أعلام الدين في صفات المؤمنين

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي

أعلام الدين في صفات المؤمنين

المؤلف:

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢

من كلام محمد بن علي الباقر عليه السلام

قال : « كن لما لا ترجو ، أرجى منك لما ترجوا ، فإنّ موسى عليه‌السلام خرج ليقتبس ناراً فرجع نبياً مرسلاً ».

وقال لبعض شيعته : « إنا لا نغني عنكم من الله شيئاً إلا بالورع ، وإنّ ولايتنا لا تدرك إلا بالعمل ، وإن أشدّ الناس يوم القيامة حسرة من وصف عدلاً وأتى جوراً ».

وقال عليه‌السلام : « إذا علم الله تعالى حسن نية من أحد ، اكتنفه بالعصمة ».

وقال عليه‌السلام : « صانع المنافق بلسانك ، وأخلص ودك للمؤمنين ، وإن جالسك يهوديّ فأحسن مجالسته ».

وقال عليه‌السلام : « الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وتركك حديثاً لم تروه ، خير من روايتك حديثاً لم تحصه ، إن على كل حق نوراً ، وما خالف كتاب الله فدعوه ، إن أسرع الخير ثواباً البر ، وإن أسرع الشر عقوبة البغي ، وكفى بالمرء عيباً أن ينظر إلى ما يعمى عنه من نفسه ، ويعيّر الناس بما لا يتقيه عن نفسه ، أويتكلم بكلام لا يعنيه ».

قال : « من عمل بما يعلم ، علمه الله ما لا يعلم ».

واجتمع عنده جماعة من بني هاشم وغيرهم ، فقال لهم : « اتقوا الله ـ شيعة آل محمد ـ وكونوا الفرقة (١) الوسطى ، يرجع اليكم الغالي ، ويلحق بكم التالي ».

قالوا له : وما الغالي؟.

قال : « الذي يقول فينا ، ما لا نقوله في أنفسنا ».

قالوا : وما التالي؟

قال : « الذي يطلب الخير فتزيدونه (٢) خيراً ، إنه والله ما بيننا وبين الله من قرابة ، ولايتنا عليه حجة ، ولا يتقرب إلى الله إلا بالطاعة ، فمن كان منكم مطيعاً لله يعمل بطاعته ، نفعته ولايتنا ـ أهل البيت ـ ومن كان منكم عاصياً لله يعمل بمعاصيه

__________________

١ ـ في البحار : النمرقة.

٢ ـ في البحار : فيزيد به.

٣٠١

لم تنفعه ولايتنا ، ويحكم لا تغترّوا ، ويحكم لا تغترّوا ، ويحكم لا تغترّوا ».

وقال لبعض شيعته ، وقد أراد سفراً فقال له : أوصني.

فقال : « لا تسيرنّ شبراً وأنت حاف ، ولا تنزلنّ عن دابتك ليلاً إلا ورجلاك في خف ، ولا تبولنّ في نفق ، ولا تذوقن بقلة ولا تشمها حتى تعلم ماهي ، ولا تشرب من سقاء حتى تعرف ما فيه ، ولا تسيرنّ إلا مع من تعرف ، واحذر من [ لا ] (١) تعرف ».

وقيل له : من أعظم الناس قدراً؟ فقال : « من لا يبالي في يد من كانت الدنيا ».

وقال عليه‌السلام : « تعلموا العلم ، فإن تعلمه حسنة ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، والعلم ثمار الجنة ، واُنس في الوحشة ، وصاحب في الغربة ، ورفيق في الخلوة ، ودليل على السرّاء ، وعون على الضرّاء ، ودين عند الأخلاّء ، وسلاح عند الأعداء ، يرفع الله به قوماً فيجعلهم في الخير سادة ، وللناس أئمة ، يقتدى بفعالهم ، وتقتص آثارهم ، ويصلّي عليهم كل رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامّه ، وسباع البر وأنعامه » (٢).

* * *

__________________

١ ـ ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار.

٢ ـ البحار ٧٨ : ١٨٨ / ٣٩ عن أعلام الدين من قوله عليه‌السلام : « كن لمن لا ترجوا ... ».

٣٠٢

ومن كلام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

« المؤمن يداري ولا يماري ».

وقال عليه‌السلام : « من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كان في غده شراً من يومه فهو مفتون ، ومن لم يتفقد النقصان في نفسه دام نقصه ، ومن دام نقصه فالموت خير له ، ومن أذنب من غير عمد كان للعفو أهلا ».

وقال عليه‌السلام : « اطلبوا التعلم ولو بخوض اللجج وشق المهج ».

