تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٥

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

خازم) بن أسماء بن الصّلت السلميّ ، أحد الشجعان المذكورين والأبطال المعدودين.

ويقال : له صحبة ورواية ، ثار به أهل خراسان وقتله وكيع بن الدّورقيّة (١).

وقيل إنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى ابن خازم كتابا بولاية خراسان ، فمزّق كتابه وسبّ رسوله ، فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح (٢) : إن قتلت ابن خازم فأنت الأمير ، فعمل على قتله وتأمّر بكير على البلاد حتى قدم أميّة بن عبد الله (٣).

وكان في خلافة عثمان رضي‌الله‌عنه قد جمع قارن بهراة ، وأقبل في أربعين ألفا ، فهرب قيس بن الهيثم وترك البلاد ، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم هذا ، وجمع أربعة آلاف ، ولقي قارنا فهزم جنوده وقتل قارن (٤) ، وكتب إلى عبد الله بن عامر بالفتح ، فأقرّه ابن عامر أمير العراق على خراسان (٥).

قال الواقدي : فيها افتتح عبد الملك قيساريّة (٦).

__________________

(١) هو : وكيع بن عميرة القريعيّ. والخبر في تاريخ الطبري ٦ / ١٧٧.

(٢) في طبعة القدسي (ص ١٠٧) «وساج» بالسين المهملة والجيم ، والتصويب من : تاريخ خليفة ٢٩٥ ، وتاريخ الطبري ٦ / ١٧٦ و ١٧٧ ، والبلدان لليعقوبي ٢٩٩.

(٣) تاريخ خليفة ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، تاريخ الطبري ٦ / ١٧٦ ، ١٧٧.

(٤) تاريخ خليفة ١٦٧.

(٥) تاريخ خليفة ١٧٩.

(٦) تاريخ الطبري ٦ / ١٦٧.

٣٠١

حوادث

[سنة اثنتين وسبعين]

توفّي فيها : معبد بن خالد الجهنيّ.

والأحنف بن قيس.

وعبيدة السلماني.

والحارث بن سويد التّيمي.

وقتل فيها : مصعب بن الزبير.

وإبراهيم بن الأشتر.

وعيسى وعروة ولدا مصعب.

ومسلم بن عمرو الباهلي.

* * *

وكان مصعب قد سار كعادته إلى الشام إلى قتال عبد الملك بن مروان واستئصاله ، وسار إليه عبد الملك ، فجرت بينهما وقعة هائلة بدير الجاثليق (١) ، ومسكن (٢) بالقرب من أوانا (٣).

وكان قد كاتب عبد الملك جماعة من الأشراف المائلين إلى بني أميّة

__________________

(١) دير الجاثليق : دير قديم البناء رحب الفناء من طسّوج مسكن قرب بغداد في غربي دجلة في عرض حربي ، وهو في رأس الحدّ بين السواد وأرض تكريت. (معجم البلدان ٣ / ٥٠٣).

(٢) مسكن : بالفتح ثم السكون ، وكسر الكاف ، ونون. موضع قريب من أوانا على نهر دجيل.

(معجم البلدان ٥ / ١٢٧).

(٣) أوانا : بالفتح ، والنون. بليدة كثيرة البساتين والشجر نزهة ، من نواحي دجيل بغداد ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ من جهة تكريت. (معجم البلدان ١ / ٢٧٤).

٣٠٢

وغير المائلين يمنّيهم ويعدهم إمرة العراق وإمرة أصبهان وغير ذلك ، فأجابوه. وأمّا إبراهيم بن الأشتر فلم يجبه ، وأتى بكتابه مصعبا ، وفيه إن بايعه ولّاه العراق. وقال لمصعب : قد كتب إلى أصحابك بمثل كتابي فأطعني واضرب أعناقهم ، فقال : إذا لا تناصحنا عشائرهم (١) ، قال : فأوقرهم حديدا واسجنهم بأبيض كسرى ووكّل بهم من إن غلبت ضرب أعناقهم ، وإن نصرت مننت عليهم ، قال : يا أبا النّعمان إنّي لفي شغل عن ذلك ، يرحم الله أبا بحر ـ يعني الأحنف ـ إن كان ليحذر غدر العراق (٢).

وقال عبد القاهر بن السّريّ : همّ أهل العراق بالغدر بمصعب ، فقال قيس بن الهيثم : ويحكم لا تدخلوا أهل الشام عليكم ، فو الله لئن تطعّموا بعيشكم ليصفين (٣) عليكم منازلكم.

وكان إبراهيم أشار عليه بقتل زياد بن عمرو ومالك بن مسمع ، فلما التقى الجمعان قلب القوم أترستهم ولحقوا بعبد الملك (٤).

وقال الطبري (٥) : لما تدانى الجمعان حمل إبراهيم بن الأشتر على محمد بن مروان فأزاله عن موضعه ، ثم هرب عتّاب بن ورقاء ، وكان على الخيل مع مصعب. وجعل مصعب كلّما قال لمقدّم من عسكره : تقدّم ، لا يطيعه.

فذكر محمد بن سلّام الجمحيّ قال : أخبر عبد الله بن خازم أمير خراسان بمسير مصعب إلى عبد الملك ، فقال : أمه عمر بن عبيد الله التّيمي؟ قيل : لا ، استعمله على فارس. قال : فمعه المهلّب بن أبي صفرة؟

__________________

(١) في : سير أعلام النبلاء ٤ / ١٤٣ : «إذا تغضب عشائرهم».

