الوافية في أصول الفقه

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني

الوافية في أصول الفقه

المؤلف:

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني


المحقق: السيد محمد حسين الرضوي الكشميري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١١

الثالث : إدعاء (١) السيد الاجل المرتضى ، الاجماع على أن الامر المطلق يحمل على الفور ، حيث قال في الذريعة ، في بحث أن الامر للوجوب ، أولا؟ : « ونحن ، وإن ذهبنا إلى أن هذه اللفظة مشتركة في اللغة بين الايجاب والندب ، فنحن نذهب إلى أن العرف الشرعي المتفق المستمر قد أوجب أن يحمل مطلق هذه اللفظة ـ إذا وردت عن الله تعالى أو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على الوجوب دون الندب ، وعلى الفور دون التراخي ، وعلى الاجزاء » (٢) ، واحتج عليه ب‍ « أن الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين ، حملوا كل أمر ورد في الكتاب والسنة مجردا ، على الفور ، والوجوب ، والاجزاء ، ولم ينكر أحد ذلك ، وإذا احتج واحد بأمر عليه ، لم ينكر خصمه ، بل يسلم منه ذلك » (٣) ثم قال : « وأما أصحابنا معشر الامامية فلا يختلفون في هذا الحكم الذي ذكرناه ، وقد مر غير مرة : أن إجماعهم حجة » (٤) انتهى.

فان قلت : الاجماع المنقول بخبر الواحد لا يفيد إلا الظن ، والمسألة من المطالب الكلية ، التي يجب تحصيل العلم بها.

قلت : إفادة الظن من الخبر الواحد أكثري ، وقد يفيد القطع اذا احتف بالقرائن ، والظاهر كون هذا الخبر كذلك.

ولو سلم ، فلا نسلم كون المسألة من المطالب العلمية ، بل هي من المطالب المتعلقة بمقتضيات الالفاظ ، وقد صرحوا بالاكتفاء بالظن فيها ، لعدم إمكان تحصيل القطع فيها.

ولو سلم كونها من غير تلك المطالب ، فلا نسلم وجوب تحصيل القطع في غير المعارف الالهية.

__________________

١ ـ في ط : ادعى.

٢ ـ الذريعة : ١ / ٥٣.

٣ ـ هذا تلخيض لكلام السيد في الذريعة : ١ / ٥٤.

٤ ـ الذريعة : ١ / ٥٥.

٨١

ولو سلم ، فلا نسلم وجوب تحصيل القطع فيما لا يمكن فيه ذلك ، لانه تكليف بالمحال ، والمسألة كذلك ، إذ كل من القول بالفور والتراخي والاشتراك وطلب الماهية والتوقف ، مبني على الادلة الظنية ، كما لا يخفى.

وأيضا : اشتراط القطع في الاصول مطلقا ، وسيما في اصول الفقه ـ كعدمه ـ مبني (١) على الادلة الظنية ، كالآيات القرآنية ونحوها ، والاصل ونحوه.

فإن قلت : كلام المرتضى ـ كما فهمه بعض الاصحاب (٢) ـ دال على أن الوجوب والفور والاجزاء ، من مدلولات الامر في الشرع ، فليس الاجماع واردا على المدعى.

قلت : لا ظهور لكلام السيد في ذلك ، إذ هو ما زاد على القول بوجوب حمل الامر عليه ، ولم يذكر بأنه مما وضع له اللفظ في العرف الشرعي ، فتأمل.

الرابع : قوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) (٣) ، ولا شك أن فعل المأمور به من الخيرات.

وقوله تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) (٤) ، حيث إن مسارعة العبد إلى المغفرة غير متصورة ، لانها من فعل الله تعالى ، فالمراد ـ والله أعلم ـ سببها ، وفعل المأمور به سببها ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) (٥).

وإضمار سبب خاص ـ كالتوبة ـ ترجيح بلا مرجح ، لا دليل عليه.

وأيضا : حذف المفعول هنا ، إنما هو ليذهب ذهن السامع كل مذهب ،

__________________

١ ـ زاد في ط : أيضا.

٢ ـ الظاهر انه صاحب المعالم كما يظهر ذلك مما ذكره في الرد على استدلال السيد المرتضى : معالم الدين : ٥٨.

٣ ـ المائدة / ٤٨.

٤ ـ آل عمران / ١٣٣.

٥ ـ هود / ١١٤.

٨٢

وكل سبب للمغفرة (١).

وما قيل : (٢) : « بأن ذلك محمول على أفضلية المسارعة والاستباق ، لا على وجوبهما ، وإلا لوجب الفور ، فلا تتحقق المسارعة والاستباق ، لانهما إنما يتصوران في الموسع دون المضيق ، ألا ترى أنه لا يقال لمن قيل له : ( صم غدا ) فصام ـ : إنه سارع إليه واستبق ، والحاصل أن العرف قاض بأن الاتيان بالمأمور به ، في الوقت الذي لا يجوز تأخيره عنه ، لا يسمى مسارعة واستباقا ، فلابد من حمل الامر في الآيتين على الندب ، وإلا لكان مفاد الصيغة فيهما منافيا لما تقتضيه المادة ، وذلك ليس بجائز ، فتأمل » (٣) انتهى كلامه بعبارته.

