تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٥

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

وقال أبو بكر الهذليّ : حدّثني من شهد الحجّاج حين قدم العراق ، فبدأ بالكوفة ، فنودي : الصّلاة جامعة ، فأقبل الناس إلى المسجد ، والحجّاج متقلّد قوسا عربية وعليه عمامة خزّ حمراء متلثّما ، فقعد وعرض القوس بين يديه ، ثم لم يتكلّم حتّى امتلأ المسجد ، قال محمد بن عمير : فسكت حتّى ظننت أنّه إنّما يمنعه العيّ ، وأخذت في يدي كفّا من حصى أردت أن أضرب به وجهه ، فقام فوضع نقابه ، وتقلّد قوسه ، وقال :

أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

متى أضع العمامة تعرفوني (١)

إنّي لأرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها ، كأنّي انظر إلى الدّماء بين العمائم واللّحى (٢).

ليس بعشّك فادرجي * قد شمّرت عن ساقها فشمّري (٣) *.

هذا أوان الحرب (٤) فاشتدّي زيم (٥)

قد لفّها الليل بسوّاق حطم (٦)

ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بجزّار على ظهر وضم (٧)

 __________________

(١) البيت من قصيدة لسحيم بن وثيل الرياحي ، رواها الأصمعيّ في : الأصمعيّات ـ طبعة لا يبزغ ـ ص ٧٣ ، وهو في : تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٢ ، وعيون الأخبار ٢ / ٢٤٣ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٣٧٥ ، والعقد الفريد ٤ / ١٢٠ ، و ٥ / ١٧ ، والأغاني ١٢ / طبعة بولاق ، والفتوح لابن أعثم ٧ / ٥.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٣ وفي العقد الفريد ٤ / ١٢٠ و ٥ / ١٨ زيادة : «بين العمائم واللّحى تترقرق» ، وانظر : مروج الذهب ٣ / ١٣٤.

(٣) العقد الفريد ٤ / ١٢٠ ، وفي تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٣ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٣٧٥ «تشميرا» ، وفي البيان والتبيين ٢ / ٢٢٤ : «فشمّرا».

(٤) في العقد الفريد ، والأغاني : «الشّدّ» وكذا في البيان والتبيين.

(٥) زيم : اسم فرس أو ناقة.

(٦) الحطيم : الراعي الظلوم للماشية.

(٧) الوضم : كل ما قطع عليه اللحم.

والبيتان من شعر رشيد بن رميض العنزي يقوله في الحطم ، وهو شريح بن ضبيعة. وكان شريح غزا اليمن في جموع جمعها فغنم بعد حرب بينه وبين كندة ، أسر فيها فرعان بن مهديّ بن معديكرب عمّ الأشعث بن قيس ، وأخذ على طريق مفازة ، فضلّ بهم دليلهم ، ثم هرب منهم ومات فرعان في أيديهم عطشا ، وهلك منهم ناس كثير

بالعطش. وجعل الحطم يسوق بأصحابه سوقا عنيفا ، حتى نجوا ووردوا الماء : فقال فيه رشيد هذا الشعر.

=

٣٢١

قد لفّها الليل بعصلبي (١)

مهاجر ليس بأعرابيّ (٢)

مهاجر ليس بأعرابيّ (٢) إنّي والله ما أغمز غمز التّين (٣) ، ولا يقعقع لي بالشّنان ، ولقد فررت عن ذكاء ، وفتّشت (٤) عن تجربة ، وجريت (٥) إلى (٦) الغاية ، فإنّكم يا أهل العراق طالما أوضعتم (٧) في الضّلالة ، وسلكتم سبيل الغواية (٨) ، أما والله لألحونّكم العود (٩) ، ولأعصبنّكم عصب السّلمة (١٠) ، ولأقرعنّكم قرع المروة (١١) ، ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل (١٢) ، ألا إنّ أمير المؤمنين نثل كنانته بين يديه ، فعجم عيدانها ، فوجدني أمرّها عودا وأصلبها مكسرا ، فوجّهني إليكم ، فاستقيموا ولا يميلنّ منكم مائل ، واعلموا أنّي إذا قلت قولا وفيت به ، من كان منكم من بعث المهلّب فليلحق به ، فإنّي لا أجد أحدا بعد ثلاثة إلّا ضربت عنقه ، وإيّاي وهذه الزّرافات ، فإنّي لا أجد أحدا يسير في زرافة إلّا سفكت دمه ، واستحللت ماله. ثم نزل (١٣).

__________________

= (الأغاني ١٥ / ٢٥٤ و ٢٥٥ ، العقد الفريد ٤ / ١٢٠ ، تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٣ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٧٥ ، ومروج الذهب ٣ / ١٣٤ والبيان والتبيين ٢ / ٢٢٤ ، والمخصّص ٥ / ٢٢ ، والفتوح ٧ / ٦).

(١) هذه الشطرة ساقطة من الأصل ، والاستدراك من : تاريخ الطبري ، والكامل.

(٢) الرجز في : تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٣ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٣٧٥ ، ولسان العرب (مادّة : عصيب) ، والعقد الفريد ٤ / ١٢١ ، ومروج الذهب ٣ / ١٣٤ ، والبيان والتبيين ٢ / ٢٢٤.

(٣) في تاريخ الطبري : «ما أغمز كتغماز التين» وكذا في العقد الفريد.