(٢) الخبر في : الأخبار الموفّقيّات للزبير ٥٥٧ ، ٥٥٨ ، والأغاني ١٩ / ١٢٣ ، ١٢٤ ، وأنساب الأشراف ٥ / ٣٤٠ ، ٣٤١ ، والأخبار الطوال ٣١٢.

(٣) هكذا في الأصل ، وفي تاريخ الطبري ٦ / ١٥٧ ، أما في أنساب الأشراف ٥ / ٣٤٤ «ليضيّقنّ».

(٤) انظر تفاصيل الخبر في : الأخبار الموفقيات ٥٥٧ وما بعدها ، والأغاني ١٩ / ١٢٣ وما بعدها.

(٥) في تاريخه ٦ / ١٥٧.

٣٠٣

قالوا : لا ، استعمله على الموصل قال : فمعه عبّاد بن الحصين (١)؟ قيل : لا ، استعمله على البصرة. فقال ابن خازم : وأنا بخراسان (٢).

ثم تمثّل :

خذيني وجرّيني ضباع (٣) وأبشري

بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره (٤)

قال الطبري (٥) : فقال مصعب لابنه عيسى : اركب بمن معك إلى عمّك ابن الزبير ، فأخبره بما صنع أهل العراق ، ودعني فإنّي مقتول. فقال : والله لا أخبر قريشا عنك أبدا ، ولكن الحق بالبصرة فهم على الجماعة والطّاعة ، قال : لا تتحدّث قريش أنّي فررت بما صنعت ربيعة من خذلانها ، ولكن : أقاتل ، فإن قتلت فما السيف بعار.

وقال إسماعيل بن أبي المهاجر : أرسل عبد الملك مع أخيه محمد بن مروان إلى مصعب : إني معطيك الأمان يا ابن العمّ ، فقال مصعب : إنّ مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلّا غالبا أو مغلوبا (٦).

وقيل : إنّ مصعبا أبى الأمان ، وأنّهم أثخنوه بالرمي ، ثم شدّ عليه زائدة بن قدامة الثقفي ، فطعنه وقال : يا لثارات المختار. وكان ممّن قاتل مع مصعب (٧).

وقال عبد الله بن مصعب الزبيريّ ، عن أبيه قال : لما تفرّق عن مصعب جنده قيل له : لو اعتصمت ببعض القلاع وكاتبت من بعد عنك كالمهلّب وفلان ، فإذا اجتمع لك من ترضاه لقيت القوم فقد ضعفت جدّا واختلّ

__________________

(١) في الأصل «الحصن» والتصحيح من تاريخ الطبري ٦ / ١٥٨ ، وأنساب الأشراف ٥ / ٣٤٥.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٥٨ ، أنساب الأشراف ٥ / ٣٤٥.

(٣) في تاريخ الطبري «جعار» بدل «ضباع».

(٤) البيت في تاريخ الطبري ٦ / ١٥٨ ، وأنساب الأشراف ٥ / ٣٤٥ و ٣٤٨ ، وأمالي الشجري ٢ / ١١٣ ، والكامل في الأدب للمبرّد ٣ / ٥ ، ولسان العرب ، مادّة (جعفر) ومادّة (جرر) ، والكامل في التاريخ لابن الأثير ٤ / ٣٣٢.

(٥) في تاريخه ٦ / ١٥٨.

(٦) تاريخ الطبري ٦ / ١٥٨ ، ١٥٩.

(٧) تاريخ الطبري ٦ / ١٥٩.

٣٠٤

أصحابك ، فلبس سلاحه وخرج فيمن بقي معه وهو يتمثّل بشعر طريف العنبري (١) الّذي كان يعدّ بألف فارس بخراسان :

علام أقول السيف يثقل عاتقي

إذا أنا لم أركب به المركب الصّعبا

سأحميكم حتى أموت ومن يمت

كريما فلا لوما عليه ولا عتبا

وروى غسّان بن مضر ، عن سعيد بن يزيد قال : قال ابن الأشتر لمصعب : ابعث إلى زياد بن عمرو ومالك بن مسمع ووجوه من وجوه أهل البصرة فاضرب أعناقهم ، فإنّهم قد أجمعوا على أن يغدروا بك ، فأبى ، فقال ابن الأشتر : فإنّي أخرج الآن في الخيل ، فإذا قتلت فأنت أعلم. قال : فخرج وقاتل حتى قتل.

وقال الفسوي (٢) : قتل مع مصعب ابنه عيسى ، وجرح مسلم بن عمرو الباهليّ فقال : احملوني إلى خالد بن يزيد ، فحمل إليه ، فاستأمن له.

ووثب عبيد الله بن زياد بن ظبيان على مصعب فقتله عند دير الجاثليق ، وذهب برأسه إلى عبد الملك ، فسجد لله (٣).

وكان عبيد الله فاتكا رديئا ، فكان يتلهّف ويقول : كيف لم أقتل عبد الملك يومئذ حين سجد ، فأكون قد قتلت ملكي العرب (٤).

وقال أبو اليقظان وغيره : طعنه زائدة واحتزّ رأسه ابن ظبيان.

ولابن قيس الرقيّات :

لقد أورث المصرين حزنا (٥) وذلّة

قتيل بدير الجاثليق مقيم

 __________________

(١) هو طريف بن تميم العنبري ، كان أثقل العرب على عدوّه وطأة وأدركهم بثأر ، وأيمنهم نقيبة ، وأعساهم قناة لمن رام هضمه ، وأقراهم لضيفه .. (انظر عنه في : تاريخ الطبري ٨ / ٧٠ ، ومعاهد التنصيص للعباسي ١ / ٢٠٤ و ٢٠٥).

