أعلام الدين في صفات المؤمنين

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي

أعلام الدين في صفات المؤمنين

المؤلف:

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢

قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا ـ دائها ودوائها ـ وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار السلام » (١).

وقال عليه‌السلام : « من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله ، وأقوى الناس فليتوكل على اللهّ ، وأغناهم فليكن بما في يد لله أوثق منه بما في يديه ».

وعنه عليه‌السلام قال : « ثلاث منجيات : خوف الله في السر والعلانية كأنك تراه ، وإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر.

وثلاث مهلكات : هوى متبع ، وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه ».

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أقرب الناس من الله ـ يوم القيامة ـ من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا ، وهم الأتقياء الأخفياء الذين إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، تعرفهم بقاع الأرض ، لم وتحف بهم ملائكة السماء ، نَعمَ الناس بالدنيا ، ونعموا بطاعة الله ، افترش الناس الفرش ، وافترشوا الجباه والركب ، ضيع الناس أوقاتهم في لهو الدنيا ، وحفظوها هم في الجد والاجتهاد ، تبكي الأرض لفقدهم ، ويسخط الله على كل بلدة ليس فيها منهم أحد ، لم يتكلبوا على الدنيا تكلب الكلاب على الجيف ، يراهم الناس يظنون أن بهم داء ، وما بهم من داء إلاّ الخوف من الله ، ويقال : قد خولطوا وذهبت عقولهم ، وما ذهبت ، ولكن نظروا بقلوبهم إلى أمر أذهب عنهم الدنيا ، فهم عند أهل الدنيا يمشون بلا عقول ، وهم الذين عقلوا ، وذهبت عقول من خالفهم » (٢).

وروي أن في التوراة مكتوباً : إن الله تعالى يبغض الحبر السمين ، لأن السمن يدل على الغفلة وكثرة الاكل ، وذلك قبيح وخصوصاً بالحبر.

ومثله (٣) قال ابن مسعود : ان الله يبغض [ القارىء ] (٤) السمين (٥).

وفي خبر مرسل : « إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم ، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش » (٦).

__________________

١ ـ أمالي الطوسي ٢ : ٢٣٢.

٢ ـ تنبيه الخواطر ١ : ١٠٠ باختلاف يسير.

٣ ـ في تنبيه الخواطر : ولأجله.

٤ ـ أثبتناه من تنبيه الخواطر.

٥ ـ تنبيه الخواطر ١ : ١٠١.

٦ ـ تنبيه الخواطر ١ : ١٠١.

١٢١

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن للمؤمن أربع علامات : وجهاً منبسطاً ، ولساناً لطيفاً ، وقلباً رحيماَ ، ويداً معطية ».

وقال عليه‌السلام : « إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وقلة الفخر والبخل (١) ، وصلة الأرحام ، ورحمة الضعفاء ، وقلة المواتاة للنساء ، وبذل المعروف ، وحسن الخلق ، وسعة الحلم ، واتّباع العلم فيما يقرّب إلى الله عزوجل ، فطوبى لهم وحسن مآب. وطوبى شجرة في الجنة ، أصلها في دار رسول الله ليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها ، لاينوي في قلبه شيئاً إلا أتاه الله بهمن [ ذلك ] (٢) الغصن ، ولوأن راكباً مجدّاً سار في ظلها مائة عام لم يخرج منها ، ولو أن غراباً طار من أصلها ما بلغ أعلاها حتى يبيضّ هرماً ، ألا ففي هذا فارغبوا ، ان المؤمن من نفسه في شغل ، والناس منه في راحة ، إذا جنّ عليه الليل فرش وجهه على الأرض ، وسجد لله تعالى بمكارم بدنه ، يناجي ربه الذي خلقه في فكاك رقبته من النار ، ألا فهكذا كونوا » (٣).

وعن أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال : « لايقبل الله من الأعمال إلاّ ما صفا وصلب ورق ، فأما صفاءها فلله وأما صلابتها فللدين ، وأما رقتها فللا خوان ».

وروي أن سلمان دخل على أمير المؤمنين ـ وبيده رقعة ـ فقال : « هي من الرقاع التي علقت على آذان أصحاب الكهف » وإذا فيها ثلا ثة أسطر : أولها : قضي القضاء ، وتمّ القدر ، وماجرى به القدر فهو كائن.

والثاني : الرزق مقسوم ، والحريص محروم ، والبخيل مذموم.

والثالث أعن زمانك ، واخف مكانك ، واحفظ لسانك ، واقبل على ، شأنك.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه التقى بقوم فقال : « من أنتم؟ ».

فقالوا : مؤمنون ، يا رسول الله.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما حقيقة إيمانكم؟ ».

فقالوا : الرضا بقضاء الله ، والصبر على بلاء الله ، والتسليم لأمر الله.

__________________

١ ـ كذا في الأصل ، ولعله تصحيف ، صوابه : النجل ، وفي الحديث : من نجل الناس نجلوه أيمن عاب الناس عابوه ومن سبهم سبوه « لسان العرب ـ نجل ـ ١١ : ٦٤٧ ».

٢ ـ أثبتناه من الخصال.

٣ ـ الخصال : ٤٨٣ / ٥٦ ، ومشكاة الأنوار : ٨٦ ، وفيهما : عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

١٢٢

فقال : « علماء حكماء ، كادوا يكونوا أنبياء من الحكمة ، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا مالا تسكنون ، ولاتجمعوا مالا تأكلون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون ».

وروي أن قوماً استقبلوا أميرألمؤمنين عليه‌السلام ـ بباب الفيل ، في مسجد الكوفة ـ فسلموا عليه وقالوا : نحن شيعتك ، يا أميرالمؤمنين ، فقال : « كذبتم ، شيعتي عمش العيون من البكاء ، ذبل الشفاه من الذكر والدعاء ، خمص البطون من الطوى ، صفرالوجوه من السهر ، حدب الظهور من القيام ».

وعن نوف (١) البكالي قال : رأيت أميرالمؤمنين عليه‌السلام في ساعة من الليل ، فقال : « يا نوف ، إن الله تعالى أوحى إلى المسيح عليه‌السلام : أن قل لبني إسرائيل : لايدخلوا بيتاً من بيوتي ، إلا بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأكف نقية ، وأعلمهم أني لا اُجيب لأحد منهم دعوة ، ولأحد من خلقي عنده مظلمة.

