تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

ويوادّونك وينصرونك. فأثنى عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيرا ودعا له. فبني لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عريش (١) ، فكان فيه وأبو بكر ما معهما غيرهما.

وقال خ (٢) : ثنا أبو نعيم ، ثنا إسرائيل ، عن مخارق ، عن طارق بن شهاب ، سمع ابن مسعود يقول : شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ (٣) إليّ ممّا عدل (٤) به : أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يدعو على المشركين فقال : لا نقول لك كما قال قوم موسى [١٤ ب] لموسى (٥) : اذهب (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، (٦) ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ، قال : فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشرق [وجهه] (٧) لذلك ، وسرّه (٨).

وقال (م د) حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس رضي‌الله‌عنه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ندب أصحابه فانطلق إلى بدر ، فإذا هم بروايا قريش ، فيها عبد أسود لبني الحجّاج ، فأخذه أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعلوا يسألونه : أين [أبو (٩)] سفيان؟ فيقول : والله ما لي بشيء من أمره علم ، ولكن هذه قريش قد جاءت ، فيهم أبو جهل ، وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، وأميّة بن خلف. قال : فإذا قال لهم ذلك ضربوه. فيقول : دعوني دعوني أخبركم. فإذا تركوه قال

__________________

(١) في طبعة القدسي ٦٠ «عريشا» والتصحيح من نسخة شعيرة.

(٢) ليست في نسخة شعيرة ١١٧.

(٣) في نسختي : ع ح ، زيادة «كان أحبّ».

(٤) في نسخة شعيرة ١١٧ «عذر» وهو غلط.

(٥) لموسى ، غير موجودة في صحيح البخاري.

(٦) سورة المائدة ، الآية ٢٤.

(٧) زيادة من ح والبخاري.

(٨) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قول الله تعالى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٥ / ٩٣). وفيه اختلاف ألفاظ عن هنا.

(٩) سقطت من الأصل وزدناها من ع ، ح.

٨١

كقوله سواء. والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي وهو يسمع ذلك. فلما انصرف قال : والّذي نفسي بيده إنّكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم. هذه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان (١).

قال أنس رضي‌الله‌عنه : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا مصرع فلان غدا ، ووضع يده على الأرض. وهذا مصرع فلان ، ووضع يده على الأرض ، وهذا مصرع فلان ، ووضع يده على الأرض.

قال : والّذي نفسي بيده ما جاوز أحد منهم عن موضع يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : فأمر بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخذ بأرجلهم ، فسحبوا فألقوا في قليب بدر (٢). صحيح.

وقال حمّاد أيضا ، عن ثابت ، عن أنس رضي‌الله‌عنه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان. فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه ، ثم تكلّم عمر فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة ـ كذا قال ، والمعروف سعد بن معاذ ـ فقال : إيّانا تريد يا رسول الله؟ والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها. ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد (٣) لفعلنا. قال : فندب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس ، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا. وساق الحديث المذكور قبل هذا. أخرجه مسلم (٤).

ورواه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة أحضر منه عن ثابت ، عن أنس رضي‌الله‌عنه : حدّثنا عمر قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخبرنا عن مصارع

__________________

(١) صحيح مسلم (١٧٧٩) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة بدر ، وعون المعبود : ٣ / ١٠.

(٢) سبق التعريف به.

(٣) برك الغماد : برك : بفتح الباء وإسكان الراء. والغماد : بغين معجمة مكسورة ومضمومة ، لغتان مشهورتان ، لكن الكسر أفصح وهو المشهور في روايات المحدّثين ، والضمّ هو المشهور في كتب اللغة. وهو موضع من وراء مكة. بخمسة ليال بناحية الساحل ، وقيل بلدتان ـ وقيل هو موضع بأقاصي هجر.

(٤) صحيح مسلم ١٧٧٩ كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة بدر.

٨٢

القوم بالأمس : هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا ، هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا. فو الّذي بعثه بالحقّ ، ما أخطأوا تلك الحدود ، وجعلوا يصرعون حولها. ثم ألقوا في القليب.

وجاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا؟ فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقّا. فقلت : يا رسول الله أتكلّم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال : والّذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ.

وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق ، ولقد رأيتنا وما فينا إلّا نائم (١) إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت سمرة يصلّي ويبكي ، حتى أصبح.

[١٥ أ] وقال أبو عليّ عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي : حدّثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، أخبرني إسماعيل بن عون [بن عليّ (٢)] بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ، ثم جئت لأنظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما فعل ، فجئت فإذا هو ساجد يقول : يا حيّ يا قيّوم ، يا حيّ يا قيّوم ، لا يزيد عليها. فرجعت إلى القتال ، ثم جئت وهو ساجد يقول أيضا. غريب.