(٢) في المعرفة والتاريخ ٣ / ٣٣١.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ١٦٠ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٢١ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٣٣١ ، والأخبار الموفقيات ٥٦٠.

(٤) البداية والنهاية ٨ / ٣٢١ ، الأغاني ١٩ / ١٢٦ ، أنساب الأشراف ٥ / ٣٤٠ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٢٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٦٥.

(٥) هكذا في الأصل ، والبداية والنهاية. وفي ديوانه وتاريخ الطبري «خزيا».

٣٠٥

فما قاتلت في الله (١) بكر بن وائل

ولا صبرت عند اللقاء تميم

وكلّ ثماليّ عند مقتل مصعب

غداة دعاهم للوفاء دحيم (٢)

وقال ابن سعد : إنّ مصعبا قال يوما وهو يسير لعروة بن المغيرة بن شعبة : أخبرني عن حسين بن عليّ رضي‌الله‌عنهما كيف صنع حين نزل به ، فأنشأ يحدّثه عن صبره ، وإبائه ما عرض عليه ، وكراهيته أن يدخل في طاعة عبيد الله حتى قتل ، قال : فضرب بسوطه على معرفة فرسه وقال :

وإنّ الألى بالطّفّ من آل هاشم

تأسّوا فسنّوا للكرام التأسّيا (٣)

قال : فعرفت والله أنه لا يفرّ ، وأنّه سيصبر حتى يقتل (٤).

قال : والتقيا بمسكن ، فقال عبد الملك : ويلكم ما أصبهان هذه؟ قيل.

سرّة العراق ، قال : قد والله كتب إليّ أكثر من ثلاثين من أشراف العراق ، وكلّهم يقول : إنّ خببت بمصعب فلي أصبهان.

قال ابن سعد : فكتب إلى كلّ منهم : أن نعم ، فلما التقوا قال مصعب لربيعة : تقدّموا للقتال. فقالوا : هذه عذرة (٥) بين أيدينا فقال : ما تأتون أنتن من العذرة (٦) ، يعني تخلّفكم عن القتال.

وقد كانت ربيعة قبل مجمعة على خذلانه ، فأظهرت ذلك ، فخذّله الناس. ولم يتقدّم أحد يقاتل دونه ، فلما رأى ذلك قال : المرء ميت ، فلان يموت كريما أحسن به من أن يضرع إلى من قد وتره ، لا أستعين بربيعة أبدا

__________________

(١) في تاريخ الطبري ، والبداية والنهاية : «فما نصحت لله».

(٢) هذا البيت لم يذكره الطبري ، وانظر عنده أبياتا أخر. (٦ / ١٦١) وديوان عبد الله بن قيس بن الرقيّات ـ ص ١٩٦ ، وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفة ـ ج ٦ / ٢٦٨ ، والبداية والنهاية ٨ / ٣٢٢ ، وأنساب الأشراف ٥ / ٣٤٢ ، والأخبار الطوال ٣١٣ (باختلاف في الألفاظ) ، ومروج الذهب ٣ / ١١٦ ، .

(٣) البيت لابن قتة كما جاء في : أنساب الأشراف ٥ / ٣٣٩ ، والأغاني ١٩ / ١٢٩ ، وهو في : الفتوح لابن أعثم ٦ / ٢٦٤.

(٤) الأغاني ١٩ / ١٢٩ ، ١٣٠.

(٥) في الأصل «هذه محدوة» والتصحيح من تاريخ الطبري.

(٦) في الأصل «أبين من المحزوة» والتصحيح من تاريخ الطبري.

٣٠٦

ولا بأحد من أهل العراق ، ما وجدنا لهم وفاء ، انطلق يا بنيّ إلى عمّك فأخبره بما صنع أهل العراق ، ودعني. فإنّي مقتول ، فقال : والله لا أخبر نساء قريش بصرعتك أبدا ، قال : فإن أردت أن تقاتل فتقدّم حتى أحتسبك ، فقاتل حتّى قتل ، وتقدّم إبراهيم بن الأشتر فقاتل قتالا شديدا حتى أخذته الرماح فقتل ، ومصعب جالس على سرير ، فأقبل إليه نفر ليقتلوه ، فقاتل أشدّ القتال حتى قتل ، واحتزّ ابن ظبيان رأسه.

وبايع أهل العراق لعبد الملك ودخلها ، واستخلف على الكوفة أخاه بشر بن مروان.

قيل : إنّ ابن الزبير لما بلغه مقتل أخيه مصعب قام فقال : الحمد لله الّذي خلق الخلق (١) ، ثم ذكر مصرع أخيه فقال : ألا إنّ أهل العراق أهل الغدر والنّفاق أسلموه وباعوه ، والله ما نموت على مضاجعنا كما يموت بنو أبي العاص ، فما قتل منهم رجل في زحف ولا نموت إلّا قعصا (٢) بالرماح ، وتحت ظلال السيوف (٣).

* * *

وفيها خرج أبو فديك فغلب على البحرين (٤).

وقيل هو الّذي قتل نجدة الحروريّ ، فسار إليه جيش من البصرة ، عليهم أميّة بن عبد الله بن خالد الأموي أخو أميرها خالد ، فهزمه أبو فديك (٥) ، فكتب عبد الملك بن مروان إلى خالد يعنّفه لكونه استعمل أميّة على حرب الخوارج ، ولم يستعمل المهلّب ، وأمره أن ينهض إليهم بنفسه ، ويستعين برأي المهلّب ، ولا يعمل أمرا دونه. وكتب إلى بشر بن مروان يمدّه بخمسة

__________________

(١) في الكامل في التاريخ ٤ / ٣٣٥ «الحمد لله الّذي له الخلق والأمر».

