نهاية المرام في علم الكلام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية المرام في علم الكلام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: فاضل العرفان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-392-8
ISBN الدورة:
978-964-357-390-4

الصفحات: ٦١٦

البحث الخامس

في كيفية الأرواح الحاملة لهذه الكيفيات (١)

اعلم أنّ الدم يختلف في الكم والكيف ، وباعتباره يحصل الاستعداد لهذه الأعراض. فالدم الكثير الصافي إذا كان معتدل القوام والمزاج أعدّ للفرح ، وإن كان مع هذه الصفات زائد السخونة أعدّ للغضب لكثرة اشتغاله وسرعة حركته. وإن كان كثيرا صافيا إلّا أنّه رقيق القوام ناقص السخونة أعد للجبن ولضعف القلب ؛ لأنّ الروح الذي يتولد منه يكون ثقيل الحركة إلى خارج لبرده ورطوبته ، قليل الاشتعال ، فيقلّ الاستعداد منه للفرح والغضب ، ويكون لرقته سهل التحلل ولبرودته قليل التولد.

والدم الكدر الغليظ الزائد في الحرارة يعد للغم والغضب الثابت الذي لا يتحلل. أمّا إعداده للغم فلما يتولد فيه من الروح الكدر. وأمّا إعداده للغضب فلسرعة اشتعاله لحرارته. وأمّا إثبات الغضب فلكثافته ، والكثيف إذا تسخّن لم يبرد بسرعة فلهذا يثبت الغضب ولا يزول سريعا.

وأمّا غضب الدم الصفراوي الرقيق فيكون أسرع هيجانا وأسرع انحلالا ؛ لأنّ الروح المتولدة عن ذلك الدم أشدّ حرارة ، وهو مع ذلك غير كثيف ، وإذا كان

__________________

(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٣٤ ـ ٥٣٥ ؛ الأسفار ٤ : ١٥٩.

٣٢١

دمه صافيا مشرقا مع ذلك كان مفراحا.

وأمّا الدم الغليظ غير الكدر إذا كان زائدا في الحرارة ـ وهو في النوادر ـ كان صاحبه غير محزان ، ويكون شجاعا قوي القلب ، غيظه أقل ؛ لأنّ المفراحية تكسر من الغضب ، والمحزانية تعدّ للغضب ؛ لأنّ الغضب حركة إلى الدفع ، والمفراحية مناسبة للّذة ، واللذة تكون الحركة فيها نحو الجذب. وهذا الإنسان يكون غضبه في الأُمور عظيما ويكون شديدا لسخن روحه ، فلذلك يكون قليل الخوف.

والدم الغليظ غير الكدر الزائد في البرودة يكون صاحبه لا محزانا ولا مفراحا ولا يشتد غضبه ويكون جبنه إلى حدّ ويكون بليدا في كلامه سالما ؛ لأنّ روحه تكون شبيهة بدمه.

والدم الغليظ الكدر الزائد في البرودة يكون صاحبه متوحشا محزانا ساكن الغضب إلّا في أمر عظيم ، ويثبت غضبه دون ثبات حارّ المزاج المشاكل له في سائر الأوصاف وفوق ثبات الرقيق القوام ، ويكون حقودا.

٣٢٢

البحث السادس

في الحقد (١)

يعتبر في تحقّق الحقد أُمور ثلاثة :

الأوّل : غضب ثابت ، لأنّه لو كان سريع الزوال لم تتقرر صورة المؤذي في الخيال فلا تشتاق النفس إلى الانتقام ولا تنجذب إلى طلبه.

الثاني : أن لا يكون الانتقام في غاية السهولة ، لأنّه إذا كان سهلا اشتغلت النفس بحركة الانتقام ، واشتغال النفس بالقوة المحركة يمنعها من الاشتغال باستحفاظ صورة المؤذي في الخيال والذكر ؛ لأنّ اشتغال النفس بجهة يمنعها من الاشتغال بجهة أُخرى.

وأيضا الشوق إلى الانتقام إذا اشتد ولم يكسر منه خوف بلغ في تأكده وسهولة حصوله [إلى] أن صار عند الخيال كالحاصل ، والحاصل لا يطلب ولا يبقى الشوق ، ولهذا سقط الشوق إلى الانتقام من الضعفاء لما كان سهلا.

ويدل على أنّ حال الخيال في الرغبة والرهبة مبني على المحاكيات لا على

__________________

(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ؛ كشف المراد : ٢٥٥. قال الجرجاني : «الحقد : هو طلب الانتقام ، وتحقيقه : أنّ الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا.» التعريفات : ١٢١.

٣٢٣

الحقائق ، نفور النفس عن العسل إذا شبه بالمرّة المقيئة وعن سائر المطاعم والمشارب إذا كانت صورها شبيهة بصور أجسام مستقذرة. فكذلك الشيء الذي يسهل حصوله ينزل عند الخيال منزلة الحاصل ، فلا يبقى الشوق إلى تحصيله.