يا نوف ، إن داود النبي عليه‌السلام خرج في هذه الساعة من الليل وقال : إن هذه ساعة لايدعو فيها داع بخير إلا استجاب الله تعالى [ له ] (٢) ، إلاّ أن يكون شاعراً ، أو عاشراً ، أو شرطياً ، أو عريفاً ، أو بريداً ، أو صاحب كوبة (٣) ، أو عرطبهّ (٤) ».

وروي عن الصادق عليه‌السلام قال : « المؤمن أعز من الكبريت الأحمر » (٥).

وعن الباقر عليه‌السلام قال : « الناس كلهم بهائم ـ قالها ثلاثاً ـ الا قليلاً من المؤمنين ، والمؤمن غريب ـ قالها ثلاثاًـ » (٦).

وعن سدير الصيرفي قال : دخلت على الصادق عليه‌السلام ، وقلت له : والله ما يسعك القعود.

قال : « ولم يا سدير؟ » قلت : لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك ، والله لو

__________________

١ ـ في الأصل : نوفل ، وما أثبتناه هوالصواب ، اُنظر « معجم رجال الحديث ١٩ : ١٨٥ وتنقيحالمقال ٣ : ٢٧٦ / ١٢٥٩٦ ».

٢ ـ اثبتناه لضرورة السياق.

٣ ـ الكوبة : من آلات اللهو ، قيل : هي النرد. « مجمع البحرين ـ كوب ـ ٢ : ١٦٤ ».

٤ ـ العرطبة : من الات اللهو ، هي العود أوالطنبور « مجمع البحرين ـ عرطب ـ ٢ : ١١٩ ».

٥ ـ الكافي ٢ : ١٨٩ / ١

٦ ـ الكافي ٢ : ١٨٩ / ٢.

١٢٣

كان لأمير المؤمنين عليه‌السلام مثل مالك من الأنصار والموالي والشيعة ، ما طمع فيه تيم ولا عدي.

فقال : « وكم عسى أن يكونوا؟ »

قالت : مائة ألف.

فقال : « مائة ألف! »

فقلت : مائتا الف.

فقال : « مائتا الف! »

فقلت : نعم ونصف الدنيا. فسكت عنّي ثم قال : « يجب عليك أن تبلغ معنا إلى (١) ينبع (٢) ».

قلت : نعم. فأمر بجمل وبغل أن يسرجا ، فبادرت إلى الجمل فركبته. فقال : « يا سدير ترى أن تؤثرني بالجمل ».

فقلت له : البغل أرفق.

فقال : « الجمل أرفق لي » فنزل وركب عليه‌السلام الجمل وركبت البغل فمضينا ، فجاءت الصلاة ، فقال : « يا سدير ، انزل بنا نصلي ، ولكن هذه أرض السبخة ، لايجوز الصلاة فيها » فسرنا حتى صرنا في أرض حمراء ، ونظرإلى غلام يرعى جدياً فقال : « يا سدير ، والله لوكان لي (سبعة عشر) (٣) بعدد هذه الجديان ، ما وسعني القعود » ونزلنا فصلينا ، فلما فرغنا من الصلاة عددت الجديان فإذا هي سبعة عشر جدياً (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إن المؤمن لقليل ، وان أهل الضلالة لكثير ».

وقال الكاظم عليه‌السلام : « ليس كل من قال بولايتنا مؤمناً ، ولكن جعلوا اُنساً للمؤمن » (٥).

__________________

١ ـ في الأصل زيادة : ان.

٣ ـ ينبع : قرية قرب المدينة المنورة ، بها وقوف لعلي عليه‌السلام يتولاها أولاده « معجم البلدان ٥ : ٤٥٠ ».

٣ ـ في الكافي : شيعة.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٩٠ / ٤ باختلاف في ألفاظه.

٥ ـ الكافي ٢ : ١٩١ / ٧.

١٢٤

وفي الإنجيل : الاشجار كثيرة ، وطيّبها قليل.

وعن المفضل بن عمر ، قال جعفر بن محمد : « يا مفضل ، إياك والسفلة ، وإنما شيعة علي من عفت بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فإذا رأيتهم بهذه الصفة فاولئك شيعة علي » (١).

وسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المؤمن فقال : « الصفوة من الناس ، وإن أشد الناس بلاءاً الصفوة من الناس ، ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه وحسن عمله ، كلما اشتد عمله اشتد بلاؤه ، وكلما سخف إيمانه قلّ بلاؤه ».

وقال عليه‌السلام : « إنما المؤمن بمنزلة كفتي الميزان ، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ، ولا يمضي على المؤمن أربعون يوماً إلا ويعرض له أمر يحزنه ليذكّره » (٢).

وعن المفضل بن عمر ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لايكون المؤمن مؤمناَ حتى يهجر فينا القريب والبعيد ، والأهل والولد ».

وعن أبي إسماعيل قال : قلت للصادق عليه‌السلام : إن الشيعة عندنا كثير ، فقال : « هل يعطف الغني على الفقير؟ ويتجاوز المحسن عن المسيء؟ ويتواسون؟ » قلت : لا ، قال : « ليس هؤلاء شيعة ، إنما الشيعة من يفعل هذا » (٣).

وعن عبد المؤمن الانصاري قال : دخلت على الكاظم عليه‌السلام ، وعنده محمد بن عبدالله الجعفي ، فتبسمت في وجهه ، فقال : « أتحبه؟ » فقلت : نعم ، وما أحببته إلا فيكم ، فقال : « هو أخوك ، المؤمن أخو المؤمن لأبيه ولاُمه ، ملعون من اتهم أخاه ، ملعون من غش أخاه ، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه ، ملعون ملعون من استأثر على أخيه ، ملعون ملعون من احتجب عن أخيه ، ملعون ملعون من اغتاب أخاه » (٤).

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : « إن الله تعالى لم يفترض فريضة أشد من بر الإخوان ، وما عذب الله أحداً أشد ممن ينظر إلى اخيه بعين غير وادّة ، فطوبى

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٨٣ / ٩ ، وفيه : فاولئك شيعة جعفر.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ / ١٠ ، ١١ باختلاف يسير.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٣٩ / ١١ ، وفيه : عن أبي اسماعيل قال : قلت لأبي جعفر.

٤ ـ قضاء حقوق المؤمنين : ح ٤٤ ، عدة الداعي : ١٧٤ ، باختلاف يسير.

