تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ١

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ١

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣١

خبر لا على الثلاثة أو على الاربعة والعشرين فيه هدى خبر لا فهذه مائتان وأربعون ٢٤٠ ، أو نقول ذلك بدل أو عطف بيان والكتاب مبتدء والجملة على الوجهين ولا ريب محذوف الخبر على السّتة وخبر الكتاب فيه هدى وللمتّقين على التّسعة أو على الاربعة والعشرين فيه هدى للمتّقين خبر الكتاب فهذه مائتان وأربعون تجمع مع سابقتها وتضاف الى المجموع فتصير ستّة وثلثين ألفا واربعمائة وواحدا وأربعين ٣٦٤٤١ ، أو نقول آلم محذوف الخبر وذلك مبتدء والكتاب خبره والجملة حال أو مستأنفة ولا ريب محذوف الخبر على الثّلاثة في لفظ لا خبر بعد خبر أو حال عن الم أو عن ذلك أو مستأنفة وفيه خبر بعد خبر أو صفة للريب أو حال عنه أو عن ذلك أو عن آلم وهدى صفة للريب أو حال عنه أو عن ذلك أو عن آلم أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بالاوجه الثّلاثة في حمل المصدر أو تميز وللمتّقين صفة هدى أو صفة ريب أو حال عن الريب أو عن ذلك أو عن الم أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدء محذوف أو ظرف لغو بالوجهين فهذه ثلاثة وعشرون ألفا وسبعمائة وستّون ٢٣٧٦٠ ، أو نقول ذلك مبتدء والكتاب خبره والجملة على الوجهين ولا ريب على الاثنى عشر وجملة فيه هدى على الخمسة وللمتّقين على التسعة أو على الاربعة والعشرين الحاصلة عند تركيب لا ريب جملة فيه هدى للمتّقين على الخمسة وفيه على الاربعة بجعله حالا عن هدى أو ظرفا للخبر أو لهدى أو خبرا مقدّما فهذه الف وخمسمائة وستّون ١٥٦٠ ، أو نقول جملة ذلك الكتاب على الوجهين ولا ريب على الاثنى عشر وفيه خبر لا وهدى خبر بعد خبر للاريب أو لذلك أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف أو صفة ريب أو حال عنه أو عن ذلك أو عن آلم بثلاثة أوجه في المصدر أو تميز وللمتّقين خبر بعد خبر بالوجهين أو خبر مبتدء محذوف أو صفة هدى أو صفة ريب أو حال عن الرّيب أو عن ذلك أو عن آلم أو ظرف لغو متعلّق بهدى أو بفيه فهذه ستّة آلاف ٦٠٠٠ ، أو نقول جملة ذلك الكتاب على الوجهين ولا ريب على الاثنى عشر وفيه صفة ريب أو حال عنه أو عن آلم أو عن ذلك وهدى على الثّلاثة خبر لا وللمتّقين على العشرة فهذه الفان وثمانمائة وثمانون ٢٨٨٠ ، أو نقول على الاربعة والعشرين عند تركيب لا ريب فيه على الاربعة وهدى على التّسعة عشر وللمتّقين خبر لا فهذه الف وثمانمائة واربعة وعشرون ١٨٢٤ أو نقول على الاربعة والعشرين فيه هدى خبر لا وللمتّقين على العشرة أو فيه هدى للمتّقين بالوجوه الاربعة في لفظ فيه خبر لا فهذه ثلاثمائة وستّة وثلاثون ٣٣٦ ، تجمع مع سابقتها وتضاف الى المجموع الحاصل السّابق فتصير اثنين وسبعين ألفا وثمانمائة وواحدا ٧٢٨٠١ ، أو نقول ذلك مبتدء والجملة على الوجهين والكتاب بدل أو عطف بيان ولا ريب محذوف الخبر على الثّلاثة خبر ذلك وفيه على الخمسة وهدى على الاثنين والعشرين وللمتّقين على التّسعة فهذه أحد عشر ألفا وثمانمائة وثمانون ١١٨٨٠ ، أو نقول على الاثنى عشر عند تركيب لا ريب لفظ فيه خبر لا وهدى على الخمسة والعشرين وللمتّقين على العشرة فهذه ثلاثة آلاف ٣٠٠٠ ، أو نقول على الوجوه الاثنى عشر عند لا ريب جملة فيه خبر لا وللمتّقين على العشرة أو جملة فيه هدى للمتّقين بالوجوه الاربعة في لفظ فيه خبر لا فهذه مائة وثمانية وستّون ١٦٨ ، أو نقول على الوجوه الاثنى عشر عند لا ريب لفظ فيه على الاربعة وهدى خبر لا بالثّلاثة وللمتّقين على العشرة فهذه الف واربعمائة وأربعون ١٤٤٠ ، أو نقول على الاثنى عشر عند لا ريب لفظ فيه على الاربعة وهدى على التّسعة عشر وللمتّقين خبر لا فهذه تسعمائة واثنا عشر ٩١٢ ، أو نقول على الاثنى عشر عند لا ريب للمتّقين خبر لا وفيه هدى على الخمسة بإضافة كونها جملة معترضة فهذه ستّون ٦٠ تجمع مع سابقتها وتضاف الى مجموع الحاصل السّابق فتصير تسعين ألفا وتسعمائة وثلاثة وخمسين ٩٠٩٥٣ ، أو نقول ذلك مبتدء والجملة على الوجهين والكتاب بدل أو عطف بيان ولا ريب محذوف الخبر على السّتة وفيه خبر ذلك وهدى على الاثنين والعشرين وللمتّقين على التّسعة فهذه اربعة آلاف وسبعمائة واثنان وخمسون ٤٧٥٢ ، أو نقول

٤١

على الاربعة والعشرين عند تركيب لا ريب محذوف الخبر لفظ فيه على الاربعة وهدى على الثّلاثة خبر ذلك وللمتّقين على التّسعة أو على الاربعة والعشرين فيه خبر لا وهدى على الثلاثة خبر ذلك وللمتّقين على العشرة أو فيه على الاربعة وهدى على الثّلاثة خبر ذلك وللمتّقين خبر لا على ضعف فهذه ثلاثة آلاف وستّمائة ٣٦٠٠ أو نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب محذوف الخبر لفظ فيه على الاربعة وهدى على التّسعة عشر وللمتّقين خبر ذلك أو فيه هدى على الاربعة أو على الاربعة والعشرين للمتّقين خبر ذلك وفيه خبر لا وهدى على الاثنين والعشرين أو على الاربعة والعشرين للمتّقين خبر ذلك وفيه على الاربعة وهدى خبر لا بالثلاثة أو على الاربعة والعشرين للمتّقين خبر ذلك وفيه هدى خبر لا فهذه الفان وسبعمائة وستّون ٢٧٦٠ ، أو نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب محذوف الخبر فيه هدى خبر ذلك وللمتّقين على التّسعة أو للمتّقين خبر لا أو فيه هدى للمتّقين بالوجوه الاربعة في لفظ فيه خبر ذلك فهذه ثلاثمائة وستّة وثلاثون ٣٣٦ تجمع مع سابقتها وتضاف الى مجموع الحاصل السّابق فتصير مائة الف وألفين واربعمائة وواحدا ١٠٢٤٠١ ، أو نقول على تقدير كون آلم محذوف الخبر ذلك مبتدء والكتاب مبتدئان والجملة على الوجهين ولا ريب محذوف الخبر بالثّلاثة خبر المبتدء الثّانى وفيه صفة للريب أو حال منه أو من الكتاب أو من ذلك أو آلم أو خبر بعد خبر لذلك أو للكتاب وهدى خبر بعد خبر بالوجهين أو صفة الرّيب أو حال منه أو من الكتاب أو من ذلك أو من آلم أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بالثلاثة في حمل المصدر أو تميز وللمتّقين صفة لهدى أو لريب أو حال بالوجوه الاربعة أو خبر بعد خبر بالوجهين أو خبر مبتدء محذوف أو ظرف لغو بالوجهين فهذه اثنا عشر ألفا وتسعمائة وستّة وثلاثون ١٢٩٣٦ ، أو نقول على السّتة عند لا ريب لفظ فيه خبر لا وهدى خبر بعد خبر للا ريب أو للكتاب أو لذلك أو صفة لريب أو حال بالوجوه الاربعة أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بالوجوه الثّلاثة في المصدر أو تميز وللمتّقين صفة لهدى أو لريب أو حال بالأربعة أو خبر بعد خبر بالثلاثة أو خبر مبتدء محذوف أو ظرف لغو بالوجهين فهذه الفان ومائتان واثنان وثلاثون ٢٢٣٢ ، أو نقول على السّتة عند لا ريب لفظ فيه على السّبعة وهدى على الثلاثة خبر لا وللمتّقين على الاثنى عشر فهذه الف وخمسمائة واثنا عشر ١٥١٢ ، أو نقول على السّتّة عند لا ريب لفظ فيه على السّبعة وهدى على الأحد والثّلاثين وللمتّقين خبر لا أو على السّتّة عند لا ريب فيه هدى على السّبعة وللمتّقين خبر لا أو فيه هدى للمتّقين بالأربعة في لفظ فيه خبر لا أو فيه هدى خبر لا وللمتّقين على الاثنى عشر فهذه الف واربعمائة وأربعون ١٤٤٠ ، أو نقول ذلك مبتدء والكتاب مبتدئان والجملة على الوجهين ولا ريب محذوف الخبر بالثّلاثة في لفظ لا معترضة أو حال عن الكتاب أو عن ذلك أو عن آلم وفيه خبر الكتاب وهدى صفة ريب أو خبر بعد خبر بالوجهين أو حال بالوجوه الاربعة أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بالثّلاثة في لفظ المصدر أو تميز وللمتّقين صفة بالوجهين أو حال بالأربعة أو خبر بعد خبر بالوجهين أو خبر مبتدء محذوف أو ظرف لغو بالوجهين فهذه سبعة آلاف وثلاثمائة واثنان وتسعون ٧٣٩٢ ، أو نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب لفظ فيه صفة أو حال بالأربعة وهدى بالثلاثة خبر الكتاب وللمتّقين بالأحد عشر فهذه ثلاثة آلاف وتسعمائة وستّون ٣٩٦٠ ، أو نقول على الاربعة والعشرين فيه خبر لا وهدى بالثّلاثة خبر الكتاب وللمتّقين على الأحد عشر فهذه سبعمائة واثنان وتسعون ٧٩٢ ، أو نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب لفظ فيه على الخمسة وهدى صفة أو حال بالأربعة أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بالثّلاثة في لفظ المصدر أو تميز وللمتّقين خبر الكتاب أو على الاربعة والعشرين فيه خبر لا وهدى على الخمسة والعشرين بزيادة كونه خبرا بعد خبر للا ريب على الوجوه السّابقة وللمتّقين خبر الكتاب أو على الاربعة والعشرين فيه هدى خبر لا وللمتّقين خبر الكتاب أو فيه على الخمسة وهدى

٤٢

خبر لا بالثّلاثة أو على الاربعة والعشرين عند لا ريب محذوف الخبر فيه هدى على الخمسة وللمتّقين خبر الكتاب فهذه ثلاثة آلاف وسبعمائة واربعة وأربعون ٣٧٤٤ ، أو نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب محذوف الخبر فيه هدى خبر الكتاب وللمتّقين على الأحد عشر أو فيه هدى للمتّقين بالأربعة في لفظ فيه خبر الكتاب فهذه مائتان واربعة وستّون ٢٦٤ تجمع مع سابقتها وتضاف الى مجموع الحاصل السّابق فتصير مائة وستّة وثلاثين ألفا وستّمائة وثلاثة وسبعين ١٣٦٦٧٣.