(٢) في الأصل «قصعا» ، والتصحيح من الطبري والكامل في التاريخ.

(٣) الطبري ٦ / ١٦٦ ، الكامل ٤ / ٣٣٥ ، عيون الأخبار ٢ / ٢٤٠ ، العقد الفريد ٢ / ١٨٣ ، مروج الذهب ٣ / ١١٩.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٤.

(٥) الطبري ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٣.

٣٠٧

آلاف ، عليها عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فسار خالد بالناس حتّى قدم الأهواز ، وسارت إليه الأزارقة ، فتنازل الجيشان نحوا من عشرين ليلة ، ثم زحف إليهم خالد فأخذوا ينحازون ، فاجترأ عليهم الناس ، وكثرت عليهم الخيل ، فولّوا مدبرين على حمية ، وقتل منهم خلق ، واتّبعهم داود بن قحذم أمير الميسرة وعتّاب بن ورقاء ، وجعلوا يتطلّبونهم بفارس ، حتى هلكت خيول الجند وجاعوا ، ورجع كثير منهم مشاة (١).

قال الطبري في تاريخه (٢) : وفيها كانت وقعت بين ابن خازم بخراسان وبين بحير (٣) بن ورقاء بقرب مرو ، وقتل خلق ، وقتل عبد الله بن خازم في الوقعة ، ولي قتله وكيع بن عميرة بن الدّورقيّة.

ويقال : اعتور عليه بحير ، وعمّار الجشميّ ، وابن الدّورقيّة وطعنوه فصرعوه ، فقيل لوكيع : كيف قتلته؟ قال : غلبته بفضل القنا ، ولما صرع قعدت على صدره ، فحاول القيام فلم يقدر ، وقلت : يا ثارات دويلة ـ وهو أخو وكيع لأمّه قتل تلك المدّة ـ قال : فتنخّم في وجهي وقال : لعنك الله! ، تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يسوى (٤) كفّا من نوى ، فما رأيت أحدا أكثر ريقا منه على تلك الحال عند الموت (٥).

ثم أقبل بكير بن وساج ، فأراد أخذ رأس عبد الله بن خازم ، فمنعه بحير ، فضربه بكير بعمود وأخذ الرأس ، وقيّد بحيرا ، وبعث بالرأس إلى عبد الملك بن مروان (٦).

ثم حكى ابن جرير الطبري الخلاف في أنّ ابن خازم إنّما قتل بعد

__________________

(١) الخبر مطوّل في تاريخ الطبري ٦ / ١٦٩ ـ ١٧٣ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٣٤٣ ، ٣٤٤ ، ونهاية الأرب ٢١ / ١٥٠.

(٢) ج ٦ / ١٧٧.

(٣) مهمل في الأصل ، والتحرير من تاريخ الطبري.

(٤) عند الطبري «يساوي».

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٧ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٤٦.

(٦) تاريخ الطبري ، الكامل.

٣٠٨

مقتل عبد الله بن الزبير ، وأنّ رأس ابن الزبير ورد على ابن خازم ، فحلف أن لا يعطي عبد الملك طاعة أبدا ، وانه دعا بطست فغسّل الرأس وكفّنه وحنّطه ، وصلى عليه ، وبعث به إلى آل الزبير بالمدينة (١).

قلت : ولعلّه رأس مصعب بن الزبير.

وكان عبد الملك بعث إلى ابن خازم مع سورة النميريّ : أنّ لك خراسان سبع سنين على أن تبايعني ، فقال للرسول : لو لا أن أضرب بين بني سليم وبني عامر لقتلتك ، ولكن كل هذه الصحيفة ، فأكلها (٢).

* * *

وفيها سار الحجّاج إلى حرب ابن الزبير ، فأول قتال كان بينهما في ذي القعدة ، ودام الحصار أشهرا (٣).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٨ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٤٦ ، البلدان لليعقوبي ٢٩٩.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٦ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٤٥.

(٣) تاريخ خليفة ٢٦٨ ، ٢٦٩.

٣٠٩

حوادث

[سنة ثلاث وسبعين]

فيها توفّي : عبد الله بن عمر.

وعوف بن مالك الأشجعيّ.

وعبد الله بن الزبير ، وأمّه أسماء بنت الصّدّيق رضي‌الله‌عنهما.

وأبو سعيد بن المعلّى الأنصاري.

وربيعة بن عبد الله بن الهدير التّيمي.

وعمرو بن عثمان بن عفان.

وعبد الله بن صفوان بن أميّة بن خلف الجمحيّ.

وعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي.

وعبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التّيميّ ، قتلوا ثلاثتهم مع ابن الزبير.

وفيها توفّي : مالك بن مسمع الربعي ، وأوس بن ضمعج بخلف فيه.

* * *

وفيها حاصر الحجّاج مكة وبها ابن الزبير قد حصّنها ، ونصب الحجّاج عليها المنجنيق.

