الوافية في أصول الفقه

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني

الوافية في أصول الفقه

المؤلف:

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني


المحقق: السيد محمد حسين الرضوي الكشميري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١١

عليه أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم الائمة المعصومون صلوات الله عليهم ، وما صح نقله عنهم ، بالطريق الذي له إلى الشيخ الطوسي ، ومن الشيخ الطوسي إلى الائمة عليهم‌السلام ، بالطرق الصحيحة التي لا شك فيها ولا ريب ، لان والدي لما ذكرنا له أن الميت لا قول له ، فقال : إني قد أثبت لكم ما اتفقت عليه الائمة عليهم‌السلام ، فلا يحتاج إلى تقليد أحد بعد معرفة ( واجب الاعتقاد ) (١) ومن عدل عنه إلى غيره ، فقد عدل عن يقين إلى ظن ، وعن قول معصوم إلى قول مجتهد ، فأيها المؤمنون تمسكوا واعتمدوا عليه » انتهى كلامه.

احتج المحقق الشيخ علي ، في حواشي كتاب الجهاد من الشرائع (٢) ، على المنع بوجوه :

الاول : أن المجتهد إذا مات سقط اعتبار قوله ، ولهذا ينعقد الاجماع على خلافه.

وضعف هذا الوجه ظاهر ، لانه ـ بعد عدم صحته على اصولنا ـ ينتقض بمعروف النسب ، مع أنهم اعتبروا شهادة الميت في الجرح والتعديل ، وهو يستلزم الاعتداد بقوله في عدد الكبائر ، فتأمل.

الثاني : أنه لو جاز العمل بقول الفقيه بعد موته ، لامتنع في زماننا ، للاجماع على وجوب تقليد الاعلم والاورع من المجتهدين ، والوقوف على الاعلم والاورع بالنسبة إلى الاعصار السابقة في هذا العصر غير ممكن.

__________________

١ ـ هو من مصنفات العلامة قدس‌سره في اصول الدين. انظر : الذريعة : ٢٥ / ٤.

٢ ـ حاشية المحقق الكركي على شرائع الاسلام / ص ٦٣٥ ـ ٦٣٨ من مخطوطة محفوظة برقم ١٩٦٤ في مكتبة المدرسة الفيضية بقم ـ ايران و/ الصفحة قبل الاخيرة من مخطوطة اخرى محفوظة برقم ١٤١٨ في المكتبة المذكورة. ( بتصرف ). وقد ذكر المحقق الكركي ذلك في كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تعقيبا على قول المحقق الحلّي في الشرائع : « ولا يجوز أن يتعرض لاقامة الحدود ولا للحكم بين الناس إلا عارف بالاحكام مطلع على مآخذها ... » شرائع الاسلام : ١ / ٣٤٤.

٣٠١

وفيه ـ بعد تسليم هذا الاجماع ـ : أنه يمكن الاطلاع على الاورع والاعلم ، بالآثار والاخبار والتصانيف ونحو ذلك ، وهذا في غاية الظهور.

الثالث : أن المجتهد إذا تغير اجتهاده ، وجب العمل باجتهاده الاخير ، ولا يتميز في الميت فتواه الأولى والاخيرة.

وفيه : أنه يمكن العلم بتقديم الفتوى وتأخيرها في الميت من كتبه ، وأنه لا يتم إلا في ميت تغيرت فتواه في مسألة واحدة ، واحتمال التغير ينتقض بالحي.

الرابع : أن دلائل الفقه لما كانت ظنية ، لم تكن حجيتها إلا باعتبار الظن الحاصل معها (١) ، وهذا الظن يمتنع بقاؤه بعد الموت ، فيبقى الحكم خاليا عن السند ، فيخرج عن كونه معتبرا شرعا.

وأورد هذا الوجه الفاضل المدقق مير محمد باقر الداماد ، في كتابه شارع النجاة (٢) ، بتغيير ما ، وزاد : أنه بعد موته يمكن ظهور (٣) خطأ ظنه ، فلا يمكن القول بأصالة لزوم اتباع ظنه كما في حال الحياة (٤) ، إذ بقاء الموضوع معتبر في الاستصحاب.

والجواب : ـ بعد تسليم زوال الاعتقادات والعلوم القائمة بالنفس الناطقة بعد الموت ـ منع خلو الحكم عن السند ، وهل هذا إلا عين (٥) المتنازع فيه؟!

فإنا نقول : إذا حصل للمجتهد العلم أو الظن بالحكم الشرعي ، من دليل اقترن به علمه أو ظنه ، فلم لا يجوز العمل بذلك الحكم ـ الذي أفتى به

__________________

١ ـ في ط : بها.

٢ ـ شارع النجاة ( فارسي ) : ١٠ ـ ١١.

٣ ـ كلمة ( ظهور ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ.

