أعلام الدين في صفات المؤمنين

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي

أعلام الدين في صفات المؤمنين

المؤلف:

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢

أحسن الحديث ، واقتدوا بهدي نبيكم ، فإنه أفضل الهديَ ، وأستنّوا بسنّته ، فإنها أفضل السنن ، وتعلموا كتاب الله ، واستضيئوا بنوره ، فإنّه أشفى لما في الصدور ، واسمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ».

وجاء في الحديث عن محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام أنه قال : « قراء ألقرآن ثلاثة : رجل قرأ القرآن ، فاتخذه بضاعة ، واستدر به الملوك ، واستطال به على الناس ، ورجل قرأ القرآن ، فحفظ حروفه وضيع حدوده ، وأقامه مقام القدح ، فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن. ورجل قرأ القران ، فوضع دواء القرآن على داء قلبه ، فسهر ليله ، وظمىء به نهاره ، وقام به في مساجده ، وتجافى به عن فراشه ، فذاك من الذين يدفع العزيز الجبار بلاءهم ، ويزيل أعداءهم ، وأولئك ينزل الله عزوجل الغيث عليهم من سمائه.

ثم قال : إذا قرأتم القرآن فبيّنوه تبياناَ ، ولا تهذوه هذّاً كهذّ(١) الشعر ، ولاتنثروه نثر الرمل ، ولكن افرغوا له القلوب القاسية. ولا يكن همّ أحد كَم آخرالسورة ، واقرؤوه بألحان العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الكبائر ، واعربوا به فإنه عربي ولاتقرؤوه هذرمة ، وإذا مررتم بآية فيها ذكرالجنة ، فقفوا عندها واسألوا الله الجنة ، وإذا مررتم بآية فيها لا ذكر النار ، فقفوا عندها وتعوذوا بالله من النار ، وحسنوه بأصواتكم ، فإن الله تعالى أوحى إلى موسى بن عمران عليه‌السلام : إذا وقفت بين يديًٌ فقف موقف الذليل الفقير ، وإذا قرأت التوراة فاسمعنيها بصوت حزين.

ولقد كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقرأ القرآن فربما مر عليه المار فيصعق من حسن صوته.

واقرؤوه في المصحف ، فإنه من قرأه في المصحف متع ببصره ، وخفف عن والديه وأنه ليعجبني في أن يكون في البيت مصحف ، وأن البقعة التي يقرأ فيها القرآن ويذكر الله تعالى فيها ، تكثر بركتها ، وتحضرها الملائكة ، ويهجرها الشيطان ، وتضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض ، وأن البيت الذي لايقرأ فيه القرآن ولا يذكر فيه الله تعالى ، تقل بركته ، وتهجره الملائكة ، ويحضره الشيطان. ومن قرأ القران وهو شاب مؤمن ، اختلط القرآن بلحمه ودمه ، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة ، وكان القرآن حجيرا (٣) عنه يوم القيامة ».

__________________

١ ـ ألهَذ : سرعة القطع والقراءة. (القاموس المحيط ـ هذذ ـ ١ : ٣٦٠).

٣ ـ الحجر : المنع ، والمراد من الحديث أن القرآن يمنع النارعن قارئه.

١٠١

وقال عليه‌السلام « لقارئ القرآن بكلّ َ حرف يقرؤوه في الصلاة قائماً مائةَ حسنة ، وقاعداً خمسون حسنة ، ومتطهراً في غير الصلاة خمس وعشرين حسنة ، وغير متطهر عشر حسنات أما أني لا أقول المر [ حرف ] (١) بل له بالألف عشر ، وباللام عشر ، وبالميم عشر ، وبالراء عشر ».

وقال عليه‌السلام : « قراءة القرآن أفضل من والذكر أفضل من الصدقة ، والصدقة أفضل من الصيام ، والصوم جنة من النار ».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإذا التبست عليكم الامور كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن ، فإنه شافع مشفع ، وشاهد مصدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو أوضح دليل ، إلى خير سبيل ، من قالبه صدق ، وْمن عمل به وفق ، ومن حكم به عدل ، ومن أخذ به أجر ».

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولاتكشف الظلمات إلاّ به ».

وقال عليه‌السلام ـ عقيب كلام ذكرفيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصفه ثم قال ـ : « قبضه الله إليه كريماً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخلف فيكم ما خلفت الأنبياءفي أممها ، إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح ولا علم قائم ، كتاب ربكم ، مبيناً حلاله وحرامه ، وعامه وعِبَرَه وأمثاله ، ومرسله وحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، ومفسراً جمله ، مبيناً غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق علمه ، وموسع على ، العباد في جُمَله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، معلوم في السنة نسخه ، وواجب في السنة أخذه ، مرخص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته ، ونايل في مستقبله ، ومباين بين محارمه ، من كبير أوعد عليه نيرانه ، وصغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبول في أدناه ، وموسع في أقصاه ».

وقال عليه‌السلام : « القرآن آمر وزاجر ، صامت ناطق ، حجة الله على خلقه ، أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه أنفسهم ، أتم نوره ، وأكرم به دينه ، وقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به ، فعظموا منه ـ سبحانه ـ ما عظم من نفسه ، فإنه لم يخف عنكم شيئاً من دينه ، ولم يترك شيئاً رضيه أوكرهه ، إلاّ وجعل له علماً بادياً ، وآَية محكمة ، تزجرعنه أو تدعو إليه ، فرضاه فيما مضى واحد ،

__________________

١ ـ أثبتناه في البحار ٩٢ : ٢٠١.

١٠٢

وسخطه فيما بقي واحد.

واعلموا أنه لن يرضى عنكم بشيء سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشيء رضيه ممن كان قبلكم ، وإنما تسيرون في اثرين ، وتتكلمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم ».

وقال عليه‌السلام ـ في بعض خطبه ـ « فانظر ـ أيها السائل ـ فما دلّك القرآن عليه من صفته ، فائتم به ، واستضيء بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه ، مما ليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمة الهدى اثره (١) ، فكل علمه (٢) إلى الله تعالى ، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.

واعلم أن الراسخين في العلم ، هم الذين اغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول مالم يحيطوا به علماً ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا ، فاقتصرْ على ذلك ، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدرعقلك فتكون من الهالكين » (٣).

وقال عليه‌السلام : « وكتاب الله بين أظهركم ، ناطق لايعيى لسانه ، وبيت لاتهدم أركانه ، وعز لايهزم أعوانه ».

