أعلام الدين في صفات المؤمنين

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي

أعلام الدين في صفات المؤمنين

المؤلف:

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢

فجاز على الصراط كالبرق اللامع.

ومن سعى لمريض في حاجة فقضاها ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، وإن كان المريض من أهله؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأعظم ألناس أجراً من سعى في حاجة أهله ، ومن ضيّع أهله ، وقطع رحمه ، حرمه [ الله ] (١) حسن الجزاء يوم يجزي المحسنين ، وضيعه ، ومن ضيعه الله فهو يتردد مع الهالكين ، حتى يأتى بالمخرج ولن يأتي به.

ومن أقرض ملهوفاً فأحسن طلبته ، قيل له : استأنف العمل فقد غفر لك ، وأعطاه الله بكلّ درهم ألف قنطار (٢).

ومن فرّج عن أخيه كربة (٣) ، فرج الله عنه سبعين كربة من كرب الدنيا والآخرة.

ومن مشى في إصلاح بين امرأه وزوجها ، أعطاه الله أجر ألف شهيد قتلوا في سبيل الله ، وكان له بكلّ خطوة يخطوها وكلمة يتكلمها عبادة سنة ، قيام ليلها وصيام نهارها.

ومن أقرض أخاه المسلم ، كان له بكلّ درهم وزن جبل اُحد ورضوى وطور سيناء حسنات ، وأجازه (٤) على الصراط كالبرق اللامع بغير حساب ولا عذاب.

ومن احتاج إليه أخوه المسلم فلم يقرضه ، حرّم الله عليه الجنة يوم يجزي المحسنين.

ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه ، حرّم الله عليه أجر المحسنين.

ومن منع طالباً حاجته وهو يقدر على قضائها ، فعليه مثل خطيئة عَشّار (٥).

فقام إليه عوف بن مالك فقال : وما يبلغ خطيئة عشّار ، يا رسول الله؟

قال : على العشّار كل يوم وليلة لعنة الله والملائكة أجمعين ، ومن يلعنه فلن يجد

__________________

١ ـ أثبتناه من المصدر.

٢ ـ في المصدر زيادة : من الجنة.

٣ ـ في المصدر زيادة : من كرب الدنيا نظر الله إليه برحمته ، فنال بها الجنة.

٤ ـ في المصدر : فإن رفق به في طلبه بعد أجله جاز

٥ ـ في الحديث : « فعليه كل يوم خطيئة عَشّار » : بالعين المهملة المفتوحة والشين المشددة ، مأخوذ من التعشير وهو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم « مجمع البحرين ـ عشر ـ ٣ : ٤٠٤ ».

٤٢١

له ولياً ولا نصيراً.

ومن اصطنع إلى أخيه معروفاً فمن به عليه ، حبط عمله ، وخاب سعيه.

ثم قال : ألا وإنّ الله ـ جلّ وعزّ ـ حرّم الجنة على المنّان (١) ، والمختال ، والقتات (٢) ، ومدمن الخمر ، والحريص ، والجعظري (٣) والعتلّ الزنيم.

ومن تصدّق بصدقة على مسكين ، كان له (ما لا يحصى من الأجر (٤) ، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثم وصلت إلى المسكين كان لهم أجراً كاملاً ، وما عند الله خير وأبقى للذين اتّقوا وأحسنوا لو كانوا يعلمون.

ومن بنى مسجداً في الدنيا ، بنى الله بكلّ شبر منه ـ أوقال : بكلّ ذراع منه ـ مسيرة أربعين ألف ألف عام مدينة من ذهب وفضّة ودرّ وياقوت وزمرّد وزبرجد ، وفي كلّ مدينة أربعون ألف ألف قصر ، في كلّ قصر أربعون ألف الف دار ، في كل دارأربعون ألف ألف بيت ، وفي كلّ بيت أربعون ألف ألف سرير ، على كلّ سرير زوجة من الحور العين. في كلّ بيت ألف ألف وصيف ، وأربعون ألف ألف وصيفة ، في كل بيت أربعون ألف ألف مائدة ، على كلّ مائدة أربعون ألف ألف قصعة ، في كلّ قصعة أربعون ألف ألف لون من الطعام ، ويعطي الله وليه من القوة ما يأتي على تلك الأزواج وعلى ذلك الطعام والشراب.

ومن تولّى أذان مسجد من مساجد الله ، فأذّن فيه يريد وجه الله ، أعطاه الله ثواب أربعين ألف ألف (٥) صديق ، وأربعين ألف ألف شهيد ، وأدخل في شفاعته أربعين ألف ألف اُمة ، كلّ اُمة أربعون ألف ألف رجل ، وكان له في كلّ جنّة من الجنان أربعون ألف ألف مدينة ، في كل مدينة أربعون ألف ألف قصر ، في كلّ قصر [ أربعون ] (٦) ألف ألف دار ، في كلّ دار أربعون ألف ألف بيت ، في كلّ بيت أربعون

__________________

١ ـ المنان : الذي يكدر معروفه ، بأن يقول ألم أعطك؟ ألم اُحسن إليك « مجمع البحرين ـ منن ـ ٦ : ٣١٨ ».

٢ ـ القتات : النمام « مجمع البحرين ـ قتت ـ ٢ : ٢١٤ ».

٣ ـ الجعظري : الأكول السيء الخلق « لسان العرب ـ جعظر ـ ٤ : ١٤٢ ».

٤ ـ في المصدر : مثل أجره.

٥ ـ في المصدر زيادة : نبي ، وأربعين ألف ألف.

٦ ـ أثبتناه من المصدر.