٤ ـ في ط : حياته.

٥ ـ في أ و ط ، غير. وهو خطأ ، لان مراد المصنف ان الاستدلال المذكور مصادرة إذ انه عين المدعى.

٣٠٢

في حياته ـ بعد موته؟! ولم لا يكفي لسندية ذلك الحكم بالنسبة إلى المقلد ، ظنه السابق المقترن به مع عدم العلم بالمزيل في حياته؟! لابد لنفيه من دليل!

ودعوى لزوم بقاء ظن المجتهد إلى حين عمل المقلد ، أول المسألة ، غايته لزوم عدم العلم بتغير اعتقاده ، وهو حاصل ههنا بحسب الفرض.

واحتمال ظهور خطأ الظن غير مضر ، كما في الحي.

ولضعف هذه الوجوه قال صاحب المعالم : « والحجة المذكورة للمنع في كلام الاصحاب ـ على ما وصل إلينا ـ ردية جدا ، لا تستحق أن تذكر ».

ثم قال : « ويمكن الاحتجاج له ب‍ : أن التقليد إنما ساغ : للاجماع المنقول سابقا.

وللزوم الحرج الشديد والعسر بتكليف الخلق بالاجتهاد.

وكلا الوجهين لا يصلح دليلا في محل النزاع : لان صورة حكاية الاجماع صريحة في الاختصاص بتقليد الاحياء ، والحرج والعسر يندفعان بتسويغ التقليد في الجملة.

على أن القول بالجواز قليل الجدوى على اصولنا ، لان المسألة اجتهادية ، وفرض العامي فيها الرجوع إلى فتوى المجتهد ، وحينئذ فالقائل بالجواز :

إن كان ميتا : فالرجوع إلى فتواه فيها ـ دور ظاهر.

وإن كان حيا : فاتباعه فيها ، والعمل بفتاوى الموتى في غيرها ـ بعيد عن الاعتبار غالبا ، مخالف لما يظهر من اتفاق علمائنا على المنع من الرجوع إلى فتوى الميت مع وجود المجتهد الحي ، بل قد حكى الاجماع فيه صريحا بعض الاصحاب » انتهى كلامه ، أعلى الله مقامه (١).

__________________

١ ـ معالم الدين : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

٣٠٣

والجواب من وجوه :

الاول : مع عموم النهي عن التقليد واتباع الظن ، بل هو مختص بالاصول.

الثاني : أن المسوغ لجواز تقليد الحي ، ليس إلا الوجه الاخير من الوجهين اللذين ذكرهما ، وكيف يمكن دعوى الاجماع مع مخالفة كثير من الاصحاب؟! ونقد نسب المنع من التقليد مطلقا ، الشهيد في الذكرى (١) إلى قدماء أصحابنا وفقهاء حلب.

وكلام الكليني في أول الكافي (٢) ، ظاهر في منع التقليد مطلقا ، حيث جعل التكليف منوطا بالعلم واليقين ، ونهى عن التقليد والاستحسان.

وصرح ابن [ زهرة في كتاب غنية النزوع ] (٣) بعينية الاجتهاد ، وعدم جواز التقليد ، وجعل فائدة رجوع العامي إلى العلماء الاطلاع على مواضع الاجماع ليعمل به (٤).

وأيضا : العلم بدخول قول المعصوم أو تقريره في مثل هذه المسائل الاصولية ، التي علم عدم الكلام عنها في عصر المعصوم ـ غير ممكن الحصول ، فإن هذه المسائل غير مذكورة في كتب قدمائنا ، بل غير مذكورة إلا في كتب العلامة ومن تأخر عنه ، فكيف يمكن العلم بالاجماع الذي يكون حجة عندنا؟!

__________________

١ ـ الذكرى : ٢ / المقدمة / الاشارة الثانية. لكن فيه : بعض قدماء الامامية.

٢ ـ الكافي : ١ / ٨ ـ المقدمة.

٣ ـ في النسخ : وصرح ابن حمزة في كتاب غنية ( عتبة ـ ط ) الدروع. والصواب ما اثبتناه.

٤ ـ غنية النزوع : ٤٨٥ ـ ٤٨٦ ( تسلسل الجوامع الفقهية ).

٣٠٤

مع : أنه روى الكشي ـ في ترجمة يونس بن عبدالرحمن ـ بسنده : « عن الفضل بن شاذان ، عن أبيه ، عن أحمد بن أبي خلف ، قال : كنت مريضا ، فدخل علي أبوجعفر عليه‌السلام يعودني في مرضي ، فإذا عند رأسي كتاب ( يوم وليلة ) فجعل يتصفحه ورقة ورقة ، حتى أتى عليه من أوله إلى آخره ، وجعل يقول : رحم الله يونس ، رحم الله يونس ، رحم الله يونس » (١).