(٤) فر الدّابّة : كشف عن أسنانها ليعرف بذلك عمرها. والذكاء : نهاية الشباب وتمام السّنّ.

(٥) في طبعة القدسي ٣ / ١١٨ «وقعدت» ، وما أثبتناه عن : العقد الفريد.

(٦) في الأصل وطبعة القدسي ٣ / ١١٩ «من» والتصويب من : تاريخ الطبري ، والعقد الفريد ، والكامل في التاريخ.

(٧) أوضعتم : من الإيضاع ، وهو ضرب من السير.

(٨) في تاريخ الطبري ، والكامل ، والعقد الفريد : «وسننتم سنن الغيّ».

(٩) في طبعة القدسي «لألحينكم لي العود» ، والتصحيح من : الطبري ، والكامل ، وعيون الأخبار.

(١٠) السّلمة : شجر كثير الشوك.

(١١) المروة : واحدة المرو ، وهي حجارة بيض برّاقة توري النار.

(١٢) كانت الإبل الغريبة إذا وردت مع إبل قوم ضربت وطردت. ضربه الحجّاج مثلا في التهديد والإنذار.

(١٣) انظر الخطبة في : عيون الأخبار ٢ / ٢٤٤ ، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، والعقد الفريد =

٣٢٢

رواه المبرّد بنحوه ، عن الثّوريّ ، بإسناد ، وزاد فيه : قم يا غلام فاقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين. فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة ، سلام عليكم. فسكتوا ، فقال : اكفف يا غلام ، ثم أقبل عليهم فقال : يسلّم عليكم أمير المؤمنين فلا تردّون عليه شيئا ، هذا أدب ابن نهية (١). أما والله لأؤدّبنّكم غير هذا الأدب أو لتستقيمنّ. اقرأ يا غلام ، فقرأ قوله : السلام عليكم ، فلم يبق في المسجد أحد إلّا قال : وعلى أمير المؤمنين السلام (٢).

* * *

العصلبيّ : الشديد من الرجال.

والسواق الحطم : العنيف في سوقه.

والوضم : كلّ شيء وقيت به اللّحم من الأرض من خوان وقرميّة.

وعجمت العود إذا عضضته بأسنانك.

والزّرافات : الجماعات.

وقال ابن جرير : فأوّل من خرج على الحجّاج بالعراق عبد الله بن الجارود ، وذلك أنّ الحجّاج ندبهم إلى اللّحاق بالمهلّب ، ثم خرج فنزل رستقباذ (٣) ومعه وجوه أهل البصرة ، وكان بينه وبين المهلّب يومان ، فقال للناس : إنّ الزيادة التي زادكم ابن الزبير ، في أعطياتكم (٤) زيادة فاسق منافق

__________________

= ٤ / ١٢١ ، ١٢٢ و ٥ / ١٧ ، ١٨ والكامل في التاريخ ٤ / ٣٧٥ ، ٣٧٦ ، والبيان والتبيين ٢ / ١٦٤ ، ومروج الذهب ٣ / ١٣٤ ، ١٣٥ ، وصبح الأعشى للقلقشندي ١ / ٢١٨.

وفي المصادر اختلاف في النصّ.

(١) قال المبرّد في (الكامل في الأدب ١ / ٣٨٢) : «زعم أبو العباس أنّ ابن نهية رجل كان على الشرطة بالبصرة قبل الحجّاج». وكذا قال في مروج الذهب ٣ / ١٣٦ ، والعقد الفريد ٥ / ١٨.

(٢) الكامل في الأدب ١ / ٣٨٢ ، تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٨ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٧٧ ، مروج الذهب ٣ / ١٣٦ ، الفتوح لابن أعثم ٧ / ١٠.

(٣) في طبعة القدسي ٣ / ١١٩ «رستقاباذ» والتصحيح من : معجم البلدان ٣ / ٤٣ وهي من أرض دستوا. وانظر : تاريخ الطبري ٦ / ٢١٠ ، والكامل لابن الأثير ٤ / ٣٨١.

(٤) ما بين القوسين ساقط من طبعة القدسي ٣ / ١١٩ والاستدارك من تاريخ الطبري.

٣٢٣

لست أجيزها ، فقام إليه عبد الله بن الجارود العبديّ فقال : بل هي زيادة أمير المؤمنين عبد الملك ، فكذّبه وتوعّده ، فخرج ابن الجارود على الحجّاج ، وتابعه خلق ، فاقتتلوا ، فقتل ابن الجارود في طائفة (١) معه.

وكتب الحجّاج إلى المهلّب وإلى عبد الرحمن بن مخنف : أن ناهضوا الخوارج ، قال : فناهضوهم وأجلوهم عن رامهرمز ، فقال المهلّب لعبد الرحمن بن مخنف : إن رأيت أن تخندق على أصحابك فافعل ، وخندق المهلّب على نفسه كعادته ، وقال أصحاب ابن مخنف : إنّما خندقنا سيوفنا ، فرجع الخوارج ليبيّتوا النّاس ، فوجدوا المهلّب قد أتقن أمر أصحابه ، فمالوا نحو ابن مخنف ، فقاتلوه ، فانهزم جيشه ، وثبت هو في طائفة ، فقاتلوا حتى قتلوا ، فبعث الحجّاج بدله عتّاب بن ورقاء ، وتأسّفوا على ابن مخنف ، ورثاه غير واحد (٢).