وقال الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : ما سمعت مناشدا ينشد حقّا أشدّ من مناشدة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر ، جعل يقول : اللهمّ أنشدك (٣) عهدك ووعدك ، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لا

__________________

(١) في ح : (وما فينا أحد إلّا وهو نائم).

(٢) الزيادة من ترجمته في تهذيب التهذيب (١ / ٢٢١).

(٣) في ح : «إنّي أنشدك».

٨٣

تعبد ، ثم التفت وكأنّ شقّ وجهه القمر ، فقال : كأنّما انظر إلى مصارع القوم عشيّة بدر.

وقال خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال وهو في قبّته يوم بدر : اللهمّ إنّي أنشدك عهدك ووعدك ، اللهمّ إنّ شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا. فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربّك ، وهو في الدرع. فخرج وهو يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) (١) أخرجه البخاري (٢).

وقال عكرمة بن عمّار : حدّثني أبو زميل سماك الحنفي ، حدّثني ابن عبّاس ، عن عمر قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. فاستقبل القبلة ثمّ مدّ يديه (٣) فجعل يهتف بربّه ، مادّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه فقال : يا نبيّ الله (٤) كفاك (٥) مناشدتك ربّك فإنّه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله [عزوجل (٦)](إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٧) فأمدّه الله بالملائكة.

فحدّثني ابن عبّاس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتدّ في أثر

__________________

(١) سورة القمر : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة اقتربت الساعة (٦ / ١٧٩).

(٣) في طبعة القدسي ٦٤ «يده» والتصويب من صحيح مسلم ، ونسخة شعيرة ، والبداية والنهاية.

(٤) في ع : (يا رسول الله).

(٥) في الأصل ، ع : (كذاك). والتصحيح. والتصحيح من ح. ورواه مسلم «كذاك».

(٦) زيادة من ع ، ح. وصحيح مسلم.

(٧) سورة الأنفال : ٩.

٨٤

رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسّوط فوقه وصوت الفارس [يقول] (١) : أقدم حيزوم (٢). إذ نظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه (٣) وشقّ وجهه كضربة السوط ، فاخضرّ ذلك أجمع. فجاء الأنصاريّ ، فحدّث ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : صدقت ، ذاك من مدد السماء الثالثة.

فقتلوا يومئذ سبعين ، وأسروا سبعين. أخرجه مسلم (٤).

وقال سلامة بن روح ، عن عقيل ، حدّثني ابن شهاب قال : قال أبو حازم عن سهل بن سعد قال : قال أبو أسيد السّاعديّ بعد ما ذهب بصره : يا ابن أخي ، والله لو كنت أنا وأنت ببدر ، ثمّ أطلق الله لي بصري لأريتك الشّعب الّذي خرجت علينا منه الملائكة ، غير شكّ ولا تمار (٥).

وقال الواقدي : ثنا ابن أبي حبيبة (٦) عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس. وحدّثنا موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا أبا بكر [أبشر] (٧) هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ [١٥ ب] بعنان فرسه بين السماء والأرض. فلما نزل إلى الأرض ،

__________________

(١) إضافة من صحيح مسلم.

(٢) أقدم حيزوم : ضبطوه بوجهين : أصحّهما وأشهرهما ، لم يذكر ابن دريد وكثيرون أو الأكثرون غيره : أنه بهمزة قطع مفتوحة ، وبكسر الدال. من الإقدام ، قالوا : وهي كلمة زجر للفرس معلومة في كلامهم. والثاني بضم الدال وبهمزة وصل مضمومة من التقدّم وحيزوم اسم فرس الملك ، وهو منادى بحذف حرف النداء. أي : يا حيزوم. شرح صحيح مسلم ص ١٣٨٤ رقم (٨) وانظر الروض الأنف ٣ / ٤٨.

(٣) خطم أنفه ، ضربه. والخطم : الأثر على الأنف.

(٤) صحيح مسلم (١٧٦٣) : كتاب الجهاد والسير ، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر.

(٥) العبارة عند ابن كثير في البداية والنهاية ٣ / ٢٨٠ «لا أشك فيه ولا أتمارى».

(٦) في الأصل : (ابن أبي حنيفة) خطأ صوابه من ع ، ح. وانظر تهذيب التهذيب (١ / ١٠٤).

والبداية والنهاية ٣ / ٢٨٠.

(٧) زيادة من ح. وفي البداية والنهاية ٣ / ٢٨٠ وردت : «أبشر يا أبا بكر».

٨٥

تغيّب عنّي ساعة ثم طلع ، على ثناياه النّقع (١) يقول : «أتاك نصر الله إذ دعوته» (٢).