وقال عليه‌السلام : لجاهل سخي ، خير من ناسك بخيل ».

وسئل عليه‌السلام عن التواضع ، فقال : « هو أن ترضى من المجلس بدون شرفك ، وأن تسلم على من لقيت ، وأن تترك المراء وإن كنت محقاً ».

وقال عليه‌السلام : « إذا رق (١) العرض استصعب جمعه ».

وقال صلى الله عليه : « المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ممّا له (٣) »

وقال عليه‌السلام : « كتاب الله عز وجل [ على ] (٣) أربعة أشياء على العبارة ، والإشارة ، واللطائف ، والحقائق ، فالعبارة للعوام ، والإشارة للخواص ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء عليهم‌السلام ».

وقال عليه‌السلام : « من سأل فوق قدره استحق الحرمان ».

وقال عليه‌السلام : « من أكرمك فاكرمه ، ومن استخفك فاكرم نفسك عنه ».

وقال عليه‌السلام : « من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع ، والمعارضة قبل أن يفهم ، والحكم بما لا يعلم ».

وقال عليه‌السلام : « سرك من دمك ، فلا تجريه في غير أوداجك ».

وقال عليه‌السلام : « صدرك أوسع لسرك ».

وقال عليه‌السلام : « أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس

__________________

١ ـ في البحار : دق.

٢ ـ في الأصل والبحار : ماله ، وما أثبتناه من كشف الغمة ٢ : ٢٠٨.

٣ ـ أثبتناه من البحار.

٣٠٣

عقلاً من ظلم من دونه ولم يصفح عمّن اعتذر إليه ، والقادر على الشيء سلطان ».

وقال عليه‌السلام : « المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل ».

وقال عليه‌السلام : « لا تشر على المستبد برأيه ».

وقال عليه‌السلام : « إن القلب يحيا ويموت ، فإذا حيي فأدبه بالتطوع ، وإذا مات فاقصره على الفرائض ».

وقال عليه‌السلام : « لا تحدث من تخاف أن يكذّبك ، ولا تسأل من تخاف أن يمنعك ، ولا تثق في من تخاف أن يغدر بك ، ومن لم يؤاخ إلاّ من لا عيب فيه قلّ صديقه ، ومن لم يرض من صديقه إلاّ بإيثاره له على نفسه دام سخطه ، ومن عاتب على كل ذنب كثر تعتبه » (١).

وقال عليه‌السلام : « من عذب لسانه زكا عقله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن برّه بأهله زيد في عمره ».

وقال عليه‌السلام : « إن الزهاد في الدنيا نور الجلال عليهم ، وأثر الخدمة بين أعينهم ، وكيف لا يكونون كذلك؟ وإن الرجل لينقطع إلى بعض ملوك الدنيا ، فيرى عليه أثره ، فكيف بمن ينقطع إلى الله تعالى ، لا يرى اثره عليه!؟ »

وقال عليه‌السلام : « صلة الرحم تهوّن الحساب يوم القيامة ، قال الله تعالى : ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يُوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) (٢) » (٣).

* * *

__________________

١ ـ في البحار : تبعته.

٢ ـ الرعد ١٣ : ٢١.

٣ ـ البحار ٧٨ : ٢٧٧ / ١١٣ عن أعلام الدين وكتاب الأربعين في قضاء حقوق المؤمنين ، من قوله عليه‌السلام : « المؤمن يداري ولا يماري ».

٣٠٤

من كلام مولانا موسى بن جعفر عليه السلام

قال عليه‌السلام : « أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به (١) ، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به ، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك ، وأظهر لك فساده ، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في عملك العاجل ، فلا تشتغلنَّ بعلم ما لا يضرّك جهله ، ولا تغفلنَّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه ».

وقال عليه‌السلام : « لو ظهرت الآجال ، افتضحت الآمال ».

وقال عليه‌السلام : « من لم يكن له من نفسه واعظ ، تمكّن منه عدوه » يعني السلطان.

وقال عليه‌السلام : « من أتى إلى أخيه مكروهاً فبنفسه بدأ ».

وقال عليه‌السلام : « من لم يجد للإساءة مضضاً لم يكن عنده للإحسان موقع ».

وقال عبد المؤمن الأنصاري : دخلت على الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، وعنده محمد بن عبد الله الجعفري ، فتبسمت إليه ، فقال : « أتحبه؟ » فقلت : نعم ، وما أحببته إلاّ لكم. فقال عليه‌السلام : « هو أخوك ، والمؤمن أخو المؤمن لأمه ولأبيه وإن لم يلده أبوه ، ملعون من اتّهم أخاه ، ملعون من غش أخاه ، ملعون من لم ينصح أخاه ، ملعون من اغتاب أخاه ».

