تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ١

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ١

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣١

ان يقال جميع القرآن نزل فيهم ، ولمّا كان القرآن مفصّلا يكون بعض آياته فيهم وفي محبّيهم وبعضها في أعدائهم ومخالفيهم وبعضها سننا وأمثالا وبعضها فرائض واحكاما صحّ ان يقال نزل القرآن فيهم وفي أعدائهم أو نزل أثلاثا أو أرباعا ، والآيات الدّالّة على اخبار الأخيار والأشرار الماضين كلّها تعريض بالأئمّة وأخيار الامّة وأشرارهم مع قطع النّظر عن رجوعها إليهم والى أعدائهم ، بسبب كونهم أصلا في الخير وكون أعدائهم أصلا في الشّرّ بل نقول كلّ آية ذكر فيها خير كان المراد بها أخيار الامّة وكل آية ذكر فيها شرّ كان المراد بها أشرار الامّة لكون الآية فيهم أو تعريضا بهم ، أو لكونهم وكون أعدائهم أصلا في الخير والشّرّ وفي الزّيارة الجامعة : ان ذكر الخير كنتم اوّله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه ، وهكذا الحال في حال أعدائهم بحكم المقابلة ، فان ذكر الشّر كانوا اوّله وآخره وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه.

هذا آخر ما أردت إيراده قبل الشّروع في المقصود ، ومن الله الاعانة في كلّ حال وهو حسبي ونعم الوكيل.

٢١
٢٢

سورة الفاتحة

سبع آيات مكيّة وقيل مدنيّة وقيل نزلت بمكة مرّة وبمدنية مرّة اخرى

والسورة امّا من سور المدنية سميّت سور القرآن بها لانّ كلّا منها بمعانيها بمنزلة مدينة من العلم والألفاظ المخصوصة بمنزلة سور تلك المدينة أو من السّورة بمعنى المنزلة لانّ كلّ سورة منزلة للوافدين عليها ، أو من السورة بمعنى الشّرف لانّ كلّا منها شرف لقاريها ، أو من السورة بمعنى البناء الطّويل الحسن لانّ كلّا منها بناء طويل حسن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أو من السّورة بمعنى العلامة لانّ كلّا علامة من علامات حكمته تعالى وقدرته وعلمه ورأفته ، أو من السّورة بمعنى كلّ عرق من عروق الحائط لانّ القرآن تمامه كحائط طويل وكلّ سورة منه كأنّها عرق من عروقه.

وسمّيت هذه السّورة بفاتحة الكتاب لا فتتاح الكتاب التّكوينيّ الّذى هو جملة ما سوى الله بحقيقتها الّتى هي كلام الله الحقيقىّ وهو مقام المشيّة أصل جملة ما سوى الله ولافتتاح الكتاب التّدوينى بصورتها التدوينيّة ولافتتاح الصّلوة الّتى هي كتاب مفروض أو كتاب كتبه الله بالوحي في قلب النّبىّ (ص) بها ، وسميّت امّ الكتاب لكونها بحقيقتها الّتى هي المشيّة أصلا وعمادا ومجموعا فيها جميع أجزاء الكتاب التّكوينىّ والعرب تسمّى كلّ أصل وكلّ مجتمع أمّا ولانّ صورته التدوينيّة مشتملة على جميع النّسب والإضافات الالهيّة وعلى جميع النسب والإضافات الخلقية الّتى ليس الكتاب التّدوينى الّا لبيانها وسميّت أساسا لما ذكر ولما روى انّ لكلّ شيء أساسا الى ان ذكر وأساس القرآن الفاتحة وأساس الفاتحة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وسميّت بالسبع المثاني لانّها سبع آيات وثنيّت في النزول بمكّة والمدينة. أو لانّها تثنّى في الصّلوة أو لانّ أكثر فقراتها تكرّرت أو لانّها مختصرة من القرآن وهو السّبع المثاني أو لانّ حقيقتها الّتى هي المشيّة تنزّلت على مراتب العالم ثمّ صعدت عليها فصارت باعتبار مراتب العالم سبعا وباعتبار النّزول والصّعود مثاني. ويجوز ان يكون المثاني من الثّناء لانّ السّورة ثناء واخبار ودعاء وهما يستلزمان الثّناء وسيجيء تحقيق القول في السّبع المثاني عند قوله (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) من سورة حجر إنشاء الله ، وسورة الكنز والوافية والكافية لاشتمالها على جملة ما في العوالم وما في القرآن وسورة الحمد والشّكر والدعاء وتعليم المسألة والصّلوة لوجوب قراءتها في الصّلوة أو لانّها صلوة حقيقة لانّ الصّلوة الدّعاء أو ما به التّوجّه الى الله ، والشافية والشّفاء لقوله (ص) هي شفاء كلّ داء. وقد ذكر في فضل هذه السّورة وفي فضل قاريها ما لا يحصيه البيان ويمكن استفادة فضلها من أسمائها وكفى في فضلها وجوب قراءتها في جميع ركعات الصّلوات الفرضيّة وجوبا عينيّا أو تخييريّا وبانّها لا تترك في ركعات الصّلوات النفليّة ، نسب الى الباقر (ع) انّه قال من لم يبرئه الحمد لم يبرئه شيء ونسب الى الصادق (ع) انّه قال لو قرأت الحمد على ميّت سبعين مرّة ثمّ ردّت فيه الرّوح ما كان عجيبا.

٢٣

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

قد سبق سرّ الأمر بالاستعاذة عند القراءة وانّ الإنسان لمّا كان واقعا بين تصرّف الشّيطان والرّحمن امر الله العباد بالاستعاذة والخروج من تصرّف الشّيطان والدّخول تحت تصرّف الرّحمن حتّى لا يصير لسانه لسان الشّيطان وكلامه كلام الشّيطان بل يصير لسانه لسان الرّحمن وكلامه كلام الرّحمن ويصدق على متلوّه انّه القرآن فقول القائل ، أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم اخبار أو إنشاء للالتجاء الى الله والفرار من حكومة الشّيطان وتصرّفه والدّخول تحت حكومة الله وتصرّفه ولكون الاستعاذة فرارا من الشّيطان أمرنا بالإخفات في الاستعاذة فانّ الفارّ يختفى بفراره فلو قال القائل أعوذ بالله من الشّيطان ولم يكن حاله الخروج من حكومة الشّيطان والدّخول تحت حكومة الله كان كاذبا في اخباره أو في إنشائه باعتبار الاخبار اللازم للإنشاء وتكون هذه الكلمة ملقاة من الشّيطان عليه وجارية من الشّيطان على لسانه وصار بهذه الكلمة سخرية للشّيطان ومطرودا من باب الرّحمن ، فجاهدوا إخواني وفّقكم الله وايّاى حتّى لا تجري هذه الكلمة على ألسنتكم حين غفلة منكم أو على سبيل العادة والتعليم المأخوذ من الاباء والمعلّمين بل كونوا حين الاستعاذة كمن يفرّ من عدوّ يريد قتله الى من يعلم نجاته منه ولا تكونوا في الاستعاذة كمن يفرّ من العدّو بالإقبال عليه غافلا عن انّه مقبل على عدوّه فيقع على عدّوه ويأخذه من حيث لا يشعر فانّه ليس قوله تعالى (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) امرا بالاستعاذة القولية بل هو امر بالاستعاذة الفعليّة واستحباب الاستعاذة القوليّة لتأييد الاستعاذة الفعليّة والّا فالمطلوب هو الاستعاذة الفعليّة سواء كانت قرينة بالاستعاذة القوليّة أو لم تكن ونعم ما قيل :

اى بسا ناورده استثنا بگفت

جان أو با جان استثناست جفت

والمقصود من الاستعاذة الفعليّة طلب القرب من الله حتّى يخرج المستعيذ من الأغراض الّتى يلقيها الشّيطان على الإنسان ثمّ من نسبة الأفعال والأقوال الى غير الله ثم من رؤية ذات في الوجود سوى الله وفي كلّ من الأحوال الثلاث له حكم في الاستعاذة وقول غير الحكم والقول الّذى في الاخرى ؛ فانّ الإنسان ما لم يخرج من دار الكثرة ويرى الأفعال مثل المعتزلة من العباد من دون الله حكمه الفرار من الشّيطان وإضلاله وقوله أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم المطرود من كلّ خير ومن بقاع الخير ، وإذا خرج من الكثرة الصرفة ودخل في دار توحيد الأفعال ولا يرى الأفعال الّا من الله ويكون حينئذ رؤيته الأفعال من الله في المظاهر المتكثّرة ويرى الإضلال من الله في مظهر الشّيطان والهداية من الله في مظاهر خلفائه كان حكمه الاستعاذة من إضلال الله في مظهر الشّيطان بهدايته الله من إضلاله وبعفوه من عقابه ، وإذا دخل في دار توحيد الصفات ولا يرى صفة الّا من الله كان حكمه الاستعاذة من صفاته القهريّة الّتى تظهر في مظاهر قهره بالصّفات اللطفية الّتى تظهر في مظاهر لطفه ؛ وقوله أعوذ برضاك من سخطك ، وإذا دخل في دار توحيد الذات ولا يرى ذاتا في الوجود سوى ذاته تعالى وهو مقام الفناء الذاتي كما كان المقامان السابقان مقام الفناء الفعلىّ والوصفىّ كان حكمه الاستعاذة بالله من الله من غير شعور منه بذاته واستعاذة ذاته بل يكون استعاذته بفطرة وجوده وكان قوله أعوذ بالله من الله أو أعوذ بك منك لانّ حكم الغيبة والحضور والخطاب والتكلّم مرتفع هناك فانّ من لا يرى ذاتا في الوجود سوى الله لا يرى فعلا ووصفا سوى الذات فلا يرى قهرا ولطفا ولا حضورا وغيبة من الذات ونعم ما قيل :

خود طواف آنكه أو شه بين بود

فوق قهر ولطف وكفر ودين بود

وللاشارة الى المراتب الثلاث قال الرسول (ص) في سجوده على ما نسب اليه (ص): أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك. والشّيطان من شطنه إذا شدّه بحبل طويل أو من شطن صاحبه إذا خالفه في قصده ووجهه ، أو من الشطون بمعنى البئر البعيدة القعر ، أو من شاط بمعنى احترق أو غلظ أو هلك.

