الوافية في أصول الفقه

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني

الوافية في أصول الفقه

المؤلف:

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني


المحقق: السيد محمد حسين الرضوي الكشميري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١١

وهذه الرواية في الكافي ، في باب حجج الله على خلقه (١).

وروى ابن بابويه أيضا ، بسنده : « عن حفص بن غياث القاضي ، قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من عمل بما علم كفي ما لم يعلم » (٢).

وفي النوادر من المعيشة من الكافي ، بسنده : « عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو حلال لك أبدا حتى أن تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (٣).

وبمعناه رواية اخرى عنه أيضا عليه‌السلام (٤).

ونقل عن كتاب المحاسن للبرقي : أنه روى عن « أبيه [ عن النضر بن سويد ] (٥) ، عن درست ابن أبي منصور ، عن محمد بن حكيم ، قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام : إذا جاء‌كم ما تعلمون فقولوا ، وإذا جاء‌كم ما لا تعلمون فها ـ ووضع يده علي فيه (٦) ـ فقلت : ولم ذاك (٧)؟ قال : لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى الناس بما اكتفوا به على عهده ، وما يحتاجون إليه [ من بعده ] (٨) إليه إلى يوم القيامة » (٩).

وقد يتوهم منافاة هذه الرواية للروايات السابقة ، والحق عدمها ، لانها

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ١٦٤ ـ كتاب التوحيد / باب حجج الله على خلقه / ح ٣ لكن باستبدال ( أحمد بن محمد بن يحيى العطار ) ب‍ ( محمد بن يحيى ) ، وباسقاط كلمة ( علمه ) من المتن.

٢ ـ التوحيد : ٤١٦ ح ١٧.

٣ ـ الكافي : ٥ / ٣١٣ ح ٣٩.

٤ ـ وهي رواية مسعدة بن صدقة : نفس المصدر / ح ٤٠.

٥ ـ ما بين المعقوفين زيادة من المصدر.

٦ ـ في المصدر : فمه.

٧ ـ في ط : ذلك.

٨ ـ ما بين المعقوفين اضافة من المصدر.

٩ ـ المحاسن للبرقي : ٢١٣ ح ٩١ / الباب ( ٧ ) باب المقائيس والرأي من كتاب مصابيح الظلم من المحاسن. وروى مثله الكليني باسناد آخر : الكافي : ١ / ٥٧ ـ كتاب فضل العلم / باب البدع والرأي والمقائيس / ح ١٣

١٨١

محمولة على تعيين الحكم الواقعي ، أو على (١) عدم الافتاء ، وإن جاز العمل لنفسه ، فتأمل.

وفي كتاب التوحيد لرئيس المحدثين ابن بابويه : « حدثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبدالاعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عمن لم يعرف شيئا ، هل عليه شئ؟ قال : لا » (٢).

وأما الثاني : وهو السبيل إلى بيان المقدمتين المذكورتين ، وإمكانه فيما تعم به البلوى ، كنجاسة أرض (٣) الحمام ، ونجاسة الغسالة ، ووجوب قصد السورة المعينة عند البسملة ، ووجوب نية الخروج ، ونحو ذلك : فالحق : إمكان بيان المقدمتين المذكورتين (٤) ، فإن (٥) المحدّث الماهر ، إذا تتبع الأحاديث المروية عنهم عليهم‌السلام في مسألة ـ لو كان فيها حكم مخالف للاصل لاشتهر ، لعموم البلوي بها ـ ولم يظفر (٦) بحديث يدل على ذلك الحكم ، يحصل له الظن الغالب بعدمه (٧) ، لان جما غفيرا من العلماء ـ أربعة آلآف منهم تلامذة الامام الصادق عليه‌السلام ، كما نقله في المعتبر (٨) ـ كانوا ملازمين لائمتنا في مدة تزيد على ثلاثماء‌ة سنة ، وكان همهم وهم الائمة عليهم‌السلام إظهار الدين

__________________

١ ـ في ط : وعلى.

٢ ـ التوحيد : ٤١٢ ـ الباب ٦٤ / ح ٨ ، ورواه الكليني باسناد آخر : الكافي ١ / ١٦٤ ـ كتاب التوحيد / باب حجج الله على خلقه / ح ٢. لكن فيه ( من ) بدل ( عمن ).

٣ ـ في ط : ماء.

٤ ـ قوله : ( فالحق امكان بيان المقدمتين المذكورتين ) : ساقط من الاصل و ب ، وقد اثبتناه من نسختي أ وط.

٥ ـ في الاصل : فلان. وما اثبتناه مطابق لسائر النسخ.

٦ ـ في أ : ولم يظهر.

٧ ـ في ط : به. وفي هامشها : بعدمه خ ل.

٨ ـ المعتبر : ١ / ٢٦.

١٨٢

عندهم ، وتأليفهم كل ما يسمعونه منهم.

والفرق بين هذا القسم والقسم الثاني : أن بناء الاستدلال في القسم الثاني على انتفاء الحكم في الزمان السابق وإجرائه (١) في اللاحق بالاستصحاب ، فيرد عليه ما يرد على حجية الاستصحاب في نفس الحكم الشرعي ، ولهذا اعترضت الشافعية على الحنفية بأن قولكم بالاستصحاب في نفي الحكم الشرعي دون نفسه تحكم (٢).

وبناؤه في هذا القسم على انتفاء الدليل على ثبوت الحكم في الحال ، سواء وجد في السابق أو لا.

