الوافية في أصول الفقه

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني

الوافية في أصول الفقه

المؤلف:

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني


المحقق: السيد محمد حسين الرضوي الكشميري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١١

الثاني من الوجوه العقلية المقررة لاثبات حجية الخبر الموجود في الكتب المعتمدة للشيعة ، ونقل عبارته في ذلك ، ثم تناول هذا الدليل بالبحث والمناقشة.

انظر فرائد الاصول : ١٧١ ـ ١٧٢.

٣ ـ تعرض رحمه‌الله إلى ما أفاده من اشتراطه لجريان اصالة البراء‌ة شرطين آخرين ـ علاوة على الشروط التي ذكرها الاصوليون ـ الاول : أن لا يكون إعمال الاصل موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة اخرى مثل أن يقال في أحد الانائين المشتبهين : الاصل عدم وجوب الاجتناب عنه ، فانه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر ، أو عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرا ، أو عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة ، فان اعمال الاصول يوجب الاجتناب عن الاناء الآخر أو الملاقي أو الماء. الثاني : أن لا يتضرر باعمالها مسلم ، كما لو فتح انسان قفص طائر فطار ، أو حبس شاة فمات ولدها ، أو امسك رجلا فهربت دابته ، فإن اعمال البراء‌ة فيها يوجب تضرر المالك ، فيحتمل اندراجه في قاعدة الاتلاف ، وعموم قوله : « لا ضرر ولا ضرار » إلى آخر كلامه. فقد حكى الشيخ الانصاري نص كلامه وأشبعه تدقيقا وتحليلا ومناقشة إذ قد عقد تذنيبا خاصا بهذا الرأي.

انظر فرائد الاصول : ٥٢٩ ـ ٥٣٢.

وبمناسبة استدلال الفاضل التوني بقاعدة نفي الضرر ، دخل الشيخ في هذه المسألة ليخوض غمارها ويحقق القول فيها ، فجاء هذا البحث وكأنه رسالة مستقلة قاده إلى وضعها ما ذكره التوني في الشرط الثاني بل أخذ جميع الاصوليين بالبحث عنها في هذا المورد.

ونشير إلى ان للفاضل التوني رأيه الخاص بمفاد هذه القاعدة ، كما سنذكر ذلك بعد قليل.

٤ ـ ناقش رحمه‌الله مذهبه بتخصيص مجرى أصل البراء‌ة بما اذا لم يكن جزء عبادة.

انظر فرائد الاصول : ٥٣٢.

٥ ـ تعرض لما استظهره صاحب الوافية من عبارة شارح المختصر ( العضدي )

٢١

في تعريف الاستصحاب وموافقته له.

فرائد الاصول : ٥٤٢.

٦ ـ تعرض لاستدلاله بصحيحة زرارة الواردة في باب الشك في عدد ركعات الصلاة والمصطلح عليها بصحيحة زرارة الثالثة ـ على حجية الاستصحاب. ثم تأمل في ذلك وناقش فيه.

فرائد الاصول : ٥٦٧.

٧ ـ تعرض رحمه‌الله للتفصيل الذي ابتكره وانفرد به في باب حجية الاستصحاب ، وهو رأي نال إهتمام كل الاصوليين إلى يومنا الحاضر ، فقد ذهب إلى التفصيل بين الاحكام الوضعية يعني نفس الاسباب والشروط والموانع ، والاحكام التكليفية التابعة لها ، وبين غيرها من الاحكام الشرعية ، فيجري في الاول دون الثاني (١). فقد فصل الشيخ الانصاري القول في هذا الرأي واستعرض استدلال الفاضل التوني عليه ، ناقلا نص عبارته بطولها ، ثم انهال عليه بالمناقشة فقرة فقرة مما اضطره إلى عقد بحث عن الحكم الوضعي وبسط الكلام فيه وتحقيق ما اذا كان مستقلا بالجعل ، او انه تابع بالجعل للحكم التكليفي.

فرائد الاصول : ٥٩٨ ـ ٦١٢.

وبهذا ألجأ الفاضل التوني الاصوليين إلى بسط الكلام عن الحكم الوضعي ، وتفصيل القول فيه من بيان حقيقته وكيفية تعلق الجعل به وتحديد مصاديقه

__________________

١ ـ أفاد بعض اساتذة العصر في مجلس درسه عند استعراض هذا الرأي للفاضل التوني وتوضيحه : أن اطلاقه ( الاحكام الوضعية ) على الاسباب والشروط والموانع ، مسامحة منه ، فان ( الاحكام الوضعية ) باصطلاح القوم هي الشرطية والسببية والمانعية.