٢٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اتّفق أصحابنا الاماميّة رضوان الله عليهم انّه من القرآن وانّه آية من كلّ سورة ذكر التسميّة في اوّلها وانّه يجب الجهر به فيما يجهر به من الصّلوات ولا يجوز تركه في الفرائض وخالف في ذلك العامّة قال البيضاوي في اوّل تفسيره : هو من الفاتحة وعليه قرّاء مكّة والكوفة وفقهائهما وابن المبارك والشافعىّ وخالفهم الشيباني وقرّاء المدينة والبصرة والشّام وفقهاؤها ومالك والاوزاعىّ ولم ينصّ ابو حنيفة فيه بشيء فظنّ انّها ليست من السّورة عنده وسئل محمّد بن الحسن عنها فقال ما بين الدفّتين كلام الله تعالى لنا أحاديث كثيرة منها ما روى ابو هريرة انّه قال فاتحة الكتاب سبع آيات اوليهنّ بسم الله الرّحمن الرّحيم وقول امّ سلمة قرأ رسول الله (ص) وعدّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) آية ومن اجلهما اختلف في انّها آية برأسها أو بما بعدها والإجماع على انّ ما بين الدفّتين كلام الله والوفاق على إثباتها في المصاحف مع المبالغة في تجريد القرآن حتّى لم يكتب آمين ، الى هاهنا كلام البيضاوي. وعن أمير المؤمنين (ع) انّ التسمية من الفاتحة وانّ رسول الله (ص) يقرؤها ويعدّها آية منها وعن الصّادق (ع) ما لهم قتلهم الله عمدوا الى أعظم آية في كتاب الله فزعموا انّها بدعة إذا أظهروها وعن الباقر (ع) سرقوا أكرم آية من كتاب الله بسم الله الرّحمن الرّحيم. وورد منهم التّرغيب في الابتداء به عند كلّ امر صغير أو كبير ليبارك فيه فعن الصّادق (ع) انّه قال لا تدعها ولو كان بعدها شعر وعنه (ع) من تركها من شيعتنا امتحنه الله بمكروه لينبّهه على الشّكر والثّناء ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه. وعن أمير المؤمنين (ع) انّ رسول الله (ص) حدّثنى عن الله عزوجل انّه قال كلّ امر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله الرّحمن الرّحيم فهو أبتر، وعن طريق العامّة عنه كلّ امر ذي بال لم يبدأ باسم الله فهو أبتر.

ولفظ الباء فيه للإلصاق باعتبار لصوق ابتداء القراءة باسمه تعالى أو للمصاحبة أو للاستعانة أو للسّببيّة والمتعلّق محذوف من مادّة الابتداء أو من مادّة الفعل الّذى يقع بعده مثل اقرأ وأقوم واقعد وادخل واخرج أو من مادّة الاسم اى اسم نفسي بسمة من سمات الله كما روى عن الرّضا (ع) انّه قال يعنى اسم نفسي بسمة من سمات الله وهي العبادة قيل له ما السّمة قال العلامة وفي هذا الخبر تنبيه على انّ القائل بسم الله الرّحمن الرّحيم ينبغي ان يجتهد حتّى يجد حين هذا القول أنموذجا من صفات الله في وجوده وفي قوله وهي العبادة اشارة الى انّ العبد حين هذا القول ينبغي ان يخرج من انانيّته الّتى هي خروج من العبادة والعبوديّة ويخرج من مالكيّته واختياره ويدخل تحت امر ربّه ويجد ذلك من نفسه حتّى يكون منه هذه الكلمة صادقة ولا يكون هو كاذبا بينه وبين الله سواء أريد بكلمة بسم الله إنشاء الاتّصاف بسمة من سمات الله أو الاخبار به ويجوز تقدير التأخير في المقدّر وتقدير التّقديم لكنّ التأخير ادخل في التّعظيم والاهتمام باسم الله ويفيد الحصر والاسم بكسر همزة الوصل وضمّها والسّم والسّما بتثليث السّين مأخوذ من السّمو بمعنى الارتفاع أو من الوسم بمعنى العلامة ، وجمعه على أسماء وتصغيره على سمّى يؤيّد الاول ، وكونه بمعنى العلامة يؤيّد الثّانى ، وحديث الرّضا (ع) في بيان

٢٥

بسم الله ينبّه على الثّانى واسم الشيء علامته وكلّ لفظ وضع لجوهر أو عرض من غير اعتبار نسبة فيه ، وأسماء الله عبارة عمّا يدلّ عليه تعالى من لفظ أو مفهوم أو جوهر عينىّ ولا اختصاص لها بالأسماء اللّفظية أو المفاهيم الذّهنيّة فانّ اطلاق الاسم في الاخبار على الذّوات العينيّة كثير وسيجيء تحقيق تامّ للاسم في اوّل البقرة عند قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) والفرق بين الاسم والصّفة إذا اعتبر في الاسم معنى من المعاني كالفرق بين المشتقّ ومبدء الاشتقاق كالعلم والعالم فانّ الاوّل مأخوذ بشرط لا ولذلك لا يصدق على الذّات الموصوفة به والثّانى مأخوذ لا بشرط شيء ولذلك يصدق على الذات الموصوفة به وليست الذّات معتبرة في المشتقّ لانّه إذا فرض علم مجرّد قائم بذاته يصدق عليه العالم بل نقول ذات الباري جلّت عظمته علم مجرّد قائم بذاته كما انّه عالم. وللاسم اعتبار انّ اعتبار كونه اسما ومرآة للمسمّى ، وبهذا الاعتبار لا يكون له نفسيّة ولا وجود مغاير للمسمّى بل يكون وجوده وجود المسمّى ورقيقة منه ونفسيّته نفسيّة المسمّى ولذلك لا يكون الحكم في الكلام الّا على المسمّى ولا يكون النّظر الّا الى المسمّى فانّ قولك جاء زيد لا يكون النّظر فيه ولا الحكم الّا على المسمّى ، والآخر اعتبار كونه موجودا مغايرا للمسمّى منظورا اليه محكوما عليه وبهذا الاعتبار يكون هو كالمسمّى امرا موجودا مستقلا محكوما عليه مغايرا للمسمّى وبهذا الاعتبار يصير الاسم مسمّى وله أسماء مثل قولك زيد لفظ مركّب من ثلاثة أحرف فانّ زيدا في هذا القول له أسماء عديدة مثل الاسم واللّفظ والكلمة والمركّب والموضوع والدّال والعلم وغير ذلك وبهذا الاعتبار لا يكون مظهرا ومرآة للمسمّى ولا دالّا عليه ولمّا كان جملة العالم برمّتها أسماء لله تعالى كان هذان الاعتباران ثابتين لها والى هذين الاعتبارين أشار تعالى بقوله (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ) يعنى ليست هي مسمّيات ومنظورا إليها ومستقلّات مغايرات لله سمّيتموها أنتم يعنى انّكم صرتم محجوبين عن المسمّى ناظرين الى الأسماء من حيث انّها مستقلّات في الوجود جاعلين لها مسميّات فصرتم مشركين وكافرين لهذا النّظر ، والنّاس في النّظر الى الأشياء مختلفون فناظر ينظر إليها من حيث انّها أسماء الله غافلا عن وجودها وعن النّظر إليها أو شاعرا بالنّظر إليها ، وناظر ينظر إليها من حيث انّها مسميّات غافلا عن المسمّى ، وناظر ينظر إليها مستقلّات والى المسمّى والاوّل وهو الّذى ينظر الى الأشياء من حيث انّها أسماء غافلا عن النّظر إليها أو شاعرا بالنّظر إليها هو الّذى يعبد المسمّى بإيقاع الأسماء عليه ويكون موحّدا ، والّذى ينظر الى الأسماء من حيث انّها مسميّات مستقلّات غافلا عن المسمّى هو الّذى يعبد الاسم دون المسمّى ويكون كافرا وهذا حال أكثر النّاس ، والّذى ينظر الى الأسماء حالكونها مسمّيات مستقلّات والى المسمّى حالكونه مسمّى مستقلا مغايرا مباينا عن الأسماء هو الّذى يعبد الاسم والمسمّى ويكون مشركا ، والنّاظر الى الأسماء من حيث انّها أسماء غافلا عن نظره إليها هو المجذوب الّذى رفع القلم عنه ولا حكم له في الكثرات ولا تكليف ، والنّاظر إليها من حيث انّها أسماء شاعرا بنظره هو الكامل الجامع للطّرفين ، وهذا الكامل امّا يكون استشعاره بالأسماء غالبا على استشعاره بالمسمّى أو يكون استشعاره بالمسمّى غالبا أو يكون استشعاره بالطّرفين على السواء والاوّل هو الواقع في النشأة الموسويّة والثّانى هو الواقع في النشأة العيسويّة والثالث هو الّذى يراعى حقوق الكثرات والوحدة بحيث لا يهمل من حقوق الطّرفين شيئا وهو الواقع في النشأة المحمّديّة (ص) الجامعة للكثرة والوحدة بحيث لا يشذّ شيء من حقوقهما ، والى النشئات الثّلاث أشار تعالى بقوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ؛) الآية ، فاشار بقوله (ذلِكَ : مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) ؛ الى النشأة