وقال عليه‌السلام ـ في نهج البلاغة ـ في التحكيم : « انا لم نحكم الرجال وإنما حكمنا القران ، وهذا القران إنما هو خط مسطور بين الدفتين ، لاينطق بلسان ولا بدَّلهمن ترجمان ، وإنما ينطق عنه الرجال ، ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القران ، لم نكن الفريق المتولي عن القرآن ـ كتاب الله تعالى ـ ، و [ قد ] (٤) قال الله سبحانه (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) (٥) فرده إلى الله أن نحكم بكتابه ، ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته ، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به ، وإن حكم بسنة رسول الله فنحن أولاهم به » (٦).

__________________

١ ـ في الأصل : أتوه ، وما أثبتناه من النهج.

٢ ـ في الأصل : بكل علم ، وما أثبتناه من النهج.

٣ ـ نهج البلاغة ١ : ١٦٠.

٤ ـ أثبتناه من النهج.

٥ ـ النساء ٤ : ٥٩.

٦ ـ نهج البلاغة ٢ : ٧ / ١٢١.

١٠٣

وقال عليه‌السلام : « فإن أطعتموني حملتكم ـ إن شاء ألله ـ على سبيل الجنة ، وإن كان ذا مشقة شديدة ، ومذاقة مريرة.

وسبيل أبلج المنهاج أنور السراج ، بالإيمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الإيمان ، وبالإيمان يعمر العلم ، وبالعلم يرهب الموت ، وبالموت تختم الدنيا ، وبالدنيا تحرز الآخرة ، وإن الخلق لامقصر لهم عن القيامة ، مرقين (١) في مضمارها إلى الغاية ألقصوى.

قد شخصوا من (٢) مستقر الأجداث ، وصاروا إلى مضائق الغايات ، لكل دار أهل لايستبدلون بها ، ولا ينفكون عنها ، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لخلقان من خلق الله ، وانهما لايقربان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وعليكم بكتاب اللهّ ، فإنه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والري الناقع ، والعصمة للمستمسك بها ، والنجاة للمتعلق به ، لايعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، لاتخلقه كثرة ألرد وولوج ألسمع ، من قال به صدق ومن عمل به سبق ».

فقام إليه رجل فقال : أخبرنا عن الفتنة.

فقال : « لمّا انزل الله تعالى قوله (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون) (٣) علمت أن الفتنة لاتنزل بنا ورسول الله بين أظهرنا ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها؟ فقال : يا علي ، إن امتي سيفتنون من بعدي ، فقلت : يا رسول الله أو ليس قلت لي في يوم احد ، حيث استشهد من استشهد من المسلمين ، وحيزت الشهادة عني فشق ذلك علي ، فقلت لي : ابشر ، فإن الشهادة من ورائك؟ فقال لي : إن ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذاً؟ فقلت : يا رسول الله ، ليس هذا من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى والشكر. فقال يا : يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم ، ويمنون. بدينهم على ربهم ، ويتمنون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية ، فيستحلون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية ، والربا بالبيع. فقلت : يا رسول الله ، فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك ، أبمنزلة ردة ، أم بمنزلة فتنة؟ فقال :

__________________

١ ـ أرقل في سيره : أسرع « الصحاح ـ رقل ـ ٤ : ١٧١٢ ».

٢ ـ في الأصل : في ، وما اثبتناه من المصدر.

٣ ـ العنكبوت ٢٩ : ١ ، ٢.

١٠٤

بمنزلة فتنة » (١).

وقال عليه‌السلام : « يأتي على الناس زمان ، يبايع فيه المضطرون ، وقد نهى رسول الله عن بيع المضطرين » (٢).

وقال عليه‌السلام ـ في خطبة له يذكر فيها فضل القرآن وشيئاً من مواعظه ـ : « انتفعوا ببيان الله ، واتعظوا بمواعظ الله واقبلوا نصيحة الله ، فإن الله قد أعذر إليكم بالجليلة ، واتخذ عليكم الحجة ، وبين لكم محابّهُ من الأعمال ومكارهه منها ؛لتبغوا هذه وتتجنٌبوا هذه ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : إن الجنة حفت (٣) بالمكارة ، وان النار حفت بالشهوات.

واعلموا ، أنه مامن طاعة الله شيء إلا يأتي في كره ، ومامن معصية الله [ شئ ] (٤) إلا يأتي في شهوة ، فرحم الله رجلاً نزع عن شهوته ، وقمع هوى نفسه ، فإن هذه النفس أبعد شيء منزعاً ، وإنّها لاتزال تنزع إلى المعصية في هوى.

واعلموا ـ عباد الله ـ أنّ المؤمن لايصبح ولا يمسي إلا ونفسه ظنون (٥) عنده ، فلا يزال زارياَ عليها ، ومستزيداً لها ، فكونوا كالسابقين قبلكم والماضين أمامكم ، قوضوا (٦) من الدنيا تقويض الراحل ، وطووها طي المنازل.

واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لايغش ، والهادي الذي لايضل ، والمحدّث الذي لايكذب ، وما جالس هذا القران أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان ، زيادة في هدى ، ونقصان من عمى.

واعلموا أنه ليس على أحد بعد القران من فاقة ، ولا لأحد قبل القران من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فإن فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفرو النفاق ، والغي والضلال ، واسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، فإنه ما توجه العباد إلى الله بمثله.

__________________

١ ـ نهج البلاغة ٢ : ٦٢ / ١٥١ ، من كلام له عليه‌السلام خاطب به أهل البصرة.

٢ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٦٤ / ٤٦٨.

٣ ـ في الأصل : حجبت ، وما أثبتناه من النهج.

٤ ـ أثبتناه من النهج.

٥ ـ الظنون : التي يظن فيها الظنون ، يعني انها متهمة عنده. اُنظر « الصحاح ـ ظن ـ ٦ : ٢١٦٠ »

٦ ـ تقوضت الصفوف : تفرقت « الصحاح ـ قوض ـ ٣ : ١١٠٣ ».

١٠٥

واعلموا أنه شافع مشفع ، وشاهد مصدق ، وأنه من شفع له القران يوم القيامة شفع فيه ، ومن محل (١) به القران يوم القيامة صدق عليه ، وانه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن كل حارث مبتلىً في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن ، فكونوا من حراثه وأتباعه ، واستدلّوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ، واستغشوا فيه أهواءكم ، العمل (العمل ثم النهاية النهاية ، والإستقامة الإستقامة ، ثم الصبر الصبر ، والورع الورع) (٢).