٤٢٢

ألف ألف سرير ، على كلّ سرير زوجة من الحور العين ، كلّ بيت منها مثل الدنيا أربعون ألف ألف مرة ، لكلّ (١) زوجة أربعون ألف ألف وصيف ، وأربعون ألف ألف وصيفة ، [ وفي ] (٢) كلّ بيت أربعون ألف ألف مائدة ، على كلّ مائدة أربعون ألف ألف قصعة ، في كلّ قصعة ألف ألف لون من الطعام ، لو نزل (٣) به الثقلان لأدخلهم في أدنى بيت من بيوتها ، لهم فيها ما شاءوا من الطعام والشراب ، والطيب واللباس ، والثماروالألوان ، والتحف والطرائف ، والحليّ والحلل ، كلّ بيت منها (٤) يكتفي بما فيه من هذه الأشياء عمّا في البيت الاخر.

فإذا أذن المؤذن فقال : (أشهد ألاّ إله إلاّ الله) اكتنفه أربعون ألف ألف ملك ، كلّهم يصلّون عليه ويستغفرون له ، وكان في ظلّ رحمة الله عز وجل حتى يفرغ ، وكتب ثوابه (٥) ألف ألف ملك ، ثم صعدوا به إلى الله عز وجل.

ومن مشى إلى مسجد من مساجد الله ، فله بكلّ خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ، ومُحي عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات.

ومن حافظ على الجماعة ـ حيث ما كان ـ مر على الصراط كالبرق اللامع في أول زمرة مع السابقين ، ووجهه أضوأ من القمر ليلة البدر ، وكان له بكلّ يوم وليلة حافظ عليها ثواب شهيد.

ومن حافظ على الصفّ المقدّم وأدرك التكبيرة الاُولى ، ولا يؤذي مؤمناً ، أعطاه الله من الأجر مثل ما للمؤذن (ومثل ثوابه) (٦).

ومن بنى على ظهر الطريق ما لا يؤذي (٧) عابر سبيل ، بعثه الله يوم القيامة على نجيب من درّ ، ووجهه يضيء لأهل الجمع نوراً ، حتى يزاحم خليل الرحمن عليه‌السلام في قبته. فيقول أهل الجمع : هذا ملك من الملائكة لم يُر مثله قط ، ودخل في شفاعته الجنة أربعون ألف ألف رجل.

__________________

١ ـ في المصدر : بين يدي كل.

٢ ـ أثبتناه من المصدر.

٣ ـ في الأصل : ترك ، وما أثبتناه من المصدر.

٤ ـ في الأصل زيادة : ما.

٥ ـ في المصدر زيادة : أربعون.

٦ ـ في المصدر : وأعطاه الله عز وجل في الجنة مثل ثواب المؤذن.

٧ ـ في المصدر : ما يأوي.

٤٢٣

ومن يشفع لأخيه بشفاعة (طلب بها الله) (١) ، نظر الله ـ جلّ وعزّ ـ إليه ، وكان حقّاً على الله أن لا يعذّبه أبداً ، وان شفع لأخيه من غير أن يطلبها ، كان له أجرسبعين شهيد.

ومن صام شهر رمضان في إنصات (٢) وسكون ، وكفَّ سمعه وبصره (ولسانه ووجهه) (٣) وجوارحه من الكذب والحرام والغيبة تقرباً [ إلى الله تعالى ] (٤) قَرَّبه الله منه حتى تمس ركبتاه ركبتي إبراهيم عليه‌السلام.

ومن احتفر بئر الماء حتى استنبط ماءها فبذلها للمسلمين ، كان له كأجر من توضأ منها وصلّى ، وكان له بعدد كلّ (سفر شرب منها من) (٥) إنسان أو بهيمة أو سبع أو طائر عتق ألف رقبة ، ودخل في شفاعته عدد النجوم ، وحوض القدس.

فقلنا : يا رسول الله ، ما حوض القدس؟ قال : حوضي حوضي حوضي ـ ثلاث مرات ـ

ومن حفر لمسلم قبراً محتسباً حرّمه الله عن النار ، وبوّأه بيتاً من الجنة ، وأورده حوضاً فيه من الأباريق عدد نجوم السماء ، عرضه ما بين أيلة (٦) وصنعاء.

ومن غسل ميتاً فأدّى فيه الأمانة ، كان له بكلّ شعرة منه عتق رقبة ، ورفع له به مائة درجة.

فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، وكيف يؤذي فيه الأمانة؟

قال : يستر عورته ، ويستر سيآته (٧) ، وإن لم يستر عورته ويستر سيآته (٨) ، حبط أجره وكشفت عورته في الدنيا والآخرة.

ومن صلى على ميت ، صلّى عليه جبرئيل وتسعون الف (٩) ملك ، وغفر له ما تقدم من ذنبه. وإن أقام عليه حتى يدفن ، وحثا عليه من التراب ، انقلب من الجنازة

__________________

١ ـ في المصدر : طلبها إليه.

٢ ـ في الأصل : إنصاف ، وما أثبتناه من المصدر.

٣ ـ في المصدر : وفرجه.

٤ ـ أثبتناه من المصدر.

٥ ـ في المصدر : شعرة من شعر.

٦ ـ أيلة : مدينة على ساحل البحر الأحمر ، هي آخر الحجاز وأوّل الشام « معجم البلدان ١ : ٢٩٢ ».

٧ ، ٨ ـ في المصدر : شينه.

٩ ـ في المصدر : سبعون ألف ألف.

٤٢٤

وله بكلّ قدم من حيث شيعها حتى يرجع إلى منزله قيراط من الأجر ، والقيراط مثل أُحُد (١) يكون في ميزانه من الأجر.

ومن ذرفت عيناه من خشية الله ، كان له بكلّ قطرة من دموعه مثل جبل أحد يكون في ميزانه من الأجر ، وكان له بكلّ قطرة عين من الجنة ، على حافتيها (وأبرزله) (٢) من القصور مما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.

ومن عاد مريضاً فله بكلّ خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله سبعون ألف ألف حسنة ، ومحي عنه سبعون ألف ألف سيئة ، ويرفع له سبعون ألف ألف درجة ، ووكل به سبعون ألف ألف ملك ، يعودونه في قبره ، ويستغفرون له إلى يوم القيامة.