وحاصل مسلكه هو : أن الاستصحاب حجة في موضوعات الاحكام الوضعية ، والاحكام التكليفية المسببة عنها.

وبعبارة أخرى : ان الاستصحاب يجرى في الاسباب والشروط والموانع ، وفي الحكم الشرعي المترتب عليها ، دون السببية والشرطية والمانعية. أما غير هذه الموارد من الاحكام التكليفية ومطلق الاحكام الوضعية فالاستصحاب غير جار فيها.

٢٢

وصغرياته ، بما لم نعهده منهم قبل إحداث هذا التفصيل في الاستصحاب. ولذا ترى الاصوليين يخوضون هذا البحث في فصل الاستصحاب.

٨ ـ أيد الشيخ الانصاري رحمه‌الله دعواه اشتراط بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب ، بكلام الفاضل التوني الذي اورده لرد تمسك المشهور في نجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية.

فرائد الاصول : ٦٤١.

٩ ـ دعم رحمه‌الله دعواه عدم جواز اثبات عمرو باستصحاب الضاحك المحقق في ضمن زيد. ثم ناقشه في قياسه ( عدم المذبوحية ) على المثال المذكور.

فرائد الاصول : ٦٤٣.

١٠ ـ استشهد رحمه‌الله على دعواه عدم جريان الاصل في المسبب وتقدم الاصل في السبب عليه وعدم امكان جريانهما معا. بكلام الفاضل التوني ونقل نص عبارته الصريحة في ذلك.

فرائد الاصول : ٧٤٢.

وكذا وقعت آراؤه موقع الاهتمام والمناقشة لدى الآخوند الخراساني ، فقد تطرق في الكفاية إلى مناقشة آرائه التالية :

١ ـ اضافته الشرطين المتقدمين لجريان أصل البراء‌ة. وفعل الآخوند ما فعله الشيخ الانصاري قبله.

كفاية الاصول : ٣٧٩

٢ ـ تفسيره الضرر المنفي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا ضرر ولا ضرار » ب‍ : الضرر غير المتدارك.

كفاية الاصول : ٣٨١.

٣ ـ الدليل العقلي الذي أفاده لاثبات حجية خبر الواحد الموجود في الكتب المعتمدة للشيعة.

كفاية الاصول : ٣٠٥.

٤ ـ بسط الآخوند الكلام في تحقيق حال الاحكام الوضعية تبعا للشيخ

٢٣

الانصاري ، توطئة للقول بجريان الاستصحاب فيها ردا على التفصيل المتقدم الذي أفاده الفاضل التوني في ذلك.

كفاية الاصول : ٣٩٩ ـ ٤٠٤

وما زالت آراؤه محل اعتناء الاصوليين في تصنيفاتهم ، واساتذة الدروس العالية في مجالس تدريسهم.

وإن دل ذلك على شيء فانما يدل على أنه أحد اعلام هذا العلم ، وأحد المبتكرين للنظريات الاصولية.

* * *

٢٤

مع الكتاب

٢٥
٢٦

أهميته وامتيازاته :

الوافية : من خيرة المتون الاصولية التي خلفها لنا فطاحل علماء الامامية فلقد ترك لنا أولئك مصنفات في مختلف علوم الشريعة ، من الكلام والتفسير والفقه والاصول والحديث والرجال ، يمثل كل منها المرحلة التي وصل اليها ذلك العلم في تلك البرهة.

وفيما يخص علم الاصول :

ان كانت ( الذريعة ) معبرة عن قمة ما وصل اليه هذا العلم في عصر السيد المرتضى ، و ( العدة ) في عصر شيخ الطائفة الطوسي ، و ( المعارج ) في عصر المحقق الحلّي ، و ( النهاية ) و ( التهذيب ) و ( المبادئ ) في عصر العلامة الحلّي ، ومقدمة ( المعالم ) في عصر المحقق الشيخ حسن ، فإن ( الوافية ) تمثل القمة في التطور الاصولي الذي ارتقى اليه في القرن الحادي عشر الهجري لدى الاصوليين من الامامية. فقد حباها مؤلفها الذي يصفه الشيخ الحرّ العاملي بالفقيه العالم الفاضل ( الماهر ) ، حباها بمزايا افردتها عما صنف قبلها. فإن مقارنة شريعة بينها وبين ما تقدمها ليكشف عن ذلك بوضوح.