إن لكم نهاية فانتهوا إليها ، وإن لكم علماً فاهتدوا بعلمكم ، وإن للأسلام غاية فانتهوا إلى غايته ، واخرجوا إلى الله مما افترض عليكم من حقه ، وبين لكم من وظائفه ، أنا شاهد لكم وحجيج يوم القيامة عنكم ، ألا وإن القدر السابق قد وقع ، والقضاء الماضي قد تورد ، وإني متكلم بعِدَةِ الله وحجته ، قال الله تعالى : (ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم المَلائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون) (٣) وقد قلتم : ربنا الله ، فاستقيموا على كتابه ، وعلى منهاج أمره ، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ، ولا تمرقوا منها ، ولا تبدعوا فيها ، ولاتخالفوا عنها ، فإن أهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة.

ثم إياكم وتهزيع (٤) الاخلاق وتصريفها ، واجعلوا اللسا ن واحداً ، وليخزن الرجل لسانه ، فإن هذا اللسان جموح المصاحبة ، والله ما أرى أحداً يتقي تقوىً تنفعه حتى يختزن لسانه ، فإن لسان المؤمن من وراء قلبه ، وإن قلب المنافق من وراء لسانه ، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه ، فإن كان خيراً أبداه ، وإن كان شراً واراه ، وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه ، لايدري ماذا عليه مما له ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لايستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، فمن استطاع منكم أن يلقى اللهّ ـ سبحانه ـ وهو نقي الراحة من دم المسلمين وأموالهم ، سليم اللسان من أعراضهم ، فليفعل.

واعلموا ـ عباد الله ـ أن المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أول ، ويحرّم

__________________

١ ـ محل به : كاده ، ورفع أمره إلى السلطان « الصحاح ـ محل ـ ٥ : ١٨١٧ » ».

٢ ـ في الأصل : العمل به الاستقامة الاستقامة ثم الصبر والورع ، وما أثبتناه من النهج.

٣ ـ فصلت ٤١ : ٣٠.

٤ ـ ألتهزيع : التكسير والدق.

« الصحاح ـ هزع ـ ٣ : ١٣٥٦ ».

١٠٦

العام ما حرّم عاماً أول ، وإن أول ما أحدث الناس البدع ، ولا يحل لكم شيء مما حُرّم عليكم ، ولكن الحلال ما أحلّ الله ، والحرام ما حرّم الله ، فقد جربتم الاُمور وصرفتموها ، ووعضتم بمن كان قبلكم ، وضربت الأمثال لكم ، ودعيتم إلى الأمر الواضح ، فلا يصم عن ذلك إلأّ أصم ، ولا يعمى عنه إلاّ أعمى ، ومن لم ينفعه الله تعالى بالبلاء والتجارب ، لم ينتفع بشيء من العظة ، وأتاه التقصيرمن أمامه ، حتى يعرف ما أنكر ، وينكر ما عرف ، وإنما الناس رجلان : متّبع شرعة ، ومبتدع بدعة ، ليسّ معه من الله سبحانه برهان سنة ، ولاضياء حجة ، وان الله ـ سبحانه ـ لم يعظ أحداً بمثل هذا القران ، فإنه حبل الله المتين ، وسببه الأمين ، وفيه ربيع القلب ، وينابيع العلم ، وما للقلب جلاء غيره ، مع أنه قد ذهب المتذكرون ، وبقي المتناسون والناسون ، فإذا رأيتم خيراً فأعينوا عليه ، وإذا رأيتم شراً فاذهبوا عنه ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : يا ابن ادم ، اعمل الخير ، ودع الشر ، فإذا أنت جواد قاصد.

ألا وإن الظلم ثلاثة : فظلم لايغفر ، وظلم لايترك ، وظلم مغفور لايطلب. فأما الظلم الذي لايغفر ، فالشرك باللهّ تعالى ، قال الله تعالى : (إن الله لايغفر أن يشرك به) (١) وأما الظلم الذي لايترك ، فظلم العباد بعض لبعض. وأما الظلم الذي يغفر ، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات (٢).

القصاص هناك شديد ، ليس هو جرحاً بالمدى ، ولاضرباً بالسياط ، لكنه ما يستصغر ذلك معه ، فإياكم والتلون في دين الله ، فإن جماعة فيما تكرهون من الحق ، خيرمن فرقة فيما تحبون من الباطل ، وإن الله سبحانه لم يعط أحداَ بفرقة خيراً ، ممن مضى ولافيمن بقي.

يا أيها الناس ، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وطولا لمن لزم بيته ، وأكل قوته ، واشتغل بطاعة الله ، وبكى على خطيئته ، فكان من نفسه في شغل ، والناس منه في راحة » (٣).

وقال عليه‌السلام لبعض أصحابه : « واعلم أن الدنيا دار بلية ، لم يفرغ صاحبها

__________________

١ ـ النساء ٤ : ٤٨.

٢ ـ الهنات : جمع هنة وهي الشيء اليسير. والمراد ألمظالم الصغيرة لنفسه. أنظر (القاموس المحيط ـ هنو ٤٠٤ : ٤).

٣ ـ نهج البلاغة ٢ : ١٠٩ / ١٧١.

١٠٧

ساعة قط ، إلا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة » (١).

وقال عليه‌السلام : « العلم وراثة كريمة ، والاداب حلل مجددة ، والفكر مرآة صافية ، وصدر العاقل صندوق سره ، والبشاشة حبالة المودة ، والاحتمال ينفي العيوب » (٢).

وقال عليه‌السلام : « اليقين على أربع شعب : على تبصرة الفطنة ، وتأول الحكمة ، وموعظة العبرة ، وسنة الأولين ، فمن تبصر في الفطنة ثبتت له الحكمة ، ومن ثبتت له الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.

والعدل على أربع شعب : على غائص الفهم ، وغور العلم ، وزهرة الحكم ، ورساخة الحلم ، فمن فهم علم غورالعلم ، ومن علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم ، ومن حلم لم يفرط في أمره ، وعاش في الناس » (٣).

* * *

__________________

١ ـ نهج البلاغة ٣ : ١٢٧ / ٥٩ ، من كتاب له عليه‌السلام إلى الاسود بن قطيبة صاحب جندحلوان.

٢ ـ نهج البلاغة ٣ : ١٥٢ / ٤ ، ٥.

٣ ـ نهج البلاغة ٣ : ١٥٧ / ٣٠.