وهذه وجوه الوجه الواحد من الوجوه الستّة والتّسعين وإذا ضرب هذه في الستّة والتّسعين تحصل ثلاثة عشر الف الف ومائة وعشرون ألفا وستّمائة وثمانية ١٣١٢٠٦٠٨ ، وعلى الوجوه المندرجة السّابقة فقوله تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يحتمل وجوها عديدة من الاعراب فنقول في بيانها (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) امّا صفة للمتّقين أو بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف فهذه خمسة وممّا رزقناهم ينفقون جملة فعلية معطوفة على الصّلة أو جملة اسميّة معطوفة على الصّلة أو مستأنفة أو حاليّة فهذه اربعة مضروبة في الخمسة والّذين يؤمنون بما انزل إليك عطف على المتّقين أو على الّذين يؤمنون بالغيب وما في (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) موصولة اسميّة أو موصوفة أو مصدريّة وما انزل من قبلك بثلاثة أوجه في لفظ ما معطوفة على ما انزل إليك أو ما انزل من قبلك جملة حاليّة أو مستأنفة ولفظ «ما» نافية أو استفهاميّة فهذه أحد وعشرون مضروبة في الأربعين و «بالآخرة» عطف على ما انزل إليك وجملة هم يوقنون حال أو مستأنفة أو بالآخرة متعلّق بيوقنون والجملة حال أو مستأنفة أو معطوفة على الصّلة فهذه خمسة مضروبة في الثمانمائة والأربعين الحاصلة من ضرب الأحد والعشرين في الأربعين والحاصل من الضّرب اربعة آلاف ومائتان ٤٢٠٠ وعليها فأولئك الاولى بدل أو عطف بيان للّذين الاوّل أو الثّانى وعلى هدى من ربّهم حال مفردا أو جملة مستأنفة بتقدير مبتدء وأولئك الثّانية عطف على أولئك الاولى وهم المفلحون جملة حاليّة أو مستأنفة أو أولئك هم المفلحون جملة معطوفة على على هدى من ربّهم أو حاليّة أو مستأنفة وهم ضمير الفصل أو مبتدء فهذه اربعة وستّون مضروبة في الاربعة الآلاف والمأتين والحاصل من الضرب مائتان وثمانية وستّون ألفا وثمانمائة ٢٦٨٨٠٠ ، أو على الاربعة الآلاف والمأتين أولئك الاولى مبتدء والجملة حال أو مستأنفة وعلى هدى خبره وأولئك الثّانية عطف عليها عطف المفرد وهم المفلحون جملة حاليّة أو مستأنفة أو أولئك هم المفلحون جملة معطوفة على جملة أولئك على هدى أو حال أو مستأنفة والضّمير للفصل أو مبتدئان فهذه ستّة عشر مضروبة في الاربعة الآلاف والمأتين والحاصل من الضّرب سبعة وستّون ألفا ومائتان ٦٧٢٠٠ أو على الاربعة الآلاف والمأتين أولئك الاولى مبتدء والجملة حال أو مستأنفة وعلى هدى من ربّهم حال وأولئك الثّانية عطف عليه وهم المفلحون خبره والضّمير للفصل أو مبتدء ثان فهذه اربعة مضروبة في السّابق والحاصل ستّة عشر ألفا وثمانمائة ١٦٨٠٠ ، أو نقول الّذين يؤمنون بالغيب على الخمسة وممّا رزقناهم ينفقون على الاربعة والّذين الثّانى مبتدء والجملة حال أو مستأنفة وبما انزل إليك وما انزل من قبلك على الأحد والعشرين وبالآخرة هم يوقنون على الخمسة فهذه أيضا اربعة آلاف ومائتان ٤٢٠٠ ، وعليها فأولئك الاولى خبره وعلى هدى خبر بعد خبر أو حال أو مستأنف بتقدير مبتدء وأولئك الثّانية عطف على الاولى عطف المفرد و (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حال أو مستأنفة أو أولئك الثّانية مبتدء والجملة معطوفة على جملة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ) أو على ، على هدى

٤٣

أو حال أو مستأنفة والضّمير على الوجهين فهذه ثلاثون وجها مضروبة والحاصل مائة وستّة وعشرون ألفا ١٢٦٠٠٠ أو على الاربعة الآلاف والمأتين أولئك الاولى بدل أو عطف بيان للّذين الثّانى وعلى هدى خبر الّذين الثّانى وأولئك الثّانى عطف على أولئك الاوّل أو على الّذين الثّانى وهم المفلحون على الوجهين أو أولئك الثّانى مبتدء وهم المفلحون بالوجهين في الضّمير خبره والجملة معطوفة على جملة الّذين يؤمنون بما انزل أو على على هدى أو حال أو مستأنفة فهذه اربعة وعشرون والحاصل من الضرب مائة الف وثمانمائة ١٠٠٨٠٠ ، أو على الاربعة الآلاف والمأتين أولئك الاولى بدل أو عطف بيان وعلى هدى حال أو مستأنف وأولئك الثّانية عطف عليها عطف المفرد و (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) خبر الّذين الثّانى والضّمير بالوجهين فهذه ثمانية مضروبة والحاصل ثلاثة وثلاثون ألفا وستّمائة ٣٣٦٠٠ ، أو على الاربعة الآلاف والمأتين أولئك الاولى مبتدء ثان وعلى هدى خبره والجملة خبر الّذين الثّانى وأولئك الثّانية عطف على الّذين الثّانى أو على أولئك أو على على هدى عطف المفرد و (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بالوجهين أو (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بالوجهين في الضّمير جملة معطوفة على جملة الّذين وخبره أو على جملة (أُولئِكَ عَلى هُدىً) أو على ، على هدى أو حال أو مستأنفة أو أولئك الاولى مبتدءتان وعلى هدى بالوجهين وأولئك الثّانية عطف على أولئك الاولى أو على الّذين الثّانى و (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بالوجهين في الضّمير خبر أولئك الاولى والجملة خبر الّذين الثّانى فهذه اربعة وعشرون مضروبة والحاصل مائة الف وثمانمائة ١٠٠٨٠٠ ، أو نقول الّذين الاوّل مبتدء والجملة حال أو مستأنفة (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) على الاربعة والّذين الثّانى عطف على الاوّل و (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) على الأحد والعشرين (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) على الخمسة فهذه ثمانمائة وأربعون ٨٤٠ وعليها فأولئك الاولى خبره وعلى هدى على الثلاثة وأولئك الثّانية عطف على المتّقين أو على الّذين أو على أولئك الاولى عطف المفرد و (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) على الوجهين أو أولئك الثّانية مبتدء وهم المفلحون بالوجهين في الضّمير خبره والجملة عطف على جملة الّذين وخبره أو على أولئك على هدى أو على على هدى أو حال أو مستأنفة فهذه ثمانية وأربعون مضروبة في الثمانمائة والأربعين والحاصل أربعون ألفا وثلاثمائة وعشرون ٤٠٣٢٠ ، أو على الثمانمائة والأربعين أولئك الاولى بدل أو عطف بيان وعلى هدى خبر الّذين وأولئك الثّانية عطف على الّذين أو على أولئك أو على ، على هدى وهم المفلحون على الوجهين أو أولئك الثّانية مبتدء وهم المفلحون بالوجهين في الضّمير خبره والجملة عطف على جملة الّذين وخبره أو على على هدى أو حال أو مستأنفة فهذه ثمانية وعشرون مضروبة والحاصل ثلاثة وعشرون ألفا وخمسمائة وعشرون ٢٣٥٢٠ ، أو على الثمانمائة والأربعين أولئك الاولى بدل أو عطف بيان وعلى هدى حال أو مستأنف أو (أُولئِكَ عَلى هُدىً) مبتدء وخبر وحال أو مستأنف وأولئك الثّانية عطف على الّذين أو على أولئك الاولى وهم المفلحون بالوجهين في الضّمير خبره فهذه اربعة وعشرون مضروبة والحاصل عشرون ألفا ومائة وستّون ٢٠١٦٠ ، أو نقول الّذين الاوّل مبتدء والجملة حال أو مستأنفة وممّا رزقناهم ينفقون على الاربعة والّذين الثّانى مبتدء والجملة حال أو معترضة وما انزل إليك وما انزل من قبلك على الأحد والعشرين و (بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) على الخمسة فهذه الف وستّمائة وثمانون ١٦٨٠ ، وعليها فأولئك الاولى خبر المبتدء الثّانى وعلى هدى خبر الاوّل وأولئك مفردا عطف على المبتدء الاوّل أو الثّانى أو الخبر الاوّل أو الثّانى وهم المفلحون بالوجهين ، أو (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بالوجهين في الضّمير جملة معطوفة على الجملة الاولى أو الثّانية أو الخبر الاوّل أو الثّانى أو حال أو مستأنفة فهذه ثلاثة وثلاثون ألفا وستّمائة ٣٣٦٠٠ أو على الالف والسّتمائة والثّمانين أولئك الاولى بدل أو عطف بيان للّذين الثّانى وعلى هدى خبر الّذين الثّانى وأولئك الثّانى عطف على الّذين الاوّل أو الثّانى أو على أولئك الاولى

٤٤

أو على على هدى وهم المفلحون بالوجهين في الضّمير خبر الاوّل فهذه ستّة وعشرون ألفا وثمانمائة وثمانون ٢٦٨٨٠ ، أو على الالف والسّتمائة والثّمانين أولئك مبتدءتان وعلى هدى خبره والجملة خبر الّذين الثّانى وأولئك الثّانية عطف على الّذين الاوّل أو الثّانى أو على جملة أولئك على هدى أو على على هدى أو على أولئك نفسه وهم المفلحون بالوجهين في الضّمير خبر الّذين الاوّل فهذه ستّة عشر ألفا وثمانمائة ١٦٨٠٠ ، وإذا جمعت المجموعات الحاصلات حصل ثمانمائة وخمسة وسبعون ألفا ومائتان وثمانون ٨٧٥٢٨٠ ، ويجرى كلّ في مجموع الوجوه المحتملة في آلم الى قوله للمتّقين وهي ثلاثة عشر الف الف ومائة وعشرون ألفا وستّمائة وثمانية ١٣١٢٠٦٠٨ ، وإذا ضرب ذلك المجموع في هذا المجموع يحصل أحد عشر الف الف الف الف واربعمائة واربعة وثمانون الف الف الف ومائتان وخمسة آلاف الف وسبعمائة وسبعون ألفا ومائتان وأربعون وهذه ارقامه ، ١١٤٨٤٢٠٥٧٧٠٢٤٠.

وهذه هي الوجوه الشّائعة الّتى لا شذوذ لها ولا ندور ولا غلق فيها ، وامّا الوجوه الضّعيفة الّتى فيها امّا ضعف بحسب المعنى أو غلق بحسب اللّفظ أو يورث التباسا في المعنى وقد رأيت بعض من تعرّض لوجوه الاعراب ذكر أكثرها وترك أكثر هذه الوجوه القويّة الشّائعة فهي أيضا كثيرة تركناها وكذا تركنا الوجوه الّتى فيها شوب تكرار مثل كون الأحوال مترادفة ومتداخلة وقد ذكرنا هذه الوجوه في الآية الشّريفة مع التزامنا في هذا التّفسير الاختصار وعدم التّعرض لتصريف الكلمات ووجوه الاعراب والقراءات تنبيها على سعة وجوه القرآن بحسب اللّفظ ، الدّالة على سعة وجوه بحسب المعنى الّتى تدلّ على سعة بطون القرآن وتأويله ، وبعد ما عرفت انّ الإنسان حين الانسلاخ من هذا البنيان يشاهد أو يتحقّق بمراتب العالم الّتى هي بوجه حقائق القرآن وبوجه مراتب الإنسان ، ويظهر من تلك الحقائق بحكم اتّباع الدّانى للعالي واقتضائه من حظوظ العالي وافاضة العالي على الدّانى واجابته لاقتضاء الدّانى واستدعائه على بشريّته ومداركها اجمالا أو تفصيلا صور مناسبة لتلك الحقائق وتلك المدارك وكلمات وحروف كذلك منقوشة على ألواح أو مسموعة مدركة بالة السّمع أو البصر الخياليّتين أو الجسمانيّتين وانّ آلم وكذا ساير فواتح السّور اشارة الى تلك الحقائق ولا يمكن التعبير عمّا يشار بها اليه الّا بالأمثال ، وما ورد في تفسيرها ليس الّا أمثالا مناسبة لتلك الحقائق موافقة لشاكلة المخاطب سهل عليك معرفة انّ :

تحقيق كون جميع الكتب المدوّنة حقّه وباطله صور الكتاب الحقيقىّ الّذى هو حقيقة القرآن

قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ) اشارة الى تلك الحقائق وانّ الإتيان باسم الاشارة البعيدة لعظمة تلك الحقائق وبعدها غاية البعد عن ادراك الأبصار والبصائر وانّ الحصر المستفاد من تعريف المسند على تقدير كون ذلك الكتاب مبتدء وخبرا انّما هو باعتبار انّ تلك الحقائق حقيقة الكتاب الّذى كتبه الرّحمن بالأقلام الالهيّة على الألواح السّماويّة أو الأرضيّة العينيّة وانّ سائر الكتب المدوّنة الالهيّة أو غير الالهيّة صور شؤن ذلك الكتاب ونازلته لكنّ الكتب الحقّة المدوّنة في العلوم الشّائعة الشّرعيّة وغير الشّرعيّة وفي العلوم الغير الشّائعة من العلوم الغريبة بأنواعها صور شؤن تلك الحقائق الّتى تترائى في المرآة المستقيمة الصّافيه والكتب الغير الحقّة المدوّنة في العلوم الباطلة الشيطانيّة بأنواعها وفنونها شؤنها المتراءاة في المرايا المعوّجة الكدرة الّتى لا تترائى الصّور فيها الّا بخلاف ما هي عليه وتفسير ذلك الكتاب بالقرآن كما ورد عن الامام (ع) انّه قال يعنى القرآن الّذى افتتح بالم هو ذلك الكتاب الّذى أخبرت به موسى (ع) ومن بعده من الأنبياء (ع)

٤٥

وهم أخبروا بنى إسرائيل انّى سأنزله عليك يا محمّد (ص) باعتبار انّ القرآن هو الكتاب الجامع لصور جميع شؤن تلك الحقائق ، وهذا الخبر يدلّ على جعل ذلك الكتاب خبرا لآلم وقد سبق ، أو خبرا لمحذوف ولم نذكره في الوجوه السّابقة ؛ وتفسيره بمحمّد (ص) أو عليّ (ع) باعتبار انّهما متحقّقان بتلك الحقائق ، وتفسيره بالرّسالة أو النبوّة أو الولاية باعتبار ظهور تلك الحقائق بجميع شؤنها أو ببعضها فيها وكذلك تفسيره بالصّدر والقلب والرّوح من حيث انتقاشها بصور تلك الحقائق ، وما ورد من تفسيره بكتاب عليّ (ع) يمكن ان يراد به مكتوب كتبه علىّ (ع) بعلويّته فانّ جملة ما سوى الله مكتوب علويّة علىّ (ع) ، وان يراد به كتاب نزل من الله على محمّد (ص) في عليّ (ع) وخلافته ، وان يراد كتاب هو علىّ (ع) على ان يكون الاضافة بيانيّة. وروى عن الصّادق (ع) انّ الكتاب علىّ (ع) لا شكّ فيه.

تحقيق الكتاب ومصاديقه

ولفظ الكتاب مصدر يطلق على ما من شأنه ان ينطبع بنفسه كالصّور المنطبعة في الموادّ أو بصورته كالألفاظ المنطبعة بصورها الكتبيّة في شيء آخر وعلى الصّورة المنطبعة وعلى ما يرتسم فيه الصّور باعتبار ارتسام الصّور فيه فالالفاظ الموضوعة لارتسام صورها في الصّحائف والصّور المكتوبة والصّحائف المرتسمة فيها الصّور تسمّى كتابا ، والصّور الطبيعيّة والموادّ المنطبعة فيها الصّور تسمّى أيضا كتابا ، والنّفوس الحيوانيّة والنّفوس الانسانيّة والفلكيّة ومحالّها كتاب ، والنّفوس المتعلّقة بالأجساد المثاليّة والأجساد المثاليّة كتاب ، والصّور العلميّة الحاصلة في النّفوس السّفليّة أو العلويّة ونفس تلك النّفوس من حيث حصول العلوم فيها كتاب ، والرّذائل والخصائل الحاصلة في النّفوس ؛ ونفس تلك النّفوس من حيث حصول الأخلاق فيها كتاب ، والعلوم الفائضة على العقول والعقول كتاب ، والأسماء الالهيّة ولوازمها الظّاهرة في مقام الواحديّة والفيض المنبسط الّذى هو محلّ ظهور الأسماء والصّفات كتاب ، والتعيّنات الامكانيّة والوجودات المتعيّنة بتلك التعيّنات كتاب ، كما قيل بالفارسيّة :

بنزد آنكه جانش در تجلّى است

همه عالم كتاب حق تعالى است

وقد كثر اطلاق الكتاب في الآيات والاخبار على مراتب وجود العالم ، وعلى بنى آدم ، وعلى الصّدر المستنير بنور الرّسالة ، وعلى أحكام الرّسالة ، وعلى القلب المستنير بنور النّبوّة ، وعلى احكام النّبوّة ، وعلى الرّوح المستنير بنور الولاية ، وعلى آثار الولاية.

تحقيق معنى الكلام

والكلام مصدر لم يستعمل فعله لانّ كلم مجرّدا لم يستعمل في معنى التكلّم بل استعمل من باب قتل وضرب بمعنى جرح والمستعمل بمعنى التّكلّم كلّم من باب التّفعيل وتكلّم من باب التفعّل وكالم من المفاعلة وتكالم من التفاعل ، وقيل هو اسم مصدر بمعنى التّكلّم لكنّه في العرف العامّ صار اسما للحاصل بالتّكلّم وفي عرف النحاة صار اسما للمركّب المفيد من الكلمات.

الفرق بين الكتاب والكلام

والفرق بين الكتاب والكلام بالنّسبة الى ما صدر من المبادئ العالية اعتبارىّ محض فانّ الفيض المقدّس المسمّى بفعل الحقّ تعالى وإضافته الاشراقيّة ونفس الرّحمن ومشيّته باعتبار ظهور الصّفات والأسماء ولوازم الأسماء به إذا لو حظ نسبته الى الحقّ الاوّل تعالى وقيامه به قيام الفعل بالفاعل كان كلاما ومتكلّميّة له تعالى ، وإذا لو حظ شيئيّته في نفسه ومغايرته له تعالى وبينونته منه كان كتابا له تعالى ، وهكذا الحال في العقول والنّفوس وعالم المثال وعالم الطّبع فانّها بالنّسبة اليه تعالى كلام وكتاب بتوسط المشيّة الّتى هي من الله كنفس الإنسان من الإنسان ، ومن مراتب الممكنات كنفس الإنسان من مخارج الحروف ولذا سميّت بنفس الرّحمن ، وكلّ مرتبة من مراتب الوجود بالنّسبة

٤٦

سورة البقرة

الى عاليها كلام وكتاب بالاعتبارين ، والإنسان بمراتبه العاليّة نظير المراتب العاليّة للعالم ، وامّا بمقامه البشرىّ فنفسه المتكيّف بكيفيّة الحروف بتوسط تقطيعه بمخارج الحروف بسبب عدم ظهور استقلاله ونفسيّته كلاميّته ظاهرة وكتابيّته خفيّته ، ومكتوبه لظهور بينونته واستقلاله كتابيّته ظاهرة وكلاميّته خفيّة ، ونظير هذين عالم الأرواح وعالم الطّبع بالنّسبة الى الله تعالى لاختفاء البينونة هناك وظهورها هاهنا.

(لا رَيْبَ فِيهِ) لا لنفى الجنس أو لنفى الفرد الشّائع على اختلاف القراءتين والرّيب والرّيبة القلق والاضطراب في النّفس عن الانقياد لأمر معلوم أو مظنون أو مشكوك وتبادر معنى الشكّ واستعماله فيه لكونه في الأغلب مع الشّكّ ، ولانّه إذا كان مع العلم والظّن يستعقب الشّكّ كما ورد : لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا ، والمراد منه هاهنا معناه الحقيقىّ ، أو الشكّ والضّمير المجرور راجع الى الكتاب أو الى آلم.

اعلم انّ الكتاب هنا كما مرّت الاشارة اليه عبارة عن الحقائق المشهودة له (ص) حين الانسلاخ عن البشريّة والاتّصال بالعوالم العالية المشار إليها بالم أو المأخوذ منها آلم وتفسيره بالقرآن المفتتح بالم أو بعلىّ (ع) أو بما نزل في علىّ (ع) يعنى بالولاية وآثارها أو بالنّبوّة أو الرّسالة وأحكامهما لكون المذكورات نازلة تلك الحقائق وظهورها.

تحقيق انّ الإنسان ما لم يخرج من أسر نفسه لا يدرك من القرآن الّا اللّفظ والعبارة

والإنسان ما لم يخرج من أسر نفسه وهواها ولم يبلغ حدّ التّسليم والاستماع الّذى هو اولى درجات العلم بوجه ، وثانيتها بوجه ، أو حدّ التّحقيق والغنى عن التّقليد مشار إليهما بقوله تعالى (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) لا يمكن له ادراك تلك الحقائق ولا ادراك نازلتها وظهورها فلا يمكن له ادراك القرآن ولا النّبوّات والرّسالات والولايات من حيث انّها ظهور تلك الحقائق ونازلتها ، بل لا يدرك من القرآن الّا الصوت والعبارة أو النّقش والكتابة ولا يتصوّر من معانيه الّا ما هو الموافق لشأنه المناسب لمقامه لا ما هو العناوين الالهيّة للحقائق العالية كما قال تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) ولا يدرك من خلفاء الله الّا مقامهم البشرىّ ولا من دعاويهم الّا ما هو الموافق لادراكاته الشيطانيّة وشؤنها البهيميّة والسبعيّة لا مقاماتهم العاليّة وأخلاقهم الملكوتيّة وأوصافهم الالهيّة ولهذا نسبوا الأنبياء الى ما نسبوهم فاللّفظ المسموع من القرآن والنّقش المبصر منه ان كان لفظ القرآن ونقشه بان لا يكون المتكلّم بالقرآن متكلّما بلسانه ولم يكن الكاتب كاتبا بيده فالشّيطان يخلّيهما من معانيهما ويجعل فيهما معاني أخر موافقة له حين السّماع والأبصار ؛ وهذا أحد وجوه تحريف الكلم عن مواضعه ، وهؤلاء هم الّذين يقال فيهم : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) ويسمعونه ويبصرونه بأيديهم وأسماعهم وأبصارهم فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وسمعت آذانهم وأبصرت عيونهم و (وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) والشّكّ والارتياب من جنود الجهل والنّفس ، والعلم والانقياد من جنود العقل والقلب ، إذا تمهّد هذا فنقول : من لم يخرج من أسر نفسه لا يدرك الكتاب في مرتبة من مراتبه ، ومن خرج من أسر نفسه لا يقع منه شكّ وارتياب فيما أدرك من الكتاب ، فالشّاكّون في الكتاب شكّهم راجع الى مدركاتهم لا الى الكتاب ، فما وقع فيه الشّكّ غير الكتاب ، وما هو الكتاب لا يقع فيه شكّ وريبة ، فصحّ نفى جنس الرّيب أو جميع افراده من الكتاب من غير حاجة الى ارتكاب تضمين أو تقدير أو تقييد بمعنى لا ينبغي الرّيب بتضمين الابتغاء أو تقديره ، أو لا ريب للعاقل بالتّقدير ، أو للمتّقين بتقييده بالظّرف.

٤٧

تحقيق معنى الهداية

(هُدىً) الهدى كالتّقى مصدر بمعنى اراءة الطّريق مصاحبة للايصال اليه أو الى المقصود ، أو غير مصاحبة سواء عدّى الى المفعول الثّانى بنفسه أو باللّام أو بلفظ الى ، وسواء كانت الهداية من الله أو من الخلق ، وسواء تعلّقت بنفس الطّريق أو بالمقصود ، وامّا الهداية من الله إذا تعلّقت بشيء اىّ شيء كان مطلقة عن المهدىّ اليه فالمراد هدايته الى طريق كماله المطلوب منه ، والكمال المطلوب من الإنسان هو حصول الولاية المطلقة ثمّ النّبوّة المطلقة ثمّ الرّسالة المطلقة ، وطريقه الى هذا الكمال هو طريقه من نفسه الانسانيّة الّتى يعبّر عنها بالصّدر منشرحا بالكفر أو بالإسلام ، أو غير منشرح بشيء منهما الى قلبه ومنه الى روحه وهكذا الى الولاية المطلقة ، ولمّا كان هذا الطّريق مختفيا عن الأبصار مسدودا بالتّعيّنات النّفسيّة وكان المرور عليه اختياريّا والإنسان في بيداء النّفس ضالا في بدو حاله ظانّا انّ الكمال المطلوب منه هو الوصول الى المشتهيات النّفسيّة واستكمال القوى الحيوانيّة والشّيطانيّة مبغضا لما سوى مظنونه اقتضت الحكمة البالغة الالهيّة والرّحمة التّامّة الرّبوبيّة ان يبعث الى النّوع من ينبّههم عن ضلالهم ، وانّ ما وراء مظنونهم هو الكمال المطلوب منهم ، وانّ ما ظنّوه كمالا سموم مهلكة وشبّاك الشّيطان ، وانّ في الوادي سباعا مترصّدة ضلالهم مغتنمة ضياعهم ، ويحذّرهم عن الوقوف فيه وعن ترصّد السّباع لهم وعن حبائل الشّيطان حتّى يتنبّهوا ويأخذوا حذرهم ويتأهبّوا للخروج منه ويطلبوا الطّريق ومن يدلّهم عليه ؛ حتّى يبعث بعد ذلك عليهم من يرفع موانعهم بالرّفق ويريهم طريق كمالاتهم ويذهب بهم الى غاياتهم ، وتلك الاراءة وهذا الاذهاب تسمّى هداية ، والرّسول وخليفته لمّا كان كلّ منهما ذا شأنين شأن الرّسالة وبه يقع التّنبيه والإنذار المذكوران ، وشأن الولاية وبه يقع الاذهاب والاراءة المزبوران كان كلّ منهما بوجه منذرا وبوجه هاديا ، وحصر شأن الرّسول في الإنذار في قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ؛) مع انّه امام في الكلّ للاشارة الى شأن الرّسالة وانّ المخاطب هو الرّسول بما هو رسول لا بما هو ولىّ أو نبىّ ، والّا فهو بولايته صاحب الهداية المطلقة وكلّ الهادين مقتبسون منه ، وبنبوّته صاحب الشأنين فالرّسول بما هو رسول منذر والولىّ بما هو ولّى هاد ، والنّبيّ صاحب الشأنين والهداية من الله لا تتعلّق الّا بمن أنذر واتّقى فاذا أخذ هدى هاهنا مطلقا بحسب اللّفظ أو مقيّدا بقوله للمتّقين كان المقصود واحدا.

