تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ١٢

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

وقالت الشعراء في البيعة المدائح ، ثم إنه علّق نسخة البيعة في البيت العتيق (١).

وفي ذلك يقول إبراهيم الموصليّ :

خير الأمور مغبّة

وأحقّ أمر بالتمام

أمر قضى إحكامه الر

حمن في البيت الحرام (٢)

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٢٧٨ ، البيان المغرب ١ / ٩٣.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٥ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٨٧ النجوم الزاهرة ٢ / ١١٩ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٩٠ ، البدء والتاريخ للمقدسي ٦ / ١٠٦ وفيه :

أمر قضى احكامه

في الكعبة البيت الحرام

٢١

سنة سبع وثمانين ومائة

فيها ، أو في التي بعدها ، توفّي :

بشر بن المفضّل ،

وجعفر بن يحيى البرمكيّ ، صلب ،

ورباح بن زياد الصنعانيّ ،

وزكريا بن يحيى الذارع ،

وعبّاد بن العوّام ، في قول ،

وعبد الرحيم بن سليمان الرازيّ ، في آخرها ،

وعبد السلام بن حرب الملائيّ ،

وعبد العزيز بن عبد الصمد العمّيّ ،

وعبد العزيز بن محمد الدّراورديّ ، في رجب ،

وعليّ بن نصر الجهضميّ ، أبو نصر ،

ومحمد بن سواء السّدوسيّ ،

ومحمد بن عبد الرحمن الطفاويّ ،

ومرحوم بن عبد العزيز البصريّ ،

ومعاذ بن مسلم النّحويّ المعمّر ،

ومعتمر بن سليمان التّيميّ ،

ويوسف بن عطيّة الصّفّار ،

وأبو إسحاق الفزاريّ ، في قول.

* * *

٢٢

وفيها مقتل جعفر البرمكيّ(١)

وقد اختلف في سبب قتله على أقوال ،

فقيل : إنّ جبريل بن بختيشوع (٢) الطبيب قال : إنّي لقاعد عند أمير المؤمنين الرشيد ، إذ أتى يحيى بن خالد بن برمك ، وكان يدخل بلا إذن ، فلما قرب سلّم ، فردّ عليه الرشيد ردّا ضعيفا ، فعلم يحيى أنّ أمرهم قد تغيّر ، فأقبل عليّ الرشيد وقال : يا جبريل ، يدخل عليك أحد منزلك بلا إذن؟

فقلت : لا! قال : فما بالنا يدخل علينا بلا إذن؟

فوثب يحيى فقال : يا أمير المؤمنين ، قدّمني الله قبلك ، والله ما هو إلّا شيء خصصتني به ، والآن فأكون في الطبقة الثانية من أهل الإذن إن أمرتني. فاستحيا الرشيد ، وكان من أرقّ الخلفاء ، وأطرق ثم قال : ما أردت ما تكره ، ولكنّ الناس يقولون.

قال : فظننت أنه لم يسنح له جواب يرتضيه ، ثم خرج يحيى (٣).

وقيل : إن ثمامة بن أشرس قال : أول ما أنكر يحيى بن خالد من أمره أنّ

__________________

(١) انظر عن مقتل جعفر البرمكي في :

تاريخ خليفة ٤٥٨ ، وتاريخ الطبري ٨ / ٢٨٧ وما بعدها ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٠٦ وما بعدها ، ونشوار المحاضرة للتنوخي ٧ / ٧٤ ، ٧٥ ، والكامل في التاريخ ٦ / ١٧٥ وما بعدها ، والبدء والتاريخ ٦ / ١٠٤ ، ١٠٥ ، ومروج الذهب ٣ / ٣٨٤ وما بعدها ، والفخري في الآداب السلطانية لابن طباطبا ٢٠٥ ـ ٢١٠ ، وأمالي المرتضى ١ / ١٠١ ، والإنباء في تاريخ الخلفاء لابن العمراني ٧٩ وما بعدها ، وتاريخ حلب للعظيميّ ٢٣٥ ، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج ٤٩٤ ، ووفيات الأعيان ١ / ٣٢٨ ـ ٣٤٦ ، والعقد الفريد ٥ / ٥٨ وما بعدها ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ٢ / ٢٠٣ وما بعدها ، وخلاصة الذهب المسبوك للإربلي ١٤٥ وما بعدها ، ونهاية الأرب للنويري ٢٢ / ١٣٥ وما بعدها ، والمختصر في أخبار البشر لأبي الفداء ٢ / ١٦ وما بعدها ، ومرآة الجنان لليافعي ١ / ٤٠٤ وما بعدها ، والبداية والنهاية لابن كثير ١٠ / ١٨٩ وما بعدها ، ومقدّمة ابن خلدون (مصوّرة دار إحياء التراث ، بيروت) ١٣٦ ، وتاريخ بغداد ٧ / ١٥٢ ـ ١٦٠ رقم ٣٦٠٦ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ١٢١. وستأتي ترجمته في الوفيات من هذا الجزء ، مع مصادرها.

(٢) هو جبرائيل بن بختيشوع بن جورجيس بن بختيشوع. (تاريخ الزمان لابن العبري ١٨).

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٧ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٤٥ ، ١٤٦ وفيه أن القائل «بختيشوع».

٢٣

محمد بن اللّيث رفع رسالة إلى الرشيد يعظه ويقول : إنّ يحيى لا يغني عنك من الله شيئا ، وقد جعلته فيما بينك وبين الله ، فكيف بك (١) إذا وقفت بين يدي الله (٢) ، فسألك عمّا عملت في عباده وبلاده؟.