وقال عكرمة ، عن ابن عبّاس ، أن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ رأس فرسه ، عليه أداة الحرب. أخرجه البخاري (٣).

وقال موسى بن يعقوب الزّمعي : حدّثني أبو الحويرث ، حدّثني محمد ابن جبير بن مطعم أنّه سمع عليّا رضي‌الله‌عنه ، خطب النّاس فقال : بينما أنا أمتح (٤) من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها ثم ذهبت ، ثم جاءت ريح شديدة كالتي قبلها. فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة ، وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة. وجاءت ريح ثالثة كان فيها إسرائيل في ألف (٥). فلما هزم الله أعداءه حملني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على فرسه ، فجرت بي ، فوقعت على عقبي ، فدعوت الله فأمسكت. فلما استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى اختضب هذا ، وأشار إلى إبطه.

غريب. وموسى فيه ضعف (٦). وقوله : «حملني على فرسه» لا

__________________

(١) النقع : الغبار.

(٢) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ٨١). وابن كثير : البداية والنهاية ٣ / ٢٨٠.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب شهود الملائكة بدرا (٣ / ١٠٥). وراجع سيرة ابن هشام ٣ / ٣٨.

(٤) يقال : متح الماء كمنع ، يمتحه متحا : نزعه. وفي اللسان : المتح : نزعك رشاء الدلو تمدّ بيد وتأخذ بيد على رأس البئر. متح الدّلو يمتحها متحا ومتح بها. (تاج العروس ٧ / ١٠٧).

(٥) زاد بعدها في ع : (من الملائكة).

(٦) انظر : الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٦ / ٢٣٤١ والمغني في الضعفاء للذهبي (٢ / ٦٨٩) وميزان الاعتدال له ٤ / ٢٢٧.

٨٦

يعلم (١) إلّا من هذا الوجه.

وقال يحيى بن بكير. حدّثني محمد بن يحيى بن زكريّا الحميري ، ثنا العلاء بن كثير ، حدّثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، حدّثني أبو أمامة بن سهل قال : قال أبي : يا بنيّ لقد رأيتنا يوم بدر وإنّ أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف (٢).

وقال ابن إسحاق : حدّثني من لا أتّهم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : كانت (٣) سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها في (٤) ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا. ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر (٥). وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا (٦).

وجاء في قوله تعالى : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (٧) ، ذكر الواقدي ، عن إبراهيم [بن إسماعيل] (٨) بن أبي حبيبة ، حدّثه عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال :كان الملك يتصوّر في صورة من يعرفون من النّاس ، [يثبّتونهم] (٩) ، فيقول : إنّي قد دنوت منهم (١٠) فسمعتهم يقولون : لو حملوا علينا ما ثبتنا.

__________________

(١) في ع ، ح : (يعرف).

(٢) الرواية بالسند والنص عند ابن كثير ٣ / ٢٨٠ ،

(٣) في طبعة القدسي ٦٦ «كان» والتصويب من السيرة.

(٤) في السيرة «على».

(٥) في الأصل : «في سوى يوم بدر» وما أثبتناه عن نسخة ح ، والسيرة.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٤١ وفي آخرها «عددا ومددا لا يضربون» وكذا في البداية والنهاية ٣ / ٢٨١.

(٧) سورة الأنفال : من الآية ١٢.

(٨) زيادة في اسمه اضفناها من ترجمته في تهذيب التهذيب (١ / ١٠٤).

(٩) زيادة من ح.

(١٠) في الأصل : (منكم) وأثبتنا نصّ ع ، ح.

٨٧

إلى غير ذلك من القول (١).

وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : لمّا قدمنا المدينة ، أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك. فكان (٢) النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتخبّر عن بدر. فلما بلغنا أنّ المشركين قد أقبلوا ، سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر ـ وهي بئر ـ فسبقنا المشركين إليها. فوجدنا فيها رجلين : رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. فأما القرشيّ فانفلت ، وأمّا مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول له : كم القوم؟ فيقول : هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه. حتى انتهوا به إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : كم القوم؟ [قال] (٣) : هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجهد أن يخبره كم هم فأبى. ثم سأله : كم ينحرون كلّ [١٦ أ] يوم من الجزور؟ فقال : عشيرة. فقال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : القوم ألف ، كلّ جزور لمائة وتبعها.

ثم إنّه أصابنا من الليل طشّ (٤) من مطر ، فانطلقنا تحت الشجر والحجف (٥) نستظلّ تحتها (٦). وبات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو ربّه ويقول : «اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض». فلما طلع الفجر نادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الصلاة جامعة. فجاء النّاس من تحت الشجر والحجف (٧) فصلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحضّ على القتال. ثم قال : إنّ جمع قريش عند

__________________

(١) الواقدي : كتاب المغازي ١ / ٧٩ وانظر : البداية والنهاية ٣ / ٢٨٠.