نعم ، لما اعتبر في القسم الثاني عدم العلم بتجدد ما يوجب ثبوت الحكم في الزمان اللاحق بعد الفحص المعتبر في الحكم ببراء‌ة الذمة ، كان كل موضع يصح فيه الاستدلال بالقسم الثاني ، يصح بهذا القسم أيضا ، فلذا لم يفرق جماعة بينهما ، وعدوهما واحدا.

واعلم أن الشهيد الثاني رحمه‌الله ذكر في تمهيد القواعد (٣) : أن الاصل يطلق على معان :

الاول : الدليل ، ومنه قولهم : « الاصل في هذه المسألة الكتاب والسنة ».

الثاني : الراجح ، ومنه قولهم : « الاصل في الكلام الحقيقة ».

الثالث : الاستصحاب ، ومنه قولهم : « إذا تعارض الاصل والظاهر ،

__________________

١ ـ في النسخ : واجراؤه ( بالضم ). والصواب ما اثبتناه ، وهو مطابق لما جاء في حكاية المحدّث البحراني لهذه العبارة : الدرر النجفية / درة في الاستصحاب / ص ٣٥.

٢ ـ تجد رأي الاحناف هذا في : المحصول : ٢ / ٥٤٩ ، شرح البدخشي : ٣ / ١٧٦ ، وانظر الاعتراض على هذا التفصيل في : المستصفى : ١ / ٢١٧ وما بعدها ، شرح العضد : ٢ / ٤٥٣ ، الاحكام : ٤ / ٣٦٧.

٣ ـ هذا ليس عبارته بل ظاهر كلامه. ( منه رحمه‌الله ).

١٨٣

فالاصل مقدم إلا في مواضع » (١) كما ذكره الشهيد الاول رحمه‌الله في قواعده (٢).

الرابع : القاعدة ، ومنه قولهم : « لنا أصل » ، ومنه قولهم : « الاصل في البيع اللزوم » ، و : « الاصل في تصرفات المسلم الصحة » أي : القاعدة التي وضع عليها البيع بالذات ، وحكم المسلم بالذات : اللزوم في بيعه ، والصحة في تصرفاته ، لان وضع البيع شرعا لنقل مال كل من المتابعين إلى الآخر (٣).

والمراد بالراجح : ما يترجح إذا خلي الشيء ونفسه ، مثلا : إذا خلي الكلام ونفسه ، يحمله (٤) المخاطب على المعنى الحقيقي ، لانه راجح حينئذ.

والمراد من الاصل في قولهم : « الاصل براء‌ة الذمة » ـ هذا المعنى.

وأما قولهم : « الاصل في كل ممكن عدمه » فيمكن حاله على الحالة الراجحة ، حتى يكون من القسم الثالث ، ويمكن حمله على الحالة السابقة ، حتى يكون من القسم الثاني.

إذا عرفت هذا ، فالاصل بالمعنى الاول لا شك في حجيته.

وكذا بالمعنى الثاني ، إذا كان في براء‌ة الذمة ، مع عدم المخرج عنه ، أو كان الرجحان من نص شرعي.

وبالمعنى الثالث سيجيء الكلام فيه.

وأما بالمعنى الرابع ـ أي : القاعدة ـ فإن كانت تلك القاعدة مستفادة من نص شرعي ، أو جماع كذلك ، فظاهر أنه حجة ، وإلا فلا.

فقولهم : « الاصل في الاشياء الطهارة » أصل مستفاد من الشرع ، لان « الطاهر هو : ما أبيح ملابسته في الصلاة اختيارا. والنجاسة : ما حرم استعماله

__________________

١ ـ كنجاسة ارض الحمام. ( منه رحمه‌الله ).

٢ ـ انظر : القواعد والفوائد : ١ / ١٣٧ ـ ١٤١ / الفائدة الثانية والثالثة من فوائد القاعدة الثالثة ( قاعدة اليقين ).

٢ ـ تمهيد القواعد : ٢ / في قوله « قاعدة : الاصل لغة ما يبنى عليه الشيء ... إلى آخره ».

٤ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : يحمل.

١٨٤

في الصلاة ، والاغذية ، للاستقذار ، أو للتوصل إلى الفرار » (١) ، والتعريفات من الشهيد الاول في قواعده (٢).

فالشارع لما أمر بالصلاة مستقبلا ، طاهرا ، ساترا للعورة (٣) ، تحصل هذه الماهية بأي فرد كان ، والبدن متلطخا بأي شيء كان ، وكذا الثوب متلطخا بأي شيء كان ، فاذا خرج (٤) بعض الاشياء ، وهو النجاسات ، بقي الباقي على عدم مانعيته من الصلاة وتتحقق (٥) الصلاة معه ، وهو معنى الطهارة ، فتكون طهارة الاشياء مستفادة من الامر بالصلاة مع الساتر ، ساكتا عما عدى النجاسات ، إذا كانت في البدن أو الثوب.

وكذا قولهم : « الاصل في الاشياء الحل » لقوله تعالى : ( خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) (٦) فإن ( ما ) ظاهرة في العموم ، وكذا يفهم عموم أنواع الانتفاع أيضا ، فإنه لو كان المراد إباحة انتفاع خاص معين غير معلوم المكلفين ، لم يكن هناك امتنان ، إذ العقل يحكم بوجوب اجتناب ما تساوى فيه احتمال النفع والمضرة.

