الإعجاز الطبي في القرآن الكريم

سعيد صلاح الفيومي

الإعجاز الطبي في القرآن الكريم

المؤلف:

سعيد صلاح الفيومي


الموضوع : الطّب
الناشر: مكتبة القدسي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨

وهكذا إذا تسلسلنا خلقا على هذا النحو فسوف تصل إلى :

١ ـ إن رحم حواء قد سكنه على فترات كل أولادها من آدم ذكورا كانوا أم إناثا.

٢ ـ إن إناث الجيل الأول اللاتى تزوجن بإخوانهن قد سكن أرحامهن كل إناث وذكور الجيل الثانى.

٣ ـ وإذا تسلسلنا على النحو السابق لوجدنا أن كل أم لاحقة قد سكن رحمها ذكور وإناث من أبنائها وبناتها.

لكن هذه الأم بدورها كانت أختا لذكور وإناث سكنوا رحم أم سابقة وهكذا.

أى أن الناس جميعا تربطهم وحدة التكوين كما تربطهم وشائج الدم (القرابة).

يقول تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات : ١٣].

والجزء الثالث من الآية ٥٤ من سورة الفرقان قوله تعالى : (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [الفرقان : ٥٤]. لا يستطيع أحد أن يحصى آثار قدرة الله التى تتجلى فى كل شيئ خلقه.

ولكن الآية الكريمة تعالج خلق البشر من ماء التناسل (المنى) على النحو البديع المعجز.

شاء الله وقدر أن يخلق الحيوان المنوى كما تصنعه الخصية فى صورة تخالف صور أى خلية أخرى فى جسم الإنسان فجعله متحركا يتكون من رأس وذنب ومعدا بشكل خاص يؤهله لأداء وظيفته على الوجه الأكمل فكان خفيف الوزن أعداده كثيرة إذا ما قورنت بأعداد بويضات الأنثى (النسبة ٢٥٠٠٠٠ : ١).

وهذا ما يجعل فرص التلاقى والإخصاب كبيرة فالمعروف أن المشيج المذكر هو الذى ينتقل إلى حيث توجد البويضة فى جهاز المرأة التناسلى.

٢١

وعندها يحدث الإخصاب ويبدأ نمو الجنين فى رحم الأم.

يقول الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : ٦].

تشير الآية الكريمة إلى وجه من الوجوه المعجزة لقدرة البارى المصور وهو تحول البويضة المخصبة وهى خلية واحدة ضئيلة الحجم إلى إنسان سوى بكل ما يحويه جسمه من أجهزة وأعضاء وأنسجة بملايين الخلايا وآيات فى البنيان والوظيفة.

وتنوه هذه الآية الكريمة عن المشيئة الإلهية المطلقة فى تصوير الجنين إذ أن الله يودع فى البويضة الدقيقة الحجم جميع المورثات (الجينات) التى تحدد جنس المولود ونصيبه من الخصائص الجسمانية بل ومواهبه العقلية والنفسية والسمات الرئيسية فى تكوين الشخصية الوارثة وإن كانت تسير على قوانين ثابتة إلا أن هذا التحديد لكل فرد بذاته من التقاء بويضة بعينيها وحيوان منوى بعينه من بين ملايين الحيوانات المنوية هو من دلائل المشيئة المطلقة حتى أنه لا يتماثل فردان فى العالم تماثلا تاما اللهم إلا فى توائم البويضة الواحدة تكاد تتطابق.

ويقول الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١].

وقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)

[الأنفال : ٧٥]

ويقول تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) [محمد : ٢٢ ـ ٢٣].

ويقول الله تعالى فى سورة لقمان : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان : ٣٤].

وقف البعض عند (ويعلم ما فى الأرحام) وقالوا أن العلم الآن قد وصل إلى معرفة جنس الجنين باستخدام السونار هل المولود ذكر أم أنثى.