(٢) في ح : (وكان).

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع. وفي ح : (فقال).

(٤) الطش : المطر الخفيف.

(٥) الحجف : جمع حجفة ، وهي الترس من الجلود خاصة.

(٦) البداية والنهاية ٣ / ٢٦٧.

(٧) زاد في ح : والجرف. وفي الأصل رسمت علامة الإلحاق على كلمة «الحجف». وكتب إزاءها في الهامش «خ : والجرف» أي في نسخة.

٨٨

هذه (١) الضلع الحمراء من الجبل. فلما دنا القوم منّا وصاففناهم إذا رجل منهم يسير في القوم (٢) على جمل أحمر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا عليّ نا. لي حمزة ـ وكان أقربهم من المشركين ـ من صاحب الجمل الأحمر؟ وما ذا يقول لهم؟ ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن يك (٣) في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر ، فجاء حمزة فقال : هو عتبة بن ربيعة ، وهو ينهى عن القتال ويقول : يا قوم إنّي [أرى] (٤) أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير. يا قوم اعصبوها اليوم برأسي (٥) وقولوا جبن عتبة ، وقد تعلمون أنّي لست بأجبنكم. فسمع بذلك أبو جهل فقال : أنت تقول هذا؟ والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته (٦). قد ملأت [رئتك] (٧) جوفك رعبا ، فقال : إيادي تعني يا مصفّر استه؟ ستعلم اليوم أيّنا أجبن؟

فبرز عتبة وابنه الوليد وأخوه شيبة (٨). فقال : من يبارز؟ فخرج من الأنصار شببة (٩) ، فقال عتبة : لا نريد هؤلاء ، ولكن يبارزنا من بني عمّنا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا عليّ ، قم يا حمزة ، [قم] (١٠) يا عبيدة بن الحارث. فقتل الله عتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وجرح

__________________

(١) في الأصل : (هذا). والتصحيح من ح. والبداية والنهاية ٣ / ٢٧٨.

(٢) في الأصل : (الأرض). وأثبتناه نص ع ، ح. والبداية والنهاية.

(٣) في طبعة القدسي ٦٨ «بك» وهو تحريف.

(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٥) اعصبوها برأسي : يريد السّبّة التي تلحقهم بترك الحرب والجنوح إلى السّلم أي أقرنوا هذه الحال بي وأنسبوها إليّ ولو كانت ذميمة.

(٦) عضّه وعضّ عليه : أمسكه بأسنانه وشدّه بها.

(٧) سقطت من النسخ الثلاث واستدركناها من مسند الإمام أحمد والبداية والنهاية ٣ / ٢٧٨.

(٨) في الأصل وح : (حمية) ، وليست من السياق في شيء. وصحّحت في ع كما أثبتناها. وهي كذلك في البداية والنهاية.

(٩) الشببة : الشبان. والعبارة في البداية والنهاية : «فخرج فتية من الأنصار مشببة».

(١٠) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. والبداية والنهاية.

٨٩

عبيدة. فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين.

فجاء رجل من الأنصار قصير برجل من بني هاشم أسيرا فقال الرجل : إنّ هذا والله ما أسرني ، ولقد أسرني رجل أجلح (١) من أحسن النّاس وجها ، على فرس أبلق ، ما أراه في القوم. فقال الأنصاريّ : أنا أسرته يا رسول الله. فقال : «اسكت ، فقد أيّدك الله بملك كريم».

قال : فأسر من بني عبد المطّلب : العبّاس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث (٢).

وقال إسحاق بن منصور السّلولي : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله (٣) قال : لقد قلّوا (٤) في أعيننا يوم بدر ، حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة. فأسرنا رجلا فقلت : كم كنتم؟ قال : ألفا.

وقال سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس رضي‌الله‌عنه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض. قال : يقول عمير بن الحمام الأنصاريّ : يا رسول الله عرضها السموات والأرض؟ فقال : نعم. قال : بخ بخ! قال : ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلّا رجاء أن أكون من أهلها. قال : فإنّك من أهلها. فأخرج تميرات من قرنه (٥) فجعل يأكل منها ، ثم قال : [١٦

__________________

(١) الجلح : انحسار الشعر عن جانبي الرأس.

(٢) البداية والنهاية ٣ / ٢٧٨ وقال : هذا سياق حسن.

(٣) في البداية والنهاية ٣ / ٢٦٩ «عن أبي عبيد وعبد الله».

(٤) في البداية والنهاية «قلّلوا».

(٥) في ح : (من كمه). والقرن : الجعبة.