فدعا الرشيد يحيى ، وقد بلغته الرسالة ، فقال : تعرف محمد بن اللّيث؟ قال : نعم ، هو متّهم على الإسلام ، فأمر بابن اللّيث فوضع في المطبق دهرا. فلما تنكّر الرشيد للبرامكة أمر بإخراجه ، فأحضره وقال له : أتحبّني؟ قال : لا والله. قال : أتقول هذا؟ قال : نعم ، وضعت في رجليّ الأكبال ، وحلت بيني وبين عيالي بلا ذنب ، سوى قول حاسد يكيد الإسلام وأهله ، ويحبّ الإلحاد وأهله. فأطلقه ثم قال : أتحبّني؟ قال : لا ، ولكن قد ذهب ما عندي. فأمر له بمائة ألف ، ثم قال : أتحبّني؟ قال : نعم ، قد أحسنت إليّ. فقال : انتقم الله ممّن ظلمك وأخذ لك ممّن بعثني عليك.

قال : فقال الناس في البرامكة فأكثروا ، وكان ذلك أول ما ظهر من تغيّر حالهم (٣).

وقيل : إنّ يحيى بن خالد دخل بعد على الرشيد ، فقام الغلمان له ، وقال الرشيد لمسرور : مرهم لا يقومون. قال : فدخل ، فما قام أحد ، فاربدّ وجه يحيى (٤).

وقيل : إنّ سبب قتل جعفر أنّ الرشيد سلّم له يحيى بن عبد الله بن حسن ، فرقّ له بعد قليل وأطلقه. وكان ابن حسن مربوعا ، أجلح ، بطينا ، حسن العينين ، فأتى رجل بصفته وهيئته إلى الرشيد وأنّه رآه بحلوان. فأعطى الرجل جائزة (٥).

__________________

(١) عند الطبري ٨ / ٢٨٨ «أنت».

(٢) عند الطبري «بين يديه».

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٨ ، الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي للجريري ١ / ٥٨٠ ، ٥٨١.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٧.

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٩ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٦ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٥ ، ١٧٦ ، =

٢٤

وقيل إنّ جعفر بنى دارا أنفق عليها عشرين ألف ألف درهم فأسرف (١).

وعن موسى بن يحيى بن خالد قال : اعتمر أبي في العام الّذي نكب فيه وأنا معه ، فتعلّق بأستار الكعبة وجعل يقول : اللهم ذنوبي عظيمة لا يحصها غيرك ، إن كنت معاقبي فاجعل عقوبتي في الدنيا ، وإن أحاط ذلك بسمعي وبصري ومالي وولدي حتى أبلغ رضاك ، ولا تجعل عقوبتي في الآخرة (٢).

وكان موسى هذا أحد الأبطال الموصوفين.

وقيل : إنّ عليّ بن عيسى بن ماهان قدح فيه عند الرشيد وأعلمه طاعة أهل خراسان له ومحبّتهم إيّاه ، وأنه يكاتبهم ويعمل على الذهاب إليهم ، فاستوحش الرشيد منه (٣).

ثم ركب موسى دين فاستتر من الغرماء ، فتوهّم الرشيد أنّه سار إلى خراسان ، ثم ظهر فحبسه ، فكان ذلك أول نكبتهم. فأتت زوجة يحيى بن خالد إلى الرشيد ولا طفته ، فقال : يضمنه أبوه. فضمنه يحيى (٤).

وكان الرشيد قد غضب على الفضل بن يحيى لتركه الشرب معه. وكان الفضل يقول : لو علمت أنّ شرب الماء ينقص من مروءتي ما شربته ، وكان مشغوفا بالسماع (٥).

وأما جعفر فكان ينادم الرشيد ، وأبوه يأمره بالإقلال من ذلك فيخالفه (٦).

وقد كان يحيى قال : يا أمير المؤمنين ، أنا والله أكره مداخلة جعفر

__________________

= نهاية الأرب ٢٢ / ١٣٧ ، شرح البسّامة بأطواق الحمامة ٢٢٥ ـ ٢٢٧ (أو كمامة الزهر وصدفة الدرّ) ـ لعبد الملك بن عبد الله بن عبدون الحضرميّ الإشبيلي ـ طبعة السعادة ١٣٤٠ ه‍. ، بالقاهرة ، وفيات الأعيان ١ / ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، مرآة الجنان ١ / ٤١٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٨٩ ، الفخري ٢٠٩.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩١ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٨٩ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٤٤.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٢ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٣٦.

(٣) الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٧ ، تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٣.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٣.

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٣.

(٦) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٣.

٢٥

معك ، لو اقتصرت به على الإمرة دون العشرة. قال : يا أبه ، ليس لعذابك ، ولكنّك تريد أن تقدّم الفضل عليه (١).

قال ابن جرير : حدّثني أحمد بن زهير ، أظنّه عن عمّه ، زاهر بن حرب ، أنّ سبب هلاك البرامكة أنّ الرشيد كان لا يصبر عن جعفر ، وعن أخته عبّاسة بنت المهديّ. قال وكان يحضرها مجلس الشراب ، فقال : أزوّجكها على أن لا تمسّها. فكانا يثملان من الشراب ، وهما شابّان ، ويقوم الرشيد ، فوثب جعفر عليها ، فولدت منه غلاما ، فخافت الرشيد ، فوجّهت بالطفل مع حواضن إلى مكة واختفى الأمر. ثم ضربت جارية لها فوشت بها إلى الرشيد ، فلما حجّ أرسل إلى الموضع الّذي به الحواضن ، وهمّ بقتل الصّبيّ ، ثم تأثّم من ذلك (٢).