٢٢

إن الآية الكريمة لا تقول يعلم من فى الأرحام ولكن ما فى الأرحام. تعنى أن الله سبحانه وتعالى يعلم كل ما يمس هذا الجنين من لحظة ميلاده إلى ساعة وفاته.

يعلم أن هذا الكائن ذكر أم أنثى. طويلا أم قصيرا. ذكيا أم غبيا. حليما أم غضوبا ... إلخ يعلم كل تفصيلة من تفصيلات حياته.

الرضاع

يقول الله تعالى فى سورة البقرة : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

[البقرة : ٢٣٣]

النص القرآنى يعتبر وجوب الإرضاع على الأم صيانة لها لأن الإرضاع هو المطعم الطبيعى للمولود إذ أن لبن الأم يلائم حياة الطفل كل الملائمة فيزداد حجما بزيادة حجم المولود وتتنوع محتوياته حسب حاجاته.

والرضاعة تفيد الأم ولا تضرها إذ أن الرضاعة تعمل على تحسين الحالة الصحية للمرضع بتنشيط الجهاز الهضمى وحمله على العمل للحصول على المواد الغذائية اللازمة للمولود وذلك فوق ما تعيده الرضاعة للجهاز التناسلى إلى وضعه الطبيعى بعد عملية الولادة. ويجوز أن يفطم الصغير لأقل من عامين من والدته إذا كانت صحته تعاونه على ذلك أما إذا كانت صحته لا تعاونه ولا يستسيغ الطعام الخارجى فإنه يستمر حولين كاملين.

وبعدها يمكن أن يستغنى الطفل استغناء تاما عن لبن الأم.

هذا والصحة النفسية للطفل المعتمد على الرضاعة الطبيعية أفضل كثيرا من الطفل المعتمد على الرضاعة الصناعية.

كما أن صحة الطفل المعتمد على الرضاعة الطبيعية فى قابل حياته أفضل كثيرا

٢٣

من المعتمد على الرضاعة الصناعية. وكذلك مقاومته للأمراض تفضل كثيرا الذى يرضع بألبان صناعية.

لقد عاد الأطباء يؤكدون ويوصون بالرضاعة الطبيعية.

صدق الله العظيم بقوله : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) [البقرة : ٢٣٣].

الشيخوخة

قال الله تعالى فى سورة يس : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) [يس : ٦٨].

ومن نطل عمره نرده من القوة إلى الضعف. أى ومن يطيل الله عمره يرده إلى عكس ما كان عليه من القوة فيصبح ضعيفا.

وذلك أن حياة الإنسان تأخذ ثلاث مراحل نمو ونضج وضمور.

فالنسيج الحشوى فى الكلى والكبد والغدة الدرقية والبنكرياس يضمر وهذا له أثره فى إضعاف الجسم كله وتبدأ كذلك الشرايين فى التصلب والضمور وبذلك يقل الدم الذاهب إلى جميع أعضاء الجسم فيزيده ضعفا على ضعف.

ومن أسباب الشيخوخة زيادة قوى الهدم على قوى البناء فى الجسم وذلك لأن خلايا الجسم كله فى تغيير مستمر وكذلك خلايا الدم ما عدا خلايا المخ والنخاع فإنها لا تتغير مدى الحياة فالهالك منها لا يعوض مطلقا.

فإذا كانت نسبة تجدد الخلايا كنسبة هلاكها لا تظهر الأعراض.

أما إذا زادت نسبة هلاك الخلايا على تجددها فى أى عضو ظهر ضمور هذا العضو وعلى ذلك فكلما تقدم السن تضاءلت نسبة التجدد وزادت نسبة الانحلال الخلوى وظهر الضمور العام.

٢٤

وتختلف نسبة التجدد والضمور باختلاف نوع الأنسجة فالظاهر منها كالبشرة الكاسية للجسم والأغشية المبطنة للقنوات الهضمية وقنوات الغدد تضمر بنسبة أكبر كلما تقدمت السن بالإنسان وهذا هو السبب المباشر لأعراض الشيوخة.

الطلاق

يقول سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) [الطلاق : ١].