وقال عليه‌السلام : « ما تساب اثنان إلا انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل ».

وقدم على الرشيد رجل من الأنصار يقال له : (نفيع) وكان عريفاً ، فحضر يوماً بباب الرشيد ، وتبعه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، وحضر موسى بن جعفر عليه‌السلام على حمار له ، فتلقّاه الحاجب بالإكرام والإجلال ، وأعظمه من كان هناك ، وعجّل له الإذن ، فقال نفيع لعبد العزيز : من هذا الشيخ؟ فقال له : أفما تعرفه؟ هذا شيخ آل أبي طالب ، هذا موسى بن جعفر عليه‌السلام. فقال نفيع : ما رأيت اعجب من هؤلاء القوم! يفعلون هذا برجل لو يقدر على زوالهم عن السرير لفعل ، أما إن خرج لأسوأنه ، فقال له عبد العزيز : لا تفعل ، فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرض لهم

__________________

١ ـ في الأصل : لأنه ، وما أثبتناه من البحار.

٣٠٥

أحد بخطاب ، إلاّ وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى (١) الدهر.

وخرج موسى عليه‌السلام ، فقام إليه نفيع فأخذ بلجام حماره ، ثم قال له : من أنت؟ قال : « يا هذا ، إن كنت تريد النسب ، فأنا ابن محمد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله ، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله عزّ وجلّ عليك وعلى المسلمين ـ إن كنت منهم ـ الحج إليه ، وإن كنت تريد المفاخرة فو الله ما رضي [ مشركي ] (٢) قومي مسلمي قومك أكفاء لهم ، حتى قالوا : يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قريش. خلّ عن الحمار » فخلّى عنه ويده ترعد ، وانصرف بخزي ، فقال له عبد العزيز : ألم أقل لك؟

وقيل : حج الرشيد فلقيه موسى على بغلة له ، فقال له الرشيد : مثلك في حسبك ونسبك وتقدّمك يلقاني على بغلة ، فقال : « تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلة الحمير » (٣).

* * *

__________________

١ ـ في البحار : أبد.

٢ ـ أثبتناه من البحار.

٣ ـ البحار ٧٨ : ٣٣٣ / ٩ عن أعلام الدين ، من قوله عليه‌السلام : « أولى العلم بك ... ».

٣٠٦

من كلام الرضا عليه السلام

« من رضي من (١) الله تعالى بالقليل من الرزق ، رضي‌الله‌عنه بالقليل من ألعمل ».

وقال عليه‌السلام : « من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر ».

وقال عليه‌السلام : « لا يسلك طريق القناعة إلا رجلان : إما متعبد يريد أجر الآخرة ، أوكريم يتنزه عن لئام الناس ».

وقال عليه‌السلام : « الإسترسال بالاُنس يذهب المهابة ».

وقال : « من صدق الناس كرهوه ».

وقال عليه‌السلام للحسن بن سهل ، وقد عزاه بموت ولده : « التهنئة بآجل الثواب ، أولى من التعزية على عاجل المصيبة ».

وقال عليه‌السلام : « إن للقلوب إقبالاً وإدباراً ونشاطاً وفتوراً ، فإذا أقبلت بصرت وفهمت ، وإذا أدبرت كلّت وملّت ، فخذوها عند إقبالها ونشاطها ، واتركوهاعند إدبارها وفتورها ».

وقال عليه‌السلام للحسن بن سهل ، وقد سأله عن صفة الزاهد ، فقال عليه‌السلام : « متبلّغ بدون قوته ، مستعد ليوم موته ، متبرّم بحياته ».

وقال عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( فاصفح الصفح الجميل ) (٢) فقال : « عفو من غير عقوبة ، ولا تعنيف ، ولا عتب ».

واُتي المأمون برجل يريد أن يقتله ، والرضا عليه‌السلام جالس ، فقال : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال عليه‌السلام : « إن الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو إلا عزاً » فعفا عنه.

وسئل عليه‌السلام عن المشيئة والإرادة ، قال : « المشيئة : الإهتمام بالشيء ، والإرادة : إتمام ذلك الشيء ».

__________________

١ ـ في البحار : عن.

٢ ـ الحجر١٥ : ٨٥.