فروى عبد الملك بن عبد الرحمن الذماريّ : ثنا القاسم بن معن ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه بحديث طويل منه : وقاتل حصين بن نمير ابن الزبير

٣١٠

أياما ، وأحرق فسطاطا له نصبه عند البيت ، فطار الشرر إلى البيت ، واحترق يومئذ قرنا الكبش الّذي فدى به إسحاق (١) ، إلى أن قال في الحديث : فخطب عبد الملك بن مروان وقال : من لابن الزبير؟ فقال الحجّاج : أنا يا أمير المؤمنين ، فأسكته ، ثم أعاد قوله ، فقال : أنا ، فعقد له على جيش إلى مكة ، فنصب المنجنيق على أبي قبيس ، ورمى به على ابن الزبير وعلى من معه في المسجد ، وجعل ابن الزبير على الحجر الأسود بيضة يعني خوذة تردّ عنه ، فقيل لابن الزبير : ألا تكلّمهم في الصّلح ، فقال : أو حين صلح هذا ، والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم جميعا ، ثم قال :

ولست بمبتاع الحياة بسبّة

ولا مرتق (٢) من خشية الموت سلّما

أنافس سهما إنّه غير بارح (٣)

ملاقي المنايا أيّ صرف تيمّما (٤)

قال : وكان على ظهر المسجد طائفة من أعوان ابن الزبير يرمون عدوّه بالآجرّ ، وحمل ابن الزبير فأصابته آجرّة في مفرقه فلقت رأسه (٥).

وقال الواقديّ : ثنا مصعب بن ثابت ، عن أبي الأسود ، عن عبّاد بن عبد الله بن الزبير ، قال : وثنا شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه ، وثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قالوا : لما قتل

__________________

(١) كذا في النسخ ، وهو مرجوح. وقد قال المحبّي في (جنى الجنّتين ـ ص ٥٠) : وأما القول بأنّ إسحاق هو الذبيح فقد استدلّ له بدلائل من الحديث والأخبار. أكثر ممكنة التأويل. وذكر أن سبب ذبح إسحاق على القول بأنه الذبيح أنّ الخليل إبراهيم قال لسارة : إن جاءني منك ولد فهو لله ذبيح ، فجاءت بإسحاق ...

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي ، إن إسماعيل هو الراجح عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

(كما في جنى الجنّتين).

(٢) في (المفضّليّات ١٢) : «ولا مبتغ».

(٣) هذا الشطر من البيت ورد مختلفا في : «المفضّليّات ، وفي تاريخ الطبري ، وأنساب الأشراف ٥ / ٣٦٧ :.

أبى لابن سلمى أنّه غير خالد.

(٤) البيتان للحصين بن الحمام المرّي ، في المفضليّات ١٢ ، وتاريخ الطبري ٦ / ١٩١ بتقديم البيت الثاني على الأول ، وكذا في أنساب الأشراف ٥ / ٣٦٧ ، ومروج الذهب ٣ / ١٢١.

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٢.

٣١١

عبد الملك مصعبا بعث الحجّاج إلى ابن الزبير في ألفين ، فنزل الطائف ، وبقي يبعث البعوث إلى عرفة ، ويبعث ابن الزبير بعثا فتهزم خيل ابن الزبير ، ويردّ أصحاب الحجّاج إلى الطّائف (١) ، فكتب الحجّاج إلى عبد الملك في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير ، وأن يمدّه بجيش ، فأجابه وكتب إلى طارق بن عمرو فقدم على الحجّاج في خمسة آلاف ، فحجّ الحجّاج بالناس ، سنة اثنتين يعني ، ثم صدر الحجّاج بن يوسف وطارق ولم يطوفا بالبيت ولا قربا النساء حتى قتل ابن الزبير فطافا (٢).

وحصر ابن الزبير من ليلة هلال ذي القعدة ستّة أشهر (٣) وسبع عشرة ليلة.

وقدم على ابن الزبير حبشان من أرض الحبشة ، فجعلوا يرمون فلا يقع لهم مزراق إلّا في إنسان ، فقتلوا خلقا (٤).

وكان معه أيضا من خوارج أهل مصر ، فقاتلوا قتالا شديدا ، ثم ذكروا عثمان فتبرّءوا منه ، فبلغ ابن الزبير فناكرهم ، فانصرفوا عنه (٥). وألحّ عليه الحجّاج بالمنجنيق وبالقتال من كلّ وجه ، وحبس عنهم الميرة فجاعوا ، وكانوا يشربون من زمزم فتعصمهم ، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة.

وثنا شرحبيل ، عن أبيه قال : سمعت ابن الزبير يقول لأصحابه : انظروا كيف تضربون بسيوفكم ، وليصن الرجل سيفه كما يصون وجهه (٦) ، فإنّه قبيح بالرجل أن يخطئ مضرب سيفه ، فكنت أرمقه إذا ضرب فما يخطئ مضربا

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ / ٣٥٧.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٤ ، ١٧٥ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٤٩ ، ٣٥٠.

(٣) وفي تاريخ الطبري ٦ / ١٨٧ : «حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين وقتل لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ، وكان حصر الحجّاج لابن الزبير ثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة». وهذا القول في أنساب الأشراف ٥ / ٣٦٨.

(٤) الخبر في أنساب الأشراف ٥ / ٣٦٠ ، ٣٦١ برواية الواقدي.

(٥) أنساب الأشراف ٥ / ٣٦١.

(٦) انظر : تاريخ الطبري ٦ / ١٩١.

٣١٢

واحدا شبرا من ذباب السيف أو نحوه ، وهو يقول : (خذها وأنا ابن الحواريّ) (١).