فوهنه وضعفه ظاهر ، لانه مبني على اشتباه المؤقت بغيره ، فإنه توهم أن الواجب الفوري يصير مؤقتا مضيقا كالصوم ، وليس كذلك ، إذ المؤقت ـ موسعا كان أو مضيقا ـ يصير قضاء‌ا بخروج وقته ، وقد يسقط به كصلاة العيد ، بخلاف غير المؤقت كإزالة النجاسة من المسجد ، وقضاء الصلوات اليومية على المشهور ، والحج ، ونحوها ، فإن فيه وإن حصل الاثم بالتأخير ، إلا أنه أداء لازم الفعل في كل وقت ، فالاستباق والمسارعة يتصوران في المضيق غير الموقت ، وقضاء العرف بما ادعاه فيه ظاهر البطلان.

وما توهم من منافاة مادة الامر فيها لصيغته حينئذ ـ بناء‌ا على أن المادة تقتضي إمكان التأخير ، وصورته تقتضي المنع من التأخير ـ فهو باطل ، إذ المادة لا تقتضي إلا كون الفعل أداء‌ا ، وصحيحا على تقدير التأخير ، ولا تقتضي جواز التأخير ومشروعيته (٤).

وهو في غاية الظهور ، ولا يبعد كون أمره بالتأمل ، إشارة إلى ما ذكرناه.

__________________

١ ـ الذريعة : ١ / ١٣٤ ، المحصول : ١ / ٢٤٩.

٢ ـ والقائل هو صاحب المعالم تبعا لغيره. ( منه ).

٣ ـ معالم الدين : ٥٧ ـ ٥٨.

٤ ـ في أ : وصورته تقتضي المنع من التأخير ومشروعيته. بدل قوله : ولا تقتضي إلى آخره.

٨٣

واحتج من قال بالدلالة على الفور ، بأدلة : بعضها غير مناف لما مر ، وبعضها غير صحيح ، كالقياس على النهي ، وعلى الايقاعات ، ولزوم ثبوت بدل ـ هو العزم ـ على تقدير التراخي ، من غير دليل ، ونحو ذلك (١).

واحتج من قال بالتراخي ـ بمعنى جواز التأخير لا وجوبه ، إذ لم يذهب اليه أحد على الظاهر ـ بأن الامر المطلق لا توقيت فيه ، فلو أراد وقتا معينا لبينه ، فإذا فقدنا البيان ، علمنا أن الاوقات متساوية في إيقاعه (٢).

والجواب :

بالوفاق ، إن أراد نفي الدلالة على الفور.

وإن أراد نفيه مطلقا ، فنقول : البيان بعدم تساوي الاوقات ، موجود في العقل والنقل كما مر.

البحث الرابع :

في أن الامر بفعل في وقت معين ، هل يقتضي فعله فيما بعد ذلك الوقت ـ على تقدير فوات ذلك الفعل في وقته ـ أو لا؟.

فيه مذهبان : الاقتضاء (٣) ، وعدمه.

وقوي الاكثر الثاني (٤) ، قائلين بأن القضاء لا يجب إلا بأمر مجدد ، نحو :

__________________

١ ـ تجدها في : الذريعة : ١ / ١٣٢ ـ ١٣٤ ، المحصول ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥١ ، معالم الدين : ٥٦ ـ ٥٨ ، وقد استدل الشيخ الطوسي بالاخير منها : العدة : ١ / ٨٦.

٢ ـ حكاه في : الذريعة : ١ / ١٤١.

٣ ـ ذهب اليه الحنابلة وبعض الفقهاء. كما في : المنتهى : ٩٨.

٤ ـ الذريعة : ١ / ١١٦ ، العدة : ١ / ٧٧ ، المستصفى : ٢ / ١١ ، المحصول : ١ / ٣٢٤ ، المعارج : ٧٥ ، تهذيب الوصول : ٣٠.

٨٤

( من نام عن صلاة (١) أو نسيها ، فليصلها إذا ذكرها ) (٢).

لنا : أن الامر بصوم يوم الخميس ، لا إشعار فيه بوجوب صوم غير يوم الخميس ، ولا يقتضيه معنى (٣) لاختلاف الاوقات ـ كالكيفيات ـ في المصلحة ، فقد تكون العبادة في وقت خاص لمصلحة (٤) ، دون غيره من الاوقات (٥).

احتجوا :

[ أ ] بأن هناك مطلوبين : أحدهما الصوم ، والآخر إيقاعه في يوم الخميس ، فبفوت الثاني لا يسقط الاول ، إذ (٦) لا يسقط الميسور بالمعسور (٧).

والجواب : لا نسلم تعدد المطلوب ، بل هو الصوم المقيد بيوم الخميس ، فلا يمكن إيقاع هذا المطلوب في غيره.

[ ب ] وبأن الدين المؤجل يسقط بالتأخير ، فكذا المأمور به (٨).

والجواب : أن ضرب الاجل في الدين إنما هو لرفع الوجوب قبله ، لا لرفعه بعده ، وهو معلوم عادة ، والعقل يحكم بأن الغرض (٩) في الدين متعلق بإحقاق الحق ، ولا مدخلية للاجل إلا لرفع تقاضي صاحب الحق قبله ، بخلاف المأمور به.