وأيضا : يدل عليه قوله تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) (٧) وقوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

__________________

١ ـ دخل به الخمر والعصير ، فانهما غير مستقذرين ، ولكن الحكم بنجاستهما يزيدهما إبعادا من النفس لانها مطلوبة بالفرار عنهما ، وبالنجاسة يزداد الفرار. ( منه رحمه‌الله ). أقول : هذا من كلام الشهيد أيضا. في أ و ط : أو التوصل ... إلى آخره.

٢ ـ القواعد والفوائد : ٢ / ٨٥ ـ قاعدة : ١٧٥.

٣ ـ في ط : العورة.

٤ ـ في أ و ب و ط : اخرج.

٥ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : تحقق.

٦ ـ البقرة / ٢٩.

٧ ـ البقرة / ١٧٣.

١٨٥

الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) الآية (١) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ) (٢) ، وقوله تعالى : ( قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) (٣) ، بل في هذه الآية إشعار بأن إباحة الاشياء مركوزة في العقول قبل الشرع ، لانها في صورة الاستدلال على الحل بعدم وجدان التحريم إلا للاشياء الخاصة ، فتأمل.

وكذا قولهم : ( الاصل في الافعال (٤) الاباحة ) لما مر من قوله عليه‌السلام : « كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » ، وما بعده من الأخبار الكثيرة ، المذكورة في هذا القسم.

واعلم أيضا : أن ههنا قسما من الاصل ، كثيرا ما يستعمله الفقهاء ، وهو أصالة عدم الشيء ، وأصالة عدم تقدم الحادث ، بل هما قسمان.

والتحقيق : أن الاستدلال بالاصل ـ بمعنى النفي والعدم ـ إنما يصح على نفي الحكم الشرعي ، بمعنى : عدم ثبوت التكليف ، لا على إثبات الحكم الشرعي ، ولهذا لم يذكره الاصوليون في الادلة الشرعية ، وهذا يشترك فيه جميع أقسام الاصل المذكورة.

مثلا : إذا كانت أصالة براء‌ة الذمة مستلزمة لشغل الذمة من جهة اخرى ، فحينئذ لا يصح الاستدلال بها ، كما إذا علم نجاسة (٥) أحد الاناء‌ين مثلا بعينه ، واشتبه بالآخر ، فإن الاستدلال بأصالة عدم وجوب الاجتناب من

__________________

١ ـ المائدة / ٩٣.

٢ ـ البقرة / ١٦٨.

٣ ـ الانعام / ١٤٥.

٤ ـ في ط : الاشياء.

٥ ـ في ب : بنجاسة.

١٨٦

أحدهما (١) بعينه لو صح ، يستلزم وجوب الاجتناب من الآخر.

وكذا في الثوبين المشتبه طاهرهما ، بنجسهما ، والزوجة المشتبهة بالاجنبية ، والحلال المشتبه بالحرام المحصور ، ونحو ذلك.

وكذا أصالة العدم ، كأن يقال : الاصل عدم نجاسة هذا الماء ، وهذا الثوب ، فلا يجب الاجتناب عنه ، لا إذا كان شاغلا للذمة ، كأن يقال في الماء الملاقي للنجاسة المشكوك في كريته : الاصل عدم بلوغه كرا فيجب الاجتناب عنه.

وكذا في أصالة عدم تقدم الحادث ، فيصح أن يقال في الماء الذي وجد فيه نجاسة بعد الاسستعمال ، ولم يعلم هل وقعت النجاسة قبل الاستعمال؟ أو بعده؟ ـ : الاصل عدم تقدم النجاسة ، فلا يجب غسل ما لاقى ذلك الماء قبل رؤية النجاسة ، ولا يصح إذا كان شاغلا للذمة ، كما إذا استعملنا ماء‌ا ، ثم ظهر أن ذلك (٢) الماء كان قبل ذلك الوقت (٣) نجسا ، ثم طهر بإلقاء كر عليه دفعة ولم يعلم أن الاستعمال هل كان قبل التطهير؟ أو بعده؟ فلا يصح أن يقال : الاصل عدم تقدم تطهيره ، فيجب (٤) إعادة غسل ما لاقى ذلك الماء في ذلك الاستعمال ، لانه إثبات حكم بلا دليل ، فإن حجية الاصل في النفي باعتبار قبح تكليف الغافل ، ووجوب إعلام المكلف بالتكليف ، فلذا يحكم ببراء‌ة الذمة عند عدم الدليل ، فلو ثبت حكم شرعي بالاصل ، يلزم إثبات حكم من غير دليل ، وهو باطل إجماعا.

فإن قلت : لم لا يكون اللازم (٥) فيما لم يدل عليه دليل التوقف؟!.

__________________

١ ـ في ط : في أحديهما.

٢ ـ في أ و ط : لان ذلك.

٣ ـ كذا في ب ، وفي سائر النسخ : في وقت.

٤ ـ زاد في أ في هذا المواضع كلمة : عليه.

٥ ـ في أ : الامر.

١٨٧

لما روى الشيخ السعيد ، قطب الدين الراوندي : « عن ابن بابويه ، قال : اخبرنا أبي ، قال : أخبرنا سعد (١) بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه » (٢).

وفي الكافي ، في باب اختلاف الحديث ، في الموثق : « عن سماعة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر ، كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع؟ قال : يرجئه حتى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه ».

وفي رواية اخرى : « بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك » (٣).

وفي آخر حديث عمر بن حنظلة ، عن الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حلال بين ، وحرام بين ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم ».