٣٠٧

وقال عليه‌السلام : « الأجل آفة الأمل ، والعرف ذخيرة الأبد ، والبر غنيمة الحازم ، والتفريط مصيبة ذوي القدرة ، والبخل يمزّق العرض ، والحب داعي المكاره ، وأجلُّ الخلائق وأكرمها اصطناع المعروف ، وإعانة (١) الملهوف ، وتحقيق أمل الآمل ، وتصديق مخيلة (٢) الراجي ، والإستكثار من الأصدقاء في الحياة ، يكثر الباكين بعد الوفاة » (٣).

* * *

__________________

١ ـ في البحار : وإغاثة.

٢ ـ المخيلة : الظن « القاموس المحيط ـ خيل ـ ٣ : ٣٧٢ ».

٣ ـ البحار ٧٨ : ١٢ / ٣٥٦ عن أعلام الدين ، من قوله عليه‌السلام : « من رضي من الله تعالى ... ».

٣٠٨

من كلام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليهما السلام

قال عليه‌السلام : « كيف يضيع مَن الله كافله؟ وكيف ينجو مَن الله طالبه؟ ومن انقطع إلى غير الله وكله الله إليه ، ومن عمل على غير علم أفسد أكثر ممّا يصلح ».

وقال عليه‌السلام : « من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه ».

وقال عليه‌السلام : « من هجر المداراة قارنه المكروه ، ومن لم يعرف الموارد أعيته المصادر ، ومن انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة وللعاقبة المتعبة ».

وقال عليه‌السلام : « قد عاداك من ستر عنك الرشد اتّباعاً لما تهواه ».

وقال عليه‌السلام : « راكب الشهوات لا تقال عثرته ».

وقال عليه‌السلام : « الثقة بالله تعالى ثمن لكل غال ، وسلم إلى كل عال ».

وقال عليه‌السلام : « إياك ومصاحبة الشرير ، فإنه : كالسيف : يحسن منظره ، ويقبح أثره ».

وقال عليه‌السلام : « الحوائج تطلب بالرجاء ، وهي تنزل بالقضاء ، والعافية أحسن عطاء ».

وقال عليه‌السلام : « إذا نزل القضاء ضاق الفضاء ».

وقال عليه‌السلام : « لا تعاد أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى ، فإن كان محسناً لا يسلّمه اليك ، وإن كان مسيئاً فإن علمك به يكفيكه فلا تعاده ».

وقال عليه‌السلام : « لا تكن ولياً لله تعالى في العلانية عدواً له في السر ».

وقال عليه‌السلام : « التحفظ على قدر الخوف ».

وقال عليه‌السلام : « عز المؤمن في غناه عن الناس ».

وقال عليه‌السلام : « نعمة لا تشكر كسيّئة لا تغفر ».

وقال عليه‌السلام : « لا يضرّك سخط من رضاه الجور ».

وقال عليه‌السلام : « من لم يرض من أخيه بحسن النية ، لم يرض منه

٣٠٩

بالعطية ».

وقال : عليه‌السلام : « الأيام تهتك لك الأمر عن الأسرار الكامنة ».

وقال عليه‌السلام : « تعزّ عن الشيء إذا ضيعته ، لقلة صحبته إذا أعطيته » (١).

* * *

__________________

١ ـ البحار ٧٨ : ٣٦٤ / ٥ عن أعلام الدين ، من قوله عليه‌السلام « كيف يضيع من الله كافله ... ».

٣١٠

من كلام الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام

« من رضي عن نفسه ، كثر الساخطون عليه ».

وقال عليه‌السلام : « المقادير تريك مالم يخطر ببالك ».

وقال عليه‌السلام : « من أقبل مع أمر ، ولّى مع انقضائه ».

وقال عليه‌السلام : « راكب الحرون (١) أسير نفسه ، والجاهل أسير لسانه ».

وقال عليه‌السلام : « الناس في الدنيا بالأموال ، وفي الآخرة بالأعمال ».

وقال عليه‌السلام : « المراء يفسد الصداقة القديمة ، ويحلل العقدة الوثيقة ، وأقل ما فيه أن تكون فيه المغالبة ، والمغالبة اُسّ أسباب القطيعة ».

وقال عليه‌السلام : « العتاب مفتاح المقال ، والعتاب خير من الحقد ».

وقال عليه‌السلام : « المصيبة للصابر واحدة ، وللجازع اثنتان ».

وقال يحيى بن عبدالحميد : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام ، يقول لرجل ذم إليه ولداً له فقال : « العقوق ثكل من لم يثكل ».

وقال عليه‌السلام : « الهزل فكاهة السفهاء ، وصناعة الجهّال ».