وقال خليفة (٣) : ثم في ثالث يوم من مقدم الحجّاج الكوفة أتاه عمير بن ضابيء البرجميّ ، وهو القائل :

هممت ولم أفعل ، وكدت وليتني

تركت على عثمان تبكي حلائله

فقال الحجّاج : أخّروه ، أمّا أمير المؤمنين [عثمان] فتغزوه بنفسك ، وأمّا الخوارج الأزارقة فتبعث بديلا ، وكان قد أتاه بابنه فقال : إنّي شيخ كبير ، وهذا ابني مكاني ، ثم أمر به فضربت عنقه (٤)

واستخلف الحجّاج لما خرج على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٠ ، ٢١١ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٨١.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢١١ ـ ٢١٣ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٨٨ ، ٣٨٩ ، نهاية الأرب ٢١ / ١٥٢ ، ٣٥٣.

(٣) يقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب عمر عبد السلام تدمري الطرابلسيّ : لقد وهم المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ هنا حيث ذكر «خليفة» وهو يريد «الطبري» ، لأن خليفة لم يذكر القول التالي في تاريخه (انظر ـ ص ٢٧١ وما بعدها) والقول في : تاريخ الطبري ، وهو سبق قلم منه ، رحمه‌الله ، والله أعلم.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٧ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٧٨ ، مروج الذهب ٣ / ١٣٦ ، العقد الفريد ٥ / ١٨ ، ١٩ ، الفتوح لابن أعثم ٧ / ١٢.

٣٢٤

وقدم البصرة يحثّ على قتال الأزارقة (١).

* * *

وفيها خرج داود بن النّعمان المازنيّ بنواحي البصرة ، فوجّه الحجّاج لحربه الحكم بن أيّوب الثقفيّ متولّي البصرة ، فظفر به ، فقتله ، فقال شاعرهم :

ألا فاذكرن داود إذ باع نفسه

وجاد بها يبغي الجنان العواليا (٢)

* * *

وفيها غزا محمد بن مروان الصّائفة (٣) عند خروج الروم بناحية مرعش (٤).

* * *

وفيها خطبهم عبد الملك بمكّة لما حجّ ، فحدّث أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن أبيه قال : خطبنا عبد الملك بن مروان بمكّة ، ثم قال : أما بعد ، فإنّه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من هذا المال ويؤكلون ، وإنّي والله لا أداوي أدواء هذه الأمّة إلّا بالسيف ، ولست بالخليفة المستضعف ـ يعني عثمان ـ ولا الخليفة المداهن ـ يعني معاوية ـ ولا الخليفة المأبون (٥) ـ يعني يزيد ـ وإنّما نحتمل لكم ما لم يكن عقد راية. أو وثوب على منبر ، هذا عمرو بن سعيد حقّه حقّه وقرابته قرابته ، قال برأسه هكذا ، فقلنا بسيفنا هكذا ، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب (٦).

* * *

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٠.

(٢) تاريخ خليفة ٢٧٢ وفيه «فاذكروا».

(٣) الصائفة : غزوة الروم لأنهم كانوا يغزون صيفا لمكان البرد والثلج. (القاموس المحيط).

(٤) تاريخ خليفة ٢٧٢ ، تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٢ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٧٤.

(٥) كذا في الأصل ، وفي (العقد الفريد) «المأمون».

(٦) انظر بعض الخطبة في : العقد الفريد ٤ / ٩٠ ، ٩١ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٤.

٣٢٥

وفيها ضرب الدنانير والدراهم عبد الملك ، فهو أول من ضربها في الإسلام (١).

وحجّ فيها عبد الملك وخطب بالموسم غير مرّة ، وكان من البلغاء العلماء الدهاة ، قال : إني رأيت سيرة السلطان تدور مع الناس ، فإن ذهب اليوم من يسير بسيرة عمر ، وأغير على الناس في بيوتهم ، وقطعت السبل ، وتظالم الناس ، وكانت الفتن ، فلا بدّ للوالي أن يسير كلّ وقت بما يصلحه ، نحن نعام والله أنّا لسنا عند الله ولا عند الناس كهيئة عمر ولا عثمان ، ونرجو خير ما نحن بإزائه من إقامة الصّلوات والجهاد والقيام لله بالذي يصلح دينه ، والشدّة على المذنب (٢) ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

__________________

(١) الأخبار الطوال ٣١٦ ، الأوائل ، لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري ـ طبعة دار الكتب العلمية ١٤٠٧ ه‍. / ١٩٨٧. ـ ص ١٧٤ ، النقود القديمة الإسلامية ، المقريزي ، نشرة أنستاس الكرملي في كتاب (النقود العربية وعلم النّميّات) ـ ص ٣٥ ـ طبعة القاهرة ١٩٣٩ ، تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٦ (حوادث سنة ٧٦ ه‍.) ، والكامل في التاريخ ٤ / ٤١٦ ، والبيان المغرب ١ / ٣٤.

(٢) في نسخة أخرى «المريب».

٣٢٦

حوادث

[سنة ستّ وسبعين]

توفّي فيها : حبّة بن جوين العرنيّ.

وزهير بن قيس البلويّ.

وفيها ، أو في سنة خمس توفّي :

سعيد بن وهب الهمدانيّ الخيوانيّ.