تحقيق معنى التقوى ومراتبها

والتّقوى والتّقى والتّقاة مصادر من الوقاية وإذا نسبت الى الله أو الى سخطه أو الى المحرّمات أو أطلقت فالمراد منها التّحفّظ عمّا ينافي أو يضرّ حصول الكمالات أو الكمالات الحاصلة الانسانيّة ؛ ولها مراتب عديدة بعضها قبل الإسلام ، وبعضها بعد الإسلام وقبل الايمان ، وبعضها بعد الايمان بمراتبها الى الفناء التامّ الذّاتىّ ، فاولى مراتبها الانزجار عن مساوي النّفس ودواعيها المنافية للعاقلة وهي مقام الاستغفار ، وثانيتها الانصراف عنها وطلب الخلاص منها بالفرار وهي مقام التّوبة ، وثالثتها الرّجوع في الفرار الى خلفاء الله ووسائله بينه وبين خلقه وهي مقام الانابة ؛ وهذه الثّلاثة مقدّمة على الإسلام وإليها أشار تعالى بقوله حكاية عن قول بعض أنبيائه مع أممهم : (يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ :) وتقييد التّوبة بقوله «اليه» اشارة الى المرتبة الثالثة ، وإذا أسلم الإنسان على يد نبىّ (ص) أو خليفته (ع) وقبل منه احكامه القالبيّة من أوامره ونواهيه حصل له مرتبة رابعة من التّقوى الّتى هي التّحفّظ عن مخالفة قوله بامتثال أوامره ونواهيه ، والخامسة الانزجار عن الوقوف على ظاهر الأوامر وطلب بواطنها وروحها وطلب من يدلّه على بواطنها ، وهاتان بعد الإسلام وقبل الايمان ؛ وهذه التّقوى هي تقوى العوامّ وتنقسم بوجه الى تقوى العوامّ من الحرام ، وتقوى الخواصّ من الشبهات ، وتقوى الاخصّ من المباح ، وإذا وجدي الطالب

٤٨

من يدلّه على روح الأعمال وتاب على يده توبة خاصّة وآمن بالبيعة الخاصّة الولويّة واستبصر بباطنه وبرذائله وخصائله حصل له مرتبة أخرى من التّقوى وهي التّحفّظ من الرّذائل باستكمال الخصائل ، وإذا تطهرّ قلبه من الرّذائل وتحلّى بالخصائل تمثّل امامه ودخل بيت قلبه وحينئذ يشاهد في وجوده فاعلا الهيّا وفاعلا شيطانيّا فيظنّ انّ في الوجود الهين فيقع في ورطة الإشراك والثّنويّة ويرى وجودا لنفسه ووجودا لشيخه داخلا في مملكته فيظنّ انّه حالّ في وجوده فيقع في ورطة الحلول ، أو يرى وجودا واحدا هو ذاته وامامه فيقع في ورطة الاتّحاد ، وان ساعده التّوفيق واتّقى نسبة الأفعال الى الشّيطان ورأى الفعل مطلقا من الرّحمن في المظهر الإلهيّ أو الشّيطانىّ وحصّل ووجد معنى لا حول ولا قوّة الّا بالله والتذّ به حصل له مرتبة أخرى من التّقوى هي التحفّظ من نسبة الأفعال الى غير الله والخروج من الإشراك الفعليّ الى التّوحيد الفعلىّ ، وإذا تفطّن بانّ الأوصاف الوجوديّة كالافعال نسبتها الى الله بالصّدور والوجوب والى غيره تعالى بالظّهور والقبول ؛ وانّ الكلّ مظاهر أوصاف الله وحصّل ووجد معنى الحمد لله والتّذ به حصل له مرتبة أخرى من التّقوى هي التحفّظ عن رؤية نسبة الأوصاف الى غيره تعالى.

بيان سرّ ظهور بعض الشطحيّات من السّلاك

وفي هذه المرتبة قد يتجلّى الله على المؤمن بصفة الواحديّة فلا يرى لشيء ذاتا ولا صفة مع بقاء انانيّة ما لنفسه فيقع في ورطة الوحدة الممنوعة ، ويظنّ انّ الوجود واحد والموجود واحد وبعد الافاقة يعتقد ذلك ويتفوّه به ويقع في الاباحة والإلحاد لو لم يكن له شيخ أو لم يرجع الى شيخة ولا يعدّ الرّسل وشرائعهم حينئذ في شيء بل يستهزئ بهم وبها ، وقد يتجلّى بصفة الصّمديّة عليه فيظهر الانانيّة منه والاستغناء من كلّ شيء حتّى من الله وهكذا ، ففي هذه المرتبة من التّقوى والمرتبة السّابقة ورطات مهلكة وعقبات موبقة ان لم يكن المؤمن في تربية شيخ أو لم يرجع اليه واستغنى منه أعاذنا الله وجميع المؤمنين منها وفي هاتين المرتبتين يظهر جميع ما يظهر من السّلاك من الشّطحيّات الممنوعة ؛ وأكثر الغالين نشأ غلوّهم من هاتين المرتبتين ، وأكثر المتشيّخة المغرورين من هاتين استدرجوا وهلكوا من حيث ظنّوا انّهم وصلوا واستغنوا عن الشيخ المكمّل والحال انّهم في هذه الأحوال أشدّ احتياجا منهم الى الشيخ في غير هذه الأحوال ، وبالجملة مهالك مراتب التّوحيد الفعليّ والوصفىّ الى الخروج الى التّوحيد الذّاتىّ أكثر من ان يحيط بها البيان أو يحصيها تحرير الأقلام ، وإذا تفطّن بأنّ المتحقّق بالذّات هو الحقّ الاوّل تعالى شأنه وانّ سائر مراتب الوجود اعتبارات محضّة وتعيّنات اعتباريّة ناشئة من مراتب سعة تلك الحقيقة وانقلب بصره فلا يرى في دار الوجود الّا الوجود الحقّ المنزّه عن كلّ تعيّن واعتبار وحصّل ووجد معنى لا اله الّا الله بل معنى لا هو الّا هو ، والتّذ به حصل له مرتبة أخرى من التّقوى وهي آخر مراتب التّقوى فانّه لا يبقى للسّالك بعد هذه عين ولا اثر حتّى يتصوّر له فعل ووصف وتقوى ، فان أدركته العناية الالهيّة بموهبة البقاء بعد الفناء والصّحو بعد المحو وشهود الحقّ في الخلق والتشبّه بالرّحمن بإعطاء الله له فضيلة الإحسان لتكميل العباد وتكثير جنوده عوضا لما أقرض الله من الجنود والأعوان في جهاد الأعداء في سبيله تمّ له السّلوك وصار نبيّا أو خليفته ، ولمّا لم يكن مراتب التّقوى الّتى قبل الإسلام من مراتب حقيقة التّقوى لانّ الإنسان ما لم يدخل في دين الإسلام ولم يتعلّم ما يضرّه في تحصيل كماله من عالم وقته لا يدرى اىّ شيء يضرّه حتّى يتّقى منه ، ولمّا كان المراتب الباقيّة منقسمة الى ثلاثة أقسام ؛ التّقوى الّتى بعد الإسلام وقبل الايمان ، والّتى بعد الايمان وقبل التّقوى عن نسبة الصّفات الى غير الله تعالى ، والتّقوى عن رؤية صفة وذات غيره تعالى أسقط التّقوى الّتى قبل الإسلام وذكر الأقسام الثلاثة الباقية في قوله تعالى :

٤٩

تحقيق قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)

ليس على الّذين آمنوا اى أسلموا فانّ المراد بالايمان هنا الايمان العامّ الّذى هو الإسلام كما سيجيء تحقيقه وتفصيله ، ولم يقل ليس على الّذين اتّقوا وآمنوا للاشارة الى انّ الّتى قبل هذا الايمان ليست من التّقوى وعملوا الصالحات والمراد بعمل الصالحات العمل بالاحكام الشّرعيّة القالبيّة جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا اى اتّقوا بالتّقوى الّتى بعد الإسلام وقبل الايمان وآمنوا بالايمان الخاصّ الّذي يحصل بالبيعة الخاصّة الولويّة ويدخل به بذر الايمان في القلب وبه يتمسّك بالعروة الوثقى الّتى هي حبل من النّاس مضافا الى التّمسّك بالعروة التّكوينيّة الّتى هي حبل من الله وعملوا الصالحات الّتى هي أعمالهم القلبيّة مضافة الى أعمالهم القالبيّة ثم اتّقوا بمراتب التّقوى الّتى بعد الايمان وقبل التّقوى عن نسبة الصّفات الى غير الله وآمنوا شهودا اى أيقنوا عين اليقين بانّ الأفعال كلّها منه جارية على مظاهره اللّطفية والقهريّة ولم يقل وعملوا الصّالحات لما ذكر من انّ هذه التقوى تطهير عن الرّذائل وتحفّظ عن نسبة الأفعال الى غير الله فلا يرون فعلا لأنفسهم حتّى ينسب الأعمال إليهم لكن بقي بعد نسبة الصّفات الى الذّوات الامكانيّة ونفس الذّوات الامكانيّة في انظارهم ثم اتّقوا عن نسبة الصّفات الى غيره تعالى وعن رؤية الذّوات الامكانيّة في جنب ذاته حتّى عن رؤية ذواتهم وعن رؤية اتّقائهم ويعبّر عن الاتّقاء عن رؤية التّقوى بفناء الفناء فلا يبقى حينئذ عنهم فعل ولا صفة ولا ذات فلا يبقى ايمان ولا عمل لهم ولذا لم يأت بهما بعد هذه التّقوى وقال أحسنوا اشارة الى البقاء بعد الفناء فانّ الباقي بعد الفناء فعله على الإطلاق إحسان لا غير ، وفي الخبر : المتّقون شيعتنا ؛ والمراد بالتّقوى في الخبر التّقوى عمّا يخرج من الطّريق الانسانىّ أو ينافي السّلوك عليه ، وغير المؤمن بالايمان الخاصّ لمّا لم يكن على الطّريق لا يتصوّر له تقوى بهذا المعنى ولمّا لم يكن لغير الشيعة بهذا المعنى تقوى صح حصر المتّقى في الشّيعة. ونعم ما قيل :