٢٦

الموسويّة وبقوله له (مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ) ؛ الآية ، الى النشأة العيسويّة ، وبالجمع بين النشأتين الى النشأة المحمّديّة واعتبر ذلك المذكور من حال الكافر والمشرك والمجذوب والكامل ونشئاته الثّلاث بالمرآة والنّظر إليها ورؤية الصّور فيها فانّه قد ينظر الإنسان الى المرآة من حيث صفائها واستدارتها وتربيعها وتسديسها وتحديبها أو تقعيرها من غير رؤية صورة فيها أو من غير شعور برؤية صورة فيها ، وقد ينظر إليها من حيث رؤية الصّور فيها من غير شعور بالمرآة وبرؤيتها ، وقد ينظر الى المرآة من حيث أشكالها وصفائها وينظر الى الصّورة الّتى فيها وقد ينظر الى المرآة حالكونها لا حكم لها في نظره سوى ارائة الصّور شاعرا بنظره الى المرآة وبنظره الى الصّور بالاقسام الثّلاثة السّابقة وما ورد في جواب من قال هل الله في الخلق أم الخلق في الله من قوله (ع) أخبرني عن المرآة هل أنت في المرآة أم المرآة فيك يشير الى ما ذكرنا ومقامات الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة والجمع بين الوحدة والكثرة الدّائرة في ألسنة الصّوفيّة اشارة الى النشئات الثلاث وللاشارة الى تلك النّشئات ورد في خبر : ما رأيت شيئا الّا ورأيت الله فيه وفي آخر : الّا ورأيت الله قبله وفي آخر : الّا ورأيت الله بعده وما قيل انّ الاسم عين المسمّى أو غيره قد علم جوابه ممّا ذكرنا فانّ الاسم إذا كان منظورا اليه من حيث اسميّته بحيث يكون النّاظر غافلا عن نظره يكون عين المسمّى بمعنى انّه لا وجود ولا نفسيّة ولا حكم ولا اثر حينئذ الّا للمسمّى ، وإذا كان النّاظر حينئذ شاعرا بنظره يكون بوجه غيره وبوجه عينه ، وإذا كان منظورا اليه بحيث يكون في نظر النّاظر ذا نفسيّة ووجود وانانيّة كان غيره سواء نظر النّاظر من الاسم الى المسمّى أو لم ينظر ، ولمّا كان الإنسان واقعا بين داري الرّحمن والشّيطان وكان دار الشّيطان لغاية بعدها من الرّحمن وغلبة الاعدام عليها وكونها بتمام اجزائها مظاهر قهره تعالى كأنّها لم تكن مظاهر له تعالى وكانت مقابلة لدار الرّحمن وكانت النّفس الانسانيّة من حيث تسخّره للشّيطان كأنّها اسم للشّيطان لا للرّحمن ومن حيث تسخّره للعقل اسم للرّحمن وكان جميع افعال الإنسان صادرة من نفسه امّا من جهتها الشّيطانيّة أو من جهتها العقلانيّة أمروا العباد بالتسميّة عند كل فعل صغير أو عظيم حتّى يخرجوا بالتسميّة من جهة النّفس الشّيطانيّة ويدخلوا في جهتها الرّحمانيّة ويكون الفعل رحمانيّا لا شيطانيّا ، ولمّا كان أكثر النّاس قاصرين غير بالغين الى مقام النّظر الى فاعليّة الله تعالى بدون وساطة الوسائط ومن بلغ الى ذلك المقام لم تكن الوسائط مرتفعة في أفعاله بل المرتفع في حقّه النّظر الى الوسائط قال تعالى باسم الله بتخلّل الاسم بين الباء والله ولم يقل بالله وان كان هذا أيضا صحيحا في نفس الأمر فانّ الأفعال تصدر عن الإنسان بتوسّط نفسه الّتى هي اسم لله فما قيل انّ الاسم مقحم بين الجارّ ومجروره ليس بشيء وكذا ما يترائى من كون المراد من الله لفظه وكون الاضافة بيانيّة يأتاه التّوصيف بالرّحمن ، ولمّا كان المقصود من التسمية الخروج من الجهة الشيطانيّة والدّخول في الجهة العقلانيّة كما سبق عن الرّضا (ع) في تفسيرها من قوله يعنى اسم نفسي بسمة من سمات الله فلو قال القائل بسم الله الرّحمن الرّحيم كان قوله بسم الله مثل ان قال التجأت من دار الشّيطان وتصرّفه الى دار الرّحمن وتصرّفه ودخلت في داره واتّصفت بصفاته فكان يفيد فائدة الاستعاذة مع شيء زائد ولذلك ورد عن الباقر (ع) اوّل كلّ كتاب نزل من السّماء بسم الله الرّحمن الرّحيم فاذا قرأتها فلا تبال ان لا تستعيذ وإذا قرأتها سترتك فيما بين السّماء والأرض ، ولمّا كان التّسمية من القائل اتّصافا بسمة من سمات الله وهي بمنزلة السّلاح للشيطان والّشيطان يفرّ منها أمروا بالجهر ببسم الله بخلاف الاستعاذة والله علم للذّات بعنوان مقام ظهوره الّذى هو فعله ومشيّته فانّ الذّات غيب مطلق لا اسم له ولا رسم له وانّ الأسماء والصّفات ليست له الّا باعتبار ظهوره بفعله ومشيّته ومشيّته لها اعتباران ؛ اعتبار وجهها الى مقام الغيب واعتبار وجهها الى الخلق ، وتسمّى باعتبار وجهها الى الغيب عرشا ، وباعتبار وجهها الى الخلق كرسيّا ، وبهذين العنوانين يسمّى الحقّ الاوّل بالله

٢٧

وبالعلىّ وباعتبار هذين العنوانين قال تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) و (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) وهل هو مشتقّ أو جامد بمعنى انّه من الأوصاف المشتقّة من المصادر أو ليس اسما مشتقّا بل هو مصدر أو اسم مصدر أو اسم ليس له مادّة متصرّفة ، أقوال ؛ فقيل انّه من مادّة اله الهة والوهة مثل نصر بمعنى عبد وأصله اله بكسر الهمزة حذف الهمزة وعوّض عنها لام التّعريف ولذلك أو لمطلوبيّة التّطويل والتّفخيم في نداء المحبوب لم يحذف ألفه في النّداء ، أو من اله كفرح بمعنى تحيّر أو اشتدّ جزعه عليه أو فزع اليه ولاذ به أو بمعنى أجاره ، وقيل من مادّة وله من باب حسب وعلم وضرب بمعنى حزن وتحيّر وخاف وجزع أو من مادّة لاه الله الخلق يلوه بمعنى خلقهم أو من لاه يليه بمعنى تستّر أو علا ، وقيل : أصله لاها بالسّريانيّة فعرّب بحذف الالف الاخيرة ودخل لام التّعريف عليه وقيل كان أصله هو لانّه موضوع لغائب معهود معروف والغائب عن الأبصار مطلقا والمعهود المعروف للقلوب على الإطلاق هو الله ثمّ ادخل عليه لام الاختصاص للاشعار باختصاص كلّ ما سواه به ، ثمّ أشبع فتحة اللّام تفخيما ثمّ ادخل لام التّعريف عليه لتفخيم آخر فصار الله.

و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) صفتان لله أو للاسم فانّ أسماء الله العينيّة كما انّها مظاهر لله مظاهر لجميع صفاته تعالى وجعلهما صفتين للاسم اولى من جعلهما صفتين لله للزوم التأكيد على الثّانى مع ما بعده دون الاوّل ولانّ المنظور الاتّسام باسم يكون به قوام الفعل المبتدأ به وينتهى الفعل اليه وهذا معنى كون الاسم متّصفا بصفة الرّحمانيّة والرّحيميّة وهما مأخوذتان من رحم بكسر العين للمبالغة أو من رحم بضمّ العين صفتين مشبّهتين وعلى اىّ تقدير فالرّحمن أبلغ من الرّحيم لزيادة مبناه ولعدم اختصاص الرّحمة الرّحمانيّة بشيء دون شيء وبحال دون حال وبجهة دون جهة بخلاف الرّحمة الرّحيميّة فانّها مختصّة بالإنسان ومن كان مثله سالكا الى الرّحمن وبحال كونه على رضاه ومن جهة كونه على رضاه وامّا غير الإنسان فانّ العناصر والمواليد لا توصف بالرّحمة الرّحيميّة ولا بالغضب الّذى هو ضدّها والأرواح العالية وجودهم كما هو رحمة رحمانيّة رحمة رحيميّة ولا تمايز بين الرّحمتين فيهم كما لا يتصوّر جهة غضب فيهم والأرواح الخبيثة قد يجوز ان يتّصفوا بالرّحمة الرّحيميّة لكنّ الأغلب انّهم متّصفون بالغضب وذلك انّ الرّحمة الرّحمانيّة عبارة عن افاضة الوجود على الأشياء وابقائها وإكمالها بالكمالات اللائقة بفطرتها وهذا عامّ لجميع الأشياء دنيويّة كانت أو اخرويّة اناسىّ كانت أو غير اناسىّ ولذلك قال الرّحمن (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وفسّروه باستواء نسبته الى الجليل والحقير وورد : يا رحمن الدّنيا والآخرة ، وورد عن الصّادق (ع) انّ الرّحمن اسم خاصّ لصفة عامّة وورد عن أمير المؤمنين (ع) انّ الرّحمن الّذى يرحم ببسط الرّزق علينا أو العاطف على خلقه بالرّزق لا يقطع عنهم موادّ رزقه وان انقطعوا عن طاعته ، ومن المعلوم انّ رزق الأعيان الثّابتة افاضة الوجود عليها ورزق الموجود افاضة ما به بقاء وجوده والرّحمة الرّحيميّة عبارة عن افاضة الكمالات الاختياريّة المرضيّة على المختارين من الانس والجنّ ولذلك ورد انّ الرّحيم اسم عامّ لصفة خاصّة وورد عنهم (ع) الباء بهاء الله والسّين سناء الله والميم مجد الله وفي رواية ملك الله والله اله كلّ شيء ، الرّحمن بجميع خلقه والرّحيم بالمؤمنين خاصّة وما ورد انّه الرّحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين في الرّفق في دعائهم الى موافقته فتعلّق الرّحمة الرّحيميّة بالكافرين انّما هو من جهة بقاء فطرتهم واقتضائها فعليّة مرضيّة اختياريّة من الفعليّات المرضيّة تقتضي تلك الفعليّة الرّفق بهم ودعائهم الى الدّين والمداراة معهم في الدّنيا والنّصيحة لهم في امر العقبى وفي آخر الخبر المروىّ عن أمير المؤمنين (ع) الرّحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا خفّف علينا الدّين وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه فالرّحمة الرّحيميّة بمعنى

٢٨

الرّضا مقابل الغضب كالصورة للرّحمة الرّحمانيّة وهي مادّة للرضا والغضب فانّ الرّحمة الرّحمانيّة وهي افاضة الوجود وكمالات الموجود قد تصير في بعض الموجودين وهم المختارون العاصون غضبا وفي بعضهم وهم المختارون المطيعون رضا ، والرّحمة السّابقة على الغضب هي الرّحمة الرّحمانيّة دون الرّحمة الرّحيميّة أو هي الرّحمة الرّحيميّة والمراد بسبقها تعلّقها بالمكلّفين بحسب اقتضاء فطرتهم ذلك كما سبق وقد علم ممّا ذكر وجه تخلّل الاسم بين الجارّ والله ، ووجه تقديم الله على الرّحمن ، وتقديم الرّحمن على الرّحيم ، وأشار بالله الى جامعيّته تعالى وبالرّحمن الى مبدئيّته وبالرّحيم الى مرجعيّته وقد جمع جميع إضافاته فيهما ولمّا كان الحروف اللّفظيّة بإزاء مراتب الوجود العينيّة كان كلّ منها اشارة الى مرتبة منه فالالف لبساطتها اشارة الى مرتبة الوجوب والباء لكونها أقرب الى الالف في البساطة اشارة الى فعله الّذى لا فرق بينه وبينه ، والنّقطة تحت الباء اشارة الى تعيّن الفعل بالإمكان ولذلك ورد : بالباء ظهر الوجود اشارة الى مقام المشيّة ، وبالنّقطة تحت الباء تميّز العابد عن المعبود ؛ اشارة الى تعيّنها بالإمكان الاوّل العقلاني وقيل ظهرت الموجودات من باء بسم الله ، وبلحاظ انّ الحروف بإزاء مراتب الوجود ولحاظ انّ جميع الكتب السّماويّة لتصحيح النسب الحقيّة والنسب الخلقيّة وجميع النسب الحقيّة والخلقيّة مجتمعة بحسب الامّهات في فاتحة الكتاب وجميع ما في الفاتحة مجتمعة في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وجميع ما في تمام (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مجتمعة في باء بسم الله صحّ ان يقال جميع ما في القرآن في سورة فاتحة الكتاب ، وجميع ما في سورة فاتحة الكتاب في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وجميع ما في بسم الله ، في باء بسم الله ، وعلىّ (ع) باعتبار تعيّنه الاوّل هو النقطة تحت الباء وصحّ ان يقال ، لو شاء العالم لاوقر سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب أو من تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أو من تفسير باء بسم الله كما نسب أكثر هذه المضامين الى مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) قرأ القرّاء بضمّ الدّال وكسر اللّام وقرء في الشواذّ بفتح الدّال وكسر اللّام وقرء أيضا بكسر الدّال واللّام لاتباع الدّال للّام ولام الحمد لتعريف الجنس أو الاستغراق وعلى اىّ تقدير فالكلام للحصر وهو على تقدير الاستغراق واضح وعلى تقدير الجنسيّة فالحصر يستفاد من لام لله لانّه للاختصاص والحمد امّا بمعنى ما يحمد عليه وصحّ الحصر حينئذ مع ما يترائى من صفات الكمال لغيره تعالى لانّ ما للغير من صفات الكمال انّما هي له تعالى حقيقة واتّصاف الغير بها باعتبار مظهريّته لها لا باعتبار انّها من نفسه أو بمعناه المصدرىّ وفاعله الله وأصله حمد الله حمدا ثمّ حذف الفعل ونقل المصدر الى الرّفع وادخل عليه لامّ التعريف وجعل الله خبره بتوسط اللّام للدلالة على الثّبات والاستغراق والحصر وحصر الحمد بهذا المعنى في الله مع تعدّد الحامدين وكثرتهم لما سيأتى في سورة البقرة عند قوله (لكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من انّه تعالى فاعل كلّ فعل ظاهر من كلّ فاعل وانّه لا فاعل في الوجود الّا الله ولا حول ولا قوة الّا بالله ولانّ كلّ مادح إذا كان مدحه حمدا يعنى ثناء على جميل واقعيّ اختياريّ لا يكون مادحا الّا إذا صار عقلانيّا ناظرا بنظر العقل ومتكلّما بلسان العقل لا بنظر الجهل ونظر نفسه ولا بلسان الجهل ولسانه ، ونظر العقل ولسانه نظر الله ولسانه فحمده يكون حينئذ حمد الله لا حمد غير الله ، أو بمعناه المصدرىّ والله مفعوله والأصل حمدت الله حمدا فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وادخل عليه اللّام وعدل به الى الرّفع وجعل مفعوله بتوسط اللّام خبرا له هذا باعتبار الحدوث والصدور للمعنى المصدرىّ ويجوز ان يعتبر المصدر مبنيّا للفاعل أو المفعول بمعنى اعتبار ثبوت الحدث للفاعل أو المفعول واتّصافه به من غير اعتبار الحدوث والصدور فيه ، ويكون المعنى الحامديّة لله أو المحموديّة لله.

