الإسلام والتناسخ

السيّد حسين يوسف مكّي

الإسلام والتناسخ

المؤلف:

السيّد حسين يوسف مكّي


المحقق: محمّد كاظم مكي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٧

٦١
٦٢

القسم الثاني

ثانيا : متن الكتاب

«إبطال التناسخ»

لمؤلفه

حسين مكي العاملي

٣٠ شوال سنة ١٣٨٧ ه

٦٣
٦٤

فاتحة الكتاب ودواعي تأليفه

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

ما أكثر الشذوذ في العالم ، فترى الشاذ في ذوقه وسليقته وفي أخلاقه وطباعه وأطواره وأحواله ، والشاذ في عقيدته. والشذوذ قد يكون أحيانا من فساد البيئة ومن البعد عن موارد الثقافة الصحيحة وترك مذاكرة العلماء والأخذ عنهم ما وعوه وحفظوه من تعاليم الشرائع الحقة ، فإن الشرائع السماوية ما جاءت إلّا لتهذيب النوع الإنساني ، ولتصلح له أمور معاشه ومعاده وترشده إلى طرق العقيدة الصحيحة بالله تعالى وكل ما جاء به الرسل من العقائد ، خصوصا الشريعة الإسلامية التي هي الصراط المستقيم لإصلاح كل عقيدة وتهذيب الأخلاق النفسانية.

٦٥

ومن ذلك الشذوذ الاعتقاد بتناسخ الأرواح وانتقالها بعد الموت إلى أبدان أخرى ، وقد قال به جماعة ممن كان يتسم بالإسلام جهلا وتقصيرا منهم إذ قالوا ، وقبلهم قال به جماعة من الدهريين والفلاسفة القدامى ، ونسب القول به إلى أفلاطون.

ولا غرو إذا وقع الفيلسوف في مثل هذا فإن الفلسفة قد لا تجر صاحبها ـ في الأكثر ـ إلى حقيقة بل إلى شكوك وأوهام ، وقلّ من ينجو من الفلاسفة من الوقوع في المفاسد أو فساد العقيدة ، إذ الفيلسوف الذي لا يتقيد بنواميس شريعة سماوية ، ولا يقف عند تلك الشريعة ولا عند العقائد الإسلامية المستفادة من النبي (ص) ومن القرآن ، لا بد من أن يقع في فساد من العقيدة.

وترى بعض أهل التناسخ قد استدلوا على دعواهم بآيات من القرآن لا تدل على مدعاهم ، ولكنهم أوّلوها على ما يريدون ، وسنوقفك على هذه الآيات وعلى بطلان دعواهم في تفسيرها وشطحاتهم فيه.

وتراهم اعتمدوا في القول بالتناسخ على شبهات وعلى دليل يصفونه بأنه دليل عقلي ، والعقل قاصر عن معرفة حقيقة النفس.

٦٦

العقل وإن أدرك كثيرا من الحقائق إلّا إنّه يقف عند ما يتوغل متعمقا في التفكير للكشف عن النفس والروح ونشأتها وأحوالها في الدنيا والآخرة ، فلا يصل إلى شيء يمكن القطع به ، لأن النفس أسمى معنى وشأنا عن أن يدرك العقل وحده حقيقتها وحالاتها مهما كبر ونضج ، لأنها مخلوق مجهول الكنه عند العقل فلا يمكنه معرفتها إلّا بالاستعانة بالأنبياء الذين أمدهم الله تعالى شأنه بالعلم وكشف لهم عن الكون وما فيه من مخلوقات بمقدار ما اقتضت المصلحة كشفه لهم.

النفس الإنسانية ليس لها درجة معينة في الوجود كسائر الموجودات الطبيعية حتى يمكن أن يدعي أحد أنه عرف حقيقتها وأحوالها ، بل هي ذات مقامات ودرجات متفاوتة ولها نشئات سابقة ولا حقة ـ من دور الجنين والصبا إلى الشيخوخة إلى خروجها من البدن ، وإلى عالم بقائها في البرزخ ، ثم في عالم الخلود ـ ولها في كل مقام وعالم صورة.