هر چه گيرد علّتى علّت شود

كفر گيرد ملّتى ملّت شود

تحقيق الايمان ومراتبه

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) الايمان لغة التّصديق والإذعان وإعطاء الامان وإنفاذ الامان وجعله آمنا من الخوف والايتمان ، وشرعا يطلق على البيعة الاسلاميّة وقبول الدّعوة الظاهرة وعلى ما بعد التّوبة من أجزاء البيعة وعلى الحالة الحاصلة بالبيعة العامّة من كون البائع مقرّا بالأصول الاسلاميّة قابلا للفروع وعلى الحالة الشبيهة بالحالة الحاصلة بالبيعة الاسلاميّة من كون الإنسان مقرّا وقابلا كالبائع حين عدم الوصول الى البيعة ، ويطلق على ارادة البيعة والاشراف عليها وهذه بعينها معاني الإسلام الّذى هو مقابل الايمان الحقيقىّ ومقدّمته ، ويطلق على البيعة الخاصّة الايمانيّة وقبول الدّعوة الباطنة ، وعلى ما بعد التوبة من أجزاء البيعة وعلى الحالة الحاصلة بالبيعة الخاصّة الولويّة من كون البائع مقرّا بالتّوحيد والرّسالة والولاية وقابلا للاحكام القلبيّة مضافة الى الأحكام القالبيّة ، وعلى الحالة الشبيهة بالحالة المزبورة من الإقرار والقبول المذكورين من دون بيعة حين عدم الوصول الى البيعة ، ويشبه ان يكون إطلاقه على معاني الإسلام مجازا لسلبه عنها في قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) ؛ من حيث انّهم بايعوا البيعة العامّة الاسلاميّة قل لهم يا محمّد لم تؤمنوا حتّى تنبّههم على انّ الايمان امر آخر يقتضي بيعة أخرى فلم يقفوا على ظاهر الإسلام وحتّى يطلبوا ويجدوا من يدلّهم على الايمان (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) لانّ البيعة العامّة والإقرار بالأصول الاسلاميّة وقبول الأحكام القالبيّة ان كانت

٥٠

موافقة لما في القلب كانت إسلاما وان لم تكن موافقة للقلب لم تكن إسلاما أيضا ولذا قال (قُولُوا أَسْلَمْنا) ولم يقل ولكن أسلمتم ، (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ) اى البذر الّذى يدخل بسبب البيعة الايمانيّة في القلوب في قلوبكم وما لم يدخل في قلب الإنسان بذر الايمان الّذى بسببه يصدق اسم الايمان وان لم يكن الموصوف باسم الايمان متّصفا بحقيقته الّتى هي شأن من حقيقة الإنسان لم يصدق عليه أنّه مؤمن ، وان تطيعوا الله ورسوله بالوفاء بالعهد الّذى أخذه رسوله (ص) في البيعة الاسلاميّة وامتثال أوامره ونواهيه بظاهرهما لا يلتكم من أعمالكم شيئا وهذا يدلّ على كفاية البيعة العامّة في النّجاة ان كان البائع صادقا في بيعته ، وعلى انّ من مات في زمان الرّسول على البيعة العامّة كان مغفورا لا محالة ، وفي قوله تعالى (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) تصريح بانّ المسمّى بالإسلام غير الايمان وانّ الإسلام مقدّمة للايمان وبه يرى طريق الايمان وفي الاخبار تصريحات بمغايرة الإسلام للايمان وانّ الإسلام قبل الايمان وانّ الثواب على الايمان ، والإسلام لا يفيد الّا حفظ الدّماء وجواز المناكحة وصحّة التّوارث ، والايمان بمعناه الشّرعىّ يناسب كلّا من معانيه اللّغوية والمراد به هاهنا ان كان الظّرف صلة له معنى التّصديق أو الإذعان وفيما روى عن مولانا الصّادق (ع) انّ المراد بالغيب هنا ثلاثة أشياء يوم قيام القائم (ع) ويوم الكرّة ويوم القيامة من آمن بها فقد آمن بالغيب وهذا بعينه هو معنى قوله تعالى (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) دلالة على كونه صلة ليؤمنون ، وان كان مستقرّا حالا من الفاعل والمعنى الّذين يؤمنون حالكونهم في الغياب من الله أو الآخرة أو متلبّسا بالغيب يمكن ان يراد معناه الشّرعىّ أو كلّ واحد من معانيه اللّغويّة سوى إعطاء الامان وإنفاذ الامان.

تحقيق الصّلوة ومراتبها

(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) اعلم انّ الإنسان كما مرّ ذو مراتب كثيرة وادنى مراتبه مرتبة قالبه الجسمانىّ وبعدها مرتبة نفسه الّتى يعبّر عنها بالصّدر وبالقلب أيضا وبعدها مرتبة قلبه الّتى هي بين النّفس والرّوح ، وبعدها مراتبه الاخر ، وفي كلّ مرتبة له صلوة وصلوته القالبيّة في الشّريعة المحمديّة (ص) الأفعال والاذكار والهيئات المخصوصة المعلومة لكلّ من دخل في هذا الدّين بالضّرورة وصلوة قلبه الّذى هو صدره الذّكر المخصوص المأخوذ من صاحب الاجازة ، والفكر المخصوص المأخوذ من قوّة الذّكر أو من تعمّل المفكّرة ، والمراد بالفكر ما هو مصطلح الصوفيّة من التّوجّه الى الامام كما ورد وقت تكبيرة الإحرام تذكرّ رسول الله (ص) واجعل واحدا من الائمّة نصب عينيك وصلوة القلب الّذى هو بين النّفس والرّوح مشاهدة معاني أذكار الصّلوة ومشاهدة الأحوال والشؤن المشار إليها بأطوار الصّلوة وصلوة الرّوح معاينة هذه وهكذا ، ومعنى اقامة الصّلوة جعل صلوة القالب متّصلة بصلوة الصدر وصلوة الصّدر متّصلة بصلوة القلب ، وهكذا سواء كان الاقامة بمعنى الاقامة عن اعوجاج أو عن قعود ، أو بمعنى اقامة حدود الصّلوة فان أعظم حدودها حدودها الطّوليّة فانّها بالنّسبة الى الحدود العرضيّة كالرّوح بالنّسبة الى القالب فصلاة القالب كقالب الإنسان والصّلوة الذّكريّة القلبيّة الجسمانيّة كالرّوح البخاريّ من الإنسان الّذى هو مركب القوى والمدارك الحيوانيّة ، والصّلوة الفكريّة الصدريّة كالبدن المثالىّ من الإنسان ، والصّلوة القلبية الرّوحانيّة كروح الإنسان ، فكما انّ الإنسان بدون المراتب الباطنة ميتة عفنة تؤذي قرينها كذلك الصّلوة القالبيّة بدون مراتبها الباطنة جيفة عفنة موذية ؛ وقد ورد ربّ مصلّ والصّلوة تلعنه.

٥١

تحقيق استمرار الصّلوة والزّكاة للإنسان تكوينا

واعلم أيضا انّ الإنسان خلق ذا قوّة وفعليّة من اوّل خلقة مادّته الى مرتبته الاخيرة الّتى هي بالفعل من كلّ جهة وليس فيها قوّة فالنّطفة لها فعليّة النّطفة وقوّة العلقة قريبة وقوّة المضغة والجنين والطّفل الإنساني وهكذا بعيدة ، وما لم ينقص من فعليّة النّطفة شيء لم يحصل من فعليّة العلقة شيء ويحصل بالاتّصال والاستمرار فعليّة العلقة بقدر نقصان فعليّة النّطفة الى ان صار العلقة بالفعل من جهة كونها علقة ثمّ يصير فعليّة العلقة في النقصان وفعليّة المضغة في الحصول والازدياد وهكذا جميع المراتب فانّ فعليّة كلّ مرتبة موقوفة على نقصان سابقتها أو فنائها ، وهذا النقصان والفناء زكوة الإنسان تكوينا ، وذلك الحصول والازدياد صلوته تكوينا لانّ الزّكاة إعطاء فضول المال وتطهير باقيه ، وهذا أيضا كذلك والصّلوة جلب الرّحمة وطلبها والازدياد المزبور جلب للرّحمة الّتى هي كمالات الإنسان واستجماع لها ، ولمّا كان التّكليف موافقا للتّكوين وحسن الأعمال الاختياريّة بكونها مطابقة للافعال التّكوينيّة لم يبعث نبىّ قط الّا بتشريع الصّلوة والزّكاة وجعلهما أصلا وعمادا لتمام الأعمال الشّرعيّة الفرعيّة لكن وضعهما وصورتهما في الشّرائع مختلفة غير متوافقة ، وتقديم الصّلوة في هذه الآية وفي سائر الآيات على الزّكاة امّا لتقدّمها طبعا لانّ إسقاط ما في اليد موقوف على وجدان غيره أو طلب الأفضل منه والصّلوة كما علمت وجدان أو طلب للكمال المفقود بعد الاتّصاف بكمال موجود ، فما لم يطلب الإنسان كمالا آخر لا يترك كمالا حاصلا وقيل بالفارسيّة :

تا نبيند كودكى كه سيب هست

أو پياز گنده را ندهد ز دست

أو لانّ الصّلوة أشرف والاهتمام بها أتمّ لانّها طلب ووجدان ، والزّكاة ترك وفقدان.

(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أنفق من باب الأفعال من نفق ماله اى نفد لكن خصّص بإنفاق المال فيما ينتفع به وتقديم الظّرف للاهتمام ومراعاة رؤس الآي وللحصر كأنّه أراد أن يشير الى انّ الأموال قد تحصل بأمرنا ومن الوجه الّذى قرّرناه لتحصيلها ، وقد تحصل بأمر الشّيطان ومن الوجه الّذى نهينا عنه ، وقد تحصل بشركة الشّيطان ، وكذا العلوم والقوى والشّؤن والنّيّات والخيالات المتولّدة في عالم الإنسان وانّ المؤمن لا يوجد في ملكه الّا ما رزقناه لانّه لو أراد الشّيطان ان يداخله في تحصيل ماله تذكّر فاذا هو يبصر ويتّقى فلا ينفق الّا ما رزقناه ، ولهذا الوجه عدل عن قوله يؤتون الزّكاة وكأنّك تفطّنت ممّا أسلفنا بتعميم ما رزقهم الله وتعميم الإنفاق فانّ الإنفاق الاختيارىّ للإنسان من اوّل بلوغه بل من اوّل زمان تمرينه الى آخر مقام الإطلاق والخروج من التعيّنات ، وروى عن الصّادق (ع) انّ معناه وممّا علّمناهم يبثّون ، وهذا بيان لأحد وجوه المرزوق والإنفاق بحسب اقتضاء المقام ، وإدخال من التبعيضيّة للاشعار الى التّوسط في الإنفاق وانّه لا ينبغي إنفاق الجميع كما لا ينبغي التّقتير وعدم الإنفاق.

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ان كانت الباء للسّببيّة صحّ ارادة كلّ من المعاني الشّرعية واللّغويّة من الايمان وان كانت صلة للايمان فمعناه التّصديق أو الإذعان والمراد بما انزل اليه جملة ما نزل اليه من القرآن والأحكام ، أو خصوص ما نزل في ولاية علىّ (ع) من القرآن ، أو خصوص ما نزل من حقيقة الولاية على قلبه ؛ هذا إذا كان ما موصولة أو موصوفة ، وإذا كانت مصدريّة فالمعنى الايمان بنفس الوحي وإنزال الكتاب من دون اعتبار المنزل.

(وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من الشّرائع والكتب أو من التنصيص على ولاية الأوصياء أو من الولايات

٥٢

النّازلة على الأنبياء من علويّة علىّ (ع) هذا ان كان ما انزل من قبلك معطوفا على ما انزل إليك ، وان كان جملة حاليّة ولفظة ما نافية أو استفهاميّة فالمعنى وما أنزل ، ما أنزل إليك من الشّرائع والقرآن أو الولاية من قبلك ، أو اىّ شيء أنزل من قبلك على معنى الإنكار اى ليس ما أنزل إليهم بشيء في جنب ما أنزل إليك.

(وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) الإيقان إتقان العلم بحيث لا يعتريه شكّ وارتياب ولا يشوبه تقليد واعتياد والحصر المستفاد من تقديم الضّمير سواء كان مسندا اليه أو للفصل اشعار بانّ الإيقان الّذى هو من صفات العقلاء مختصّ بهؤلاء الموصوفين بما ذكر دون غير هم فانّهم أصحاب النّفوس الّتى ليس من شأنها الّا الظّنّ والشّكّ والرّيبة ، وعلومهم ان كانت برهانيّة فهي ظنون ولا يخلو من شوب ريبة وتقليد وعادة ، وتقديم الظّرف على تقدير كونه معمولا ليوقنون لا على تقدير جعله عطفا على بما أنزل لمراعاة رؤس الآي وللحصر مشارا به الى انّ هؤلاء الموصوفين بالأوصاف السّابقة المختصّ بهم اليقين ليس علمهم وايقانهم الّا متعلّقا بالآخرة لانّهم جعلوا الآخرة نصب أعينهم وغاية هممهم فلا يلتفتون الى غيرها حتّى يتعلّق يقينهم به بخلاف غيرهم فانّهم جعلوا الدّنيا نصب أعينهم ونبذوا الآخرة وراء ظهورهم فلا تعلّق لعلمهم النّفسانىّ بالآخرة لانّ علومهم مقصورة على الدّنيا وعلى ما يلزم التعيّش فيها فتكون نفسانيّة غير ايقانيّة يعلمون ظاهرا من الحيوة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ، ذلك مبلغهم من العلم ، وقد قيل بالفارسيّة :

اندر اين سوراخ بنّائى گرفت

در خور سوراخ دانائى گرفت

چون پى دانش نه بهر روشنى است

همچو طالب علم دنياي دنيست

طالب علم است بهر عام وخاص

نى كه تا يابد از اين عالم خلاص

همچو موشى هر طرف سوراخ كرد

چونكه نورش راند از در گشت سرد

والآخرة تأنيث الآخر كان في الأصل وصفا والتّأنيث باعتبار الموصوف الّذى هي الدّار ثم غلب عليه الاسميّة ، واطلاق الآخرة على عالم الغيب باعتبار انّها للإنسان بعد الدّار الدّنيا ومتأخّرة عنها ، فان كان المراد بالغيب المبدء والعوالم العالية في سلسلة النّزول ؛ وبالآخرة العوالم المتأخّرة في سلسلة الصّعود يعنى المعاد فالكلام تأسيس ، وان كان المراد بالغيب مطلق العوالم العالية مبدء ومعادا فالكلام مبتن على ذكر الخاصّ بعد العامّ وكان الكلام باعتبار ذكر الإيقان بعد الايمان تأسيسا أيضا.

(أُولئِكَ) العظماء المذكورون بالأوصاف العظام (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) بحيث انّهم حاكمون على وصف الهدى لا أنّهم محكومون به فالإتيان باسم الاشارة البعيدة لا حضار المسند اليه بأوصافه المذكورة ليكون كالعلّة للحكم وللاشارة الى بعد مرتبتهم لعظمتهم ، وان كان الّذين الاولى أو الثّانية مبتدء فتكرير المبتدأ باسم الاشارة يفيد الحصر ، وان كانتا تابعتين للمتّقين فكون الجملة جوابا لسؤال ناش عن المقام يقتضي الحصر فانّه بعد ذكر المتّقين وكون الكتاب هاديا لهم وذكر اوصافهم الجميلة صار المقام مقام ان يقال : مالهم من الله ، وبما امتازوا من غيرهم فقال : أولئك امتازوا عن غيرهم بكونهم على هدى أهدى إليهم من ربّهم دون غيرهم ، والحصر في القرين الثّانى قرينة للحصر هاهنا.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) تكرار المبتدأ للاشارة الى امتيازهم بكلّ من الصّفتين على حيالهما لا بجمعهم بينهما ، وتوسيط العاطف للاشارة الى انّ كلّا من الوصفين غير الآخر ، ولو أتى بالجملة الثّانية مجرّدة عن العاطف لتوهّم انّ الثّانية تأكيد للأولى وانّ الوصفين متّحدان أو متلازمان.

٥٣

بيان الكفر واقسامه

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله لا بالشيّطان فانّ الكفر كفران ؛ كفر بالله وكفر بالشيّطان وإذا أطلق في الآيات والاخبار كان المراد الكفر بالله ؛ والكفر بالله ينقسم الى كفر الوجوب الذّاتىّ وكفر الآلهة وكفر التّوحيد وكفر الرّسالة وكفر الولاية وكفر المعاد وكفر النّعماء ؛ فانّ القائلين بالبخت والاتّفاق كافرون بالوجوب الذّاتىّ ، واليهود القائلين بالوجوب الذّاتىّ وانّه قد فرغ من الأمر ، والمعتزلة القائلين بأنّ العباد فاعلون بالاستقلال كافرون بالآلهة ، والقائلون بمبدئين واجبين أو بمبدإ واحد واجب وفاعلين إلهين كافرون بالتّوحيد ، ومنكر الرّسالة المطلقة أو رسالة رسول خاصّ كافر بالرّسالة ، ومنكر بقاء الولاية بعد انقطاع الرّسالة مطلقا أو منكر ولاية ولىّ خاصّ كالعامّة ، والفرق المنحرفة من الشيعة كافرون بالولاية ، ومنكر المعاد كافر بالمعاد ، ومنكر انعام المنعم كافر بالنّعم ، وكلّ واحد من ذلك امّا كفر قالىّ أو جنانىّ أو حاليّ أو شهودىّ أو تحقّقىّ ، والمنفصلة مانعة الخلوّ فانّ الكافر بالنّعمة امّا كافر لسانا كقارون حين قال : انّما أوتيته على علم عندي ، أو اعتقادا كمن لا يعتقد مبدء ولا انعاما منه ، أو حالا كأكثر المقرّين بالله وبانعامه الغافلين عنه ، أو شهودا وقلّ من لا يكفر بهذا الكفر ، أو تحقّقا ولا ينفكّ عنه الّا الأنبياء وبعض الأولياء ، وينقسم بقسمة أخرى الى الكفر الفطرىّ وهو الكفر الذّاتىّ الّذى لا ينفع لصاحبه الإنذار ، والى الكفر العرضي الّذى ينتفع صاحبه بالإنذار بل الإنذار لهذا الكافر والّا فالمؤمن بجهة ايمانه ليس له الّا البشارة ، والمراد بالكفر في الآية الكفر الذّاتىّ الّذى لا ينتفع صاحبه بالإنذار ولذا حمل على الّذين كفروا قوله (سَواءٌ) مصدر بمعنى مستو سواء فيه المفرد والجمع والمذكّر والمؤنّث عليهم لا عليك فانّ الإنذار طاعة ونافع لك سواء اثّر أم لم يؤثّر فانّما عليك البلاغ وهم المذمومون بعدم التأثّر والكلام في ذمّهم عكس قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) فانّ المراد ذمّ المخاطبين على ارتكاب امر لا ينفعهم (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) الفعل الّذى بعد همزة التّسوية امّا مؤوّل بالمصدر أو ملحوظ فيه معنى المصدر مقطوع النّظر عن النسبة الّتى هي جزء من معناه ولذا يحكم عليه وسواء هاهنا خبر انّ وما بعد الهمزة فاعله أو سواء مبتدء لما بعده أو خبر عنه والجملة خبر انّ أو فاعل سواء مستتر وما بعد الهمزة مفسّر له (لا يُؤْمِنُونَ) خبر بعد خبر أو مستأنف جواب للسؤال عن حالهم أو دعاء عليهم أو خبر انّ لا يؤمنون وسواء عليهم الى الآخر حاليّة أو معترضة (خَتَمَ اللهُ) خبر بعد خبر أو حال أو استيناف في مقام التعليل أو في مقام الدّعاء والختم الطّبع ختم الكتاب والإناء وختم على الكتاب طبع عليه بخاتمه أو بشيء مثل الخاتم بحيث إذا فتح لا يمكن ختمه الّا بمثل ذلك وختم الكتاب بلغ آخره في قراءته.

تحقيق مراتب القلب وإطلاقاته وتحقيق ختم القلب والبصر

(عَلى قُلُوبِهِمْ) جمع القلب والقلب يطلق على القلب الصّنوبرىّ اللحمىّ وعلى النّفس الانسانيّة الّتى هي برزخ بين عالم الجنّة والّشياطين وبين عالم الملائكة وهي الّتى يعبّر عنها بالصّدر منشرحا بالكفر أو الإسلام أو غير منشرح بشيء منهما ويعبّر عنها بالاعتبارات بالنّفس الامّارة واللّوامة والمطمئنّة ويطلق على المرتبة الّتى بين هذه النّفس والعقل ويدرك الإنسان في تلك المرتبة شيئا من حقائق علومه وثمرات اعماله ويتشأّن بشؤنات علومه وأعماله ولذا قيل انّ القلب معدن المشاهدة اى مشاهدة شيء جزئىّ من حقائق العلوم والأعمال ، والى هذا أشار تعالى بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) فانّ المراد بمن كان له قلب من كان

٥٤

متحقّقا ومشاهدا لشيء يسير من حقائق علمه وعمله وخارجا من التّقليد الصّرف داخلا في تحقيق ما ، ويطلق على اللّطيفة السيّارة الانسانيّة وعلى المرتبة الرّوحانيّة من الإنسان من دون اعتبار مرتبة خاصّة ، ويسمّى القلب قلبا لتقلّبه بين عالمي الملائكة والشّياطين وتقلّبه في العلوم والأحوال وفي الشؤن والأطوار ، والمراد بالقلوب هاهنا هي النّفوس الانسانيّة ، وجمع القلوب امّا باعتبار جمعيّة المضاف اليه أو باعتبار كلّ واحد من المضاف اليه اى ختم الله على قلب كلّ منهم أو على قلوب كلّ منهم نظير كلّ قلب متكبّر جبّار على قراءة اضافة القلب الى متكبّر جبّار فانّ النّفس الانسانيّة ذات شؤن كثيرة كدار ذات بيوت كثيرة في طبقة واحدة ، وذات مراتب كثيرة بعضها فوق بعض كدار ذات بيوت بعضها فوق بعض وكلّ شأن أو مرتبة منها يسمّى قلبا ، والقلب لمّا كان واقعا بين مصرى الأشقياء والسّعداء ومحلّا للجنود العقليّة والجهليّة ، وله بابان الى مصر السّعداء والأشقياء قال تعالى : ختم الله على أبواب قلوبهم لي مصر السّعداء حتّى لا يتمكّن أحد من الدّخول والخروج من تلك الأبواب وختم تلك الأبواب ملازم لفتح أبواب العالم السّفلىّ ، واطلاق الختم للاشارة الى أنّ باب القلب هو الباب الّذى الى العالم العلوىّ وأمّا بابه الى العالم السّفلىّ فليس بابا للقلب حقيقة ، ونسبة الختم اليه تعالى كنسبة الإضلال لا يستلزم جبرا لانّ الختم من شعب الرّحمة الرّحمانيّة الّتى تختلف باعتبار القابل فانّ الرّحمة الرّحمانيّة كشعاع الشّمس الّذى يبيّض ثوب القصّار ويسوّد وجهه ويطيّب ريح الورد وينتن ريح الغايط حسب استعداد القابل واقتضائه وسيأتى تمام الكلام فيه ان شاء الله في موضع آخر.

(وَعَلى سَمْعِهِمْ) السّمع مصدر سمع الكلام كالسّماع ويطلق على العضو الّذى قوّة السّماع موضوعة فيه ، ويطلق على القوّة المودعة في الرّوح المصبوبة في العصبة المفروشة في الصّماخ الّتى بها يحصل السّماع ، والمدرك بالسّمع هو الصّوت الحاصل من تموّج الهواء والحاصل من إمساس عنيف سواء كان بالقرع أو الإمرار ؛ أو تفريق عنيف كقلع الشّجرة وخرق الثّوب ، والقوّة الّتى بها يدرك النّفس المسموعات شأن من شؤن النّفس ولها كالقلب سوى كوّتها الى الخارج كوّتان ؛ كوّة الى العالم العلوىّ والى الأرواح الطّيّبة بها تسمع من الملائكة ، وما تسمع من الخارج بها تؤدّى جهته الحقّة الى مرتبتها الحقّة العقلانيّة ، وكوّة الى العالم السّفلىّ والى الأرواح الخبيثة بها تسمع من الشّيطان وتصغي اليه ، وما تسمع من خارج بها تؤدّى الى جهته الباطلة الى مرتبتها الباطلة السّفليّة ، ولمّا كان كوّتها الى الأرواح الطّيّبة ذاتيّة لها وكوّتها الى الأرواح الخبيثة غير ذاتيّة فختمها على الإطلاق منصرف الى ختم كوّتها العلويّة فلا ينفث فيها الملك ويوسوس فيها الشّيطان وما تسمع من خارج يصرفه الشّيطان الى ما يوافقه ويحرّف الكلمة عن معناها ويجعل فيها معنى ؛ آخر ، وافراد السّمع مع كون القلوب والأبصار جمعين لملاحظة كونه مصدرا في الأصل واستواء التّأنيث والتّذكير والإفراد والتثنية والجمع فيه بخلاف الاذن ولذاتي بالجمع في قوله تعالى (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) ؛ وتقديمه على الأبصار لانّه أعلى تجرّدا من البصر كما حقّق في موضعه ولذا لا يغلبه النّوم في بعض ما يغلب البصر (وَعَلى أَبْصارِهِمْ) عطف على : على قلوبهم ؛ أو متعلّق بمحذوف اى جعل على أبصارهم على قراءة نصب ما بعده وخبر مقدّم على قراءة رفعه أو مبتدأ مكتف بمرفوعه عن الخبر ، والأبصار جمع البصر وهو ادراك العين أو العضو المخصوص أو القوّة المودعة في الرّوح المصبوبة في العصبتين المجوّفتين الممتدّتين الى العينين وهذه أيضا كقوّة السّماع شأن من شؤن النّفس ولها سوى كوّتها الى الخارج كوّتان ، وختمها على الإطلاق ختم كوّتها العلويّة وكذا حجابها [غشاوة] قرء بالنّصب وبالرّفع وبتثليث الفاء وتنكير الغشاوة للتّفخيم. (وَلَهُمْ عَذابٌ

٥٥

عَظِيمٌ) عطف على قوله تعالى (عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) أو على قوله (خَتَمَ اللهُ).