ويقول تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤].

وفى سورة البقرة : (الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ٢٢٨].

القرء هو الحيض أو الطهر بين حيضين.

والسؤال الآن هو لما ذا التحديد بثلاثة قروء أى ثلاثة أشهر؟

المعروف أن الحيض يحل بالمرأة الخصيبة مرة كل شهر تقريبا فى الأحوال الطبيعية.

وقد ثبت طبيا بالأبحاث أن المرأة قد تحمل ولكن الجنين وهو فى بداية حياته لا يستهلك كل الدم الوارد إلى الرحم فينزل بعضه فى ميعاد الحيض مرة أو مرتين على الأكثر ولكنه لا ينزل أبدا للمرة الثالثة عند استقرار الحمل.

لم تكن هذه الحقيقة معروفة وقت نزول القرآن الكريم.

ومن ثم يكون انتظار المطلقة لثلاثة قروء كافيا ومؤكدا لاستبراء رحمها من الحمل ولا يحل لها أن تتزوج قبل استكمال عدتها حتى لا يختلط النسب إذا لم تراع هذه الحقيقة مراعاة تامة.

٢٥

وكذلك فكما حرم الله التبنى حفاظا على النسب الحقيقى فقد أمر الله أن تعتد المطلقات حتى تبرأ أرحامهن من الحمل قبل أن يقدمن على الزواج من جديد وحتى لا تختلط الأنساب بين زوج سابق وزوج لاحق.

سر الحياة

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣)) [الحج : ٧٣]

يتحدى الله سبحانه وتعالى البشرية كلها بالعلم الذى سيحققونه أنهم لن يصلوا إلى خلق ذبابة أو أى كائن حى آخر مهما ضؤل ولا استرجاع ما يأخذه الذباب من طعامهم أو شرابهم.

وهذا التحدى فى خلق أضعف المخلوقات وهى الذبابة يريد الله أن يؤكد به أن البشرية قد تصل إلى القمر وإلى المريخ ولكنها لا تستطيع أن تصل إلى سر خلق الحياة أو المادة الحية فهى ستظل عاجزة على مر السنين عن ذلك.

فالعلماء قد توصلوا إلى تركيب المادة الحية بكل نسب المواد والعناصر الداخلة فى تركيبها ولكنهم لم يستطيعوا أن يعطوها سر الحياة.

٢٦

القرآن والتربية الجنسية

منذ أربعة عشر قرنا تقريبا لم تكن هناك معلومات تشريحية وفسيولوجية تسمح بالحديث عن التناسل الإنسانى.

ولذلك كان لا بد من استخدام لغة بسيطة لفهم ما يقال.

ونجد فى القرآن الكريم حشدا من التفاصيل عن الحياة العملية.

وفيما يختص بالسلوك الذى يتبعه الناس فى العديد من ظروف حياتهم ، ولم يستبعد القرآن الحياة الجنسية.

هناك آيتان قرآنيتان تخصان العلاقة الجنسية ، ويذكر القرآن ذلك بألفاظ تراعى الدقة والاحتشام اللازم.

قال الله تعالى فى سورة الطارق :

(خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧))

يشير النص القرآنى إلى منطقة الرجل الجنسية بكلمة صلب والترائب هى عظام الصدر.

أى أن خلق الإنسان من سائل (المنى) يخرج من بين العمود الفقرى وعظام الصدر.

وتشير آيات قرآنية إلى سلوك الرجال فى علاقتهم الأثيرة مع نسائهم فى ظروف متنوعة.

فأولا : هناك التوجيه بالسلوك اللازم فى مدة الحيض ، وتشير إلى ذلك الآيتان (٢٢٢ ، ٢٢٣) من سورة البقرة.

قال الله تعالى :

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا

٢٧

تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)) [البقرة].