فمن ينتقل من مراجعة ( المعالم ) إلى ( الوافية ) يشعر بتحول وتطور ، ويلاحظ نقلة في المستوى والافق الذي يدفع بالقلم لرسم تلك السطور ، وليس مجرد تبدل في الرأي ، أو تغيير في المبنى ، وبكلمة مختصرة : يلاحظ المقارن بين الكتابين اختلافا في المنهجية ، وفي نمط التفكير ، وصياغة المطالب ، والدخول إلى البحث من مسلك لم يعهد من قبل ، واعتمادا على معايير لم يلتفت إليها من سالف.

وترى المصنف في ( الوافية ) قوي الحجة ، بعيد النظر ، يختار الرأي الصائب في المسألة ، دون ان يتقيد بما ذكروه دليلا عليه بل قد لا يكتفي بما اورده الاصوليون على

٢٧

المدعى من الادلة إن رآها سليمة بل يبتكر دليلا خاصا ، كما فعل في حجية خبر الواحد ، وقد يوافق الآخرين في الرأي ولكن لا يرتضي ما اقاموه حجة عليه ، فيردها ، ويسوق لذلك الرأي برهانا آخر.

وبهذا يخرج عن طور التبعية والتقليد ، ويسلك مسلك التحقيق والتأسيس.

ونراه الحاذق في المناقشة ، فهو يجيد تشخيص نقاط الضعف في ادلة خصمه ، فيسدد اليها الرمية ، وينقض عليها بالنقض والحل لتعود واهية سقيمة.

وتراه يحسن الاخذ بزمام المسائل الاصولية بعد ان ينتزعه من يد خصمه انتزاعا فنيا ويردها إلى بابها كما فعل مع المحقق والعلامة وصاحب المعالم ، في مسألة دلالة النهي على الفساد في المعاملات ، فقد عرض بهم في استدلالهم على عدم الدلالة بالدليل اللفظي ، منبها على محور النزاع ، وان المتنازع فيه هو حكم العقل بالفساد أو عدمه ، لااستفادة الفساد وعدمها من الدليل النقلي بإحدى الدلالات اللفظية الثلاث. ونجده يعرض الافكار المستحدثة ، والتحقيقات المبتكرة ، فتراه يعترض على حصر سقوط التكليف بالاطاعة والعصيان ، ويقول بوجود مسقط ثالث وهو حصول غرض المولى ، موضحا فكرته هذه بالمثال المقنع وها هو يستعرض فكرة الترتب عرضا واضحا على دقتها واستعصائها.

ومن التفاتاته وتدقيقاته القيمة توضيحه وابانته لمعنى بعض المصطلحات التي ادى الخلط فيها إلى وقوع المخاصمات والمشاجرات الفارغة لدى كثير من السطحيين ، وهو بهذا يفرق بدقة ويميز بجدارة بين النزاعات اللفظية والمشاحات الاصطلاحية وبين المناقشات العلمية ، فلاحظ ذلك في توضيحه لمصطلح ( الاجتهاد ) وازالة الملابسات التي احيطت به ، وتحديد المعنى المقصود به لدى القدماء والمأخرين. ليجلي بذلك عن وجه الحقيقة وينفض الغبار عنها. لتصبح المسألة مسلمة واضحة لدى الطرفين.

وتراه يؤسس الرأي وينفرد به كما فعل ذلك في تفصيله في حجية الاستصحاب. واشتراطه جريان البراء‌ة بشروط مبتكرة ومن خلال استعراض الكتاب يبدو للقارئ تسلط المصنف وإلمامه بالمعقول وهو ما يتطلبه الخوض في غمار

٢٨

المسائل الاصولية وكشف المغالطات عنها ، وابداء الرأي الصائب فيها. فلاحظ ما سبرته يراعته في بحث اجتماع الامر والنهي من هذا الكتاب.

ومع كل هذا الثقل العلمي الذي افرغه في كتابه هذا ، جاء هذا الكتاب حسن الاسلوب سلس العبارة ، تقرؤه ويراودك الشعور بالارتياح لحسن العبارة وجزالة الالفاظ ، وطراوة البيان. مما يجذب القارئ اليه ويملكه بما لا يدع له خيار مباعدة الكتاب.

وقد اتصف هذا الكتاب ـ علاوة على هذا كله ـ بالمزايا والخصائص التالية :

١ ـ قسمة العلم.

أولى المصنف إهتماما كبيرا بالقسمة ، وهي أحد الرؤوس الثمانية ، المذكورة في علم المنطق ، التي يستعملها المؤلفون ، ليكون الداخل إلى العلم على بصيرة من أمره.

فقد قسم المصنف ـ عمليا ـ مسائل الاصول إلى : لفظية ، وعقلية ، واستعمل هذا التعبير بكثرة ، خاصة فيما يرتبط بالاصول العملية ، وهذا هو المتداول فيما انتهت اليه تحقيقات هذا العلم.