ومن شيّع جنازة ، فله بكلّ خطوة حتى يرجع إلى منزله مائة ألف حسنة ، ويمحى عنه مائة ألف سيئة ، ويرفع له مائة ألف درجة ، وإن صلّى عليها ، شيّعه فيجنازته مائة ألف ملك كلهم يستغفرون له حتى يرجع ، فإن شهد دفنها وُكّل اُولئك المائة ألف ملك به كلهم ، يستغفرون له حتى يبعث من قبره.

ومن خرج حاجاً أومعتمراً ، فله بكلّ خطوة حتى يرجع ألف ألف حسنة ، ويمحى عنه ألف ألف سيئة ، ويرفع له ألف ألف درجة ، وكان له عند ربّه بكل درهم (٣) ألف ألف درهم ، وبكلّ دينار ألف ألف دينار ، وبكل حسنة عملها في وجههذلك ألف ألف حسنة (٤) حتى يرجع ، وكان في ضمان الله ، فإن توفاه الله أدخله الجنة ، يرد يوم القيامة مغفوراً له ، فاغتنموا دعوته فإنها لا تردّ ، وإن الله لا يردّ دعاءه ، فإنه يشفعفي مائة ألف رجل يوم القيامة.

ومن يخلف حاجّاً أومعتمراً في أهله بخير بعده ، كان له أجر كامل مثل أجره ، من غير أن ينقص من أجره شيء.

ومن خرج مرابطاً في سبيل الله أومجاهداً ، فله بكلّ خطوة سبعمائة ألف حسنة ، ويمحى عنه سبعمائة ألف سيئة ، ويرفع له سبعمائة ألف درجة ، وكان في

__________________

١ ـ اُحد : جبل قرب ألمدينة المنورة ، كانت فيه وقعة اُحد بين المسلمين والمشركين.

٢ ـ ليس في المصدر ، والظاهر زيادتها.

٣ ـ في المصدر زيادة : يحملها في وجهه ذلك.

٤ ـ في الأصل : درهم ، وما أثبتناه من المصدر.

٤٢٥

ضمان الله حتى يتوفاه (بأيّ حتف كان كان) (١) شهيداً ، وإن رجع رجع مغفوراً له ، مستجاباً له دعاؤه.

ومن مشى زائراً لأخيه ، فله بكلّ خطوة حتى يرجع إلى منزله عتق مائة ألف رقبة ، ويرفع له مائة ألف درجة ، ويمحى عنه مائة ألف سيئة ، ويكتب له مائة ألف حسنة ».

فقيل لأبي هريرة : أليس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أعتق رقبة فهو فداؤه من النار؟ »

قال : قلنا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « بلى ، ولكن يرفع له درجاتعند الله في كنوز عرشه.

ومن قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وتفقهاً في الدين ، كان له من الأجر والثواب مثل جميع ما يعطى الملائكة والأنبياء والمرسلين.

ومن تعلّم القران يريد به رياءً وسمعة ، ليماري به السفهاء ، ويباهي به العلماء ، ويطلب به الدنيا ، بدّد الله ـ عزّ وجلّ ـ عظامه يوم القيامة ، ولم يكن في النار أشذ عذاباً منه ، وليس نوع من أنواع العذاب إلاّ سيعذّب به ، من شدّة غضب الله عليه وسخطه.

ومن تعلّم القرآن ، وتواضع في العلم ، وعلم عباد الله ، وهو يريد ما عند الله ، لم يكن في الجنة أعظم ثواباً منه ، ولا أعلى منزلة منه ، ولم يكن في الجنة منزل ولا درجة رفيعة ولا نفيسة ، إلاّ كان له فيها أوفر النصيب وأشرف المنازل.

ألا وإنّ العلم خير من العمل ، وملاك الدين الورع ، ألا وإن العالم من يعمل بالعلم وإن كان قليل العمل ، ألا ولا يحتقرن أحد شيئاً وإن صغر في أعينكم ، فإنّه لا صغيرة تصغر مع الإصرار ، ولا كبيرة تكبر مع الإستغفار.

ألا وإنّ الله ـ عز وجل ـ يسائلكم عن أعمالكم حتى عن مس أحدكم ثوب أخيه بأصبعه ، فاعلموا ـ عباد الله ـ أنّ العبد يبعث يوم القيامة على ما مات ، وقد خلق الله عز وجل الجنة والنار ، فمن اختار النار على الجنة (فأبعده الله ) (٢).

__________________

١ ـ في الأصل : يأتي حيث كان وإن كان.

٢ ـ في المصدر : انقلب بالخيبة ، ومن اختار الجنة فقد فاز وانقلب بالفوز ، لقول الله عز وجل : « فمن زحزح عن النار واُدخل الجنة فقد فاز ».‎

٤٢٦

ألا وإنّ ربي أمرني أن اُقاتل الناس حتى يقولوا (لا إله إلاّ الله) فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها ، وحسابهم على الله جلّ وعزّ.

ألا وإنّ الله ـ جلّ اسمه ـ لم يدع شيئاً ممّا يحبِّه إلاّ وقد بيّنه لعباده ، ولم يدع شيئاً يكرهه إلاّ وقد بيّنه لعباده ونهاهم عنه ، ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حي عن بينة.

ألا وإنّ الله عز وجلّ لا يظلم بظلم ، ولا يجاوزه ظلم ، وهو بالمرصاد ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) (١) من أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها (٢).

يا أيها الناس ، إنه قد كبرت سني ، ودق عظمي ، وانهدم جسمي ، ونعيت إليّ نفسي (٣) ، ولا أظن إلاّ أنّ هذا آخر العهد مني ومنكم ، فما دمت حياً فقد تروني ، فإذا مت فالله خليفتي على كلّ مؤمن ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فابتدر إليه رهط من الأنصار قبل أن ينزل من المنبر ، وكلهم قال : يا رسول الله ، جعلنا الله فداك ، بأبي أنت وأمي ونفسي لك الفداء يا رسول الله ، من يقوم لهذه الشدائد؟ وكيف بالعيش بعد هذا اليوم؟

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنتم فداكم أبي واُمي ، إنّي قد نازلت ربّي في أمتي ، فقال لي : إن باب التوبة مفتوح حتى ينفخ في الصور.

