نهاية المرام في علم الكلام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية المرام في علم الكلام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: فاضل العرفان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-391-1
ISBN الدورة:
978-964-357-390-4

الصفحات: ٦٤٦

واعترض بمنع زوال المقدار ، بل الزائل الأشكال ، وهي مغايرة للجسمية.

الوجه الثاني : الأجسام مختلفة في المقادير ، ومشتركة في الجسمية فتغايرا.

اعترض (١) بأنّها كما اشتركت في أصل الجسمية كذا اشتركت في أصل الكمية والمقدارية ، فإن اقتضى اختلافها في المقادير المخصوصة بعد اشتراكها في الجسمية زيادة مقاديرها على جسميتها ، لزم أن يكون اختلافها في المقادير المخصوصة بعد اشتراكها في المقدارية ، موجبا زيادة مقاديرها المخصوصة على المقدار المطلق ، حتى يكون المشترك عرضا والمقدار المخصوص عرضا آخر ، ويلزم التسلسل ؛ لأنّ تلك المقادير المخصوصة أيضا مشتركة في أصل المقدار فيكون هناك مقدار آخر مشترك ويتسلسل فوجب أن يكون اشتراك الأجسام في أصل المقدار ، واختلافها في المقادير الخاصة ، لا يستلزم أن يكون أصل المقدار موجودا مغايرا للمقدار المخصوص ، وحينئذ يجوز أن تكون الجسمية مشتركة بين الأجسام ، وتتمايز الأجسام في المقادير المخصوصة ، وإن لم يكن المقدار موجودا مغايرا للجسمية.

وفيه نظر ، فإنّ اشتراك الأجسام في الجسمية ضروري ، وقد سلّمه أيضا ، واختلافها في المقادير ضروري أيضا ، وقد سلّمه ، والتغاير بين ما به الاشتراك وما به الامتياز ضروري أيضا ، فيكون الإنتاج ضروريا. والمعارضة بالمقدار ساقطة ؛ لأنّ الأجسام مشتركة في المقدار المطلق ـ الذي هو جنس للمقادير المخصوصة ـ واختلفت في المقادير المخصوصة التي هي الأنواع ، ولا شك في المغايرة بين الجنس والنوع ، لكن سبب (٢) التمايز في المقادير المخصوصة ، الفصول المقسمة لجنس المقدار ، وتلك غير مشتركة إلّا في المقدار الذي هو الجنس ـ اشتراك

__________________

(١) والمعترض هو شيخ الإشراق والاعتراض موجود في الأسفار ٤ : ١٠ ـ ١١.

(٢) ق : «بسبب».

٣٢١

المعروضات في العارض ـ فإنّ الجنس بالنسبة إلى الفصول عرض عام لها فلهذا انقطع التسلسل.

الوجه الثالث : بعض الأجسام يصحّ أن يقدّر البعض ، ولا يجب في المقدّر (١) المساواة ، فإنّ الصغير يصحّ أن يقدّر الكبير ، بل تصحّ المخالفة في المقدّر ، وليست المقدّرية هي نفس الجسمية التي يمتنع أن يخالف جسم فيها جسما ، فتلك المقدّريّة بأمر زائد على الجسمية ، والجزء الذي لا يتجزّأ باطل ، فلا يرجع ذلك إلى كثرة الأجزاء.

الوجه الرابع : الجسم يزداد مقداره وينقص من غير انضمام شيء إليه أو نقصان شيء منه ، ومن غير وقوع خلاء بين أجزائه ، لامتناعه ، والجسم في حد جسميته محفوظ حالة التبدّل فتغايرا. وهو مبني على التخلخل والتكاثف الحقيقين المبتنيين على نفي الجوهر الفرد.

واعترض بمنع بقاء الجسمية ، لاحتمال أن لا يحصل ذلك العظم إلّا عند تفرّق الاتصال المقتضي لعدم الجسمية.

الوجه الخامس : وجود السطح من توابع المادة ، فلا يكون نفس الجسمية المقوّمة للمادة المتقدّمة عليها بالعلّية ، فالسطح مغاير للجسمية ، والخط من عوارض السطح فهو أولى بالتأخّر ، فيغاير (٢) الجسم. وتحقيقه ، أنّ الجسم يصحّ أن يعقل مع الذهول عن تناهيه ، فيكون خارجا عن مفهومه ، فالجسمية ، وإن امتنع انفكاكها عن السطح في الخارج ، إلّا أنّه يصحّ انفكاكها عنه في التصوّر ، والخط يمكن خلو الجسمية عنه في الذهن والخارج معا ، لأنّ الكرة لا خط فيها بالفعل ، وإنّما يتعيّن المحور والمنطقة باعتبار الحركة التي لا يجب ثبوتها لها ذهنا ولا خارجا.

اعترض بأنّ للسطح اعتبارين : أحدهما غير إضافي ، بل من مقولة الكم وهو

__________________

(١) م : «المقدورية».

(٢) ج : «فتغايرا».

٣٢٢

أنّه مقدار قابل لفرض امتدادين. والآخر إضافي وهو كونه نهاية للجسم ، وهو بهذا الاعتبار كم عرضت له الإضافة ، فإن كان السطح غير داخل في مفهوم الجسم من حيث هو مضاف ، لا يلزم أن لا يكون داخلا فيه من حيث هو كم.

ثمّ ينتقض ما ذكرتموه بالهيولى والصورة ، فإنّهما داخلان في قوام الجسم ، وقد لا يعلمهما من علم الجسم ، ولا يلزم خروجهما عن التقويم له (١).

وفيه نظر ، فإنّ السطح لا يعرض للجسم إلّا إذا انقطع ، فيكون متأخّرا عن القطع العارض للجسم ، فلا يصحّ أن يكون متقوّما باعتبار ما (٢) ، ولا أن يكون نفس الجسمية ، ونحن لا نستدل بكون السطح المأخوذ مع الإضافة ، عارضا (٣) على كونه من حيث هو غير مضاف عارضا.