فلما كان يوم الثلاثاء قام بين الركن والمقام فقاتلهم أشدّ القتال ، وجعل الحجّاج يصيح بأصحابه : يا أهل الشام ، يا أهل الشام ، الله الله في الطاعة ، فيشدّون الشدّة الواحدة حتى يقال : قد اشتملوا عليه ، فيشدّ عليهم حتى يفرّجهم ويبلغ بهم باب بني شيبة ثم يكرّ ويكرّون عليه ، وليس معه أعوان ، فعل ذلك مرارا حتى جاءه حجر عائر (٢) من ورائه فأصابه في قفاه فوقذه (٣) فارتعش ساعة ، ثم وقع لوجهه ، ثم انتهض فلم يقدر على القيام ، وابتدره الناس ، وشدّ عليه رجل من أهل الشام فضرب الرجل فقطع رجليه وهو متّكئ على مرفقه الأيسر ، وجعل يضربه وما يقدر أن ينهض حتى كثّروه ، فصاحت امرأة من الدّار : «وا أمير المؤمنيناه) قال : وابتدروه فقتلوه رحمه‌الله (٤).

وقال الواقدي : حدّثني إسحاق بن يحيى ، عن يوسف بن ماهك قال : رأيت المنجنيق يرمى به ، فرعدت السماء وبرقت ، واشتدّ الرعد ، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا ، فجاء الحجّاج ورفع الحجر بيده ورمى معهم ، ثم إنّهم جاءتهم صاعقة تتبعها أخرى ، فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا ، فانكسر أهل الشام ، فقال الحجّاج : لا تنكروا هذه فهذه صواعق تهامة ، ثم جاءت صاعقة فأصابت عدّة من أصحاب ابن الزبير من الغد (٥).

وقال الواقدي حدّثني إسحاق بن عبد الله ، عن المنذر بن الجهم قال : رأيت ابن الزّبير يوم قتل وقد خذله من معه خذلانا شديدا ، وجعلوا يخرجون

__________________

(١) انظر : أنساب الأشراف ٥ / ٣٦٤.

(٢) مصحّفة في النسخ ، والتحرير من : أساس البلاغة.

(٣) في الأصل وبقيّة النسخ «وقده» بالدال المهملة.

(٤) أنساب الأشراف ٥ / ٣٦٥.

(٥) الخبر في تاريخ الطبري ٦ / ١٨٧ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٣٥١ ، وهو باختصار في تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٦٦.

٣١٣

إلى الحجّاج نحو من عشرة آلاف (١) ، وقيل : إنّه ممّن فارقه ولعلّه من الجوع ابناه حمزة وخبيب ، فخرجا إلى الحجّاج وطلبا أمانا لأنفسهما.

فروى الواقدي عن أبي الزناد (٢) ، عن محمد (٣) بن سليمان قال : دخل ابن الزبير على أمّه وقال : يا أمّه خذلني الناس حتّى ولدي وأهلي ، ولم يبق معي إلّا من ليس عنده دفع أكثر من صبر ساعة ، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا ، فما رأيك؟ قالت : أنت أعلم ، إن كنت تعلم أنّك على حقّ وإليه تدعو فامض له ، فقد قتل عليه أصحابك ، ولا تمكّن من رقبتك يتلعّب بها غلمان بني أميّة ، وإن كنت إنّما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك ومن قتل معك. فقبّل رأسها وقال : هذا رأيي الّذي قمت به ، ما ركنت إلى الدنيا ، وما دعاني إلى الخروج إلّا الغضب لله ، فانظري فإنّي مقتول ، فلا يشتدّ حزنك ، وسلّمي لأمر الله ، في كلام طويل بينهما (٤).

وقال : وجعل ابن الزبير يحمل فيهم كأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه أحد ويقول :

لو كان قرني واحدا كفيته (٥).

وبات ليلة الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى (٦) وقد أخذ عليه الحجّاج بالأبواب ، فبات يصلّي عامّة الليل ، ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى ، ثم انتبه بالفجر ، فصلّى الصبح فقرأ : (ن والقلم) حرفا حرفا ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ، وأوصى بالثّبات (٧).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٨٨.

(٢) في طبعة القدسي ٣ / ١١٥ «ابن أبي الزناد».

(٣) هكذا في الأصل ، وفي تاريخ الطبري «مخرمة». انظر عنه في : تهذيب ١٠ / ٧١ رقم ١٢١.

(٤) الخبر بطوله في تاريخ الطبري ٦ / ١٨٨ ، ١٨٩ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٣٥٢ ، ٣٥٣ ، وانظر بعضه في : أنساب الأشراف ٥ / ٣٦٤ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٦٧.

(٥) الخبر في تاريخ الطبري ٦ / ١٩٠ ، ١٩١ ، وشطر البيت لدويد بن زيد. انظر : طبقات الشعراء لابن سلام ٢٨.

(٦) في نسخة دار الكتب المصرية «جمادى الآخرة» ، وكذا أثبتها القدسي ـ رحمه‌الله ـ في طبعته ٣ / ١١٥ ، وما أثبتناه عن نسخة الأصل ، وهو يتّفق مع الطبري.

(٧) تاريخ الطبري ٦ / ١٩١.

٣١٤

ثم حمل حتى بلغ الحجون ، فأصيب بآجرّة في وجهه شجّته ، فقال :

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدّما (١)

ثم تكاثروا عليه فقتلوه ، وبعث برأسه ، ورأسي عبد الله بن صفوان ، وعمارة بن عمرو بن حزم إلى الشام بعد أن نصبوا بالمدينة (٢).

واستوسق (٣) الأمر لعبد الملك بن مروان ، واستعمل على الحرمين الحجّاج بن يوسف ، فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير ، وكانت تشعّثت من المنجنيق ، وانفلق الحجر الأسود من المنجنيق فشعّبوه ، وبناها الحجّاج على بناء قريش ولم ينقضها إلّا من جهة الميزاب ، وسدّ الباب الّذي أحدثه ابن الزبير وهو ظاهر المكان (٤).