١٢٥

لمن وفقه اللهّ تعالى لأداء حق المؤمن ».

وقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : « فرض الله الاثرة ، فقال : ألا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك ».

وهذا الحديث من كتاب المجالس للبرقي.

وروى أبوجعفر الكليني ـ في كتاب الزكاة ـ عن المفضل بن عمر قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام ، وقد سأله رجل فقال له (١) : كم تجب الزكاة عن المال؟ فقال : « الزكاة الظاهرة أم الباطنة تريد؟ » فقال : اُُريدهما جميعاً ، فقال : « أما الظاهرة ففي كل ألف درهم خمسة وعشرون درهماً ، وأما الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو احوج إليه منك » (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام قال : « ان لله جنة لايسكنها إلا ثلاثة : أحدهم رجل آثر أخاه المؤمن في الله على نفسه » (٣).

وعن أبان بن تغلب قال : قلت للصادق عليه‌السلام : ما حق المؤمن على أخيه؟ فقال : لا ترده ، فقلت : بلى ، فقال : « أن تقاسمه مالك شطرين ».

قال : فعظم ذلك عليَّ ، فلما رأى عليه‌السلام شدته عليَّ قال : « أما علمت أن الله تعالى ذكر المؤثرين على أنفسهم ومدحهم في قوله تعالى : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) (٤)؟ فقلت : بلى فقال : « فإذا قاسمته وواسيته وأعطيته النصف من مالك لم تؤثره ، إنما تؤثره إذا أعطيته أكثر مما تأخذه » (٥).

عن محمد بن سنان قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام ـ ومبشر (٦) عنده ـ فقال : « يا مبشر ، قال : لبيك ، فقال له : قد حضر أجلك غير مرة ومرتين ، كل ذلك يؤخر لصلتك المؤمن » (٧).

__________________

١ ـ في الأصل : لي ، وما أثبتناه هو الصواب.

٢ ـ الكافي ٣ : ٥٠٠ / ١٣.

٣ ـ الكافي ٢ ، ١٤٢ / ١١ ، باختلاف يسير.

٤ ـ الحشر ٥٩ : ٩.

٥ ـ الكافي ٢ : ١٣٧ / ٨ باختلاف في ألفاظه.

٦ ـ كذا في الأصل ، والظاهر ان الصواب : ميسر ، لورود الحديث باختلاف يسير في ترجمته ، اُنظر « رجال الكشي ٢ : ٥١٣ / ٤٤٨ ، معجم رجال الحديث ١٩ : ١٠٦ ».

٧ ـ رواه الحسين بن سعيد في الزهد : ٤١ / ١١ ، باختلاف يسير ، وفيه : حدثني ابن مسكان ، عن

١٢٦

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « صلة الرحم تزيد في العمر ، وصلة المؤمن صلة الله تعالى ، فمن قطع أخاه المؤمن صلته ، قطع الله الحبل الذي بينهما ، وسلبه معرفته ، وتركه في طغيانه يعمه ».

وقال عليه‌السلام : « يأتي على الناس زمان ، من سكت فيه مات ، ومن تكلم فيه عاش. فقال إسحاق بن عمار : ما أصنع إن أدركت ذلك الزمان؟ فقال : تعينهم بما عندك ، فإن لم تجد فبجاهك » (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من كمال المرء المؤمن تركه مالا يجمل به ، ومن حيائه أن لايلقى أحداً بما يكره ، ومن عقله حسن رفقه ، ومن أدبه علمه بما لابدّ له منه ، ومن ورعه غض بصره وعفة بطنه ، ومن حسن خلقه كفه أذاه ، سخائه بره بمن يجب حقه ، ومن دينه إيثاره على نفسه ، ومن صبره قلة شكواه ، ومن عقله إنصافه من نفسه وتركه الغضب عند مخالفته ، وقبوله الحق إذا بان له ، ومن نصيحته نهيه أخاه عن معصيته ، ومن حفظه جواره ستره لعيوب جيرانه ، وتركه توبيخهم عند إساءتهم إليه ، ومن رفقه تركه المواقفة على الذنب بين يدي من يلوم المذنب على ذنبه ، ومن حسن صحبته إسقاطه عن صاحبه مؤونة أذاه ، ومن صداقته كثرة موافقته ، ومن صلاحه شدة حزنه ، ومن شكره معرفة إحسان من أحسن اليه ، ومن تواضعه معرفته بقدره ، ومن حكمته معرفته بذاته ، ومن مخافته ذكره الآخرة بقلبه ولسانه ، ومن سلامته قلة تحفظه لعيوب غيره واعتنائه في صلاح عيوب نفسه ».

وقال الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، لبعض شيعته : « إنا لا نغني عنكم شيئاً إلاّ بالورع ، وإن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد ، ولا تدرك إلاّ بالعمل ، وإن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً وأتى جوراً ».

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إن من أحب عباد الله إليه ، عبداً أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعدَّ القِرى ليومه النازل به ، فقرب على نفسه البعيد ، وهون الشديد.

نظر فأبصر ، وذكر فأكثر ، فارتوى من عذب فرات ، سهلت له موارده فشرب

__________________

رجل انهم كانوا في منزل أبي عبد الله (ع) وفيهم ميسر ... ، ورواه الكشي في رجاله ٢ : ٥١٣ / ٤٤٨ وفيه : عن حنان وابن مسكان ، عن ميسر ، قال : دخلنا على أبي جعفر عليه‌السلام.

١ ـ الكافي ٤ : ٤٦ / ١.

١٢٧

نهلاً ، وسلك سبيلاً جدداً ، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلى من الهموم إلا هماً واحداً انفرد به ، فخرج من صفة العمى ، ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره (١) ، واستمسك من العرى بأوثّقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس.

قد نصب نفسه ـ لله سبحانه ـ في أرفع الاُمور ، من إصدار كل وارد عليه ، وتصيير كل فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات ، كشاف غشوات ، مفتاح مهمات ، دفاع معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيفهم ، ويسكت فيسلم.

قد أخلص لله سبحانه فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحق ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلا أمها ، ولا مظنة إلاّ قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحل حيث كان محله ، وينزل حيث كان منزله.