اعلم انّ ما يحمد عليه من صفاته الجماليّة عين ما يسبّح تعالى به من صفاته الجلاليّة لانّ أصل جميع

٢٩

صفاته الثّبوتيّة الجماليّة الّتى يحمد تعالى عليها هو سعة وجوده واحاطته لكلّ وجود وعدم وكلّ موجود ومعدوم لانّ العدم ثابت له نفسه الّتى هي عدم النفسيّة بالوجود والمعدوم محكوم عليه بالعدم بسبب الوجود وسعة وجوده ليست الّا سعة جملة صفاته وأصل جميع صفاته السلبيّة الجلاليّة الّتى يسبّح تعالى بها هو سلب الحدود عنه تعالى وسلب الحدود راجع الى سلب السّلوب ومصداق سلب السّلوب ليس الّا الوجود وهذا بخلاف الممكنات المحدودات فانّ السّلوب الرّاجعة إليها هي سلوب الوجودات الّتى هي منتزعة من حدود وجوداتها لا من نفس وجوداتها فسبحان من لا يحمد الّا على ما يسبّح به ولا يسبّح الّا بما يحمد عليه ولذلك كان قلمّا ينفكّ ذكر التّسبيح عن صريح الحمد أو معناه في الكتاب والسنّة والمراد إنشاء الحمد بهذه الكلمة أو الاخبار بمحموديّته تعالى ولمّا كان الله اسما للذّات باعتبار ظهوره والذّات متّحدة مع جميع الصّفات الحقيقيّة وظهور الذّات ظهور لتلك الصّفات كان الكلام في قوّة ان يقال : الحمد للذّات الجامعة لجميع صفات الكمال لجمعها جميع صفات الكمال.

(رَبِّ الْعالَمِينَ) قرء بكسر الباء وفتحها من ربّه بمعنى ملكه أو جمعه أو ربّاه أو أصلحه أو صاحبه أو لزمه والكلّ مناسب ، والربّ صفة مشبّهة أو اسم فاعل مخفّف رابّ أو مصدر أقيم مقام اسم الفاعل ، والعالم من العلم أو من العلامة مثل الخاتم بمعنى ما يعلم به ويطلق على ما سوى الله جملة وعلى كلّ مرتبة من مراتب ما سوى الله ، وعلى كلّ نوع من أنواع الموجودات ، وعلى كلّ فرد من افراد الإنسان كأنّه اعتبر في إطلاقه اجتماع أمور مع نحو اتّحاد بينها وجمعه بالواو والنّون على خلاف القياس وربوبيّته تعالى ليست كربوبيّة الملّاك للاملاك ولا كربوبيّة الاباء للأولاد ، ولا كربوبيّة النّفس للأعضاء ، بل كربوبيّة النّفس للقوى من حيث انّها تكون محصّلة للقوى ومقوّمة لها وحافظة ومبلّغة لها الى كمالاتها الاوّليّة والثّانويّة فانّ الله تعالى مفيض الوجود على العالمين وحافظ ومقوّم لها ومبلّغ لها الى كمالاتها الاوّليّة والثّانويّة ولذلك عقّبها بقوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ليكون تفضيلا لها وقد مضى تحقيق الصّفتين وجعلهما هاهنا صفتين لله يشعر بجعلهما في التّسميّة صفتين لاسم الله ليكون تأسيسا واشارة الى انّ القارى ينبغي ان يكون في قراءته مرتقيا من النّظر الى الأسماء والاتّسام بها وتوصيفها بصفات الله الى النّظر الى الذّات وتوصيفها بصفاتها حتّى يتحقّق في حقّه امتثال امر : اقرء وارق.

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قرء مالك على وزن الفاعل بالجرّ والاضافة وبالنّصب والاضافة وبالرّفع والاضافة وبالرّفع منوّنا ، وقرء ملك بفتح الميم وكسر اللّام بالجرّ والنّصب والرّفع والاضافة ، وقرء ملك بإسكان اللّام تخفيفا ، وقرء ملك على لفظ الفعل ، ومالكيّته تعالى للأشياء ليست كمالكيّة الملاك لاملاكهم ولا كمالكيّة الملوك لممالكهم ولا كمالكيّة النّفوس لاعضائها بل كمالكيّة النّفوس لقويها وصورها العلميّة الحاصلة الحاضرة عندها يفنى ما شاء منها ويوجد ما شاء ويمحو ويثبت ، وتخصيص مالكيّته تعالى بيوم الدّين للاشارة الى الارتقاء الّذى ذكرنا فانّ الإنسان ما بقي في عالم الطّبع والبشريّة لم يظهر عليه مالكيّته تعالى وإذا ارتقى الى اوّل عالم الجزاء وهو عالم المثال ظهر عليه انّه تعالى مالك للأشياء كمالكيّته لصوره العلميّة وقواه النّفسيّة فالمعنى ظاهر مالكيّته يوم الدّين سواء كان المراد ظاهر مالكيّته للأشياء أو لنفس يوم الدّين ولمّا كان الواصل الى يوم الجزاء حاضرا بوجه عند مالكه قال تعالى بطريق التّعليم (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) يعنى ينبغي للقاري ان يرتقى الى مقام الحضور ويشاهد الحقّ تعالى في مظاهره تعالى فيرى انّه ما كان مالكا لشيء من أمواله وأفعاله وأوصافه وذاته وانّ الله كان هو المالك للكلّ بالاستحقاق فيقع في مقام الالتجاء ويخاطبه بلسان حاله وقاله

٣٠

ولسان ذاته وجميع جنوده وقواه ويظهر عبوديّته ورقّيته له تعالى بنحو حصر العبوديّة فيه فانّ مقام الحضور يقتضي التضييق في العبوديّة بحيث لا يبقى للحاضر مجال النّظر الى غير المعبود الم تنظر الى قوله تعالى (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) من غير ذكر عبادة فيه فضلا عن حصر العبادة فيه تعالى ، والى قوله تعالى (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) بذكر العبادة وحصرها فيه تعالى ، فانّ مقام الغيبة لا يكون فيه عبادة ولو فرض عبادة لم يكن الّا للاسم لا لله فضلا عن الحصر فيه تعالى ، وفي مقام الحضور لا يكون غير العبادة ولا تكون العبادة الّا لمن حضر لديه ولذلك قال تعالى في موضع آخر (وَاعْبُدُوا اللهَ وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) ويكون المقصود من إظهار العبادة والحصر في الله تعالى تمهيدا لطّلب الاعانة منه ويقول بطريق الحصر نفعل فعل العبيد لك لا لغيرك أو نصير عبيدا لك لا لغيرك و (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) في دوام الحضور عندك وعدم الخروج من هذا المقام والبقاء على عبوديّتك وفي جملة الأمور سوى هذا ، وإذا بلغ السّالك في قراءته الى مقام الحضور عند ربّه يكون لا محالة يتجاذبه كثرات وجوده ورعايا مملكته وتتقاضى منه قضاء حاجاتها واحقاق حقوقها فيضطرّ الى الالتفات إليها والى كثرات خارجة من مملكته لاضطرار الحاجة إليها في قضاء حقوق رعاياه ويرى انّه قلّما ينفّك في معاملة الكثرات عن الإفراط والتفريط وهما مانعان عن مقام الحضور ولذّة الوصال فيتضرّع على ربّه ويسأله الإبقاء على لذّة الوصال عن الاشتغال بالاغيار ويقول (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) في معاملاتنا مع أهل مملكتنا والكثرات الخارجة من مملكتنا بالتّوسط بين افراط التنصّر وتفريط التّهوّد فانّ الإفراط وهو التّجاوز عن الطّريق بعد الوصول اليه يمنعنا عن مشاهدة جمالك بعد ما منحتنا بها ، والتّفريط أيضا يقصّر بنا عن الحضور لديك. والهداية هي ارائة الطّريق سواء كانت مع الإيصال الى المطلوب أو الى الطّريق أو مجرّدة عنهما ، وسواء عديّت بنفسها أو ب إلى أو باللّام ، والصّراط بالصّاد والسّراط بالسّين والزراط بالزّاء الطّريق وقرء هاهنا بالصّاد والسّين والصّراط الظّاهر ظاهر ومستقيمه معلوم والمستوى منه ما كان في حاقّ الوسط أو مستقيما وقد يقال المستقيم للطّريق الّذى يكون على أقرب الخطوط الى المقصود وهكذا المستوى والطّريق في الحركات الاينيّة هو المسافة بين مبدء الحركة ومنتهاها سواء صارت جادّة وطريقا في الأرض أو لم تصر ، وهكذا الحال في الحركات الوضعيّة ويكون المسافة وحدودها في هاتين الحركتين موجودة قبل الحركة وامّا الحركات الكيفيّة والكمّيّة والجوهريّة فالطّريق فيها وهي مراتب الكيف والكمّ الطّارية على الجسم المتحرّك ومراتب الصّور الجوهريّة المتعاقبة على الجوهر المتحرّك غير موجود لا قبل الحركة ولا بعدها بل هو كالحركة القطعيّة الّتى لا وجود لها لا قبل الحركة ولا بعدها بل وجودها يكون في الذّهن بسبب رسم وصول المتحرّك الى حدود المراتب امرا متّصلا وحدانيّا فيه والموجود من الطّريق فيها هو مرتبة من الكيف أو الكمّ أو الجوهر الّتى وجودها كالحركة التّوسطيّة عين قوّة عدمها وتكونّها عين قوّة تصرّمها ولذلك أشكل الأمر على كثير من أهل النّظر في بقاء موضوع محفوظ في هذه الحركات خصوصا في الحركات الكميّة والجوهريّة بناء على انّ الجسم التّعليمىّ منتزع عن الجسم الطّبيعى وبتبدّله يتبدّل الجسم الطّبيعىّ وبتبدّله يتبدّل الموضوع وهكذا الحال في توارد الصّور الجوهريّة في الحركات الجوهريّة والحقّ انّ الموضوع محفوظ بكمّ ما وصورة ما محفوظين في ضمن الكمّيّات والصّور الواردة بحافظ شخصىّ غيبىّ ومادّة باقيّة بكمّ ما وصورة ما فانّ الاتّصال الوحدانىّ مساوق للوحدة الشخصيّة وكلّ مكوّن من الجماد والنّبات والحيوان متحرّك من اوّل تكوّنه في الكيف والكمّ بل في الصّور الجوهريّة حتّى ينتهى الى كماله اللّائق بنوعه أو شخصه وهذا معنى كون الكون