فلما رجع إلى الحيرة وناحية الأنبار أرسل ليلة السبت لانسلاخ المحرّم إلى مسرور الخادم ومعه أبو عصمة وأجناد ، فأحاطوا بجعفر ليلا ، فدخل عليه مسرور وهو في مجلس لهوه ، فأخرجه بعنف وقيّده بقيد حمار وأتى به ، فأعلم الرشيد. فأمر بضرب عنقه ، ففعل (٣).

وحدّث مسرور قال : وقع على رجليّ يقبّلها ، وقال : دعني أدخل فأوصي ، قلت : لا سبيل إلى ذلك ، فأوص بما شئت. فأوصى وأعتق مماليكه ، ثم ذبحته بعد أن راجعت الرشيد فيه ، وأتيته برأسه (٤).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٣.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٤ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٧ ، مروج الذهب ٣ / ٣٨٤ ـ ٣٨٧ ، الفخري في الآداب السلطانية ٢٠٩ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٤٦ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٣٢ ، ٣٣٣ و ٣٤٤ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٨٩.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٥ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ٨١ ـ ٨٣ ، مروج الذهب ٣ / ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، نشوار المحاضرة ٧ / ٧٤ ، ٧٥ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٠ ، ومقاتل الطالبيين ٤٩٤.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٥ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٧ ، ١٧٨ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء لابن العمراني ٨١ ـ ٨٣ (وفيه رواية مفصّلة) ، البدء والتاريخ ٦ / ١٠٤ ، ١٠٥ (وفيه أن العباسة حملت من جعفر وولدت توأمين) ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٣٩ ، ١٤٠ ، الفخري ٢١٠ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٤٧ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٦١.

٢٦

ثم وجّه الرشيد جندا أحاطوا بأبيه وبجميع أولاده ومواليه ، وأخذت أموالهم وأملاكهم. وكتب إلى سائر العمال بقبض مالهم (١).

وبعثت جثّة جعفر إلى بغداد ، فنصبت على خشبة (٢).

ونودي ألا لا أمان لمن آوى أحدا من البرامكة (٣).

[مقتل أنس بن أبي شيخ]

ثم أمر الرشيد يوم دخل الرّقّة بقتل انس بن أبي شيخ ، فقتل وصلب على الزّندقة ، وكان من أصحاب البرامكة (٤).

[حكاية ابن الصابيء عن جعفر البرمكي]

وذكر ابن الصابيء في كتاب الأماثل والأعيان (٥) عن إسحاق الموصليّ ، عن إبراهيم بن المهديّ قال : خلا جعفر بن يحيى يوما بندمائه ، وأنا فيهم ، فلبس الحرير وتضمّخ بالطّيب ، وفعل بنا مثله. فقدم عليه عبد الملك بن صالح بن عليّ (٦) ، فدخل في رصافيّته وسواده ، فاربدّ وجه جعفر ، فدعا غلامه

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٦ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ٨٤ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٨ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٤٥ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٤٧ ، البدء والتاريخ ٦ / ١٠٥ ، الفخري ٢١٠ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٠ ، تاريخ مختصر الدول ١٢٩ ، ١٣٠.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٦ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ٨٤ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٦ ، البدء والتاريخ ٦ / ١٠٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٨ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٣٧ و ٣٤٥ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٤٧ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٠ ، تاريخ بغداد ٧ / ١٥٩ و ١٦٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٢١.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٦ ، البدء والتاريخ ٦ / ١٠٥ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٤٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٠.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٧ ، المعارف ٣٨٢ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٤٨.

(٥) اسمه الكامل : «الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والإحسان» (معجم الأدباء ٧ / ٢٥٥).

(٦) اختصر المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ هذا الخبر هنا ، ورأيت أن أثبت ما حذفه نقلا عن (وفيات الأعيان لابن خلّكان) لتوضيح أمر قد يلتبس على القارئ ، وهو أن جعفر «أمر بأن يحجب عنه كل أحد إلا عبد الملك بن بحران قهرمانه ، فسمع الحاجب : «عبد الملك» دون «ابن بحران» ، وعرف عبد الملك بن صالح الهاشمي مقام جعفر بن يحيى في داره ، فركب إليه ، =

٢٧

فناوله سواده وقلنسوته ، وأتى مجلسنا ، وقال : أشركونا معكم. فألبسوه حريرا ، وأحضر له طعام وشراب ، فقال لجعفر : والله ما شربته قبل اليوم ، فليخفّف عليّ. ثم ضمّخ بالخلوق ، فنادمنا أحسن منادمة ، وسرّي عن جعفر.

فلما أراد الانصراف قال له : أذكر حوائجك ، فإنّني ما أستطيع مقابلة ما كان منك.

قال : في قلب أمير المؤمنين عليّ موجدة فتخرجها؟.

قال : قد رضي عنك أمير المؤمنين.

قال : عليّ أربعة آلاف ألف درهم دينا.

قال : قضي دينك.

قال : وإبراهيم ابني أحبّ أن أزوّجه.

قال : قد زوّجه أمير المؤمنين بالعالية (١) ابنته.

قال : ولو تراه يولّى بلدا.

قال : قد ولّاه أمير المؤمنين إمرة مصر.