الثالث : أن لا يكون الانتقام في غاية العسر ، بل يكون في محلّ الطمع ؛ لأنّ مع عظم المؤذي يحصل اليأس من الانتقام منه. والخوف يمنع ثبات صورة الشوق إلى الانتقام في النفس.

وبالجملة فالانتقام يكون متعذرا ، والمتعذر لا تشتاق النفس إليه ، ولهذا لا يبقى الحقد بالنسبة إلى الملوك لتعذر الانتقام منهم.

فثبت أنّ الحقد إنّما يوجد عند وجود غضب ثابت متوسط بين الشدة والفتور. ومعلوم أنّ الغضب إنّما يكون إذا كان الدم غليظا كدرا. وأنّ توسط الغضب بين الشدة والضعف إنّما يكون إذا كان الدم باردا. فثبت أنّ الدم الغليظ الكدر المائل إلى البرد هو المستعد للحقد.

٣٢٤

المقالة الثالثة

في باقي المقولات

وفيه فصول :

الفصل الأوّل :

في المضاف (١)

وفيه مباحث :

البحث الأوّل

في معانيه

اعلم أنّ المعنى الذي يقال له مضاف غير مستقل بذاته ولا قائم بالاستقلال ، بل لا بدّ وأن يكون عارضا لغيره ، فحينئذ تحصل لنا أُمور ثلاثة :

__________________

(١) انظر البحث في الكتب التالية : منطق أرسطو ١ : ٤٨ ؛ التعليقات لابن سينا : ٧٥ ـ ٧٦ ؛ الفصل العاشر من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء : ٣٦٨ ؛ تعليقة صدر المتألهين على الشفاء : ١٤٦ ؛ المقالة الرابعة من قاطيغورياس الشفاء ؛ التحصيل : ٣١ و ٤٠٤ ـ ٤١٢ ؛ معيار العلم في المنطق : ٢٣٣ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٥٥٥ ؛ حكمة العين : ٣٣٦ ؛ كشف المراد : ٢٥٧ ؛ مناهج اليقين : ١٤٦ ـ ١٤٧ ؛ الجوهر النضيد : ٢٨ ؛ شرح المواقف ٦ : ١٦١ ؛ مجموعة مصنفات شيخ الاشراق ١ : ٢٦٣ ؛ الأسفار ٤ : ١٨٨ ـ ٢١٠.

٣٢٥

الأوّل : معروض هذا المعنى ، كالرجل الذي يفرض معروضا للأُبوة منفردا عن هذا العارض.

الثاني : هذا العارض نفسه من حيث هو منفرد عن اعتبار غيره معه ، كالأُبوة العارضة للرجل.

الثالث : المجموع المأخوذ مركبا منهما ، وهو الرجل الذي عرضت له الأُبوة من حيث هذا العارض ، ويقال له الأب.

ولفظ المضاف يقال على المعاني الثلاثة بالتشكيك ويقال للأوسط مضاف حقيقي وللآخرين مضاف مشهوري.

والاعتبار الأوّل خارج عن غرضنا.

وأمّا الاعتبار الثاني : فهو المقولة.

والثالث : هو مجموع الاعتبارين ، خارج عن الاعتبار أيضا.

لكن (١) لمّا كان الوقوف على المركبات في أوّل الأمر أسهل من تحليل بسائطها وتميز بعضها عن البعض ، بحث الحكماء في أوّل الأمر عن المضافات وهي المعاني المركبة ، وفي ثاني الأمر عن الاضافات.

فقالوا : «المضاف هو الذي ماهيته معقولة (٢) بالقياس إلى غيره» وهذا الرسم تندرج فيه الاضافات والمضافات معا. ومعنى كون الماهية معقولة (٣) بالقياس إلى غيرها هو كون الماهية يحوج تعقّلها إلى تعقل شيء خارج عنها لا كيف اتّفق ، وإلّا انتقض الحدّ بجميع الملزومات إذا تصورت ، فإنّه تتصور معها لوازمها مع أنّ ماهيات الملزومات غير معقولة (٤) بالقياس إلى ماهيات اللوازم ؛ لوجوب كون

__________________

(١) راجع الفصل الثالث من المقالة الرابعة من قاطيغورياس الشفاء ١ : ١٤٤.

(٢) و (٣) و (٤) ج : «مقولة» ، كما في منطق أرسطو : ٤٨ ، وما في المتن من نسخة ق يطابق التعليقات لابن سينا : ٧٥.

٣٢٦

الماهية التي هي أوّل الموضوعات والملزومات مستقلة بنفسها أو متقدمة بذاتها على اللوازم وامتناع كون المضافين كذلك ، بل أن يكون المعقول المحتاج إلى تعقل غيره لا يتقرر ذهنا ولا خارجا إلّا لأجل وجود ذلك الغير بإزائه ، كالأخ فإنّ ثبوت الأُخوة لأحد الأخوين إنّما يتقرّر ذهنا لكون الأخ الآخر كذلك. فإذن الاخوة لأحد الأخوين هو اعتبار الشخص من حيث له أخ بهذه الصفة. وقد سبق الفرق بين الإضافة والنسبة من وجوب الانعكاس في الإضافة دون النسبة.