وفي آخره أيضا ، بعد بيان وجوه الترجيح في الخبرين المختلفين ، قال : « إذا كان كذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك ، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » (٤).

__________________

١ ـ في أ و ط : سعيد.

٢ ـ نقل الحرّ العاملي أيضا هذا الحديث عن الراوندي من رسالة له ، قال عنها أنه « ألفها في احوال احاديث اصحابنا واثبات صحتها » انظر هذا الحديث في الوسائل : ١٨ / ٨٦ ـ كتاب القضاء / باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة / ح ٣٥. ولم نوفق للعثور على نسخة من هذه الرسالة.

٣ ـ الكافي ١ / ٦٦ ـ كتاب فضل العلم / باب اختلاف الحديث / ح ٧.

٤ ـ الكافي : ١ / ٦٨ ـ كتاب فضل العلم / باب اختلاف الحديث ح ١٠ ، لكن فيه : ذلك. بدل : كذلك. كما أن فيه ( فأرجه ) ، لكنا ضبطناها كما جاء‌ت في نسخة الوسائل : ١٨ / ٧٦.

١٨٨

وفي باب النهي عن القول بغير علم ، بسنده : « عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : أنهاك عن خصلتين ، فيهما هلاك الرجال : أنهاك أن تدين الله بالباطل ، وتفتي الناس بما لا تعلم » (١).

وفي الصحيح : « عن عبدالرحمن بن الحجاج ، قال : قال لي أبو عبدالله عليه‌السلام : إياك وخصلتين ، ففيهما هلك من هلك : إياك أن تفتي الناس برأيك ، أو تدين بما لا تعلم » (٢).

وبمضمونهما روايات اخر ، مذكورة في هذا الباب والذي بعده.

أو يكون الحكم حينئذ العمل بالاحتياط؟! لما رواه الشيخ في التهذيب عن « علي بن السندي ، عن صفوان ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، عن رجلين أصابا صيدا ، وهما محرمان ، الجزاء بينهما؟ أم على كل واحد منهما جزاء؟ فقال : لا ، بل عليهما جميعا ، ويجزي عن كل واحد منهما الصيد ، فقلت ، إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه؟ فقال : إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا ، فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا » (٣).

والامر بالاحتياط يدل على عدم جواز العمل بالبراء‌ة الاصلية ، وإلا لقال : فعليكم (٤) بالبراء‌ة الاصلية.

وروى أيضا ، في بحث المواقيت « عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن سليمان بن داود ، عن عبدالله بن وضاح ، قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه‌السلام : يتوارى القرص ، ويقبل الليل ، ثم يزيد الليل ارتفاعا ، وتستتر عنا

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٤٢ ـ كتاب فضل العلم / باب النهي عن القول بغير علم / ح ١. كذا الحديث في الكافي. وفي النسخ : هلك بدل : هلاك.

٢ ـ الكافي : ١ / ٤٢ ح ٢ من الباب المذكور.

٣ ـ التهذيب : ٥ / ٤٦٦ ح ١٦٣١.

٤ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : عليكم.

١٨٩

الشمس ، وترتفع فوق الجبل حمرة ، ويؤذن عندنا المؤذنون فاصلي حينئذ؟ وأفطر إن كنت صائما؟ أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب إلي : أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة ، وتأخذ بالحائطة لدينك » (١). ولا يخفى أنه صريح في طلب الاحتياط.

ونقل عن محمد بن جمهور الاحسائي ، في كتاب غوالي اللآلي ، أنه قال : « روى العلامة مرفوعا إلى زرارة بن أعين ، قال : سألت الباقر عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيهما آخذ؟ فقال : عليه‌السلام : يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر ، إلى أن قال : إذن ، فخذ بما فيه الحائطة (٢) لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط » الحديث (٣).

قلت : الجواب : أما عن أدلة التوقف : فأولا : بمنع (٤) أن ما لم يدل عليه دليل ، ولم يرد ، ولم يبلغنا فيه ، نص شرعي ـ داخل في الشبهة : إذ أدلة التوقف واردة فيها ورد فيه من الشرع نصان متعارضان ، فإلحاق غير المنصوص به قياس ، باطل عند العاملين بالقياس أيضا ، لانتفاء الجامع بين الاصل والفرع.

وثانيا : بأن قولهم عليهم‌السلام : « كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » ، و : « ما حجب الله علمه عن العباد موضوع عنهم » ، وغير ذلك من الأخبار التي مر بعضها ـ أخرج ما لا نص فيه عن حكم الشبهة (٥) على تقدير تسليم شمول أحاديث التوقف له ، وكونه شبهة.

__________________

١ ـ التهذيب : ٢ / ٢٥٩ ح ١٠٣١ ، الاستبصار : ١ / ٢٦٤ ح ٩٥٢.

٢ ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : الحائط.

٣ ـ غوالي اللآلي : ٤ / ١٣٣ ح ٢٢٩.

٤ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : منع.

٥ ـ وهو وجوب التوقف. ( منه رحمه‌الله ).

١٩٠

وثالثا : بأن الأخبار الدالة على التوقف عند تعارض الامارتين ، معارضة بما دل على التخيير عند التعارض ، كما لا يخفى ، ففي تعيين وجوب التوقف في الشبهة المذكورة ، أيضا نظر ظاهر.

