحداهما للأخرى وصفا ثابتا لا(٣) يتوقف على اعتبار المعتبر.

والوجه في الجواب أن نقول : فوقية السماء وتحتية الأرض ، كوجوب الواجب

__________________

(١) كذا ، وفي المباحث : «وصفا ثبوتيا».

(٢) القائل هو الرازي في المباحث ١ : ٥٦٣.

(٣) ساقطة في المصدر.

٣٥١

وامتناع الممتنع وإمكان الممكن ، وكما أنّ هذه النسب ليست موجودات في الخارج ولا احكاما كاذبة ، فكذا فوقية السماء وتحتية الأرض. والأصل فيه ما قررناه نحن أوّلا من أنّ المطابقة لا تستدعي الثبوت الخارجي ، بل صدق الشيء في نفسه وكونه في نفسه على ما فرضه الذهن.

قال أفضل المحقّقين : «كون الإضافة عرضا حالا في محل ، ليس حلولها في ذلك المحل إضافة بل الإضافة تعرض للحال إلى المحل وللمحل إلى الحال بعد الحلول ، كما تعرض للرأس ولذي الرأس.

والتحقيق هنا : أنّ وجود الإضافة لا يكون إلّا في العقل ، ولا يكون في الخارج إلّا كون الموجود بحيث يحدث في العقل من تصوره الإضافة ، فإنّ ولادة شخص من شخص أمر موجود في الخارج ، وإذا تصوره العاقل تعقّل أبوة في أحدهما وبنوة في الآخر ولا يلزم التسلسل ؛ لأنّ الأبوة إذا عرضت لشخص وإن كان ذلك العروض إضافة أخرى لكنّها لا تكون بأبوة أخرى ، فإذن لا تتسلسل الأبوة ، وتلك الإضافة أيضا أمر عقلي ولا تتسلسل ؛ لأنّها تنقطع عند وقوف العقل وهم يقولون : إنّ لله تعالى صفات إضافية ، كالأوّل والآخر والخالق والرازق والمبدع والصانع وغير ذلك ، ويلتزمون القول بهذه الصفات [من] (١) غير المعية الزمانية.

وكون «حصول الوجود للماهية إضافة بينهما» ليس بشيء ؛ لأنّ الإضافة هاهنا ليست إلّا بمعنى الانضمام وليس ذلك ممّا نحن فيه بشيء.

وكون الشيء عقليا كفوقية السماء يباين كونه فرضيا ، فإنّ تحتية السماء ربما تفرض ، بل العقلي هو الذي يجب أن يحدث في العقل إذا عقل العقل ذلك الشيء كفوقية السماء ، أمّا الفرضي فهو الذي يفرضه الفارض وإن كان محالا. والذهني

__________________

(١) ما بين المعقوفين مأخوذ من المصدر.

٣٥٢

يشملهما» (١).

وفيه نظر ، فإنّه يقتضي كون الحلول أمرا غير الإضافة وهو غير معقول ، فإنّ الحلول نفسه إضافة ، فلو كان هناك إضافة أخرى تضاعفت الإضافات. والقياس على الرأس وذي الرأس باطل ؛ لأنّ الثابت العضوان لا من حيث الرأسية وذي الرأسية ، بل إذا عرضت الرأسية حصلت الإضافة إلى الرأسية خاصة لا غيرها ، وكذا يجب في الحلول.

وما ذكره في التحقيق فانّه مشكل ، إذ ليس في الخارج شيء ممّا قاله. والولادة إن عنى بها (٢) ثبوت إضافة في الأعيان فهو ممنوع ، فإنّ المرجع بها إلى حركة أو علّية ما.

ونحن نسلّم أنّ إضافة الأبوة إلى الأب بالحلول ليس أبوة ، لكن التسلسل لا يندفع بذلك بل هو مثبت له ؛ فإن تغاير النسب أولى في إثبات التسلسل من تماثلها. وكون «حصول الوجود للماهية ليس بإضافة ، لأنّه بمعنى الانضمام» ليس بنافع في هذا المقام ، فإنّ الانضمام إضافة لوجود حقيقة الإضافة فيه فكيف يمنع كونه إضافة؟ وكون «الفرضي غير العقلي» إشارة إلى ما اخترناه هنا في هذا المقام من أنّ العقلي لا يكون كاذبا ولا يجب أن يكون مطابقا للخارج ، إذ لا خارج هنا على ما اعترف به ، فلم يبق إلّا مطابقيته (٣) للأمر نفسه.

واعلم (٤) : أنّ معمرا من المتكلمين لمّا وقف على حجّة الفلاسفة في ثبوت الإضافة وعجز عن حلّها ، اعترف بأنّ الأعراض النسبية كلّها وجودية ، ولمّا لم يجد

__________________

(١) نقد المحصل : ١٣١ ـ ١٣٣.