إذا ثبت هذا فنقول : كلّ واحد من المضافين المشهورين إمّا أن يدل اسم كلّ واحد منهما على (١) ما له من الإضافة بالتضمن ، كالأب والابن ، فانّ لفظ الأب يدل على شيء ما له الأُبوة ، فتكون دلالتها على الأُبوة بالتضمن ، وكذا لفظة الابن. أو يكون اسم أحدهما يدل على ما له من الإضافة دون الآخر ، وهو قسمان ؛ لأنّ الدال بالتضمن على ما له من الإضافة إمّا أن يكون هو اسم المضاف ، كالجناح فانّه مضاف إلى ذي الجناح ، ولفظة الجناح دالّة بالتضمن على الإضافة إلى ذي الجناح ، وأمّا ذو الجناح فانّه يدل على ما له من الإضافة لفظة «ذو» ، أو بالعكس ، كالعالم فانّه هو المضاف إليه العلم ، ولفظة العالم دالّة بالتضمن على ذلك ، وأمّا العلم وهو المضاف ، فإنّما (٢) يدل على ما له من الإضافة حرف يقترن به ، وهو اللام في قولك : العلم علم للعالم.

__________________

(١) ق : «دالا على».

(٢) ج : «فلا» وهو خطأ.

٣٢٧

البحث الثاني

في خواص المضافين (١)

للمضاف خاصيتان مطلقتان لا توجدان لغيره :

الخاصية الأُولى :

التكافؤ في لزوم الوجود بالقوة أو بالفعل في الذهن و (٢) الخارج ، وكذا في العدم ، فكلّ من الأُبوة والبنوة متلازمان ذهنا وخارجا ، وجودا وعدما ، وكذا الأُخوة مع الاخوة فأي إضافة منهما وجدت وجدت الأُخرى ، وأي إضافة منهما عدمت عدمت الأُخرى.

اعترض (٣) أوّلا : بأنّ المتقدم بالزمان مقول بالقياس إلى المتأخر ، وبينهما إضافة التقدّم والتأخر بالفعل المختلفتان ، كما بين الأب والابن إضافتان مختلفتان مع أنّ وجود المتقدّم متقدّم على وجود المتأخر ، ولا يمكن وجود المضافين معا وإلّا انتفيا وتثبت إضافة أُخرى بينهما ، وهي إضافة المعية والمصاحبة دون إضافتي التقدم والتأخر.

__________________

(١) راجع المصادر المذكورة آنفا.

(٢) في المباحث : «أو».

(٣) انظر الاعتراضات في الفصل الرابع من المقالة الرابعة من قاطيغورياس الشفاء ١ : ١٥٣.

٣٢٨

ثانيا : أنّا نعلم أنّ القيامة ستكون ، فبين العلم والقيامة الكائنة في المستقبل إضافة موجودة بالفعل والعلم بها موجود الآن والقيامة معدومة ، إذ لو كانت موجودة لكان العلم مضافا إلى أنّها كائنة لا أنّها ستكون ، والعلم بها موجود.

ثالثا : قيل : العلّة متقدمة على المعلول ، وهو محال ، فإنّ العلّة لا يعقل مفهومها إلّا مع المعلول ، وحيث لا معلول فلا علّية.

أجاب الشيخ (١) عن الأوّل : بأنّ التقدم والتأخّر يعتبران من وجهين :

الأوّل : بحسب الذهن مطلقا ، وهو أن يحضر الذهن زمانين معا (٢) فيجد أحدهما سابقا على الآخر ومتقدّما عليه والآخر متأخّرا عنه ، لامتناع التقارن بينهما ، وإلّا لانتفت إضافة التقدم والتأخر وثبتت إضافة مغايرة لهما ، وإذا حضرا في الذهن معا فقد حصلا جميعا في الذهن وحصل الغرض.

الثاني : بحسب الوجود مستندا إلى الذهن ، وهو أنّ الزمان المتقدّم إذا كان موجودا فموجود من الآخر أنّه ليس هو بموجود ، وممكن أن يوجد إمكانا يؤدي إلى وجوب وهذا (٣) كونه متأخّرا وهذا الوصف للزمان الثاني موجود في الذهن عند وجود الزمان المتقدم ، فإذا وجد المتأخّر فانّه موجود في الذهن حينئذ أنّ الزمان الثاني (٤) ليس موجودا. ونسبته إلى الذهن نسبة شيء كان موجودا ففقد. وهذا أيضا أمر موجود مع الزمان المتأخر. فأمّا نسبة المتأخر إلى المتقدم على وجه آخر غير ما ذكرناه ، فلا وجود له في الأُمور ، بل في الذهن.