وقال عليه‌السلام في بعض مواعظه : « السهر ألذ للمنام ، والجوع يزيد في طيب الطعام » يريد به الحث على قيام الليل وصيام النهار.

وقال عليه‌السلام : « اذكر مصرعك بين يدي أهلك ، ولا طبيب يمنعك ، ولاحبيب ينفعك ».

وقال عليه‌السلام : « اذكر حسرات التفريط تأخذ بقديم الحزم ».

وقال عليه‌السلام : « الغضب على من لا تملك عجز ، وعلى من تملك لؤم ».

وقال عليه‌السلام : « الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة ».

وقال عليه‌السلام : « خير من الخير فاعله ، وأجمل من الجميل قائله ، وأرجح من العلم حامله ، وشرمن السوء جالبه ، وأهول من الهول راكبه ».

وقال عليه‌السلام : « إياك والحسد ، فإنه يبين فيك ، ولا يعمل في عدوك ».

__________________

١ ـ حرن الحيوان : إذا وقف ولم يطع سائقه ولا قائده في المشي ، اُنظر « الصحاح ـ حرن ـ ٥ : ٢٠٩٧ ».

٣١١

وقال عليه‌السلام : « إذا كان زمانٌ ، العدل فيه أغلب من الجور ، فحرام أن تظن بأحد سوءاً حتى يعلم ذلك منه ، وإذا كان زمانٌ الجور أغلب فيه من العدل ، فليس لأحد أن يظن بأحد خيراً مالم يعلم ذلك منه ».

وقال للمتوكل جواب كلام دار بينهما : « لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه ، ولا الوفاء ممن غدرت به ، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه ، فإنما قلب غيرك [ لك ] (١) كقلبك له ».

وقال له وقد سأله عن العباس (٢) : ما تقول بنو أبيك فيه؟ فقال : « ما يقولون في رجل فرض الله طاعته على الخلق ، وفرض طاعة العباس عليه ».

وقال : « القوا النعم بحسن مجاورتها ، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها ، واعلموا أنّ النفس أقبل شي لما أعطيت ، وأمنع شيء لما مُنعت » (٣).

* * *

__________________

١ ـ أثبتناه من البحار ٧٨ : ٣٨٠.

٢ ـ يعني العباس بن عبد المطلب

٣ ـ البحار ٧٨ : ٣٦٩ / ٤ عن أعلام الدين ، من قوله عليه‌السلام : « من رضى عن نفسه ... ».

٣١٢

من كلام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام

قال : « من مدح غير المستحق ، فقد قام مقام المتهم ».

وقال : « لا يعرف النعمة إلا الشاكر ، ولا يشكر النعمة إلا العارف ».

وقال عليه‌السلام : « ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك ، فإن لكل يوم رزقاً جديداً ، واعلم أنّ الإلحاح في المطالب ، يسلب البهاء ، ويورث التعب والعناء ، فاصبر حتى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه ، فما أقرب الصنيع من الملهوف ، والأمن من الهارب المخوف ، فربما كانت الغير نوع من أدب الله ، والحظوظ مراتب ، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك ، فإنما تنالها في أوانها.

واعلم أن المدبّر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك ، فلا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط.

واعلم أن للسخاء (١) مقداراً ، فإن زاد عليه فهو سرف ، وأن للحزم مقداراً ، فإنزاد عليه فهو تهوّر ، واحذر كل ذكي ساكن الطرف ، ولو عقل أهل الدنيا خربت ».

وقال : « خير إخوانك من نسي ذنبك ، وذكر إحسانك إليه ».

وقال : « أضعف الأعداء كيداً من أظهر عداوته ».

وقال : « حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن ».

وقال : « أولى الناس بالمحبة منهم من أملوه ».

وقال عليه‌السلام : « من أنس بالله استوحش من الناس ، وعلامة الأنس بالله الوحشة من الناس ».

وقال عليه‌السلام : « جعلت الخبائث في بيت ، والكذب مفاتيحها ».

وقال : « إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودعوها ».

وقال : « أللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره ».

وقال : « الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلب (٢) من لم يجرّعه

__________________

١ ـ في الأصل : للحيا ، وما أثبتناه من البحار.

٢ ـ في البحار : القلوب.

٣١٣

الحلم غصص الصبر والغيظ ».

وقال : « من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة ».

وقال : « المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالإمساك عنها ».

وقال : « نائل الكريم يحبّبك إليه ويقرّبك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه ».

وقال : « من كان الورع سجيّته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلّته ، كثر صديقه والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه » (١).