وأمّا الهيولى والصورة فإنّما جهلناهما للجسم ، لأنّ الجسم لم نتصوّره بحقيقته ، بل باعتبار عارض عرض له.

البحث الثالث : في أقسام الكم (٤)

اعلم أنّ الكم جنس لنوعي (٥) المتصل والمنفصل.

والمتصل يراد به معنيان :

أحدهما : حال المقدار في نفسه وهو الذي يمكن أن تفرض فيه أجزاء تتلاقى عند حدّ مشترك يكون بداية لأحد الجزءين ونهاية للآخر ، وهذا هو الفصل

__________________

(١) أي للجسم.

(٢) ق : «ما» ساقطة.

(٣) ق : «وعارضا».

(٤) راجع منطق أرسطو ١ : ٤٣ ؛ الفصل الرابع من المقالة الثالثة من مقولات منطق الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٩ ؛ الجوهر النضيد : ٢٦.

(٥) كالنقطة بين جزئي الخط ، وكالخط بين جزئي السطح ، والسطح بين جزئي الجسم التعليمي.

٣٢٣

للمتصل. والمنفصل يقال في مقابلته وهو الذي لا يكون بين أجزائه حدّ مشترك.

والثاني : الذي يوجد بالقياس إلى غيره وهو على معنيين أيضا :

أحدهما : أن يكون نهاية أحد المقدارين هو نهاية الآخر كالخط المتصل بخط آخر على زاوية ، فيقال لكل منهما أنّه متّصل بالآخر.

والثاني : أنّ تتعدّد نهايتاهما ، لكن تتلازمان بحيث يتحرّك أحدهما بحركة الآخر باعتبار الاتصال بينهما.

والمراد هنا هو الأوّل ، وهو المتصل الحقيقي ، وهو إمّا أن يكون قارّ الذات ، أو غير قارّ الذات.

والأوّل : إن انقسم في جهة واحدة لا غير فهو الخط ، وإن انقسم في جهتين (١) لا غير فهو السطح ، وإن انقسم في ثلاثة فهو الجسم التعليمي (٢).

والثاني : هو الزمان ، وهو كم ، لإمكان تعديده بواحد فيه من الساعات والدقائق وغيرهما ، ومتصل لأنّه يمكن أن يتوهّم فيه (٣) شيء هو الآن يكون نهاية الماضي وبداية المستقبل ، ولأنّه مطابق للحركة المطابقة للجسم المتّصل القابل لانقسامات غير متناهية ، ولو كان منفصلا استحال ذلك فيه.

وقيل : إنّه منفصل ؛ لأنّه عدد الحركة ، ولأنّه ينفصل بسبب الآن. وليس بجيد ؛ لأنّ كونه عددا ، عارض له كما يعرض للخط والسطح والجسم كونها معدودة ، وهو من حيث هو زمان ليس عددا للحركة. والآن في الزمان بالقوّة كالنقطة في الخط ، ولو كان بالفعل لم يلزم كون الزمان منفصلا ، فإنّه إذا كان الآن

__________________

(١) وهما العرض والطول ، والجسم التعليمي إلى ثلاثة : العرض والطول والعمق.

(٢) وهو الحجم.

(٣) ق : «به» ، م : «منه».

٣٢٤

حاصلا بالفعل كان حدّا مشتركا بين الماضي والمستقبل ، فكان متّصلا.

فأقسام الكم المتصل هذه الأربعة ، وأدخل بعضهم المكان فيه وهو خطأ ، فإنّ المكان عند أكثرهم «هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي» (١) ، وليست كميته إلّا باعتبار كونه سطحا ، لا باعتبار ما لحقه من الإضافات.

وأمّا المنفصل : فهو العدد خاصة وهو كم ؛ لأنّه معدود بواحد فيه. ومنفصل لعدم حدّ مشترك فيه بين أجزائه ، فإنّ الأربعة إذا قسّمتها بنصفين لم تجد بينهما حدّا مشتركا ، والخمسة إذا قسّمتها بثلاثة واثنين لم تجد حدّا مشتركا بينهما ، فإن عنيت واحدا من الخمسة ليكون مشتركا ، بقي الباقي أربعة ، وإن أخذت واحدا خارجا عنها صارت الخمسة ستة.

ولا منفصل غير العدد ، لأنّ قوام المنفصل من المتفرّقات ، والمتفرّقات من المفردات (٢) [والمفردات] آحاد ، والواحد إذا أخذ من حيث هو واحد ، لم يكن الحاصل من تكثّره إلّا العدد ، وإن أخذ من حيث هو إنسان أو غيره كان الحاصل من تكثّره معدودات من جنس ذلك الواحد ، لكن كونه عددا ليس باعتبار المعروضات.

وذهب بعضهم إلى أنّ «القول» كم منفصل مغاير للعدد (٣) ، لتركّبه من المقاطع وتقدّره بها ، وكل ما يتقدّر بجزئه فهو كم ، وأمّا تركّبه من المقاطع ، فلأنّ المقطع هو أقلّ ما يمكن أن يتفوه به تاما من الأصوات ، وهو إمّا صامت (٤) ـ وهو

__________________

(١) راجع الفصل التاسع من المقالة الثانية من طبيعيات الشفاء.

(٢) ق : «من المفردات» ساقطة.

(٣) قال به المعلم الأوّل ، منطق أرسطو ١ : ٤٣ ؛ راجع أيضا الفصل الرابع من المقالة الرابعة من مقولات منطق الشفاء : ١٢٢.

(٤) أو مصوت.

٣٢٥

ما يمكن الابتداء به ، وهي الحروف الصحيحة ـ مقرون بمصوت (١) وهو ما لا يمكن الابتداء به ، بل تكون هيئة عارضة للحرف المبتدأ به ، إمّا مقصور (٢) هو الواقع في أقصر زمان يمكن الانتقال فيه من صامت إلى صامت ، وهو الفتحة والضمة والكسرة ، أو ممدود وهو الواقع في ضعف ذلك الزمان كإشباعات الحركات الثلاث والمقاطع يتركّب على وجهين :

أ : أن يذكر المقطع المقصور ثم يردف بالممدود مثل «على».