فخرج ونحن متعجّبون من إقدام جعفر على هذه الأمور العظيمة من غير استئذان. وركب من الغد إلى الرشيد فدخل ووقفنا. فما كان بأسرع من أن دعي بالقاضي أبي يوسف ، وبمحمد بن الحسن ، وإبراهيم بن عبد الملك بن صالح.

ثم خرج إبراهيم وعليه الخلع ، واللواء بين يديه ، وقد زوّج بالعالية وزفّت اليه ، وحملت الأموال إلى دار عبد الملك.

وخرج جعفر فقال لنا : وقفت بين يدي أمير المؤمنين وعرّفته بأمر عبد الملك وعلمه ، وهو يقول : حسن حسن. ثم قال : فما صنعت معه؟

__________________

= فأرسل الحاجب : أن قد حضر عبد الملك! فقال : أدخله ، وعنده أنه ابن بحران ، فما راعنا إلّا دخول عبد الملك بن صالح ..». (ج ١ / ٣٣٠).

(١) في الأصل ، ووفيات الأعيان هكذا بالعين المهملة. وفي : الفرج بعد الشدّة ، والمستجاد من فعلات الأجواد ، والعقد الفريد (الغالية) (بالغين المعجمة). وفي نهاية الأرب «عائشة» وهو تصحيف.

٢٨

فعرّفته ما كان من قولي ، فاستصوبه وأمضاه.

قال إبراهيم بن المهديّ : فو الله ما أدري أيّهم أعجب عملا :

عبد الملك في شربه النبيذ ، ولباسه ما ليس من لبسه ، وكان صاحب جدّ ووقار.

أو إقدام جعفر بما أقدم به.

أو إمضاء الرشيد لما حكم جعفر به (١).

[ترجمة جعفر عند ابن خلّكان]

قال القاضي ابن خلكان (٢) عن البرمكيّ : قد بلغ جعفر من علوّ المرتبة ما لم يبلغه أحد. حتى أنّ الرشيد اتّخذ ثوبا له زيقان ، فكان يلبس هو وجعفر معا (٣). ولم يكن له عنه صبر (٤).

وكان الرشيد شديد المحبّة لأخته عبّاسة ، وهي أعزّ النساء عليه ، فكان متى غاب أحد منهما لا يتمّ سرور الرشيد فقال : إنّي لا صبر لي عنكما ، وإنّي سأزوّجكها لأجل النظر فقط ، فاحذر أن تخلو بها. فزوّجه بها على هذا الشرط. ثم تغيّر عليه (٥).

واختلفوا في سبب هذا التغيّر ، فقيل إنّ عبّاسة أحبّت جعفرا وراودته فخاف ، وأعيتها الحيلة ، فبعثت إلى أمّ جعفر : أن ابعثي بي إلى ابنك كأنّني

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٣٣٠ ، ٣٣١ ، الفرج بعد الشدّة للتنوخي ١ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥ ، المستجاد من فعلات الأجواد ١٥٣ ـ ١٥٦ ، الكتّاب والوزراء للجهشياريّ ، العقد الفريد ٥ / ٧٢ ، ٧٣ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٢ ، ١٤٣ ، شرح البسّامة بأطواق الحمامة ٢٢٣ ـ ٢٢٦ ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٥٧ ، ١٥٨.

(٢) وفيات الأعيان ١ / ٣٣٢.

(٣) قيل إنّ الرشيد أمر فخيط له قميص ذو جيبين يلبسه هو وجعفر لثقته به. (البدء والتاريخ ٦ / ١٠٤).

(٤) وفيات الأعيان ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٥٩

(٥) قارن برواية الطبري الّتي تقدّمت قبل قليل (٨ / ٢٩٤) ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ومروج الذهب ٣ / ٣٨٤ ـ ٣٨٧ ، والفخري ٢٠٩ ، وخلاصة الذهب ١٤٦ ، والبداية والنهاية ١٠ / ١٨٩.

٢٩

جارية لك تتحفيه بها. وكانت أمّه تتحفه كلّ جمعة بجارية بكر ، فيشرب ثم يفتضّها ، فأبت عليها أم جعفر ، فقالت : لئن لم تفعلي لأقولنّ أنّك خاطبتني بهذا ، ولئن اشتملت من ابنك على ولد ليكوننّ لكم الشرف. فأجابتها ، وجاءتها عبّاسة فأدخلتها متنكّرة على جعفر ، وكان لا يثّبّت صورتها ولا يجسر أن يرفع طرفه إليها من الرشيد قال : فافتضّها ، فلمّا فرغ قالت له : كيف رأيت خديعة بنات الخلفاء؟ قال : ومن أنت؟ قالت : أنا مولاتك.

فطار السّكر من رأسه ، وقام إلى أمّه وقال : بعتني والله ، رخيصا. وعلقت منه العبّاسة ، فلما ولدت وكّلت بالولد خادما (١) ومرضعا (٢) ، ثم بعثت به إلى مكة (٣).

ثم وشت بها زبيدة إلى الرشيد ، فحجّ وكشف عن الأمر وتحقّقه ، فأضمر السوء للبرامكة.

ولأبي نواس يشير إلى ذلك :

ألا قل لأمين الله

وابن القادة الساسة

إذا ما ناكث سرّك

أن تعدمه (٤) رأسه

فلا تقتله بالسيف

وزوّجه بعبّاسه (٥)

وقيل إنّ الرشيد سلّم إليه يحيى بن عبد الله بن حسن كما ذكرنا ، فقال له : اتّق الله فيّ ، ولا تجعل خصمك غدا جدّي. فرقّ له وأطلقه ، وخفره إلى مأمنه (٦).