وقال جابر بن يزيد الجعفي : دخلت على أبي جعفر الباقر عليه‌السلام فقلت : أوصني يا ابن رسول ألله.

فقال : « ليعن قويكم ضعيفكم ، وليعطف غنيكم على فقيركم ، وليساعد ذو الجاه منكم بجاهه من لاجاه له ، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه ، واكتموا أسراركم ، ولا تحملوا الناس على رقابنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا منه ، فإن وجدتموه موافقَ القرآن فهو من قولنا ، ومالم يكن موافقاً للقرآن ، فقفوا عنده وردوه إلينا ، حتى نشرحه لكم كما شرح لنا ».

روى عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، أنه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوحى الله إلى نبي من انبيائه : ابن آدم ، اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي ، فلا أمحقك فيمن أمحق ، وإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك ، فإن أنتصاري لك خير من انتصارك لنفسك.

واعلم أن الخلق الحسن يذيب السيئة كما تذيب الشمس الجليد ، وأن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ».

وفي التوراة مكتوب : من يظلم يخرب بيته ، وفي الإنجيل : ظالمون لا فالحون ، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى : ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) (٢).

وقيل : إذا ظلمت من دونك عاقبك من فوقك.

__________________

١ ـ البحار ٧٨ : ٣٧٨ / ٤ عن أعلام الدين ، من قوله عليه‌السلام : « من مدح غير المستحق ... ».

٢ ـ النمل٢٧ : ٥٢.

٣١٤

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ولي من أمور أمتي شيئاً فحسنت سيرته ، رزقه الله الهيبة في قلوبهم ، ومن بسط كفه إليهم بالمعروف ، رزقه الله المحبة منهم ، ومن كفّ عن أموالهم وفّر الله ماله ، ومن أخذ للظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحباً ، ومن كثر عفوه مُدّ في عمره ، ومن عمّ عدله نصر على عدوه ، ومن خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة ، آنسه الله بغير أنيس ، وأعزه بغير عشيرة ، وأعانه بغير مال ».

وقال عليه‌السلام وآله : « إن الله يمهل الظالم حتى يقول : قد أهملني ، ثم يأخذه أخذة رابية ، إن الله حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال : ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين ) (١) ».

* * *

__________________

١ ـ الأنعام ٦ : ٤٥.

٣١٥

ومن كلام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

جاء في الحديث أن الحسن البصري كتب إلى الحسن عليه‌السلام : أما بعد ، فإنكم ـ معاشر بني هاشم ـ الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، والعروة الوثقى ، والأئمة القادة ، الذين من تبعهم نجا ، ومن تخلف عنهمهوى ، والسفينة التي بركوبها ينجو المؤمنون ، ويعتصم بها المستمسكون.

أما بعد : فقد كثر ـ يا ابن رسول الله ـ عندنا الكلام في القضاء والقدر ، واختلافنا في الاستطاعة ، فتعلمنا ما ترى عليه رأيك ورأي آبائك ، فإنكم ذرية بعضها من بعض ، من علم الله علمتم ، وهو الشاهد عليكم ، وأنتم الشهداء على الناس ، والسلام.

فأجابه الحسن عليه‌السلام : « أما بعد ، فقد انتهى إليَّ كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من اُمتنا ، وكيف ترجعون إلينا وأنتم بالقول دون الفعل! واعلم أنه لولا ما انتهى إليّ من حيرتك وحيرة الاُمة قبلك ، لأمسكت عن الجواب ، ولكني الناصح ابن الناصح الأمين.

واعلم أن الذي أنا عليه ، أنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ، ومن حمل المعاصي على الله عز وجل فقد فجر ، إن الله سبحانه لا يطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة ، ولا أهمل العباد من الملكة ، ولكنه عز وجل المالك لما ملكهم ، والقادر على ما عليه أقدرهم ، فإن ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل ، فإنلم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها إجباراً ولا ألزمهم بها إكراهاً ، بل الحجة له عليهم أن عَرَّفهم ، وجعل لهم السبل إلى فعل ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه ، ولله الحجة البالغة على جميع خلقه ».

وروي أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج : تكتب إلى علماء أهل البصرة ، يكتبون إليك بما عندهم في القضاء والقدر ، فجاءته منهم أربعة أجوبة : الجواب الأول من الحسن البصري : ليس عندي في ذلك شيء أبلغ من قول علي عليه‌السلام : « أيأمر بالعدل ويخالفه! وينهى عن المنكر ويؤالفه! أفلا افْترى عليه من هو بهذا وأصفه!؟ »

الجواب الثاني من واصل بن عطاء : لا أجد في ذلك كلاماً خيراً ممّا قاله علي بن أبي طالب : « أدلّك على الطريق ، ولزم عليك المضيق! إن هذا بالحكمة لايليق ».