وإذا كان هذا شأنها يتعذر علينا فهم حقيقتها ، والقوم ـ أي الفلاسفة ـ لم يدركوا إلّا ما هو من لوازم وجود النفس من جهة البدن وعوارضه من الإدراك والتحريك ـ مثلا ـ الذي يشترك به جميع الحيوانات ،

٦٧

وما أدركوه من تجوهر النفس وبقائها بعد انقطاع تصرفها في البدن وخروجها منه ، وغير ذلك مما أدركوه ليس موجبا لفهم حقيقتها ، وإذا نظرت في أقوالهم في مباحث النفس عرفت أنهم يهيمون في أودية الشبهات والظنون ، ويخطّئ كل واحد منهم الآخر في دعاواه ، وينتقض أدلته وبراهينه عليها ، وهذا يوضح أنهم لم يتمكنوا من الوقوف على حقيقة النفس وأفاعيلها ، وتفصيل أحوالها على الحقيقة في كل أدوار نشأتها وخروجها من البدن ، وما بعد الخروج وكيفية سريان قوتها في آلات البدن وحواسه وأعضائه.

فمعرفة حقائق الأشياء (ومنها النفس) جميعها أو بعضها لا يكون إلّا بتعليم إلهي وكشف منه تعالى عن حقائقها من طريق رسله وأنبيائه (ع).

وإذا كان الأمر كذلك في معرفة حقائق الأشياء ، وإذا كنا لا نعرف النفس واحوالها على الحقيقة في جميع أدوار نشأتها ، فكيف يمكن الحكم جزما بأنها تنتقل بعد الموت إلى جسم آخر على سبيل التناسخ ، وهل هذا إلّا جزاف من القول؟.

التناسخ بحث قديم تعرض له الفلاسفة والمتكلمون من الشيعة والسنة ، وأبطلوه ، ولا نرى للبحث فيه من

٦٨

جديد أهمية ، ولكن عدة أسئلة وردت إليّ حوله ، من المؤمنين ومن بعض أهل العلم وقد رغب إليّ بعضهم أن أكتب فيه رسالة كشفا عن حقيقته ، فرأيت من اللازم أن أجيبه إلى ما طلب ، وأرجو أن لا يكون في زماننا هذا من يرى القول به ، وإن كان ، فعسى أن يكون ذلك لشبهة عرضت له لا تؤدي إلى العقيدة بإنكار المعاد ، نعوذ بالله من ذلك ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا إلى طريق الحق ، ووفقنا في جميع الأحوال إلى ما تحب وترضى. آخر شوال سنة ١٣٨٧ ه‍.

حرره في دمشق

حسين مكي العاملي

٦٩
٧٠

أولا : التناسخ والقائلون به

١ ـ تعريف التناسخ بنظر القائلين به من الفلاسفة والدهرية وغيرهم :

هو انتقال النفس من بدنها الذي كانت فيه إلى بدن آخر من نوع البدن الذي كانت فيه ومن غير نوعه ، وهكذا تبقى تنتقل من بدن إلى آخر وتترد في الأجسام ما دام الدهر ، كلما انتهى دور البدن تنتقل إلى دور آخر فتحل في بدن إلى ما لا نهاية له. والعقاب والثواب يكونان في دار الدنيا التي يكون فيها أدوار انتقال النفس إلى بدن آخر ، لا في دار الأخرى ، فالقائلون بالتناسخ على هذا النحو ينكرون المعاد والبعث والجنة والنار ، وستطلع على ذلك كله موضحا فيما سننقله من أقوالهم في التناسخ.

٧١

٢ ـ القائلون بالتناسخ وأقولهم فيه :

قال به الحرنانية (١) وهم طائفة من الصابئة قال الشهرستاني في كتابه الملل والنحل (٢) : وإنما نشأ التناسخ والحلول من هؤلاء القوم «أي الحرنانية» فإن التناسخ هو أن تتكرر الأكوار (٣) والأدوار إلى ما لا نهاية ، ويحدث في كل دور مثل ما حدث في الأول ، والثواب والعقاب في هذه الدار لا في دار أخرى لا عمل فيها ، والأعمال التي نحن فيها إنما هي جزية على أعمال سلفت منا في الأدوار الماضية ، فالراحة ، والسرور ، والفرح ، والدعة التي نجدها هي مرتّبة على أعمال البر التي سلفت منا في الأدوار الماضية ، والغم والحزن والضنك والكلفة التي نجدها هي مرتّبة على أعمال الفجور التي سبقت.

وقال البراهمة (٤) بالتناسخ وهم من الهند ، قال :

__________________

(١) ولعلهم ينسبون إلى حران ، اسم بلدة كما في مجمع البحرين ، مادة حرن. فإنه قال : إن النسبة إليها أن يقال حرّاني على غير القياس.

(٢) ج ٢ ص ٥٥ ، ط مصطفى البابي الحلبي بمصر.

(٣) جمع كور وهو بمعنى الدور من الزمن.