٣١

في التّرقى فانّ الحركة خروج تدريجا من القوّة الى الفعل والخروج من القوّة الى الفعل معنى التّرقّى وكلّ من هذه خروجه من القوّة الى الفعل من اوّل تكوّنه الى كماله اللّائق به يكون على الصّراط المستقيم والفعليّات اللّائقة به انّ لم يمنعه مانع ولم يعقه عائق سوى الإنسان من افراد الحيوان فانّه بحسب استكمال بدنه يخرج على الصّراط المستقيم اللّائق بنوعه وشخصه ان لم يعقه عائق وبحسب استكمال نفسه أيضا يخرج من القوّة الى الفعل على الصّراط اللّائق بنوعه وشخصه ما لم يحصل له استقلال في اختياره فاذا حصل له استقلال في اختياره وحان أوان تمرينه وتكليفه فقد يخرج من القوى الى الفعليّات اللّائقة بنوع الإنسان من دون حصول فعليّة مخالفة لنوعه متخلّلة بين تلك الفعليّات حتّى يصل الى آخرة فعليّاته وهي مقام الإطلاق والولاية الكليّة وعلويّة علىّ (ع) وهذا نادر وكثيرا ما يخرج من القوى الى الفعليّات اللّائقة به بتخلّل فعليّات غير لائقة به فيكون خروجه الى الفعليّات لا على الصّراط المستقيم الانسانىّ بل قد يعوّج صراطه الى غير الفعليّات اللّائقة به وقوله تعالى (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) اشارة الى هؤلاء السّلّاك ، وقد يخرج الإنسان الى الطّرق المعوّجة والفعليّات الغير اللّائقة به من دون فعليّة لائقة به فقد ينتهى في تلك الفعليّات فيصير أخسّ من البهائم أو السّباع أو الشّيطان وقد يقف فيمسخ بصورة الفعليّة الّتى وقف عليها ولمّا كان الصّراط المستقيم الانسانىّ ادقّ الأمور بحيث لا يمكن لكلّ بصير تمييزه ، وأحد الأمور بحيث لا يمكن لكلّ سألك سلوكه من غير زلّة الى أحد الطّرفين ، وأخفى الأمور بحيث لا يمكن لكلّ مدرك إدراكه وكان الأشخاص مختلفين في السّير عليه بحسب فطرتهم وبحسب الأسباب والمعاونات الخارجة وصف بأنّه أدقّ من الشّعر وأحدّ من السّيف وانّه مظلم يسعى النّاس عليه على قدر أنوارهم ولكون تلك الفعليّات اللّائقة بالإنسان صور مراتب انسانيّة الإنسان ومحفوفة بفعليّات الإفراط والتّفريط الّتى هي انموذجات الجحيم ومخرجة للإنسان في كلّ مرتبة وفعليّة من صورة من صور مراتب النيّران وموصلة الى صورة مرتبة من مراتب الجنان ورد انّ الصّورة الانسانيّة هي الطّريق المستقيم الى كلّ خير والجسر الممدود بين الجنّة والنّار ؛ وانّ الصّراط ممدود على متن جهنّم ، ولمّا كان السّلوك على الصّراط الانسانىّ والخروج من القوى الى الفعليّات الانسانيّة مستلزما للتّوسط بين الإفراط والتّفريط في الأعمال البدنيّة والأحكام الشرعيّة وفي الأعمال القلبيّة يعنى الأخلاق النّفسيّة والأحوال الطّاريّة وفي أوصاف العقليّة والعقائد الدّينيّة وكان التّوسّط في ذلك مستلزما للسّلوك على الصّراط الانسانىّ فسّر الصّراط بالتّوسط في الأعمال والأحوال والأخلاق والعقائد والتّوسّط في الأعمال مثل التّوسط في الاكل والشّرب المشار اليه بقوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا) فانّه إباحة للأكل والشّرب أو استحباب أو وجوب ومنع عن الإمساك (وَلا تُسْرِفُوا) فانّه منع صريحا عن الإفراط ، ومثل التّوسط في الانفاقات المشار اليه بقوله تعالى (لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ،) ومثل قوله تعالى في الصّدقات الواجبة أو المستحبّة (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا) ، ومثل قوله تعالى في الصّلوة أو في مطلق العبادات البدنيّة (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ، والتّوسط في الأحوال كالتّوسط بين الجذب والسّلوك الصّرف ، والتّوسط بين القبض والبسط ، والتّوسط بين الخوف والرّجاء ، والتّوسط في الأخلاق كالتّوسط بين الشره والخمود المسمّى بالعفّة ، والتّوسط بين التّهوّر والجبن المسمّى بالشجاعة ، والتّوسط بين الجربزة والبلاهة المسمّى بالحكمة ، والتّوسط بين الظلم والانظلام المسمّى بالعدالة ، والتّوسّط في العقائد كالتّوسط بين التّنزيه المحدّد والتّشبيه المجسّم في الحقّ الاوّل تعالى شأنه ، والتّوسط بين حصر النّبى (ص) والامام (ع) على المرتبة

٣٢

الجسمانيّة واعلائهما الى مرتبة الآلهة في اعتقاد النّبوّة والامامة ، والتوّسط بين الجسمانيّة الطّبيعيّة والروحانيّة الصّرفة في اعتقاد المعاد وطبقات الجنان ولذّاتها ودركات النيران وآلامها ، ولمّا كان الخارج الى الفعليّات الانسانيّة والسّالك على الصّراط المستقيم يصير متحقّقا بتلك الفعليّات فاذا بلغ الى مقام من مقامات الآلهة وصار به نبيّا أو خليفة وصار بنفسه طريقا وصراطا مستقيما من مقام بشريّته ومقامات روحانيّته وصار ولايته الّتى هي البيعة معه والاتّصال به بنحو مخصوص وكيفيّة خاصّة طريقا انسانيّا لانّها طريق الى روحانيّته وروحانيّته طريق حقيقة الى الله صحّ ما ورد عن الصّادق (ع) من انّها الطّريق الى معرفة الله وهما صراطان صراط في الدّنيا وصراط في الآخرة فامّا الصّراط في الدّنيا فهو الامام المفترض الطّاعة ؛ من عرفه في الدّنيا واقتدى بهديه مرّ على الصّراط الّذى هو جسر جهنّم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدّنيا زلّت قدمه عن الصّراط في الآخرة فتردى في نار جهنّم ، وما ورد عنه انّ الصّراط أمير المؤمنين (ع) وزيد في خبر : ومعرفته ، وما ورد انّه معرفة الامام (ع) وما ورد من قولهم : نحن الصّراط المستقيم وصحّ ان يقال انّ بشريّة الامام ومعرفة بشريّته من دون معرفة نورانيّته والاتّصال ببشريّته والبيعة معه طريق الى الطّريق الى الله وانّ الطّريق الى الله هو نورانيّة الامام (ع) ومعرفتها والاتّصال بها ويسمّى الاتّصال بالإمام (ع) ومعرفته بحسب نورانيّته عند الصّوفيّة بالحضور والفكر واوّل مرتبة ذلك الاتّصال والمعرفة هو ظهور الامام بحسب مقام مثاله على صدر السّالك الى الله وليس المراد بهذا الفكر والحضور ما اشتهر بين مرتاضي العجم من جعل صورة الشيخ نصب العين بالتّعمّل وان كان ورد عن ائمّتنا (ع) الاشعار بمثل هذا المعنى فانّه ورد عن الصّادق (ع) وقت تكبيرة الإحرام تذكّر رسول الله (ص) واجعل واحدا من الائمّة (ع) نصب عينيك ، فانّه تقيّد بالصّورة وشبيه بعبادة الأصنام بل المراد انّ السّالك ينبغي ان يجلو مرآة قلبه بالذّكر والأعمال المأخوذة من شيخة ، فاذا اجتلى الذّهن وقوى الذّكر وخلا القلب من الأغيار ظهر الشّيخ بمثاله على السّالك فانّ الذّكر المأخوذ منه نازلة موجوده فاذا قوى تمثّل بصورته وإذا ظهر الشّيخ بمثاله رفع كلفة التّكليف عنه والتذّ بحضوره عند محبوبه ورأى انّ كلّ ما يرد عليه انّما هو من محبوبه فيلتذّ بها ولو لم يكن ملائما لانّه يراها من محبوبه وحينئذ قد يكون ظهور الشّيخ بنحو ظهور المباين الخارج على المباين ، وقد يكون بنحو الحلول في وجوده ، وقد يكون بنحو الاتّحاد ، وقد يكون بنحو فناء السّالك وبقاء الشّيخ وحده وللسّالك في كلّ من المراتب مراتب ودرجات وحالات وورطات مهلكات إذا اغتّر وخرج من تصرّف الشّيخ ومن عرض حاله عليه فانّه كثيرا يغتّر بما يشاهده من غير تميّز ويعتقد ما عاينه من غير عرض على بصير حتّى يبيّن له سالمه عن سقيمه فيظهر منه ما لا يرضيه الشّرع من مثل انّى انا الله ، وليس في جبّتى سوى الله ويظهر منه اعتقاد الحلول والاتّحاد والوحدة الممنوعة والاباحة والإلحاد في الشّريعة المطهّرة ، ولمّا كان السّالك على الفعليّات الانسانيّة يصير الفعليّة الاخيرة صورة له وسائر الفعليّات تصير كالمادّة وشيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته صحّ اضافة الطّريق اليه باعتبار انّه الفعليّة الأخيرة وصحّ تفسيره به باعتبار انّه متحقّق بجميع الفعليّات ، ولمّا كانت السّورة تعليما للعباد كيف يحمدونه ويلتجئون اليه ويدعونه فقوله تعالى (اهْدِنَا) تلقين لكلّ العباد ان يدعوه للهداية فمعنى اهدنا بالنّسبة الى غير المسلم دلّنا على الطّريق الّذى هو النّبىّ الّذى هو الطّريق إليك أو أوصلنا اليه وبالنّسبة الى المسلم دلّنا على الطّريق الّذى هو الولىّ الّذى يؤمن به أو أوصلنا أو ابقنا على الصّراط الّذى هو الإسلام باختلاف نظره فانّه ان كان ناظرا الى إسلامه وراضيا به فالمعنى أدمنا ، وان كان ملتفتا الى انّ الإسلام طريق الى الايمان فالمعنى دلّنا أو أوصلنا الى الايمان ، وبالنّسبة الى المؤمن الغير الحاضر عند شيخة بحسب نورانيّته أدمنا على الطّريق أو أوصلنا أو دلّنا بحسب اختلاف نظره وبالنّسبة الى الحاضر عند