على أنه قياس ، لا نقول به.

__________________

١ ـ في ط : من نام في وقت صلاة.

٢ ـ المستصفى : ٢ / ١١ ، غوالي اللآلي : ١ / ٢٠١ / الفصل التاسع ح ١٧.

٣ ـ المنتهى : ٩٨.

٤ ـ كذا في ط ، وفي سائر النسخ : مصلحة.

٥ ـ الذريعة : ١ / ١١٧ ، العدة : ١ / ٧٧.

٦ ـ كذا في ط : وفي سائر النسخ : ( و) بدل ( اذ ).

٧ ـ روى ابن أبي جمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرسلا : « لا يترك الميسور بالمعسور » غوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ ح ٢٠٥.

٨ ـ المستصفى : ٢ / ١١.

٩ ـ في ط : الفرض.

٨٥

هذا ، و (١) لكن التتبع يورث الظن بثبوت القضاء في كل مؤقت ، إذا كان واجبا لا مندوبا ، إذ لا يكاد يوجد في الاحكام ما تعلق به الامر في وقت إلا وثبت الامر بقضائه على تقدير فوته (٢) ، غير صلاة العيدين والجمعة ونحوهما (٣).

فالظن يحكم بأن منشأ تعلق الامر المجدد ، هو الامر الاول.

وأيضا : إلحاق الفرد المجهول بالاعم الاغلب يوجبه.

ولكن الحكم بمدركية هذا الظن للاحكام الشرعية مشكل ، والله أعلم.

تذنيب :

على ما اخترناه ـ من أن الامر للفور ـ لو أخر المكلف المأمور به عن الوقت الذي يتحقق فيه الفور ، فهل يجب عليه الاتيان به فيما بعد ذلك الوقت؟ مع عدم القرينة على الاعتداد به فيه ، ولا على عدمه؟

فيه مذهبان (٤) ، والاقوى وجوب الاتيان به فيما بعد.

لنا : أنا لو خلينا وظاهر الاوامر المطلقة ، نحكم بجواز الاتيان بالمأمور به في كل وقت أداء‌ا (٥) ، من دون ترتب الاثم على الاتيان به في وقت ما ، والادلة الدالة على الفور لا تقتضي إلا ترتب الاثم على التأخير ، وهو لا يوجب سقوط الفعل فيما بعد.

والحاصل : أن الامر المطلق يقتضي بظاهره شيئين : الاول : أدائية (٦)

__________________

١ ـ الواو زيادة من أ.

٢ ـ في أ و ط : فواته.

٣ ـ كذا في أ ، وفي سائر النسخ : ونحوها.

٤ ـ الذريعة : ١ / ١٣١ ، معالم الدين : ٥٩.

٥ ـ زاد في ب في هذا الموضع كلمة : وقضاء‌ا.

٦ ـ في أ : دائمية.

٨٦

الفعل المأمور به في كل وقت ، والثاني : رفع (١) الاثم والحرج بالاتيان به في أي وقت من الاوقات ، وأدلة الفور إنما تقتضي صرفه عن ظاهره في الشيء الثاني دون الاول ، إذ لا منافاة بين الاعتداد بالفعل المأمور به في أي وقت أتى به ، وبين ترتب الاثم على التأخير به ، فلا يجوز صرف الامر عن ظاهره في كلا الشيئين من دون موجب.

ولا يتوهم جريان الدليل في المؤقت ، لانه لا يقتضي الشيء الاول ، بل ولا الاعتداد بالمأمور به في كل وقت.

نعم ، يبقى الاشكال في الامر المطلق ، إذا علم توقيته بوقت محدود (٢) من خطاب آخر ، إذ لا يبعد (٣) أن يقال : إن التوقيت مطلقا ظاهر في نفي الادائية والاعتداد به فيما بعد.

والفرق بين الفورية والتوقيت : أن الوقت ـ في التوقيت ـ لابد أن يكون منشأ لمصلحة الفعل ، بخلاف الفورية ، فإن الوقت فيها (٤) لا ارتباط له بالفعل ، إلا لاجل أن الفعل الزماني لابد وأن يكون في زمان ، حتى لو أمكن إيقاع الفعل لا في زمان ، لحصل (٥) الامتثال.

وكذا يبقى (٦) الاشكال فيما يفيد الفور بالامر الاول ، كأن يقول : ( إفعل معجلا ، أو بسرعة ) ، فهل يجب الاتيان به فيما بعد وقت الفور حينئذ ، أو لا؟.

أو يقول : ( إفعل ) بناء‌ا على أن الامر بنفسه يفيد الفور.

والاقرب الثاني ، لما مر في المؤقت ، إلا أنه لا يكاد يوجب في الاحكام

__________________

١ ـ في أ : دفع.

٢ ـ في ب : معلوم.

٣ ـ في ط : ولا يبعد.

٤ ـ كذا الظاهر ، وفي النسخ : فيه.

٥ ـ كذا في ط ، وفي سائر النسخ : يحصل.

٦ ـ في ب : لا يبقى.

٨٧

الشرعية أمر فوري ، إلا وهناك قرينة على عدم السقوط فيما بعد.