ولهذه الآية معنى واضح تماما فتحريم إقامة علاقات جنسية مع امرأة حائض أمر قاطع لأن المحيض أذى على المرأة وعلى الرجل ، لذلك يجب الامتناع عن إتيان النساء مدة الحيض حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فيجب إتيانهن فى المكان الطبيعى وهو القبل وتحريم إتيانهن فى الدبر.

فالله يحب من عباده التوابين ، ويحب الطهارة من الأقذار والفحش.

وقال تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣)) [البقرة].

هذه الآية تؤكد بشكل غير مباشر على أهمية أن يكون واضحا لدى الإنسان أن الهدف النهائى للعلاقة الجنسية هو الإنجاب.

فالزوجات هن موضع النسل ، ويباح إتيان النساء على أى طريقة إذا كان ذلك فى موضع النسل.

والتوجيهات المعطاة فى هذه الآيات ذات طابع عام.

ولا يحتوى القرآن هنا ولا فى أى موضع آخر على أى إشارة إلى منع الحمل ، ولا عن الإجهاض.

فالإنسان يتشكل ابتداء من مرحلة يميزها وجود العلقة ، وإذن ففي هذه الظروف يفرض الاحترام للشخص الإنسانى ، هذا الاحترام الذى يؤكده القرآن كثيرا إدانة الإجهاض جذريا.

وهذا الموقف هو موقف كل أديان التوحيد.

والعلاقات الجنسية مسموح بها فى الليل فقط طيلة فترة الإفطار من شهر رمضان ، والآية الخاصة بشهر رمضان هى :

٢٨

قال الله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧))

[البقرة]

وعلى العكس من ذلك فليس هناك استثناء للحجاج فى أثناء أيام الحج الرسمية. قال تعالى فى سورة البقرة :

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)) [البقرة].

التحريم إذن قاطع كتحريم الصيد والخصام وغير ذلك فى نفس هذه الفترة

الاستنساخ

الاستنساخ هو نوع من التكاثر اللاجنسى.

والاستنساخ ما هو إلا نوع من التوأمة الاصطناعية ، وهى توأمة جسدية حيث أن مصدر المورثات هو نواة ثنائية المجموعة الصبغية من خلية جسدية فى حيوان بالغ.

وحديثا ثبت نجاح التكاثر اللاجنسى فى الثدييات خلال تقنية الاستنساخ الحسدى ، ففي عام ١٩٩٦ تمت ولادة أول حيوان ثديى وهو النعجة «دولى» حيث ثم نزع النواة أحادية المجموعة الصبغية من بويضة ناضجة من نعجة ووضع مكانها نواة ثنائية المجموعة الصبغية من خلية جسدية ، وذلك بعد معالجة هذه الخلية فى المعمل بطرق خاصة من نعجة أخرى ، وأعقب ذلك الحث الكهربى لتلك الخلية

٢٩

لتنقسم ثم نقلها إلى رحم نعجة ثالثة لتحمل وتلد النعجة دولى ، والتى هى نسخة مطابقة فى التركيب الوراثى للنعجة الثانية صاحبة النواة.

قبل هذا الانجاز العلمى كانت جميع المراجع العلمية تؤكد استحالة استنساخ حيوان بالغ.

أثار نجاح تقنية الاستنساخ وإمكانية تطبيقها على البشر ، وكذلك التقدم المطرد فى علم الهندسة الوراثية وتطبيقاتها الكثير من القضايا الهامة والخطيرة.

ولكن هذه التقنيات من الممكن تسخيرها لخدمة ورفاهية الإنسان فعلى سبيل المثال فتح المجال لاستنساخ عضو حيوى سليم ليتم إعادة زرعه فى جسد المريض مما يعتبر ثورة فى زرع الأعضاء حيث أنه سيتفادى الكثير من المشاكل الطبية والأخلاقية فى هذا المجال.

كما أنه قد يؤدى إلى العبث العلمى ومنها محاولة تغيير التركيب الوراثى دون وجود مبرر طبى.

قال الله تعالى فى سورة النساء :

(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩)) [النساء]

صدق الله العظيم

٣٠

وللمسرفين أمراضهم

(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف : ٣١].