* * *

وفيها خرج صالح بن مسرّح التميميّ ، وكان صالحا ناسكا مخبتا ، وكان يكون بدارا والموصل ، وله أصحاب يقرئهم ويفقّههم ويقصّ عليهم ، ولكنّه يحطّ على الخليفتين عثمان وعليّ كدأب الخوارج ، ويتبرّأ منهما ويقول : تيسّروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب المتحزّبة ، وللخروج من دار الفناء إلى دار البقاء ، ولا تجزعوا من القتل في الله ، فإنّ القتل أيسر من الموت ، والموت نازل بكم (١).

فلم ينشب أن أتاه كتاب شبيب بن يزيد من الكوفة فقال : أمّا بعد ، فإنّك شيخ المسلمين ، ولن نعدل بك أحدا ، وقد دعوتني فاستجبت لك ، وإن أردت تأخير ذلك أعلمتني ، فإنّ الآجال غادية ورائحة ، ولا آمن أن تخترمني المنيّة ولم أجاهد الظالمين ، فيا له غبنا ، ويا له فضلا متروكا ، جعلنا الله

__________________

(١) انظر القصّة مطوّلة في : تاريخ الطبري ٦ / ٢١٦ ـ ٢١٨.

٣٢٧

وإيّاك ممّن يريد بعمله الله ورضوانه (١).

فردّ عليه الجواب يحضّه على المجيء ، فجمع شبيب قومه ، منهم أخوه مصاد ، والمحلّل بن وائل اليشكريّ ، وإبراهيم بن حجر المحلّميّ ، والفضل بن عامر الذّهليّ ، وقدم على صالح وهو بدارا (٢) ، فتصمّدوا مائة وعشرة أنفس (٣) ، ثمّ وثبوا على خيل لمحمد بن مروان فأخذوها ، وقويت شوكتهم وأخافوا المسلمين (٤).

* * *

وفيها غزا حسّان بن النّعمان الغسّاني إفريقية وقتل الكاهنة (٥).

ولما خرج صالح بن مسرّح بالجزيرة (٦) ندب لحربه عديّ بن عديّ بن عميرة الكنديّ (٧) ، فقاتلهم ، فهزم عديّا ، فندب لقتاله خالد بن جزء (٨) السّلميّ ، والحارث العامريّ ، فاقتتلوا أشدّ قتال ، وانحاز صالح إلى العراق ، فوجّه الحجّاج لحربه عسكرا ، فاقتتلوا ، ثم مات صالح بن مسرّح مثخنا بالجراح في جمادى الآخرة ، وعهد إلى شبيب بن يزيد ، فالتقى شبيب هو وسورة بن الحرّ (٩) ، فانهزم سورة بعد قتال شديد.

ثم سار شبيب فلقي سعيد بن عمرو الكنديّ ، فاقتتلوا ، ثم انصرف شبيب فهجم على الكوفة ، وقتل بها أبا سليم مولى عنبسة بن أبي سفيان والد

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٨ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٩٣ ، نهاية الأرب ٢١ / ١٦١.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٩ ، الكامل ٤ / ٣٩٣ ، نهاية الأرب ٢١ / ١٦١.

(٣) وفي رواية : «مائة وعشرين». (الطبري ٦ / ٢٢٠).

(٤) انظر الخبر مفصّلا في تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٠ ـ ٢٢٣ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٣٩٤ ـ ٣٩٧ ، ونهاية الأرب ٢١ / ١٦٢ ـ ١٦٤.

(٥) البيان المغرب ١ / ٣٤.

(٦) في الأصل «الحرّة» والتصحيح من : تاريخ خليفة ، والطبري ، وغيرهما.

(٧) في الأصل «الكنيدي» وهو تحريف ، والتصويب من : تاريخ خليفة ، والطبري ، وغيرهما.

(٨) في تاريخ خليفة «خالد بن عبد الله السلمي» ، والمثبت يتفق مع الطبري.

(٩) هو : سورة بن أبجر الحرّ.

٣٢٨

ليث بن أبي سليم ، وقتل بها عديّ بن عمرو ، وأزهر بن عبد الله العامريّ ، ثم خرج عن الكوفة فوجّه الحجّاج لحربه زائدة بن قدامة الثقفيّ ابن عمّ المختار ، في جيش كبير ، فالتقوا بأسفل الفرات ، فهزمهم وقتل زائدة ، فوجّه الحجّاج لحربه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فلم يقاتله (١).

وكان مع شبيب امرأته غزالة ، وكانت معروفة بالشجاعة ، فدخلت مسجد الكوفة تلك الليلة وقرأت وردها في المسجد ، وكانت نذرت (٢) أن تصعد المنبر فصعدت (٣).

ثم حار الحجّاج في أمره مع شبيب ، فوجّه لقتاله عثمان بن قطن الحارثيّ ، فالتقوا في آخر العام ، فقتل عثمان وانهزم جمعه بعد أن قتل يومئذ ممّن معه ستّمائة نفس ، منهم مائة وعشرون من كندة ، وقتل من الأعيان : عقيل بن شدّاد السّلوليّ ، وخالد بن نهيك الكنديّ ، والأبرد بن ربيعة الكنديّ (٤).

واستفحل أمر شبيب ، وتزلزل له عبد الملك بن مروان ، ووقع الرعب في قلوبهم من شبيب ، وحار الحجّاج ، فكان يقول : أعياني شبيب.

__________________

(١) الخبر حتى هنا في : تاريخ خليفة ٢٧٤ ، ٢٧٥.