والظاهر : أن الكتاب كان كتاب الفتوى ، فحصل تقرير الامام عليه‌السلام على تقليد يونس بعد موته.

وأيضا : روى بسنده « عن داود بن القاسم : أن أبا جعفر الجعفي ، قال : أدخلت كتاب ( يوم وليلة ) الذي ألفه يونس بن عبدالرحمن ، على أبي الحسن العسكري عليه‌السلام ، فنظر فيه ، وتصفحه كله ، ثم قال : هذا ديني ودين آبائي ، وهو الحق كله » (٢) فلو لم يجز العمل بقول الميت ، لانكر عليه‌السلام العمل به قبل عرضه عليه.

وأيضا : ابن بايويه صرح بجواز العمل بما في : من لا يحضره الفقيه ، مع أنه كثيرا ما ينقل فتاوى أبيه ، وهو صريح في تجويزه العمل بفتاوى أبيه بعد موته ، وإنكاره مكابرة.

نعم ، الوجه الاخير ـ وهو لزوم الحرج ـ يدل على جاوز التقليد.

وكذا : ما ورد من الأخبار ، من رجوع الناس بأمر الائمة عليهم‌السلام إلى : محمد بن مسلم ، ويونس بن عبدالرحمن ، والفضل بن شاذان ، وأمثالهم ـ في أحكامهم ، والامر بأخذ معالم الدين عنهم ، على ما ذكره الكشي في ترجمتهم (٣).

__________________

١ ـ رجال الكشي : ٤٨٤ الترجمة : ٩١٣.

٢ ـ رجال الكشي : ٤٨٤ الترجمة ٩١٥.

٣ ـ رجال الكشي : ١٦١ الترجمة : ٢٧٣ ، وص ٤٨٣ الترجمة : ٩١٠ ، وص ٥٤٢ الترجمة : ١٠٢٧.

٣٠٥

لكن تخصيص الحي وإخراج الميت ، يحتاج إلى دليل.

ولا يكفي اندفاع العسر بتقليد الاحياء ، للاندفاع بتقليد الميت أيضا.

الثالث : أن قوله : « لان المسألة اجتهادية ، وفرض العامي ، الرجوع فيها إلى المجتهد » ممنوع ، لان المسألة اصولية ، يمكن تحصيل القطع فيها ، فإن الانسان اذا علم أن جواز إستفتاء المقلد عن المجتهد ، إنما هو لانه مخبر عن أحكام الله تعالى ، يحصل له القطع بأن حياة المجتهد وموته ، مما لا يحتمل أن يكون مؤثرا في ذلك.

وعلى تقدير عدم إمكان تحصيل القطع : فلا شك في الاكتفاء بالظن ، إذ اشتراط القطع في الاصول مبني على إمكانه ، كما صرحوا به ، وتحكم به البديهة ، وليس اعتماد المقلد على ظنه في المطالب الاصولية ـ التي يعتمد فيها على الظن ـ مشروطا بشيء ، كالاعتماد على الظن في الفروع ، حيث إنه مشترط بثبوت الاجتهاد.

وعلى تقدير تسليم كون المسألة اجتهادية : فلا نسلم أن فرض العامي الرجوع فيها إلى المجتهد ، فإنه مبني على ما أشار إليه بقوله : « على اصولنا » من عدم صحة تجزي الاجتهاد ، وقد عرفت بطلانه.

وحينئذ : فيمكن الاجتهاد في هذه المسألة ، ثم الرجوع إلى فتاوى الاموات في بقية أحكامه.

الرابع : أن قوله : « وحينئذ ، فالقائل بالجواز : إن كان ميتا ، فالرجوع إلى فتواه فيها ـ دور ظاهر ، وإن كان حيا ، فاتباعه فيها والعمل بفتاوى الموتى في غيرها ، بعيد عن الاعتبار غالبا ... » إلى آخره ـ غير صحيح ، إذ لا بعد في تقليد مجتهد حي في هذه المسألة ، وتقليد الموتى في غيرها ، ولا معنى لادعاء البعد في مثل هذه المقامات البرهانية.

الخامس : أن قوله : « مخالف لما يظهر من اتفاق علمائنا ... » إلى آخره ـ فيه : أنه لو تحقق اجماع شرعي على منع تقليد الميت مع وجود الحي ، لاستغنى

٣٠٦

عن التطويل الذي ذكره ، فإن قوله : « والحرج والعسر يندفعان بتسويغ التقليد في الجملة » كالصريح في أن مراد المستدل المنع من تقليد الميت عند وجود المجتهد الحي ، وإلا فلا يندفع العسر إلا بتقليد الميت كما لا يخفى ، ولكنك عرفت عدم تحقق الاجماع مثل هذه المسائل الاصولية ، وسيما هذه المسألة.