وآخر قد تسمى عالماً وليس به ، فاقتبس جهائل من جهال ، وأضاليل من ضُلاّل ، ونصب للناس أشراكاً من حبائل غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على ارائه ، وعطف الحق على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهون كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات ، وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع ، وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيصد عنه ، فذلك ميت الأحياء.

فأين تذهبون! وأنى تؤفكون! والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم! بل كيف تعمهون! ووبينكم عترة نبيكم ، وهم أزمّة الحق ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل ، وردوهم ورود الهيم العطاش.

أيها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انه يموت من يموت منّا وليس بميت ، ويبلى من بلي وليس ببال ، فلا تقولوا مالا تعرفون ، فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، واعذروا من لاحجة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر!وأترك فيكم الثقل الأصغر! وركزت فيكم راية الإيمان! ووقفتكم على الحلال والحرام! وألبستكم العافية من عدلي! وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي! وأريتكم كرائم

__________________

١ ـ غمار : جمع غمرة وهي شدة الشيء ومزدحمه « القاموس المحيط ـ غمر ـ ٢ : ١٠٤ ».

١٢٨

الأخلاق من نفسي! فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ، ولا يتغلغل إليه الفكر ، حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني اُمية ، تمنحهم درها ، وتوردهم صفوها ، ولا يرفع عن الاُمة سيفها ولا سوطها ، وكذب الظان لذلك ، بل هي مجة من لذيذ العيش ، يتطعمونها برهة ثم يلفظونها جملة » (١).

ومن كتاب الخصال : عن محمد بن علي الباقر قال : « سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن خيار العباد ، قال : الذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤا استغفروا ، واذا أُعطوا شكروا ، واذا ابتُلُوا صبروا ، واذا غضبوا غفروا » (٢).

وروى الحارث بن المغيرة النضري (٣) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ستة لا تكون في المؤمن : العسر ، والنكد (٤) ، واللجاجة ، والكذب ، والحسد [ والبغي ] (٥) » (٦).

ومن الكتاب المذكور : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « قال عيسى بن مريم عليه‌السلام : طوبى لمن كان صمته فكراً ، ونظره عبراَ ، ووسعه بيته ، وبكى على خطيئته ، وسلم الناس من يده ولسانه » (٧).

ومن الكتاب المذكور : عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : « إنما شيعة جعفر ، من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فإذا رأيت اولئك ، فأولئك شيعة جعفر ».

يقول عليه‌السلام ذاك للمفضل بن عمر رحمه الله تعالى (٨).

ومن الكتاب المذكور : عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن الله عز وجل

__________________

١ ـ نهج البلاغة ١ : ١٤٩ / ٨٣.

٢ ـ الخصال : ٣١٧ / ٩٩.

٣ ـ في الأصل : البصري ، تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر ، وجاء في بعض الموارد : النصري ، بالصاد المهملة ، ولعله هو الصواب ، نسبة إلى بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ، اُنظر « معجم قبائلألعرب ٣ : ١١٨١ ، ومعجم رجال الحديث ٤ : ٢٠٨ ».

٤ ـ في الأصل : النكل ، تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.

٥ ـ أثبتناه من المصدر.

٦ ـ الخصال : ٣٢٥ / ١٥.

٧ ـ الخصال : ٢٩٥ / ٦٢.

٨ ـ الخصال : ٢٩٥ / ٦٣.

١٢٩

أعفى شيعتنا من ست خصال : من الجنون ، والبرص ، والجذام ، والابنة (١) ، وأن يولدلهم من زنا ، وأن يسأل الناس بكفه (٢) » (٣).

وقال عليه‌السلام : « ألا إن شيعتنا قد أعاذهم الله عز وجل عن ست : عن ان يطمعوا طمع الغراب ، أو يهرّوا هرير الكلاب ، أو ينكحوا في أدبارهم ، أو يولدوا من الزنا ، أويلدوا من الزنا ، أو يتصدّقوا على الأبواب » (٤).

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « المؤمن بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أوسعشِيء صدراً ، وأذل شيء نفساً ، يكره الرفعة ، ويشنأ السمعة ، طويل غمه ، بعيد همه ، كثير صمته ، مشغول وقته ، شكور صبور ، مغمور بفكرته ، ضنين بخلته ، سهل الخليقة ، لين العريكة ، نفسه أصلب من الصلد ، وهو أذل من العبد » (٥).

وقال عليه‌السلام : « المؤمن ينظر إلى الدنيا بعين الإعتبار ، ويقتات منها ببطن الاضطرار ، ويسمع فيها باُذن المقت والإبغاض ، إن قيل : أثرى قيل : أَكدى ، وإن فُرح له بالبقاء ، حُزن له بالفناء ، هذا ولم يأتهم يوم فيه يبلسون (٦).

إن الله تعالى وضع الثواب على طاعته ، والعقاب على معصيته ، ذيادة لعباده من نقمته ، وحياشة لهم إلى جنته » (٧).

من كتاب الخصال لابن بابويه : عن معاوية بن وهب قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الشيعة [ ثلاث ] (٨) محب وادّ ، فهو منا. [ و ] (٩) متزين بنا ، ونحن زين لمن تزين بنا. ومستأكل بنا الناس ، ومن استأكل بنا افتقر » (١٠).

وقال عليه‌السلام : « امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة ، كيف محافظتهم عليها؟ وعند أسرارهم ، كيف حفظهم لها من عدونا؟ وعند أموالهم ، كيف

__________________

١ ـ الأبنة : داء قوم لوط ، اُنظر « لسان العرب ـ أبن ـ ١٣ : ٣ ».

٢ ـ في الأصل : بلغة ، تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.

٣ ـ الخصال : ٣٣٦ / ٣٧.

٤ ـ الخصال : ٣٣٦ / ٣٨.

٥ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٣٢ / ٣٣٣.

٦ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٤٠ / ٣٦٧.

٧ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٤١ / ٣٦٨.

٨ ، ٩ ـ أثبتناه من المصدر.

١٠ ـ الخصال : ١٠٣ / ٦١.

١٣٠

مواساتهم لإخوانهم فيها؟ » (١).

وقال عليه‌السلام : « المؤمن إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل ، واذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له » (٢).

وقال عليه‌السلام : « ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان : من صبر على الظلم ، وكظم غيظه ، وعفا واحتسب وغفر ، كان ممن يدخله الله الجنة بغير حساب ، ويشفعه في مثل ربيعة ومضر » (٣).

