تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

قبلك وإله من هو كائن بعدك ، الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا ، وأن نخلع هذه الأنداد؟ قال : «اللهمّ نعم». قال : فأنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك ، الله أمرك أن نصلّي هذه الصّلوات الخمس؟ قال : «نعم». ثم جعل يذكر فرائض الإسلام ينشده عن كل فريضة. ثم قال : فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا رسول الله ، وسأؤدّي هذه الفرائض ، واجتنب ما نهيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص.

ثم انصرف إلى بعيره راجعا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ صَدَق ذو العَقِيصَتَيْن دخل الجنةَ». فقدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلّم به أن قال : بئست اللّات والعزّى. قالوا : مه يا ضمام ، اتّق البرص ، اتّق الجنون. قال : ويلكم ، إنّهما والله لا يضرّان ولا ينفعان. إنّ الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإنّي أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا عبده ورسول ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه.

قال : فو الله ما أمسى ذلك اليوم وفي حاضره (١) رجل ولا امرأة إلا مسلما.

قال : يقول ابن عباس : فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام.

وقال إسحاق بن أبي إسرائيل المروزيّ : حدّثني حمزة بن الحارث ، عن عمير ، ثنا أبي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : جاء رجل من أهل البادية إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أنشدك بربّ من قبلك وربّ من بعدك ، الله أرسلك؟ وذكر الحديث ، وفيه : فإنّي قد آمنت وصدّقت ، وأنا ضمام بن ثعلبة. فلمّا ولّى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فقه الرجل». قال : فكان

__________________

(١) الحاضر : الحيّ العظيم.

٦٨١

عمر يقول : ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام من ثعلبة. الحارث بن عمير ضعيف (١). وقصّة ضمام في الصّحيحين من حديث أنس (٢).

* * *

[الجارود بن عمرو]

قال ابن إسحاق (٣) :

وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجارود [١٢٥ أ] بن [عمرو] (٤) أخو بني عبد القيس (٥).

قال عبد الملك بن هشام (٦) : وكان نصرانيّا ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الإسلام. فقال : يا محمد ، تضمن لي ديني؟ قال : «نعم ، قد هداك الله إلى ما هو خير منه». قال : فأسلم ، وأسلم أصحابه.

* * *

[وفد بني حنيفة]

قال ابن إسحاق (٧) :

وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد بني حنيفة (٨) ، فيهم مسيلمة بن حبيب

__________________

(١) انظر عنه : التاريخ الصغير ١٤٧ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٩٤ ، المجروحين لابن حبّان ١ / ٢٢٣ ، المغني في الضعفاء ١ / ٤٢١ ـ ١٤٣ رقم ١٢٤٥ ، الكاشف ١ / ١٣٩ رقم ٨٧٧ ، ميزان الاعتدال ١ / ٤٤٠ رقم ١٦٣٨ ، تهذيب التهذيب ٢ / ١٥٣ رقم ٢٦١.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب العلم (١ / ٢٣) باب القراءة والعرض على المحدّث ، ومسلم في كتاب الإيمان (٢٣ / ١٧) باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله وشرائع الدين.

(٣) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٠ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٣٦.

(٤) سقطت من الأصل ، والمثبت من : (ع) و (ح) وسيرة ابن هشام.

(٥) بنو عبد القيس بن أفصى ، وهم قبيلة عظيمة من العدنانية كانت مواطنهم تهامة. (معجم القبائل ٢ / ٧٢٦).

(٦) السيرة ٤ / ٤١٠.

(٧) الخبر في السيرة ابن هشام ٤ / ٢١٠ وتاريخ الطبري ٣ / ١٣٧ ، وانظر طبقات ابن سعد ١ / ٣١٦.

(٨) بنو حنيفة بن لجيم ، من بكر بن وائل من العدنانية ، كانت تقطن اليمامة (معجم قبائل العرب ١ / ٣١٢).

٦٨٢

الكذّاب ، فكان منزلهم (١) في دار بنت الحارث الأنصارية. فحدّثني بعض علمائنا أنّ بني حنيفة أتت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تستره بالثّياب ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس مع أصحابه معه عسيب نخل في رأسه خوصات. فلمّا كلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه».

قال ابن إسحاق (٢) : وحدّثني شيخ من أهل اليمامة أنّ حديثه كان على غير هذا ، زعم أنّ وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلّفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فأمر له رسول الله صلى الله بمثل ما أمر به لهم ، وقال : «أمَا إنه ليس بأشرّكم مكاناً»، يعنى حفظه ضيعة (٣) أصحابه. ثم انصرفوا وجاءوه بالذي أعطاه.

فلما قدموا اليمامة ارتدّ عدوّ الله وتنبّأ ، وقال : أنّي أشركت في الأمر مع محمد ، ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بأشرّكم مكانا؟ وما ذلك إلّا لما يعلم أنّي قد أشركت معه. ثم جعل يسجع السّجعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن : لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق (٤) وحشي. ووضع عنهم الصلاة وأحلّ لهم الزّنا والخمر. وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نبيّ. فأصفقت (٥) معه بنو حنيفة على ذلك.

وقال شعيب بن أبي حمزة ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، ثنا نافع بن جبير ، عن ابن عباس قال :

قدم مسيلمة الكذّاب على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فجعل يقول :

__________________

(١) في النسخ الثلاث : منزلتهم. وأثبتنا نص ابن هشام. والمنزل : النزول.

(٢) السيرة ٤ / ٢١٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٣) في الأصل : «صنعة» ، والتصحيح من ع ، ح.

(٤) الصفاق : الجلد الأسفل تحت الجلد الّذي عليه الشعر ، أو ما بين الجلد والمصران ، أو جلد البطن كله.

(٥) أصفقت : أجمعت.