اعترض (٥) بأنّ الأوّل : هو الصحيح ، لكنّه يتضمن التصريح بأنّ إضافة

__________________

(١) في الفصل الرابع من المقالة الرابعة من قاطيغورياس الشفاء : ١ : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، بتصرف العلامة.

(٢) في المصدر : «في الوهم» بعد «معا».

(٣) ق : «هكذا».

(٤) ج : «المتقدم» ، وما أثبتناه من ق يطابق المصدر.

(٥) المعترض هو الرازي في المباحث ١ : ٥٥٧ ـ ٥٥٨.

٣٢٩

المتقدم والمتأخر لا وجود لها في الأعيان ، بل في الأذهان خاصة.

وأمّا الثاني : فضعيف ؛ لأنّ قوله : «الزمان المتقدم إذا كان موجودا فموجود من الآخر أنّه ليس بموجود ، ويمكن أن يوجد» توهم أنّ للاوجود وجود ، وهو ظاهر البطلان فإن سلب الوجود لو كان وجودا لكان الشيء عين نقيضه ، وهو محال.

فإذن لا إضافة بين الجزء الموجود والمعدوم ؛ لأنّه لا وجود للمعدوم ، فكيف تتحقّق الإضافة الوجودية بالنسبة إليه مع أنّ وجود الإضافة يتأخّر عن وجود المضافين؟

ثمّ لو سلّمنا أنّ لا وجود للجزء المستقبل أمرا موجودا (١) ، لكن الجزء الحاضر ليس متقدما على سلب وجود المستقبل ، ولا هو مضاف إليه إضافة التقدم ؛ لأنّهما معا متحققان ، بل إضافة التقدّم إنّما هي بالنسبة إلى وجود المستقبل ، ووجود المستقبل غير حاضر وإلّا لم يكن مستقبلا ، فالإضافة إلى معدوم فلا وجود لها في الأعيان أصلا ، بل في الأذهان.

وعن الثاني : أنّ العلم بأنّ القيامة ستكون علم بحكم من أحكام القيامة ، وهو صفة أنّها ستكون ، وهذه الصفة حاضرة الآن في الذهن عند إضافة العلم إليها ، وحضورها في الذهن لا يكون إلّا حال كونها معدومة في الأعيان ، فالمعلوم حاضر مع العلم.

فالحاصل من الجواب الأوّل : أنّ إضافتي التقدّم والتأخّر لا وجود لهما إلّا في الأذهان وهما حاصلتان حتى يعتبر العقل تكافؤهما.

ومن الثاني : أنّ كون القيامة ستكون معنى حاصلا في الذهن فتحققت الإضافة.

__________________

(١) في المباحث : «فبتقدير أن يكون لا وجود الجزء المستقبل أمرا وجوديا».

٣٣٠

وفيه نظر ، لأنّ إضافة التقدّم إمّا للذهني بالنسبة إلى الذهني ، وهو محال لوجودهما معا. أو للذهني بالنسبة إلى الخارجي وهو محال ، لوجوب الاتّفاق في الوجودين في الإضافتين. أو للخارجي بالنسبة إلى الخارجي ويجب وجودهما في الخارج معا.

وعن الثالث : بأنّ هوية ما حمل عليه العلّية متقدم على هوية ما حمل عليه المعلولية لا من حيث العلية والمعلولية ، وهذان معا.

وفيه نظر ، فإنّ التقدم إنّما لحق باعتبار وصف العلية لا باعتبار الذات من حيث هي هي وإلّا لوجد من تعقّلها تعقّله ، فهذا بيان تلازم الإضافتين.

وأمّا معروضاهما : فقد يصح وجود كلّ منهما مع عدم الآخر ، كالمالك والمملوك ، فإنّ ذات كلّ منهما يصحّ وجوده مع عدم الآخر. وقد يصحّ وجود ذات أحدهما مع عدم ذات الآخر دون العكس ، كالمعلوم والمحسوس. ومنه ما يمنع (١) وجود ذات أحدهما عند عدم ذات الآخر ، كالمعلول المساوي.

قال الشيخ (٢) : «من المشهور أنّ المضافات كلّها يلزمها أنّها معا في الوجود ، أي أيّهما وجد كان الآخر موجودا وأيّهما عدم كان الآخر معدوما ، مثل الضعف والنصف ، ولكن قد لا يقع في بعض الأشياء تكافؤ في الوجود معا من جهة أُخرى ، كالعلم والحس ، أي الإدراكان لا القوتان المشاركتان لهما في الاسم. فإن كان هذا العلم في جوهره يلزمه دائما أن يكون مضافا إلى المعلوم موجودا معه ، وذات المعلوم في جوهره لا يلزمه ذلك ، فإنّه قد يوجد غير مضاف إلى العلم ، وإن كانا من حيث هما متضايفان لا يتقدم أحدهما على الآخر ، وليس الغرض ذلك ،

__________________

(١) في المباحث : «يمتنع».