وقال عليه‌السلام : « إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق ، وإذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدي وإلى ما ليس له بحق » (٤).

وقال عليه‌السلام : « شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعزه كف الأذى عن الناس » (٥).

ومن كتاب الخصال أيضاً : عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « خصلتان لاتجتمعان في مؤمن : البخل ، وسوء الخلق » (٦).

وقال عليه‌السلام : « لا يجتمع الشحّ والإيمان في قلب عبد أبداَ » (٧).

وقال عليه‌السلام : « إن صلاح أول هذه الامة بالزهد (٨) واليقين ، وهلاك اخرها بالشحّ والأمل » (٩).

ومن كتاب الخصال : عن أبي مالك قال : قلت لعلي (١٠) عليه‌السلام : أخبرني

__________________

١ ـ الخصال : ١٠٣ / ٦٢.

٢ ـ الخصال : ١٠٥ / ٦٤.

٣ ـ الخصال : ١٠٤ / ٦٣.

٤ ـ الخصال : ١٠٥ / ٦٥ ، وفيه : عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٥ ـ الخصال : ٦ / ١٨.

٦ ـ الخصال : ٧٥ / ١١٧.

٧ ـ الخصال : ٧٥ / ١١٨.

٨ ـ في الأصل : في الزهد ، وما أثبتناه من المصدر.

٩ ـ الخصال : ٧٩ / ١٢٨.

١٠ ـ المراد : علي بن الحسين عليه‌السلام ، كما في المصدر.

١٣١

بجميع شرائع الدين. فقال : « قول الحق ، والحكم بالعدل ، والوفاء بالعهد ، فهذه جميع شرائع الدين » (١).

ومن الكتاب : عن أبي عبدالله قال : « الرجال ثلاثة : رجل بماله ، ورجل بجاهه ، ورجل بلسانه ، وهو أفضل الثلاثة » (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الرجال ثلاثة : عاقل وأحمق جاهل (٣) وفاجر ، فالعاقل الدين شريعته ، والحلم طبيعته ، والرأي سجيته ، ان سئل أجاب ، وإن تكلم أصاب ، وإن سمع وعى ، وإن حدّث صدق ، وإن اطمأن إليه أحد وفى ، (والجاهل الحمق) (٤) إن استقبلته (٥) بجميل غفل ، وإن استنزل عن حسن نزل ، وإن حمل على جهل جهل ، وإن حدّث كذب ، لا يفقه وإن فقه لم يتفقه ، والفاجر إن ائتمنته خانك ، وإن صحبته شانك ، وإن وثقت به لم ينصحك » (٦).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الناس يغدون [ على ثلاثة ] (٧) : عالم ومتعلم وغثاء ، فنحن العلماء ، وشيعتنا المتعلمون ، وسائر الناس غثاء » (٨).

وقال لقمان لابنه : يا بني ، للإيمان ثلاث علامات : العلم والإيمان والعمل ، وللعالم ثلاث علامات : الصلاة والصيام والزكاة (٩).

وقال الكاظم عليه‌السلام : « الناس ثلاثة : عربي ومولى وعِلج ، فأمّا العرب فنحن ، وأمّا المولى فمن والانا ، وأمّا العِلج فمن تبرأ منا وناصبنا » (١٠)

__________________

١ ـ الخصال : ١١٣ / ٩٠.

٢ ـ الخصال : ١١٦ / ٩٥.

٣ ـ ليس في المصدر.

٤ ـ في المصدر : والأحمق.

٥ ـ في المصدر : استنبه.

٦ ـ الخصال : ١١٦ / ٩٦.

٧ ـ أثبتناه من المصدر.

٨ ـ الخصال : ١٢٣ / ١١٥.

٩ ـ الخصال : ١٢١ / ١١٣ ، وفيه : قال لقمان لابنه : يا بني لكل شيء علامة يعرف بها ويشهدعليها ، وإن للدين ثلاث علامات : العلم والإيمان والعمل به ، وللإيمان ثلاث علامات : الإيمان بالله وكتبهورسله ، وللعالم ثلاث علامات : العلم بالله وبما يجب وبما يكره ، وللعامل ثلاث علامات الصلاة والصياموالزكاة ...

١٠ ـ الخصال : ١٢٣ / ١١٦.

١٣٢

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام للحارث الأعور : « ثلاث بهن يكمل المسلم : التفقه في ألدين ، والتقدير في المعيشة ، والصبر على النوائب » (١).

وأوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً عليه‌السلام فقال له : « يا علي ، أنهاك عن ثلاث خصال عظام : الحسد ، والحرص ، والكذب.

يا علي ، أشد (٢) الأعمال ثلاث خصال : إنصافك الناس من نفسك ، ومواساة الأخ في الله عز وجل ، وذكر الله عز وجل على كل حال.

يا علي ، ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا : لقاء الإخوان ، وألإفطار من الصيام ، والتهجد من آخر الليل.

يا علي ، ثلاث من لم تكن فيه لم يقم له عمل : تورع يحجزه عن معاصي الله عز وجل ، وخلق يداري به الناس ، وحلم يرد به جهل الجاهل.

يا علي ، ثلاث من حقائق الإيمان : الإنفاق من الاقتار ، وانصاف الناس من نفسك ، وبذل العلم للمتعلم.

يا علي ، ثلاث من مكارم الأخلاق : تعطي من حومك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عن من ظلمك » (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ثلاث خصال في المؤمن ، لا يجمعها الله تعالى لمنافق : حسن الخلق ، والفقه ، وحسن السمت » (٤).

وقال عليه‌السلام : « ثلاث لا يطيقهن الناس : الصفح عن الناس ، ومواساة الأخ في الله تعالى أخاه في ماله ، وذكر الله كثيرا » (٥).

وقال عليه‌السلام : « من علامات المؤمن (٦) : الحلم والعلم والصمت ، وإن الصمت باب من أبواب الحكمة ، إن الصمت ينشب (٧) المحبة ، وإنه دليل على كل

__________________

١ ـ الخصال : ١٢٤ / ١٢٠.

٢ ـ في المصدر : سيد.

٣ ـ الخصال : ١٢٤ / ١٢١.

٤ ـ الخصال : ١٢٧ / ١٢٦ باختلاف يسير.

٥ ـ الخصال : ١٣٣ / ١٤٢.

٦ ـ في المصدر : الفقه.