١٠٨

باب صفة المؤمن

من كتاب المجالس للبرقي : عن عبد الله بن يونس (١) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقور في الهزاهز ، صبور عند البلاء ، شكور عند الرخاء ، قانع بما رزقه اللهّ ، لايظلم الأعداء ، ولا يتحامل للاصدقاء ، بدنه منه في نصب ، والناس منه في راحة ، إن العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أخوه ، واللين والده » (٢).

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : « المؤمن يصمت ليسلم ، وينطق ليعلم ، (٣) لايحدث أمانته الأصدقاء ، ولا يكتم شهادته من البعداء ، ولا يعمل شيئاً من الخير رياءً ، ولا يتركه حياءً ، إن زكي خاف مما يقولون ، ويستغفر الله مما لا يعلمون ، لايغره قول من جهله ، ويخاف إحصاء ما عمله » (٤).

وعن أحمد بن خالد ، عن بعض من رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : « المؤمن له قوة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحرص في فقه ، ونشاط فيهدى ، وبرّ في استقامة ، وعلم في حلم ، وكيس في رفق ، وسخاء في حق ، وقصد في غنى ، وتجمل في فاقة ، وعفوفي قدرة ، وطاعة لله في نصيحة ، وانتهاء في شهوة ، وورع فيرغبة ، وحرص في جهاد ، وصلاة في شغل ، وصبرفي شدة ، وفي الهزاهز وقور ، وفي المكاره صبور ، وفي الرخاء شكور ، لايغتاب ، ولا يتكبر ، ولا يقطع الرحم ، وليس بواهن ، ولا فظ ولاغليظ ، ولايسبقه بصره ، ولا يفضحه بطنه ، ولا يغلبه فرجه ، ولا يحسد الناس ، ولا يغمز ، ولا يعير ، ولا يسرف ، ينصر المظلوم ، ويرم (٥) المسكين ، نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة ، لا يرغب في عز الدنيا ، ولايجزع من ذلها ، للناس همّ قد أقبلوا عليه ، وله همّ قد شغله ، لايُرى في حلمه (٦) نقص ، ولا في رأيه وهن ، ولا في دينه

__________________

١ ـ في الكافي والخصال : « عبد الله بن غالب » ، والظاهر هوالصواب.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٨١ / ٢ ، الخصال : ٤٠٦ / ١.

٣ ـ في الكافي : ليغنم.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٨٢ / ٣.

٥ ـ في الكافي : يرحم ، ورممت الشيء أرمه : إذا أصلحته « الصحاح ـ رمم ـ ٥ : ١٩٣٦ ».

٦ ـ في الكافي : حكمه.

١٠٩

ضياع ، يرشد من استرشده ، وينصح من استشاره ، ويساعد من يساعده ، ويكيع (١) عن الخنا والجهل » (٢).

عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي العباس ، قال أبوعبدالله عليه‌السلام : « من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن » (٣).

وعن أبي البختري رفعه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « المؤمنون هينون لينون ، كالجمل الألوف ، إذاقيد انقاد (٤) وإن اُنيخ (٥) استناخ » (٦).

وبهذا الإسناد عن رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « المؤمن كمثل شجرة لاينحات ورقها في شتاء ولاصيف ، قالوا : يا رسول الله ، وماهي؟ قال : النخلة » (٧).

وعن إبراهيم العجمي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « المؤمن حليم لايجهل ، وإن جهل عليه يحلم ، ولا يظلم ، وإن ظُلِم غفر ، ولا يبخل ، وإن بُخل عليه صبر » (٨).

وعن أبي الحسن اللؤلؤي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « المؤمن من طاب كسبه ، وحسنت خليقته ، وصحت سريرته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، وكفى الناس شره ، وأنصف الناس من نفسه » (٩).

وعن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا اُنبئكم بالمؤمن؟ المؤمن من ائتمنه الناس على أنفسهم وأموالهم. ألا اُنبئكم بالمسلم؟ المسلم من سلم الناس من يده ، والمهاجر من هجر السيئات ، وترك ماحرم الله ، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه ، أو يخذله ، أو يغتابه ، أو يدفعه عن

__________________

١ ـ كع عن الشيء : حبس نفسه عنه. انظر (الصحاح ـ كعع ـ ٣ : ١٢٧٧).

٢ ـ الكافي ٢ : ١٨٢ / ٤.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٨٣ / ٦.

٤ ـ في الأصل : ان قيد استقاد ، وما أثبتناه من الكافي.

٥ ـ في الكافي زيادة : على صخرة.

٦ ـ الكافي ٢ : ١٨٤ / ١٤.

٧ ـ الكافي ٢ : ١٨٤ / ١٦ ، وفيه : علي بن ابراهيم عن أبيه ، عن ألنوفلي ، عن ألسكوني عن أبي عبداللهقال : قال رسول الله.

٨ ـ الكافي ٢ : ١٨٤ / ١٧. وفيه : عن أبي إبراهيم الأعجمي.

٩ ـ الكافي ٢ : ١٨٤ / ١٨.

١١٠

حقه » (١).

وعن عبدالله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « صلى أمير المؤمنين عليه‌السلام بالناس الصبح بالعراق ، ثم انصرف فوعظهم ، فبكى وأبكى من خوف الله تعالى ، ثم قال : أما والله ، لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً ، بين أعينهم كركب المعزى ، يبيتون لربهم سجداً وقياماً يراوحون بين أقدامهم وجباههم ، يناجون ربهم ، ويسألونه فكاك رقابهم من النار ، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون وجلون مشفقون » (٢).

وعن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : « صلى أميرالمؤمنين الفجر ، ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قدر رمح ، وأقبل على الناسب وجهه فقال : والله لقد أدركت أقواماً يبيتون لربهم سجداً وقياماَ ، يخالفون بين جباههم وركبهم ، كأنّ زفير النار في اذانهم ، إذا ذكرالله تعالى عندهم مادوا كما تميد الشجر ، كأن القوم باتوا غافلين. ثم قام فما رؤي ضاحكاً حتى قضى نحبه صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « لايؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ، ولا يكون المؤمن جباناً ولاحريصاً ولاشحيحاً » (٤).

وقال عليه‌السلام : « لايكون المؤمن مؤمناً ، حتى تكون فيه ثلاث خصال : سنة من ربه ، وسنة من نبيه ، وسنة من إمامه ، فأما الذي من ربه فكتمان (٥) سره ، قال اللهّ عزوجل : ( فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) (٦) وأما سنة نبيه فمداراة الناس ، قال الله تعالى : (خذ العفو واْمُربالعرف واعرض عن الجاهلين) (٧) وأما السنة من

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٨٤ / ١٩.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٨٥ / ٢١.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٨٥ / ٢٢.