ورابعا : بأن المحرم : ما يجب اجتنابه ، وهذه الأخبار كالصريحة في أن (١) الشبهة ليست من المحرمات ، فلا يكون اجتنابها واجبا ، بل لما كانت مما قد ينجر ويفضي إلى ارتكاب الحرام ، يكون اجتنابها مستحبا ، وارتكابها مكروها ، ولهذا وقع طلب ترك ارتكاب الشبهة في هذه الروايات بطريق النصيحة والموعظة ، لا بطريق صيغة النهي الظاهر في الالزام ، فتأمل.

وأما عن أدلة الاحتياط : فعن الرواية الأولى : أولا : بمنع أنه من قبيل ما نحن فيه ، لان بإصابة الصيد علم اشتغال ذمة كل من الرجلين ، فيجب العلم ببراء‌ة الذمة ، ولا يحصل إلا بجزاء تام من كل واحد منهما ، فلا يجوز التمسك فيه بأصالة براء‌ة الذمة.

والحاصل : أنه إذا قطع باشتغال الذمه بشيء ، ويكون لذلك الشيء فردان : بأحدهما تحصل البراء‌ة قطعا ، وبالآخر يشك في حصول براء‌ة الذمة ، فإنه حينئذ لا أعلم خلافا في وجوب الاتيان بما يحصل به يقين براء‌ة الذمة ، لقولهم عليهم‌السلام : « لا يرفع اليقين إلا يقين مثله » (٢).

وغير ذلك ، ونحن نجوز التمسك بالاصل فيما لم يقطع باشتغال الذمة ، وهذا ظاهر.

وثانيا : بتسليم عدم جواز العمل بالاصل مع التمكن من الرد إلى الائمة عليهم‌السلام ، والسؤال منهم (٣) عليهم صلوات الله عليه وسلامه ، لان العمل بالاصل مع

__________________

١ ـ في ط : كالصريحة بأن.

٢ ـ في ب و ط : بيقين. ولم نعثر على حديث بهذا اللفظ ، نعم وردت بهذا المضمون أحاديث متعددة سيأتي ذكرها في ص ٢٠٣ ـ ٢٠٧. والظاهر ان المصنف أراد بهذا مضمون تلك الاخبار.

٣ ـ كذا الظاهر. وفي النسخ : عنهم.

١٩١

حضورهم والتمكن من سؤالهم ، بمنزلة العمل بالاصل في هذا الزمان من دون التفحص والتفتيش عن النص : هل هو متحقق ، أم لا؟ وهو غير جائز بالاجماع.

وعن الرواية الثانية : أولا : بمثل الاول عن الأولى ، فإن اشتغال الذمة بالصلاة معلوم ، ولا يحصل يقين البراء‌ة إلا بالتأخير حتى تذهب الحمرة.

وثانيا : بأن الظاهر من قوله عليه‌السلام : « أرى لك إلى آخره » الاستحباب ، لا الوجوب ، وحينئذ يكون دالا على حصول البراء‌ة بالتقديم أيضا.

وعن الرواية الثالثة : ـ بعد الاغماض عن سندها ـ : فأولا : بأنه ليس من قبيل ما نحن فيه ، لانه منصوص ، ولكن ورد فيه نصان متعارضان (١) ، فإلحاق غير المنصوص ، به ـ قياس ، كما مر.

وثانيا : بأنه معارض للاخبار (٢) الدالة على التخيير ، وجواز العمل بكل من الخبرين.

وثالثا : بأنه معارض للاخبار (٣) الدالة على التوقف ، لان التوقف عبارة عن : ترك الامر المحتمل للحرمة وحكم آخر من الاحكام الخمسة ، والاحتياط : عبارة عن ارتكاب الامر المحتمل للوجوب وحكم آخر ما عدا التحريم ، كما هو ظاهر موارد التوقف والاحتياط ، ومن توهم أن التوقف هو الاحتياط فقد سها وغفل.

ورابعا : باحتمال أن يكون المراد بالاخذ ب‍ « ما فيه الحائطة (٤) لدينك » الاخذ بما وافق كتاب الله ، وترك ما خالف كتاب الله ، إذ ليس هذا الوجه من

__________________

١ ـ في ط : بأنه ليس مما نحن فيه ، لانها ورد فيما ورد فيه نصان متعارضان.

٢ و ٣ ـ في ط ، و ب : بالاخبار.

٤ ـ كذا في أ و ب ، وفي الاصل و ط : الحائط.

١٩٢

الترجيح مذكورا في هذه الرواية ، مع أنه مذكور في جميع الروايات الواردة في هذا الباب بدلا عن هذا الوجه المذكور في هذه الرواية.

وخامسا : بإمكان الحمل على الاستحباب.

ويشعر باستحباب الاحتياط في ترك ما يحتمل التحريم : صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج ، « عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعدما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك.

فقلت : بأي الجهالتين أعذر؟ بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه؟ أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال : إحدى الجهالتين أهوى من الاخرى ، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه ، وذلك لانه لا يقدر على الاحتياط معها.

فقلت : فهو في الاخرى معذور؟ قال : نعم ، إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها » الحديث (١).

ولا يخفى أنه يظهر من الرواية قدرته على الاحتياط مع العلم بالتحريم في العدة والجهل بأنها في العدة ، ويظهر منها أنه معذور في ترك هذا الاحتياط ، ولفظ « أهون » فيه إشعار باستحباب الاحتياط مع العلم بالتحريم في العدة والجهل بالعدة (٢).