(٢) في الأصل «وردت» ، والتصحيح من : مروج الذهب.

(٣) مروج الذهب ٣ / ١٤٦ ، ١٤٧ ، تاريخ خليفة ٢٧٤ ، تاريخ الطبري ٦ / ٢٧٣.

(٤) انظر : تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٤ ، ٢٥٥.

٣٢٩

حوادث

[سنة سبع وسبعين]

فيها توفّي :

أبو تميم الجيشانيّ عبد الله بن مالك بمصر.

وشريح القاضي وفيه خلاف.

* * *

وفيها سار شبيب بن يزيد ، فنزل المدائن ، فندب الحجّاج لقتاله أهل الكوفة كلّهم ، عليهم زهرة بن حويّة السّعديّ ، شيخ كبير قد باشر الحروب (١).

وبعث إلى حربه عبد الملك من الشام سفيان بن الأبرد ، وحبيبا الحكميّ في ستّة آلاف (٢).

ثم قدم عتّاب بن ورقاء على الحجّاج مستعفيا من عشرة المهلّب بن أبي صفرة ، فاستعمله الحجّاج على الكوفة ، ولجمع جميع الجيش خمسين ألفا. (٣)

وعرض شبيب بن يزيد جنده بالمدائن ، فكانوا ألف رجل ، فقال : يا قوم إنّ الله كان ينصركم وأنتم مائة أو مائتان ، فأنتم اليوم مئون (٤).

ثم ركب ، فأخذوا يتخلّفون عنه ويتأخّرون ، فلما التقى الجمعان تكامل

__________________

(١) تاريخ خليفة ٢٧٥ ، تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٧.

(٢) تاريخ خليفة ٢٧٦ ، تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٩.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٢.

(٤) انظر خطبته في : تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٢.

٣٣٠

مع شبيب ستمائة ، فحمل في مائتين على ميسرة الناس فانهزموا ، واشتدّ القتال ، وعتّاب بن ورقاء جالس هو وزهرة بن حويّه على طنفسة في القلب ، فقال عتّاب : هذا يوم كثر فيه العدد وقلّ فيه الغناء ، وا لهفي على خمسمائة من رجال تميم (١).

وتفرّق عن عتّاب عامّة الجيش ، وحمل عليه شبيب ، فقاتل عتّاب ساعة وقتل ، ووطئت الخيل زهرة فهلك ، فتوجّع له شبيب لمّا رآه صريعا ، فقال له رجل من قومه : والله يا أمير المؤمنين إنّك لمنذ الليلة لمتوجّع لرجل من الكافرين! قال : إنّك لست أعرف بضلالتهم (٢) منّي ، إني أعرف من قديم أمرهم ما لا تعرف ، لو ثبتوا عليه كانوا إخواننا (٣).

وقتل في المعركة : عمّار بن يزيد الكلبيّ ، وأبو خيثمة بن عبد الله (٤).

ثم قال شبيب لأصحابه : ارفعوا عنهم السيف ، ودعا الناس إلى طاعته وبيعته ، فبايعوه ، ثم هربوا ليلا (٥).

هذا كلّه قبل أن يقدم جيش الشام ، فتوجّه شبيب نحو الكوفة ، وقد دخلها عسكر الشام ، فشدّوا ظهر الحجّاج وانتعش بهم ، واستغنى بهم عن عسكر الكوفة ، وقال : يا أهل الكوفة لا أعزّ الله من أراد بكم العزّ ، الحقوا بالحيرة ، فانزلوا مع اليهود والنّصارى ، ولا تقاتلوا معنا (٦).

وحنق عليهم ، وهذا ممّا يزيدهم فيه بغضا.

ثم إنّه وجّه الحارث بن معاوية الثقفيّ في ألف فارس في الكشف ، فالتمس شبيب غفلتهم والتقوا ، فحمل شبيب على الحارث فقتله ، وانهزم من معه (٧).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٢ و ٢٦٤ ، ٢٦٥.

(٢) في طبعة القدسي ٣ / ١٢٣ «بصلاتهم» والتصويب من تاريخ الطبري.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٦.

(٤) الطبري ٦ / ٢٦٦.

(٥) الطبري ٦ / ٢٦٦.

(٦) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٦.

(٧) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٨.

٣٣١

ثم جاء شبيب فنازل الكوفة. وحفظ الناس السّكك ، وبنى شبيب مسجدا بطرف السّبخة ، فخرج إليه أبو الورد مولى الحجّاج في عدّة غلمان فقاتل حتى قتل (١).

ثم خرج طهمان مولى الحجّاج في طائفة ، فقتله شبيب (٢).

ثم إنّ الحجّاج خرج من قصر الكوفة ، فركب بغلا ، وخرج في جيش الشام ، فلما التقى الجمعان نزل الحجّاج وقعد على كرسيّ ، ثم نادى : يا أهل الشام ، أنتم أهل السّمع والطّاعة والصبر واليقين ، لا يغلبنّ باطل هؤلاء حقّكم ، غضّوا الأبصار ، واجثوا على الركب ، وأشرعوا (٣) إليهم بالأسنّة (٤).