ثم أقبل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنه من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه ، ثم قال : وسنة كثيرة ، من تاب قبل الموت بشهر تاب الله عليه ، ثم قال : وشهر كثير ، من تاب قبل موته بجمعة [ تاب الله عليه ] (٤) ثم قال : وجمعة كثير ، (ثم قال : من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه ، ثم قال : ويوم كثير ، ) (٥) من تاب قبل أن يموت بساعة تاب الله عليه ، ثم قال : وإن ساعة كثيرة ، ثم قال : من تاب وقد بلغت نفسه هذه ـ وأومأ بيده إلى حنقه ـ تاب الله عزّ وجلّ عليه.

__________________

١ ـ النجم ٣١ : ٥٣.

٢ ـ في المصدر زيادة : وما ربك بضلام للعبيد.

٣ ـ في المصدر زيادة : واقترب أجلي ، واشتدّ منّي الشوق إلى لقاء ربي.

٤ ـ أثبتناه من المصدر.

٥ ـ ليس في المصدر.

٤٢٧

قال : ثمّ نزل ، وكانت آخر خطبة خطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لحق بالله عز وجلّ (١).

من كلام الحسين عليه‌السلام قال لرجل : يا هذا لا تجاهد في الرزق جهاد المغالب (٢) ، ولا تتّكل على القدر اتكال مستسلم ، فإن ابتغاء (٣) الرزق من السنة ، والإجمال في الطلب من العفّة ، وليست العفة بمانعة رزقاً ، ولا الحرص مجالب فضلاً ، وإنّ الرزق مقسوم ، والأجل محتوم (٤) ، واستعمال الحرص طالب المأثم » (٥).

قال بعض العلماء يصف الصمت فقال : إن في الصمت سبع خصال ، كل خصلة تشتمل على ألف خير :

أولها : إنّ الصمت عبادة من غير عناء.

الثاني : زينة من غير حليّ.

الثالث : حصن من غير حافظ.

الرابع : عزّ من غير عشيرة.

الخامس : عصمة وغنى عن الإعتذار والتوبة.

والسادس : راحة للكرام الكاتبين.

السابع : ستر لعيبه وعوراته وسقطاته وعثراته ، فربّ متكلّم قد تكلّم بكلام كان فيه هلاكه وذهاب ماله ، فإن المرء يعثر فتدمى اصبعه أو تتهى (٦) رجله ، ويعثر بلسانه فيهلك إمّا في الدنيا أو في الآخرة.

وروي أن جوارح الإنسان تقول للَسان في صبيحة كل يوم : ناشدناك اللهإلاّ ما سكت ، فإنّا ما نزال بخير مادمت ساكتاً.

وقال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : « إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فما كل من تسمعه نكراً ، يمكنك أن توسعه عذراً ».

__________________

١ ـ عقاب الأعمال : ٣٣٠ / ١.

٢ ـ في البحار : الغالب.

٣ ـ في البحار : اتباع.

٤ ـ في البحار : مخترم.

٥ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٧ / ٤١ عن أعلام الدين.

٦ ـ كذا ، ولعل الصواب : توثى ، من الوثي ، وهو عيب دون الكسر ، أنظر « القاموس المحيط ـ وثي ـ ٤ : ٣٩٨ ».

٤٢٨

ولقد أحسن لقمان في قوله :

العلمُ زينٌ والسكوتُ سلامةٌ

فإذا نطقت فلا تكن مكثارا

ما إن ندمتُ على سكوتٍ مرة

ولقد ندمتُ على الكلام مرارا

وقال الكسائي ـ وقد سمعه رجل يحادث عامياً ولا يقيم الإعراب فعجب ـ فقال الكسائي :

لعمرك ما اللحن من شيمتي

ولا أنا من خطأ ألحن

ولكن قسمت الورى قسمة

فخاطبت كلاً بما يحسن

ومن كلام الحسن البصري ، قال لمن كان عنده : والله لقد عهدت أقواماً كانوا في الحلال أزهد منكم في الحرام ، وكانوا على النوافل أشدّ حرصاً منكم على الفرائض ، وكانوا يسترون حسناتهم كما تسترون أنتم سيئاتكم ، وكانوا من حسناتهم أن تردّ عليهم ولا تقبل منهم أشدّ وجلاً وخجلاً منكم على سيئاتكم أن تعذبوا بها ، والله ما كانوا مع هذا آمنين ، ولقد كانوا خائفين وجلين مشفقين.

وروي عن النيي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سأل عن قول الله تعالى ( يُؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) (١) قالوا : يا رسول الله ، قلوبهم وجلة مما يأتون من السيئات. قال : « لا ، بل يعملون الحسنات ويبالغون في عمل الصالحات ، وهم مع ذلك وجلون خائفون أن يكونوا قصّروا ».

ومن كلام حسنٍ ليوسف النبي عليه‌السلام.

روي أنّ زليخة لمّا افتقرت جلست في طريقه ، ثم قالت له بعد أن سلّمت : أصابتنا فاقة فتصدّق علينا ، فالحمد لله الذي جعل العبيد ملوكاً بطاعتهم ، والملوك عبيداً بمعصيتهم.

فقال لها : غموض النعمة سقم دوامها ، فراجعي ما يمحص عنك درن الخطيئة ، فإنّ محل الإجابة قدس القلوب وطهارة الأعمال.

فقالت : ما اجتمعت لي بعد هبة التمام ، واني لأستحي أن يرى الله لي موقف استعطاف ، ولمّا تهرق العين دمعتها ، ويؤدي الجسم ندامته.

فقال لها : فبادري وجدي قبل مزاحمة العدة ونفاد المدّة.

__________________

١ ـ المؤمنون ٢٣ : ٦٠.