واعلم : أن لجواز التمسك بأصالة براء‌ة الذمة ، وبأصالة العدم ، وبأصالة عدم تقدم الحادث ـ شروطا :

أحدها : ما مر من عدم استلزامه لثبوت حكم شرعي من جهة اخرى.

وثانيها : أن لا يتضرر بسبب التمسك به مسلم ، أو من في حكمه.

مثلا : إذا فتح إنسان قفصا لطائر ، فطار ، أو حبس شاة ، فمات ولدها ،

__________________

١ ـ الكافي : ٥ / ٤٢٧ ح ٣ ، الاستبصار : ٣ / ١٨٦ ح ٦٧٦ ، التهذيب : ٧ / ٣٠٦ ح ١٢٧٤ لكن فيه : عن أبي عبدالله (ع).

٢ ـ في ط : والجهل بأنها لعدة.

١٩٣

أو أمسك رجلا ، فهربت دابته وضلت ، أو نحو ذلك ، فإنه حينئذ لا يصح التمسك ببراء‌ة الذمة ، بل ينبغي للمفتي التوقف عن الافتاء حينئذ ، ولصاحب الواقعة الصلح ، إذا لم يكن منصوصا بنص خاص أو عام ، لاحتمال اندراج مثل هذه الصور في قوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا إضرار في الاسلام » (١) ، وفيما يدل على حكم من أتلف مالا لغيره (٢) ، إذ نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته ، لانه غير منفي ، بل الظاهر أن المراد به : نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع.

والحاصل : أن في مثل هذه الصور لا يحصل العلم ، بل ولا الظن ، بأن الواقعة غير منصوصة ، وقد عرفت أن شرط التمسك بالاصل فقدان النص ، بل يحصل القطع حينئذ بتعلق حكم شرعي بالضار ، ولكن لا يعلم أنه مجرد التعزير ، أو الضمان ، أو هما معا ، فينبغي للضار أن يحصل العلم ببراء‌ة ذمته بالصلح ، وللمفتي الكف عن تعيين حكم ، لان جواز التمسك بأصالة براء‌ة الذمة ، والحال هذه ، غير معلوم.

وقد روى البرقي ، في كتاب المحاسن : « عن أبيه ، [ عن النضر بن سويد ] ، عن درست ابن أبي منصور ، عن محمد بن حكيم ، قال : قال : أبو الحسن عليه‌السلام : إذا جاء‌كم ما تعلمون فقولوا ، وإذا جاء‌كم ما لا تعلمون ، فها ـ ووضع يده على فيه ـ فقلت : ولم ذاك؟ فقال : لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى الناس بما اكتفوا به على عهده ، وما يحتاجون إليه من بعده ، إلى يوم القيامة » (٣).

__________________

١ ـ الفقيه : ٤ / ٣٣٤ ـ باب ميراث أهل الملل ح ٥٧١٨. ولهذا الحديث مصادر كثيرة ولكنها بلفظ آخر. في ط : ضرار. بدل : اضرار.

٢ ـ التهذيب : ٧ / ٢١٥ ح ٩٤٣ ( صحيحة أبي ولاد ) ، دعائم الاسلام : ٢ / ٤٢٤ ح ١٤٧٦.

٣ ـ المحاسن للبرقي : ٢١٣ ، وما بين المعقوفين زيادة من المصدر ، مع استبدال كلمة ( فيه ) ب‍ :

١٩٤

فإن قلت : هذه الرواية كما تدل على حكم ما إذا حصل الضرر ، تدل على حكم (١) غيره أيضا.

قلت : لا نسلم فإنا ندعي أنه ليس داخلا في « ما لا تعلمون » ، فإن قبح تكليف الغافل معلوم ، وموضوعية « ما حجب علمه عن العباد » معلوم ، واباحة « ما لم يرد فيه نهي » معلوم ، للاخبار المذكورة.

وأما في صورة الضرر : فكون التكليف حينئذ تكليف الغافل غير معلوم ، إذ الضار يعلم أنه صار سببا لاتلاف مال محترم ، واشتغال الذمة حينئذ ـ في الجملة ـ مما هو مركوز في الطبائع ، وكذا الكلام في كونه من « ما حجب علمه عن العباد » ، ومن « ما لم يرد فيه نهي ».

وثالثها : أن لا يكون الامر المتمسك فيه بالاصل جزء عبادة مركبة ، فلا يجوز التمسك به لو وقع الاختلاف في صلاة ، هل هي ركعتان أو أكثر؟ أو أقل؟ ـ في نفي الزائد ، وعلى هذا القياس.

بل! كل نص بين فيه أجزاء ذلك المركب ، كان دالا على عدم جزئية ما لم يذكر فيه ، فيكون نفي ذلك المختلف فيه حينئذ منصوصا ، لا معلوما بالاصل ، كما لا يخفى.

ثم اعلم أن جماعة من الفقهاء ، كثيرا ما يستعملون الاصل المحمول عليه العدم ، وبعد التأمل يظهر رجوعه إلى ادعاء أصالة الوجود ، كما قالوا : « الاصل عدم تداخل الاسباب » يعني : إذا تحقق أمارتان لشيء ، فالاصل عدم الاكتفاء بفعل ذلك الشيء (٢) مرة واحدة ، بل يلزم فعله متعددا بحسب تعدد سببه.

__________________

( فمه ). ورواه في الكافي بسند آخر : الكافي ١ / ٥٧ وقد تقدم الاستشهاد بهذا الحديث ، وسيأتي ذكره أيضا.