* * *

وفيها غزا محمد بن مروان بن الحكم قيسارية وهزم الروم (٥).

وفيها سار عمر بن عبيد الله التّيمي بأهل البصرة في نحو عشرة آلاف لحرب أبي فديك ، فالتقوا ، فكان على ميمنة أهل البصرة محمد بن موسى بن طلحة ، وعلى الميسرة أخوه عمر بن موسى. فانكسرت الميسرة ، وأثخن

__________________

(١) في أكثر النسخ «الدم» وهو وهم. والبيت للحصين بن الحمام المرّي ، في ديوان الحماسة بشرح المرزوقي ١ / ١٩٢ ، وتاريخ الطبري ٦ / ١٩٢ ، وقال البلاذري حين ذكر البيت إنه لخالد بن الأعلم حليف بني مخزوم وهو عقيلي ، وقال بعضهم هو لأبي عزّة الجمحيّ (أنساب الأشراف ٥ / ٣٦٥) ، والبيت أيضا في : الأخبار الطوال ٣١٥ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٣٥٦ ، ومروج الذهب ٣ / ١٢١.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٢ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٥٦ ، ٣٥٧.

(٣) استوسق الأمر : اجتمع.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٥ (حوادث سنة ٧٤ ه‍.) ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٦٥ ، أنساب الأشراف ٥ / ٣٧٣ ، أخبار مكة ١ / ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، شفاء الغرام (بتحقيقنا) ١ / ٣١١ ، ٣١٢ ، تاريخ خليفة ٢٧١ ، الأخبار الطوال ٣١٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٢ ، وقال اليافعي : «وأما قول الذهبي فنقض الكعبة وأعادها إلى بنائها في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فظاهره أنه نقض الكعبة كلها وليس بصحيح». (مرآة الجنان ١ / ١٥١).

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٤ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٦٣.

٣١٥

أميرها بالجراح ، وأخذه الخوارج فأحرقوه ، في الحال ، ثم تناخى المسلمون وحملوا حتى استباحوا عسكر الخوارج ، وقتل أبو فديك وحصروهم في المشقّر (١) ، ثم نزلوا على الحكم فقتل عمر بن عبيد الله منهم نحو ستّة آلاف ، وأسر ثمانمائة ،

وكان أبو فديك قد أسر جارية أميّة بن عبد الله ، فأصابوها وقد حبلت من أبي فديك (٢).

وفيها عزل عبد الملك بن مروان خالدا عن البصرة وأضافها إلى أخيه بشر بن مروان (٣).

واستعمل على خراسان بكير بن وشاح (٤).

__________________

(١) المشقّر : بضمّ أوّله ، وفتح ثانيه ، وتشديد القاف. حصن بين نجران والبحرين. (معجم البلدان ٥ / ١٣٤).

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٣ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٦٢ ، نهاية الأرب ٢١ / ١٥٠ ، ١٥١.

(٣) الطبري ٦ / ١٩٤.

(٤) في الأصل وطبعة القدسي ٣ / ١١٦ «وساج». والتحرير من الطبري ٦ / ١٩٤ وغيره.

٣١٦

حوادث

[سنة أربع وسبعين]

توفّي فيها : رافع بن خديج.

وأبو سعيد الخدريّ.

وسلمة بن الأكوع.

وخرشة بن الحرّ (١) الكوفي يتيم عمر.

وعاصم بن ضمرة.

وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ، له رؤية.

ومحمد بن حاطب الجمحيّ.

ومالك بن أبي عامر الأصبحي جدّ مالك الامام.

وأبو جحيفة السوائيّ (٢).

وفيها في أولها قيل إنّ ابن عمر توفّي ، وقد ذكر.

* * *

وفيها سار الحجّاج من مكة بعد ما بنى البيت الحرام إلى المدينة ، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعنّت (٣) أهلها ، وبنى بها مسجدا في بني سلمة ، فهو ينسب إليه (٤).

__________________

(١) في نسخة دار الكتب «الحرا» والتصحيح من أسد الغابة ومصادر ترجمته الآتية في موضعها.

(٢) الأخبار الطوال للدينوري ٣١٦.

(٣) في تاريخ الطبري «يتعبّث».

(٤) الطبري ٦ / ١٩٥.

٣١٧

واستخفّ فيها ببقايا الصحابة وختم في أعناقهم (١).

فروى الواقديّ ، عن ابن أبي ذئب ، عمّن رأى جابر بن عبد الله مختوما في يده ، ورأى أنسا مختوما في عنقه ، يذلّهم بذلك (٢).

قال الواقدي : وحدّثني شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه قال : رأيت الحجّاج أرسل إلى سهل بن سعد الساعديّ فقال : ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان؟ قال : قد فعلت ، قال : كذبت ، ثم أمر به فختم في عنقه برصاص (٣).

وفيها ـ ذكره ابن جرير (٤) ـ ولّي عبد الملك المهلّب بن أبي صفرة حرب الأزارقة ، فشقّ ذلك على بشر ، وأمره أن يختار من أراد من جيش العراق ، فسار حتى نزل رامهرمز ، فلقي بها الخوارج ، فخندق عليه (٥).

وفيها عزل عبد الملك بكير بن وشاح عن خراسان ، واستعمل عليها أميّة بن عبد الله بن خالد ، عزل بكيرا خوفا من افتراق تميم بخراسان ، فإنّه أخرج ابن عمّه بحيرا من الحبس ، فالتفّ على بحير خلق ، فخاف أهل خراسان وكتبوا إلى عبد الملك أن يولّي عليهم قرشيا لا يحسد ولا يتعصّب عليه ، ففعل (٦).