إن الله سبحانه وتعالى يعلمنا أن نأكل ونشرب ما لذ وطاب من أنواع المآكل والمشارب من غير إسراف.

والإسراف فى المأكل والمشرب إذا تجاوز الحدود الشرعية فهو حرام وإذا تجاوز الطاقة المالية فهو خطر وإذا تجاوز الطاقة البدنية فهو ضرر.

١ ـ الإسراف فى أكل اللحم خصوصا الأحمر ـ الكبدة ـ الكلاوى ـ الديوك الرومى ـ السردين ـ الرنجة ـ الشاى ـ القهوة ـ الشمبانيا ـ البيرة.

هذه الأغذية غنية بمادة البيورين الذى يتحول بسهولة إلى حمض البوليك وارتفاع نسبة حمض البوليك فى الدم (النسبة الطبيعية ما بين ٣ ـ ٦ مليجرام فى كل ١٠٠ سم ٣ من الدم) يسبب حدوث مرض النقرس.

فعند ارتفاع نسبة حامض البوليك فى الدم عن المعدل الطبيعى يحدث المرض حيث تترسب أملاح ذلك الحامض فى الغضاريف والمفاصل فتتلفها كما تترسب فى أربطة العضلات وفى الكلية فى بعض الأحيان.

وهذا المرض يصيب الرجل غالبا ما بين ٣٥ ، ٥٠ سنة ولكن قد يظهر قبل ذلك.

وهو أكثر شيوعا فى أولئك الذى يأكلون اللحوم بكثرة وأصحاب المآدب الحافلة بأطايب الطعام والمسرفين فى طعامهم وشرابهم أمثال الأغنياء والملوك ولذلك يطلق على النقرس مرض الملوك.

٢ ـ الإسراف فى تناول المواد البروتينية وهى التى تحتويها الأطعمة المذكورة سابقا بالإضافة إلى البيض والسمك واللبن والجبن. تؤدى إلى إرهاق الجسم فى عملية الهضم كما تساهم بما فيها من دسم فى الإصابة بضغط الدم المرتفع وتصلب الشرايين.

٣١

٣ ـ الإسراف فى تناول المواد الكربوهيدراتية (النشوية والسكرية) يؤدى إلى حدوث تخمر بالأمعاء.

وهذه المواد يتم احتراقها بالجسم لتتحول إلى سعرات حرارية بالقدر الذى يحتاجه الجسم وما زاد على ذلك فإنه يتحول إلى شحم يتراكم بالجسم ويتسبب فى زيادة وزنه. ويتحد السكر الزائد بالكالسيوم الموجود بالأنسجة فتنخفض نسبة الكالسيوم بالدم ويتم تعويض ذلك من العظام والأسنان. وبالتالى يؤدى ذلك إلى ضعف العظام وتسوس الأسنان كما أنها ليست فى مصلحة مرضى البول السكرى.

٤ ـ الإسراف فى تناول المواد الدهنية :

المواد الدهنية تشكل عبئا ثقيلا على أجهزة الجسم كلها وفى مقدمتها الجهاز الهضمى وهو المسئول عن هضمها بالإضافة إلى الجهاز الدورى (القلب والأوعية الدموية) حيث يؤدى زيادة المواد الدهنية إلى زيادة الوزن وبالتالى زيادة العبء على القلب وارتفاع نسبة الكوليسترول بالدم (وهو المادة التى تؤدى إلى تصلب الشرايين).

الغذاء المتوازن :

لكى يكون الغذاء متوازنا لا بدّ أن يحتوى على العناصر الأساسية التى يحتاجها الجسم وهى البروتينات ـ الكربوهيدرات ـ الدهون ـ الفيتامينات ـ المعادن).

وقد منح الخالق جل وعلا الجسم قدرة فائقة على التصرف الكيمائى فى محتوياته فهو يستطيع تحويل الدهون إلى سكر.

وتحويل السكر والبروتينات إلى دهون حسب حاجته ولكن لا يستطيع تحويل السكر إلى بروتين.