١ ـ كلمة ( حكم ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ.

٢ ـ في أ و ط : عدم الاكتفاء بذلك الشيء.

١٩٥

وكذا كثيرا ما يستعملون لفظ ( الاصل ) في مواضع لا ترجع إلى الاصل المذكور أنه حجة ، ولا إلى القاعدة المستفادة من الشرع ، والشهيد الاول ـ في القواعد ـ استعمل لفظ الاصل في مواضع ، منها صحيح ، ومنها لا يظهر له وجه.

قال : « الاصل عدم اجزاء كل من الواجب والندب عن الآخر » (١).

وقال : « الاصل أن النية فعل المكلف ، ولا أثر لنية غيره » (٢).

وقال : الاصل عدم بلوغ الماء كرا » (٣).

وقال : « قد يتعارض الاصلان ، كدخول المأموم في صلاة ، وشك هل كان الامام راكعا؟ أو رافعا؟ ولكن يؤيد الثاني بالاحتياط » (٤).

وقال : « الاصل صحة البيع » (٥).

وقال : « الاصل عدم القبض الصحيح » يعني للمبيع (٦).

وقال : « الاصل عدم معرفة المشتري بصفة المبيع » (٧).

وقال : « قد يتعارض الاصل والظاهر » (٨).

وقال : « الاصل عدم تقدم الاسلام » (٩).

وقال : « الاصل عدم صحة العقد » (١٠).

وقال : « الاصل السلامة من العلة » (١١).

وقال : « الاصل في اللفظ الحمل على الحقيقة الواحدة » (١٢).

وقال : « الاصل في الكلام الحقيقة » (١٣).

__________________

١ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٨٣ ـ الفائدة السادسة.

٢ ـ القواعد والفوائد : ١ / ١٢٢ ـ الفائدة ٣١.

٣ ـ القواعد والفوائد : ١ / ١٣٣ ـ القاعدة الثالثة.

٤ ـ القواعد والفوائد : ١ / ١٣٤ ـ القاعدة الثالثة. وفيه : يتأيد.

٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ و ١١ ـ القواعد والفوائد : ١ / ١٣٥ ـ ١٣٩ / القاعدة الثالثة.

١٢ ـ القواعد والفوائد : ١ / ١٥٢ ـ قاعدة ٤٠.

١٣ ـ القواعد والفوائد : ١ / ١٥٤ ـ قاعدة ٤١. ولكن فيه : الاصل في الاطلاق الحقيقة.

١٩٦

وقال : « الاصل يقتضي قصر الحكم على مدلول اللفظ ، وأنه لا يسري إلى غير مدلوله » (١).

وقال : « الاصل عدم تحمل الانسان عن غيره ، ما لم يأذن له » (٢).

وقال : « الاصل أن كل واحد لا يملك إجبار غيره » (٣).

وقال : « الاصل في الاحكام التابعة لمسميات : أن تناط (٤) بحصول تمام المسمى » (٥).

وقال : « الاصل عدم تداخل الاسباب » (٦).

وقال : « الاصل في البيع اللزوم » (٧).

وقال : « الاصل في العقود الحلول » (٨).

وقال : « الاصل في الميراث النسبي : التولد ، وفي السببي : الانعام بالعتق » (٩).

وقال : « الاصل في هيأت المستحب : أن تكون مستحبة ، لامتناع زيادة الوصف على الاصل (١٠) في الاكثر » (١١) وأخرج مواضع من الاصل الذي ذكر (١٢).

__________________

١ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٣٢٣ ـ قاعدة ١١٦.

٢ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٣٥٣ ـ قاعدة ١٣٥.

٣ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٣٥٦ ـ قاعدة ١٣٦.

٤ ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : ارتباطه. بدل : أن تناط.

٥ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٣٥٨ ـ قاعدة ١٣٩.

٦ ـ القواعد والفوائد : ٢ / ٢٢٣ ـ قاعدة ٢٢٩.

٧ ـ القواعد والفوائد : ٢ / ٢٤٢ ـ قاعدة ٢٤٣.

٨ ـ القواعد والفوائد ٢ / ٢٦١ ـ قاعدة ٢٥٤.

٩ ـ القواعد والفوائد : ٢ / ٢٨٦ ـ قاعدة ٢٧٥.

١٠ ـ القواعد والفوائد : ٢ / ٣٠٣ ـ قاعدة ٢٨٨.

١١ ـ وقد خولف في مواضع ، منها : الترتيب في الاذان ، ومنها : رفع اليدين بالتكبيرات ، عند المرتضى ، و : وجوب الطهارة للصلاة المندوبة. ( منه رحمه‌الله ).

١٢ ـ كذا العبارة في أ و ط ، ولكنها في الاصل و ب كما يلي ، وفي الاكثر أخرج إلى آخره.

١٩٧

وأنت بعدما أحطت بشرائط العمل بالاصل ، تتمكن من معرفة الصحيح منها من غيره ، بعد اطلاعك في الجملة على الفروع الفقهية.

مثلا : قوله « الاصل في البيع اللزوم » ليس له وجه ، لان خيار المجلس مما يعم أقسام البيع ، وهكذا.

والغرض من نقل جملة من مواضع استعمال الاصل ، أن تمتحن نفسك في المعرفة ، لتشحذ ذهنك ، وتحقيق الاصل على هذا الوجه مما لا تجده في غير هذه الرسالة والله أعلم.