(٢) في الفصل الرابع من المقالة الرابعة من قاطيغورياس (المقولات) الشفاء ١ : ١٥٠ ـ ١٥٤ ، وانظر أيضا منطق أرسطو : ٥١ وما يليها.

٣٣١

بل الغرض أنّ إحدى الذاتين لا ينفك من إضافة تلزمه ، توجب أن تكون معه مضايقة أبدا ، وذات الآخر قد يوجد وليس بمتضايف.

وكذلك حال الحس فانّ ذاته لا ينفك عن لزوم الإضافة إياه ، وذات المحسوس ينفك ، ولا يجب أن لا يكون موجودا حين لا يكون الحس موجودا ، لجواز أن لا يكون حيوان حساس (١) موجودا ، وتكون العناصر المحسوسة التي هي أوائل لتكوُّن الحيوانات (٢) من الأجسام الأرضية موجودة.

وأمّا أُمور أُخرى فتكون إمّا متكافئة في اللزوم إن أخذت متضايفات ، وإمّا غير متكافئة في اللزوم إن أخذت ذواتا. فهكذا يجب أن تفهم هذا الموضع. وأمّا الوجه الذي تفهمه عليه الطائفة فهو وجه مختل.

وأمّا المثال الذي أوردوه في حقية (٣) العلم فالمشهور ما أوردوه من أمر المربع المساوي للدائرة ، فإنّ العلم به لم يوجد إلى هذه الغاية ، لكنّه هو موجود ، فنقول : لقائل أن يقول : إنّ هذا القول مجازف فيه ، وذلك لأنّه ليس يجب أن يكون كلّ علم بإزاء معلوم موجود ، فمن العلم التصور وقد تتصور أُمور لا يجب لها وجود ، كالكرة المحيطة بذات عشرين قاعدة مثلثات ، فإنّا نتصور مثل هذه حقّ التصور ولا يحوجنا ذلك إلى أن نجعل لها وجودا في الأعيان. وبالجملة لا يحوجنا ذلك إلى أن نجعل لها وجودا غير الذي في الذهن ، وهذا الذي في الذهن هو العلم نفسه. وإنّما بحثنا عن علم المضاف إلى مضايف له ، والمضايف شيء ثان.

وأيضا : فإنّ في المعلومات بحسب التصديق أشياء كثيرة ومن (٤) جملة

__________________

(١) كذا.

(٢) في المصدر : «الحيوانات وغيرها».

(٣) كذا ، وفي المصدر : «جنبة».

(٤) ساقطة في المصدر.

٣٣٢

المضافات لا وجود لها في الأعيان إلّا بالإمكان ، والإمكان غير الوجود ، وذلك مثل قولنا : إذا أخرج عن شكل كذا خط منحن كذا في جنب خط كذا ، لم يزل يتقارب الخطان ولا يلتقيان ، فإنّ هذا أيضا لا وجود له إلّا في الذهن.

وهذا المثال الذي أوردوه ، وهو حال المربع المساوي للدائرة ـ الذي يجعلونه موجودا وإن لم يعلم ـ فهو مثال أشد إشكالا من الدعوى ، فليت شعرنا أين وجوده؟! فإنّه إن كان له وجود في الذهن فيجب أن يكون معلوما ، وإن كان له في الأعيان وجود حاصل ، فبأي دليل عرفوا ذلك؟! ومن حدثهم به؟! فإن (١) عنوا به ممكنا أن يوجد ، فذلك أمر بالقوة ، كما أنّ العلم به أيضا ممكن أن يوجد.

فنقول لمن قال هذا ونسأله (٢) : ليس يمكنك وأنت منطقي أن تتحقق هذه الأحوال كنه التحقيق ، وإنّما كان غرضنا فيما أوردناه أن تعلم أنّه يمكن أن يكون لذات أحد المتضايفين وجود لا ينفك من الإضافة إلى الآخر ، وليس الآخر بمكاف له في ذلك. فإن كان علم تصوري أو تصديق ليس مضافا إلى شيء آخر ، فليس هو من جملة المتضايفات التي نذكرها. وإذا (٣) لم يكن من جملة ما ذكرناه ، لم ينتقض به ما قلناه ، بل جعلنا مثالنا الذي نعتمده من الشيء الذي لا يكون علما إلّا وهو مضاف ، وذلك مثل علمنا بأنّ الفلك موجود متحرك (٤) على الاستدارة. وهذا العلم هو في الجملة التي ذكرناها ، والشرط الذي أشرنا إليه ، وإن كان لما أوردناه قبل مثال (٥) يضايف (٦) في الذهن أو خارج الذهن ، فكان (٧) مكافئه في

__________________

(١) في المصدر : «وإن».

(٢) في المصدر : «سأله».

(٣) في المصدر : «فإذا».

(٤) في نسخة من المصدر : «متحركا».

(٥) في المصدر : «مثالا».

(٦) في نسخة من المصدر : «مضايفا».

(٧) في المصدر : «وكان».