__________________

(١) اسمه «رياش».

(٢) اسمها «برّة».

(٣) في البدء والتاريخ ٦ / ١٠٥ ولدت له توأمين كأنهما لؤلؤتان!

(٤) كذا في الأصل ، وفي وفيات الأعيان «تفقده».

(٥) وفيات الأعيان ١ / ٣٣٢ ـ ٣٣٤ ، مرآة الجنان ١ / ٤٠٩ ، شرح البسّامة ٢٢٦ ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٦٤.

(٦) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٩ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٦ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٥ ، ١٧٦ ، الفخري في الآداب السلطانية ٢٠٩ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٣٧ ، شرح البسّامة ٢٢٦ ، وفيات

٣٠

وسئل سعيد بن سالم عن جناية البرامكة ، فقال : ما كان منهم بعض ما يوجب ما عمل الرشيد بهم ، ولكن طالت أيامهم وكل طويل مملول (١).

وقيل رفعت ورقة إلى الرشيد فيها :

قل لأمين الله في أرضه

ومن إليه الحلّ والعقد

هذا ابن يحيى قد غدا مالكا

مثلك ما بينكما حدّ

أمرك مردود إلى أمره

وأمره ليس له ردّ

وقد بنى الدار التي ما بنى

الفرس لها مثلا ولا الهند

الدرّ والياقوت حصباؤها

وتربها العنبر والنّدّ

ونحن نخشى أنّه وارث

ملكك إن غيّبك اللحد

ولن يضاهي (٢) العبد أربابه

إلا إذا ما بطر العبد (٣)

فلما قرأها أثّرت فيه ،.

وقيل إن أخت الرشيد قالت له : ما رأيت لك سرورا تامّا منذ قتلت جعفرا ، فلأيّ شيء قتلته؟ قال : لو علمت أنّ قميصي يعلم السبب لمزّقته (٤).

ولم يزل يحيى بن خالد وابنه الفضل وعدّة من الخدم محبوسين وحالهم حسن إلى أن سخط الرشيد على عبد الملك بن صالح ، فعمّهم بسخطة ، وجدّد لهم التّهمة وضيّق عليهم (٥). وبقيت جثّة جعفر معلّقة مدة ، وقطّعت أعضاؤه وعلّقت بأماكن. ثم بعد مدّة أنزلت وأحرقت (٦).

__________________

= الأعيان ١ / ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، مرآة الجنان ١ / ٤١٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٨٩ ، الأغاني ١٨ / ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٥٩ ، ١٦٠.

(١) وفيات الأعيان ١ / ٣٣٥ ، مرآة الجنان ١ / ٤١٠ ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٦٠

(٢) هكذا في الأصل ، وفي وفيات الأعيان «يباهي».

(٣) الأبيات في وفيات الأعيان ١ / ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ومرآة الجنان ١ / ٤١١.

(٤) وفيات الأعيان ١ / ٣٣٦ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٣ مرآة الجنان ١ / ٤١١ ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٦٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٢٢ وفيه قال الرشيد : «لو علمت يميني بالسبب الّذي له فعلت هذا لقطعتها».

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٧.

(٦) قيل إنّ جعفر قطّع ثلاث قطع ، وصلب على جسر بغداد ، ولبغداد يومئذ ثلاثة جسور. (تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٢١) ، وقيل إنّ السنديّ قطّع بدن جعفر قطعتين وصلبه على ثلاثة جسور مع =

٣١

وحبس يحيى وأولاده كلّهم سوى محمد وبنيه (١).

ولأبي العتاهية :

قولا لمن يرتجي الحياة أما

في جعفر عبرة ويحياه

كانا وزيري خليفة الله

هارون هما ما هما وزيراه (٢)

فذاكم جعفر برمّته

في حالق رأسه ونصفاه

والشيخ يحيى الوزير أصبح قد

نحّاه عن نفسه وأقصاه

شتّت بعد التجميع شملهم

فأصبحوا في البلاد قد تاهوا

كذاك من يسخط الإله بما

يرضي به العبد يجزه الله

سبحان من دانت الملوك له

أشهد أن لا إله إلا هو

طوبى لمن تاب قبل (٣) غرّته

فمات قبل الممات طوباه (٤)

* * *

[هياج القيسية واليمانية بالشام]

وفيها هاجت العصبيّة بين القيسية واليمانيّة بالشام ، فوجّه الرشيد محمد بن منصور بن زياد فأصلح بينهم (٥).

* * *

__________________

= رأسه. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ٨٤) ، وانظر : تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٦ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٠٦ ، والبدء والتاريخ ٦ / ١٠٥ ، والكامل في التاريخ ٦ / ١٧٨ ، وتاريخ بغداد ٧ / ١٥٩ و ١٦٠ ، ووفيات الأعيان ١ / ٣٣٧ و ٣٤٥ ، وخلاصة الذهب المسبوك ١٤٧ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ١٤٠ ، والبداية والنهاية ١٠ / ١٩٠ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٦ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ١٢١ و ١٢٣ والوافي بالوفيات ١١ / ١٦١.

وقال المقدسي ان الرشيد أمر بعبّاسة فحطّت في صندوق ودفنت في بئر وهي حيّة ، وأمر بابنيها كأنهما لؤلؤتان فأحضرا فنظر إليهما مليّا وشاور نفسه وبكى ثم رمى بهما البئر وطمّها عليهم. (البدء والتاريخ ٦ / ١٠٥).