٩٠

ب] لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة. فرمى بهنّ ، ثم قاتل حتى قتل. أخرجه مسلم (١).

وقال عبد الرحمن بن الغسيل ، عن حمزة بن أبي أسيد ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين اصطففنا يوم بدر : إذا أكثبوكم (٢) ، يعني غشوكم ، فارموهم بالنّبل ، واستبقوا نبلكم. أخرجه البخاري (٣).

وروى عمر بن عبد الله بن عروة ، عن عروة بن الزّبير قال : جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعار المهاجرين يوم بدر : يا بني عبد الرحمن ، وشعار الخزرج : يا بني عبد الله ، وشعار الأوس : يا بني عبيد الله (٤). وسمّى خيله : خيل الله.

أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام ، وابنة عمّه ستّ الأهل بنت علوان ـ سنة ثلاث وتسعين (٥) ـ وآخرون قالوا : حدّثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفقيه ، أنبأتنا شهدة بنت أحمد ، أنا الحسين بن طلحة ، أنا أبو عمر (٦) عبد الواحد بن مهديّ ، ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا محمود بن خداش ، ثنا هشيم ، أنبأنا أبو هاشم عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذرّ رضي‌الله‌عنه يقسم قسما : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي

__________________

(١) صحيح مسلم (١٨٩٩) : كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد.

(٢) في ع : (كثبوكم). وكثبه وأكثبه : قاربه.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حدثني عبد الله بن محمد الجعفي (٥ / ١٠٠). وانظر البدآية والنهاية ٣ / ٢٧٤.

(٤) البدآية والنهاية ٣ / ٢٧٤ وفيه : قال ابن هشام : كان شعار الصحابة يوم بدر : أحد أحد.

(٣ / ٤٢).

(٥) أي سنة ٦٩٣ ه‍ ـ. وهي السنة التي سمع الذهبي فيها ببعلبكّ.

(٦) في الأصل : (أبو عمرو) وأثبتنا نص ع ، ح. وهو أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسيّ ، مسند الوقت ، كما قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ (٣ / ١٠٥١) في سياق ترجمته لابن مردويه ـ ولم يترجم له.

٩١

رَبِّهِمْ) (١) ، إنّها نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة ، وعليّ ، وعبيدة بن الحارث رضي‌الله‌عنهم ، وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، أخرجه البخاري (٢) عن يعقوب الدّورقيّ وغيره. ومسلم (٣) عن عمرو بن زرارة ، عن هشيم ، عن أبي هاشم يحيى بن دينار الرّمّاني الواسطي ، عن أبي مجلز لاحق بن حميد السّدوسي البصري. وهو من الأبدال العوالي.

(٤) وعبيدة بن الحارث بن المطّلب بن عبد مناف بن قصيّ المطّلبي ، أمّه ثقفيّة ، وكان أسنّ من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعشر سنين ، أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون في وقت. وهاجر هو أخواه الطّفيل والحصين. وكان عبيدة كبير المنزلة عند النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان مربوعا (٥) مليحا ، توفّي بالصّفراء.

وهو الّذي بارز عتبة بن ربيعة ، فاختلفا ضربتين ، كلاهما أثبت صاحبه ، كما تقدّم.

وقد جهّزه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ستّين راكبا من المهاجرين أمّره عليهم ، فكان أوّل لواء عقده النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لواء عبيدة. فالتقى بقريش وعليهم أبو سفيان عند ثنيّة المرة (٦) ، فكان أول قتال في الإسلام. قاله محمد بن إسحاق (٧).

* * *

__________________

(١) سورة الحج : من الآية ١٩.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٦).

(٣) صحيح مسلم (٣٠٣٣) كتاب التفسير ، باب في قوله تعالى (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ).

(٤) من هنا ناقص من نسخة شعيرة ١٢٧.

(٥) المربوع : كالربعة ، المتوسط القامة بين الطول والقصر.

(٦) ثنية المرة : بفتح الميم وتخفيف الراء. موضع بأسفله ماء بالحجاز. (معجم البلدان ٢ / ٨٥).

(٧) إلى هنا ينتهي النقص في نسخة شعيرة.

٩٢

وقال ابن إسحاق وغيره عن الزّهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أنّ المستفتح يوم بدر أبو جهل. قال لما التقى الجمعان : اللهمّ أقطعنا للرّحم وآتانا بما لا يعرف ، فأحنه الغداة. فقتل (١) ففيه أنزلت (٢) : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) (٣).

وقال معاذ بن معاذ : ثنا شعبة ، عن عبد الحميد صاحب الزّيادي ، سمع أنسا يقول : قال أبو جهل : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٤) ، فنزلت : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٥) متّفق عليه (٦).