وحاجة الجسم من البروتين حوالى نصف جرام بروتين لكل كيلوجرام يعنى حوالى ٣٥ جراما لشخص يزن ٧٠ كيلوجرام.

ذلك مع ما يلزمه من الدهون والكربوهيدرات والفيتامينات والمعادن والماء. والفيتامينات مواد خاصة توجد بكميات متفاوتة فى الأطعمة.

٣٢

وصدق الله العظيم حين يقول : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف : ٣١].

وفى المقابل يقول تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [محمد : ١٢] صدق الله العظيم.

٣٣

الحواس فى الإنسان

الأذن

كل الحواس تنام عدا الأذن :

قال الله تعالى فى سورة الكهف : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) [الكهف : ١١] كل الحواس تنام ما عدا الأذن فالأذن تظل تؤدى وظيفتها باستمرار لا تنام ثم إنها أداة الاستدعاء.

فإذا أتينا إلى شخص نائم وقربنا الإصبع من عينه حتى تكاد تلمسها فإنه لا يستيقظ ولا يحس ولكن إذا أحدثنا صوتا عاليا بجانب أذنه فإنه يهب من نومه مذعورا.

وإذا فصلت الأذن عن الضوضاء فإن الإنسان يمكن أن ينام فترة طويلة ولكن من المستحيل أن ينام إذا تعرضت الأذن للضوضاء.

ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى حين أراد أن يجعل أهل الكهف ينامون سنينا طويلة دون أن يحسوا بما حولهم ضرب على آذانهم أى منعها من سماع الأصوات.

والأذن هى أول حاسة تعمل فى جسم الإنسان عند ولادته فالطفل الحديث الولادة تمضى عليه أيام كثيرة قبل أن يستطيع أن يستخدم حاسة البصر ولكن حاسة السمع تعمل من أول لحظة فيزعجه الصوت العالى.

قال الله تعالى فى سورة النحل : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل : ٧٨].

لقد أثبت الطب الحديث أن حاسة السمع تبدأ مبكرة فى الأسابيع القليلة الأولى أما البصر فيبدأ فى الشهر الثالث ولا يتم تركيز الإبصار إلا بعد الشهر السادس.

٣٤

أما الفؤاد وهو الإدراك والتمييز فلا يتم إلا بعد ذلك.

وهكذا فالترتيب الذى جاءت به آيات القرآن هو ترتيب ممارسة هذه الحواس.

وفى سورة الإنسان : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان : ٢].

وأيضا ذكر القرآن الكريم فى هذه الآية السمع قبل البصر.

العين

قال الله تعالى فى سورة يوسف : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤)) [يوسف : ٨٤].

حقيقة علمية طبية حديثة عن أثر الحزن العميق الذى يؤدى إلى حالة نفسية يزداد بسببها الضغط على العين فتصاب العين بضعف الإبصار شيئا فشيئا وقد يزول نهائيا وتبدو العين بيضاء كما قررت الآية وصدق الله العظيم.

وقال الله تعالى فى سورة الأحزاب : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) [الأحزاب : ١٩].

تشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقة علمية طبية لم يكن سبيها معلوما عند نزول القرآن الكريم وهى دوران مقلة العين عند اقتراب الموت وعند الخوف.

ومن أسباب ذلك أن شدة الخوف تذهب الوعى فيبطل الإدراك فتختل المراكز العصبية اللاواعية فى منطقة المخ فيصير الخائف شبيها بحالة الذى يغشى عليه من الموت إذ تدور مقلته وتتسع حدقته وتثبت على اتساعها حتى يموت.

٣٥

الجلد

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء : ٥٦].

لقد أثبت العلم حديثا أن بالجلد مستقبلات الحرارة والآلام فالأعصاب المنتشرة فى طبقات الجلد هى أكثر الأعصاب حساسية لمختلف المؤثرات من حرارة وبرودة.