٤ ـ الخصال : ٨٢ / ٨.

٥ ـ في الأصل : كتمان ، وما أثبتناه من الكافي.

٦ ـ الجن ٧٢ : ٢٦ ، ٢٧.

٧ ـ الاعراف ٧ : ١٩٩.

١١١

إمامه فالصبر (١) في البأساء والضراء وحين البأس » (٢).

وقال رجل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : أخبرنا عن الأخوان. قال : « الإخوان صنفان : إخوان الثقة وأخوان المكاشرة (٣) ، فأما أخوان الثقة ، فهم الكف والجناح والأهل والمال ، فإذا كنت من أخيك على أحد الثقة ، فابذل له مالك وبدنك ، وصاف من صافاه ، وعاد من عاداه ، واكتم سره وعيبه ، واظهر منه الحسن ، واعلم ـ أيها السائل ـ انهم أقل من الكبريت الأحمر.

وأما إخوان المكاشرة ، فأنك تصيب منهم لذتك ، فلا تقطعن ذلك منهم ، ولاتطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم ، وابذللهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان » (٤).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « اذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك ، فدونك دونك ، فقد قصدت قصدك » (٥).

وعن عمرو بن أبي المقدام ، عن ابيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : شيعتنا المتباذلون في ولايتنا ، المتحابون (٦) في مودتنا ، المتزاورون في أحياء أمرنا ، إن غضبوا لم يظلموا ، وإن رضوا لم يسرفوا بركة على من جاوروا وسلم لمن خالطوا » (٧).

وعن عيسى بن النهريري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عرف الله وعظمته ، منع فاه من الكلام ، وبطنه من الطعام ، وعزّ (٨) نفسه بالصيام والقيام. فقالوا : بآبائنا وامهاتنا أنت يارسول الله [ هؤلاء أولياء الله؟ ] (٩) فقال :

__________________

١ ـ في الاصل : الصبر ، وما أثبتناه من الكافي.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٨٩ / ٣٩.

٣ ـ أخوان المكاشرة : من كاشره : إذا تبسم في وجهه وانبسط معه « مجمع البحرين ـ كشر ـ ٣ : ٤٧٤ ».

٤ ـ الخصال : ٤٩ / ٥٦.

٥ ـ الخصال : ٨١ / ٦.

٦ ـ في الأصل : المتحاوبون ، وما أثبتناه من الكافي.

٧ ـ الكافي ٢ : ١٨٥ / ٢٤.

٨ ـ في المصدر : وعفى ، ولعل الصواب : وعنٌي.

٩ ـ أثبتناه من الكافي.

١١٢

إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً ، ونظروا فكان نظرهم عبرة ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة ، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة ، لولا الاجال التي كتبت لهم ، لمتقرَّ أرواحهم في أجسادهم ، خوفاً من العذاب ، وشوقا إلى الثواب » (١).

وعنه يرفعه قال : خطب الحسن بن علي عليهما‌السلام فقال : « أيها الناس ، أنا اُخبركم عن أخ كان لي ، وكان من أعظم الناس في عيني ، وكان رأس ما عظم به في عيني ، صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجاً عن سلطان الجهالة ، فلا يمد يده إلاّ على ثقة ، وكان لايَتَشَهّى ولا يَسخط ولا يَتَبَرَّمُ وكان أكثر دهره صامتاً ، فإذا قال بذّ القائلين ونقع غليل السائلين ، وكان لايدخل في مراء ، ولا يشارك في دعوى ، ولا يدلي بحجة حتى يأتي قاضياً ، وكان لايغفل عن إخوانه ، ولايخص نفسه بشيء دونهم ، وكان ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جاء الجد كان ليثاً عادياً ، وكان لايلوم أحداً فيما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذاره ، وكان يقول ما يفعل ، ولا يقول مالا يفعل ، وكان إذا اعتراه أمران ، نظر أيّهما كان أقرب إلى الهوى فخالفه ، وكان لايشكو وجعاً إلا عند من يرجو عنده البرء ، وكان لايستشير إلاّ عند من يرجو عنده النصيحة ، وكان لايتبرم ولا يتسخط ، ولايتشكى ، ولا يتشهى ، ولا ينتقم ، ولا يغفل عن العدو. فعليكم بهذه الخلائق الكريمة إن اطقتموها ، وإن لم تطيقوها كلها ، فأخذ القليل خيرمن ترك الكثير ، ولاحول ولاقوة إلاّ بالله » (٢).

وعن مهزم الاسدي قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : « شيعتنا من لايعدو صوته سمعه ، ولا شحناؤه بدنه ، ولا يتمدح بنا معلناً ولا يجالس لنا عائباَ ، ولا يخاصم لنا قالياً ، إن لقي مؤمناً أكرمه ، وإن لقي جاهلاً هجره ».

فقلت : جعلت فداك ، فكيف أصنع بهؤلاء المشبهة؟

قال : « فيهم (٣) التمييز ، وفيهم (٤) التبديل ، وفيهم التمحيص ، تأتي عليهم سنون تفنيهم ، وطاعون يقتلهم ، واختلاف يبددهم ، شيعتنا [ من ] (٥) لايهر هرير الكلاب ، ولايطمع طمع الغراب ، ولايسأل عدونا وان مات جوعا ».

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٨٦ / ٢٥.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٨٦ / ٢٦ ، وفيه : وعنه ، عن بعض أصحابه العراقيين ، رفعه قال : ...

٣ ، ٤ ـ في الأصل : منهم ، وما أثبتناه من الكافي.

٥ ـ أثبتناه من الكافي.

١١٣

قلت : [ جعلت ] (١) فداك ، فأين أطلب هؤلاء؟

قال : « في أطراف الأرض ، اُولئك الخفيض عيشهم ، المنتّقلة ديارهم ، إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، ومن الموت لايجزعون ، وفي قبورهم يتزاورون ، وإن لجأ إليهم ذو حاجة رحموه ، لن (٢) تختلف قلوبهم وإن اختلفت بهم الدار ».

ثم قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المدينة وعلي الباب ، وكذبمن زعم أنه يدخل المدينة إلاّ من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض علياً » (٣).

وعن سماعة بن مهران قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : « قال (٤) رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، كان ممن حرمت غيبته ، وكملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت اُخوته » (٥).