وكان شبيب في ستّمائة ، فجعل مائتين معه كردوسا ، ومائتين مع سويد بن سليم ، ومائتين مع المحلّل بن وائل ، فحمل سويد عليهم ، حتى إذا غشي أطراف الأسنّة وثبوا في وجوههم يطعنوهم قدما قدما ، فانصرفوا ، فأمر الحجّاج بتقديم كرسيّه ، وصاح في أصحابه فحمل عليهم شبيب ، فثبتوا ، وطال القتال ، فلما رأى شبيب صبرهم نادى : يا سويد احمل على أهل هذه السّكّة لعلّك تزيل أهلها عنها ، فتأتي الحجّاج من ورائه ونحن من أمامه ، فحمل سويد على أهل السّكّة ، فرمي من فوق البيوت ، فردّ (٥).

قال أبو مخنف : فحدّثني فروة بن لقيط الخارجيّ قال : فقال لنا شبيب يومئذ : يا أهل الإسلام ، إنّما شرينا الله ، ومن شرى الله (٦) لم يكثر عليه ما أصابه ، شدّة كشدّاتكم في مواطنكم المعروفة ، وحمل على الحجّاج ، فوثب أصحاب الحجّاج طعنا وضربا ، فنزل شبيب وقومه ، فصعد الحجّاج على مسجد شبيب في نحو عشرين رجلا وقال :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢٦٩٦ ، تاريخ خليفة ٢٧٦ ، الفتوح ٧ / ٨٦.

(٢) الطبري ٩ / ٢٦٩ ، تاريخ خليفة ٢٧٦ ، الفتوح ٧ / ٨٥.

(٣) في نسخة دار الكتب «وأسرعوا» ، والتصحيح من نسخة حيدراباد ، والطبري.

(٤) الطبري ٦ / ٢٦٩.

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٩ ، ٢٧٠.

(٦) في نسخة دار الكتب (إنما سرينا لله ومن سرى لله) وما أثبتناه عن نسخة حيدرآباد ، والطبري.

٣٣٢

إذا دنوا فارشقوهم بالنّبل ، فاقتتلوا عامّة النهار أشدّ قتال في الدنيا ، حتى أقرّ كلّ فريق للآخر.

ثم إنّ خالد بن عتّاب بن ورقاء قال للحجّاج : ائذن لي في قتالهم ، فإنّي موتور وممّن لا يتّهم في نصيحة ، فأذن له ، فخرج في عصابة ودار من ورائهم ، فقتل مصادا أخا شبيب ، وغزالة امرأة شبيب ، وأضرم النيران في عسكره. فوثب شبيب وأصحابه على خيولهم ، فقال الحجّاج : احملوا عليهم فقد أرعبوا ، فشدّوا عليهم فهزموهم ، وتأخّر شبيب في حامية قومه (١).

فذكر من كان معه شبيب أنّه جعل ينعس ويخفق برأسه وخلفه الطّلب ، قال : فقلت له : يا أمير المؤمنين التفت فانظر من خلفك ، فالتفت غير مكترث ثم أكبّ يخفق ، ثم قلت : إنهم قد دنوا ، فالتفت ثم أقبل يخفق. وبعث الحجّاج إلى خيله أن دعوه (في حرق النار) (٢) ، فتركوه ورجعوا (٣).

ومرّ أصحاب شبيب بعامل للحجّاج على بلد بالسّواد فقتلوه ، ثم أتوا بالمال على دابّة فسبّهم شبيب على مجيئهم بالمال وقال : اشتغلتم بالدنيا ، ثم رمى بالمال في الفرات. ثم سار بهم إلى الأهواز وبها محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله ، فخرج لقتاله وسأل محمد المبارزة ، فبارزه شبيب وقتله.

ومضى إلى كرمان فأقام شهرين ورجع إلى الأهواز فندب له الحجّاج مقدّمي جيش الشام (٤) : سفيان بن الأبرد الكلبيّ ، وحبيب بن عبد الرحمن الحكميّ ، فالتقوا على جسر دجيل ، فاقتتلوا حتّى حجز بينهم الليل ، ثم ذهب شبيب ، فلما صار على جسر دجيل قطع الجسر ، فوقع شبيب وغرق (٥) ،

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٧٠ ، ٢٧١.

(٢) الطبري ٦ / ٢٧١ ، الفتوح لابن أعثم ٧ / ٨٩ ـ ٩٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في نسخة دار الكتب ، وهو في نسخة حيدرآباد. وفي تاريخ الطبري «في حرق الله وناره».

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٧١.

(٥) الخبر في تاريخ خليفة ٢٧٦ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٥ ، والفتوح ٧ / ٩٢.

٣٣٣

وقيل : نفر به فرسه فألقاه في الماء وعليه الحديد ، فقال له رجل : أغرقا يا أمير المؤمنين! قال : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (١) فألقاه دجيل إلى ساحله ميتا ، فحمل على البريد إلى الحجّاج ، فأمر به فشقّ بطنه وأخرج قلبه ، فإذا هو كالحجر ، إذا ضرب به الأرض نبا عنها ، فشقّوه فإذا في داخله قلب صغير (٢).

وقال ابن جرير الطبري في تاريخه (٣) : ثم أنفق الحجّاج الأموال ، ووجّه سفيان بن الأبرد في طلب القوم ، قال : وأقام شبيب بكرمان ، حتى إذا انجبر واستراش كرّ راجعا ، فيستقبله ابن الأبرد بجسر دجيل ، فالتقيا ، فعبر شبيب إلى ابن الأبرد في ثلاثة كراديس ، فاقتتلوا أكثر النهار ، وثبت الفريقان ، وكرّ شبيب وأصحابه أكثر من ثلاثين كرّة ، وابن الأبرد ثابت ، ثم آل أمرهم إلى أن ازدحموا عند الجسر ، واضطرّ شبيب أصحاب ابن الأبرد إلى الجسر ، ونزل في نحو مائة ، فتقاتلوا إلى الليل قتالا عظيما ، ثم تحاجزوا.