٣١٦

الجواب الثالث من عمرو بن عبيد قال : ليس عندي شيء في ذلك أتم حكمة من قول علي بن أبي طالب : « إذا كان الوزر في الأصل محتوماً ، كان الوازر في القصاص مظلوماً ».

الجواب ألرابع من عامر الشعبي قال : ليس عندي شيء في ذلك أصوب منقول علي عليه‌السلام : « ما استغفرته عليه فهو منك ، وما حمدته عليه فهو منه ، وما بكم من نعمة فمن الله ، وما بكم من خيانة فبما كسبت أيديكم ، وما الله بظلام للعبيد ».

ويقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، الحسن بن أبي الحسن ـ مملي ماذكرناه ـ أعانه الله على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته : إن الله تعالى قال : ( ادخلوا في السلم كافة ) (١) فهذا أمر منه بالدخول في باب الطاعة ، فكيف يجوز في العدل والحكمة ، أن يأمرهم بدخولها وقد أغلقها عنهم؟ وما هذا إلا كمن أمر العميان أن ينظروا إلى ألهلال ، والزّمن (٢) أن يعدو ، والأصم أن يسمع خفي القول ، والله تعالى يقول انه لا يظلم العباد شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون (٣). وقال سبحانه : ( وما ربك بظلام للعبيد ) (٤)

وروي أن طاووس اليماني دخل على جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، وكان يعلمأنه يقول بالقدر ، فقال له : « يا طاووس ، من أقبلُ للعذر من الله ممن اعتذر وهو صادق في اعتذاره؟ »

فقال : لا أحد أقبل للعذر منه.

فقال له : « من أصدق ممن قال : لا أقدر وهو لا يقدر؟ »

فقال طاووس : لا أحد أصدق منه.

فقال له الصادق : « يا طاووس ، فما بال من هو أقبل للعذر ، لا يقبل عذر منقال : لا أقدر ، وهو لا يقدر؟ »

فقام طاووس وهو يقول : ليس بيني وبين الحق عداوة ، والله أعلم حيث يجعل

__________________

١ ـ البقرة ٢ : ٢٠٨.

٢ ـ الزمن : المريض الدائم المرض ، الذي لا يرجى شفاؤه « لسان العرب ـ زمن ـ ١٣ : ١٩٩ ».

٣ ـ أقتباس من آية ٤٤ من سورة يونس : ١٠.

٤ ـ فصلت ٤١ : ٤٦.

٣١٧

رسالاته ، فقد قبلت نصيحتك (١).

وقال الصادق عليه‌السلام لهشام بن الحكم : « ألا أعطيك جملة في العدل والتوحيد؟

قال : بلى ، جعلت فداك.

قال : « من العدل أن لا تتّهمه ، ومن التوحيد أن لا تتوهمه » (٢)

وروي عن أبي حنيفة أنه قال : أتيت الصادق عليه‌السلام لأسأله عن مسائل فقيل لي : إنه نائم ، فجلست أنتظر انتباهه ، فرأيت غلاماً ـ خماسياً أوسداسياً ـ جميل المنظر ، ذا هيبة وحسن سمت ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا موسى بن جعفر ، فسلّمت عليه وقلت له : يا ابن رسول الله ، ما تقول في أفعال العباد ، ممن هي؟

فجلس ثم تربّع وجعل كمه الأيمن على الأيسر وقال : « يا نعمان ، قد سألت فاسمع ، وإذا سمعت فعه ، وإذا وعيت فاعمل : إن أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال :

إمّا من الله على انفراده ، أو من الله والعبد شركة ، أو من العبد بانفراده ، فإن كانت من الله على انفراده ، فما باله ـ سبحانه ـ يعذب عبده على ما لم يفعله ، مع عدله ورحمته وحكمته! وإن كانت من الله والعبد شركة ، فما بال الشريك القوي يعذّب شريكه على ما قد شركه فيه وأعانه عليه؟ » ثم قال : « استحال الوجهان ، يا نعمان » فقال (٣) : نعم

فقال له (٤) : « فلم يبق إلا أن يكون من العبد على انفراده ، ثم أنشأ يقول :

لم تخل أفعالنا اللاتي نُذم بها

إحدى ثلاث خصال حين نبديها

إما تفرّد بارينا بصنعتها

فيسقط اللوم عنا حين نأتيها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ما كان يلحقنا من لائم فيها

أولم يكن لإلهي في جنايتها

ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها » (٥)

__________________

١ ـ أخرجه المجلسي في البحاره : ٥٨ / ١٠٥ عن أعلام الدين.