ب : أن يذكر الممدود ثم يردف بالمقصور مثل «كان» وأمّا باقي المقدمات فظاهرة.

والجواب (٣) : ليس كل ما يتقدّر بجزء يكون كما بالذات ، لجواز أن تكون له حقيقة أخرى وقد عرض لها المقدار ، كجميع الأشياء المعروضة للأعداد ، والقول ليس كما من حيث إنّه قول وإنّما يصير كما باعتبار الكثرة التي عرضت له.

البحث الرابع : في الكم المتصل القارّ الذات

هل هو وجودي أو عدمي؟

اعلم : أنّ البحث عن هذا المطلب يتوقّف على تحقيق ماهية كل واحد منها ، فنقول: المتكلّمون (٤) جعلوا الجسم عبارة عن جواهر أفراد متألّفة في الأبعاد الثلاثة التي هي الطول والعرض والعمق.

والسطح عبارة عن جواهر أفراد متألّفة في بعدين منها لا غير ، هما الطول والعرض.

__________________

(١) م : «بصوت» وهو خطأ.

(٢) أي المصوت إمّا مقصور أو ممدود.

(٣) والجواب مأخوذ من ابن سينا في نفس المصدر : ١٢٢ ـ ١٢٣. راجع أيضا المباحث المشرقية ١ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩.

(٤) راجع أنوار الملكوت : ١٨ ؛ الفصل الرابع من المقالة الثالثة من مقولات الشفاء.

٣٢٦

والخط عبارة عن جوهرين أو جواهر متألّفة في بعد واحد لا غير ، هو الطول ، وحينئذ تكون وجودية بالضرورة.

وأمّا الجسم التعليمي والسطح والخط التعليميان اللذان بيّنهما الأوائل مغايرة لذلك ، فإنّها ليست وجودية بالضرورة

وأمّا الأوائل فمنعوا من وجود الجوهر الفرد أصلا ، ومن تألف الأجسام والسطوح والخطوط منها ، بل جعلوا كل واحد من هذه الثلاثة عرضا قائما بالجسم الطبيعي ، إمّا بالاستقلال كقيام الجسم التعليمي به ، أو بالتبعية كقيام السطح به بواسطة قيامه بالجسم التعليمي المتناهي ، وقيام الخط بالسطح المتناهي القائم بالجسم التعليمي المتناهي ، وإن كان بعضهم قد منع من وجودها لوجوه :

الوجه الأوّل : السطح نهاية الجسم ، ونهاية الشيء هي أن يفنى ذلك الشيء فلا يبقى منه شيء ، وذلك من الأمور العدمية لا الوجودية.

الوجه الثاني : لو كان السطح والخط والنقطة أمورا وجودية ، فإمّا أن تكون متحيّزة أو لا ، والأوّل يستلزم انقسام كل واحد منها في الجهات الثلاث ، فتكون أجساما لا نهايات لها ، وإمّا أن تكون قائمة بالمتحيّز المنقسم في الجهات الثلاث فتكون منقسمة بانقسامه في الجهات الثلاث ، فلا تكون نهايات ، بل أجساما.

الوجه الثالث : الجسمان إذا تلاقيا فلا بدّ أن يتلاقى سطحاهما ، فإمّا بالأسر فيتداخلان وهو محال أو لا بالأسر ، فيكون كل من السطحين جسما لانقسامه في الجهات الثلاث (١) ، هذا خلف (٢).

اعترض «أفضل المحقّقين» (٣) : بأنّ السطح ليس هو فناء الجسم فقط ، فإنّ الفناء لا يقبل الإشارة الحسيّة والسطح يقبلها ، بل التحقيق يقتضي أنّ هناك أمورا

__________________

(١) ق : «لانقسامه الجسمية».

(٢) م : «خلف» ساقطة.

(٣) في نقد المحصل : ١٣٥ ، وقال في تجريد الاعتقاد : وليست الأطراف اعداما وإن اتصفت بها مع نوع من الإضافة.

٣٢٧

ثلاثة : فناء الجسم في جهة معيّنة من جهاته ، ومقدار ذو طول وعرض فقط ، وإضافة تعرض للفناء ، فيقال له بحسب ذلك : نهاية لجسم ذي نهاية ، فالمقدار موجود وبسببه يقبل الإشارة ، والفناء ليس بعدم محض ، بل عدم أحد أبعاد الجسم وهو تخنه ، والإضافة عارضة لها متأخّرة عنها. وربّما يعتبر السطح وحده من حيث هو مقدار ، وذلك موضوع لعلم الهندسة ، وكذلك الخط والنقطة. ولا يلزم من حلول السطح في الجسم انقسامه في الجهات الثلاث كانقسام الجسم ، لأنّ ذلك يكون حكم العرض الساري في محلّه ، وليس السطح ، ولا الخط ، ولا النقطة من الأعراض السارية في محالها ، وكذلك الوحدة والوضع ، وغير ذلك ممّا لا ينقسم بانقسام المحل.

واحتج المثبتون من الأوائل بوجهين (١) :

الأوّل : نجد الأجسام متماسّة ، وليست المماسة بتمام ذواتها ، وإلّا لزم التداخل ، بل بسطوحها ، وما به التماس أمر وجودي بالضرورة.

الثاني : الجسم المتصل إذا قطع حدث له سطح بعد أن لم يكن ، فيكون وجوديا.

واعلم : أنّ هذا إنّما يتم لو قلنا بنفي الجوهر الفرد ، أمّا على تقدير ثبوته فلا. على أنّ في كلامهم نظرا ، فإنّ لقائل أن يمنع وجود شيء تحصل به المماسة ، فإنّ التماس والالتصاق والاتصال كالألفاظ المترادفة الدالة على المعنى المفهوم منها ، وهو الملاقاة بحيث لا يتخللهما ثالث. وكيف يستقل السطح بالملاقاة من دون قيامه منفردا بنفسه عن محلّه ، ونمنع كون كل متجدّد وجوديا ، فإنّ العمى يحدث بعد أن لم يكن ، وليس ثبوتيا.