(٤) نسبة إلى رجل منهم يقال له : براهما. وقد مهّد لهم نفي النبوات أصلا وقرر لهم استحالة ذلك في العقول بوجوده. راجع هذا في ـ

٧٢

الشهرستاني فيما نقله عنهم : فأما تناسخية الهند فأشد اعتقادا لذلك «أي للتناسخ» لما عاينوا من طير يظهر في وقت معلوم فيقع على شجرة معلومة فيبيض ويفرّخ ، ثم إذا تم نوعه بفراخه حك بمنقاره ومخالبه فتبرق منه نار تلتهب فيحترق الطير ، ويسيل منه دهن يجتمع في أصل الشجرة في مغارة ، ثم إذا حال الحول وحان وقت ظهوره انخلق من هذا الدهن مثله طير فيطير ويقع على الشجرة ، وهو أبدا كذلك ، قالوا : فما مثل الدنيا وأهلها في الأدوار والأكوار إلّا كذلك.

وقال به شرذمة قليلة من الحكماء المعروفين بالتناسخية وهم أقل الحكماء تحصيلا وأسخفهم رأيا حيث ذهبوا إلى امتناع تجرد شيء من النفوس بعد المفارقة للبدن المخصوص لأنها جرمية دائمة التردد في أبدان الحيوانات وغيرها ، فالتناسخ عندهم انتقال النفوس الإنسانية من أبدانهم إلى أبدان الحيوانات المناسبة لها في الأخلاق والأعمال من غير خلاص ، أي أن النفوس تتردد منتقلة من بدن إلى بدن آخر مغاير له

__________________

ـ كتاب الملل والنحل للشهرستاني ج ٢ ص ٢٥٥.

٧٣

ترددا لا نهاية له دائم الأدوار. كما تقدم نقله عن الحرنانية (١) من الصابئة.

أقول : هذا القول يلزم فيه القول بإنكار المعاد ـ والعياذ بالله ـ ويلزم منه أيضا أن تكون النفس جسما وليست جوهرا مجردا وهو باطل لأنها جوهر مجرد كما حقق في محله ، ومع ذلك هو قول باطل ، لأن انتقال الصور والأجسام المنطبعة والحالّة في الأجسام ممتنع لفسادها بفساد ما كانت فيه فلا يمكن عودها إلى جسم آخر.

وقال به يوزاسف التناسخي الذي قيل إنه هو الذي شرّع دين الصابئة لطهمورث الملك. وقال به قبله حكماء بابل وفارس (٢).

وقال به جماعة من الصيامية ، وهم قوم كانوا يمسكون عن طيبات الرزق وتوجهوا في عبادتهم إلى النيران تعظيما لها وأمسكوا عن النكاح والذبائح (٣).

__________________

(١) وقد نقل هذا القول عن هؤلاء الحكماء ، الفيلسوف الإسلامي الكبير الملا صدر الدين الشيرازي في كتابه الأسفار الأربعة ، ج ١ ص ٩٨ طبع حجري في إيران ، لات. ج ٤ ، ص ٩٨.

(٢) راجع الأسفار أيضا ج ٤ ، ص ٩٨ ، ١٠٠.

(٣) راجع الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٢٥٣.

٧٤

وقال به جماعة آخرون ذكرهم ابن حزم في كتاب (الفصل في الملل والنحل) (١).

قال : افترق القائلون بالتناسخ على فرقتين ، ذهبت الأولى إلى أن الأرواح تنتقل بعد مفارقتها الأجسام إلى أجساد أخرى وإن لم تكن من نوع الأجساد التي فارقت ، وهذا قول أحمد بن خابط ، وأحمد بن نانوس تلميذه ، وأبي مسلم الخراساني ، ومحمد بن زكريا الرازي الطبيب ، صرح بذلك في كتابه الموسوم بالعلم الإلهي وهو قول القرامطة (٢).

__________________

(١) ابن حزم : الفصل في الملل والنحل ، ط ١ ، المطبعة الأدبية ، مصر ، ١٣١٧ ه‍ ، ج ١ ص ٩٠ ـ ٩٤.

(٢) القرامطة أشار إلى نبذة من تاريخهم في (سفينة البحار) ج ٢ ص ٤٢٥ ، ط حجري فقال : القرامطة وهم المباركية والإسماعيلية ، قالت فرقة بإمامة إسماعيل بن جعفر (ع) ، وأنه القائم المنتظر ، وفرقة قالت : توفي إسماعيل في حياة أبيه ، غير أنه قبل وفاته نص على ولده محمد وهو الإمام بعده.