هذا ، وقد يورد في بعض كتب الاصول في بحث الامر مباحث اخرى ، رأينا عدم إيرادها هنا أولى :

إما لان البعض سيجيء ذكره في مباحث الادلة العقلية ، مثل : بحث مقدمة الواجب ، واستلزام الامر بالشيء النهي عن الضد ، وبحث المفاهيم.

وإما لكونه من المسائل الكلامية التي لا تليق بهذه الرسالة ، وإن كانت من المبادئ الفقهية ، مثل : صحة التكليف بفعل علم الآمر انتفاء شرطه ، مع جهل المأمور أو علمه أيضا ، ووجود الواجب الموسع والكفائي ، وامتناع تكليف ما لا يطاق ، وتعلق الامر بالمعدوم ، وتكليف الغافل والمكره ، ونحو ذلك مما يتعلق بمباحث العدل من علم الكلام.

وإما لقلة فائدته ، مثل بحث الواجب التخييري ، وبقاء الجواز بعد نسخ الوجوب ، وغير ذلك.

* * *

٨٨

المقصد الثاني : في النواهي

وفيه مباحث :

البحث الاول :

اختلفوا في مدلول صيغة النهي حقيقة ، على نحو اختلافهم في الامر (١).

والحق ههنا ـ أيضا ـ نظير ما مر (٢) في الامر ، من أنها حقيقة في طلب الترك.

ولكن تحمل نواهي الشرع على التحريم :

لما مر في الامر.

ولقوله تعالى : ( وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد مر أن أوامر الشرع

__________________

١ ـ قال الغزالي : « اعلم أن ما ذكرنا من مسائل الاوامر تتضح به أحكام النواهي إذ لكل مسألة وزان من النهي عن العكس ». المستصفى : ٢ / ٢٤ والنظر : الذريعة : ١ / ١٧٤ ، المحصول : ١ / ٣٣٨ ، المنتهى : ١٠٠ ، المعارج : ٧٦ ، المعالم : ٩٠.

٢ ـ في ب : يظهر مما مر.

٣ ـ الحشر / ٧.

٨٩

محمولة على الوجوب.

وقوله تعالى في مقام الذم والوعيد : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (١) الآية.

وغير ذلك ، نحو قوله تعالى في مقام الذم : ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (٢).

وقوله تعالى : ( فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) (٣).

البحث الثاني :

الحق أن النهي الشرعي المجرد عن القرائن يجب حمله على الدوام : (٤) لان حمل النهي المطلق على حصة معينة من الاوقات ، محدودة الاول والآخر ، من دون مرجح ، غير معقول.

ولان العلماء لم يزالوا يستدلون على عموم التحريم بمطلق النهي.

البحث الثالث :

هل يجوز تعلق الامر والنهي بشيء واحد ، أو لا؟ (٥).

__________________

١ ـ المجادلة / ٨.

٢ ـ الانعام / ٢٨.

٣ ـ الاعراف / ١٦٦.

٤ ـ الذريعة : ١ / ١٧٦ ، معالم الدين : ٩٢ ، ونقله الفخر الرازي عن المشهور ، لكنه خالف فيه : المحصول : ١ / ٣٣٨ ، ونسبه ابن الحاجب إلى المحققين : المنتهى : ١٠١ ، كما خالف في ذلك العلامة في تهذيب الوصول : ٣٣ ، وإن وافقهم على ذلك في كتابه نهاية الوصول على ما حكاه عنه المحقق الشيخ حسن : معالم الدين : ٩٢.

٥ ـ المحصول : ١ / ٣٤٠.

٩٠

والحق عدم الجواز (١).

واعلم أن للمسألة صورا :

الاولى : أن يتعلق الامر الايجابي العيني ، والنهي التحريمي العيني ، بأمر واحد شخصي.

ولا شك ولا نزاع لاحد في امتناعه ، بناء‌ا على امتناع التكليف بما لا يطاق (٢) ، سواء كان منشأ تعلق الحكمين ذات ذلك الشيء أو وصفين لازمين له.

أما لو أمكن اتصافه بعرضين مفارقين ، مع بقاء وحدته في الحالين ، فيجوز تعلق الامر باعتبار أحد الوصفين ، والنهي باعتبار الآخر ، فيجب حينئذ إيقاعه على الوصف الاول ، ويحرم إيقاعه موصوفا بالوصف الثاني ، كلطم اليتيم تأديبا ، وظلما ، والسجود لله ، ولغيره ، فإنه يختلف بالقصد والنية.

الثانية : أن يتعلق الامر الايجابي التخييري ، والنهي التحريمي العيني بأمر شخصي ، بحيث يكون منشأ الوجوب والحرمة واحدا ، أو أمرين متلازمين.

والحق امتناعه ، والظاهر أنه لا نزاع فيه أيضا ، وسيجيء ما يحققه.

الثالثة : أن يتعلق الامر الحتمي ، والنهي كذلك ، كل واحد بكلي ، ولكن يكون بين الكليين العموم من وجه ، فيختار المكلف ما يندرج في كل منهما ، فهل يحصل الامتثال باعتبار الامر ، أو لا؟.