واظهر المصنف ذلك بصراحة عندما تعرض لبحث ( مقدمة الواجب ) و ( مسألة الضد ) موضحا ضرورة إيرادهما في البحوث العقلية ، إذ أنهما ليسا من باب دلالة اللفظ ، مشيرا إلى عدم استقامة ما هو المألوف عند الاصوليين من ايرادهما في مباحث الالفاظ ، بعد أن كان واقع البحث فيهما إنما هو عن ( الملازمة ) وهي عقلية ، وقد اشرنا إلى هذا فيما تقدم.

وكذلك فعل المصنف في مباحث المفاهيم حيث أوردها في فصل التلازم بين الحكمين.

واستعمل المصنف مصطلح الحكم الواقعي وما يقابله ، وهو مبتن على هذه القسمة كما لا يخفى.

اضف إلى كل هذا ، استناده إلى الادلة العقلية في مناقشاته واستدلالاته بما

٢٩

يدل على قدرة فائقة وتسلط على فن المعقول.

٢ ـ الموضوعية في البحث.

لقد اتسم كتاب ( الوافية ) بالموضوعية التامة في علم الاصول ، إذ قلما يلاحظ فيه الشرود إلى مسائل وأبحاث من علوم اخرى.

وقد أدى حق التمييز بين المسائل الاصولية وما يقع في دائرة البحث في الكتاب منها ، وبين غيرها ، بدقة فائقة في بداية الكتاب ، بنحو يحدد مسار البحث فيه ، فلاحظ ما ذكره في نهاية المقصد الاول من الباب الاول ، وما ذكره في آخر البحث الثالث من المقصد الثاني من الباب الاول.

ومن حيث المصادر التي اعتمدها :

فإنا نفاجأ في هذا الكتاب بسعة مراجعته لكل مصنفات الاصول حتى شملت كتب الاصول للمذاهب المختلفة ، فهو ينقل أحيانا عنها جملا ونصوصا مما يدل على مراجعته لها مباشرة ، فقد حكى عن ( التمهيد ) و ( الكوكب الدرّي ) للاسنوي ، و ( المحصول ) للفخر الرازي ، و ( شرح مختصر ابن الحاجب ) لعضد الدين ، و ( الاحكام ) للآمدي ، و ( شرح جمع الجوامع ) للفاضل الزركشي ، وغيرها.

وهذا إنما يدل على سعة افق تفكيره ، وحرية الرأي عنده ، وحسن اختياره ، فإن تأليفا مثل الوافية ـ جامعا مانعا ـ لا يتكون إلا بمثل هذا الاقدام الجرئ.

مضافا إلى دلالته على الموضوعية العلمية في البحث ، حيث ان هذا العلم يقع في عداد العلوم الآلية ، فهو منطق الفقه ، فكما ان المنطق يعتبر ميزانا لاصل التفكير ، يحدد مسار الاستدلال ويقومه ، فكذلك علم الاصول بالنسبة إلى الفقه ، لانه يحدد العناصر المؤثرة في صحة الاستدلال الفقهي.

ولذا فإن التصنيفات الاصولية لا تتفاوت في العرض والاستدلال والمنهج من مذهب لآخر ، إلا بمقدار الاختلاف بين اللغات من حضارة إلى اخرى ، وهذا لا يؤثر في اصل الهدف المرسوم لعلم الاصول.

* * *

٣٠

٣ ـ المنهج التربوي.

اهتم المصنف في هذا الكتاب بجانب تربية المتعلمين بنحو لم يسبق له مثيل في الكتب الاصولية ، فإن اكثر المؤلفين لتلك الكتب إنما يهدفون لايداع ارائهم فيها وتسجيلها حرصا عليها.

واما هذا الكتاب ، فان سيرة مؤلفه فيه ، تدل على أنه ألفه قاصدا به ـ إضافة إلى ذلك ـ استفادة الطلاب منه ، ليكون كتابا دراسيا ومنهجا تعليميا لمادة علم الاصول.

فتراه يقول في آخر مبحث اصالة النفي ( القسم الثالث من الباب الرابع ).

« والغرض من نقل جملة من مواضع استعمال ( الاصل ) أن تمتحن نفسك في المعرفة ، لتشحذ ذهنك. وتحقيق ( الاصل ) على هذا الوجه مما لا تجده في غير هذه الرسالة ».

ونراه في كل مسألة يوضع البحث بأمثلة موجهة إلى الطالب ، ليعطيه قدرة المقارنة والتطبيق بسهولة تامة.