__________________

(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٣٢٢.

٣٢٨

البحث الخامس : في ماهية الزمان

اختلف الناس في ماهية الزمان (١) ، فذهب جماعة من الأوائل إلى أنّه لا تحقّق له في الأعيان ، وإنّما هو عبارة عن مقايسة بعض الحوادث ببعض ، فإذا قيل : وجد زيد منذ يومين ، كان معناه : أنّه وجد بعد طلوع الشمس من مشرقها مرّتين ، وإنّما اعتبر ذلك دون غيره لعمومه وشهرته عند كلّ الناس ، وإلّا فقد كان يمكن نسبة كلّ حادث إلى كلّ حادث.

وذهب آخرون منهم (٢) إلى أنّ له ماهية وحقيقة ، واختلفوا فذهب بعضهم إلى أنّه جوهر مجرّد قائم بنفسه واجب الوجود لذاته ، لاستلزام فرض عدمه المحال وهو ضروري الثبوت ؛ لأنّا نعلم أنّ زيدا الحادث الآن لم يكن موجودا زمان الطوفان ، وأنّه موجود الآن ، والعلم بوجود الآن والماضي جزء (٣) من العلم بأنّه موجود الآن ولم (٤) يكن موجودا زمن الطوفان. والعلم بالجزء سابق على العلم بالكل ، والسابق على البديهي أولى أن يكون بديهيا. وأمّا استلزام فرض عدمه المحال ، فلأنّه لو فرض عدمه كان عدمه بعد وجوده بعدية زمانية ، فيكون موجودا حال ما فرض معدوما ، وهذا محال بالضرورة ، وكلّ ما استلزم عدمه المحال لذاته كان واجب الوجود لذاته ، وكلّ جسم وجسماني ليس واجبا لذاته ، فالزمان ليس بجسم ولا جسماني.

__________________

(١) ولتحقيق الحال راجع طبيعيات الشفاء الفصل العاشر من المقالة الثانية من الفن الأوّل ١ : ١٤٨ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٦٥ ـ ٧٦٧ ؛ شرح الإشارات ٣ : ٨٢ ـ ٩٧ ؛ شرح المواقف ٥ : ١٠٢ ـ ١١٤ ؛ شرح المقاصد ٢ : ١٨٧ ؛ الأسفار الأربعة ٣ : ١٤١.

(٢) أي من متقدمي الفلاسفة.

(٣) ق وج : «و» بدل «جزء». والعبارة في غاية التشويش ، ولعلّ ما أثبتناه تلفيقا من النسختين هو الصواب.

(٤) م : «ولو لم».

٣٢٩

وهذا خطأ ؛ فإنّ الزمان لو ثبت لكان متقضّيا (١) لذاته ، وإلّا لكان الآن هو زمان الطوفان ، بل كلّ زمان سابق عليه ، فما حدث الآن فهو حادث في كلّ زمان بنفسه ، هذا خلف. وكل متقضّ فإنّ له أجزاء تعدم ، وأجزاء تتجدد ، وواجب الوجود لذاته يستحيل عليه ذلك. والحجّة التي ذكروها ساقطة ، لأنّ المحال لم يلزم من فرض عدم الزمان مطلقا ، بل من فرض عدمه بعد وجوده ، وهو لا يدل على وجوبه الذاتي. على أنّا نمنع كون عدمه بعد وجوده بالزمان ، وإلّا لزم في أجزائه ذلك ، فيلزم وجود أزمنة لا تتناهى لا دفعة واحدة ، بل مرارا لا نهاية لها ، وهو ضروري البطلان (٢).

وذهب آخرون منهم إلى أنّ الزمان أمر موجود جوهر متحيّز ، وهو فلك معدل النهار ، لأنّ الزمان محيط بجميع الحوادث ، وفلك معدل النهار محيط بجميع الحوادث.

وهو برهان عقيم لا ينتج ، فإنّ الموجبتين في الشكل الثاني غير منتجتين (٣). ثمّ إحاطة الزمان بجميع الحوادث ، ليس هي إحاطة الفلك بجميع الحوادث ، لأنّ المراد بالحوادث الأولى الزمانية وبالثانية المكانية.

وذهب آخرون إلى أنّه عرض غير قارّ الذات ، وهو نفس حركة معدل النهار (٤).

وهو خطأ ؛ لأنّ الحركة توصف بالسرعة والبطء والمعيّة فيقال : حركتان معا ، لا يصحّ كلّ ذلك في الزمان. ويقال : الحركة السريعة هي التي تقطع مثل ما قطع

__________________

(١) في النسخ : «منقضيا» والصحيح ما أثبتناه.

(٢) راجع الأسفار ٣ : ١٤٧ ـ ١٤٨.

(٣) لأنّه يشترط فيه أن تكون إحدى المقدمتين سالبة ليستغرق الأوسط.

(٤) ق : «الزمان».

٣٣٠

البطيء في زمان أقل ، ولا يجوز أن يقال في حركة أقل ؛ ولأنّ الحركة ونصفها (١) متساويان في السرعة والبطء والماهية (٢) وغير متساويين في المقدار.

وذهب المشاهير من الحكماء (٣) إلى أنّه عرض هو مقدار حركة معدل النهار ، لأنّه قابل للمساواة والمفاوتة (٤) ، فيكون كمّا ، وليس منفصلا ، وإلّا لما كان قابلا للانقسام الغير المتناهي ، لأنّ الوحدة غير قابلة للقسمة ، والتالي باطل ، لأنّ كلّ زمان ففيه (٥) حركة واقعة على مسافة منقسمة ، ويلزم من انقسام المسافة انقسام الحركة ، فإنّ الحركة إلى نصف تلك المسافة نصف الحركة إلى كلّها. وينقسم الزمان أيضا ، لأنّ زمان نصف الحركة نصف زمان كلّ الحركة. وليس قارّ الذات بالضرورة فتكون أجزاؤه على التقضي (٦) ، فيكون له مادة وليس مقدارا للمادة ، لامتناع كونه مقدارا لمادة المسافة ، لأنّ المختلفين في هذا المقدار قد يتساويان في المسافة وبالعكس ، ولا لمادة المتحرّك (٧) ، وإلّا لكان الأكثر زمانا ـ وهو الأبطأ ـ أعظم حجما ، ولا مقدارا لهيئة قارّة في المادة (٨) ، وإلّا لكان قارّا ولزادت تلك الهيئة بزيادته ، فهو مقدار لهيئة غير قارّة وليست إلّا الحركة (٩).