وأقول : الذي يختلج في الخاطر في هذه المسألة ، أن من علم من حاله أنه لا يفتي في المسائل إلا بمنطوقات الادلة ، ومدلولاتها الصريحة ـ كابني بابويه ، وغيرهما من القدماء ـ يجوز تقليده حيا كان أو ميتا ، ولا تتفاوت حياته وموته في فتاواه.

وأما من لا يعلم من حاله ذلك ، كمن يعمل باللوازم غير البينة ، والافراد الخفية (١) ، والجزئيات غير البينة الاندراج ـ فيشكل تقليده حيا كان أو ميتا ، فإن من تتبع ، وظهر عليه كثرة اختلاف الفقهاء في هذه الاحكام ، يعلم أن قليل الغلط في هذه الاحكام قليل ، مع أن شرط صحة التقليد : ندرة الغلط.

والسر فيه : أن مقدمات هذه الاحكام ، لما لم يوجد فيها نص صريح ، كثيرا ما يشتبه فيها الظني بالقطعي ، وربما يشتبه الحال فيتوهم جواز الاعتماد على مطلق الظن (٢) ، فيكثر فيها الاختلاف ، ولهذا قلما يوجد في مقدمات هذا القسم ، مقدمة غير قابلة للمنع ، بل مقدمة لم يذهب أحد إلى منعها وبطلانها.

بخلاف الاختلاف الواقع في القسم الاول ، فإنه يرجع إلى اختلاف الأخبار (٣).

فإن قلت : فعلى هذا يبطل جواز اعتماد المجتهد ـ أيضا ـ على اعتقاده في هذا القسم الثاني.

__________________

١ ـ كلمة ( الخفية ) : زيادة من ب.

٢ ـ في ط : فيتوهم جواز العمل على الظن.

٣ ـ في الكافي [ ١ / ٥٦ ح ١١ ] في باب البدع والرأي والمقاييس : في الصحيح « عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبدالله (ع) ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب ولا سنة ، فننظر فيها؟ فقال : لا ، أما إنك إن اصبت لم تؤجر ، وإن اخطأت كذبت على الله عزوجل ». ( منه رحمه‌الله ).

٣٠٧

قلت : لا يلزم ذلك ، لانه إذا حصل له الجزم باللزوم أو الفردية ، يحصل له الجرم بالحكم الشرعي ، ومخالفة الحكم المقطوع به غير معقول ، فتأمل.

إذا عرفت هذا : فالاولى والاحوط للمقلد المتمكن من فهم العبارات : أن لا يعتمد على فتوى القسم الثاني من الفقهاء إلا بعد العرض على الأحاديث ، بل لو عكس أيضا كان أحوط (١).

تنبيه (٢) :

حكم جماعة من متأخري أصحابنا ، ببطلان صلاة من لم يكن مجتهدا ولا مقلدا لمن يجوز تقليده ، وكذا غير الصلاة من العبادات (٣) ، ولا أرى لاطلاق ذلك وجها ، بل لا يصح ذلك الحكم في صور :

الاولى : من احتاط في العبادة ، بحيث تحصل الصحة على كل تقدير ، فحينئذ لا وجه للقول ببطلان تلك العبادة ، كمن صام وكف عن جميع ما يحتمل أن يكون مبطلا ، ويتأتى ذلك في الصلاة أيضا ، كالاتيان بجميع ما يحتمل أن يكون تركه مبطلا ، وترك جميع ما يحتمل أن يكون فعله مبطلا ، بحيث يحصل له القطع بصحة صلاته على كل تقدير.

فإن قلت : هذا لا يتأتى في الصلاة ، لان الافعال المحتملة للوجوب والندب ـ كالسورة ، والتسليم ، ونحوهما ـ إن وقعت على وجه الوجوب ، أبطلت الصلاة على تقدير ندبيتها ، وكذا العكس.

__________________

١ ـ في الكافي ( ١ / ٥٣ ح ٣ ) في باب التقليد : في الصحيح « عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (ع) في قول الله عزوجل : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ) فقال : والله ، ما صاموا لهم ، ولا صلوا لهم ، ولكن أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا ، فاتبعوهم ». ( منه ).

٢ ـ في ط : تذنيب.

٣ ـ المقاصد العلية : ٣٢ ، روض الجنان : ٢٤٨.

٣٠٨

قلت : لا نسلم بطلان ذلك ـ أي : بطلان الصلاة بإيقاع بعض أجزائها الواجبة على وجه الندب ، وبالعكس ـ إذا تحققت نية القربة ، غايته كونه آثما في اعتقاده (١) خلاف الواقع ، وليس النهي متعلقا بنفس الصلاة ، أو بشيء من أجزائها ، بل ولا بصفاتها اللازمة ، كما لا يخفى.