(٢) ق : «إضافة» بعد «بها».

(٣) ج : «مطابقية».

(٤) لاحظ نقد المحصل : ١٣٣.

٣٥٣

دافعا للتسلسل الذي ألزموهم المتكلّمون به ، اعترف بثبوت ما لا يتناهى من الأعراض والنسب والإضافات يقوم كلّ منهما بالآخر.

وأبطله المتكلّمون بامتناع وجود ما لا نهاية له ، فإنّ كل عدد موجود فله نصف ، وذلك النصف أقلّ من الكل ، وكلّ ما كان أقلّ من غيره فهو متناه ، فيكون النصف متناهيا ، فيكون الكل متناهيا ، لأنّ ضعف المتناهي متناه.

ومنع معمر كلّ عدد له نصف ، وإنّما ذلك في العدد المتناهي لأنّه من خواصه ، لا في غير المتناهي. ومع تسليم النصف ، لكنّه لا يلزم من أقلية النصف تناهيه ، فإنّ مقدورات الله تعالى أقل من معلوماته. وتضعيف الألف مرارا لا نهاية لها أقلّ من تضعيف الألفين مرارا لا نهاية لها مع عدم تناهيها.

قال أفضل المحقّقين : «غير المتناهي لا يصير متناهيا بنقصان شيء منه. والشيء ربما يكون متناهيا من وجه وغير متناه من وجه ، فتلحقه (١) خواصُّ المتناهي من الوجه الأوّل وغير المتناهي من الوجه الآخر ، وهذا كتضعيف الألف والألفين مرارا لا نهاية لها ، فيكون أحد غير المتناهيين نصفا للآخر ، ولا يلزم منه تناهي أحدهما» (٢).

وفيه نظر ، فإنّ الحكماء استدلوا على التناهي ببرهان التطبيق ، وليس هو إلّا عبارة عن نقصان شيء عن شيء. وكون الشيء متناهيا من وجه دون وجه ، إنّما يكون في امتداد غير متناه من أحد الطرفين غير متناه من الآخر لا في اعداد لا ترتيب لها وضعا ولا عقلا.

__________________

(١) في المصدر : «تلحقه».

(٢) نفس المصدر.

٣٥٤

البحث السادس

في كيفية تحصيل الإضافة وتنوّعها (١)

اعلم أنّ الإضافة ليس لها وجود منفرد مستقل ، بل وجودها أن يكون أمرا لاحقا بالأشياء ، وتخصصها بتخصص هذا اللحوق ، وذلك لأنّ التخصص يفهم على وجهين :

الأوّل : أن يوجد اللحوق والإضافة معا ، وليس ذلك هو المقولة بل هو مركب من المقولة ومعروضها.

الثاني : أن توجد الإضافة مقرونا بها النحو من ذلك اللحوق الخاص العقلي ويوجدان معا للملحوق بعارض واحد ، وهذا هو تنوع الإضافة وتحصلها. والأصل فيه أنّ إضافة الإضافة إلى معروضها لماهيتها ، فاختلفت جنسا أو نوعا أو شخصا باعتبار اختلاف المعروضات في هذه المراتب ، ولمّا تعذرت الإشارة إلى اجناس الإضافة وأنواعها إلّا بذكر أجناس معروضاتها وأنواعها وأشخاصها لا جرم وجب في ذكر الإضافة وتعريفها وتخصيصها الإشارة إلى المعروضات ، لا على أنّها داخلة في ماهيات تلك الإضافات بل لأنّه لمّا لم يوجد لتلك الإضافات اسما تعذّرت الإشارة إلى الإضافة الخاصة إلّا بذكر معروضها.

__________________

(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٦٣ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٦٥.

٣٥٥

فالمعروضات تذكر لتكون معرفة لخصوصيات تلك الإضافات ، فإذا قلنا : زيد في الدار ، لم تكن الدار محمولة ولا جزءا من المحمول ، بل المحمول ليس إلّا الهيئة الخاصة ، لكن لمّا كانت الهيئة جنسا ولم يكن لهذا النوع اسم خاص ذكر الجنس وهو مطلق الهيئة ، ثمّ قيّد بالمعروض وهو الدار لتمكن ذكر الإضافة. والمشابهة اتّفاق لا مطلقا ، بل هي الموافقة في الكيف ، والموافقة الكيفية غير الكيف الموافق ، فإنّ الكيف الموافق ليس هو إضافة بل شيء ذو إضافة. نعم الموافقة المنسوبة إلى الكيفية نوع من المضاف ، وكذا المساواة والمماثلة. وإذا كانت الإضافة محصّلة في أحد الطرفين كانت في الآخر كذلك ، وإن اطلقت في أحدهما كانت في الآخر كذلك ؛ فإنّا إذا أخذنا ضعفا عدديا على الإطلاق كان بإزائه نصف عددي على الإطلاق. وإن حصلنا العدد الذي هو الضعف حتى صارت الضعفية محصلة باعتبار أخذها منسوبة إلى عدد معين كالعشرة ، فقلنا : ضعف هو عشرة ، تحصّلت الإضافة في الطرف الآخر وهو النقيصة باعتبار تخصص معروضها وهو الخمسة ، إذ لا يجوز أن يكون كلّ شيء ضعفا لكلّ شيء من حيث هو ضعف محصل.