٣٣

شيخة بحسب نورانيّته أدمنا أو اذهب بنا على الطّريق ، وبهذه الاعتبارات اختلفت الاخبار في تفسير (اهْدِنَا) ولمّا كان السّلوك على الصّراط المستقيم الانسانىّ لا يحصل الّا بالولاية والولاية هي النّعمة الحقيقيّة وبها يصير الإسلام نعمة أبدل تعالى عنه قوله تعالى (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فانّ الانعام للإنسان ايتائه ما يلايم انسانيّته والملايم لانسانيّته هي الولاية المخرجة له الى فعليّاته الانسانيّة ، والفعليّات الانسانيّة من مراتب الولاية والآثار الصّادرة واللّازمة من فعليّاته الانسانيّة من التّوسط في الأمور المذكورة وهكذا الأعمال المعيّنة على الخروج المذكور انّما هي نعمة باعتبار اتّصالها بالنّعمة الّتى هي الولاية ولذلك ورد عن مولينا أمير المؤمنين (ع) في تفسيره انّه قال : قولوا اهدنا صراط الّذين أنعمت عليهم بالتّوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصحّة فانّهم قد يكونون كفّارا أو فسّاقا قال وهم الّذين قال الله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) الى قوله (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً). والنّعم الصوريّة ان كانت مرتبطة بالولاية كانت نعمة والّا صارت نقمة إذا كانت معيّنة على الخروج الى الفعليّات الغير الانسانيّة وهكذا كان حال الفعليّات الانسانيّة بعد ما حصلت بالولاية يعنى إذا صارت مسخّرة للشّيطان بعد ما كانت مسخّرة للرّحمن صارت نقمة بعد ما كانت نعمة ، ولمّا كان المنعم عليهم بالولاية هم المتوسّطين بين التفريط والتقصير في ترك الولاية والإفراط المخرج عن حدّ الولاية وصراطهم كان متوسّطا بين التّفريط والإفراط في جملة الأمور وصفهم بقوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فانّه قد فسّر المغضوب عليهم بالمفرّطين المقصّرين والضّالّون بالمفرطين المتجاوزين لانّ المفرّط المقصّر لمّا لم يبلغ الى الولاية لم يصر مرضيّا أصلا والمفرط في امر الولاية لمّا صار بالوصول الى حدّ الولاية مرضيّا خرج من المغضوبيّة لكنّه بتجاوزه عن حدّ الولاية ضلّ عن طريق الانسانيّة وعن طريق الرّضا فانّ المعيار للرّضا والغضب وللإفراط والتّفريط هو الولاية لا غير لانّها حدّ استقامة الإنسان وسبب ارتضائه وقد يفسّر (الْمَغْضُوبِ) عليهم بمن لم يبلغ في وصفه مقام النّبىّ (ص) أو الامام (ع) والضّالّ بمن وصفهما بما هو فوق إدراكه أو فوق مقامهما وبهذا المعنى فسّرا باليهود والنّصارى وان كان يجوز ان يكون تفسيرهما باليهود والنّصارى باعتبار المعنى الاوّل ويجوز ان يجعل عطف الضّالّين من قبيل عطف الأوصاف المتعدّدة لذات واحدة فانّ المفرّط والمفرط كليهما مغضوب عليهما وضالّان بمعنى انّهما فاقدان للطّريق سواء كان الفقدان بعد الوجدان أو قبل الوجدان ، وقد يفسّر (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) بالنّصاب لشدّة غضب الله عليهم «والضّالّون» بمن لم يعرف الامام وبمن كان شاكّا فيه.

اعلم انّ السّورة المباركة تعليم للعباد كيف يحمدون ويثنون على الله تعالى وكيف يقرؤن ويرتقون في قراءتهم وكيف يخاطبون ويسألون فالأمر بالاستعاذة في اوّل القراءة للاشارة الى انّ الإنسان واقع بين تصرّف الرّحمن والشّيطان الّا من عصمه الله فاذا أراد القرائة أو الثّناء على الله والمناجاة له ينبغي ان يستعيذ من تصرّف الشّيطان ويلتجئ الى حفظ الله وامانه حتّى لا يكمن الشّيطان خلف قلبه ولا يخلى ألفاظ ثنائه ومقرّواته من معانيها المقصودة لله ولا يدخل فيها المعاني الشّيطانيّة فيصير الحامد حامدا للشّيطان وقاريا لكتاب الشّيطان وهو يحسب انّه حامد لله وقار لكتاب الله ويكون داخلا في مصداق قوله تعالى (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ) يعنى لا لسان الله بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب فلا بدّ للمستعيذ ان يكون ملتفتا الى ما يقول ويجعل حاله حال الاستعاذة من الشّيطان والّا كان استعاذته كقراءته بتصرّف الشّيطان واستعاذة من الرّحمن لا الى الرّحمن وجعل التسميّة

٣٤

جزء من اوّل كلّ سورة والأمر بها في اوّل كلّ امر اشارة الى انّ الفاعل لكلّ فعل وخصوصا عند تلاوة القرآن الّذى هو كلام الله ينبغي ان يسم نفسه بسمة من سمات الله حتّى يصير لسانه وسائر أعضائه آلات لتلك السّمة وكلامه وأفعاله كلاما وافعالا لذلك الاسم فيصحّ جعلها لله فانّها ان لم تكن من الله لم تكن لله ولو لم يسم نفسه بسمة من سمات الله صار متّسما بسمة من سمات نفسه وسمات الشّيطان فصارت أعضاؤه آلات للشّيطان فكان افعالها افعالا صادرة من الشّيطان وراجعة اليه وصار القارى والفاعل ممّن يلوون ألسنتهم بالكتاب وممّن قال الله فيهم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) لا بيد الله ثمّ ينظر الى سعة ظهوره تعالى بصفاته في كلّ سمة من سماته فينظر الى جملة إضافاته تعالى الظّاهرة من تلك السّمة بالنّسبة الى أهل مملكته ان كان قاصرا عن رؤية إضافاته بالنّسبة الى خارج مملكته فيصفها بأمّهات إضافاته تعالى وهي رحمته الرّحمانيّة الدّالة على الإبداء والإبقاء ورحمته الرّحيميّة الدّالة على الاعادة وافاضة الكمالات الاختياريّة الانسانيّة حتّى يستعدّ بذلك التّوصيف للنّظر الى الله تعالى وتوصيفه بصفاته في حمده وثنائه بدون وساطة سماته وتختلف السّمات بحسب اختلاف حال القارى والمتّسم فتلك السّمة بالنّسبة الى المنقادين القابلين للولاية الغائبين عن الله وعن امامهم هي جهة النّفس المنقادة لولىّ أمرها وهي المقوّمة والرّازقة المبقية بالنّسبة الى أهل مملكتها والمفيضة لكمالاتها الاختياريّة وبالنّسبة الى من عرف ووجد انموذجات أسمائه تعالى في وجوده تلك الانموذجات وبالنّسبة الى من حضر عند شيخة ووجد مثال شيخة في مملكته هي صورة شيخة وهو اوّل مقامات المعرفة بالنّورانيّة ، وبالنّسبة الى من خرج من مقام التقدّر وعاين الأشياء مجرّدة عن التقدّر روحانيّة شيخة مجرّدة عن التقدّر ، وبالنّسبة الى من خرج عن مقام التحدّد والتقييدات الامكانيّة مقام الإطلاق المعبّر عنه بالمشيّة وبالنّسبة الى الجامع لجميع المقامات سمات تمام المقامات وبعد الاستعداد للنّظر الى الذّات من غير احتجاب بحجب السمات ينبغي للقاري ان يجرّد النّظر عن الأسماء وينظر الى الله في كلّ شيء وفيء ، ولا يرى من الأشياء الّا الحدود والنقائص ولا يرى صفات الكمال الّا من الله ، ويطلق لسانه بصيغة الحمد إنشاء أو اخبارا بنحو حصر المحامد أو الحامديّة أو المحموديّة فيه تعالى ، ويصفه بربوبيّته الّتى هي حفظ الأشياء بكمالاتها الموجودة وتبليغها الى كمالاتها المفقودة وهكذا الى آخر السورة بنحو ما ذكر سابقا.