٢ ـ أخرجه ألمجلسي في البحار٥ : ٥٨ / ١٠٦ عن أعلام الدين.

٣ ـ كذا في الأصل والبحار ، ولعل المناسب للسياق : فقلت.

٤ ـ كذا في الأصل والبحار ، ولعل المناسب للسياق : فقال.

٥ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٤٨ : ١٧٥ / ١٨ عن أعلام الدين.

٣١٨

وروي أن ابا الهذيل (١) حضر عند أمير من أمراء البصرة ـ وكان قدرياً ـ وقد أوتي بطرار (٢) أسود أعور ، فقال له : كم يجب على هذا الطرار من سوط على طرارته؟قال له : ستون سوطاً.

فقال الأمير : إنما يقول الفقهاء عشرون سوطاً.

فقال : نعم ، عشرون سوطاً على طرارته ، وعشرون سوطاً على عوره ، وعشرون على سواده.

فقال الأمير : كيف تضربه على سواده وعوره؟ وقد خلقهما الله فيه ، وليسا من جنايته!

فقال له أبو الهذيل : وكذلك طرارته ، مخلوقة فيه على مذهبك ، إذا ضربته عليها وهي من خلق الله فيه ، فكذلك تضربه على سواده وعوره.

فقال الأمير : ما بيني وبين الحق عداوة. ثم رجع عن القول بالجبر على القبيح ودان بالعدل.

وروي أن شخصاً من أهل الإيمان والعلم وشى به رجل قدري إلى أمير من أمراء البصرة أيضا ـ وكان قدرياً ـ فقال له : إن هذا لا يرى ما يراه أهل العلى من أن أفعال العباد من الحسن والقبح من الله ، فأحضره الأمير وقال : إن هذا يقول فيك انك لا ترى أن العبد مجبور على فعل الحسن والقبيح.

فقال له المؤمن : أيها الأمير ، قد جعلتك بيني وبينه حكماً ، ثم التفت إلى القدري فقال له : ما تقول في كلمة العدل والإخلاص والتوحيد ، من قالها في الموحد؟ فقال : الله فقال : أصادق هو أم لا؟

فقال : بل صادق.

فقال له : فما تقول في كلمهّ الكفر والإلحاد ، من قالها في الملحد؟

قال : الله على مذهبه.

__________________

١ ـ هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي ، أبو الهذيل العبدي ، أبو الهذيل العلاف مولى عبد القيس شيخ ألمعتزلة ، وكان شيخ البصريين في الإعتزال. ومن أكبر علمائهم ، وهو صاحب مقالات في مذهبهم ومجالس ومناظرات ، ولد سنة ١٣١ وقيل : ١٣٤ وقيل : ١٣٥ هـ ، وتوفي سنة ٢٣٥ هـ ، اُنظر « تاريخ بغداد ٣ : ٣٦٦ ، وفيات ألأعيان ٤ : ٢٦٥ ، ٥ : ٤١٣ ».

٢ ـ الطرار : السارق الذي يخالس الناس « الصحاح ـ طرر ـ ٢ : ٧٢٥ ».

٣١٩

فقال : أصادق هو أم كاذب؟

فالتفت الإمير إلى القدري فقال له : ويلك إن قلت : صادق ، قتلتك ، وإنقلت : كاذب ، قتلتك. فخزي وانقطع ، ورجع الأمير عما كان يعتقده ، وقال بالعدل.

وروي أنه كان رجل معتوه في بني عابد ، وكان صبيانهم يرجمونه ليلاً ، فشكا ذلك إلى آبائهم ، فقالوا له : إنهم لم يرجموك وإنما يرجمك الله ، فقال : كذبتم ، فإنهم يرجموني فيصيبوني تارة ، ويخطئوني أخرى ، ولو رجمني الله ما أخطأني.

وكان رجل يجادل في القضاء والقدر أهله فيقول : إن الله تعالى يقول : ( كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ) (١) فلو كان هو الموقد لما احتاج أن يطفئ وكان لا يوقد ، وقد أخبر سبحانه بأنهم هم الموقدون ، فلا بد من تصديقه بذلك ، وبأنهم يوقدون وهو المطفئ.

* * *

__________________

١ ـ المائدة ٥ : ٦٤.

٣٢٠