حتى أنه يواكب مستوى الطالب فيحاول معه امورا أولية ، كما فعله في ارشاد الطالب إلى كيفة الاستفادة من كتب الحديث فلاحظ ما ذكره في نهاية مبحث التمسك بالعام قبل الفحص عن المخصص ( البحث الثاني من المقصد الثاني من الباب الثاني ).

وكل هذا إنما يدل على مدى اهتمام المصنف بهذا العلم ، وبالجانب التربوي فيه ، وعلى شفقته على الطلاب والمحصلين (١).

ولعل هذا الجانب التربوي والتعليمي في هذا الكتاب هو السبب في اهتمام

__________________

١ ـ لاحظ في هذا المجال ما تقدم في هذه المقدمة تحت عنوان ( مع الشاه عباس الصفوي )

٣١

العلماء به ، وكثرة تداوله بين المحصلين ، وصيرورته متنا دراسيا لطلاب الحوزات العلمية لفترة طويلة ، واعتناء العلماء به حتى اكثروا من الشروح والتعليقات عليه ، كما سيمر عليك ذكرها.

٤ ـ تأثيره في حيوية العلم.

تم تأليف هذا الكتاب في سنة ( ١٠٥٩ هـ ) وهي الفترة التي مني فيها علم الاصول بحركة مضادة ، فكان للمصنف بكتابه هذا دور عظيم في الابقاء على حيوية هذا العلم ، وبصورة أدق وأسلم مما سبقه من المصنفات الاصولية بحيث تنقشع ـ باسلوبه ومتانته ـ السحب التي أثارها معارضو علم الاصول ، والنقود التي اوردوها على المصنفات الاصولية السابقة.

فقد أجاد المصنف في هذا الكتاب الرد على أهم الاراء المضادة للاصول ، واكثرها تطرفا ، كالقول بقطعية أخبار الكتب الاربعة ، والقول بعدم الحاجة إلى علم الاصول ، فكان سدا منيعا أمام استفحال تلك الآراء في منطقة خراسان وحوزتها العلمية.

وتصدى للمحدث الأمين الاسترابادي ، الذي أثار تلك الاراء ، وناقشه في هذا الكتاب بمتانة ودقة وموضوعية تامة.

وبالتالي فهو يشكك في حجية مطلق الخبر الواحد ، ويلتزم بتقسيم الحديث إلى الاقسام المعروفة من الصحيح والحسن والموثق والضعيف ، إلا أنه ينتهي بالرأي إلى جواز العمل بأخبار الكتب الاربعة والقول بحجيتها مشترطا ذلك بشرطين دون أن يلتزم بقطعية صدورها.

ويتمسك بأصالة البراء‌ة ، ويستشهد بها في عدة مواضع.

وقد ادى حق كل ذلك بعيدا عن التطرف إلى فئة معينة ، ولذلك نراه يذهب إلى جواز تقليد الميت ولا يقول بجواز التقليد مطلقا ، كما لا يبت بالذهاب إلى حجية مطلق ظواهر الكتاب ، مما يدل على حرية في التفكير ، واتباع مطلق للدليل ، فهو حقا ( من أبناء الدليل ، حيثما مال يميل ).

٣٢

وكتابه هذا لوحده ، دليل على أثره البارز في إرساء قواعد علم الاصول في الحواضر العلمية ، سيما حاضرة خراسان ، على مدى بعيد ، ومنذ تأليفه حتى عصرنا الحاضر.

تأريخ تصنيفه :

لم يعلم بالتحديد التاريخ الذي بدأ فيه الفاضل التوني تدوين هذا الكتاب.

أما انتهاؤه منه : فقد جاء في آخره ـ على ما في نسخة الاصل وأوط ـ :

« وقد وقع الفراغ منه يوم الاثنين ، ثاني عشر أول الربيعين في تاريخ سنة ١٠٥٩ هـ ».

ويعضده ما ذكره السيد الخونساري ، حيث قال : « نقل عن خط الشيخ أحمد ـ أخي المصنف ـ أنه كتب على ظهر بعض نسخ الوافية ما هذه صورته : قد وقع الفراغ المصنف قدس الله روحه واسكنه حضيرة القدس مع أوليائه وأحبائه من تسويد الرسالة التي جمعت بدائع التحقيق وودائع التدقيق ، ثاني عشر أول الربيعين ، من شهور سنة تسع وخمسين وألف من الهجرة ... ».

وذكر الطهراني كما تقدم : أن تلك النسخة موجودة في مكتبة الامام أمير المؤمنين (ع) العامة بالنجف الاشرف ، وهي بخط علي أصغر بن محمد حسين السبزواري ، وتأريخها ١١١١ هـ.