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث خصال من كن فيه استكمل الإيمان : الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، واذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له » (٦).

وبإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن خياركم اولو النهى ، قيل : يا رسول الله ، ومن اولو النهى؟ قال : هم اُولو الأخلاق الحسنة ، والأحلام الرزينة ، وصلة الأرحام ، والبررة بالآباء والاُمهات ، والمتعاهدون الفقراء والجيران واليتامى ، ويطعمون الطعام ، ويفشون السلام في العالم ، ويصلّون والناس نيام غافلون » (٧).

__________________

١ ـ أثبتناه من الكافي.

٢ ـ في الأصل : ان ، وما أثبتناه من الكافي.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٨٦ / ٢٧.

٤ ـ في الأصل زيادة : قال.

٥ ـ الكافي ٢ : ١٨٧ / ٢٨.

٦ ـ الكافي ٢ : ١٨٧ / ٢٩ ، وفيه : عن أبي حمزة الثمالي ، عن عبدالله بن الحسن ، عن اُمه فاطمة بنتالحسين بن علي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٧ ـ الكافي ٢ : ١٨٨ / ٣٢ ، وفيه : عن اسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن سليمان بن

١١٤

وعن أبي حمزة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « من زار أخاه لله ـ لالشيء غيره ـ بل التماس موعد الله ، وتنجزما عنده ، وكل الله به سبعين الف ملكاً ينادونه : ألا طبت ، وطابت لك الجنة » (١).

وعن محمد بن قيس ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إن لله جنة لايدخلها إلاّ ثلاثة : رجل حكم على نفسه بالحق ، ورجل زار أخاه في الله ، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله » (٢).

وعن كتاب المجالس للبرقي ، عن عبداللهّ بن يونس ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « قام رجل إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام ـ وهو يخطب ـ فقال : يا أميرالمؤمنين ، صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه ، فقال عليه‌السلام : المؤمن هو الكيس الفطن ، بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أوسع شيء صدراً ، وأذل شيءلقاء ، زاجر نفسه عن كل باب ، خائض الغمرات على كل خير ، لاحقود ، ولا حسود ، ولا وثّاب ، ولاسبّاب ، ولاعيّاب ، ولا مغتاب ، يكره الرفعة ، ويشنأ السمعة ، طويل الغم ، بعيد الهم ، كثير الصمت ، ذكور ، وقور ، صبور ، شكور ، مغموم بذكره ، مسرور بفقره ، سهل الخليقة ، لين العريكة ، رصين الوفاء ، قليل الأذى ، لامتأفِّك ولامتهتك ، إنضحك لم يُخْتَرق ، وان غضب لم ينزق ، ضحكه تبسماً ، واستفهامه تعلّماً ، ومراجعته تفهماً ، كثير علمه ، عظيم حلمه ، كثير الرحمة ، لايبخل ، ولايعجل ، ولا يضجر ، ولايبطر ، ولايحيف في حكمه ، ولايجور في علمه ، نفسه أصلب من الصلد ، ومكادحته أحلى من الشهد ، لاجشع ، ولا هلع ، ولا عنت ، ولاصلف ، ولا متكلف ، ولا متعمق ، جميل المسارعة ، كريم المراجعة ، عدل إن غضب ، رفيق إن طلب ، لامتهور ، ولامتهتك ، ولامتجبر ، خالص الود ، وثيق العهد ، وفيّ العقد ، شفيق وصول ، حليم خمول ، قليل الفضول ، راض عن الله عزوجل ، مخالف لهواه لايغلظ على من يؤذيه ، ولا يخوض في ما لايعنيه ، ناصر للدين ، محام عن المؤمنين ، وكنف للمسلمين ، لايخرق الثناء سمعه (٣) ،

__________________

عمر والنخعي ، قال : وحدثني الحسين بن سيف ، عن أخيه علي ، عن سليمان ، عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

١ ـ الكافي ٢ : ١٤٠ / ١.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٤٢ / ١١ ، وفيه : عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٣ ـ في الأصل : سمطه ، وما أثبتناه من الكافي.

١١٥

ولاينكأ الطمع قلبه ، ولا يصرف اللعب حكمه ، ولا يطلع الجاهل علمه ، قَؤول عمّال ، عالم حازم ، لافحاش ولاطياش ، وصول في غيرعنف ، بذول في غير سرف ، لاحكّار ولاغدّار ، ولا يقتفي أثراً ، ولا يحيف بشراً ، رفيق بالخلق ، ساع في الارض ، عون للضعيف ، غوث للملهوف ، لايهتك ستراً ولا يكشف سراً ، كثير البلوى ، قليل الشكوى.

إن رأى خيراً ذكره ، وإن عاين شراً ستره ، يستر العيب ، ويحفظ الغيب ، ويقيل العثرة ، ويغفر الزلة لايطلع على نصح فيذر ، ولا على فحش فيتهم ، أمين رصين ، تقيّ نقيّ زكيّ ، وفيّ رضيّ ، يقبل العذر ، ويجمل الذكر ، ويحسن بالناس الظن ، ويتهم على الغيب نفسه.

يجب في الله بفقه وعلم ، ويقطع في الله بحزم وعزم ، لايخرق به فرح ، ولايطيشبه مرح ، مذكّر العالم ، معلّم الجاهل ، لايتوقع له بائقة ، ولايخاف منه غائلة ، كل سعي أخلص عنده من سعيه ، وكل نفس أصلح عنده من نفسه ، عالم بعيبه ، متشاغل بغمّه ، لايثق بغير ربه ، غريب وحيد فريد ، يحب في الله ، ويجاهد في الله ، ليتبع رضاه ، ولاينتقم لنفسه بنفسه ، ولا يؤاتي في سخط ربه.

مجالس لأهل الفقر ، مصادق لأهل الصدق ، مؤازر لأهل الحق ، عون للغريب ، أب لليتيم ، بعل للأرملة ، حفيّ بأهل المسكنة ، مرجو لكل كريمة ، مأمول لكل شدة ، هشاش بشاش ، ليس بعبّاس ولا بجسّاس ، صليب كظّام بسام ، دقيق النظر ، عظيم الحذر ، لايبخل وإن بُخل عليه صبر ، عقل فاستحيى وقنع فاستغنى ، حياؤه يعلو شهوته ، ووده يعلو حسده ، وعفوه يعلوحقده ، لاينطق بغيرصواب.