ثمّ اعلم انّ للسّالكين الى الله أسفارا ومنازل ومقامات ومراحل لا يحصيها الّا الله وقد قالوا انّها بحسب الامّهات منحصرة في أربعة اسفار ، الاوّل ، السّفر من الخلق الى الحقّ وهو السّير من حدود الكثرات والنّظر إليها الى الحقّ الاوّل ، ومنتهى هذا السّفر الوصول الى حدود القلب ومشاهدة الحقّ الاوّل في مظاهره بصفاته وأسمائه ، ولا ينفكّ السّالك في هذا السّفر من العنا وكلفة التّكليف وفي حقّ هذا السّالك قال المولوى قدس‌سره :

جمله دانسته كه اين هستى فخ است

ذكر وفكر اختياري دوزخ است

والثّانى ، السّفر من الحقّ في مظاهره الى الحقّ المطلق وفي هذا السّفر يتبدّل الكلفة راحة والمرارة لذّة والخوف أمنا ، وفي هذا السّفر ورطات مهلكات كما سيجيء. والثّالث ، السّفر بالحقّ في الحقّ ، وفي هذا السّفر يسير السّالك بتسيير الحقّ من غير شعور منه بسيره ولا بذاته ، والسّلّاك في هذا السّفر أحد مصاديق قوله تعالى انّ أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيري والرّابع ، السّفر بالحقّ في الخلق وابتداء هذا السّفر ابتداء الرّبوبيّة وانتهاء العبوديّة ومقامات هذا السّفر لا يحصيها الّا الله وتحديد عدد الأنبياء (ع) والأوصياء (ع) بمائة واربعة وعشرين ألفا اشارة الى أمّهات تلك المقامات وسيجيء تحقيق تامّ لبيان الاسفار ومراتب الإنسان عند

٣٥

عند قوله تعالى (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) في سورة البقرة. إذا تنبّهت بذلك فاعلم انّ السّورة المباركة اشارة اجمالا الى الاسفار الاربعة المذكورة فانّ الاستعاذة اشارة الى السّفر من الخلق الى الحقّ لانّ هذا السّفر فرار من الكثرات ومظاهر الشّيطان الى عالم التّوحيد ومظاهر الحقّ تعالى ، والاستعاذة القّولية اخبار بهذا الالتجاء والاستعاذة الفعليّة نفس ذلك الالتجاء والفرار ، والتسميّة الى قوله (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) اشارة الى السّفر من الحقّ الى الحقّ فانّ التسميّة اخبار بالاتّصاف بصفاته تعالى وما بعده الى مالك يوم الدّين أعلام بحركة السّالك في صفات الحقّ تعالى الى ظهور مالكيّته وفناء العبد من ذاته وهذا السّفر حركة في صفات الحقّ تعالى الى فناء العبد ، وقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) اشارة الى السّفر بالحقّ في الحقّ لانّ مالكيّته تعالى لا يظهر الّا إذا صار العبد فانيا من فعله ووصفه وذاته وبفناء ذاته يتمّ عبوديّته وبعد كمال عبوديّته لا يكون سيره الّا في الحقّ المطلق ولا يكون الّا بالحقّ لعدم ذات له ، وقوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) اشارة الى السّفر بالحقّ في الخلق وهذا هو الرّجعة الاختياريّة في العالم الصّغير والبقاء بعد الفناء والصّحو بعد المحو ، وينبغي ان يكون هذا السّفر بحفظ الوحدة في الكثرات والصّراط المستقيم في هذا السّفر هو محفوظيّة الوحدة في الكثرة بحيث لا يغلب إحديهما على الاخرى ولا يختفى إحديهما تحت الاخرى وهذه الأحوال قد تطرؤ على السّلاك سواء استشعروا بها أو لم يستشعروا.

اذاقنا الله وجميع المؤمنين منها ومكّننا فيها والحمد لله اوّلا وآخرا ولا حول ولا قوّة الّا بالله العلىّ العظيم.

٣٦

سورة البقرة

مدنيّة كلها الّا آية واحدة منها وهي قوله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ

فِيهِ إِلَى اللهِ) فانّها نزلت في حجّة الوداع بمنى كذا في المجمع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تحقيق مراتب الوجود وانّه حقيقة واحدة مشكّكه

(الم) ، اعلم انّ الوجود حقيقة واحدة متأصّلة في التحقّق ظاهرة في مراتب كثيرة متفاوتة بالشّدة والضّعف والتقدّم والتأخّر متكثّرة بحسب تكثّر التّعيّنات الّتى نشأت من تنزّلاتها والتعيّنات تابعة لها في التحقّق مجعولة بمجعوليّتها معلولة بمعلوليّتها لا حكم لها في أنفسها لانّها من حيث هي ليست الّا هي لا معدومة ولا موجودة ولا موصوفة بشيء من توابعهما ، والمدارك الحيوانيّة لتقيّدها بالتعيّنات الكثيرة لا تدرك الّا الموجودات المقيّدة بالتعيّنات من حيث هي مقيّدة ولذا تتوّهم انّ الأصل في التحقّق والمجعول بالذّات والمحكوم عليه هي التعيّنات وانّ الوجودات أمور اعتباريّة لا حقيقة لها ولا عليّة ولا معلوليّة فيها.

واعلم أيضا انّ مرتبة من تلك الحقيقة غيب مطلق لا خبر عنها ولا اسم لها ولا رسم والاخبار عنها بأن لا خبر عنها من قبيل الاخبار عن المعدوم المطلق بأنّه لا خبر عنه والاسم الّذى استأثره الله تعالى لنفسه ولم يظهره لغيره هو في تلك المرتبة ، ومرتبة منها ظهور المرتبة الاولى وتجليّه تعالى بأسمائه وصفاته وذلك الظّهور يسمّى باعتبار بالواحديّة وباعتبار بالمشيّة كما يسمّى باعتبار بالعرش وباعتبار بالكرسي وباعتبار بالله وباعتبار بالعلىّ وهي كلمة الله وفعل الله وإضافته الاشراقيّة ونور الله في السّماوات والأرض وتسمّى بنفس الرّحمن للتّشبيه بنفس الإنسان وهي البرزخ بين الوجوب والإمكان والجامع بين الاضداد كلّها وفي تلك المرتبة يجيء الكثرة كم شئت بحسب كثرة الأسماء والصّفات وبحسب كثرة التعيّنات :

تحقيق معنى بسيط الحقيقة كلّ الأشياء

وما قيل انّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس بشيء منها ، اشارة الى تلك المرتبة ؛ والّا فمرتبة الوجوب الذّاتىّ لا خبر عنه كما مرّ ووجه كونها كلّ الأشياء انّها ماخوذة لا بشرط والمأخوذ لا بشرط لا ينافي المأخوذ بشرط بل هو هو مقطوع النّظر عن الشّرط وما ورد في الآيات والاخبار في بيان هذا الاتّحاد مشيرا الى بقاء المغايرة بين هذه المرتبة وبين الأشياء مثل قوله تعالى (هُوَ مَعَكُمْ) وقوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) وقوله (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) وقوله (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وقول المعصوم (ع) داخل في الأشياء لا بالممازجة وقوله (ع) ما رأيت شيئا الّا ورأيت الله فيه وغير ذلك ممّا يدلّ على الاتّحاد والمغايرة أجود من قولهم بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس بشيء من الأشياء ، حيث يحتاج الى هذا القيد ويوهم اتّحاده مع الأشياء ومن حيث انّها مقيّدة بقيودها ومراتب

٣٧

منها ظهورات تلك المرتبة بحسب تنزّلاتها وترقيّاتها وتكثّراتها بحسب التعيّنات وتلك المراتب هي الّتى تسمّى باعتبار بالملائكة الّذين هم قيام لا ينظرون والصّافات صفّا والمدبّرات امرا والرّكّع والسجّد وعالم الكون المنقسم الى السّماويّات والارضيّات ، وباعتبار بالأقلام العالية واللّوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات وعالم العين المنقسم الى الاباء العلويّة والامّهات السّفليّة ودار الجنّة وكلّ تلك المراتب نازلها مثال وظهور لعاليها وعاليها حقيقة لنازلها والإنسان الّذى هو خلاصة جملة الموجودات أيضا له مراتب كمراتب العالم وكلّ مرتبة منه حقيقة أو رقيقة لما سواه فكلّما يجرى على لسان بشريّته رقيقة وتنزّل وظهور لما يجرى على لسان مرتبة مثاله ، وما يجرى على لسان مثاله رقيقة لما يجرى على لسان قلبه ، وهكذا وكلّ تلك رقائق لما ثبت في المشيّة وفضل الإنسان بقدر الاستشعار بتلك المراتب والاتّصال بها ، ومن لا يدرك من الإنسان سوى البشريّة فقدره قدر البهيمة وأكثر النّاس غافلون عن تلك المراتب لا يدركون من الإنسان سوى ما في إهابه والمستشعر بتلك المراتب والمتحقّق بها إذا تكلّم هو أو غيره بكلمة يستشعر بحقائق تلك الكلمة وصور حروفها في المراتب العالية أو يتحقّق بها.

تحقيق جريان الحروف المقطّعة على لسان المنسلخ عن هذا البنيان

وما قيل : انّ كلّ حرف من القرآن في الألواح العالية أعظم من جبل أحد ؛ صحيح عند هذا الاستشعار أو التحقّق ، وقد يتحقّق الإنسان بالمراتب العالية أو يستشعر بها اوّلا ثمّ ينزّل من تلك المراتب على بشريّته الكلمات الّتى هي رقائق ما يظهر عليه من الحقائق في تلك المراتب ، وقد نقل عن بعض انّه كان إذا سمع كلمة دالّة على المعاني العالية أو ذكر كلمة كذلك يأخذه الغشي وينسلخ من بشريّته وربّما كان يتكلّم حين الغشي بالحقائق الالهيّة وقد كان رسول الله (ص) يأخذه حالة شبيهة بالغشى حين نزول الوحي وكان (ص) قد يظهر عليه الحقائق حينئذ في تلك المراتب بنحو التّفصيل وتنزّل على بشريّته أيضا بنحو التّفصيل وتسمّى النّازلة بكلام الله وبالحديث القدسي ، وقد يظهر الحقائق بنحو الإجمال والبساطة وتنزّل على بشريّته كذلك فيعبّر عنها بطريق الإجمال وبالحروف المقطّعة مثل فواتح السّور.

معنى تأويل القرآن وبطونه

وتأويل القرآن عبارة عن إرجاع ألفاظه الى حقائقها الثابتة في تلك المراتب ، وبطون القرآن عبارة عن الحقائق الثابتة في تلك المراتب ولكون المراتب باعتبار كليّاتها سبعا وباعتبار جزئيّاتها ترتقى الى سبعمائة الف اختلف الاخبار في تحديد البطون ولعدم إمكان التّعبير عن تلك الحقائق للرّاقدين في مراقد الطّبع الّا بالأمثال كما يظهر الحقائق العينيّة للنّائمين عن هذا العالم بالأمثال اختلف الاخبار في تفسير فواتح السّور وما ورد في تفسيرها صريحا أو تلويحا تبلغ اثنى عشر وجها فنقول : آلم ، امّا بعض حروف الاسم الأعظم القى اليه (ص) تنبيها له (ص) حتّى يؤلّفه ويدعو به أو هو من الأسرار الّتى لا يطلع عليها أحدا أو هو مأخوذ من حروف الكلمات الّتى هو اشاره إليها مثل انا الله المجيد أو هو مأخوذ من حروف الأسماء الّتى هو اشارة إليها مثل الله ، جبرئيل (ع) محمّد (ص) أو هو اسم للسّورة أو للقرآن كما قيل أو هو اسم لله أو لمحمّد (ص) أو هي أسماء للحروف البسيطة المركّب منها الكلمات ، والمقصود انّ المؤلّف ، من مسمّياتها هذا القرآن أو السّورة وهي لغتكم وأنتم عاجزون عن مثله أو هو اشارة الى مراتب وجود العالم أو مراتب وجوده (ص) أو هو اشارة الى بد وظهور أقوام وآجالهم.