وعلى تقدير التسليم : فيمكن عدم نية الوجه في مثل تلك الافعال ، بل الاقتصار على قصد القربة ، وكونه مشغولا بالصلاة ، إذ لا دليل على تعيين نية الوجه في تفاصيل أجزاء الصلاة ، ولهذا لم يذهب إليه أحد من العلماء ـ وإن ذهب البعض إلى البطلان مع نية الوجه المخالف للواقع ـ ولذا لم يذهب أحد إلى بطلان صلاة الذاهل عن الوجه في أجزاء الصلاة.

مع : أنه لا يتم القول بالبطلان ـ بوجه ـ على تقدير صحة تجزي الاجتهاد ، فإن من اجتهد في أمر النية وظهر عليه أن لا يعتبر نية الوجه في أجزاء الصلاة ، ثم أتى بالصلاة على الوجه المذكور (٢) ، فحينئذ لا يتصور القول ببطلان صلاته بوجه.

الثانية : لو وقعت العبادة موافقة لحكم الشرع في نفس الامر ، واقترنت بنية القربة : مثلا : من صلى وترك قراء‌ة السورة في الصلاة ، بمجرد تقليد مثله من العوام ، فلا يمكن للمجتهد المعتقد استحباب السورة ، الحكم ببطلان تلك الصلاة ، إذ ليس النهي عنده متعلقا بصلاة ذلك المصلي ، بل بتقليده لمثله كما مر.

وعلى هذا ، فلا يمكن الحكم ببطلان صلاة من كانت صلاته موافقة لشيء من أخبار الائمة عليهم‌السلام المعمول به ، أو لقول من أقوال الفقهاء المعتمدين شرعا ، وإن لم يكن ذلك المصلي إلا مقلدا لمثله ، بمجرد حسن الظن

__________________

١ ـ كذا في ط ، وفي سائر النسخ : اعتقاد.

٢ ـ أي : الاتيان بجميع ما يحتمل ان يكون تركه مبطلا. ( منه رحمه‌الله ).

٣٠٩

به ، بحيث يتأتى منه نية القربة.

قال الفاضل الورع المحقق مولانا أحمد الاردبيلي ـ في شرح قول العلامة في الارشاد : « ويجب معرفة واجب أفعال الصلاة ... » إلى آخره ـ : « إعلم : أن الذي تقتضيه الشريعة السهلة ، والاصل ، عدم الوجوب على التفصيل والتحقيق المذكور في الشرح وغيره ، وأظن : أنه يكفي الفعل على ما هو المأمور به (١) ، وفي الأخبار إشارة إليه ، كما مر البعض وستقف على أمثاله أيضا ، خصوصا في مسائل الحج ، إذ الظاهر : أن الغرض إيقاعه على شرائطه المستفادة من الادلة ، وأما كونه على وجه الوجوب فلا ، وغير معلوم أنه داخل في الوجه المأمور به (٢) ، بل الظاهر عدمه ، فلا يتم الدليل بأن فعل الواجب على الوجه المأمور به موقوف على المعرفة والعلم ، فبدونه ما أتى بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف. وعلى تقدير تسليم الوجوب : لا نسلم البطلان على تقدير عدمه ، خصوصا عن الجاهل والغافل عن وجوبه ، وعن الذي أخذه بدليل ، مع كون (٣) وظيفته ذلك ، وكذا المقلد لمن لا يجوز تقليده ، ولا خفاء في صعوبة العلم الذي اعتبروه سيما بالنسبة إلى النساء والاطفال في أوائل البلوغ ، فإنهم كيف يعرفون المجتهد ، وعدالته ، وعدالة المقلد ، والوسائط؟! مع أنهم ما يعرفون العدالة ، ومعرفتهم إياها وأخذهم عنهم فرع العلم بعدالتهم. ومعرفة العدالة ما تحصل غالبا إلا بمعرفة المحرمات والواجبات ، فهم (٤) الآن ما حصلوا شيئا ، وليس بمعلوم لهم العمل بالشياع بأن فلانا (٥) عدل ، مع عدم معرفتهم حقيقة العدالة ، بل ولا بالعدلين ، ولا بالمعاشرة. وتحقيقهم ذلك كله

__________________

١ ـ كلمة ( به ) : اضافة من ب ومن المصدر.

٢ ـ كلمة ( به ) : اضافة من ب و ط ومن المصدر.

٣ ـ في ط والمصدر : عدم. بدل : كون.

٤ ـ في أ و ب و ط : وهم. وفي المصدر : وهم إلى الآن.

٥ ـ كذا في المصدر ، وفي الاصل و ب : الفلان ، وفي أ و ط : الفلاني.

٣١٠

بالدليل لا يخفى صعوبته ، مع عدم الوجوب عليهم قبل البلوغ على الظاهر ، بل بعده أيضا ، لعدم العلم بالتكليف بها. نعم يمكن فرض الحصول ، فحينئذ يصح التكليف ، ولكن قد لا يكون ، المراد أعم.