وهذه الأعصاب التى تشعر بالألم وتجعل الإنسان يحس به وينتقل هذا الإحساس إلى المخ. فالله سبحانه تعالى كلما أراد أن يذيق الكفار العذاب بدل جلودهم التى احترقت وماتت فيها أعصاب الإحساس بجلود سليمة لم تحترق ليذوقوا العذاب مرات ومرات.

والأعضاء الداخلية بالجسم لا توجد بها مستقبلات الحرارة.

ولذلك فالإحساس عن طريق الجلد. صدق الله العظيم.

بصمة الإنسان

قال الله تعالى فى سورة القيامة :

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ)

[القيامة : ٣ ـ ٤]

يقول الله سبحانه وتعالى فى مقام التحدى مشيرا بأن هناك معجزة كبرى فى تسويته للبنان أكبر من جمع عظام الإنسان يوم القيامة.

وهو أمر لم يكشف سره إلا بعد نزول الآية بأكثر من ألف سنة حينما عرف أن لكل إنسان بصمة خاصة به رسمت على بنانه لا يتفق اثنان فى بصمة واحدة منذ خلق آدم وحتى التوائم وإلى أن تقوم الساعة.

٣٦

الرقبة

يقول الله تعالى فى سورة محمد :

(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) [محمد : ٤].

عينت الرقاب فى هذه الآية الكريمة لأن ضربها أنجح وسيلة للإجهاز السريع على المضروب بغير تعذيب له ولا تمثيل به.

إذ أنه من الثابت علميا أن الرقبة حلقة الاتصال بين الرأس وسائر الجسم فإذا قطع الجهاز العصبى شلت جميع وظائف الجسم الرئيسية وإذا قطعت الممرات الهوائية وقف التنفس وفى جميع هذه الحالات تنتهى الحياة سريعا.

الرقاد

يقول الله تعالى فى سورة الكهف (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) [الكهف : ١٨].

الرقاد الطويل يجب أن يتم معه تقليب الإنسان الراقد بحيث لا يرقد على جزء واحد من جسده لفترة طويلة فتصاب بأضرار بالغة يعرفها الطب جيدا هذه الأيام (قرحة الفراش) كشف عنها الله سبحانه وتعالى من علمه للناس فعرفها لهم.

النوم

يقول الله تعالى فى سورة النبأ : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) [النبأ : ٩].

النوم هو توقف نشاط الجزء المدرك الواعى من المخ ـ أى قشرته.

أو هبوط ذلك النشاط هبوطا كبيرا متفاوت الدرجات فى نشاط كافة أعضاء الجسم وأنسجته مما يترتب عليه انخفاض فى توليد طاقة الجسم وحرارته.

٣٧

ثم يأخذ الجسم أثناء النوم نصيبا من الهدوء والراحة بعد عناء المجهودات العضلية أو العصبية أو كليهما فتهبط جميع وظائف الجسم الحيوية ما عدا عمليات الهضم وإفراز البول من الكليتين والعرق من الجلد فإن فى وقف هذه العمليات الأخيرة ضررا على حياة الفرد.

أما التنفس فيبطئ ويصير أكثر عمقا ويغدو صدريا أكثر منه بطنيا.

وتبطئ سرعة النبض ويقل مقدار ما يدفقه من القلب من كل ضربة ويضعف توتر العضلات ويصير من الصعب الحصول على الحركات العكسية. وكل هذا يسبب الراحة للإنسان أثناء نومه.

فالنوم راحة من عناء العمل.

ويلزم أن يكون النوم فى مكان صحى بدون مؤثرات حتى يستمتع النائم بالراحة والهدوء.

يقول الله تعالى فى سورة الكهف : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) [الكهف : ١٧].

لقد كان بالكهف الذى نام فيه أهل الكهف فتحة متسعة فى الجبل وهى متجهة إلى الشمال يجيئهم منها النسيم العليل. وإذا طلعت الشمس من المشرق عن يمينيهم مالت أشعتها عنهم وإذا غربت عن يسارهم تجاوزتهم ولم تدخل أشعتها فى كهفهم فحرارة الشمس لا تؤذيهم ونسيم الهواء يأتيهم.