فيه خلاف ، وقد مثل بالصلاة في الدار المغصوبة ، فإن الصلاة مأمور بها ، والغصب منهي عنه ، والصلاة في الدار المغصوبة فرد لكل منهما ، أما بالنسبة إلى الصلاة فباعتبار نفسها ، وأما بالنسبة إلى الغصب فباعتبار جزئها ، لان القيام على أرض الغير ، والسجود عليها ، مع عدم رضائه أو بدون إذنه ،

__________________

١ ـ المحصول : ١ / ٣٤٠.

٢ ـ المحصول : ١ / ٣٤١.

٩١

تصرف متصف بالغصب ، بل هو نفس الغصب ، وكذا الحركات والسكنات ، إذ الكون ـ وهو شغل الحيز ـ جنس للحركة والسكون ، وجزئيتهما للصلاة تستلزم جزئيته.

وقد وقع النزاع في صحة هذه الصلاة وبطلانها ، بناء‌ا على أنه هل تعدى الامر المتعلق (١) بمطلق الصلاة إلى هذا الفرد المتعلق (٢) للنهي؟ أو لا؟ (٣).

وهذه الصورة في الحقيقة ترجع إلى الصورة الثانية ، لان النهي عن الكلي نهي عن جميع جزئياته ، والامر به أمر بواحد من جزئياته ، فكل واحد (٤) من جزئياته يصير واجبا تخييريا.

والحق : امتناع تعلق الامر ـ العام (٥) لجميع (٦) الجزئيات المحصي لها (٧) ـ بما هو فرد للمنهي عنه ، وأن الدعوى بينة ، غنية عن الدليل ، إذ امتناع كون الشيء الواحد مرادا ـ ولو على جهة التخيير ـ وغير مراد ـ بل مبغوضا ـ لشخص واحد ، في غاية الظهور.

وتعلق الوجوب التخييري به ، يوجب الرخصة من الحكيم باختياره ، مع استلزامه حينئذ (٨) امتناع الاطاعة في طرف النهي.

وأيضا : هذا ينافي اللطف ، إذ المكلف حينئذ مقرب للمكلف إلى معصيته (٩) ، كما لا يخفى.

__________________

١ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : المطلق.

٢ ـ في ط : المعين. بدل : المتعلق.

٣ ـ المحصول : ١ / ٣٤٣ ، وقد ذهب الشيخ الطوسي إلى الاول : عدة الاصول : ١ / ١٠٠.

٤ ـ كلمة ( واحد ) : زيادة من ب.

٥ ـ كذا في ب ، وفي سائر النسخ : امر العالم.

٦ ـ كذا في أ ، وفي سائر النسخ : بجميع.

٧ ـ كذا في الاصل و ب ، وفي أ و ط : بها.

٨ ـ ( حينئذ ) : زيادة من أ وط.

٩ ـ كذا في أ و ب ، وفي الاصل : لا معصيته ، وفي ط : معصية.

٩٢

واختلاف الجهة غير مجد مع اتحاد المتعلق.

احتج المخالف بوجهين (١) :

الاول : أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ، ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ، ثم خاطه في ذلك المكان ، فإنا نقطع بأنه مطيع عاص ، لجهتي الامر والنهي.

الثاني : أنه لو امتنع الجمع ، لكان باعتبار اتحاد متعلق الامر والنهي ـ إذ لا مانع سواه اتفاقا ـ واللازم باطل ، إذ لا اتحاد في المتعلقين (٢) ، فإن متعلق الامر الصلاة ، ومتعلق النهي الغصب ، وكل منهما يتعقل انفكاكه عن الآخر ، وقد اختار المكلف جمعهما ، مع إمكان عدمه ، وذلك لا يخرجهما عن حقيقتيهما اللتين هما متعلقا الامر والنهي (٣) حتى لا تبقيا مختلفتين.

والجواب عن الاول :

أولا : بمنع حصول الاطاعة على التقدير المذكور ، والسر في توهم هذا الحصول : أن غرض الآمر وفائدة الخياطة حاصلة على أي حال اتفقت الخياطة ، فيشتبه (٤) حصول الغرض بحصول الاطاعة.

وثانيا : بأن المتعلق في المثال المذكور مختلف ، فإن الكون ليس جزء‌ا من الخياطة ، بخلاف الصلاة ، وتحقيقه : أن الخياطة أمر حاصل من الحركات ، فهي بمنزلة المعدات له.

ولا يمكن أن يقال : إن الصلاة ـ أيضا ـ أمر حاصل من الحركات

__________________

١ ـ حكاهما المحقق الشيخ حسن : معالم الدين : ٩٤ ـ ٩٥.

٢ ـ في ط : للمتعلقين.

٣ ـ عبارة ( اللتين هما متعلقا الامر والنهي ) : زيادة من ب ، وهي مثبتة في المصدر أيضا : المعالم ٩٥.

٤ ـ في ب و ط : فيشبه.

٩٣

والسكنات ، فهي الاذكار (١) الواقعة على الانحاء الخاصة.

للاجماع على أن القيام ، ورفع الرأس من الركوع ، والسجود ، وملاصقة الجبهة بالارض ـ من أجزاء الصلاة وأركانها.