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٢١ ، خلاصة الذهب ١٤٨ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٦ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٨.

(٢) في تاريخ الطبري «خليلاه» ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٨.

(٣) عند الطبري «بعد».

(٤) الأبيات في تاريخ الطبري ٨ / ٣٠١ ، ٣٠٢.

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٢ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٣ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٩.

٣٢

[القاسم يغزو الصائفة]

وفيها أغزى الرشيد ولده القاسم الصائفة ، ووهبه الله تعالى ، وولّاه العواصم (١).

[الرشيد يعتقل عبد الملك بن صالح]

وكان لعبد الملك بن صالح ولد وهو عبد الرحمن ، فسعى هو ووزير أبيه (٢) بابنه إلى الرشيد وقال إنه عامل على الخلافة ، فاعتقله الرشيد في مكان مليح و [بالغ] في إكرامه (٣).

فما زال محبوسا حتى توفّي الرشيد فاطلقه الأمين ، وولّاه الشام (٤).

ثم مات قبل الأمين. وكان من أشراف بيته وفصحائهم ونبلائهم.

مرّ الرشيد بمنبج فقال له ، وبها إذ ذاك مقرّ عبد الملك : هذا منزلك؟ قال : هو لك يا أمير المؤمنين ولي بك. قال : كيف هو؟ قال : دون بناء أهلي وفوق منازل منبج. قال : كيف ليلها؟ قال : سحر كلّه (٥).

* * *

[نقفور يتملّك على الروم وينقض صلح المسلمين]

وفيها انتقض الصلح بين المسلمين وبين الروم ، وملّكوا عليهم نقفور. والروم تذكر أنّ نقفور هذا من ولد جفنة الغسّاني ، وأنّه قبل الملك كان يلي

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٢ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٩ ، تاريخ خليفة ٤٥٨ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٨ ، ١٤٩ ، تاريخ حلب ٢٣٥ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٢٥ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ١٢١.

(٢) في تاريخ الطبري «فنصب لأبيه عبد الملك وقمامة فسعيا به إلى الرشيد».

وفي الكامل لابن الأثير «فسعى بأبيه هو وقمامة كاتب أبيه».

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٢ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٣ ، تاريخ حلب ٢٣٥.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٥ البداية والنهاية ١٠ / ١٩٣ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٣ ، أمراء دمشق للصفدي ٥٣ رقم ١٧٢ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٨.

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٧ ، العقد الفريد ٦ / ٢٢٢ ، مروج الذهب ٣ / ٤٠٥.

٣٣

ديوان خراجهم. وكان عقد الهدنة مع الملكة ريني (١). فخلعها الروم وسلطنوا نقفور.

[كتاب نقفور إلى الرشيد والردّ عليه]

ثم ماتت ريني بعد أشهر ، فكتب :

من نقفور ملك الروم ، إلى هارون ملك العرب ، أما بعد فإنّ الملكة التي قبلي كانت أقامتك مقام الرّخ (٢) وأقامت نفسها مقام البيدق (٣) ، فحملت إليك من أموالها أحمالا ، وذلك لضعف النساء وحمقهنّ (٤) ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وافتد نفسك (٥) ، وإلّا فالسيف بيننا وبينك (٦).

قال : فلما قرأ الرشيد الكتاب استشاط غضبا حتى لم يمكن أحد أن ينظر إلى وجهه دون أن يخاطبه ، وتفرّق جلساؤه من الخوف ، واستعجم الرأي على الوزير. فدعا الرشيد بدواة وكتب على ظهر كتابه : «بسم الله الرحمن

__________________

(١) في الأصل «زبني» ، وقد تقدّم التعليق على هذا الاسم في حوادث سنة ١٨٢ ه‍. من هذا الجزء.

(٢) الرّخ : أقوى قطع الشطرنج عند العرب. كالقائد ، وكصاحب الجيش ، وهو فارس كالفرس ، وله فضل رياسة. (أنموذج القتال في نقل العوال ، لابن أبي حجلة التلمساني ٨٠ و ٨٦).

(٣) البيدق : جمعه : البيادق : أضعف قطع الشطرنج. كالرّجّالة تدفع ما بين أيديها ، فإذا صار الرّخّ خلفها واستدبرها أفناها ، كفعل الفرسان في الحرب بالرجّالة. (أنموذج القتال ٨٦) وقد استعمل العرب كلمة «بيدق» للدلالة على الرجل القصير القامة. فوصف ملك الروم الخليفة الرشيد بالرّخّ وهو الطائر الضخم القويّ ، والملكة بالبيدق الرجل القصير الضعيف.

(٤) النص عند الطبري : «فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثالها إليها ، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهنّ».

(٥) عند الطبري زيادة : «بما يقع به المصادرة لك».

(٦) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٥ ، مآثر الإنافة ١ / ١٩٥ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٩ ، ٣١٠ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٩ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٤ ، دول الإسلام ١ / ١١٨ ، ١١٩ ، و ١٥٣ تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٨٨ ، تاريخ مختصر الدول ١٢٩ ، مرآة الجنان ١ / ٤٠٣.

وقد ورد نص الكتاب مختلفا عند أبي الفرج في (الأغاني ١٨ / ٢٣٩) : «من نقفور ملك الروم إلى الرشيد ملك العرب ، أمّا بعد ، فإنّ هذه المرأة كانت وضعتك وأباك وأخاك موضع الملوك ووضعت نفسها موضع السوقة ، وإني واضعك بغير ذلك الموضع ، وعامل على تطرّق بلادك والهجوم على أمصارك ، أو تؤدّي إليّ ما كانت المرأة تؤدّي إليك ، والسلام».