٣٨

في الوجوه المحتملة في اعراب فواتح السور وعدم اعرابها

وقد ذكر أكثر هذه الوجوه في الاخبار صريحا وما لم يذكر صريحا يستفاد منها تلويحا وسائر ما قيل فيها ضعيف جدّا وما يترتّب عليها من جهة خواصّها ومزاجها واعدادها فخارج عن أسلوب العربيّة ، فان كان حروف الاسم الأعظم فامّا ان يكون له محلّ من الاعراب اولا ، فان كان ذا محلّ من الاعراب فامّا ان يكون مبتدء محذوف الخبر أو خبرا محذوف المبتدأ أو مفعولا لمحذوف مثل اذك أو ادع أو الّف ممّا يناسب المقام أو هو مقسم به منصوب بفعل القسم أو مبتدأ لما بعده أو خبر لما بعده أو منادى بتقدير حرف النّداء فهذه ثمانية أوجه تجري بأعيانها أو بأمثالها في جميع الوجوه المحتملة في (الم) الّتى هي اثنا عشر ويحصل من ضرب الثمانيّة في الاثنى عشر ستّة وتسعون وجها ويجرى في كلّ وجوه عديدة من الاعراب بحسب تركيبه مع ما بعده ونذكر وجوه الاعراب في واحد من الستّة والتّسعين لتكون ميزانا للباقي فنقول إذا كان الم مأخوذا من حروف الاسم الأعظم وكان مبتدء محذوف الخبر تقديره آلم حروف الاسم الأعظم مثلا فذلك بدل منه أو عطف بيان والكتاب صفة لذلك أو بدل منه ولا ريب على قراءة الفتح والرّفع «لا» فيه لنفى الجنس أو عاملة عمل ليس أو ملغاة عن العمل فتلك اثنى عشر والجملة حال أو مستأنفة فتلك اربعة وعشرون وخبر «لا» محذوف لشيوع حذف خبر لا حتّى قيل انّه لا خبر لها وفيه صفة لريب أو حال عنه لوقوعه في سياق النفي أو حال عن آلم فتلك اثنان وسبعون وهدى حال من الرّيب أو من آلم أو صفة لريب أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بالوجوه الثّلثة في حمل المصدر على الذّات أو تمييز فتلك ستّة عشر وجها مضروبة في الاثنين والسّبعين فيحصل الف ومأة واثنان وخمسون ١١٥٢ و (لِلْمُتَّقِينَ) صفة لهدى أو لريب أو حال عن الم أو عن ريب أو خبر مبتدء محذوف أو ظرف لغو متعلّق بهدى أو بفيه فتلك سبعة مضروبة في سابقتها تحصل ثمانية آلاف واربعة وستّون ٨٠٦٤ ، أو على الوجوه الاربعة والعشرين الحاصلة عند تركيب لا ريب ، لفظ فيه خبر مقدّم وهدى مبتدء مؤخّر والجملة صفة لريب أو حال منه أو حال من الم أو مستأنفة فتلك ستّة وتسعون و (لِلْمُتَّقِينَ) على الوجوه الثمانية بإضافة وجه كونه خبرا بعد خبر الى الوجوه السبعة السّابقة فتلك بعد الضّرب سبعمائة وثمانية وستّون تجمع مع الوجوه السّابقة تحصل ثمانية آلاف وثمانمائة واثنان وثلثون ٨٨٣٢ ، أو على الوجوه الاربعة والعشرين «هدى» مبتدء وللمتّقين خبره والمسوّغ تقديم فيه وفيه حال عن هدى أو ظرف لغو متعلّق بالخبر أو متعلّق بهدى على ضعف والجملة على الوجوه الاربعة فتلك اثنا عشر تضرّب في الاربعة والعشرين وتحصل مائتان وثمانية وثمانون وتجمع مع السّابقة حتّى تحصل تسعة آلاف ومائة وعشرون ٩١٢٠ ، أو نقول على الوجوه الاربعة والعشرين «فيه» خبر لا وهدى صفة للرّيب أو حال عنه أو عن الم أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بالاوجه الثّلاثة في حمل المصدر أو هدى تميز وللمتّقين صفة بالوجهين أو حال بالوجهين أو خبر مبتدء محذوف أو خبر بعد خبر أو لغو بالوجهين فهذه ثلاثة آلاف وستّمائة وثمانية وأربعون ٣٦٤٨ أو نقول على الوجوه الاربعة والعشرين فيه صفة لريب أو حال عنه أو عن آلم وهدى على الوجوه الثّلاثة في حمل المصدر خبر لا وللمتّقين على الوجوه الثّمانية وبعد الضّرب تحصل الف وسبعمائة وثمانية وعشرون ١٧٢٨ ، أو نقول على الاربعة والعشرين فيه على الوجوه الثّلاثة وهدى على التّسعة عشر وللمتّقين خبر لا تحصل بعد الضّرب الف وثلاثماة وتسعة وستون ١٣٦٩ ، أو نقول على الوجوه الاربعة والعشرين فيه هدى جملة معترضة أو صفة أو حال بالوجهين وللمتّقين خبر لا فهذه بعد الضّرب ستّة وتسعون ٩٦ ، أو نقول على الاربعة والعشرين فيه هدى خبر لا وللمتّقين على الوجوه التّسعة بإضافة كونه خبرا بعد خبر لهدى الى الثّمانية السّابقة فهذه مائتان وستّة عشر ٢١٦ ، أو نقول على الاربعة والعشرين فيه هدى للمتّقين جملة

٣٩

واحدة خبر لا وفيه لغو متعلّق بقوله للمتّقين أو بهدى أو حال عن هدى فهذه اثنان وسبعون ٧٢ تجمع وتضاف الى مجموع الحاصل السّابق تحصل ستّة عشر ألفا ومائتان وتسعة وأربعون ١٦٢٤٩ أو نقول ذلك بدل أو عطف بيان على تقدير كون آلم مبتدء محذوف الخبر والكتاب مبتدء وما بعده خبره والجملة حال أو مستأنفة والخبر لا ريب محذوف الخبر على الثّلاثة في لفظ لا وفيه صفة الرّيب أو حال منه وامّا كونه خبرا بعد خبر أو حالا عن آلم أو عن الكتاب فضعيف جدّا لاحتياج لا ريب حينئذ الى تقدير عائد للمبتدء وهدى صفة للرّيب أو حال عنه أو عن الم أو عن الكتاب أو خبر بعد خبر للكتاب أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بالاوجه الثّلاثة في حمل المصدر أو هدى تميز وللمتّقين صفة لهدى أو لريب أو حال عن آلم أو عن الكتاب أو عن الرّيب أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدء محذوف أو ظرف لغو متعلّق بهدى أو بفيه فهذه بعد الضّرب اربعة آلاف وسبعمائة واثنان وخمسون ٤٧٥٢ ، أو نقول على الوجوه الاثنى عشر حين كون لا ريب محذوف الخبر خبرا للكتاب فيه هدى صفة لريب أو حال منه أو من الكتاب أو من آلم أو خبر بعد خبر أو جملة مستأنفة وللمتّقين على العشرة بإضافة كونه خبرا بعد خبر لهدى الى التّسعة السّابقة تحصل بعد الضّرب سبعمائة وعشرون ٧٢٠ أو نقول على الاثنى عشر هدى للمتّقين جملة على السّتة وفيه حال من هدى أو لغو متعلّق بقوله للمتّقين أو بهدى فهذه مائتان وستّة عشر ٢١٦ ، أو نقول على الاثنى عشر خبر لا ريب لفظة فيه وهدى صفة للرّيب أو حال منه أو من آلم أو من الكتاب أو خبر بعد خبر للكتاب أو خبر بعد خبر للاريب أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف بثلاثة أوجه في حمل المصدر أو تميز وللمتّقين صفة هدى أو صفة ريب أو حال عن الرّيب أو عن آلم أو عن الكتاب أو خبر بعد خبر للكتاب أو للاريب أو خبر مبتدء محذوف أو لغو متعلّق بهدى أو بفيه فهذه ثلثة آلاف ٣٠٠٠ ، أو نقول على الوجوه الاثنى عشر فيه صفة لريب أو حال عنه أو عن الكتاب وهدى خبر لا ريب على الوجوه الثلاثة في المصدر وللمتّقين على العشرة فهذه الف وثمانون ١٠٨٠ ، أو نقول على الاثنى عشر فيه على الثّلاثة وهدى على الاثنين والعشرين وللمتّقين خبر لا أو على الاثنى عشر فيه هدى صفة أو حال عن الرّيب أو عن الكتاب أو خبر بعد خبر وللمتّقين خبر لا أو على الاثنى عشر فيه هدى خبر لا وللمتّقين على العشرة أو فيه هدى للمتّقين خبر لا فهذه تسعمائة واثنان وسبعون يجمع مع سابقتها فتصير عشرة آلاف وسبعمائة وستّين ١٠٧٦٠ تضاف عليها المجموع السّابق فتصير سبعة وعشرين ألفا وتسعة ٢٧٠٠٩ ، أو نقول ذلك بدل أو عطف بيان والكتاب مبتدء والجملة حال أو مستأنفة ولا ريب محذوف الخبر على الثّلاثة حال أو معترضة وفيه خبر الكتاب وهدى على الاثنين والعشرين وللمتّقين على التّسعة فهذه بعد الضّرب تصير اربعة آلاف وسبعمائة واثنين وخمسين ٤٧٥٢ ، أو نقول ذلك بدل أو عطف بيان والكتاب معطوف مبتدء والجملة على الوجهين ولا ريب محذوف الخبر على السّتة وفيه صفة لريب أو حال عنه أو عن الكتاب وهدى على الثّلاثة خبر الكتاب وللمتّقين على التّسعة فهذه الف وتسعمائة واربعة وأربعون ١٩٤٤ ، أو نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب لفظ فيه خبر لا وهدى على الثّلاثة خبر الكتاب وللمتّقين على التّسعة فهذه ستّمائة وثمانية وأربعون ٦٤٨ ، أو نقول ذلك بدل أو عطف بيان والكتاب مبتدء والجملة على الوجهين والخبر للمتّقين ولا ريب محذوف الخبر على الستّة وفيه على الثّلاثة وهدى صفة لريب أو حال منه أو من الكتاب أو خبر مبتدء محذوف بالاوجه الثّلاثة في المصدر أو تميز فهذه الف ومائة واثنان وخمسون ١١٥٢ ، أو نقول على الاربعة والعشرين عند تركيب لا ريب حين كون للمتّقين خبر الكتاب فيه خبر لا وهدى خبر بعد خبر أو صفة للريب أو حال عنه أو عن الكتاب أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف على الثّلاثة في حمل المصدر أو تميز فهذه اربعمائة وستّة وخمسون ٤٥٦ ، أو نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب حين كون خبر الكتاب للمتّقين فيه على الثّلاثة وهدى

٤٠