٧ ـ في المصدر : يكسب.

١٣٣

خير » (١).

وقال عليه‌السلام : « ثلاث إذا كنّ في الرجل ، لا تحرج أن تقول : انه في جهنم : الجفاء ، والجبن ، والبخل » (٢).

وقال عليه‌السلام : « الهدي الصالح ، والسمت الصالح ، والاقتصاد ، جزءمن خمسة وسبعين (٣) جزءاً من النبوة » (٤).

وقال عليه‌السلام : « الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان » (٥).

وعن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال : « يا سماعة ، لا ينفك المؤمن من خصال أربع : من جار يؤذيه ، وشيطان يغويه ، ومنافق يقفو أثره ، ومؤمن يحسده ، ثم قال : يا سماعة ، أما إنه أشد [ هم ] (٦) عليه ، قلت : كيف ذلك؟ قال : إنّه يقول فيهالقول فيصدق عليه » (٧).

ومن كتاب الخصال : عن جميل بن دراج قال : قال الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام : « خياركم سمحاؤكم ، وشراركم بخلاؤكم ، ومن صالح الأعمال البر بالإخوان ، والسعي في حوائجهم ، وفي ذلك مرغمة ومدحرة للشيطان ، وتزحزح عن النيران ، ودخول الجنان ، يا جميل أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك. قال : قلت : ومن غرر أصحابي؟ قال : هم البارون بالإخوان في العسر واليسر ، ثم قال : يا جميل ، أما إنّصاحب الكثير يهون عليه ذلك ، وقد مدح الله عز وجل صاحب القليل ، فقال : ( ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) (٨) » (٩).

__________________

١ ـ الخصال : ١٥٨ / ٢٠٢ ، وفيه : عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام.

٢ ـ الخصال : ١٥٨ / ٢٠٤.

٣ ـ في المصدر : خمسة وأربعين

٤ ـ الخصال : ١٧٨ / ٢٣٨ ، وفيه : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ ـ الخصال : ١٧٨ / ٢٣٩ ، وفيه : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٦ ـ أثبتناه من المصدر.

٧ ـ الخصال : ٢٢٩ / ٧٠.

٨ ـ الحشر ٥٩ : ٩.

٩ ـ الخصال : ٩٦ / ٤٢.

١٣٤

وروي أنه لمّا نزل قوله تعالى : (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) (١) قالوا : يا رسول الله ، كيف يشرح الله صدره للإسلام؟ قال عليه‌السلام : « يقذف الله تعالى نوراً في قلبه فينشرح ويستوسع ، فقالوا : وهل لذلك علامة؟ فقال : نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكنى القبور ».

وقال عليه الصلاة والسلام : « إذا أحب الله تعالى عبداً نكت في قلبه نكتة بيضاء ، وفتح مسامع قلبه ، ووكل به ملكاً يسدده ، وإذا أبغض عبداً نكت في قلبه نكتة سوداء ، ووكل به شيطانا يغويه ، وعلى ذلك نزل قول الله تعالى : (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين) (٢) ».

وروي : إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً ألهمه الطاعة ، وألزمه القناعة ، وفقهه في الدين ، وقواه باليقين ، فاكتفى بالكفاف ، وتحلى بالقناعة.

وروى أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : « خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام يوماً إلى المسجد ، فإذا قوم من الشيعة قعود فيه ، فقال : من أنتم؟ فقالوا : نحن شيعتك يا أمير المؤمنين. فقال : فمالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟ فقالوا : ما سيماء الشيعة ، يا أمير المؤمنين؟ فقال : عمش العيون من البكاء ، خمص البطون من الصيام والظمأ ، صفر الوجوه من السهر ، يحسبهم الجاهل مرضى وما بهم من مرض ، ولكن فرق من الحساب ويومه أمرضهم ، يحسبهم أهل الغفلة سكارى ، وماهم بسكارى ولكنذكر الموت أسكرهم.

إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن قالوا لم يُصدّقوا ، وإن سكتوا لم يُسألوا ، وان أساؤا استغفروا ، وإن أحسنوا لم يفخروا ، وإن ظلموا صبروا ، حتى يكون الله تعالى هو المنتقم لهم ، يجوعون إذا شبع الناس ، ويسهرون إذا رقد الناس ، ويدعون إذا غفل الناس ، ويبكون إذا ضحك الناس.

يتمايلون بالليل على أقدامهم مرة وعلى الأصابع ، تجري دموعهم على خدودهم من خيفة الله وهم أبداً سكوت ، فإذا ذكروا عظمة الله عز وجل انكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم ، اُولئك أصحابي وشيعتي حقاً ، الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ، لهم

__________________

١ ـ الأنعام ٦ : ١٢٥.

٢ ـ الزخرف ٤٣ : ٣٦.

١٣٥

مغفرة وأجر عظيم ».

وروى جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن أبي ذر قال : كنت جالساَ عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد ، إذ أقبل علي عليه‌السلام ، فلما رآه مقبلاً قال : « يا باذر ، من هذا المقبل؟ » فقلت : علي ، يا رسول الله.

فقال : « يا باذر ، أتحبه؟ »

فقلت : أي والله ـ يا رسول الله ـ إني لأحبه ، واُحب من يحبه.

فقال : « يا باذر ، حب علياً ، وحب من أحبه ، فإن الحجاب الذي بين العبد وبين الله تعالى حب علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

يا باذر ، حب علياً مخلصاً ، فما من امرىء أحب علياً مخلصاً ، وسأل الله تعالى شيئاً إلاّ أعطاه ، ولادعا الله إلا لبّاه ».

فقلت : يا رسول الله ، إني لأجد حب علي بن أبي طالب على كبدي كباردالماء ، أوكعسل النحل ، أوكآية من كتاب الله أتلوها ، وهو عندي أحلى من العسل.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نحن الشجرة الطيبة ، والعروة الوثقى ، ومحبونا ورقها ، فمن أراد الدخول إلى الجنة ، فليستمسك بغصن من أغصانها ».