لا يقال : اختلاف المتعلق غير مجد مع التلازم ، إذ تعلق النهي باللازم ، والامر بالملزوم ـ غير جائز ، ومطلق الكون من لواز مطلق الخياطة ، والكون في المكان المغصوب من لوازم الخياطة فيه ، كالكون مع الصلاة في الجزئية.

لانا نقول ـ بعد تسليم أن الكون من لوازم الخياطة لا من لوازم الخياط ـ : إنا لا نسلم أن الكون في المكان المغصوب من لوازم الخياطة فيه ، بل الكون المطلق لازم لها ، وليس للكون الخاص مدخلية في تشخص الخياطة ، بل شخص الخياطة في المكان المغصوب يمكن حصوله في غير ذلك المكان ، بخلاف الصلاة ، فإن أشخاصها تتبدل بتبدل الاكوان في الاماكن المختلفة.

وعن الثاني : أن اتحاد المتعلق لازم ، بملاحظة أن التكاليف المتعلقة بالماهيات ، متعلقة في الحقيقة بجزئياتها.

الرابعة (٢) : أن يتعلق الامر الايجابي الحتمي والنهي التنزيهي ، بأمر واحد شخصي ، وهذا ـ أيضا ـ غير جائز ، لما مر.

الخامسة : أن يتعلق الامر الايجابي التخييري ، والنهي التنزيهي ، بأمر واحد شخصي ، كالصلاة في الحمام ، ونحوه من الاماكن المكروهة (٣) ، وهذا أيضا ممتنع ، إذا كان المكروه بمعناه المعروف ، وهو راجحية (٤) الترك ، فما تعلق به هذا النهي من العبادات ، فالظاهر بطلانه ما لم يدل دليل على صحته ، وما

__________________

١ ـ زاد في ط في هذا الموضع كلمة : الخاصة.

٢ ـ أي : من الصور المذكورة لاجتماع الامر والنهي.

٣ ـ الفقيه : ١ / ٢٤١ ح ٧٢٥ ، الكافي : ٣ / ٣٩٠ باب الصلاة في الكعبة ... ح ١٢ ، المحاسن للبرقي : ٣٦٥ ح ١١٠.

٤ ـ في ب : ارجحية.

٩٤

دل الدليل على صحته ، يجب حمل النهي (١) فيه على غير معناه الحقيقي ، ولهذا اشتهر أن متعلق الكراهة ليس نفس العبادة ، بل أمر آخر ، كالتعرض للنجاسة ، أو لكشف العورة ، ونحو ذلك ، في كراهة الصلاة في الحمام ، فاختلف المتعلق.

ويقولون : إن الحرمة غالبا تتعلق بالذات ، والكراهة (٢) بالوصف.

وهذا خلاف ظواهر النصوص ، الدالة على تعلق الكراهة بنفس الفعل ، مثل : ( لا تصل في الحمام ) ونحوه.

والحق : هو ما اشتهر من أن الكراهة في العبادات ، بمعنى كونها (٣) أقل ثوابا بنسبة خاصة.

وتحقيقه : أن العبادة قد تكون بحيث لم يتعلق بها نهى ولا أمر ـ غير الامر الذي تعلق بأصلها ـ كالصلاة اليومية في البيت للبعيد عن المسجد ، أو عند المطر (٤) ، نحو ذلك.

وهذه ربما تتصف بالاباحة ، بمعنى عدم مرجوحية أوصافها وأجزائها (٥) ، وعدم راجحيتها أيضا ـ غير الراجحية الناشئة من راجحية أصلها ـ فيقال : الصلاة اليومية في البيت مثلا مباحة.

وقد تكون بحيث تعلق بها أمر آخر ، باعتبار اشتمالها أو اتصافها على أمر راجح أو به.

وهذا الرجحان : قد ينتهي إلى حد الوجوب ، كالصلاة في المسجد مع نذر إيقاعها فيه ، فيجتمع حينئذ وجوبان ، وقد لا ينتهي إليه ، كالصلاة اليومية

__________________

١ ـ كذا في ط ، وفي سائر النسخ : الكراهة.

٢ ـ في ط : الكراهية.

٣ ـ في ط : أنها.

٤ ـ الفقيه : ١ / ٣٧٧ ح ١٠٩٩.

٥ ـ كذا في أ و ط ، وفي الاصل وأ : أو أجزائها.

٩٥

في المسجد لا مع النذر ولا مع عذر مسقط للندب ، فيجتمع (١) حينئذ الوجوب مع الندب.

وقد تكون بحيث يتعلق بها نهي بالاعتبار المذكور.

وهذه المرجوحية : قد تنتهي إلى حد التحريم ، كصلاة الحائض ، والصلاة في الدار المغصوبة ، وغير ذلك ، وقد مر أنها تستلزم الابطال ، وقد لا تنتهي إليه ، وهذه أيضا تستلزم الابطال ، إن كان النهي باعتبار جزء ، أو وصف لازم ، لما مر في النهي التحريمي.

فلا بد من حمل الكراهة على أقلية الثواب ، بمعنى كون العبادة ـ باعتبار الاشتمال أو الاتصاف المذكور ـ أقل ثوابا منها نفسها لو لم تكن كذلك ، بل كانت متصفة بالاباحة المذكورة ، فالصلاة في الحمام مكروهة ، بمعنى أنها أقل ثوابها منها في البيت ، لا في المسجد.