والاعتراض : لا نسلّم قبوله المساواة والمفاوتة ، فإنّ ذلك فرع وجوده وهو ممنوع.

__________________

(١) والكلمة مطموسة في المخطوطة ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) ق : «الهيئة».

(٣) وهم أرسطو وأتباعه.

(٤) أي الزيادة والنقصان ، والمساواة واللامساواة (المفاوتة) من خواص الكم.

(٥) ق : «معه».

(٦) أي غير مجتمعة في الوجود.

(٧) أي ليس مقدارا لمادة المتحرك أيضا.

(٨) كالبياض والسواد.

(٩) قال الشيخ : «وهذا هو الذي نسمّيه الزمان» ، الفصل الحادي عشر من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء وراجع طبيعيات النجاة : ١١٥ ـ ١١٦.

٣٣١

سلّمنا ، لكن نمنع كمّيته ، وإنّما يثبت لو قبلهما لذاته ، وهو ممنوع.

سلّمنا ، لكن نمنع كونه متّصلا ، قوله : «لو لم يكن متّصلا لما وقعت فيه الحركة» ، قلنا : إن عنيت الحركة بمعنى القطع فتلك لا توجد إلّا في الذهن ، فكيف يثبت الزمان في الخارج ممّا لا يثبت فيه ، وإن عنيت الحركة بمعنى التوسّط فتلك آنية.

سلّمنا أنّه مقدار الحركة ، فلم قلتم : إنّه يكون عرضا حالّا فيها. قوله : «لأنّ كلّ حادث فله موضوع». قلنا : ينتقض بالنفوس الناطقة فإنّها حادثة وغير حالّة في المادة. ثمّ يعارض بوجوه :

الوجه الأوّل : لو كان الزمان مقدارا للحركة لزم عدمه عند عدمها ، والتالي باطل فالمقدم مثله ، والشرطية ظاهرة فإنّ فرض وجود مقدار الشيء مع فرض عدم ذلك الشيء محال كما في الجسم ومقداره ، وأمّا بيان بطلان التالي : فلأنّا بعد فرض عدم جميع الحركات نعلم بالضرورة أنّ ذلك العدم بعد الوجود ، وتلك البعدية عندكم تفتقر إلى الزمان ، فيلزم وجود الزمان حال عدم الحركة.

الوجه الثاني : لو كان الزمان مقدارا للحركة ، فإمّا أن يكون مقدارا لحركة خاصة ، أو لمطلق الحركة ، والتالي بقسميه باطل فالمقدّم مثله ، والشرطية ظاهرة. وبيان بطلان الأوّل : أنّا لو فرضنا عدم تلك الحركة ووجود أخرى ، لزم أن تقع لا في زمان ، والتالي باطل ، لأنّ كلّ حركة فعلى (١) مسافة منقسمة ، ويكون نصفها قبل كلّها فلا تنفك حركة عن الزمان ، والتالي باطل ، لأنّه يقتضي أن تكون الحركة من حيث هي هي مستدعية زمانا ، وليس بأن يكون الزمان حاصلا لبعضها بالأصالة وللباقي بالتبعية أولى من العكس ، لأنّ جهة الاقتضاء حاصلة في الجميع ، فإمّا أن يحصل لكلّ حركة زمان على حدة ، أو يحصل للكلّ زمان واحد، أو لا يحصل لشيء

__________________

(١) ق : «فعل» وم «مثل».

٣٣٢

منها ، والأوّل باطل ، لأنّ الساعة الواحدة ليست ساعات متعدّدة بتعدّد الحركات بالضرورة، ولأنّ تلك الأزمنة توجد معا فمعيتها لا بدّ وأن تكون لزمان آخر محيط بها ويتسلسل ، ويلزم اجتماع النقيضين ، لأنّا حصرنا الأزمنة بأسرها في ذلك المجموع ، فالمحيط بها الخارج عنها لا بدّ وأن لا يكون زمانا ، لكنّ الذي تلحقه القبلية والبعدية والمعيّة لذاته هو الزمان ، فاذن ذلك الخارج يكون زمانا وليس بزمان ، هذا خلف.

والثاني محال ؛ لأنّ ذلك الواحد إن حلّ بعينه في كلّ حركة ، لزم تعدّد محل الحال الواحد بالشخص ، وهو محال. ولأنّه لو عدمت حركة لزم عدم مقدارها مع بقاء مقدار الحركة الأخرى فيلزم وجوده وعدمه ، وهو محال. والثالث المطلوب.

الوجه الثالث : لو كان مقدارا للحركة ، فإمّا أن يكون مقدارا للحركة بمعنى القطع ، أو بمعنى التوسّط. والأوّل باطل ؛ لأنّ تلك الحركة ذهنية لا تحقّق لها في الخارج (١) ، وما لا تحقّق له في الخارج يمتنع أن يكون محلّا للأمر الخارجي. والثاني باطل ، لأنّ تلك الحركة آنية فلا يصحّ حلول مقدار الزمان فيها.

الوجه الرابع : لو كان مقدارا للحركة لكان محتاجا إليها ، لأنّه يكون حالّا فيها حلول العرض في موضوعه ، والعرض محتاج إلى الموضوع ، لكنّ الحركة محتاجة إلى الزمان ، لأنّه لا تعقل حركة إلّا أن يتقرّر في العقل زمان معيّن من الحاضر أو الماضي أو المستقبل ، وحينئذ يلزم الدور.