تبويبه :

مهارة المصنف ـ كما نص عليها الشيخ الحرّ العاملي ـ وكونه من المحققين ـ كما شهد له بذلك الشيخ يوسف البحراني ـ أمليا على المصنف أن يضع لكتابه هذا تبويبا فنيا دقيقا ، وهو أول سمات هذا الكتاب وامتيازاته. فقد وضع خارطة لمباحث الاصول ، تنبئ عن تضلعه فيه ، فلم يعد يستعرض مسائل الاصول دون الالفات إلى ترابطها ، بل جعل كل طائفة منها تحت عنوان يجمعها ويميزها عن المجموعة

٣٣

الاخرى. وكذا نراه يضع كل مسألة في الموضع المناسب لها ، ويخرجها عن الموضع الذي كانت عليه في التأليفات الاصولية التي تقدمته ، وإن دل ذلك على شيء فانما يدل على عقليته الرافضة للتقليد وعلى عمق نظره والتفاته إلى اطراف المسألة ومرد النزاع فيها. فقد صنف مسائل الاصول تصنيفا رائدا ، ووزعها توزيعا دقيقا لم نعهده عند من قبله ، جاعلا كل صنف تحت عنوانه اللائق له. فجاء كتابه هذا محتويا على :

المقدمة ، وتشمل أربعة مباحث ، أولها : في تعريف اصول الفقه ، ثانيها : في الحقيقة والمجاز ، ثالثها : في دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز والنقل والتخصيص والاشتراك والاضمار. رابعها : في الاسم المشتق.

الباب الاول : في الامر والنهي :

وجعله في مقصدين ، يتضمن الاول مباحث الامر ، والثاني مباحث النهي.

الباب الثاني : في العام والخاص.

وجعله في مقصدين أيضا ، اشتمل الاول على مباحث العام ، والثاني على مباحث الخاص.

الباب الثالث : في الادلة الشرعية.

وجعله في فصول :

الفصل الاول : في الكتاب.

الفصل الثاني : في الاجماع.

الفصل الثالث : في السنة.

* * *

٣٤

الباب الرابع : في الادلة العقلية.

وجعلها أقساما : القسم الاول : فيما يستقل بحكمه العقل.

القسم الثاني : استصحاب حال العقل.

القسم الثالث : أصالة النفي أو البراء‌ة الاصلية.

القسم الرابع : الاخذ بالقدر المتيقن.

القسم الخامس : التمسك بعدم الدليل.

القسم السادس : استصحاب حال الشرع.

القسم السابع : التلازم بين الحكمين ، وادرج فيه خمسة أمور :

أ ـ مقدمة الواجب.

ب ـ اقتضاء الامر بالشيء النهي عند ضده.

ج ـ المنطوق غير الصريح.

د ـ المفاهيم.

هـ ـ القياس.

الباب الخامس : في الاجتهاد والتقليد.

وجعله في مباحث : المبحث الاول : في تعريف الاجتهاد.

المبحث الثاني : في تجزئة الاجتهاد.

المبحث الثالث : في العلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد.

المبحث الرابع : في التقليد.

* * *

٣٥

الباب السادس : في التعادل والتراجيح.

وهو آخر الكتاب.

وإن مقارنة سريعة بين هذا التبويب والتوزيع للمسائل ، وبين ما نجده في المصنفات الاصولية المتقدمة عليه ، لتدل على ما أسلفناه ، وكمثال على ذلك : مسألة مقدمة الواجب ، فلاحظ موقعها عنده ثم موضعها عندهم.

وأهم من ذلك فرزه بين الادلة والحجج مقسما لها إلى الشرعية والعقلية مدرجا كل حجة ودليل في قائمته الخاصة به.

نسخه :

لما كان هذا الكتاب أحد المتون الاصولية البارزة والهامة كما أسلفنا كان من الطبيعي أن يتتابع طلاب هذا العلم ورجاله على نسخة واقتنائه ، لذا كثرت نسخة وانتشرت بينهم.

قال السيد الخونساري وهو يتحدث عنه : « ونسخه متداولة بين الطلاب ».

وقد حفظت المكتبات العامة والخاصة في كل من العراق وايران الكثير من تلك النسخ.

وقد نال الكتاب حظ الطبع والنشر في بومباي من حاضرة الهند عام ١٣٠٩ هـ ولم تعد طباعته بعد ذلك. فعاد نادر الوجود ، بعيد المتناول.

شروحه والتعاليق عليه :

عاجل المصنف الاجل.

فتوفي بكرمانشاه ولما يصل إلى المراقد المقدسة ومراكز العلم والعلماء ، وهو في طريقه إليها.

٣٦

ولكن!

سارت الركبان بسفره القيم هذا فأوصلته إليها ، ليكون خير نائب عنه.