وعلى هذا التحقيق لا يرد ما يقال : إن الكراهة بمعنى أقلية الثواب ، توجب كون الصلاة في جميع المساجد والمواضع ـ مكروهة ، غير المسجد الحرام ، لانها أقل ثوابا منها فيه.

وقد علم مما مر صورة اجتماع الامر الايجابي معه ، ومع الندب ، ومع الاباحة ، بل صورة اجتماع الامر الندبي مع الايجاب ، والندب ، والاباحة ، والكراهة ، والتحريم ، فهذه ثلاث عشر صورة.

تتميم :

فإن قلت : كيف حكمت ببطلان العبادة ، عند فرديتها للمأمور به والمنهي عنه؟ وحكمت باستثنائها عن بقية أفراد المأمور به في تعلق الامر ، ولم لا

__________________

١ ـ في ط : فيجمع.

٩٦

يجوز دخولها في المأمور به ، وخروجها عن المنهي عنه؟ مثلا : الصلاة في الدار المغصوبة ، تكون صحيحة ، ويكون كل غصب منهيا عنه إلا الصلاة إذا كانت غصبا ، وأي فرق بين قولك : ( كل صلاة مأمور بها إلا اذا كانت غصبا ) ، وبين قولنا : ( كل غصب منهي عنه إلا اذا كان صلاة )؟! قلت : هذا الاحتمال (١) لا يخلو عن قرب ، سيما (٢) مع ضميمة ما دل على صحة الصلاة المذكورة ، مثل قوله تعالى : ( إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ ) (٣) ، وما ورد من أن الارض مهر لفاطمة الزهراء عليها‌السلام (٤) إلا أن أصحابنا لم ينقلوا خلافا في بطلان الصلاة المذكورة.

ولعل الوجه فيه : أن تعلق الامر بمثل العبادة المذكورة ، بطريق التخيير ، على ما مر ، وتعلق النهي بها ، بطريق الحتم والعين ، فيكون استثناؤها من الامر أولى من استثنائها من النهي ، إذ ظاهر (٥) : أن الاهتمام بفعل فرد خاص من الواجب التخييري ، ليس مثل الاهتمام بترك الحرام العيني.

أو الوجه فيه : أن العبادة اذا صارت محتملة لكل من الوجوب والتحريم ، رجح جانب التحريم ، لا لما قيل واشتهر من : أن دفع المفسدة أهم من جلب المنفعة ـ إذ هذا إنما يتم مع تعارض الندب والتحريم ، لا الواجب معه ، لان ترك الواجب أيضا كفعل الحرام مفسدة ـ بل لما ورد من التوقف عند تعارض الامر والنهي ، ومصداقه الكف.

وأيضا : من تتبع ظهر عليه أن كل أمر مردد (٦) بين الوجوب والتحريم ،

__________________

١ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : احتمال.

٢ ـ في ب : لا سيما.

٣ ـ الاعراف / ١٢٨.

٤ ـ كشف الغمة : ١ / ٤٧٢ ، المحتضر : ١٣٣.

٥ ـ في ط : الظاهر.

٦ ـ كذا في أ. وفي الاصل : أن كل مردد. وفي ط : ان كل أمر تردد. وفي ب : ان كل امر ورد.

٩٧

رجح الشرع جانب الكف عنه ، كصلاة الحائض في أيام الاستظهار ، وكف الوضوء عن الاناء‌ين (١) المشتبهين عند نجاسة أحدهما ، وغير ذلك.

وقال السيد في الذريعة : « وقد يصح أن تقبح من المكلف جميع أفعاله على وجه ، وتحسن على وجه آخر ، وعلى هذا الوجه يصح القول : بأن من دخل زرع غيره على سبيل الغصب ـ أن له الخروج عنه بنية التخلص ، وليس له التصرف بنية الفساد ، وكذلك من قعد على صدر حي ، إذا كان انفصاله منه يؤلم ذلك الحي كقعوده ، وكذلك المجامع زانيا ، له الحركة بنية التخلص ، وليس له الحركة على وجه آخر » (٢).

وقال في موضع آخر ، بعد الاستدلال على بطلان الصلاة في الدار المغصوبة : « وقد قيل في التمييز (٣) بين الصلاة وغيرها ، في هذا الحكم : إن كل عبادة ليس من شرطها أن يتولى الفعل بنفسه ، بل ينوب فعل الغير مناب فعله ، أو ليس من شرطها أن تقع منه بنية الوجوب ، أو ليس من شرطها النية اصلا ، لم يمتنع في المعصية منها أن تقوم مقام الطاعة ، وهذا قريب » (٤) انتهى.

ثم قال : « وأما الضيعة المغصوبة ، فالصلاة فيها مجزية ، لان العادة جرت بأن صاحبها لا يحظر على أحد الصلاة فيها ، والتعارف يجري مجرى الاذن ، فيجب الرجوع إليه ».