فقد ظهر أنّ أيّ أحد المضافين إذا عرف بالتحصيل عرف الآخر به. وأنّ الضعف المطلق بإزاء النصف المطلق ، والضعف المعين بإزاء النصف المعين ؛ وهذا إنّما يكون إذا كان التحصيل تحصيلا للإضافة ، أمّا إذا كان تحصيلا لموضوعها لم يلزم أن تتحصل الإضافة بالحقيقة ؛ لعدم تحصل المضاف المقابل ، فإنّ الرأسية عارضة لعضو ما بالقياس إلى ذي الرأس ، فإذا حصلنا ذلك العضو من حيث إنّه جوهر حتى صار هذا الرأس ، لم يلزم من العلم به العلم بالشخص المعين الذي له ذلك الرأس ؛ لأنّ المحصل هنا إنّما دخل في موضوع الإضافة لا في نفس الإضافة.

ثمّ التحصيل قد يكون تحصيلا نوعيا ، كالمساواة فإنّها اتفاق في الكم ، فهو

٣٥٦

أخصّ من مطلق الاتفاق ، فإذا أبدلنا الكمية بالكيفية لم تتحقق المساواة بل تبدلت بالمشابهة.

وقد يكون تحصيلا صنفيا ، وذلك بأن تحصل الإضافة لموضوع ثمّ يقرن بذلك الموضوع عرض غريب لو لم يكن لم يبعد أن تبقى تلك الطبيعة من الإضافة فذلك لا ينوّع الإضافة ، بل ربما صنّفها ، كأبوة الرجل العادل وأبوة الرجل الجائر فإنّهما تختلفان في أحوال ، ولكنّها خارجة عن الماهية ، فإنّ الرجل العادل لو توهمته جائرا لم يخلّ بذلك المعنى الذي هو الأبوة.

وأمّا التحصيل الشخصي ، فكأبوة هذا وأبوة ذاك. فيجب أن يعلم أنّ ما يقولونه من حال الإضافة في أمثال هذه : «إنّها علاقة واحدة بالعدد موجودة بهما جميعا» قول لا معنى له ، بل كلّ منهما موصوف بإضافة إلى الآخر ليست بالعدد إضافة الآخر ، لكنّه بل ربما كان نوعهما واحدا ، كجوار هذا لذاك وجوار ذاك لهذا ، وربما كانا متخالفين بالنوع كالأبوة والبنوة ، وكذلك المماسة فإنّ كلّ واحد من الشيئين يوصف بأنّه مماس لذلك الآخر ففيه مماسة لذلك الآخر ، نسبة تلك المماسة إليه نفسه هي أنّها فيه وإلى الآخر أنّها له وأنّها بالقياس إليه ولأجله ، وكذلك الآخر أيضا مماس للأوّل بمماسة فيه للأوّل ، فنسبة تلك المماسة التي للآخر بها مماس للآخر نسبة أنّها فيه ، وإلى الأوّل نسبة أنّها له لا نسبة أنّها فيه ، فإنّه لا يماس أحدهما الآخر بمماسة تكون في ذلك الآخر ، بل بمماسة تكون فيه نفسه لذلك الآخر ، لكنّهما من حيث المماسة ، بل من حيث العلاقة يتفقان اتفاق الشخصيات في الأمور. فامّا كون إضافة واحدة بالشخص تتعلّق بالمضافين معا كما توهمه بعضهم ، فإنّه باطل لامتناع قيام العرض الواحد بمحلين ، وقد سبق بيان ذلك (١).

__________________

(١) في البحث الخامس من مباحث العرض ١ : ٢٩٩.

٣٥٧

البحث السابع

في تقسيم الإضافة (١)

يمكن تقسيم الإضافات من وجوه :

الأوّل : انقسامها إلى المتفق والمختلف ؛ فإنّ من الإضافات ما هو مختلف في الطرفين ، كالأبوة والبنوة ، والضعف والنصف ، والقلة والكثرة ، والزائد والناقص. ومنها ما هو متفق ، كالاخوة والاخوة ، والمساوي والمساوي ، والمماس والمماس ، وغيرها (٢).