٣٤

الرحيم ، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه لا ما (١) تسمعه» (٢).

[مسير الرشيد إلى هرقلة]

ثم سار ليومه ، فلم يزل حتى نازل مدينة هرقلة ، وكانت غزوة مشهورة وفتحا مبينا. فطلب النقفور الموادعة ، والتزم بخراج يحمله كلّ سنة ، فأجيب. فلما رجع الرشيد إلى الرّقّة نقض الكلب العهد لإياسه من كرّ الرشيد في البرد ، فلم يجسر أحد أن يبلّغ الرشيد نقضه ، بل قال في ذلك عبد الله بن يوسف التّيميّ (٣) :

نقض الّذي أعطيته نقفور

فعليه دائرة البوار تدور (٤)

أبشر أمير المؤمنين فإنّه

غنم أتاك به الإله كبير (٥)

وقال أبو العتاهية أبياتا (٦) ، وعرضت على الرشيد ، فقال : أو قد فعلها؟

فكرّ راجعا في مشقّة شديدة حتى أناخ بفنائه ، فلم يبرح حتى بلغ مراده ، وحاز جهاده ، وفي ذلك يقول أبو العتاهية :

ألا نادت هرقلة بالخراب

من الملك الموفّق للصواب

__________________

(١) عند الطبري وغيره : «ما تراه دون ما تسمعه» ، وهنا مثل الأغاني.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٨ ، العيون والحدائق ٣ / ٣١٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٥ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٩ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٤ ، دول الإسلام ١ / ١١٩ ، مآثر الإنافة ١ / ١٩٥ ، تاريخ الخلفاء ٢٨٨ ، تاريخ مختصر الدول ١٢٩ ، الأغاني ١٨ / ٢٣٩ ، مرآة الجنّان ١ / ٤٠٣.

(٣) يكنى أبا محمد ، ويقال : هو الحجاج بن يوسف التيمي. (الطبري ٨ / ٣٠٨).

(٤) بعد هذا البيت أورد ابن الأثير :

فتح يزيد على الفتوح يؤمّنا

بالنصر فيه لواؤك المنصور

(٥) البيتان من أبيات كثيرة في تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٨ ، ٣٠٩ ونهاية الأرب ٢٢ / ١٥٤ ، ١٥٥ ومروج الذهب ١ / ٣٣٠ ، ٣٣١ ، وأورد ابن الأثير في الكامل (٦ / ١٨٦) ثلاثة أبيات ، وفي العيون والحدائق ٣ / ٣١٠ البيت الأول فقط ، وفيه :

وعليه دائرة المنون تدور

وفي نهاية الأرب ٢٢ / ١٥٠ ثلاثة أبيات مثل الكامل ، وفيه «فتح أتاك» بدل «غنم أتاك» وفي تاريخ الخلفاء ٢٨٩ بيتان.

(٦) انظر الأبيات في : تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٩ ، ٣١٠ ، والأغاني ١٨ / ٢٤٠.

٣٥

غدا هارون يرعد بالمنايا

ويبرق بالمذكّرة القضاب

ورايات يحلّ النّصر فيها

تمرّ كأنّها قطع السحاب (١)

* * *

[الرشيد يأمر بقتل ابن نهيك]

وفيها أمر الرشيد بقتل إبراهيم بن عثمان بن نهيك ، لأنّه بلغه عنه أنّه إذا شرب طلب سيفه وأخذه ويقول : لأقتلنّ الرشيد أو لأقتلنّ قاتل جعفر بن يحيى ، ثم يبكي حزنا على جعفر (٢).

* * *

وحجّ وأقام الموسم عبيد الله بن العبّاس ابن أبي المنصور (٣).

[وقعة المضرية واليمانية بدمشق]

وولي دمشق شعيب بن حازم بن خزيمة (٤) ، فهاجت الأهواء بين المضريّة واليمانية ، وجرت بينهم وقعة مهولة ، ظهرت فيها اليمانية ، وقتل نحو من خمسمائة نفس. ثم عزل شعيب بعد عام بمحمد بن منصور (٥). والله أعلم.

__________________

(١) زاد الطبري بيتا في آخرها (٨ / ٣١٠) ، وكذلك أبو الفرج في (الأغاني ١٨ / ٢٤٢) :

أمير المؤمنين ظفرت فأسلم

وأبشر بالغنيمة والإياب

وانظر الخبر في : العيون والحدائق ٣ / ٣١٠ ، والكامل في التاريخ ٦ / ١٨٦ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧ ، والبداية والنهاية ١٠ / ١٩٤ ، ودول الإسلام ١ / ١١٩ و ١٥٣ ـ ١٥٥ وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٢٥ ، وتاريخ الخلفاء ٢٨٩ وفيه الأبيات الثلاثة ، وتاريخ الزمان لابن العبري ١٦ ، وتاريخ مختصر الدول له ١٢٩ ، ومرآة الجنان ١ / ٤٠٣ ، ٤٠٤ وفيه الأبيات الثلاثة.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٣١٠ ، ٣١١ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٦ ، ١٨٧ ، تاريخ خليفة ٤٥٨ ، تاريخ حلب ٢٣٥ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٣ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٢١.