٤٢٩

فقالت : هو عقيدتي ، وسيبلغك إن بقيت بعدي.

فأمر لها بقنطار من المال.

فقالت : بل القوت بتة ، فإنّي لا أعود إلى الخفض في العيش ، وأنا مأسورة في قيد الخطيئة.

فقال بعض ولد يوسف : يا أباه ، من هذه التي فقد تفتت لها كبدي ورقّ لها قلبي؟

فقال له : هذه دابة البرح (١) ، وسبب البلية في حبال الإنتقام.

ثم تزوجها فوجدها بكراً ، فقال لها : أنّى هذا ، وقد كان لك بعل!؟

فقالت : كان محصوراً بفقد الحركة وصرد (٢) المجاري.

يقول الحسن بن أبي الحسن الديلمي ـ أعانه الله على طاعته وتغمده برأفته ورحمته ـ : إني لأعجب من قوم ينسبونه إلى الاهتمام بالمعصية ، وقد نزّهه الله عنها في سبع مواضع من السورة ، منها :

قوله تعالى حكاية عنها : ( الآن حصحص الحقّ أنا راودته عن نفسه ) (٣) فاستعفى فلو لم تكن هي المراودة دونه ، لم يكن للكلام معنى ، لأنّها إنما أرادت تنزيهه عن المراودة بما شهدت له.

ومنها قول النساء : ( حاشَ لله ما علمنا عليه من سوء ) (٤).

ومنها قول الطفل إنطاق من الله تعالى وبرهان كبير في تنزيهه ( إن كان قميصه قدّ من قبُل فصدقت وهو من الكاذبين* وإن كان قميصه قدّ من دُبر فكذبت وهو من الصادقين * فلمّا رأى قيصه ّقدّ من دبر قال ) (٥) يعنى العزيز حيث رأى برهان الله بنطق الصغير في المهد ، معجزة وحجّة ظاهرة في تنزيهه من اهتمام المعصية ( إنه من كيد كنّ إنّ كيدكنّ عظيم ) (٦).

__________________

١ ـ البرح : الشدة والأذى « الصحاح ـ برح ـ ١ : ٣٥٥ ».

٢ ـ الصَرَد : البرد « الصحاح ـ صرد ـ ٢ : ٤٩٦ » ، وهذا الكلام منها كناية عن أن زوجها الأول عنين.

٣ ، ٤ ـ يوسف ١٢ : ٥١.

٥ ـ يوسف ١٢ : ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨.

٦ ـ يوسف ١٢ : ٢٨.

٤٣٠

ومنها قوله : ( ربّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه ) (١).

ومنها قول الله تعالى مخاطباً لإبليس حين قال : ( لأغوينّهم أجمعين ) (٢) فقال : إلاّ عبادي المخلصين (٣). ولا شك ولا ارتياب أنه من المخلصين المصطفين بشهادة الله له أنّه صدّيق. وأيضاً إنّ إبليس قال : ( إلاّ عبادك منهم المخلصين ) (٤) فأيّ ريب أو شك يعتري أحداً في نزاهته ، لولا العمى والهوى والارتياب واتباع الرخص ، وقد شهد الله تعالى له بالبراءة والتنزيه والنسوة وزليخة والطفل والعزيز ، وقوله : ( ربّ السجن أحبّ إليّ ) (٥) وإبليس بقوله : ( إلاّ عبادك منهم المخلصين ) (٦).

* * *

__________________

١ ـ يوسف ١٢ : ٣٣.

٢ ـ ص ٣٨ : ٨٢.

٣ ـ اقتباس من آية ٨٣ من سورة ص.

٤ ـ الحجر ١٥ : ٤٠.

٥ ـ يوسف ١٢ : ٣٣.

٦ ـ ص ٣٨ : ٨٣.

٤٣١

ويقول ـ أيضاً ـ الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه الله على طاعته ، وأيّده بعصمته ، وحشره مع سادته وأئمته محمد النبي وأخيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وعترته صلوات الله عليهم جميعاً : إنني أثبت في هذا الكتاب ما نقلته في كتاب (المؤمن) تصنيف الحسين بن سعيد الأهوازي بحذف الاسناد احالة على سنده قال :

باب ما يبتلى به المؤمن

(عن الحسن بن علي بن فضال) (١) عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « في قضاء الله للمؤمنين كل خير » (٢).

وقال عليه‌السلام : « لا يقضي الله تعالى قضاء للمسلم إلاّ كان خيراً له ، ولو قطع قطعة قطعة كان خيراً له ، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له » (٣).

وقال عليه‌السلام : « لو يعلم المؤمن ما له في المصائب من الأجر ، لتمنّى أن يقرّض بالمقاريض » (٤).

وقال الحسين عليه‌السلام : « والله للبلاء والفقر والقتل أسرع إلى من أحبّنا من ركض البراذين ، ومن السيل إلى صمره (٥) وهو منتهاه » (٦).

وقال رجل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : والله إني أحبك في الله.

فقال : « صدقت ، إن طينتنا طينة مخزونة ، أخذ الله ميثاقها من صلب آدم ، إذهب فاتخذ للفقر جلباباً ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا عليّ إن الفقر لأسرع إلى محبيك من السيل إلى بطن الوادي » (٧).

__________________

١ ـ ليس في المصدر.

٢ ـ المؤمن ١٥ : ١ ، باختلاف يسير.

٣ ـ المؤمن : ١٥ / ٢ ، وفيه : عن الصادق عليه‌السلام.

٤ ـ المؤمن : ١٥ / ٣ ، وفي : عن الصادق عليه‌السلام.

٥ ـ في الأصل : ضميره ، وهو تصحيف ، صحته ما أثبتناه من المصدر ، والصِمر : مستقر ماء السيل « القاموس ـ صمر ـ ٢ : ٧٢ ».

٦ ـ المؤمن : ١٦.

٧ ـ المؤمن : ١٦ / ٥.

٤٣٢

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم (١).