وعن ابن عبّاس في قوله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) (٧) ، قال : يوم بدر بالسيف. قاله عبد الله بن صالح ، [١٧ أ] عن معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عنه.

وبه عنه في قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) [أَنَّهَا لكم] (٨) قال : أقبلت عير أهل مكة تريد الشام ـ كذا قال ـ فبلغ أهل المدينة ذلك ، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السّير ، فسبقت العير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان الله وعدهم إحدى الطّائفتين.

__________________

(١) في ح : (فقيل) تصحيف.

(٢) في ح : نزلت.

(٣) سورة الأنفال : من الآية ١٩.

(٤) سورة الأنفال : من الآية ٢٢.

(٥) سورة الأنفال : الآية ٣٣.

(٦) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة الأنفال (٦ / ٧٨) وصحيح مسلم (٢٧٩٦) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب في قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الآية.

(٧) سورة الأنفال : من الآية ٣٤.

(٨) سورة الأنفال. من الآية ٧ ، وما بين المعقفين من الآية الكريمة زيادة من ع ، ح.

٩٣

وكانوا أن يلقوا العير أحبّ إليهم ، وأيسر شوكة وأحضر مغنما.

فسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد القوم ، فكره المسلمون مسيرهم لشوكة القوم ، فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون ، وبينهم وبين الماء رملة دعصة (١) ، فأصاب المسلمين ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم القنط (٢) يوسوسهم : تزعمون أنّكم أولياء الله وفيكم رسوله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم كذا. فأنزل الله عليهم مطرا شديدا ، فشرب المسلمون وتطهّروا. فأذهب الله عنهم رجز الشّيطان. وصار الرمل ، يعني ملبدا (٣).

وأمدّهم الله بألف من الملائكة. وجاء إبليس في جند من الشياطين ، معه رايته في صورة رجال من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال للمشركين : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) (٤) فلما اصطفّ القوم قال أبو جهل : اللهمّ أولانا بالحقّ فانصره.

ورفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده فقال : يا ربّ إنّك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا. فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم. فما من المشركين من أحد إلّا أصاب عينيه ومنخريه وفمه ، فولّوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس ، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين نزع يده وولّى مدبرا وشيعته. فقال الرجل : يا سراقة ، أما زعمت أنّك لنا جار؟ قال : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ، إِنِّي أَخافُ اللهَ) (٥).

__________________

(١) الدعص والدعصة : قوز من الرمل مجتمع أقلّ من الحقف.

(٢) القنط : اليأس من الخير ، أو أشدّ اليأس. وأثبته شعيرة في نسخة ١٢٨ «المقفط» وقال : هو الشيطان الصغير.

(٣) هكذا في الأصل وسائر النّسخ ، وفي دلائل النّبوّة للبيهقي (٢ / ٣٥٤) : «وصار الرمل كدا ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر» والأرجح أنّ كدا محرّفة عن (كذا) بدليل ما بعدها.

(٤) ، (٥) سورة الأنفال : من الآية ٤٨ ، وتمام الآية الكريمة (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ)

٩٤

وقال يوسف بن الماجشون ، أنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : إنّي لواقف يوم بدر في الصّفّ ، فنظرت عن يميني وشمالي ، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما. فتمنّيت أن أكون بين أضلع (١) منهما. فغمزني أحدهما فقال : يا عمّ أتعرف أبا جهل؟ قلت : نعم ، وما حاجتك [إليه] (٢)؟ قال : أخبرت أنّه يسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والّذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منّا. فتعجّبت لذلك. فغمزني الآخر فقال لي مثلها. فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في النّاس ، فقلت : ألا تريان؟ هذا صاحبكما الّذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما [فضرباه] (٣) حتى قتلاه. ثم انصرفا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه. فقال : أيّكما قتله؟ فقال كل واحد [١٧ ب] منهما : أنا قتلته (٤). فقال : هل مسحتما سيفيكما؟ قالا : لا. قال : فنظر في السّيفين ، فقال ، كلاهما (٥) قتله. وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو ، والآخر معاذ بن عفراء. متّفق عليه (٦).

وقال زهير بن معاوية : حدّثنا سليمان التّيمي ، حدّثني أنس رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن

__________________

=(لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ : إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).

(١) أضلع : أقوى.

(٢) زيادة من ح.

(٣) زيادة من ح.

(٤) في ح : (أنا).

(٥) في ع : (كلاكما).

(٦) صحيح البخاري : كتاب فرض الخمس ، باب من لم يخمّس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه (٤ / ١١١).

وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب استحقاق القاتل سلب القتيل (٥ / ١٤٨).

٩٥

مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد. قال : أنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته. فقال : هل فوق رجل قتلتموه ، أو قتله قومه؟ أخرجه خ م (١).