والحاصل : أنه لا دليل يصلح ، إلا أن يكون إجماعا ، وهو أيضا غير معلوم لي ، بل ظني : أنه يكفي في الاصول الوصول إلى المطلوب كيف كان ، بدليل ضعيف باطل ، وتقليد كذلك ، كما مر إليه الاشارة ، وعدم نقل الايجاب عن [ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة و] (١) السلف ، بل كانوا يكتفون بمجرد الاعتقاد وفعل صورة الواجبات (٢) ، ومثل تعليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الاعراب ، مع أن الصلاة معلوم اشتمالها على ما لا يحصى كثرة من الواجبات وترك المحرمات والمندوبات ، وكذا سكوتهم عليهم‌السلام عن أصحابهم في ذلك.

وبالجملة : لي ظن قوي على ذلك من الامور الكثيرة ، وإن لم يكن كل واحد منها دليلا ، فالمجموع مفيد له ، وإن لم يحضرني الآن كله ، وإن أمكن الوجوب على العام المتمكن من العلم على الوجه المشروط.

على أن دليلهم لو تم ، لدل على وجوب القصد حين الفعل ، وإنه غير واجب إجماعا ، ولكن ظني لا يغني من الحق (٣) شيئا ، فعليك طلب الحق والاحتياط ما استطعت » انتهى كلامه ، أعلى الله مقامه (٤).

وذكر أيضا في مسألة الشك بين الاثنين والثلاث والاربع : « أنه يكفي في الاصول مجرد الوصول إلى الحق ، وأنه يكفي ذلك لصحة العبادة المشترطة بالقربة ، من غير اشتراط البرهان والحجة على ثبوت الواجب ، وجميع الصفات الثبوتية والسلبية ، والنبوة ، والامامة ، وجميع أحوال القبر ، ويوم القيامة ، بل

__________________

١ ـ ما بين المعقوفين زيادة من المصدر.

٢ ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : الايجاب

٣ ـ كذا في ط ، وفي الاصل وأ و ب والمصدر : العلم.

٤ ـ مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ١٨٢.

٣١١

يكفي في الايمان اليقين بثبوت الواجب والوحدانية والصفات في الجملة ، بإظهار الشهادة به ، وبالرسالة ، وبإمامة الائمة عليهم‌السلام ، وعدم إنكار ما علم من الدين بالضرورة ويلزمه إعتقاد سائر المذكورات في الجملة. هذا ظني ، وقد استفدته أيضا من كلام منسوب إلى أفضل العلماء وصدر الحكماء ، نصير الحق والشريعة ، ومعين الفرقة الناجية بالبراهين العقلية والنقلية ، على حقية (١) مذهب الشيعة الاثنى عشرية ، نفعه الله بعلومه الدينية وحشره الله مع محمد خاتم الرسالة وآله الامناء الائمة عليهم‌السلام.

ومما يؤيده : الشريعة السهل السمحة ، [ و] (٢) أن البنت ـ التي ما رأت أحدا إلا والديها ، مع فرضهما متعبدين (٣) بالدين الحق ، فكيف بالغير (٤)؟! ـ إذا بلغت تسعا يجب عليها جميع ما يجب على غيرها من المكلفين ، على ما هو المشهور عند الاصحاب ، مع أنها ما تعرف شيئا ، فكيف يمكنها تعلم كل الاصول بالدليل والفروع من أهلها ، على التفصيل المذكور ، قبل العبادة مثل الصلاة؟! على : أن تحقيقها العدالة في غاية الاشكال كما مر ، وقد لا يمكن لها فهم الاصول بالتقليد ، فكيف بالدليل؟! وعلى ما ترى ، أنه قد صعب على أكثر الناس من الرجال والنساء جدا ، فهم شيء من المسائل على ما هي إلا بعد المداومة.

وبالجملة : هذا ظني ، ولكنه لا يغني من شيء ، ولعلي لا أعاقب به إن شاء الله تعالى ، وقد استبعدت ما ذكره بعض الاصحاب ، سيما ما في الرسالة الالفية ، مع قوله في الذكرى بصحة صلاة العامة ، وقد أشار الشراح إليه أيضا ،

__________________

١ ـ كذا في أ والمصدر ، وفي الاصل و ب و ط : حقيقة.

٢ ـ ما بين المعقوفين ساقط من النسخ ، وقد اثبتناه من المصدر المنقول عنه النص.

٣ ـ كذا في أ و ب و ط والمصدر ، ولكن في الاصل : متقيدين.

٤ ـ كذا في أ و ط ، وفي الاصل و ب : الغير.

٣١٢

واستشكل الشارح هنا في الصحة على تقدير الموافقة » انتهى كلامه (١).