وكان أميّة سيّدا شريفا فلم يتعرّض لبكير ولا لعمّاله ، بل عرض عليه أن يولّيه شرطته ، فامتنع ، فولّى بحير بن ورقاء (٧).

ويقال : فيها كان مقتل أبي فديك ، وقد مرّ في سنة ثلاث.

__________________

(١) الطبري.

(٢) الطبري.

(٣) الطبري.

(٤) في تاريخه ٦ / ١٩٥ ، ١٩٦.

(٥) الطبري ٦ / ١٩٧ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٦٦.

(٦) الطبري ٦ / ١٩٩ وما بعدها. ، الكامل ٤ / ٣٦٧.

(٧) الطبري ٦ / ٢٠١ ، الكامل ٤ / ٣٦٨.

٣١٨

حوادث

[سنة خمس وسبعين]

فيها توفّي : العرباض بن سارية السّلمي.

وأبو ثعلبة الخشنيّ.

وكريب بن أبرهة الأصبحيّ أمير الاسكندرية.

وبشر بن مروان أمير العراق.

وعمرو بن ميمون الأوديّ فيها ، وقيل : في التي قبلها.

وسليم بن عتر التّجيبيّ قاضي مصر وقاصّها.

* * *

وفيها وفد عبد العزيز بن مروان على أخيه ، واستخلف على مصر زياد بن حناطة التّجيبيّ ، فتوفّي زياد في شوّال ، واستخلف أصبغ بن عبد العزيز بن مروان (١).

* * *

وفيها حجّ بالنّاس عبد الملك بن مروان ، وخطب على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢). وسيّر على إمرة العراق الحجّاج ، فسار من المدينة إلى الكوفة في اثني عشر راكبا بعد أن وهب البشير ثلاثة آلاف دينار (٣).

__________________

(١) كتاب الولاة والقضاة ٥١ ، تاريخ خليفة ٢٧١.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٣ ، تاريخ خليفة ٢٧١ ، مروج الذهب ٤ / ٣٩٩ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٣٣٢ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٩١ ، مرآة الجنان ١ / ١٥٦ ، شفاء الغرام ٢ / ٣٤٠ ، البداية والنهاية ٩ / ١٠.

(٣) الطبري ٦ / ٢٠٢ ، ابن الأثير ٤ / ٣٧٤ ، العقد الفريد ٤ / ١١٩.

٣١٩

قال الوليد بن مسلم : حدّثني عبيد الله بن يزيد بن أبي مسلم الثقفي ، عن أبيه قال : كان الحجّاج عاملا لعبد الملك على مكّة ، فكتب إليه بولايته على العراق ، قال : فخرجت معه في نفر ثمانية أو تسعة على النجائب ، فلما كنّا بماء قريب من الكوفة نزل فاختضب وتهيّأ ، وذلك في يوم جمعة ، ثم راح معتمّا قد ألقى عذبة العمامة بين كتفيه متقلّدا سيفه ، حتى نزل عند دار الإمارة عند مسجد الكوفة ، وقد أذّن المؤذّن بالأذان الأول ، فخرج عليهم الحجّاج وهم لا يعلمون ، فجمع بهم ، ثم صعد المنبر فجلس عليه فسكت ، وقد اشرأبّوا إليه وجثوا على الرّكب وتناولوا الحصى ليقذفوه بها ، وقد كانوا حصبوا عاملا قبله ، فخرج عليهم ، فسكت سكتة أبهتهم ، وأحبّوا أن يسمعوا كلامه ، فكان بدء كلامه أن قال : يا أهل العراق ، يا أهل الشّقاق ويا أهل النّفاق ، والله إن كان أمركم ليهمّني قبل أن آتي إليكم ، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بي ، فأجاب دعوتي ، ألا إنّي سريت البارحة فسقط منّي سوطي ، فاتّخذت هذا مكانه ـ وأشار إلى سيفه ـ فو الله لأجرّنّه فيكم جرّ المرأة ذيلها ، ولأفعلنّ ولأفعلنّ (١).

قال يزيد : فرأيت الحصى متساقطا من أيديهم ، وقال : قوموا إلى بيعتكم ، فقامت القبائل قبيلة قبيلة تبايع ، فيقول : من؟ فتقول : بنو فلان ، حتى جاءته قبيلة فقال : من؟ قالوا النّخع ، قال : منكم كميل بن زياد؟ قالوا نعم ، قال : فما فعل؟ قالوا أيّها الأمير شيخ كبير ، قال : لا بيعة لكم عندي ولا تقربون حتّى تأتوني به. قال : فأتوه به منعوشا في سرير حتّى وضعوه إلى جانب المنبر ، فقال : ألا لم يبق ممّن دخل على عثمان الدّار غير هذا ، فدعا بنطع وضربت عنقه (٢).

__________________

(١) انظر خطبة الحجّاج في : تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٢ وما بعدها ، والعقد الفريد ٤ / ١١٥ وما بعدها ، وعيون الأخبار ٢ / ٢٤٣ وما بعدها ، والبيان والتبيين ٢ / ١٢٠ وما بعدها ، ومروج الذهب ٣ / ١٣٣ وما بعدها ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ١١٤ ، ونهاية الأرب ٧ / ٢٤٥ ، والفتوح لابن أعثم ٧ / ٤.

وفي المصادر المذكورة اختلاف في نصّ الخطبة.

(٢) في تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٥ ذكر مقتل كميل بن زياد في سنة ٨٣ ه‍. ، وانظر عنه في : الفتوح لابن أعثم ٧ / ١٤١ ـ ١٤٣.

٣٢٠