لبسه الاقتصاد ، ومشيه التواضع خاشع لربه بطاعته ، راض عنه في كل حالاته ، نيته خالصة ، أعماله ليس فيها غش ولا خديعة ، نظره عبرة ، وسكوته فكرة ، وكلامه حكمة ، مناصحاً متباذلاً متآخياً ناصراً في السر والعلانية ، لايهجر أخاه ، ولايمكر به ، ولا يغتابه ، ولا يأسف على مافاته ، ولا يحزن على ما أصابه ، ولايرجو ما لا يجوز له الرجا ، ولا يفشل عند اللقاء للعدو ، ولايقنط عند البلاء ، ولايبطر في الرخاء ، يمزج الحلم بالعلم ، والعقل بالصبر.

تراه بعيداً كسله ، دائماً نشاطه ، قريباً أمله ، قليلاً زللـه ، متوقعاً أجله ، خاشعاً قلبه ، ذاكراً ربه ، قانعة نفسه ، نزراً أكله ، منفياً نومه ، سهلاً أمره ، حزيناً لدينه ، ميتة شهوته ، كظوماً غيظه ، صافياً خلقه ، آمناً جاره ، ضعيفاً كبره ، قانعاً بالذي قدّر له ، متيناً

١١٦

صبره ، محكماً أمره ، كثيراً ذكره ، يخالط الناس ليعلم ، ويصمت ليسلم ، ويسأل ليفهم ، ويتجر ليغنم ، لاينصت للخبر فيفجر به ، ولا يتكلم الخبرعلى من سواه (١) ، نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة ، أتعب نفسه لاخرته ، وأراح الناس من نفسه ، إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو المنتصر له ، بُعده مما تباعد منه بغض ونزاهة ، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ، ليس تباعده تكبراً ولاعظمة ، ولا دنوه خديعة ولا مكرآَ ، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير ، وهو إمام لمن بعده من أهل البر » (٢).

ومن كتاب المجالس أيضا ، عن البرقي ، ويرفعه إلى أحدهم عليهم‌السلام ، قال : « مر أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه بمجلس من مجالس قريش ، فإذا هو بقوم بيض ثيابهم ، صافية ألوانهم ، كثير ضحكهم ، يشيرون إلى من مربهم بأصابعهم. ثم مرّ بمسجد الأوس والخزرج ، فإذا أقوام قد بليت منهم الأبدان ، ورقّت منهم الرقاب ، واصفرّت منهم الألوان ، وقد تواضعوا بالكلام. فتعجب أمير المؤمنين عليه‌السلام منهم ، ثم دخل على رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : بأبي أنت واُمي ، اني مررت بمجلس لآل فلان ، ثم وصفهم ، ومررت بمجلس للأوس والخزرج ، فوصفهم ، ثم قال : وجميع مؤمنون!فأخبرني ـ يا رسول الله ـ بصفة المؤمن؟

فنكس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه ، ثم رفعه فقال : عشرون خصلة في المؤمن ، فإن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه ، إن من اخلاق المؤمنين ـ يا علي ـ الحاضرون الصلاة ، والمسارعون إلى الزكاة ، [ والحاجون لبيت الله الحرام ، والصائمون في شهررمضان ] (٣) والمطعمون المسكين ، والماسحون رأس اليتيم ، المطهرون أظفارهم (٤) ، المتّزرون على أوساطهم ، الذين إن حدّثوا لم يكذبوا ، وإن وعدوا لم يخلفوا ، وإذا ائتمنوالم يخونوا ، وإن تكلموا صدقوا ، رهبان الليل ، واُسود النهار ، وصائمون النهار ، وقائمون الليل ، لايؤذون جاراً ، ولا يتأذّى بهم جار ، الذين مشيهم على الأرض هوناً ، وخطاهم إلى بيوت الأرامل ، وعلى أثر الجنائز ، جعلنا الله وإياكم من المتقين » (٥)

__________________

١ ـ كذا في الأصل ، وفي الكافي : ولايتكلم ليتجبّربه على من سواه.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٧٩ / ١ ، باختلاف يسير.

٣ ـ أثبتناه من أمالي الصدوق.

٤ ـ في الكافي : أطمارهم.

٥ ـ رواه الكليني في الكافي ٢ : ١٨٢ / ٥ ، بسنده عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا

١١٧

ومن كتاب الفرائد والعوائد : عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « من اداب المؤمن حفظ الأمانة ، والمناصحة ، والتفكر ، والتقية ، والبر ، وحسن الخلق ، وحسن الظن ، والصبر ، والحجاء ، والسخاء ، والعفة ، والرحمة ، والمغفرة ، والرضا ، وصلة الرحم ، والصمت ، والستر ، والعفة ، والرحمة ، والمغفرة ، والمواسا ة ، والتكريم ، والتسليم ، وطلبالعلم ، والقناعة ، والصدق ، والوفاء ، وترك الاعتلام (١) ، وترك الاحتشمام ، والرحم ، والنصفة ، والتواضع ، والمشاورة ، والاستقالة ، والشكر ، والحياء ، والوقار ».

ثم ذكر عليه‌السلام الخصال التي يجب على المؤمن تجنّبها ، فقال : « البغي ، والبخل ، والدناءة ، والخيانة ، والغش ، والحقد ، والظلم ، والشره ، والخرق ، والعجب ، والكبر ، والحسد ، والغدر الفاشي ، والكذب ، والغيبة ، والنميمة ، والمكايدة ، وسوء الظن ، ويمين البوار ، والنفاق ، والمنّه ، وجحود الإحسان ، والعجز ، والحرص ، واللعب ، والإصرار ، والقطيعه ، والمزاح ، والسفه ، والفحش ، والغفلة عن الواجب ، وإذاعة السر ».

وعن ابن مسكان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « إن الله خص رسله بمكارم الأخلاق ، وطبعهم عليها ، فامتحنوا أنفسكم ، فإن كانت فيكم ، فاحمدوا الله عز وجل ، واعلموا أن ذلك من خير ، وإن لم تكن فيكم ، فاسألوا الله تعالى التوفيق لها ، واجتهدوا ».

وقال عليه‌السلام : « مكارم الأخلاق عشرة : اليقين ، والقناعة ، والصبر ، والشكر ، والحلم ، وحسن الخلق ، والسخاء والمروءة ، والغيرة ، والشجاعة » (٢).

ثم قال عليه‌السلام : « هذه العشرة خصال من صفات المؤمنين ، فمن كانت فيه ، فليعلم ذلك من خير أراده الله تعالى به ».