القسم الرابع :

الاخذ بالاقل عند فقد الدليل على الاكثر ، كما يقول بعض الاصحاب : « في عين الدابة : نصف قيمتها » ، ويقول الآخر : « ربع قيمتها » ، فيقول المستدل : ثبت الربع اجماعا ، فينتفي الزائد ، نظرا إلى البراء‌ة الاصلية.

وعد صاحب المعتبر هذا القسم من البراء‌ة الاصلية (١) وذكر في الذكرى : أنه راجع إليها (٢).

والحق : أنه قسم من أقسام أصالة البراء‌ة (٣) ، ولا وجه لعدّة قسما على حدة ، إلا أني التزمت أن اورد كل ما عد في أدلة العقل ، ثم أذكر ما هو الحق فيه.

واعلم : أن التمسك بهذا القسم ، لا يكاد يصح إلا أن يعلم تحقق إجماع شرعي ، أو دليل آخر على ثبوت الاقل ، وإلا فشغل الذمة معلوم ، فيجب تحصيل العلم ببراء‌ة الذمة ، ولا يعلم بالاقل ، وقد عرفت ما في حجية الاصل ، اذا كان من هذا القبيل.

__________________

١ ـ المعتبر : ١ / ٣٢.

٢ ـ الذكرى : ٥ / المقدمة / الاصل الرابع / القسم الرابع.

٣ ـ في ط : أصل البراء‌ة.

١٩٨

القسم الخامس :

التمسك بعدم الدليل ، فيقال : عدم الدليل على كذا ، فيجب انتفاؤه.

قال في المعتبر : « وهذا يصح فيما علم أنه لو كان هناك دليل لظفر به.

أما لا مع ذلك : فيجب التوقف ، ولا يكون ذلك الاستدلال حجة » (١).

وكلامه في غاية الجودة ، ففيما تعم به البلوى : يمكن التمسك بهذه الطريقة ، وأما في غيره فيحتاج إلى المقدمتين المذكورتين ، ولا يتم إلا ببيانهما ، مع استحالته عندنا ، لما عرفت ، فلا نعيده.

قال في الذكرى : « ومرجع هذا القسم إلى أصالة البراء‌ة » (٢).

والظاهر : أن الفقهاء يستدلون بهذه الطريقة على نفي الحكم الواقعي ، وبأصالة البراء‌ة على عدم تعلق التكليف ، وإن كان هناك حكم في نفس الامر ، فلذا عدا قسمين.

واختلف العامة في : أن عدم المدرك ، هل هو مدرك شرعي لعدم الحكم؟ أو لا؟ (٣).

وقد عرفت مما مر جلية الحال.

والحق عندنا : أنه لا توجد واقعة إلا ولها مدرك شرعي ، ببركات أئمة الهدى عليهم‌السلام ، ولا أقل من اندراجها في : « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » ، وفي : « كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » ، وفي : اخبار التوقف ، وغير ذلك مما مر ، فلا تغفل (٤).

__________________

١ ـ المعتبر : ١ / ٣٢.

٢ ـ الذكرى : ٥ / المقدمة / الاصل الرابع / القسم الثالث.

٣ ـ المحصول : ٢ / ٥٨١.

٤ ـ تقديم تخريج هذه الأحاديث فلاحظ.

١٩٩

القسم السادس :

استصحاب حال الشرع ، وهو التمسك بثبوت ما ثبت في وقت ، أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت ، وفي غير تلك الحال ، فيقال : إن الامر الفلاني قد كان ، ولم يعلم عدمه ، وكل ما هو كذلك فهو باق.

وقد اختلف فيه العامة بينهم ، فنفته جماعة وأثبتته اخرى (١) ، واختاره منا العلامة رحمه‌الله (٢) ، ونسب اختياره إلى الشيخ المفيد أيضا (٣) وسيجيء ، وأنكره المرتضى (٤) ، والاكثر.

حجة المثبتين : أن ما تحقق وجوده ، ولم يظن طرو مزيل له ، فإنه يحصل الظن ببقائه وبأنه ثبت الاجماع على اعتباره في بعض المسائل ، فيكون حجة.

وفيه : أنه بناء على حجية مطلق الظن ، وهو عندنا غير ثابت ، والمسائل التي ذكروها ليست مما نحن فيه ، كما ستطلع عليه.

وحجة النافين : أن الاحكام الشرعية لا تثبت إلا بالادلة المنصوبة (٥) من قبل الشارع ، والاستصحاب ليس منها.

ولتحقيق المقام لابد من إيراد كلام يتضح به حقيقة الحال فنقول :

الاحكام الشرعية تنقسم إلى ستة أقسام :

____________

١ ـ فهو حجة عند الشافعي والمزني والصيرفي والغزالي والآمدي والبيضاوي ، خلافا للحنفية وجماعة من المتكلمين كأبي الحسين وغيره ، فانه لا يثبت به حكم شرعي عندهم ، نعم تمسكوا به في النفي الاصلي. انظر : المستصفى : ١ / ٢١٧ ، الاحكام : ٤ / ٣٦٧ ، شرح العضد : ٢ / ٤٥٣ ، الابهاج ٣ / ١٦٨ ، شرح البدخشي : ٣ / ١٧٦.

٢ ـ تهذيب الوصول : ١٠٥.

٣ ـ معالم الدين : ٢٣١.

٤ ـ الذريعة : ٢ / ٨٢٩ ـ ٨٣٢.

٥ ـ في ط : المنصوصة.

٢٠٠