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن عبد الله أنّه أتى أبا جهل فقال : قد أخزاك الله. فقال : هل أعمد (٢) من رجل قتلتموه؟ أخرجه البخاري (٣).

وقال عثّام بن عليّ : ثنا الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع ، وعليه بيضة ، ومعه سيف جيّد ، ومعي سيف رثّ. فجعلت أنقف (٤) رأسه بسيفي ، وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة ، حتى ضعفت يدي ، فأخذت سيفه. فرفع رأسه فقال : على من كانت الدبرة (٥) ، لنا أو علينا؟ ألست رويعينا بمكة؟ قال : فقتلته. ثم أتيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : قتلت أبا جهل. فقال : آلله الّذي لا إله إلّا هو؟ فاستحلفني ثلاث مرار (٦). ثم قام معي إليهم ، فدعا عليهم. (٧).

وروي نحوه عن سفيان الثّوري ، عن أبي إسحاق. وفيه : فاستحلفني وقال : الله أكبر ، الحمد لله الّذي صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، انطلق فأرنيه. فانطلقت فأريته. فقال : هذا فرعون هذه الأمّة.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٤). وصحيح مسلم (١٨٠٠) :

كتاب الجهاد والسير ، باب قتل أبي جهل.

(٢) أعمد : بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الميم. أي أشرف. انظر إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ٦ / ٢٤٩.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٤).

(٤) النّقف : كسر الهامة عن الدماغ. ونفقه ضربه حتى خرج دماغه.

(٥) في نسخة شعيرة ١٣٠ «الدائرة»

(٦) في هامش ح : (قلت : لعلّه استحلفه لكون المذكورين أخبرا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتله ، فقضى لهما بسلبه. كذا بخطّ الذهبي).

(٧) راجع سيرة ابن هشام ٣ / ٤٢.

٩٦

وروي عن أبي إسحاق أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما بلغه قتله خرّ ساجدا.

وقال الواقديّ : وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مصرع ابني عفراء فقال : يرحم الله ابني عفراء ، فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمّة ورأس أئمّة الكفر. فقيل : يا رسول الله ، ومن قتله معهما؟ قال : الملائكة ، وابن مسعود قد شرك في قتله.

وقال أبو نعيم : ثنا سلمة بن رجاء ، عن الشّعثاء ، امرأة من بني أسد ، قالت : دخلت على عبد الله بن أبي أوفى ، فرأيته صلّى الضّحى ركعتين ، فقالت له امرأته : إنّك صلّيت ركعتين. فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى الضّحى ركعتين حين بشّر بالفتح ، وحين جيء برأس أبي جهل.

وقال مجالد ، عن الشّعبيّ أنّ رجلا قال للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّي مررت ببدر ، فرأيت رجلا يخرج من الأرض ، فيضربه رجل بمقمعة (١) حتى يغيب في الأرض ، ثم يخرج ، فيفعل به مثل ذلك مرارا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذاك أبو جهل بن هشام يعذّب إلى يوم القيامة».

وقال خ م من حديث [ابن] (٢) أبي عروبة ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنس رضي‌الله‌عنه ، عن أبي طلحة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر [١٨ أ] يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش ، فقذفوا في طويّ من أطواء (٣) بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة (٤) ثلاث ليال. فلما كان ببدر اليوم الثالث ، أمر براحلته فشدّ عليها (٥) ، ثم مشى واتّبعه أصحابه ،

__________________

(١) المقمعة : سوط أو عمود من حديد ، أو خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه ، والجمع مقامع.

(٢) سقطت من الأصل ، ع ، واستدركناها من ح والبخاري وتهذيب التهذيب.

(٣) الطويّ : البئر.

(٤) العرصة : كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء ، وعرصة الدار وسطها.

(٥) في البداية والنهاية ٣ / ٥٩٣ «فشدّ عليها رحلها».

٩٧

فقالوا : ما نراه إلّا ينطلق لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الرّكيّ (١) فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، أيسرّكم (٢) أنّكم أطعتم الله ورسوله ، فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا ، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ فقال عمر : يا رسول الله ، ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال : والّذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.

قال قتادة : أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة. صحيح (٣).

وقال هشام ، عن أبيه ، عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف على قليب بدر فقال : إنّهم ليسمعون ما أقول. قال عروة : فبلغ عائشة فقالت : ليس هكذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إنّما قال : إنّهم ليعلمون أنّ ما كنت أقول لهم حقّ. إنّهم قد تبوّءوا مقاعدهم من جهنّم. إنّ الله يقول (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) (٤) (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٥) أخرجه البخاري (٦).