وقال في بحث وجوب العلم بدخول وقت الصلاة : « وبالجملة : كل من فعل ما هو في نفس الامر ـ وإن لم يعرف كونه كذلك ، ما لم يكن عالما بنهيه وقت الفعل ، حتى لو أخذ المسائل عن غير أهله ، بل لو لم يأخذ من أحد (٢) فظنها كذلك وفعل ـ فإنه يصح ما فعله ، وكذا في الاعتقادات ، وإن لم يأخذها عن أدلتها ، فإنه يكفي ما اعتقده دليلا وأوصله إلى المطلوب ، ولو كان تقليدا ، كذا يفهم من كلام منسوب إلى المحقق نصير الملة والدين قدس‌سره العزيز ، وفي كلام الشارع إشارات إليه ، مثل مدحه جماعة للطهارة بالحجر والماء مع عدم العلم بحسنها ، وصحة حج من مر بالموقف ، ومثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمار حين غلط في التيمم قال ـ : « ألا فعلت كذا » فإنه يدل على أنه لو فعل كذا لصح (٣) ، مع أنه ما كان يعرف ، وفي تصحيح من نسي ركعة ففعلها ، واستحسنه عليه‌السلام مع عدم العلم ، والشريعة السمحة السهلة تقتضيه ، وما وقع في أوائل الاسلام من فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع الكفار من الاكتفاء بمجرد قولهم بالشهادة ، وكذا فعل الائمة عليهم‌السلام مع من قال بهم مما يفيد اليقين ، فتأمل.

وكذا جميع أحكام الصوم ، والقصر والاتمام (٤) ، وجميع المسائل ، فلو أعطى زكاته للمؤمن مع عدم العلم ، لصح ، فتأمل واحتط » انتهى كلامه قدس‌سره (٥).

وقال ـ في شرح قوله : « ويجب غسل موضع البول بالماء خاصة » ـ : « واعلم : أن الرواية التي نقلت هنا في سبب نزول الآية الدالة على الازالة بالماء

__________________

١ ـ مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ١٨٩ ـ ١٩٠

٢ ـ كلمة ( أحد ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ والمصدر.

٣ ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : يصح.

٤ ـ كذا في المصدر وفي النسخ : التمام.

٥ ـ مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٥٤ ـ ٥٥.

٣١٣

ـ أي : قوله تعالى : ( اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) ـ دالة على أن إصابة الحق حسن وصواب ، وإن لم يكن عن علم ، فعدم صحة صلاة من لم يأخذ كما وصفوه ، مع صلاته كما وصفوها ، غير ظاهر ، بل يمكن صحتها. وأمثالها كثيرة ، سيما في أخبار الحج ، فتفطن ، إلا أن يقال : إنه ـ في وقت الصلاة ـ كان مأمورا بالاخذ ، فتبطل ، ولكن المتأخرين لم يقولوا بمثله ، لعدم النهي عن الضد الخاص عندهم. نعم نقول به لو فرض الامر المضيق في ذلك الوقت مع الشعور ، فالجاهل والغافل خارجان عن النهي ، فافهم » انتهى (٢).

هذا ، ولكن روى الكليني في باب المسألة في القبر : عن « محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : يقال للمؤمن في قبره : من ربك؟ قال : فيقول : الله. فيقال له : ما دينك؟ فيقول : الاسلام. فيقال له : من نبيك؟ فيقول : محمد. فيقال : من إمامك؟ فيقول : فلان. فيقال : كيف علمت بذلك؟ فيقول : أمر هداني الله وثبتني عليه. فيقال له : نم نومة لا حلم فيها ، نومة العروس ، ثم يفتح له باب إلى الجنة ، فيدخل عليه من روحها وريحانها ، فيقول : يا رب عجل قيام الساعة ، لعلي أرجع إلى أهلي ومالي. ويقال للكافر : من ربك؟ فيقول : الله. فيقال : من نبيك : فيقول : محمد. فيقال : ما دينك؟ فيقول : الاسلام. فيقال : من أين علمت ذلك؟ فيقول : سمعت الناس يقولون فقلته. فيضربانه بمرزبة ، لو اجتمع عليها الثقلان : الانس ، والجن ، لم يطيقوها. قال : فيذوب كما يذوب الرصاص » الحديث (٣).

__________________

١ ـ البقرة / ٢٢٢.

٢ ـ مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٩٣.

٣ ـ الكافي : ٣ / ٢٣٨ ح ١١ من الباب المذكور. المرزبة : عصية من حديد. و : المطرقة الكبيرة تكسر بها الحجارة ، ج : مرازب ( لاروس ). وفي نسخة ب : بمضربة.

٣١٤

وهذه الرواية دالة على أن هذه الاصول لا يكفي فيها تقليد الناس.