الوجه الخامس : الضرورة قاضية بأنّ الحركة الحاصلة في هذا اليوم فإنّها حصلت بجميع صفاتها فيه ، فلو كان اليوم من صفاتها لكان اليوم حاصلا في هذا اليوم ، هذا خلف.

__________________

(١) وقال العلامة الطباطبائي : «والمعنيان [الحركة التوسطية والحركة القطعية] جميعا موجودان في الخارج لانطباقهما عليه بجميع خصوصياتهما». بداية الحكمة : ١٢٧.

٣٣٣

الوجه السادس : عدم الزمان بعد وجوده ممتنع لذاته ، فلو كان صفة للحركة لزم أن تكون الحركة شرطا فيما يستحيل عدمه لذاته ، فتكون أولى باستحالة العدم لذاتها ، فتكون واجبة لذاتها ، غنيّة عن المحل ، وهو محال.

وفيه نظر ، فإنّ الواجب لذاته هو الذي يستحيل عدمه لذاته مطلقا ، والزمان والحركة ليسا كذلك ، إنّما يستحيل عدمهما بعد وجودهما بعدية زمانية ، لا لذاتهما مطلقا ، بل لاقتران (١) فرض وجودهما وعدمهما دفعة واحدة ، وكلّ الممكنات كذلك ، ولا يلزم خروجها عن حدّ الإمكان.

الوجه السابع : كما يحكم بأنّ الزمان عارض للأشياء الغير القارّة ، كذا يحكم بعروضه للأشياء القارّة. فإنّا كما نحكم بأنّ من الحركات ما كانت موجودة أمس ، ومنها ما يوجد غدا ، كذلك نحكم بأنّ الله تعالى كان موجودا في الماضي وهو الآن موجود ، أو أنّه موجود في المستقبل ، ولو جاز إنكار (٢) الثاني جاز إنكار (٣) الأوّل ، وإذا قارن وجوده الأزمنة الثلاثة كان الزمان عارضا للوجود المطلق لا للوجود الغير القارّ ـ أعني الحركة ـ بخصوصيّته ، فيكون مقدارا لمطلق الوجود ، وهو محال ؛ لأنّه إن كان متغيّرا استحال انطباقه على الثابت ، وإن كان ثابتا استحال انطباقه على المتغيّر (٤).

وفيه نظر ، فإنّا نمنع وجود الله تعالى وغيره من الأمور الثابتة في الزمان وجود المتغيّرات فيه. نعم الأشياء الثابتة موجودة مع الزمان لا المعيّة الزمانية ، فإنّ ما يوجد في الزمان ليس إلّا الأشياء التي يلحقها التغيّر ، إمّا لذاتها فتكون زمانية لذاتها ، أو بالعرض فتكون زمانية بالعرض.

__________________

(١) م : «لافتراق».

(٢) م : «امكان».

(٣) م : «امكان».

(٤) راجع شرح المواقف ٥ : ١٠٩ ـ ١١٠.

٣٣٤

لا يقال (١) : نسبة المتغيّر إلى المتغيّر هو الزمان ، ونسبة المتغيّر إلى الثابت هو الدهر ، ونسبة الثابت إلى الثابت هو السرمد.

لأنّا نقول : لا فائدة في هذا التهويل (٢) ، لأنّ مفهوم «كان» و «يكون» إن كان قارّ الذات لم يوجد في المتغيّرات ، وإن لم يكن ثابتا استحال وقوعه في الثوابت.

اعترض «أفضل المحقّقين» (٣) : بأنّه لا شك في أنّ وقوع الحركة مع الزمان ليس كوقوع الجسم القار الذات المستمرّ الوجود مع الزمان ، وليس كوقوع القارّ الذات الباقي مع القارّ الذات الباقي ، كالسماء مع الأرض ، وهذا الفرق معلوم محصّل. وليس معيّة المتغيّر والثابت مستحيلة. فإنّا نقول : عاش نوح ألف سنة ، فانطبق مدة بقائه على ألف دورة من الشمس ، وإذا تقرّر اختلاف المعاني ، فللمصطلحين أن يعبّروا عن كلّ معنى بعبارة يرون أنّها مناسبة لذلك المعنى ، ولا يعنون ب «التحصيل» هناك غير دلالة العبارات على المعاني.

وفيه نظر ، فإنّ المفهوم من المعية الاقتران والمصاحبة ، وهو معنى واحد معقول بين كل مقترنين ، لكن اقتران الحركة والزمان هو اقتران شيء غير قارّ الذات بشيء غير قارّ الذات ، فالأجزاء المفروضة في أحدهما على التعاقب مقارنة للأجزاء المفروضة في الآخر على التعاقب ، أيضا والمجموع مع المجموع ، وأمّا معيّة الجسم والزمان ، فهي اقتران الجسم مع كلّ جزء من أجزاء ذلك الزمان المفروضة ومع المجموع منها. ومعية الجسم مع الجسم هي الاقتران بينهما ،. فلو جعل لهذين النوعين معنى آخر غير الزمان به تقع (٤) المقارنة ، لزم أن يثبت مع الزمان أمران آخران هما : الدهر والسرمد يكون كل منهما مقدارا ، فله محلّ ، ويلزم التسلسل ، لأنّ

__________________

(١) والقائل هو الشيخ في الفصل الثالث عشر من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.

(٢) ج : «التأويل».

(٣) في تلخيص المحصل : ١٣٨.

(٤) م : «ترتفع».

٣٣٥

لكل منهما معية مع غيره.

الوجه الثامن : مقدار الشيء موجود معه بالزمان ، فلو كان الزمان مقدارا للحركة لوجد معها في الزمان ، فيكون للزمان زمان ، هذا خلف.