وروى حذيفة بن اليمان ، عن الحسن عليه‌السلام قال : « إن الله تعالى أوحى إلي : يا أخا النبيين ، يا أخا المرسلين ، يا أخا المنذرين ، أنذر قومك : ألاّ يدخلوا بيتاً من بيوتي إلاّ بقلوب سليمة ، وألسن صادقة ، وأيد نقية ، وفروج طاهرة ، ولا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد عندهم مظلمة ، فإنّي ألعنه مادام قائماً بين يدي يصلي ، حتى يرد تلك المظلمة إلى أهلها ، فأكون سمعه الذي يسمع به ، وأكون بصره الذي يبصر به ، ويكون من أوليائي وأصفيائي ، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ».

وروي عن الحسن بن علي عليهما‌السلام ، أنه قال : « من لم يحفظ هذا الحديث كان ناقصاً في مروته وعقله ».

قلنا : وماذاك يابن رسول الله؟ فبكى وأنشأ يحدثنا فقال : « لو أن رجلاً من المهاجرين أو الأنصار ، يطلع من باب مسجدكم هذا ، ما أدرك شيئاً مما كانوا عليه إلا قبلتكم هذه ـ ثم قال ـ هلك الناس ـ ثلاثاُ ـ بقول ولا فعل ، ومعرفة ولا صبر ، ووصف ولاصدق ، ووعد ولا وفاء ، مالي أرى رجالاً ولا عقول ، وأرى أجساماً ولا أرى

١٣٦

قلوباً دخلوا في الدين ثم خرجوا منه ، وحرموا ثم أستحلوا ، وعرفوا ثم أنكروا ، وأنما دين أحدكم على لسانه ، ولئن سألته هل يؤمن بيوم الحساب؟ قال : نعم ، كذب ومالك يوم الدين ، إن من أخلاق المؤمنين قوة في دين ، وحزماً في لين ، وإيماناً في يقين ، وحرصاً فيعلم ، وشفقة في مقة (١) ، وحلماً في حكم ، وقصداً في غنى ، وتجملاً في فاقة ، وتحرجاً عن طمع ، وكسباً من حلال ، وبراً في استقامة ، ونشاطاً في هدى ، ونهياَ عن شهوة.

إن المؤمن عواذ بالله ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحب ، ولا يضيع ما استودع ، ولا يحسد ، ولا يطعن ، ويعترف بالحق وإن لم يشهد عليه ، ولا ينابز بالألقاب ، في الصلاة متخشع ، وإلى الزكاة مسارع ، وفي الزلات وقور ، وقي الرخاء شكور ، قانع بالذي عنده ، لا يدعي ما ليس له ، لا يجمع في قنط (٢) ، ولا يغلبه الشح عن معروف يريده ، يخالط الناس ليعلم ، ويناطق ليفهم ، وإن ظلُم أو بُغي عليه صبر حتى يكون الرحمن الذي ينتصر له.

وقال الحسن : وعظني بهذا الحديث جندب بن عبد الله ، وقال جندب : وعظني بهذا الحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : حق على كل مسلم تعلمه وحفظه ».

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لمولاه نوف الشامي ، ووهو معه في السطح : « يانوف ، أرامق أنت أم نبهان؟ قال : قال نبهان أرمقك يا أمير المؤمنين ، قال : هل تدري منشيعتي؟ قال : لا والله ، قال : شيعتي الذبل الشفاه ، والخمص البطون ، الذين تعرف الرهبانية والربانية في وجوههم ، رهبان بالليل اُسد بالنهار ، الذين إذا أجنهم الليل اتّزروا على أوساطهم ، وارتدوا على أطرافهم ، وصفوا أقدامهم ، وافترشوا جباههم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم ، وأما النهار فحلماء ، وعلماء ، كرام ، نجباء ، أبرار ، أتقياء.

يانوف ، شيعتي الذين اتخذوا الأرض بساطاَ ، والماء طيباً ، والقرآن شعاراً ، إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفقدوا ، شيعتي الذين في قبورهم يتزاورون ، وفي أموالهم يتواسون ، وفي الله يتباذلون.

__________________

١ ـ المِقة : الحب والمودة « القاموس المحيط ـ ومق ـ ٣ : ٢٩٠ ».

٢ ـ القنَط : اليأس « الصحاح ـ قنط ـ ٣ : ١١٥٥ ».

١٣٧

يانوف ، درهم ودرهم ، وثوب وثوب ، وإلاّ فلا ، شيعتي من لم يهر هرير الكلاب ، ولم يطمع طمع الغراب ، ولم يسأل الناس ولو مات جوعاً ، إن رأى مؤمناً أكرمه ، وإن رأى فاسقاً هجره هؤلاء ـ والله يانوف ـ شيعتي ، شرورهم مأمونه ، وقلوبهم محزونة ، وحوائجهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ، اختلفت بهم الأبدان ولم تختلف قلوبهم.

قال : قلت : يا أمير المؤمنين ـ جعلني الله فداك ـ أين أطلب هؤلاء؟

قال : فقال لي : « في أطراف الأرض.

يا نوف ، يجيء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة آخذاً بحجزة ربه جلّت اسماؤه ـ يعني بحبل الدين وحجزة الدين ـ وأنا اخذ بحجزته ، وأهل بيتي اخذون بحجزتي ، وشيعتنا اخذون بحجزتنا ، فإلى أين؟ إلى الجنة ورب الكعبة ـ قالها ثلاثاـ » (١)

عن نوف البكالي ، قال : عرضت لي إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام حاجة ، فاستسعيت إليه جندب بن زهير والربيع بن خيثم وابن أخيه همام بن عبادة ، وكان من أصحاب البرانس ، فأقبلنا معتمدين لقاء أمير المؤمنين ، فألفيناه حين خرج إلى المسجد ، فأفضى ونحن معه إلى نفر قد أفاضوا في الأحدوثات تفكهاً ، فلما أشرف لهم أسرعوا إليه قياماً ، فسلموا فرد التحية ثم قال : « من القوم؟ ».

قالوا : اُناس من شيعتك ، يا أمير المؤمنين.

فقال لهم خيرا ، ثم قال : « يا هؤلاء ، مالي لا أرى فيكم سمة الشيعة وحليتهم؟ » فأمسك القوم حياء ، قال نوف : فأقبل عليه جندب والربيع فقالا : ما سمة شيعتكم ، يا أمير المؤمنين؟ فتثاقل عن جوابهما وقال : « اتقيا الله ـ أيها الرجلان ـ وأحسنا ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون » فقال همام بن عبادة ـ وكان عابداً متزهداً مجتهداً ـ : أسألك بالذي أكرمكم ـ أهل البيت ـ وخصكم وحباكم وفضلكم تفضيلاً لما انبأتنا بصفة شيعتكم؟

فقال : « لا تقسم فسأنبئكم جميعاً » وأخذ بيد همام فدخل المسجد فصلى ركعتين أوجزهما وأكملهما ، ثم جلس وأقبل علينا ، وحف القوم به ، فحمد الله وأثنى

__________________

١ ـ رواه الكراجكي مسنداً في كنز الفوائد : ٣٠.