وترجم لهم صاحب كتاب الفرق بين الفرق عبد القادر بن طاهر بن محمد البغدادي ، وفصّل أحوالهم ومذاهبهم من ص ٢٨٢ إلى ص ٢٩٩ ، دار المعرفة ، بيروت ، وذكر أن دعوة الباطنية ظهرت أولا في زمان المأمون وانتشرت في زمان المعتصم ، وأن الذي أسس دعوتهم جماعة منهم محمد بن الحسين الملقب بذيذان وكان في سجن والي العراق ، وفيه أسست الدعوة الباطنية وبعد خلاصه ـ

٧٥

قال : وذهب هؤلاء إلى أن التناسخ إنما هو على سبيل العقاب ، قالوا : فالفاسق السيئ الأعمال تنتقل روحه إلى أجساد البهائم الخبيثة المرتطمة في الأقذار ، والمسخّرة المؤلمة ، الممتهنة بالذبح. وذهبت الفرقة الثانية وهم من الدهرية إلى أن الأرواح تنتقل إلى أجساد من نوعها ، ولا يجوز أن تنتقل إلى غير النوع التي أوجب طبعها الإشراف عليه وتعلقها بها ، فالنفس تردد في الأجساد أبدا.

__________________

ـ من السجن أظهر الدعوة ذيذان ، ثم أظهرها حمدان قرمط ، ولقب بذلك لقرمطة في خطه أو في خطوه ، وإليه تنسب القرامطة ، وانتشرت القرامطة أو الإسماعيلية في البلاد وعاثوا فسادا في البحرين والأحساء والقطيف ، وقتلوا الرجال وسبوا النساء والذراري في الهجر ، وفي اليمن ، وخرج منهم سليمان بن الحسين ، وتعرض للحجيج وأسرف في القتل منهم ، وقتل من كان في الطواف وأغار على أستار الكعبة ، وطرح القتلى في بئر زمزم ، فراجع تفاصيل ذلك في الكتاب المذكور ، وفي كتاب (الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة) للعلامة السيد هاشم معروف الحسني أشار إلى تاريخ القرامطة والإسماعيلية وإلى المصادر التي اعتمد عليها فراجع فيه ص ٨٩ ـ ٩٥ ، طبع دار النشر للجامعيين في بيروت. وذكر في تاريخ ابن الأثير حوادث سنة ٣٧٤ ، ج ٩ ص ١٦ و ١٧ نبذة من أحوالهم في أواخر أيامهم.

وذكر جملة من أحوالهم وما فعلوه من المنكرات المرحوم العلامة الشيخ علي القديحي البحراني ، في كتابه (أنوار البدرين) ـ

٧٦

وقال الشهرستاني في كتابه «الملل والنحل» (١) : إن القول بالتناسخ من بدع الخابطية أصحاب أحمد بن خابط (٢) ، وقال به رئيسهم أحمد بن خابط ، وشيخ المعتزلة أحمد بن أيوب بن مانوس تلميذ النظام ، وذكر الشهرستاني «في الملل والنحل» في تعريفه للتناسخ كلاما يشبه ما ذكره عن الحرنانية في تعريفه ، مع تفاصيل أخرى ، فراجع كلامهم المحكي عنهم في كتابه الملل والنحل ج ١ ص ٢٥٣ (٣).

ونسب القول بالتناسخ إلى طائفة من الكيسانية ، نسبه إليهم ابن حزم في كتابه «الفصل في الملل والنحل» (٤) ،

__________________

ط النجف الأشرف سنة ١٣٨٠ ه‍ ، ج ٢ ص ٢٧٦ ـ ٢٨٠.

وذكر ما فعلوه في الأحساء والقطيف وغيرها من المدن وإن أبا طاهر القرمطي حمل الحجر الأسود والميزاب إلى بلاد القطيف وبنى فيها بيتا سماه الكعبة وصرف الحاج إليها فراجع تفاصيل أحوالهم.

(١) ج ١ ص ١٦١ ـ ٦٢ والخابطية أتباع أحمد بن خابط المتوفى ٢٣٢ ه‍ ، وهو من المعتزلة.

(٢) ابن خابط بالخاء المعجمة [راجع البغدادي : الفرق بين الفرق ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد دار المعرفة ، للطباعة والنشر ، بيروت ، لاط. لات]. ص ٢٢٨ ، ٢٧٧.

(٣) الشهرستاني في : الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٢٥٣.

(٤) ابن حزم : الفصل في الملل والنحل ، ط ١ ، مطبعة التمدن بمصر ، ١٣٢١ ه‍ ، ج ٤ ص ١٨٢.