وقال أبو مخنف : حدّثني فروة قال : ما هو إلّا أن انتهينا إلى الجسر ، فعبرنا شبيب في الظّلمة وتخلّف في آخرنا فأقبل على فرسه ، وكانت بين يديه حجرة فنزا فرسه عليها وهو على الجسر ، فاضطربت الماذيانة ونزل حافر الفرس على حرف السفينة فنزل به في الماء (فلما سقط) (٤) قال : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) (٥) فانغمس ثم ارتفع فقال : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٦).

قال : وقيل كان معه رجال قد أصاب من عشائرهم وأبغضوه ، فلما تخلّف في السّاقة اشتوروا فقالوا : نقطع به الجسر ، ففعلوا ، فمالت السفن ، ونفر فرسه فسقط وغرق (٧).

__________________

(١) سورة الأنعام ـ الآية ٩٦ والخبر في : مروج الذهب.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٨٠ و ٢٨٢ ، مروج الذهب ٣ / ١٤٧.

(٣) ج ٦ / ٢٧٩ ، ٢٨٠.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل ، أضفناه من : تاريخ الطبري.

(٥) سورة الأنفال ـ الآية ٤٢.

(٦) الطبري ٦ / ٢٨٠.

(٧) الطبري ٦ / ٢٨١.

٣٣٤

ثم تنادوا بينهم : «غرق أمير المؤمنين» فأصبح الناس فاستخرجوه وعليه الدّرع (١).

قال أبو مخنف : فسمعتهم يزعمون أنه شقّ بطنه فأخرج قلبه ، فكان مجتمعا صلبا ، كأنه صخرة ، وأنه كان يضرب به الأرض فيثب قامة الإنسان (٢).

وسيأتي في ترجمته من أخباره أيضا.

* * *

وفيها أمر عبد العزيز بن مروان بجامع مصر ، فهدم وزيد فيه من جهاته الأربع (٣).

وأمر ببناء حصن الإسكندرية ، وكان مهدوما منذ فتحها عمرو بن العاص.

* * *

وفيها افتتح عبد الملك بن مروان هرقلة وهي مدينة معروفة داخل بلاد الروم.

وحجّ بالناس أبان بن عثمان بن عفّان (٤).

وفيها وغل عبد الله بن أميّة بن عبد الله الأمويّ بسجستان ، فأخذ عليه الطريق ، فأعطى مالا حتى خلّوا عنه ، فعزله عبد الملك بن مروان (٥) ووجّه مكانه موسى بن طلحة بن عبيد الله.

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٨١ ، ٢٨٢.

(٢) الطبري ٦ / ٢٨٢.

(٣) كتاب الولاة والقضاة ٥٠.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٣١٨ ، مروج الذهب ٤ / ٣٩٩ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٤٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٨١.

(٥) الخبر حتى هنا في : فتوح البلدان ٤٩١.

٣٣٥

حوادث

[سنة ثمان وسبعين]

توفّي فيها : جابر بن عبد الله الأنصاري.

وزيد بن خالد الجهنيّ.

وعبد الرحمن بن غنم الأشعريّ.

وأبو المقدام شريح بن هانئ.

* * *

وقال خليفة : فيها أمّر الحجّاج على سجستان عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي ، فوجّه عبيد الله أبا بردعة فأخذ عليه المضيق ، وقتل شريح بن هانئ الحارثي ، وأصاب العسكر ضيق وجوع شديد ، حتى هلك عامّتهم (١).

قال محمد بن جرير : وقد قيل إنّ هلاك شبيب بن يزيد كان في سنة ثمان. قال : وكذلك قيل في هلاك قطريّ بن الفجاءة ، وعبيدة بن هلال. وعبد ربّه الكبير ، رءوس الخوارج (٢).

* * *

وقال خليفة (٣) : فيها ولي خراسان المهلّب بن أبي صفرة.

* * *

__________________

(١) تاريخ خليفة ٢٧٧ ، تاريخ الطبري ٦ / ٣٢٠.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٣١٨ وانظر تاريخ خليفة ٢٧٦ ، ٢٧٧.

(٣) ليس في تاريخه هذا الخبر.

٣٣٦

وقال ابن الكلبيّ : فيها غزا محرز بن أبي محرز أرض الروم وفتح أزقلة ، فلما قفل أصابهم مطر شديد من وراء درب الحدث ، فأصيب فيه ناس كثير (١).

وفيها قتل سليمان بن كندير القشيري (٢) ، قتله أصحاب الحجّاج.

* * *

وفيها جرت حروب ووقعات بإفريقية والمغرب ، وولي فيها إمرة المغرب كلّه موسى بن نصير اللّخميّ ، فسار إلى طنجة وقدم على مقدّمته طارق بن زياد الصّدفيّ مولاهم الّذي افتتح الأندلس ، وأصاب فيها المائدة التي يتحدّث أهل الكتاب أنها مائدة سليمان عليه‌السلام (٣).