٣٣٣

الوجود معا ، فليس ذلك أيضا ممّا ينتقض به ما قلناه. فإنّا لم نقل : ولا شيء بين المتضايفات تتكافأ في الوجود (١) ، بل قلنا : إنّ أكثرها كذلك.

وأمّا أمر المربّع والدائرة فليس يتغير فيه غرضنا ، لأنّه إن كان لهذا المربع إمكان وجود فلا يستحيل فرضه موجودا ، وليس فرضه موجودا يوجب أن يكون العلم به حاصلا ، بل يجوز أن يكون هذا المربع موجودا ونحن على جملتنا (٢) من الجهل به ، فبيّن أنّ جميع ما أورد من هذه الطعون لا يفسد الغرض الذي نقصده».

قال (٣) : «لكن قدماء من المتكلفين أجابوا في شبهة تكافؤ العلم والمعلوم فقالوا : إنّ الذي يقال من أنّ المعلوم قد توجد ذاته والعلم به لا يكون ، قول غير حق ؛ فإنّ هنا علما موجودا لكلّ (٤) شيء وجودا لا يتأخر عن الأشياء ، هو علم الباري تعالى والملائكة ، ولم يعلم (٥) أنّ هذا وإن كان حقّا ، فليس جوابا عن الشكّ ، لأنّ المتشكك ليس يقول : إنّه ولا شيء من المتضايفات لا يكونان (٦) معا. ولا أيضا يقول : إنّه ولا شيء من العلم والمعلوم يكون معا ؛ ولا يحتاج إلى ذلك ، فإنّ دعواه أنّه ليس كلّ متضايفين يكونان معا. وهذه الدعوى تصحّ بمثال واحد يورده المتشكك في علم واحد ، فيقول : علمي بوجود العالم لا يصح أن يكون علما وذاتا ، والعالم غير موجود الذات. ثمّ العالم قد يكون موجودا في ذاته ، وليس علمي به بموجود ، وكذا إن لم يعتبر شرط الذات ؛ فإذا كان علمه بالعالم بهذه الصفة ، ولم يكن علم البتة غير هذا العلم الواحد إلّا وهو موجود والعالم دائما معا ، لا العلم

__________________

(١) في المصدر : «في الوجود معا».

(٢) س : «حملنا».

(٣) في نفس المصدر : ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٤) في المصدر : «بكل».

(٥) في المصدر : «يعلموا».

(٦) في المصدر : «يكون».

٣٣٤

الذي يشار (١) إليه فقط ، بل جميع العلوم ، فكان العالم قد يكون موجودا وعلم ما من العلوم بوجوده ليس بموجود ، والشبهة (٢) تكون قائمة ؛ فإنّ الشبهة لم ترد بسبب أنّ المعلوم قد يكون موجودا ولا علم البتة ، بل هي شبهة أُخرى وينبغي أن يرتاد لها حلّ آخر ، وأقلّه أن يقال : إنّ العالم حينئذ لا يكون مضافا إلى هذا العلم إذ (٣) لا يكون معلوما له».

الخاصية الثانية (٤) :

وجوب الانعكاس ورجوع بعضها على بعض بالتكافؤ ، ووجه ذلك الرجوع مخالف لوجه رجوع الحمل على الوضع ، ولانحاء أخرى من الرجوع والعكس المنطقي ، وذلك لأنّ الوضع هنا يكون أحد الطرفين مكررا ، والحمل يكون من الثاني. وإذا (٥) عكست صار الحمل وضعا ، وقد الحق به مثل ذلك التكرير في جانبه فصار (٦) الوضع حملا ، وقد حذف عنه التكرير ، فمعنى الانعكاس هنا أن يحكم بإضافة كلّ منهما إلى صاحبه من حيث كان مضافا إليه ، فكما نقول : الأب أب للابن ، نقول : الابن ابن للأب ، والعبد عبد المولى (٧) ، والمولى مولى العبد (٨) فتكرر العبد في الأوّل والمولى في الثاني. وفي بعض الأشياء تحتاج إلى أن تلحق

__________________

(١) في المصدر : «أشار».

(٢) في المصدر : «فالشبهة».

(٣) ق : «ان».

(٤) راجع المصدر نفسه ، الفصل الثالث من الرابعة : ١٤٨ ، وانظر أيضا المصادر المذكورة في بداية المقالة.

(٥) في المصدر : «فإذا».

(٦) في المصدر : «وصار».

(٧) في المصدر : «للمولى».

(٨) في المصدر : «للعبد».

٣٣٥

بالطرف المجعول محمولا شيئا زائدا لا تلحقه وهو موضوع ، كإلحاقك اللام بالمولى والعبد هاهنا ، بل إلحاقك ما تلحقه حتى تقول : الحس حس بالمحسوس ، والمحسوس محسوس بالحس. وفي بعض المواضع لا تحتاج إلى ذلك ، كما تقول : الأب أب الابن ، والابن ابن الأب. وسواء قلت ذلك لفظا أو لم تقل فانّك تعقله معنى ، فانّك تأخذ المحمول على أنّه منسوب إليه سواء الحقت به اللفظ الدال على ذلك ، أو لم تلحق ، ولم تأخذه على هذا الوجه بعينه حتى يضعه.