الوجه التاسع : لو كان الزمان مقدارا لامتداد الحركة ، وامتداد الحركة لا وجود له في الأعيان ، لأنّ الامتداد لا يحصل إلّا عند حصول جزءين ، والجزءان لا يحصلان دفعة ، بل عند حصول الأوّل فالثاني غير حاصل ، وعند حصول الثاني فالأوّل فائت ، وإذا لم يكن لامتداد الحركة وجود في الأعيان لم يكن لمقدار هذا الامتداد وجود ، لاستحالة قيام الموجود بالمعدوم (١).

اعترضه أفضل المحقّقين : بأنّ امتداد الشيء القارّ الذات يجب أن يكون في ما تكون أجزاؤه دفعة حاصلة ، أمّا امتداد الشيء غير القارّ الذات فلا يمكن أن يكون في ما تكون أجزاؤه دفعة ، بل يجب أن يكون في ما لا يوجد منه جزءان دفعة ، ولو لم يكن الامتداد في لفظ الزمان معقولا لما سمّى العقلاء الزمان بالمدّة المشتقّة من الامتداد. واعلم أنّ أرسطو (٢) قال : الزمان مقدار الحركة ، وهذا المعترض زاد فيه الامتداد ليعترض عليه بمثل هذا الكلام ، ولم يعلم أنّ الامتداد هو المقدار المتصل ، فيكون في هذا التفسير تكرار غير محتاج إليه.

وفيه نظر ، فإنّا نسلم أنّ امتداد غير القارّ لا يمكن أن يكون في ما تكون أجزاؤه دفعة ، بل يجب أن يكون في ما لا يوجد فيه جزءان دفعة لو أمكن عروضه له. لكنّ البحث في أنّ عروض الامتداد لمثل هذا الشيء هل هو ممكن أم لا؟

__________________

(١) قال الرازي : «وهذا الوجه لخّصه الإمام أفضل الدين فريد غيلان» واعترض عليه الطوسي في تلخيص المحصل : ١٣٨ ـ ١٣٩. وقد يعبر عنه في الكتب الشرقية بتعابير مختلفة منها : ارسطو ، ارسطو طاليس ، أرسطاطاليس ، أرسطاطاليس ، ارسطو طاليس الحكيم ، أرسطو طاليس المعلم ، المعلم ، المعلم الأوّل ، معلّم المشائين ومفيدهم ، معلم المشائية اليونانيين ، معلم اليونانيين و...

(٢) «Aristotle­) ٤٨٣ ـ ٢٢٣ ق).

٣٣٦

والاستناد في مثل ذلك إلى الاشتقاق من أضعف الأدلّة ، مع أنّ الامتداد عرض لا يعقل حلوله إلّا في ذي أجزاء ، وأنّه نسبة بينها ، فلا يتحقّق وجوده إلّا بعد وجود المنتسبين ، لكنّهما لا يوجدان معا ، فلا يتحقّق له وجود.

تنبيه : اعلم أنّ القائلين بكون الزمان مقدارا للحركة ، زعموا أنّ للحركة مقدارين أحدهما من جهة المسافة ، فإنّ الحركة تزيد بزيادة المسافة وتنقص بنقصانها ، والثاني من جهة الزمان ، فإنّ الحركة أيضا تزيد بزيادة الزمان وتنقص بنقصانه ، وللمسافة أجزاء يعرض لها تقدّم وتأخّر بحسب الوضع والمرتبة الحسّية ، ويوجد المتقدّم والمتأخّر دفعة في الوجود ، ويعرض للحركة التجزئة باعتبار تجزئة المسافة ، ويصير أيضا بعضها متقدّما وبعضها متأخّرا بإزاء تقدّم أجزاء المسافة وتأخّرها ، إلّا أنّ المتقدّم والمتأخّر في الحركة لا يمكن اجتماعهما في الوجود ، بخلاف المتقدّم والمتأخّر اللذين في أجزاء المسافة ، فالزمان هو مقدار الحركة ، لا من جهة المسافة ، بل من جهة التقدّم والتأخّر اللذين لا يجتمعان (١).

البحث السادس : في أنّ الزمان هل هو موجود أم لا؟

اختلف الناس في ذلك فذهب المتكلّمون وجماعة من قدماء الأوائل إلى أنّه لا تحقّق للزمان في الأعيان ، مع العلم الضروري بأنّ هنا وقتا ماضيا ومستقبلا وحاضرا ، لكنّها ليست وجودية في الخارج. وذهب الأوائل إلى أنّه موجود في الأعيان. لنا وجوه :

الوجه الأوّل : لو كان الزمان موجودا لكان ، إمّا أن يكون قارّ الذات أو لا ، والقسمان باطلان ، فلا يكون له تحقق.

أمّا الأوّل ، فلأنّه لو كان قارّ الذات لكان الحاضر هو عين الماضي

__________________

(١) راجع شرح الإشارات ٣ : ٩٦.

٣٣٧

والمستقبل ، فيكون الحادث الآن حادثا زمان الطوفان ، بل كل زمان سبق (١) وكلّ زمان سيأتي ، فيكون الشيء في كلّ آن حادثا ، لكنّه باق لوجوده في جميع الأزمنة ، هذا خلف.

وأمّا الثاني ، فلأنّ المتقضى (٢) هو الذي لا بقاء لأجزائه ، بل كلّ جزء وجد فإنّه ينقضي ويصير ماضيا ، وكلّ جزء منه كان موجودا لم يبق الآن ، وكلّ جزء مستقبل سيوجد الآن والماضي ، والآن هو الزمان ، فيلزم وقوع الزمان في الزمان ، فلو كان أمرا وجوديا لزم التسلسل.

اعترض «أفضل المحقّقين» : بأنّ الزمان لو كان قارّ الذات لا يكون الحاضر عين الماضي ، بل يكونان معا كما في الجسم الذي هو قارّ الذات ، ولا يلزم منه أن يكون جزء منه هو عين الجزء الآخر. وأمّا إذا كان الزمان غير قارّ الذات ولم يبق جزء منه عند حصول جزء آخر ، فلا يلزم منه أن يكون للزمان زمان ، لأنّ القبلية والبعدية لأجزاء الزمان لذاتها ، فيكون جزء مقدما على جزء لا بزمان غيرهما ، بل بذاتيهما ، ولا يلزم منه تسلسل (٣).