والحق : أن الأولى والاحوط للمكلف ، أن يكون جميع ما يعتقده من الاصول والفروع مما يكون معروضا على كلام أئمة الهدى ، وخزنة علم الله ، وأبواب مدينة العلم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومستندا إليهم.

روى الكليني رحمه‌الله في الكافي (١) في الصحيح : « عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ترد علينا أشياء وليس نعرفها في كتاب ولا سنة فننظر فيها؟ فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عزوجل » (٢).

فإن الظاهر من كلامهم عليهم‌السلام : أن المخطئ حينئذ لا يكون معذورا ، والمصيب لا مع ذلك غير مؤجر ، بل الأولى : أن تكون مقدمات المعارف النظرية مأخوذة من كلامهم.

وما سكتوا عنه ، أو لم يبلغنا فيه منهم شيء ، فالاحوط السكوت فيه.

ومن تتبع الأخبار الواردة في ذلك ـ كالروايات الواردة في النهي عن الكلام ، مرة على الاطلاق ، ومرة على غير المأخوذ منهم عليهم‌السلام ـ حصل له الجزم بذلك.

ويفهم من كثير من الروايات والخطب أن أصل التصديق بالله تعالى مما فطر عليه جميع العقول ، وأن قلب ذي الجحود مقر بما أنكر (٣) بلسانه ، بل إن البهائم أيضا لم تبهم عن أربع ، أحدها معرفة الرب ـ وفي بعض الروايات : معرفة ألله ، بدل : معرفة الرب ـ قال الله تعالى : ( أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الآية (٤).

وهذا مذهب النظام ، وكثير من المتكلمين (٥) ، كما نقله في المواقف (٦) ،

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٥٦ ح ١١.

٢ ـ قوله : ( روى الكليني ) إلى هذا الموضع : ساقط من الاصل و ب و ط ، وقد اثبتناه من نسخة أ.

٣ ـ في أ و ط : انكره.

٤ ـ ابراهيم / ١٠.

٥ ـ شرح المواقف : ١ / ٧٧ ، حاشية الچلبي على شرح المواقف : ٥١.

٦ ـ المواقف : ٢٨. إلا أنه لم ينص على رأي النظام.

٣١٥

وغيره ، بل جميع المعارف عندهم كذلك.

واعلم : أنه قد مر أن الاحوط للمقلد ، عرض فتاوى الفقهاء على الروايات وإنما قلنا : إنه أحوط ، لا أنه متعين ، لان الظاهر من الروايات جواز اعتماد العامي على من كان ثقة عارفا بروايات الائمة ، كالامر بأخذ معالم الدين عن محمد بن مسلم الثقفي ، والفضيل بن يسار ، ويونس بن عبدالرحمن ، وغيرهم ، على ما ذكره الكشي (١) ، وغيره ، في ترجمتهم ، وكالروايات الواردة في فضل العلماء بأنهم يسددون قلوب شيعتنا.

وروى ابن جمهور ، في غوالي اللآلي ، بطرقه المذكورة فيه : « عن الامام الحسن العسكري عليه‌السلام ، قال : حدثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من أبيه ، يتم يتيم انقطع عن إمامه ، ولا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا ، وهدى الجاهل بشريعتنا ، كان معنا في الرفيق الاعلى » (٢).

وبإسناده : « عن علي بن محمد عليه‌السلام ، قال : لو لا من يبقى بعد غيبة الامام ـ من العلماء الداعين اليه ، والدالين عليه ، والذابين عنه وعن دينه بحجج الله ، المنقذين للضعفاء من عباد الله ، من شباك إبليس ومردته ، لما بقي أحد إلا ارتد » الحديث (٣).

وغير ذلك من الروايات.

والحاصل : أن المفهوم جواز اعتماد ضعفاء الناس والعوام على العلماء ، من غير تقييده (٤) بلزوم عرض فتاواهم على كلام الائمة عليهم‌السلام ، فيكون

__________________

١ ـ رجال الكشي : ١٦١ ترجمة رقم ٢٧٣ وص ٢١٢ رقم ٣٧٧ ـ ٣٨١ وص ٤٨٣ رقم ٩١٠.

٢ ـ غوالي اللآلي : ١ / ١٦ ح ١.

٣ ـ غوالي اللآلي : ١ / ١٩ ح ٨.

٤ ـ في أ و ب و ط : تقييد.

٣١٦

منفيا ، ولو وقع غلط كان على ذمة العلماء فقط ، ويقتضيه نفي العسر والحرج ، وكون الدين والشريعة سمحة سهلة ، كما لا يخفى ، فتأمل ، والله أعلم بحقائق الامور.

* * *

٣١٧
٣١٨

الباب السادس

في التعادل والتراجيح (١)

__________________

١ ـ في ط : الترجيح.

٣١٩
٣٢٠