وأمّا سائر العكوس التي ستأتيك في مواضعها فتخالف الذي للمضاف في ذلك كلّه ، لكن في هذا التعاكس (١) شرط يجب أن يراعى ، وهو أنّ الإضافة إذا لم تقع على التعادل لم يجب هذا التكافؤ والتعاكس (٢) ، ووقوعها على التعادل هو أن تقع إلى الشيء الذي إليه الإضافة أوّلا وبالذات ، فانّها إن وقعت إلى موضوعه ، أو إلى أمر يعرض له ، أو إلى جنسه ، أو إلى نوعه لم تقع الإضافة متكافئة ؛ لأنّه اضيف إليه لا من حيث هو مضاف إليه ، مثلا : إذا وقعت إضافة الأب إلى الابن لا من حيث هو ابن ، بل من حيث هو إنسان فقيل الأب أب الإنسان لم تنعكس الإضافة ، ولم يصر الإنسان مضافا إلى الأب. فلا يقال الإنسان إنسان الأب. وكذا إذا قلت الرأس رأسٌ للإنسان أو للحيوان ، أو الرأس رأس لذي مشي ، أو الرأس رأس للمشّاء ، وكذا الجناح جناح للطائر ، والسكان سكان للسفينة ، ولا يمكنك أن تعكس (٣) فتقول : والإنسان أو الحيوان أو ذو مشي أو مشّاء بالقياس إلى الرأس، ولا الطائر طائر بالقياس إلى الجناح ، ولا السفينة سفينة بالقياس إلى السكان ؛ لأنّ الرأس لا يعادل ما ذكرت ، بل معادله هو ذو الرأس ، فالرأس رأس

__________________

(١) في المصدر : «التكافؤ».

(٢) ليس في المصدر.

(٣) في المصدر : «ترجع».

٣٣٦

لذي الرأس ، وكذلك الجناح جناح لذي الجناح ، والسكان سكان لذي السكان.

وأمّا ما ذكرنا (١) فهو إمّا موضوع المضاف المعادل أو جنس موضوعه ، أو جنس المضاف ، أو عارض لموضوع المضاف. وإنّما يعرض هذا في الأكثر في الموضوع (٢) الذي لا تكون فيه الإضافة واقعة حيث الماهية مقولة بالقياس ، بل من حيث تجعل كذلك بنوع من النسبة ، فيكون لا اسم للمضاف إليه من حيث هو مضاف إليه ، بل إن كان ، كان من حيث هو موضوع للنسبة إليه ، أو من جهة أخرى ، فلذلك يجب أن يخترع لمثل هذا الشيء اسم بحسب النسبة.

وإذا أشكل الأمر في تحصيل ما تقع إليه الإضافة بالتعادل والتعاكس (٣) ، مميزا ممّا يقع إليه لا بالتعادل ، فسبيلك في تحصيل ذلك أن تجمع أوصاف الشيء بأسرها جمعا ، فأيّ تلك الأوصاف إذا وضعته ثابتا ورفعت غيره ، جاز أن ترفعه أو لم يجز ، أمكنك أن تحفظ الإضافة وتكون متحقّقة باقية. وإذا رفعته ووضعت غيره لم يمكنك حفظ الإضافة ، بل ارتفعت برفع ذلك الوصف ، فذلك الوصف هو الذي إليه التعادل والإضافة الحقيقية الواجبة الانعكاس. وإذا لم يكن كذلك فليس إليه التعادل والإضافة ، فانّك إذا رفعت من الشيء أنّه حيوان ، أو ناطق ، أو إنسان ، أو ما شئت من الأوصاف ، واستثنيت كونه ابنا أو ذو رأس أمكنك أن تنسب إليه الأب أو الرأس. وإذا رفعت أنّه ابن ، أو ذو رأس ، وحفظت أنّه حيوان ، أو أنّه إنسان ، وأنّه مشاء وأنّه ذو مشي لم يمكنك أن تضيف إليه الابن والرأس. فيعلم من هذا أنّ التعادل الحقيقي في الإضافة والتعاكس إنّما هو بين الأب والابن وبين الرأس وذي الرأس ، وهما اللذان ينعكس أحدهما على الآخر.

__________________

(١) في المصدر : «ذكرت».

(٢) في المصدر : «الموضع».

(٣) ليس في المصدر.

٣٣٧

وقد عرفت أنّ الانعكاس منه ما لا يحتاج إلى حرف النسبة بأن يكون للمضاف بما هو مضاف لفظ موضوع ، كالعظيم والصغير والطويل والقصير. ومنه ما يحتاج ، فإمّا أن يتساوى حرف النسبة فيهما ، كقولنا : العبد عبد للمولى ، والمولى مولى للعبد ، أو لا ، كقولنا : العالم عالم بالعلم ، والعلم علم للعالم.