وما منكم من عبد ابتلاه الله بمكروه فصبر ، إلاّ كتب الله له أجر ألف شهيد » (٢).

وقال عليه‌السلام : « إن فيما أوحى الله إلى موسى عليه‌السلام : ( ما خلقت خلقاً أحب إليَّ من عبدي المؤمن ، وإنّي إنّما ابتليته لما هو خير له ، وأعطيته لما هو خير له ، أعاقبه لما هو خير له ، واروعه لما هو خير له) (٣) ، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي فليصبرعلى بلائي ، وليرض بقضائي ، وليشكر نعمائي ، أكتبه في الصدّيقين عندي ، إذا عمل برضاي وأطاعني » (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إن الله ـ تبارك وتعالى ـ إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله عنده ذنب ، ابتلاه بالسقم ، فإن لم يفعل فبالحاجة (٥) ، فإن لم يفعل شدّد عليه عند الموت ، وإذا كان من أمره أن يهين عبداً ، وله عنده حسنة ، أصحّ بدنه ، فإن لم يفعل وسّع عليه في معيشته ، فإن لم يفعل هوّن عليه الموت » (٦).

وقال عليه‌السلام : « بينا موسى يمشي على ساحل البحر ، إذ جاء صياد فخرّ للشمس ساجداً وتكلّم بالشرك ، ثم ألقى شبكته فخرجت مملوءة ، ثم ألقاها فخرجت مملوءة ، ثم أعادها فخرجت مملوءة فمضى ، ثم جاء آخر فتوضأ وصلّى وحمد الله وأثنى عليه ، ثم ألقى شبكته فلم يخرج فيها شيء ـ ثلاث مرات ـ غير سمكة صغيرة ، فأخذها وحمد الله وأثنى عليه وانصرف.

فقال موسى : يارب ، عبدك الكافر تعطيه مع كفره ، وعبدك المؤمن لم تخرج له غير سمكة صغيرة ، فأوحى الله إليه : اُنظر عن يمينك ، فكشف له عما أعدّ الله لعبده المؤمن ، ثم قال : أنظر عن يسارك ، فكشف له عما أعد الله للكافر ، فنظر ، ثم قال : يا موسى ما نفع هذا الكافر ما أعطيته ، ولا ضرّ هذا المؤمن ما منعته.

__________________

١ ـ المؤمن : ١٦ / ٦.

٢ ـ المؤمن ١٦ / ٧ ، وفيه عن أحدهما عليه‌السلام.

٣ ـ في المصدر : وأزوي عنه لما هو خير له.

٤ ـ المؤمن : ١٧ / ٩ ، باختلاف يسير.

٥ ـ في المصدر : ابتلاه بالحاجة.

٦ ـ المؤمن : ١٨ / ١١.

٤٣٣

فقال موسى : يا رب ، يحق لمن عرفك أن يرضى بما صنعت » (١).

وقال عليه‌السلام : « إنّ أهل الحق منذ كانوا لم يزالوا في شدة ، أما إنّ ذلك إلى مدّة قريبة وعافية طويلة (٢).

وإنّ الله جعل وليّه غرضاً لعدوّه (٣) ».

وقال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن من قبلنا يقولون : إنّ الله إذا أحبّ عبداً نوّه به منوه من السماء : إنّ الله يحبّ فلاناً فأحبّوه ، فيلقي الله له المحبة في قلوب العباد. وإذا أبغضه نوّه منوّه من السماء : إنٌ الله يبغض فلاناً فأبغضوه ، فيلقي الله له البغضاء في قلوب العباد.

قال : وكان عليه‌السلام متّكئاً فاستوى جالساً ثم نفض كمّه ، ثم قال : « ليس هكذا ، ولكن إذا أحبّ الله ـ عزّ وجلّ ـ عبداً أغرى به الناس ليقولوا فيه ما يأجره ويؤثمهم ، وإذا أبغض عبداً ألقى الله ـ عزّ وجل ـ له المحبة في قلوب العباد [ لـ ] (٤) يقولوا ما ليس فيه ليؤثمهم وإياه.

ثم قال : من كان أحبّ إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ من يحيى بن زكريا! ثم أغرى به جميع من رأيت ، حتى صنعوا [ به ما صنعوا ] (٥).

من كان أحبّ إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ من الحسين بن علي عليهما‌السلام! ثم أغرى به حتى قتلوه.

من كان أبغض إلى الله من أبي فلان وفلان! ليس كما قالوا » (٦).

وقال عليه‌السلام : « إنّ الله إذا أحبّ عبداً أغرى به الناس (٧).

وإنّ الله تعالى أخذ ميثاق المؤمن على أربع : مؤمن مثله يحسده ، ومنافق يقفو أثره ، وشيطان يفتنه ، وكافر يرى جهاده وقتله فما بقاء المؤمن مع هذا (٨)

__________________

١ ـ المؤمن : ١٩ / ١٤ ، باختلاف في ألفاظه ، وأخرجه المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٣٤٩ / ٣٨ عن أعلام الدين.

٢ ـ المؤمن : ٢٠ / ١٦ ، وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٣ ـ المؤمن : ٢٠ / ١٧ ، وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٤ ، ٥ ـ أثبتناه من المصدر.

٦ ـ المؤمن : ٢٠ / ١٨.

٧ ـ المؤمن : ٢١ / ١٩.

٨ ـ المؤمن : ٢١ / ٢٠ ، وفيه : عن أبي جعفر عليه‌السلام ، باختلاف يسير.

٤٣٤

وإنّ الله تعالى يتعاهد عبده المؤمن بالبلاء ، كما يتعاهد الرجل أهله بالهديّة ، ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض (١).

وإنّ لله عباداً من خلقه ، ما من بلية (٢) أوتقتير في الرزق إلاّ ساقه إليهم ، ولاعافيه أو سعة في الرزق إلا صرف عنهم. ولو أنّ نور أحدهم قُسّم بين أهل الأرض لاكتفوا به (٣).