أى تهيئة الجو المناسب للنوم المريح.

وذلك كله من دلائل قدرة الله.

٣٨

علم التشريح فى الحيوان

الكلب

يقول الله تعالى فى سورة الأعراف : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف : ١٧٦].

أوردت هذه الآية الكريمة ظاهرة مشاهدة وهى أن الكلب يلهث سواء حملت عليه أو لم تحمل أى أنه يظل يلهث بصفة مستمرة.

وقد أثبت العلم حديثا أن الكلب لا توجد فيه غدد عرقية إلا القليل فى باطن أقدامه والتى لا تفرز من العرق ما يكفى لتنظيم درجة حرارة جسمه. ولذلك فإنه يستعين على نقص وسائل تنظيم الحرارة باللهث وهو ازدياد عدد مرات تنفسه زيادة كبيرة عن الحالة العادية مع تعريض مساحة أكبر من داخل الجهاز التنفسى كاللسان والسطح الخارجى من فمه.

وبذلك يستطيع تنظيم درجة حرارة جسمه وسبحان الله العظيم.

الإبل

يقول سبحانه وتعالى فى سورة الغاشية : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية : ١٧].

فى خلق الإبل آيات معجزات دالة على قدرة الله ليتدبر فى ذلك المتدبرون.

فمن المعروف أن من صفاتها الظاهرة ما يمكنها من أن تكون سفن الصحراء بحق.

فالعينان ترتفعان فوق الرأس وترتدان إلى الخلف فضلا عن طبقتين من الأهداب تقيانها الرمال والقذى.

٣٩

وكذلك المنخران والأذنان يكتنفهما الشعر للغرض نفسه.

فإذا ما هبت العواصف الرملية انقفل المنخران وانثنت الأذن على صغرها وقلة بروزها نحو الجسم.

أما القوائم فطوال تساعد على سرعة الحركة. مع ما يناسب ذلك من طول العنق.

وأما الأقدام فمنبسطة فى صورة خفاف تمكن الإبل من السير فوق الرمال الناعمة. وللجمل كلكل تحت صدره ووسائد قرنية على مفاصل أرجله تمكنه من الرقود فوق الأرض الخشنة الساخنة.

كما أن على جانبى ذيله الطويل شعرا يحمى الأجزاء الرقيقة من الأذى.

أما مواهب الجمل الوظيفية فأبلغ وأبدع فهو فى الشتاء لا يطلب الماء بل قد يعرض عنه شهرين متتاليين إذا كان الغذاء غضا رطبا أو أسبوعين إن كان جافا.

كما أنه قد يتحمل العطش الكامل فى قيظ الصيف أسبوعا أو أسبوعين يفقد فى أثنائهما أكثر من ثلث وزن جسمه فإذا ما وجد الماء تجرع منه كمية هائلة يستعيد بها وزنه المعتاد فى دقائق معدودات.

والجمل لا يختزن الماء فى كرشه كما كان يظن بل أنه يحتفظ به فى أنسجة جسمه ويقتصد فى استهلاكه غاية الاقتصاد فمن ذلك أنه لا يلهث أبدا ولا يتنفس من فمه ولا يصدر من جلده إلا أدنى العرق وذلك لأن حرارة جسمه تكون شديدة الانخفاض فى الصباح المبكر ثم تأخذ فى الارتفاع التدريجى أكثر من ستة درجات قبل أن تدعو الحاجة إلى تلطيفها بالعرق والتبخر.

وعلى الرغم من كمية الماء الهائلة التى يفقدها الجسم بعد العطش الطويل فإن كثافة دمه لا تتأثر إلا فى الحدود ومن ثم لا يقضى العطش عليه.

وقد ثبت أن دهن السنام مخزن للطاقة يكفيه غوائل الجوع ولكنه لا يفيد كثيرا فى تدبير الماء اللازم لجسمه.

٤٠