واعلم أنّ للعلم إضافتان : إحداهما إلى العالم. والثانية إلى المعلوم. وهو في نفسه كيفية حقيقية ، كالقدرة في نفسها صفة حقيقية وتلزمها الإضافتان إلى القادر وإلى المقدور. لكن يختلف حرف النسبة في إحدى الإضافتين دون الأخرى ، فنقول : العلم علم للعالم ، والعالم عالم بالعلم ، والعلم علم بالمعلوم ، والمعلوم معلوم بالعلم. وأمّا في القدرة فيختلف الحرفان فيهما ، فنقول : القدرة قدرة للقادر ، والقادر قادر بالقدرة ، والقدرة قدرة على المقدور ، والمقدور مقدور بالقدرة. ونقول : العالم عالم بالمعلوم والمعلوم معلوم للعالم ، فنضيف أحد المضافين المشهورين إلى الآخر. ويختلف هنا حرف النسبة ، كما نقول : القادر قادر على المقدور والمقدور مقدور للقادر.

بقي هنا بحث وهو أنّ العلم والقدرة إن جعلناهما صفتين حقيقيتين تلزمهما الإضافة ، ولم تبق تلك الإضافة الحقيقية معلومة إلّا من جهة لازمها الذي هو المحل.

٣٣٨

البحث الثالث

في المضاف الحقيقي

المضاف قد عرفت أنّه إمّا حقيقي وإمّا مشهوري. والسبب فيه أنّ الإضافة لا تعقل إلّا قائمة بغيرها. والأعرف عند الناس هو المركب. والحقيقي منهما هو الإضافة العارضة كالأبوة ، وهي المضاف بمعنى المقولة.

وقد رسمها الأوائل بأنّها التي لا ماهية لها سوى كونها مضافة. وبيان ذلك : أنّا إذا رسمنا المضاف بأنّه تكون ماهيته معقولة (١) بالقياس إلى غيره.

ثمّ إنّ ذلك على قسمين :

الأوّل : أن تكون هناك ماهية وراء هذه المعقولية (٢) ، كالأب فإنّه وإن كان معقولا (٣) بالقياس إلى الابن ، إلّا أنّ له في نفسه ماهية غير معقولة (٤) بالقياس إلى الابن ، وهي كونه إنسانا أو شيئا آخر.

الثاني : أن لا تكون هناك ماهية وراء هذه المعقولية (٥) كالأبوة (٦) والبنوة والأخوة وأشباههما.

__________________

(١) ج : «مقولة».

(٢) ج : «المقولية».

(٣) ج : «مقولا».

(٤) ج : «مقولة».

(٥) ج : «المقولية».

(٦) ج : «كالابن».

٣٣٩

وإذا عرفت ذلك ثبت أنّ الرسم الذي ذكرناه هو تعريف المضاف الحقيقي بالمضاف الشامل للحقيقي والمشهوري ، فلا يكون ذلك تعريفا للشيء بنفسه (١).

وفيه نظر ، فإنّ المعرف يجب أن يكون مساويا للمعرف. ولأنّ العمومية إنّما عرضت باعتبار أخذ المعروض مخصصا لأحد النوعين وذلك لا يجوز ادخاله في التعريف ، فيبقى المحذور لازما.

وإذا عرفت هذا فنقول : لا يمكن جعل المقولة هي المضاف العام ؛ لأنّ مفهومه أنّه شيء ما ذو إضافة ، كما أنّ الأبيض شيء ما له بياض. ولو جعلنا المشتق اسمه من الأعراض مقولة لصارت المقولات غير متناهية ، فلهذا لم نجعل المضاف المطلق مقولة ، وجعلنا المضاف الذي لا ماهية له سوى كونه مضافا مقولة.

لا يقال : الإضافة أيضا شيء معقول (٢) ماهيته بالقياس إلى الغير فوجب أن لا تجعلوها أيضا مقولة.

لأنّا نقول : الفرق بينهما أنّ الشيئية المحمولة على المضاف الحقيقي ليس لها تخصص إلّا بكونه مضافا. وأمّا الشيئية المحمولة على المعنى الآخر فانّه ليس تخصصها بكونه مضافا ، بل بأمر آخر ، وهو كونه جوهرا أو غيره ، ثمّ يلحقه بعد ذلك التخصص بالإضافة (٣).

وفيه نظر ، فإنّ العام إنّما يكون عاما لو كان له أخصّان ، لكن هنا جعل العام هو المضاف المشهوري لامتناع أن يكون الحقيقي شيئا ما ذا إضافة ، فيكون بالحقيقة قد عرّف الحقيقي بالمشهوري الذي لا يعرّف إلّا بالحقيقي ؛ لأنّه جزء منه

__________________

(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٥٩ ـ ٥٦٠.

(٢) ج : «مقول».

(٣) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٦٠.

٣٤٠