وإنّه ليذود المؤمن عمّا يكره ، كما يذود الرجل البعير الأجرب عن إبله (٤).

ما من مؤمن تمرّ عليه أربعون ليلة ، إلاّ تعاهده الرب بوجع في بدنه ، أو ذهاب مال. ولا بدّله من ثلاث ـ وربما اجتمعت له ـ : أن يكون معه في داره من يؤذيه [ أو جار يؤذيه ، أو من في طريقه إلى حوائجه [ يؤذيه ] ولوأن مؤمناً على قلة جبل لبعث الله شيطاناً يؤذيه ] (٥) ، ويجعل الله له من إيمانه أنساً » (٦)

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يقول الله تعالى : يا دنيا موري (٧) على عبدي المؤمن بأنواع البلاء ، وضيقي عليه في معيشته ، ولا تحلولي له فيسكن إليك » (٨).

وقال أبو الصباح (٩) : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما أصاب المؤمن من بلاء ، أفبذنب؟

قال : « لا ، ولكن ليسمع أنينه وشكواه ودعاءه ، ليكتب له الحسنات ، ويحط عنه السيئات (١٠).

وإن الله ليعتذر إلى عبده المؤمن كما يعتذر الأخ إلى أخيه ، فيقول : لا ـ وعزتي ـ ما أفقرتك لهوانك عليّ ، فارفع هذا الغطاء ، فيكشف فينظر ما عَوّضه فيقول : ما

__________________

١ ـ المؤمن : ٢١ / ذيل ٢١ ، وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٢ ـ في المصدر زيادة : تنزل من السماء.

٣ ـ المؤمن : ٢٢ / ٢٣.

٤ ـ المؤمن : ٢٢ / ٢٥.

٥ ـ ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٦ ـ النص الموجود في المتن ملفق من عدة أحاديث من كتاب المؤمن : ٢٢ / ٢٦ ، ٢٧ و ٢٣ / ٢٨ ، ٢٩.

٧ ـ يقال : مار الشيء يمور موراً ، إذا جاء وذهب ، « النهاية ـ مور ـ ٤ : ٣٧١ ».

٨ ـ المؤمن : ٢٤ / ٣٣.

٩ ـ في المصدر : عن الصبات بن سيابة ، والظاهر هو الصواب.

١٠ ـ المؤمن : ٢٤ / ٣٤ ، باختلاف يسير.

٤٣٥

ضرّني يارب مع ما عوضتني (١).

وما أحبّ الله قوماً إلاّ ابتلاهم ، وإن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء (٢).

وإنّ الله تعالى يقول : إنِّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح لهم أمر دينهم الاّ بالغنى والصحة في البدن فأبلوهم به ، وإنّ من العباد لمن لا يصلح لهم أمر دينهم الاّ بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فأبلوهم به فيصلح لهم أمر دينهم (٣).

وإنّ اللّه أخذ ميثاق المؤمن على أن لا يُصدّق في مقالته ، (ولا ينتصر على عدوه) (٤) (٥).

وإنّ الله إذا أحبّ عبداً غبّه بالبلاء غباً (٦) ، فإذا دعا قال له : لبيك عبدي ، إنّي على ما سألت لقادر ، ولئن ادخرت لك فهو خير لك (٧).

وإن حواري عيسى شكوا إليه ما يلقون من الناس ، فقال لهم : إن المؤمنين لم يزالوا مبغَضين » (٨).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لأصحابه : « إن أردتم أن تكونوا أصحابي وإخواني ، فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس ، والاّ فلستم لي بأصحاب (٩).

وإنّ الله يعطي الدنيا من يحبّ ويبغض ، ولا يعطي الآخرة إلاّ أهل صفوته (١٠).

وإنّ الله يقول : لا أصرف عبدي المؤمن عن شيء ، إلاّ جعلت ذلك خيراً له ، فليرض بقضائي ، وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، أكتبه في الصدّيقين عندي (١١).

__________________

١ ـ المؤمن : ٢٤ / ٣٥ ، باختلاف يسير.

٢ ـ المؤمن : ٢٤ / ٣٦ ، بتقديم وتأخير.

٣ ـ المؤمن : ٢٤ / ٣٧.

٤ ـ في المصدر : ولا ينتصف من عدوه ، وهو الأنسب.

٥ ـ المؤمن : ٢٥ / ٣٨ ، وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٦ ـ المشهور من لفظ الحديث « غته بالبلاء غتاً » وكلاهما مناسب ، وغبه بالبلاء : أي انتابه حيناً بعد حين ، اُنظر « القاموس ـ غبب ـ ١ : ١٠٩ ».

٧ ـ المؤمن : ٢٥ / ٣٩ ، باختلاف يسير ، وفيه : عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٨ ـ المؤمن : ٢٦ / ٤١ ، وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٩ ـ المؤمن : ٢٦ / ٤٢.

١٠ ـ المؤمن : ٢٧ / ٤٧ ، باختلاف يسير ، وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام.

١١ ـ المؤمن : ٢٧ / ٤٨.

٤٣٦

وتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ألا تسألوني مم ضحكت؟

قالوا : بلى ، يا رسول الله.

قال : عجبت للمرء المسلم ، لا يقضي الله له القضاء إلاّ كان خيراً له (١).

وإنّه ليكون للعبد عند الله منزلة لا يبلغها إلاّ بإحدى خصلتين : إمّا بمرض في جسم ، أو بذهاب مال » (٢).

* * *

__________________

١ ـ المؤمن : ٢٧ / ٤٩ ، باختلاف في اللفظ.

٢ ـ المؤمن : ٢٨ / ٥٠ ، باختلاف يسير.

٤٣٧

باب ما خصّ الرب تعالى المؤمن من الكرامة والثواب

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا أحسن العبد المؤمن ، ضاعف الله له عمله سبعمائة ضعف ، وذلك قوله تعالى : ( يضاعف لمن يشاء ) (١) (٢).