وزاد عليها فقال : « والبر ، والصدق ، واداء الأمانة ، والحياء ».

وروى ابن بكير (٣) عنه عليه‌السلام أنه قال : « انا لنحب من كان عاقلاً ، فهماً ، فقيهاً ، عليماً ، مدارياً ، صبوراً ، صدوقاً ، وفياً ، إن الله تعالى خص الأنبياء عليهم

__________________

رفعه عن أحدهما عليهما‌السلام ، والكراجكي في كنز الفوائد : ٢٩ عن المحاسن للبرقي ، ورواه باختصار الصدوقفي أماليه : ٤٣٩ / ١٦.

١ ـ كذا ، ولعل الصواب : الإغتلام.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٦ / ٢ ، والخصال : ٤٣١ / ١٢ ، ومشكاة الأنوار : ٢٣٨ ، باختلاف يسير.

٣ ـ في الاصل : أبوبكير ، وما أثبتناه هو الصواب ، وهو عبد الله بن بكير بن أعين بن سنسن ، منأصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، أنظر « رجال الشيخ ٢٢٩ / ٥٨ وفهرسته : ١٠٦ / ٤٥٢ ، وتنقيح المقال ٣ : ٤٢ فصل الكنى ».

١١٨

السلام بمكارم الأخلاق ، فمن كان فيه شيء من مكارم الأخلاق فليحمد الله تعالى ، ومن لم يكن فيه فليتضرع الى الله عز وجل وليسأله إياها ».

قال : وذكر هذه الخصال وزادها. وصدق الحديث (١).

وعن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا اخبركم بأشبهكم بي خلقاً؟ فقيل : بلى ، يا رسول الله ، فقال : أعظمكم حلماً ، وأكثركم علماً ، وأبركم بقرابته ، وأشدكم حباً لاخوانه في دينه ، وأصبركم على الرضا والغضب ».

وروي عنه عليه‌السلام أنه قال : « إن الله تعالى ارتضى لكم الإسلام ، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق » (٢).

وعن المفضل بن عمر ، عن الكاظم عليه‌السلام قال : « لم ينزل من السماء أعز ولا أقل من ثلاثة أشياء : التسليم ، والبر ، واليقين » (٣).

وروي عنه عليه‌السلام ، أنه قال : « ألا اُخبركم بمكارم الأخلاق؟ قالوا : بلى ، يابن رسول الله ، فقال : الصفح عن الناس ، ومواساة الأخ المؤمن في الله تعالى ، من المال ـ قل أو كثر ـ وذكر الله تعالى كثيراً ».

وقيل له عليه‌السلام : من أكرم الخلق على الله تعالى؟ فقال : « من إذا اُعطي شكر ، واذا ابتلي صبر ، وإذا اُسيء إليه غفر ».

وعن يحيى بن اُم الطويل ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : « طوبى لمن طاب خلقه ، وطهرت سجيته ، وحسنت علانيته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، وأنصف الناس من نفسه ».

وروي عنه عليه‌السلام أنه قال : « لاتعب أخاك المؤمن بعيب هو فيك حتى تصلحه من نفسك ، فإذا أصلحته بدا لك عيب غيره ، وكفا بالمرء شغلاً بنفسه ».

وقال عليه‌السلام : « أنفق ولا تخف فقراً ، وأنصف الناس ».

وعن محمد بن أبي زينب ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « الدعاء عند الكرب ، والاستغفار عند الذنب ، والشكر عند النعمة ، من أخلاق المؤمنين ».

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٤٦ / ٣ ، ومشكاة الأنوار : ٢٣٨.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٦ / ٤ ، روضة الواعظين : ٣٨٤ ، مشكاة الأنوار : ٢٢١.

٣ ـ مشكا ة الانوار : ٢٧ ، وفيه : عن كتاب المحاسن عن أبي عبداللهّ عليه‌السلام.

١١٩

وقال عليه‌السلام : « البر وحسن الخلق ، يعمران الديار ، ويزيدان في الأعمار. وصنائع المعروف وحسن البشر ، يكسبان المحبة ، ويدخلان الجنة. والبخل وعبوس الوجه ، يبعدان من الله تعالى ذكره ، ويدخلان النار ».

وعنه عليه‌السلام قال : « وجدت في ذؤابة ذي الفقار صحيفة ، فيها : صل منقطعك ، واعط من حرمك ، وقل الحق ولو على نفسك ».

وعن الكاظم عليه‌السلام ، أنه قال : « لاعز إلاّ لمن تذلل لله ، ولا رفعة إلاّ لمن تواضع لله ، ولا أمن إلاّ لمن خاف الله ، ولا ربح إلاّ لمن باع اللهّ نفسه ».

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « ثلاثة لايطيقهن الناس : الصفح عن الناس ، ومواساة الرجل أخاه المؤمن ، وذكر الله تعالى كثيراً » (١).

وقال عليه‌السلام : « ما ابتلي الناس بشيء أشد من إخراج الدرهم ، لا الصلاة ولا الصيام ولا الحج ، فإن الله تعالى يقول : (ولايسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا) (٢) ثم قال : (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء) (٣) ».

وقال عليه‌السلام (٤) : « إن أحب الخلائق إلى الله تعالى شاب حدث السن ، في صورة حسنة ، جعل شبابه وجماله في طاعة اللهّ تعالى ، ذاك الذي يباهي اللهّ تعالى به ملائكته فيقول : هذا عبدي حقاً ».

وعنه عليه‌السلام ، أنه قال : « شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعزه كفه عن أعراض الناس ، واستغناؤه عما في أيديهم ».

وعنه عليه‌السلام قال : « من أخرجه الله تعالى من ذل المعصية إلى عز الطاعة ، أغناه الله بلا مال ، وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا أنيس. ومن خاف الله تعالى ، أخاف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف اللهّ ، خَوَّفه الله من كل شيء. ومن رضي من الله تعالى باليسير من المعاش ، رضي الله منه باليسيرمن العمل ، ومن لم يستحي من طلب الحلال وقنع به ، خفّت مؤنته ، ونعم أهله. ومن زهد في الدنيا ، أثبت الله الحكمة في

__________________

١ ـ الزهد : ١٧ / ٣٨ ، مشكاة الأنوار : ٥٧.

٢ ـ محمد ٤٧ : ٣٦ ، ٣٧.

٣ ـ محمد ٤٧ : ٣٨.

٤ ـ في الاصل زيادة : قال.

١٢٠