فاستقبله عطاشي التبحر والتحقيق ، وعكفوا عليه مطالعة ومدارسة ومناقشة.

ثم رسموا ما خلصوا إليه من افكار على صحائف من نور ، فكانت الشروح والحواشي التالية :

١ ـ شرح الوافية.

للسيد جواد العاملي ، صاحب مفتاح الكرامة ، المتوفى سنة ١٢٢٦ هـ.

قال العلامة الشيخ الطهراني : « وهو مبسوط في مجلدين ، ما ذكره سيدنا ـ السيد حسن الصدر ـ في التكملة.

وذكر السيد الأمين العاملي في ترجمة الشارح المطبوعة في آخر متاجر مفتاح الكرامة : انه تعرض فيه لاغلب كلمات الاساطين وشراح الوافية ، وجميع المباحثات التي وقعت بين الشيخ الاكبر ( صاحب كشف الغطاء ) والسيد محسن الكاظمي في إجراء أصل البراء‌ة في أجزاء العبادات ».

٢ ـ شرح الوافية.

للسيد حسن الحسيني.

قال العلامة الطهراني : « كذا ذكرته قبل خمسين عاما في مسودة ( الذريعة ) الاولية ، وفاتني ذكر خصوصياته ».

٣ ـ شرح الوافية.

للسيد الاجل صدر الدين محمد بن مير محمد باقر ، الرضوي القمّي الهمداني الغروي المتوفى في عشر الستين بعد الماء‌ة والالف ـ كما أرخه السيد عبدالله الجزائري في اجازته الكبيرة ـ وكان من أعلام عهد الفترة بين الباقرين : المجلسي ، والبهبهاني.

قال العلامة الطهراني : « وهو شرح بالقول ـ يعني قوله ... أقول ... ـ في خمسة عشر الف بيت تقريبا. أوله ( الحمد لله الذي أوضح لنا منهاج الدين بمصباح

٣٧

الحق من مشكاة اليقين ... ) رأيته في مكتبة الخونساري بالنجف الاشرف ، ومكتبة السيد المجدد الشيرازي بسامراء ، وسيدنا الحسن الصدر في الكاظمية ، ونسخة السيد محمد باقر الحجة بكربلاء كانت بقلم أقل الطلاب حسين المحلاتي المشتهر باسم أبيه أيام تحصيله بالحائر في سنة ١٢٢٧ هـ. وأول الشرح ( قوله : إن كان التبادر ... أقول : معنى كون التبادر ... ).

وللشارح نفسه عليه حواش كثيرة ، والخطبة من إنشاء بعض تلاميذه. ويوجد أيضا في المكتبة الرضوية ، ومكتبة الشيخ مشكور ، والشيخ هادي كاشف الغطاء ، وكانت عند السيد أبي القاسم الخونساري نسخة بخط حيدر بن محمد الخونساري في سنة ١١٩٦ هـ. ويوجد أيضا في مكتبة الامام علي عليه‌السلام العامة بالنجف الاشرف ».

وقد يسمى هذا الشرح بالحاشية.

وقد صرح في موضع منه أنه كان مشغولا بتأليفه سنة ١١٤١ هـ.

٤ ـ شرح الوافية.

قال الشيخ الطهراني : « كتب عليه هذا العنوان ، وأوله ( قوله : الاصل ما يبتني عليه الشيء إلخ قد جرت عادة الاصوليين بتعريف الفقه بكلا معنييه : الاضافي والعلمي ) رأيته كذلك عند السيد عبدالحسين الحجة بكربلاء. وقد كتب عليه انه للسيد مهدي ، وتاريخ كتابته سنة ١٢٤٣ هـ. لكنه ليس هو شرح الوافية للسيد مهدي بحر العلوم لان شرحه على الوافية مقصور على بحث الحقيقة والمجاز » كما سيأتي.

٥ ـ شرح الوافية.

للسيد بحر العلوم ، محمد مهدي بن السيد مرتضى بن السيد محمد الطباطبائي البروجردي الغروي المتوفى سنة ١٢١٢ هـ.

قال العلامة الطهراني عن هذا الشرح أنه « غير تام ، يقرب من نصف المعالم.

٣٨

خرج منه مبحث الوضع إلى أواخر مبحث الحقيقة والمجاز.