٧٧

ونسب القول به إلى السيد الحميري الشاعر ثم لعنه (١) ثم استرسل (أي ابن حزم) في نسبة أمور إلى الشيعة هم منها براء فراجع كتابه فيما كتبه ثم انظر هل يمكن مع إشاعة هذه الأقاويل الباطلة وتلقينها للعوام أن تصلح حال المسلمين؟ ، راجع كتابه ج ٤ من ص ١٧٩ ـ ١٨٨ ، تر الكثير من الافتراءات على الشيعة.

ونسب القول بالتناسخ إلى عبد الله بن الخرب الكندي نسبه إليه الكوفي نسبه إليه ابن حزم في كتاب الفصل (٢).

__________________

(١) لا نعلم أن للكيسانية وجودا في هذا الزمان ، وأما السيد الحميري رحمة الله تعالى وهو إسماعيل بن محمد الحميري فلا يجوز لعنه لأنه مات وهو على طريقة الحق طريقة أهل البيت سلام الله عليهم ، وقد مدحهم ورثاهم ، وكان في أول أمره من الكيسانية ، ثم اهتدى ورجع إلى الحق ، فهو ثقة عظيم الشأن ، وله مقام عظيم عند أهل البيت عليهم الصّلاة والسلام ، وعند شيعتهم ، وقد ترجم له في أعيان الشيعة ، وفي سفينة البحار ج ١ ص ٣٣٦ فراجع ما ورد في حقه من المدح والثناء وما له من المقام العظيم.

(٢) ج ٢ ص ٣١٠ ، ط دار الكتب العربية بمصر. ج ٤ ص ١٨٧ ط التمدن ١٣٢١ ه‍.

٧٨

ونسب القول به إلى محمد بن نصير النميري ، نسبه إليه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (١).

ونسب القول به إلى بيان بن سمعان التميمي ، نسبه إليه ابن حزم في كتابه «الفصل» (٢) وقال : إن فرقة قالت بنبوة بيان بن سمعان ، وصلبه وأحرقه خالد بن عبد الله القسري. وقال الشهرستاني في «كتابه الملل والنحل» ما ملخصه : ويقول بالتناسخ بيان بن سمعان النهدي القائل بألوهية أمير المؤمنين علي (ع) قال فيما حكاه عنه : حل في علي جزء إلهي واتحد بجسده ، فيه كان يعلم الغيب إذ أخبر عن الملاحم وصح الخبر ، وبه كان يحارب الكفار ، إلى أن قال : ثم ادعى بيان أنه قد انتقل إليه الجزء الإلهي بنوع من التناسخ ، وقد دعا (أي بيان) محمد بن علي بن الحسين (ع) إلى نفسه ، وتوعده وهدده في كتاب أرسله إليه مع عمر بن أبي عفيف ، يقول فيه مخاطبا الإمام الباقر (ع) : «أسلم تسلم ، ويرتقي من سلم فإنك لا تدري حيث يجعل الله النبوة ، فأمر الباقر (ع)

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لا بن أبي الحديد ، طبع دار الفكر في بيروت ج ٢ ، ص ٤٨٧.

(٢) ابن حزم : الفصل ، ج ٤ ص ١٨٥.

٧٩

الرسول الذي جاء بالكتاب من (بيان) أن يأكل القرطاس الذي جاء به فأكله فمات في الحال» (١).

فبيان هذا ادعى لنفسه النبوة كما يظهر من كلام الشهرستاني الذي نقلناه ومن كتاب فرق الشيعة للنوبختي ، وكان يدعي أنه هو المعنيّ بقوله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) (٢).

وهذا ما يظهر موقف بيان وادعاءه الباطل وزيغه عن الحق وفساد عقيدته. ويوجد في هذا الزمان من يقول بالتناسخ أو ينسب إليه ذلك فقد حكي عن فئة أنهم يقولون : «إن المرأة تؤول إلى المسوخية ، وتتقمص رجلا عن طريق التناسخ إذا أفنت حياتها بالبر والتقوى فتعيش جيلا في شخصية الرجل جزاء لبرها في الجيل الأسبق ، ثم تعود إلى ثوب المرأة ثم إلى المسوخية والهلاك ، وإنهم ينتهون بأنفسهم إلى عالم الخلود والصفاء الروحاني ، فيمسون كواكب وأنجما ، ومن عداهم له الخزي والعار ويكن من عالم البهائم والحشرات».

__________________

(١) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ، دار الأضواء ، بيروت ، ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨٤ م ، ص ٢٨ ، ٣٤ ، آل عمران ، الآية : ١٣٨.

٨٠