وقال : « فأما من دخل وليس بغاصب ، لكنه داخل الدار المغصوبة مختارا (٥) ، فيجب أن لا تفسد صلاته ، لان المتعارف بين الناس أنهم يسوغون

__________________

١ ـ كف صاحبه عن مجاوزته إلى غيره : منعه ، وهو أصل المعنى. انظر : معجم الافعال المتعدية بحرف : ٣١٥. هذا ، والمناسب أن تكون العبارة كما يلي : والوضوء بالاناء‌ين إلى آخره ، عطفا على المثال الاول.

٢ ـ الذريعة : ١ / ١٧٨.

٣ ـ كذا في أ و ط ، وفي الاصل و ب : التميز.

٤ ـ الذريعة : ١ / ١٩٣.

٥ ـ كذا في النسخ ، ولكن في المصدر : مجتازا.

٩٨

ذلك لغير الغاصب ، ويمنعونه في الغاصب » (١) انتهى.

ويفهم من كلامه الاول : أن الفعل الواحد يمكن أن يتصف بالوجوب والحرمة ، سيما في مثاله بالقعود على صدر الحي.

وكلامه الثاني ظاهر في صحة الوجوب الكفائي في المكان المغصوب.

واعلم أن الشهيد رحمه‌الله ، نقل في قواعده (٢) ، عن السيد المرتضى : صحة الصلاة الواقعة على جهة الرياء ، وعدم ترتب الثواب عليها ، لكن تسقط المؤاخذة بفعلها (٣) ، وهو يؤذن بتجويزه تعلق الامر والنهي بشيء واحد من جهتين ، إلا أن يقول : إن الرياء أمر غير الصلاة ، وفيه تأمل.

ونقل الكليني في كتاب الطلاق ، عن الفضل بن شاذان : التصريح بصحة الصلاة في الدار المغصوبة ، حيث قال : « وإنما قياس الخروج والاخراج [ للمعتدة الرجعية من بيتها ] (٤) كرجل داخل دار قوم بغير إذنهم ، فصلى فيها ، فهو عاص في دخوله الدار ، وصلاته جائزة ، لان ذلك ليس من شرائط الصلاة ، لانه منهي عن ذلك ، صلى أو لم يصل » (٥) انتهى كلامه.

وغرضه : أن ما كانت الصلاة سببا للنهي عنه (٦) ، فاقترانه للصلاة مفسد لها ، كالصلاة في الثوب النجس ، وما كان النهي فيه عاما غير مختص بالصلاة ، فاقترانه غير مفسد ، كالصلاة في الثوب المغصوب ، وذكر أمثلة اخرى غيرها.

ثم اعلم : أن هذه المسألة من المسائل العدلية من علم الكلام ، أوردتها هنا لنفعها في بعض مسائل هذا العلم ، فهي من المبادئ التصديقية ، وإيرادها

__________________

١ ـ الذريعة : ١ / ١٩٤.

٢ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٧٩ ـ الفائدة الثالثة.

٣ ـ الانتصار : ١٧.

٤ ـ ما بين المعقوفين غير مثبت في نسخة ط ، كما ان المصدر الكافي خال منه.

٥ ـ الكافي : ٦ / ٩٤ / كتاب الطلاق / باب الفرق بين من طلق على غير السنة .....

٦ ـ كلمة ( عنه ) : زيادة من أ.

٩٩

في الادلة العقلية أيضا غير بعيد ، إلا أنها لا يستدل بها إلا على نفي الحكم الشرعي ، كأصالة براء‌ة الذمة.

البحث الرابع :

اختلفوا في دلالة النهي على فساد المنهي عنه ، على أقوال :

عدم الدلالة مطلقا ، نقله في المحصول عن أكثر الفقهاء (١) ، والآمدي عن أكثر المحققين (٢)

والدلالة مطلقا (٣) ، واختاره ابن الحاجب من العامة (٤) ، والسيد المرتضى منا لكن قال : إن دلالته على الفساد شرعا لا لغة (٥) ، واختاره الشهيد في قواعده (٦) ، والمحقق الشيخ علي في شرح القواعد (٧) ، بشرط عدم رجوع النهي إلى وصف غير لازم.

« واختاره بهذا الشرط الفخر الرازي في المعالم ، ونقله في الوجيز ، عن الشافعي ، ونقله الآمدي عن أكثر أصحاب الشافعي ، واختاره هو » (٨).

__________________

١ ـ المحصول : ١ / ٣٤٤.

٢ ـ الاحكام : ٢ / ٤٠٧ ، التمهيد : ٢٩٢.

٣ ـ العدة : ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.

٤ ـ كذا حكى الإسنوي في التمهيد : ٢٩٢ ، ولكن ابن الحاجب قد فصل بين النهي عن الشيء لعينه فيدل على الفساد شرعا لا لغة ، وبين النهي عن الشيء لوصفه. وحكم في هذه الصورة بالفساد مطلقا : المنتهى : ١٠٠ ـ ١٠١ ، وشرح العضد على المختصر : ١ / ٢٠٩ ( المتن ).

٥ ـ الذريعة : ١ / ١٨٠.

٦ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٩٩ قاعدة ٥٧.

٧ ـ المسمى ب‍ : جامع المقاصد : ٢ / ١١٦.

٨ ـ ما بين القوسين نص عبارة الإسنوي في التمهيد : ٢٩٣.

١٠٠