ما روت عائشة لا ينافي ما روى ابن عمر وغيره ، فإنّ علمهم لا يمنع من سماعهم قوله عليه [الصّلاة و] (٧) السلام ، وأمّا أن (٨) لا تسمع الموتى ،

__________________

(١) الركي ، والرّكية : البئر.

(٢) في ح : (أبشركم). تصحيف. وفي البداية والنهاية «يسركم» بحذف الهمزة.

(٣) في صحيح البخاري ندما : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٧) ، البداية والنهاية ٣ / ٢٩٣ وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من طرق عن سعيد بن أبي عروبة.

(٤) سورة النمل : من الآية ٨٠.

(٥) سورة فاطر : الآيتان ٢٢ ، ٢٣.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٨).

(٧) زيادة من ع.

(٨) في ح : (إنك).

٩٨

فحقّ لأنّ الله أحياهم (١) ذلك الوقت كما يحيي الميت (٢) لسؤال منكر ونكير.

وقال عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس في قوله (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) (٣) ، قال : هم كفّار قريش.

(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (٤) ، قال : النّار يوم بدر.

أخرجه البخاري (٥).

وقال إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القتلى قيل له : عليك العير ليس دونها شيء. فناداه العبّاس وهو في الوثاق : إنّه لا يصلح لك. قال : لم؟ (٦) قال : لأنّ الله [عزوجل] (٧) وعدك إحدى الطّائفتين ، وقد أنجز لك ما وعدك (٨). هذا إسناد صحيح ، رواه جعفر بن محمد بن شاكر ، عن أبي نعيم ، عنه.

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني خبيب بن عبد الرحمن قال : ضرب خبيب (٩) بن عديّ يوم بدر فمال شقّه ، فتفل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأمه وردّه ، فانطبق.

[أحمد بن الأزهر : ثنا عبد الرزّاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس أو غيره قال : شهد عمير بن وهب الجمحيّ بدرا

__________________

(١) في ح : (قد أحياهم).

(٢) في ع : (الموتى).

(٣) ، (٤) سورة إبراهيم : من الآية ٢٨ ، وتمام الآية الكريمة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ).

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٨) ،

(٦) في الأصل : (كم) والتصحيح من ع ، ح.

(٧) زيادة من ح.

(٨) البداية والنهاية ٣ / ٢٩٥.

(٩) في نسخة شعيرة ١٣٢ «حبيب» والتصويب من الإصابة ١ / ٤١٨.

٩٩

كافرا ، وكان في القتلى. فمرّ به رجل فوضع سيفه في بطنه ، فخرج من ظهره. فلما برد عليه اللّيل لحق بمكة فصحّ. فاجتمع هو وصفوان بن أميّة فقال : لو لا عيالي وديني لكنت أقتل محمدا. فقال صفوان : وكيف تقتله؟ قال : أنا رجل جريء الصدر جواد لا ألحق ، فأضربه وألحق بالجبل فلا أدرك. قال : عيالك في عيالي ودينك عليّ. فانطلق فشحذ سيفه وسمّه. وأتى المدينة ، فرآه عمر فقال للصّحابة : احفظوا أنفسكم فإنّي أخاف عميرا إنّه رجل فاتك ، ولا أدري ما جاء به. فأطاف المسلمون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاء عمير ، متقلّدا سيفه ، إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أنعم صباحا. قال : ما جاء بك يا عمير؟ قال : حاجة. قال : فما بال السّيف؟ قال : قد حملناها يوم بدر فما أفلحت ولا أنجحت. قال : فما قولك لصفوان وأنت في الحجر؟ وأخبره بالقصّة. فقال عمير : قد كنت تحدّثنا عن خبر السماء فنكذّبك ، وأراك تعلم خبر الأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله. بأبي أنت وأمّي ، أعطني منك علما تعلم أهل مكة أنّي أسلمت. فأعطاه. فقال عمر : لقد جاء عمير وإنّه لأضلّ من خنزير ، ثم رجع وهو أحبّ إليّ من ولدي] (١).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق قال : عكّاشة الّذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعطاه جذلا (٢) من حطب ، فقال : قاتل بهذا. فلما أخذه هزّه فعاد سيفا في يده ، طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به (٣) ، حتى فتح الله على رسوله ، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى قتل في قتال أهل الرّدة وهو

__________________

(١) ما بين الحاصرتين من قوله : أحمد بن الأزهر إلى آخر الخبر ، ليس في الأصل ، ع. وزدناه من ح. والخبر في سيرة ابن هشام مثله ٣ / ٧٠ ، ٧١.

(٢) في ع : جزلا. والجذل : أصل الشجرة وغيرها بعد ذهاب الفرع ، والجزل : الحطب اليابس.

(٣) في الأصل ، ع : (بها) والتصحيح من ح.

١٠٠