(وَمِنَ النَّاسِ) لمّا انساق ذكر الكتاب الّذى هو أصل كلّ الخيرات وعنوان كلّ غائب وغائب كلّ عنوان ومصدر الكلّ وكلّ المصادر والصّوادر اعنى كتاب علىّ (ع) الى ذكر المؤمنين وذكر قسيمهم اعنى المسجّل عليهم بالكفر أراد أن يذكر المذبذب بينهما أعنى المنافق المظهر للايمان باللّسان المضمر للكفر في القلب تتميما للقسمة وتنبيها للامّة على حال هذه الفرقة تحذيرا لهم عن مثل أحوالهم بل نقول كان المقصود من سوق تبجيل الكتاب الى ذكر المؤمنين واستطرادهم بالكافرين ذكر هؤلاء المنافقين الّذين نافقوا بولاية علىّ (ع) خصوصا على ما هو المقصود الاتمّ من الكتاب والايمان والكفر والنّفاق اعنى كتاب الولاية والايمان والكفر والنّفاق به فانّه أقبح أقسام الكفر في نفسه واضرّها على المؤمنين واشدّها منعا للطّالبين ولذا بسط في ذمّهم وبالغ في ذكر قبائحهم وذكر مثل حالهم في آخر ذمّهم قرينة دالّة على انّ المراد المنافقون بالولاية لانّ المنافقين بالرّسالة ليست حالهم شبيهة بحال المستوقد المضيء فانّ المنافق بالرّسالة لا يستضيء بشيء من الأعمال لعدم اعتقاده بالرّسالة وعدم القبول من الرّسول بخلاف المنافق بالولاية فانّه بقبوله للرّسالة يستضيء بنور الرّسالة والأعمال المأخوذة من الرّسول (ص) لكن لمّا لم يكن اعماله المأخوذة وقبوله الرّسالة متّصلة بنور الولاية كان نوره منقطعا ، وما يستفاد من تفسير الامام انّ الآية كانت اشارة الى ما سيقع من النّفاق بعلىّ (ع) يوم الغدير ومبايعة الامّة والمنافقين معه وتواطؤهم على خلافه بعد البيعة وبعد التّأكيد بالعهود والمواثيق عليهم يدلّ على انّ المراد النّفاق بالولاية. والنّاس اسم جمع من النّسيان مقلوب العين لاما ، أو محذوف اللّام لغلبة النّسيان عليه حيث لم يتذكّر ما ألفه في العوالم السّابقة ، أو من النسيء بمعنى التّأخير مقلوبا ؛ أو محذوف اللّام ، أو من الانس بمعنى الالفة ضدّ التّوحّش محذوف الفاء أو مقلوبه ، أو هو مأخوذ من الإيناس بمعنى الأبصار مع الاطمينان بالمبصر كما قال : انّى انست نارا اى رأيت نارا واطمأننت بها ؛ والأظهر أنّ النّاس مأخوذ من النّسيان أو النسيء لاستعماله في الأغلب في مقام مناسب لهما وانّ الإنسان من الانس لذلك ، وقيل انّ اللّام في النّاس عوض عن المحذوف وهو بعيد والجارّ والمجرور مبتدء امّا لقيامه مقام الموصوف المحذوف المقدّر أو لنيابته عنه لقوّة معنى البعضيّة فيه حتّى قيل : انّه بنفسه مبتدء من دون قيام مقام الغير وتقدير ونيابة والمعنى بعض النّاس. أو خبر مقدّم ، (مَنْ يَقُولُ) بألسنتهم من دون موافقة قلوبهم (آمَنَّا بِاللهِ) أو بعلىّ (ع) الّذى هو مظهر الآلهة على ما ورد من التّفسير بالايمان بالولاية (وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى بالمبدء والمعاد كأنّهم أشاروا بتكرار الجارّ الى انّ ايمانهم بكلّ مأخوذ عن برهان لا انّ الايمان باليوم الآخر مأخوذ من الايمان بالله من دون تحقيق وبرهان عليه.

واعلم انّ العوالم باعتبار كلّيّاتها سبعة ومراتب كلّ عالم عشرة ودرجات كلّ مرتبة عشرة الى مأة الى ما شاء الله وبسبب هذه الاعتبارات اختلف الاخبار في تحديد العوالم وبطون الآيات بالسّبعة والسّبعين والسّبعمائة الى سبعين ألفا الى ما شاء الله ، وإذا لوحظ المراتب من المبدء الاوّل الى آخر العوالم كان كلّ مرتبة بالنّسبة الى سابقتها ليلة لقوّة الظّلمة الحاصلة من تنزّلات الوجود وكثرة التّعيّنات ، وإذا لوحظت من المنتهى الى المبدء كان كلّ مرتبة بالنّسبة الى سابقتها يوما لقوّة النّور وضعف الظّلمة بالنّسبة الى سابقتها ، ولهذا ذكر اليوم في الآيات والاخبار عند ذكر العروج والصّعود والانتهاء والخروج ، وذكر اللّيلة عند ذكر النّزول ، والمراد باليوم الآخر امّا يوم حشر الخلايق للحساب ، أو يوم قيام كلّ صنف في مقامهم الّذى لا خروج لهم عنه.

٥٦

(وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) كان المناسب لردّ قولهم : آمنّا بالله واليوم الآخران يقول تعالى شأنه : لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر نفيا لما ادّعوه من حصول الايمان في الزّمن الماضي لكنّه عدل الى الاسميّة مطلقة عن التّقيّد بالزّمان والمتعلّق اشعارا بنفي الايمان عنهم فطرة وتكليفا ماضيا ومستقبلا متعلّقا بشيء من الأشياء فانّه كما انّ اسميّة الجملة تكون لتأكيد الإيجاب تكون لتأكيد النّفى ، ونفى المطلق يكون لإطلاق النّفى الّا ان يقيّد المطلق بالإطلاق فانّ النّفى الوارد عليه حينئذ قد يكون لنفى الإطلاق (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الخداع والمخادعة والخدع بفتح الفاء وبكسرها مصادر ، والخديعة اسم للمصدر والخدع ان تظهر الإحسان وتبطن الاساءة أو تظهر الموافقة مع ابطان المخالفة ، أو تظهر الاعراض مع ابطان التعرّض ، والخداع مصدر خادع بمعنى خدع أو للمشاركة أو للمبالغة فانّهم بإظهارهم الايمان يظهرون الموافقة مع ابطانهم المخالفة والله تعالى بإمهالهم في الخديعة والانعام عليهم كأنّه يريهم الاعراض والإحسان مع انّه يخفى التّعرّض والاساءة والرّسول والمؤمنون بمداراتهم معهم يظهرون الموافقة مع علمهم بالمخالفة منهم باطنا وابطانهم المخالفة وكأنّهم يغالبون الله والرّسول والمؤمنين في الخديعة ، والمراد بالله واجب الوجود أو الرّسول (ص) أو علىّ (ع) لانّ إلهيتّه تعالى شأنه ظهرت بهما (وَما يَخْدَعُونَ) قرء يخدعون بالبناء للفاعل والمفعول ويخادعون كذلك ويخدّعون من التّفعيل ويخدّعون من الافتعال (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) فانّهم بمخادعة الرّسول والمؤمنين يضرّون بأنفسهم ويحسبون أنّهم يحسنون صنعا لأنّهم ينزلون أنفسهم عن مقاماتهم الانسانيّة المقتضية للصّدق والمحبّة والانس الى الشّيطانيّة المقتضية للكذب والبغض والتوحّش ويقطعون عمّا يجب ان يوصل ويصلون الى ما يجب ان يقطع منه من الرّسول والشّيطان ، والنّفس تطلق على ذات الشيء وعلى النّفس الانسانيّة الّتى هي النّفس الحيوانيّة المستضيئة بنور العقل ؛ ويجوز ارادتهما من الأنفس هاهنا ، وعلى النّفس الحيوانيّة ، وعلى النفس النّباتيّة ، وعلى الدّم لمناسبة ما بين تلك الأنفس والدّم ، وعلى مراتب النّفس الانسانيّة من الأمّارة واللّوّامة والمطمئنّة ، وامّا تفسيرها بالإمام في أمثال : من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، وأعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه ، واعرف نفسك تعرف ربّك ؛ فانّما هو لكون الامام ذات كلّ شيء ولا سيّما ذات من بايع معه وقبل ولايته (وَما يَشْعُرُونَ) ما يعلمون أو يتفطّنون أو يحسّون بالمدارك وكأنّه أراد به أحد المعنيين الأخيرين حتّى يكون مع ما يأتى من قوله (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) تأسيسا ، وكثيرا ما يستعمل الشعور في الالتفات (١) الى المدرك ، والمقصود انّ خداعهم لأنفسهم من كثرة ظهوره كأنّه محسوس بالحواسّ الظّاهرة ، وعدم ادراكهم له مع ظهوره من عدم التفاتهم وشعورهم مثل من يقع ابصاره على المرئىّ لكن لشدّة اشتغال النّفس بأمر آخر لا يشعر بإدراكه ولم يأت هاهنا بأداة الاستدراك كما أتى بها فيما بعد من قوله (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) وقوله (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) لانّه تعالى جرى في مخاطباته على طريقة المخاطبات الانسانيّة والأغلب انّ المتكلّم في اوّل ذكر ذمائم المذموم لا يكون غضبه شديدا فلا يناسبه البسط والتّأكيد والتّغليظ ولذا لم يؤكّد الكلام السّابق عليه بخلاف ما يأتى ، والمخاطب في اوّل الكلام يكون خالي الذّهن عن الرّدّ والشّك والقبول وعن توهمّ الخلاف والوفاق فلا يناسبه التأكيد واداة الاستدراك أيضا.

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) مستأنفة جوابا عمّا ينبغي ان يسأل عنه من حالهم أو من علّة مخادعة الله أو علّة عدم الشّعور أو مستأنفة للدّعاء عليهم أو حال عن فاعل الفعل الاوّل أو الثّانى أو الثّالث ، والمرض علّة في الحيوان

__________________

(١) في الالتفات يعنى أكثر استعماله في الاحساس الخاصّ ما ينبغي ان يحسّ لحضوره عند الحسّ أو في تفطّر الخاصّ.

٥٧

لا تلائم مزاجه الطبيعيّ وأهل الحسّ خصّصوه بما في بدن الحيوان ولا اختصاص له به بل يعمّه وما في نفسه من الاعراض الغير الملائمة لمزاجها الإلهيّ لانّ كلّ ما يخرج نفس الإنسان عمّا هي عليه بحسب التّكوين والتّكليف فهو مرضها وقد مضى انّ للقلب إطلاقات عديدة والمراد بالقلوب (١) هنا امّا القلوب الصّنوبريّة الجسمانيّة فانّها لشدّة غيظهم وحنقهم دمائها في شدّة الغليان أو من شدّة خوفهم دمائها في عدم الغليان وكلاهما غير ملائم لمزاجها أو القلوب المعنويّة وامراضها بجملة الرّذائل الشّيطانيّة.

(فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) دعاء أو اخبار ، وازدياد مرضها بازدياد بعدها عن الخصائل وتمكّنها في الرّذائل (وَلَهُمْ عَذابٌ) دعاء أو اخبار (أَلِيمٌ) صيغة مبالغة من الم إذا وجع ، وتوصيف العذاب بالأليم مجازا للمبالغة في شدّته كأنّ العذاب من شدّته متعذّب بنفسه ، ويجوز ان يراد معنى المولم مثل ارادة المطهّر من الطّهور لانّ المبالغة في مثله تقتضي التّعدّى الى الغير وهذا أبلغ من الاوّل لانّه يفيد تألّم العذاب بحيث يقتضي تألّمه الم الغير بتألّمه (بِما كانُوا) بكونهم أو بشيء أو بالّذى كانوا (يَكْذِبُونَ) قرئ بالتّخفيف وبالتّشديد من كذّبه إذا نسبه الى الكذب أو من كذّب اللازم للمبالغة أو التّكثير والكذب كالصّدق يستعمل كثيرا في الأقوال لكن لا اختصاص له بها بل كلّ فعل أو حال أو خلق أو شأن يصدر من الإنسان يكون مطابقا لما يقتضيه حقيقة الانسانيّة فهو صدق ، وكلّما لم يكن كذلك فهو كذب.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) عطف على (يَكْذِبُونَ) أو على (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أو على (يُخادِعُونَ اللهَ) أو (يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) والإفساد تغيير الشّيء عمّا هو عليه أو منعه عن كمال يقتضيه والمراد بالأرض اعمّ من ارض العالم الكبير أو الصّغير والخروج عن طاعة العقل والامام إفساد في العالم الصغير ويؤدّى الى الإفساد في الكبير والى الإفساد الكبير الّذى هو الاستهزاء بالإمام وقتله ، وما نسب الى سلمان رضى الله عنه : انّ أهل هذه الآية لم يأتوا بعد ؛ يدلّ على انّ الآية نزلت في منافقي الامّة بعد النّبىّ (ص).

(قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) فانّ منكري التّوحيد أو الرّسالة أو الولاية يظنّون الخير والصّلاح في فعلهم لا الشّرّ والفساد فانّ كلّ ذي شعور يقصد بفعله خيره وصلاحه كما نسب الى بعض الصّحابة انّه علّل منع خلافة علىّ (ع) بأنّه قليل السّنّ كثير المزاح.

ولمّا زعموا انّهم مصلحون في فعلهم وسمعوا نسبة الإفساد إليهم نسبوا الإصلاح الى أنفسهم بطريق قصر شؤنهم عليه مؤكّدا باسميّة الجملة وانّ وافادة الحصر (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) قابل إنكارهم المؤكّد بإسناد الإفساد إليهم مؤكّدا بأداة الاستفتاح وانّ وإسميّة الجملة وضمير الفصل وافادة الحصر وأتى في مقابلة حصرهم شؤنهم في الإصلاح بحصر شؤنهم في الإفساد (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) أتى هاهنا بأداة الاستدراك لاقتضاء المقام استدراك توهّم الخلاف والبسط في الكلام كما مضى آنفا (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) لمّا كان القائل هو الرّسول أو المؤمنين أشار تعالى شأنه الى أنّ النّاصح لهم جمع بين وصفي التّحذير والتّرغيب والإنذار والتبشير وانّهم ردّوا عليه كلا شقّى نصحه والمراد بالايمان الايمان بالرّسول (ص) بالبيعة العامّة مع تواطؤ القلب واللّسان أو الايمان بعلىّ (ع) (كَما آمَنَ النَّاسُ) بالبيعة مع محمّد (ص) أو علىّ (ع) مع تواطؤ

__________________

(١) والمراد بالقلوب يعنى مع انّ المراد بالمرض ، المرض النفسانىّ.

٥٨

القلب والعزم على الوفاء بما أخذ عليهم من الشّروط والمواثيق ويجوز ان يراد بالايمان في قولهم (آمَنَّا بِاللهِ) الإذعان أو التّصديق وان يراد به هاهنا أيضا ذلك لكنّ الايمان إذا أطلق في الكتاب والسّنّة يراد به البيعة العامّة أو الخاصّة أو ما بعد التّوبة من أجزاء البيعة أو الحالة الحاصلة بالبيعة وامّا محض الإقرار بالتّوحيد والرّسالة فلم يكن يسمّى بالايمان حالة حيوة الرّسول (ص) وما نقل في تفسير الامام يدلّ على أنّ المراد به البيعة مع علىّ (ع).

(قالُوا) مع نظرائهم من المنافقين لا مع المؤمنين والنّاصحين فانّهم لمخادعتهم للمؤمنين وإخفاء حالهم عنهم لا يكاشفون بمثل هذا الجواب معهم (أَنُؤْمِنُ) إنكارا لصدور مثل ايمان المؤمنين الّذين هم سفهاء بظنّهم عن مثلهم (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) السّفيه غير الرّشيد وهو المحجور عليه الّذى يحتاج الى القيّم ، ويطلق على خفيف العقل الّذى لا يكون أفعاله على ما ينبغي ولا يكون مبذّرا ولا منميّا لما له كما ينبغي ، ويطلق على من لا يعرف الحقّ ولا ينقاد تحت حكم حاكم الهىّ ، وكثيرا ما يستعمل في الآيات والاخبار بهذا المعنى ، ولمّا رأو المؤمنين على حالة لا يرتضيها عقولهم الشّيطانيّة مع انقيادهم ظاهرا وباطنا لمحمّد (ص) أو علىّ (ع) وعدم قدرتهما بزعمهم على محافظة اتّباعهما من أعدائهم سمّوهم سفهاء ، ولمّا كان اتّباع المؤمنين وانقيادهم لخليفة الله هو مقتضى العقل ومقتضى معرفة الحقّ وخروج المنافقين عن الانقياد والخديعة مع العباد خروجا عن مقتضى العقل السّليم وعن مقتضى معرفة الحقّ حصر تعالى شأنه السّفاهة فيهم مؤكّدا بالتّأكيدات العديدة حصر قلب ليفيد نفيها عمّن نسبوها إليهم فقال (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) قد مضى وجه الإتيان بأدوات التّأكيد واداة الاستدراك.

(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) كانت الفقرتان الاوليان لبيان حالهم في أنفسهم وأنّهم بإعجابهم بأنفسهم وارتضائهم لأفعالهم لا يسمعون نصح النّاصح وهاتان لبيان حالهم مع المؤمنين والكفّار وبيان خديعتهم للمؤمنين (قالُوا آمَنَّا) بالجملة الفعليّة الخالية عن المؤكّدات لإيهام انّ ايمانهم لا ينبغي ان ينكر أو يشكّ فيه ولعدم مساعدة قلوبهم على المبالغة والتّأكيد (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) جمع الشّيطان والشّيطان معروف ، وتسمية الإنسان شيطانا امّا لصيرورته مظهرا للشيطان ومسخّرا تحت حكمه ، أو للمشاكلة والمشابهة ، أو لكون الإنسان أحد مصاديقه باعتبار معناه اللّغوىّ فانّه مشتقّ من شطن إذا بعد لبعد شياطين الجنّ والانس عن الخير ، أو من الشّطن بمعنى الحبل الطويل المضطرب ، أو من شاط إذا بطل لبطلانهم في ذواتهم فعلى هذا كان نونه زائدة (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) في الدّين والاعتقاد أكدّوا الحكم لتوهّم إنكاره أو الشّكّ فيه من شياطينهم لمخالطتهم مع المؤمنين ولنشاطهم في إظهاره فانّ نشاط المتكلّم في الحكم يدعوه الى المبالغة والتّأكيد ، ولهذا لم يكتفوا بهذا القدر وبسطوا في الكلام وقالوا مؤكدّين بتأكيدات قاصرين شأنهم قصر القلب أو الإفراد (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) الاستهزاء معروف وان كان بحسب حال المستهزء والمستهزء به من حيث الاستهزاء محتاجا الى شرح وتفصيل وكيف كان فالاستهزاء المنسوب الى الله كان مجازا فمعنى قوله تعالى (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) يجازيهم جزاء استهزائهم أو يهينهم أو يفعل بهم ما يشابه الاستهزاء ، أو الإتيان بالاستهزاء من باب صنعة المشاكلة ولم يأت بأداة العطف لعدم المناسبة بينه وبين ما قبله فالجملة امّا مستأنفة جوابا عن سؤال مقدّر أو دعاء

٥٩

عليهم ويحتمل ان تكون حالا عن فاعل قالوا ولم يقل : الله مستهزء بهم ؛ ليكون المقابلة أتمّ لانّ نشاطهم في الاخبار بالاستهزاء كما يقتضي ان يبالغوا في تأكيد الحكم يقتضي ان يخبروا انّ الاستهزاء بالمؤمنين صار سجيّة لهم أو كالسجيّة في الثّبات والاستمرار بخلاف اخبار الله بالاستهزاء بهم فانّه ليس في اخباره نشاط له تعالى وليس استهزاؤه باىّ معنى كان من صفاته الثّابتة له بالذّات فضلا عن ان يكون الّتى هي عين الذّات بل هو من شعب القهر الثّابت له بالعرض ولا يكون الّا في عالم الطبع وما دونه من عالم الأرواح الخبيثة ، والتجدّد ذاتي لعالم الطّبع وكلّما فيه فهو متجدّد بتجدّده وفي اخباره تعالى بتجديد الهوان اخبار بتشديد الهوان (وَيَمُدُّهُمْ) من المدد أو المدّ أي يمدّ قواهم ويقوّيها ويزيد فيها ، أو يمدّ لهم في عمرهم وإمهالهم وهذا بيان للاستهزاء بهم (فِي طُغْيانِهِمْ) ظرف لغو متعلّق بما قبله أو بما بعده أو مستقرّ حالا أو مستأنفا بتقدير مبتدء جوابا لسؤال مقدّر والطّغيان تجاوز الشيء عن حدّه اىّ شيء كان وحدّ الإنسان انقياده تحت حكم العقل الّذى يبيّنه نبىّ وقته فمن تجاوز عن هذا الحدّ كان طاغيا (يَعْمَهُونَ) يتحيّرون ، والعمه هو التحيّر في الآراء فانّ نسبته الى البصيرة كنسبة العمى الى البصر وهو حال أو مستأنف.

بيان اشتراء الضلالة بالهدى

(أُولئِكَ) المحضرون بالأوصاف المذمومة المهانون غاية الهوان (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) الضّلال والضّلالة مصدر اضلّ الإنسان إذا فقد الطّريق ، وضلّ المال إذا فقد ولم يدر صاحبه اين هو ، والهدى الدّلالة والرّشد والبيان يذكّر ويؤنّث والمراد به هنا الاهتداء الى الطّريق المستقيم الانسانىّ على ان يكون مصدرا مبنيّا للمفعول ، أو هداية الله لهم الى الطّريق المستقيم الانسانىّ على ان يكون مبنيّا للفاعل ، «والشّرا» مقصورا وممدودا من الاضداد يطلق على البيع والشّراء ، والاشتراء خاصّ بالمشتري في العرف العامّ كالبيع للبايع.

واعلم انّ الإنسان ذا شؤن كثيرة بحسب طرقه الى دار الأشقياء وطريقه الى دار السّعداء وشؤنه الّتى له بحسب كونه على طريق السعداء ذاتيّة له فكأنّ الله ملّكه ايّاها والشّؤن الّتى له بحسب كونه على طريق الأشقياء عرضيّة له كأنّها مملوكة لغيره وانّ الأوصاف الّتى هي في هذا العالم أعراض قائمة بغيرها لها حقائق قائمة بذواتها في عالم آخر فانّ الضلالة الّتى هي وصف اعتبارىّ اضافىّ لها حقيقة متجوهرة في عالم النّفس وهي من شؤنها ومراتبها وكذلك الهداية [إذا تمهّد هذا فنقول :] لمّا كان الاشتراء أخذ مال الغير بثمن مملوك للمشتري فان لم يعتبر فيه قيد آخر كما هو الحقّ فالشّراء على حقيقته وان اعتبر كون المبيع والثّمن من الاعراض الدّنيويّة وكون الاشتراء بصيغة مخصوصة كان الاشتراء استعارة وكان قوله (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) ترشيحا للاستعارة ونسبة الرّبح الى التّجارة مجاز عقلىّ والرّبح هو الفضل على رأس المال في المعاملة كما انّ الخسران هو نقصان رأس المال ، ونفى الرّبح اعمّ من بقاء رأس المال ونقصانه واتلافه رأسا كما انّ الخسران أعمّ من نقصان رأس المال واتلافه (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) من قبيل عطف الأقوى على الأضعف والمعنى بل ما كانوا مهتدين اى أتلفوا بضاعتهم رأسا فانّه تعالى جعل الهدى بضاعتهم ولذا جعله في الاشتراء ثمنا أو من قبيل عطف العلّة على المعلول اى ما ربحوا لانّهم لم يهتدوا الى طرق التّجارة والمرابحة أو المعنى اشتروا الضّلالة بالهدى لانّهم ما كانوا مالكين للهدى فانّ الهدى كان عارية لهم سواء أريد بالهدى الاستضاءة بنور الإسلام

٦٠