وفيها حجّ بالناس ابن أمير المؤمنين الوليد (٤).

وفيها وثبت الروم على ملكهم فخلعته وقطعت أنفه ونفته إلى بعض الجزائر (٥). قاله المسبّحي.

وفيها فرغ الحجّاج من بناء واسط ، سمّيت بذلك لأنّها وسط ما بين الكوفة والبصرة (٦).

وقيل : بنيت سنة ثلاث وثمانين (٧).

__________________

(١) تاريخ خليفة ٢٧٧.

(٢) في طبعة القدسي ٣ / ١٢٦ «القتيري» والتصحيح من تاريخ خليفة ، ص ٢٧٧.

(٣) انظر : البيان المغرب ١ / ٣٤ و ٤٥ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٧.

(٤) تاريخ خليفة ٢٧٧ ، تاريخ الطبري ٦ / ٣٢١.

(٥) هو الإمبراطور «يوستنيان الثاني» المعروف بالأخرم أو الأجدع (٦٨٥ ـ ٦٩٥ م.) انظر : الدولة البيزنطية للدكتور العريني ـ ص ١٤٧.

(٦) معجم البلدان ٥ / ٣٤٨.

(٧) معجم البلدان ٥ / ٣٤٩ ، فتوح البلدان ٣٥٥.

٣٣٧

حوادث

[سنة تسع وسبعين]

فيها توفّي : عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي.

وعبيد الله بن أبي بكرة بسجستان.

وقطريّ بن الفجاءة بطبرستان ، بخلف فيه.

* * *

وفيها استعمل الحجّاج على البحرين محمد بن صعصعة الكلابيّ ، وضمّ إليه عمان ، فخرج عليه الرّيّان النكريّ ، فهرب محمد وركب البحر حتى قدم على الحجّاج (١).

وفيها ولّى الحجّاج هارون بن ذراع النمري (٢) ثغر الهند وأمره بطلب العلافيين ، وهما محمد ومعاوية ابنا الحارث من بني سامة بن لؤيّ ، كانا قد قتلا عامل الحجّاج هناك ، فظفر هارون بأحدهما فقتله ، وهرب الآخر (٣).

وفيها غزا الوليد ابن أمير المؤمنين من ناحية ملطية ، فغنم وسبى (٤).

وقال عوانة بن الحكم : أول قبيل غزاهم موسى بن نصير من البربر

__________________

(١) تاريخ خليفة ٢٧٨.

(٢) في تاريخ خليفة «النميري».

(٣) تاريخ خليفة ٢٧٨.

(٤) تاريخ خليفة ٢٧٨.

٣٣٨

الذين قتلوا عقبة بن نافع ، فسار إليهم بنفسه فقتل وسبى ، وهرب ملكهم كسيلة (١).

يقال : بلغ سبيهم عشرين ألفا (٢).

قال ابن جرير (٣) : وفيها أصاب أهل الشام الطاعون حتى كادوا يفنون من شدّته.

وقال غيره : فيها كان مصرع (قطريّ بن الفجاءة) واسم الفجاءة جعونة ـ بن مازن بن يزيد التميميّ المازنيّ أبو نعامة ، خرج في زمن مصعب بن الزبير ، وبقي بضع عشرة سنة يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة وبإمرة المؤمنين ، وتغلّب على بلاد فارس.

ووقائعه مشهورة ، قد ذكر منها المبرّد قطعة في (كامله) (٤).

وقد سيّر الحجّاج لقتاله جيشا بعد جيش وهو يهزمهم.

وحكي عنه أنّه خرج في بعض الحروب على فرس أعجف ، وبيده عمود خشب ، فبرز إليه رجل ، فكشف قطريّ وجهه ، فولّى الرجل ، فقال : إلى أين؟ قال : لا يستحي الإنسان أن يفرّ من مثلك (٥).

توجّه لقتاله سفيان بن الأبرد الكلبيّ ، فظهر عليه وظفر به وقتله (٦).

وقيل : بل عثرت به فرسه فاندقّت فخذه ، فلذلك ظفروا به بطبرستان ، وحمل رأسه إلى الحجّاج (٧).

__________________

(١) تاريخ خليفة ٢٧٨ ، ٢٧٩.

(٢) تاريخ خليفة ٢٧٩ وفيه : «وذلك سنة إحدى وثمانين».

(٣) ما في تاريخه ٦ / ٣٢٢ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٤٥١.

(٤) الكامل في الأدب ٢ / ٢٥١ وما بعدها.

(٥) وفيات الأعيان ٤ / ٩٣.

(٦) تاريخ الطبري ٦ / ٣٠٩ ، الأخبار الطوال ٢٨٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٦ ، الفتوح لابن أعثم ٧ / ٧٩ ، ٨٠.

(٧) تاريخ الطبري ٦ / ٣٠٩ ، وفيات الأعيان ٤ / ٩٤.

٣٣٩

وقيل : إنّ الّذي قتله سورة بن الدارميّ (١).

وكان قطريّ مع شجاعته المفرطة وإقدامه من خطباء العرب المشهورين بالبلاغة والشعر ، وله أبيات مذكورة في الحماسة (٢) ، والله أعلم.

__________________

(١) الطبريّ ٦ / ٣١٠ ، وفيات الأعيان ٤ / ٩٤.

(٢) انظر : مجموعة شعر الخوارج ٤١ ـ ٥٠.

٣٤٠