١٣٨

عليه ، وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال :

« أما بعد : فإن الله ـ جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ـ خلق خلقه فألزمهم عبادته ، وكلّفهم طاعته ، وقسم بينهم معايشهم ، ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم ، وهو في ذلك غني عنهم ، لا تنفعه طاعة من أطاعه ، ولا تضرِّه معصية من عصاه منهم ، لكنه علم تعالى قصورهم عمّا تصلح عليه شؤونهم ، وتستقيم به دهماؤهم في عاجلهم وآجلهم ، فارتبطهم بإذنه في أمره ونهيه ، فأمرهم تخييراً ، وكلّفهم يسيراً ، وأثابهم كثيراً ، وأماز بينهم سبحانه بعدل حكمه وحكمته ، بين الموجف (١) من أنامه إلى مرضاته ومحبته ، وبين المبطئ عنها والمستظهر منهم على نعمته بمعصيته ، فذلك قول الله عز وجل : ( ام حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) (٢).

ثم وضع أمير المؤمنين صلوات الله عليه يده على منكب همام بن عبادة فقال : « ألا من سأل عن شيعة أهل البيت ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم في كتابه مع نبيه تطهيراً ، فهم العارفون بالله ، العاملون بأمر الله ، أهل الفضائل والفواضل ، منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع ، بخعوا (٣) لله تعالى بطاعته ، وخضعوا له بعبادته ، فمضوا غاضين أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم ، واقفين أسماعهم على ، العلم بدينهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء ، رضى منهم للهب القضاء ، فلولا الآجال التي كتب الله لهم ، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين ، شوقاَ إلى لقاء الثواب ، وخوفاً من العقاب ، عظم الخالق في أنفسهم ، وصغر ما دونه عينهم ، فهم والجنة كمن قد رآها ، فهم على أرائكها متكئون ، وهم والنار كمن قد دخلها ، فهم فيها معذّبون ، قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة ، وأجسادهم نحيفة ، وحوائجهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ، وومعونتهم في الإسلام عظيمة ، صبروا أياماً قليلة فأعقبتهم راحة طويلة ، وتجارة مربحة يسّرها لهم رب كريم.

اُناس أكياس ، أرادتهم الدنيا فلم يُريدوها ، ووطلبتهم فأعجزوها ، أمّا الليل فصافّون أقدامهم ، تالون لأجزاء القران يرتلونه ترتيلاً ، يعظون أنفسهم بأمثاله ، يستشفون

__________________

١ ـ الموجف : المسرع « لسان الرب ـ وجف ـ ٩ : ٣٥٢ ».

٢ ـ الجاثية ٤٥ : ٢١.

٣ ـ بخع لله : اقرّ به وخضع له. « الصحاح ـ بخع ـ ٣ : ١١٨٣ ».

١٣٩

لدائهم بدوائه تارة ، وتارة مفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يمجّدون جباراً عظيماً ، ويجأرون إليه ـ جلّ جلاله ـ في فكاك رقابهم.

هذا ليلهم ، وأمّا النهار فحلماء علماء ، بررة أتقياء ، براهم (١) خوف بارئهم ، فهم أمثال القداح (٢) ، يحسبهم الناظر إليهم مرضى وما بالقوم من مرض ، أوقد خولطوا وقد خالط القوم من عظمة ربهم وشدة سلطانه أمر عظيم ، طاشت له قلوبهم ، وذهلت منه عقولهم ، فإذا استقاموا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالأعمال الزاكية ، لا يرضون له بالقليل ، ولا يستكثرون له الجزيل ، فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إن زكي أحدهم خاف مما يقولون ، وقال : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي ، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، فاجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي مالا يعلمون ، فإنك علام الغيوب وساتر العيوب.

هذا ، ومن علامة أحدهم أن ترى له قوة في دين ، وحزماً في لين ، وإيمانا في يقين ، وحرصاً على علم ، وفهماً في فقه ، وعلماً في حكم ، وكيساً في رفق ، وقصداً في غنى ، وتجملاً في فاقة ، وصبراً في شدة ، وخشوعاً في عبادة ، ورحمة للمجهود ، وإعطاءَ في حق ، ورفقاً في كسب ، وطلباً في حلال ، وتعفّفاَ في طمع ، وطمعاً في غير طبع ـ أي دنس ـ ونشاطاً في هدى ، واعتصاماَ في شهوة ، وبراً في استقامة ، لا يغرّه من جهله ، ولا يدع أحصاء ما عمله ، يستبطئ نفسه في العمل ، وهومن صالح عمله على وجل ، يصبح وشغله الذكر ، ويمسي وهمّه الفكر ، يبيت حذراً من سنة الغفلة ، ويصبح فرحاً لما أصابه من الفضل والرحمة ، إن استصعبت عليه نفسه فيما يكره ، لم يعطها سؤلها فيما إليه تشره (٣) ، ورغبته فيما يبقى ، وزهادته فيما يفنى ، قد قرن العلم بالعمل ، والعمل بالحلم ، يظل دائماً نشاطه ، بعيداَ كسله ، قريباً أمله ، قليلاً زلَله ، متوقعاً أجله ، خاشعاً قلبه ، ذاكراً ربه ، قانعةً نفسه ، غارباً جهله ، محرزاً دينه ، ميتاَ داؤه كاظماً غيظه ، صافياً خلقه ، امناً منه جاره ، سهلا امره ، معدوماً كبره ، ثبتاً صبره ، كثيراً ذكره ،

__________________

١ ـ برى السهم : نحته. « القاموس المحيط ـ بري ـ ٤ : ٣٠٣ ».

٢ ـ القداح : واحدها قِدح وهو السهم ، كناية عن ضعف أجسامهم ونحولها « القاموس المحيط ـ قدح ـ ٢٤١ : ١ ».

٣ ـ الشراهة : غلبة الحرص « القاموس المحيط ـ شره ـ ٤ : ٢٨٦ ».

١٤٠