أوله ـ بعد خطبة مختصرة ـ : ( قوله اللفظ إن استعمل فيما وضع له فحقيقة. جعل المقسم مطلق اللفظ المتناول للمفرد والمركب ، لان كلا منهما ينقسم إلى الحقيقة والمجاز. ولا يختص الانقسام اليهما باللفظ المفرد على ما توهمه بعض الاعلام ـ إلى قوله : وإلا فمجاز. أقول : لا يخفى أن تعريف المجاز على هذا يدخل فيه الالفاظ المستعملة في غير معانيها غلطا ) وأورد فيه بحث الحقيقة الشرعية ، والصحيح والاعم ، وتعارض الاحوال. رأيت نسخة منه في كتب الشيخ عبدالحسين الطهراني ، ونسخة منه بخط الشيخ نعمة الطريحي كتبها لنفسه سنة ١٢٣٦ هـ. كانت عند الشيخ هادي كاشف الغطاء ، ونسخة خط المولى محمد كاظم الشاهرودي كتبها في سنة ١٢٣٨ هـ كانت في مكتبة الخونساري. ورأيت نسخة منه في مكتبة الحسينية في النجف. ونسخة عند السيد محمد علي بحر العلوم ، ونسخة السيد محمد صادق بحر العلوم ، ونسخة عند العلامة السماوي كتابتها ٢٨ جمادي الثاني سنة ١٢٢٢ هـ وهي بقلم الشيخ علي بن الشيخ أحمد بن الشيخ عيسى بن الشيخ علي بن نصر الله الجزائري. ونسخة عند الشيخ نعمة الله بن عبدالله خواجه الحويزي في كتب الشيخ مشكور تاريخها سنة ١٢٣٣ هـ. ونسخة تاريخها سنة ١٢٣٦ هـ وهي بقلم السيد محمد السيد حسين الموسوي عند السيد ضياء الدين العلامة الاصفهاني.

والمشهور أن السيد بحر العلوم لما عزم لزيارة المشهد الرضوي في الطاعون سنة ١١٨٦ هـ أمر تلميذه المقدس الكاظمي السيد محسن ، بتتميم هذا الشرح لكنه تأدب عن التتميم ، وشرحها ـ أي الوافية ـ مستقلا وسمى شرحه بالوافي كما سيأتي ».

وقد يسمى هذا الشرح أيضا ـ أعني شرح السيد بحر العلوم ـ بالحاشية على الوافية.

٦ ـ الوافي : شرح الوافية.

للمحقق المقدس الكاظمي ، السيد محسن بن الحسن الاعرجي المتوفى ١٢٢٧ هـ.

٣٩

قال العلامة الطهراني : « وهو شرحه الكبير في خمسين ألف بيت. شرع فيه سنة الطاعون ١١٨٦ هـ. وفرغ منه ١ ـ رجب ـ ١١٩٦. أوله ( الحمد لله الواهب المنان المتبع الاحسان بالاحسان ) عناوينه : ( قوله قوله ). توجد نسخته في مكتبة الخونساري والشيخ هادي كاشف الغطاء من وقف عبدالهادي بن عيسى كبة في مجلدين ضخمين يقرب من خمسين الف بيت. ونسخة الشيخ جواد الجزائري كتابتها ١٢٤٠ هـ ونسخة مكتبة السيد خليفة نقلت عن الاصل المسودة في الخميس ١٤ ذي الحجة ١١٩٦ هـ بقلم بهاء الدين محمد بن أحمد ».

٧ ـ المحصول في شرح وافية الاصول.

له أيضا.

قال العلامة الطهراني : « أوله ( بعد الحمد لله رب العالمين. قوله ... فيقول العبد الفقير إلى الله المغني ، محسن بن الحسن ... ) ... ».

وهو ملخص شرحه الكبير السابق ـ الوافي ـ وسماه بالمحصول لذلك. واضاف الطهراني : « وهو مرتب على مقدمة ذات مطالب وفنين أولهما مباحث الالفاظ ، والفن الثاني في مدارك الاحكام. وهو خمسة أبواب : ١ ـ الكتاب المجيد. ٢ ـ السنة الغراء. ٣ ـ إجماع الامة. ٤ ـ العقل الراجع إليهما. ٥ ـ الاجتهاد والتقليد. وهو آخر الكتاب. رأيته في خزانة الشيخ علي بن الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء بالنجف ، وفي خزانة سيدنا الصدر نسخة ناقصة الآخر ، وفي كتب الشيخ عبدالحسين الطهراني ، ورأيت عند السيد محمد الحجة نزيل قم أوان كونه في النجف نسخة في مجلدين تمام الاصول إلى آخر الاجتهاد والتقليد. وعند الشيخ هادي كاشف الغطاء نسخة خط المولى محمد سليم بن الحاج مهدي. فرغ من الكتابة في الجمعة ٢١ / صفر / ١٢٢٤ هـ في حياة المؤلف ».

٨ ـ الحاشية على الوافية.

له أيضا.

٤٠