(٣) تاريخ خليفة ٤٥٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٣٠ وفيه (عبد الله) ، تاريخ الطبري ٨ / ٣١٢ ، مروج الذهب ٤ / ٤٠٣ وفيه (عبد الله) ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٩ وفيه (عبد الله) ، ونهاية الأرب ٢٢ / ١٥٠ ، وتاريخ حلب للعظيميّ ٢٣٥ ، والبداية والنهاية ١٠ ، ١٩٤ (وفيه عبد الله).

(٤) تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ١٧ / ١٦٣ ، أمراء دمشق ٤١ رقم ١٣٣.

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٢ ، الكامل في التاريخ ٢٢ / ١٨٩ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٣ ، ولم يذكر الصفدي اسم (محمد بن منصور) في أمراء دمشق.

٣٦

[سنة ثمان وثمانين ومائة]

فيها توفّي :

إسحاق بن مسوّر المراديّ المصريّ (١) ،

وجرير بن عبد الحميد الضبّيّ ،

والحسن بن الحسن البصريّ ،

ورشدين بن سعد المصريّ ،

وسليم أبو (٢) عيسى المقرئ ،

وعبد الملك بن ميسرة الصدفي (٣) ،

وعبده بن سليمان الكوفيّ ،

وعتّاب بن بشير الحرّاني ، بخلف ،

وعقبة بن خالد السّكونيّ ،

وعمر بن أيّوب الموصليّ ،

وعيسى بن يونس السّبيعيّ ،

ومحمد بن يزيد الواسطيّ ، أو سنة تسعين ومائة ،

ومرحوم بن عبد العزيز العطّار البصريّ ،

ومعروف بن حسّان الضّبّي (٤) ،

ومهران بن أبي عمر الرّازيّ ،

__________________

(١) لم يترجم له.

(٢) في الأصل «بن» والتصحيح مما سيأتي في ترجمته ، وهو : سليم بن عامر الحنفي.

(٣) لم يترجم له.

(٤) لم يترجم له.

٣٧

ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية.

* * *

[غزوة درب الصفصاف]

وفيها غزا المسلمون الصائفة ودخلوا من درب الصفصاف. فبرز نقفور بجموعه ، والتقوا فجرح نقفور ثلاث جراحات وانهزم ، وقتل من الروم مقتلة عظيمة ، فقيل : بلغت القتلى أربعين ألفا ، وقيل : أربعة آلاف وسبعمائة (١).

* * *

وحجّ بالناس الرشيد (٢).

__________________

(١) تاريخ خليفة ٤٥٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٢٣ ، تاريخ الطبري ٨ / ٣١٣ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٥٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٩٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٩ ، ٢٠٠ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٢٦ ، البيان المغرب ١ / ٩٣ ، ٩٤ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٢٥ ، ١٢٦.

(٢) تاريخ خليفة ٤٥٨ ، الأخبار الطوال ٣٩١ المعارف ٣٨١ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٣٠ ، تاريخ الطبري ٨ / ٣١٣ ، مروج الذهب ٣ / ٣٥٣ و ٤ / ٤٠٣ ، تاريخ حلب ٢٣٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٩٠ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٥٠ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٢٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٠٠ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٥٤ ، مختصر التاريخ لابن الكازروني ١٢٧.

٣٨

سنة تسع وثمانين ومائة

فيها توفي :

حكّام بن سلم الرازيّ (١) ،

وأبو خالد الأحمر (٢) ،

وشعيب بن إسحاق الدمشقيّ ،

وعبد الأعلى بن عبد الأعلى (٣) الشاميّ ،

وعلي بن مسهر الكوفيّ ،

وعمر بن أبي خليفة العبديّ ،

ومبشّر بن عبد الله بن رزين النّيسابوريّ ،

ومحمد بن الحسن قاضي القضاة ،

وعلي بن حمزة الكسائيّ ، شيخ القرّاء (٤) ،

وهارون بن المغيرة ،

ويحيى بن يمان العجليّ ،

ويوسف بن خالد السّمتيّ.

* * *

[مسير الرشيد إلى الريّ]

وفيها سار الرشيد إلى الرّيّ بسبب أنّ أهل خراسان كتبوا يشكون

__________________

(١) لم يترجم له.

(٢) هو سليمان بن حيّان.

(٣) في الأصل «الأعلا» في الموضعين.

(٤) من حقّ هذا الاسم أن يأتي في موضعه من حرف العين ، وقد أبقينا على ترتيب المؤلّف.

٣٩

علي بن عيسى بن ماهان وعسفه وظلمه ، ويطلبون عزله. وتحدّث بأنّ ابن ماهان على نيّة الخروج ، فأقام الرشيد بالرّيّ أربعة أشهر حتى وافاه ابن ماهان بالأموال والجواهر والمسك والتّحف والخيل ، ثم أهدى بعد ذلك إلى كبار القوّاد ، ورأى منه الرشيد ما أعجبه وأرضاه ، فردّه إلى إمارة خراسان وركب مشيّعا له (١).

* * *

[فداء أسرى المسلمين]

وفيها كان الفداء حتى لم يبق بممالك الروم في الأسر مسلم (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٣١٤ ـ ٣١٦ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٩١ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٥٠ ، ١٥١ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٢٥ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٠١ ، وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٢٨ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٢٧.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٣١٨ ، التنبيه والإشراف ١٦٠ ، ١٦١ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٩٣ ، البيان المغرب ١ / ٩٤ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٥١ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٢٦ (وفيه سنة ست وثمانين) وهو غلط ، تاريخ الزمان ١٧ ، مرآة الجنان ١ / ٤٢١ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٠١ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٢٧ ، تاريخ الخلفاء ٢٨٩ ، دول الإسلام ١ / ١٢٠.

٤٠