وفيه نظر ؛ فإنّ قارّ الذات هو الذي توجد أجزاؤه دفعة ، ويبقى أكثر من زمان واحد ، وأجزاء الزمان لا يعقل فيها ذلك ، ولو قارن الماضي الآن لكان الماضي هو عين الآن ، لأنّ المراد بالزمان هو الآن ، والماضي وكل ما يوجد الآن فإنّه يكون حاضرا لا ماضيا ، فيكون الماضي حاضرا ، وهذا بخلاف أجزاء الجسم ، وقد بيّنا بطلان لحوق القبلية والبعدية للزمان لذاته.

الوجه الثاني : الزمان إمّا الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، فالحاضر إن لم يكن

__________________

(١) ق : «كل زمان سبق» ساقطة.

(٢) ق وم : «المقتضي» ، والصحيح ما أثبتناه من ج.

(٣) تلخيص المحصل : ١٣٦.

٣٣٨

له وجود ـ والماضي والمستقبل معدومان ـ لم يكن الزمان موجودا ، وهو المطلوب وإن كان موجودا. فإمّا أن لا يكون منقسما ، فيكون عدمه ، دفعة لا محالة ، وعند فنائه يحدث آن آخر دفعة ، فيلزم منه تتالي الآنات ويلزم تركّب الزمان من الآنات ، فلا يكون كمّا متّصلا(١)، ولا مقدارا للحركة ، ويلزم تركّب الجسم من الجواهر الأفراد ، وكل ذلك محال عندكم.

وإمّا أن يكون منقسما ، فيكون بعضه حاضرا وبعضه ماضيا أو مستقبلا ، فلا يكون الحاضر كلّه حاضرا ، هذا خلف.

اعترضه «أفضل المحقّقين» : بأنّ الزمان إمّا الماضي أو المستقبل ، وليس لهما (٢) قسم آخر هو الآن ، إنّما الآن هو فصل مشترك بين الماضي والمستقبل ، كالنقطة في الخط ، والماضي ليس بمعدوم مطلقا ، إنّما هو معدوم في المستقبل ، والمستقبل معدوم في الماضي ، وكلاهما معدومان في الآن ، وكل واحد منهما موجود في حدّه ، وليس عدم شيء في شيء هو عدمه مطلقا ، فإنّ السماء معدوم في البيت ، وليس بمعدوم في موضوعه ، ولو كان الآن جزءا من الزمان لما أمكن قسمة الزمان إلى قسمين ، مثلا تقول : من الغداة إلى الآن ، ومن الآن إلى العشي ، فإن كان الآن جزءا لم تكن هذه القسمة صحيحة ، ولا أمكن قسمة مقدار من الزمان إلى قسمين ، فالآن موجود وهو عرض حالّ في الزمان ، كالفصل المشترك في الخط ، وليس بجزء من الزمان ، وليس فناؤه إلّا بعبور زمان ، فلا يلزم تتالي الآنات (٣).

وفيه نظر ، لتوقفه على اتصال الزمان ، بل وعلى وجوده ، وهما ممنوعان والضرورة قاضية بأنّ أمس غير موجود مطلقا ، وأنّ غدا غير موجود مطلقا ، ولو

__________________

(١) م : «منفصلا» وهو خطأ.

(٢) في المصدر : «له».

(٣) تلخيص المحصل : ١٣٦ ـ ١٣٧.

٣٣٩

أخذ العقل يشك في وجود الماضي في الماضي ، ووجود المستقبل في المستقبل ، لشكّ في أنّ زيدا لم يعدم ، وأنّ عمرا الذي لم يخلق موجود ، هذا عين السفسطة.

ثمّ قوله : «إنّه موجود في حدّه» إن أراد به أنّ الماضي موجود في الماضي ، والمستقبل موجود في المستقبل ، لزم أن يكون للزمان زمان ، ويتسلسل. وإن عنى به أنّ الماضي والمستقبل موجودان مطلقا ، على معنى أنّ الوجود قد حصل لهما بالفعل ، ولم يلحقهما العدم بعد ذلك ، لزم الحكم ببقائهما موجودين ، والضرورة تدفع كلّ ذلك ، وليس حالهما حال عدم السماء في الأرض ، لأنّ للسماء وجودا محقّقا بخلاف الماضي والمستقبل اللّذين حكمت الضرورة بعدمهما ، ومن جعل الآن جزءا من الزمان جعله منقسما إلى أجزاء لا تتجزّأ ، وأمكن أن يقسّم بقسمين مختلفين ومتساويين كالأجسام ، والحكم بوجود الآن يستدعي انقسام الزمان بالفعل ، والبحث في كيفية عدم الآن سيأتي إن شاء الله تعالى.

الوجه الثالث : لو كان الزمان موجودا لكان واجب الوجود لذاته ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : أنّه لو كان موجودا وفرضناه قابلا للعدم فليفرض أنّه عدم ، فيكون عدمه بعد وجوده بعديّة لا يوجد فيها البعد مع القبل ، وهذه البعدية لا تتحقّق إلّا عند تحقّق الزمان ، فيلزم من فرض عدم الزمان وجوده ، وذلك محال. فإذن مجرد فرض عدمه يستلزم المحال ، ففرض عدمه محال ، فهو واجب لذاته. وأمّا بطلان التالي فظاهر ، أمّا أوّلا فلتركّبه من الأجزاء وكلّ مركب ممكن. وأمّا ثانيا فلأنّ كلّ جزء منه حادث ، والواجب لذاته ليس بحادث. وأمّا ثالثا فلأنّ كلّ جزء منه يعدم ، وواجب الوجود يستحيل أن يعدم. وأمّا رابعا فلأنّه قائم بالحركة القائمة بالجسم ، فهو محتاج إلى محلّه وواجب الوجود ليس بمحتاج.

اعترض أفضل المحقّقين : بأنّ فرض عدم الزمان بعد وجوده ، يكون فرض

٣٤٠