وإنّ المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض وإنّ المؤمن وليّ الله عزّ وجلّ ، يعينه ويصنع له ، ولا يقول على الله إلاّ الحق ، ولا يخاف غيره » (٣).

وقال عليه‌السلام : « إن المؤمنين يلتقيان فيتصافحان ، فلا يزال الله تعالى مقبلاً عليهما ، والذنوب تتحاتُّ عنهما حتى يفترقا (٤).

وينزل الله عليهما مائة رحمة تسع وتسعون لأشدهما حباً لصاحبه ، (٥) وافترقا من غير ذنب (٦).

وإنّ جبرئيل عليه‌السلام نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يامحمد ، إنّ ربّك يقول : من أهان عبدي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة ، وما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردَدي في قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت واكره مساءته (٧).

وإذا مات المؤمن صد ملكاه فقالا : يا ربّنا أمَتَّ فلاناً ، فيقول : انزلا فصلّيا عليه عند قبره وهلّلاني وكبّراني ، واكتبا ما تعملان له » (٨).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّ رؤيا المؤمن جزء من سبعين جزاً من النبوّة (٩).

وإنّ الله عزّ وجل إذا أحبّ عبداً عظّمه (١٠) وجعل غناه في نفسه ، ونوره بين

__________________

١ ـ البقرة ٢ : ٢٦١.

٢ ـ المؤمن : ٢٩ / ٥٣ ، باختلاف يسير.

٣ ـ المؤمن : ٢٩ / ٥٤.

٤ ـ المؤمن : ٣٠ ، باختلاف يسير.

٥ ـ المؤمن : ٣١ / ٥٧ ، باختلاف يسير.

٦ ـ المؤمن : ٣١ / ذيل ح ٥٨ ، وفيه : عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٧ ـ المؤمن : ٣٢ / ٦١.

٨ ـ المؤمن : ٣٤ / ٧٠ ، وفيه عن ابن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن بعض أهل العلم قال.

٩ ـ المؤمن : ٣٥ / ٧١.

١٠ ـ في المصدر : عصمه.

٤٣٨

عينيه ، وإذا بغضه وكله إلى نفسه ، وجعل فقره بين عينيه » (١).

وقال عليه‌السلام : « إنّ العبد ليدعو فيقول الربّ عزّ وجل : يا جبرئيل اهبط بحاجته ، وأوقفها بين السماء والأرض شوقاً إلى صوته بتضرّعه (٢).

وإنّ موت المؤمن لَمِن ثلم الدين (٣).

وإنّ عمل المؤمن يذهب فيمهّد له في الجنة ، كما يرسل الرجل غلامه يفرش له ويمهّد له ، ثم تلا : ( ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون ) (٤) » (٥).

وقال عليه‌السلام : « ما من مؤمن يموت في غربة فيغيب عنه بواكيه ، إلاّ بكته بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها ، وبكته أبواب السماء التي كان يصعد إليها عمله وينزل منها رزقه ، وبكاه الملكان الموكلان به » (٦).

* * *

__________________

١ ـ المؤمن : ٣٥ / ٧٢.

٢ ـ المؤمن : ٣٥ / ٧٣.

٣ ـ المؤمن : ٣٥ / ٧٥ ، وفيه : إن هلاك الرجل.

٤ ـ الروم ٣٠ : ٤٤.

٥ ـ المؤمن : ٣٥ / ٧٦.

٦ ـ المؤمن : ٣٦ / ٨١.

٤٣٩

باب ما جعل الله تعالى بين المؤمنين من الإخاء والحقوق

قال أبو عبدالله عليه‌السلام : « المؤمنون إخوة ، إذا ضرب رجل منهم عِرق سهر الآخرون ، لأنّ أرواحهم واحدة » (١).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إنّ الأرواح جنود مجندة ، تلتقي فتتشام كما تتشامّ الخيل ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، ولو أن مؤمناً دخل مسجداً فيه اُناس كثير ليس فيهم إلاّ مؤمن واحد ، إلاّ مالت نفسه إلى ذلك المؤمن حتى يجلس إليه (٢).

وإنّ المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن ، كما يستريح الطير إلى شكله (٣).

وإنّ المؤمنين في إيثارهم وتراحمهم وتعاطفهم ، كمثل الجسد إذا اشتكى تداعى سائره بالسهر (٤).

ثم قال : لا ـ والله ـ لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون كذلك (٥).

ولقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستّ خصال من كنّ فيه ، كان بين يدي الله عزّ وجلّ ، وعن يمين الله.

فقيل له : ما هن؟

فقال : يحبّ المرء لأخيه المسلم ما يحبّ لأعزّ أهله ، ويكره له ما يكره لأعزّ أهله ، ويناصحه بالولاية ، ويفرح لفرحه ، ويحزن لحزنه ، فإن كان عنده ما يفرّج عنه ، وإلاّ دعا له » (٦).

__________________

١ ـ المؤمن : ٣٨ / ٨٤ ‏. وفيه : على رجل.

٢ ـ المؤمن : ٣٩ / ٨٩ ، وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٣ ـ المؤمن : ٣٩ / ٩١ ، وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٤ ـ المؤمن : ٣٩ / ٩٢ ، باختلاف يسير ، وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٥ ـ المؤمن : ٣٩ / ٩٠ ، والظاهر أن المصنف قد اختصر الحديث المذكور.

٦ ـ المؤمن : ٤١ / ٩٤ ، وفيه : عن عيسى بن أبي منصور قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام أنا وعبد الله بن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة ، فقال عليه‌السلام ابتداء : يا ابن أبي يعفور ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله عزَ وجل ، وعن يمين الله عزّ وجل.

قال ابن أبي يعفور : وماهي؟ جعلت فداك ، قال : يحبَ المرء المسلم لأخيه ما يحبَ لأعزّ أهله ، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله ، ويناصحه الولاية ، فبكى ابن ابي يعفور وقال : كيف يناصحه الولاية؟

٤٤٠