ثمّ المختلف قد يكون اختلافه محدودا ، كالنصف والضعف ، وقد لا يكون محدودا إلّا أنّه مبني على محدود ، كالكثير الاضعاف ، والكل والجزء ، وقد لا يكون محدودا ولا مبنيا على محدود ، كالزائد والناقص.

الثاني : المضافان إمّا أن يكونا شيئين لا يحتاجان في عروض الإضافة لهما إلى اتصافهما بصفة أخرى حقيقية لأجلها صار مضافا إلى الآخر ، مثل : المتيامن

__________________

(١) راجع الفصل العاشر من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء : ٣٦٩ ؛ معيار العلم : ٢٣٣ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٥٦٥ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٦٦ ؛ الأسفار ٤ : ٢٠٨.

(٢) كالجار والجار ، والصديق والصديق ، والمطابق والمطابق.

٣٥٨

والمتياسر (١) ، فإنّه ليس في المتيامن صفة حقيقية لأجلها صار متيامنا ولا في المتياسر أيضا. أو يكون في كلّ واحد منهما صفة حقيقية لأجلها صار مضافا إلى الآخر ، كالعاشق والمعشوق ، فإنّ في العاشق هيئة إدراكية هي مبدأ الإضافة ، وفي المعشوق هيئة مدركة لأجلها صار معشوقا لعاشقه. أو تكون هذه الصفة الحقيقية موجودة لأحد المضافين دون الآخر ، كالعالم والمعلوم ، فإنّ العالم حصل في ذاته كيفية هي العلم صار لها مضافا إلى الآخر، والمعلوم لم يحصل في ذاته شيء آخر صار به مضافا إلى الآخر.

الثالث : قال الشيخ : «تكاد تكون المضافات منحصرة في أقسام المعادلة التي (٢) بالزيادة ، والتي بالفعل والانفعال ومصدرها من القوة ، والتي بالمحاذاة (٣). فأمّا التي بالزيادة ، فإمّا من الكم وهو ظاهر ، وإمّا من القوة ، كالغالب والقاهر والمانع. وأمّا التي بالفعل والانفعال ، فكالأب والابن والقاطع والمنقطع. والتي بالمحاذاة (٤) ، كالعالم (٥) والمعلوم والحس والمحسوس (٦). على أنّ ذلك لا يضبط تقديره» (٧).

الرابع : الإضافة يمكن أن تعرض لجميع المقولات حتى لنفسها. أمّا للجوهر ، فكالأب والابن. وأمّا في الكم المتصل ، فكالعظم والصغر. والمنفصل ،

__________________

(١) والمتقدم والمتأخر.

(٢) في المصدر : «والتي».

(٣) و (٤) في المصدر : «بالمحاكاة».

(٥) في المصدر : «كالعلم».

(٦) في المصدر بعد هذه العبارة : «فإنّ بينهما محاكاة ، فانّ العلم يحاكي هيئة المعلوم والحس يحاكي هيئة المحسوس».

(٧) فسرت هذه العبارة في هامش الشفاء هكذا : «يعني انّ هذا الانحصار لا جزم فيه ، بل إنّما هو على سبيل التقريب مع أنّه لا يضبط تقديره وتحديده.» نفس المصدر. ويشعر بهذا التفسير قول الشيخ في الصدر : «تكاد تكون ...».

٣٥٩

كالقليل والكثير. وفي الكيف ، كالأحر والأبرد. وفي المضاف ، كالأقرب والأبعد. وفي الأين، كالأعلى والأسفل. وفي متى ، كالأقدم والأحدث. وفي الوضع ، كالأشد انتصابا وانحناء. وفي الملك كالأكسى والأعرى. وفي الفعل ، كالأقطع والأجرم. وفي الانفعال ، كالأشد تسخنا وتقطعا.

تذنيبان :

أ : إنّما ذكر هذا في تقسيم الإضافة ؛ لأنّ الإضافة قد عرفت أنّها دائما عارضة لغيرها لا تتقوم منفردة الذات عن الغير لا في الخارج ولا في الذهن بخلاف غيرها من الأعراض ، فكان التعلق بالغير جزء من ماهيتها فصحّ انقسامها بانقسام معروضها.

ب : في الأقرب نسبتان : احداهما القرب ، وهو منسوب إلى البعد. والثانية شدّة القرب وزيادته ، وهو منسوب القريب المنسوب إلى البعيد ، فإذا عكست قلت : القريب قريب للبعيد ، والبعيد بعيد للقريب. وتقول : الأقرب أقرب بالقياس إلى القريب ، والقريب بعيد بالقياس إلى الأقرب.

٣٦٠