٦٨٣

إن جعل لي محمد الأمر من بعد اتّبعته. وقدمها في بشر كثير من قومه. فأقبل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شمّاس ، وفي يد النّبيّ قطعة جريد ، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه ، فقال : «إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها. ولن تعدو أمر الله فيك (١) ، ولئن أدبرت ليعقرنّك الله. وإنّي أراك الّذي أريت فيه ما رأيت ، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عنّي». ثم انصرف.

قال ابن عباس : فسألت عن قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّك الّذي أريت فيه ما رأيت» ، فأخبرني أبو هريرة أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمّني شأنهما ، فأوحي إليّ في المنام أن انفخهما ، فنفختهما فطارا ، فأوّلتهما كذّابين يخرجان من بعدي». قال : فهذا أحدهما العنسيّ صاحب [١٢٥ ب] صنعاء ، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة ، أخرجاه (٢).

وقال معمر ، عن همّام ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بينا أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض ، فوضع في يديّ سواران (٣) من ذهب ، فكبرا عليّ وأهمّاني ، فأوحي إلي أن أنفخهما ، فنفختهما ، فذهب ، فأوّلتهما الكذابين اللّذين أنا بينهما ، صاحب صنعاء وصاحب اليمامة». متّفق عليه (٤).

وقال (خ) : ثنا الصّلت بن محمد ، نا مهديّ بن ميمون ، سمع أبا رجاء ،

__________________

(١) في الأصل ، تقرأ قبل أو قتل. والتصحيح من ع ، ح.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٤ / ١٨٢) باب علامات النبوّة في الإسلام ، وفي كتاب المغازي (٥ / ١١٩) باب قصّة الأسود العنسيّ ، وفي كتاب التوحيد (٨ / ١٨٩) باب قول الله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.) ومسلم في كتاب الرؤيا (٢١ / ٢٢٧٣) باب رؤيا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) في الأصل «سوارين» ، والتصحيح من (ع) و (ح).

(٤) أخرجه البخاري في المناقب (٤ / ١٨٢) باب علامات النبوّة في الإسلام ، وفي المغازي (٥ / ١٢٠) باب قصة الأسود العنسيّ ، وفي التعبير (٨ / ٨١ ـ ٨٢) باب النفخ في المنام ، ومسلم في الرؤيا (٢٢٧٣ و ٢٢٧٤) باب رؤيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والترمذي في كتاب الرؤيا (٢٣٩٤) باب ما جاء في رؤيا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الميزان والدّلو. وأحمد في المسند ٢ / ٣١٩.

٦٨٤

هو العطارديّ ، يقول : لما بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمعنا به ، لحقنا بمسيلمة الكذّاب ، لحقنا بالنار ، وكنّا نعبد الحجر في الجاهلية. وإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب ثم حلبنا عليها [كثبة] (١) اللّبن ، ثم نطوف به.

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال :

جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إنّي مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرءون قراءة ما أنزلها الله : الطّاحنات طحنا ، والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ، والثّاردات ثردا ، واللّاقمات لقما. فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم ، وهم سبعون رجلا ورأسهم عبد الله بن النّواحة. قال : فأمر به عبد الله فقتل. ثم قال : ما كنّا بمحرزين (٢) الشّيطان من هؤلاء ، ولكنّا نحدرهم إلى الشّأم لعلّ الله أن يكفيناهم.

وقال المسعوديّ ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال :

جاء ابن النّواحة وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لهما النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تشهدان أنّي رسول الله؟» فقال : نشهد أنّ مسيلمة رسول الله. فقال : «آمنت بالله ورسوله ، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما».

قال عبد الله : فمضت السّنّة أن الرّسل لا تقتل.

قال عبد الله : أمّا ابن أثال فقد كفانا الله ، وأما ابن النّواحة فلم يزل في نفسي حتى أمكن الله منه رواه أبو داود الطّيالسي في «مسندة» ، عن المسعودي. وله شاهد (٣).

قال يونس ، عن ابن إسحاق (٤) حدّثني سعد بن طارق ، عن سلمة بن

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. والكثبة ، القليل المجتمع من الماء أو اللبن.

(٢) في الأصل : «بمحرور». والتصحيح من ع ، ح.

(٣) منحة المعبود : كتاب الجهاد ، باب جواز الخداع في الحرب والنهي عن المثلة إلخ (١ / ٢٣٨) ورواه الدارميّ في التفسير (٥٩).

(٤) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٤٦.

٦٨٥

نعيم بن معسود ، عن أبيه ، سمع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذّاب بكتابه (١) يقول لهما : وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟ قالا : نعم. فقال : «أما والله لو لا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما».

وقال ابن إسحاق (٢) :

وقد كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر سنة عشر :

من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك ، أما بعد ، فإنّي قد أشركت في الأمر معك ، وإنّ لنا نصف الأرض ، ولكنّ قريشا قوم يعتدون.

فكتب إليه : «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب. سلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد ، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة [١٢٦ أ] للمتّقين».

* * *

[وفد طيِّء]

ثم قدم وفد طيِّئ (٣) ، على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيهم زيد الخيل سيّدهم.

فأسلموا ، وسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد الخير ، وقطع له فيد (٤) وأرضين ، وخرج راجعا إلى قومه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن ينج زيد من حمّى المدينة». فإنّه يقال قد

__________________

(١) في الأصل : «الكتابة». والتصحيح من ع ، ح.

(٢) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وتاريخ الطبري ٤ / ١٤٦.

(٣) طيِّئ بن أدد وهم قبيلة عظيمة من كهلان من القحطانية ، كانت منازلهم باليمن فخرجوا منه على أثر خروج الأزد منه ونزلوا سميراء وفيد في جوار بني أسد ثم غلبوهم على أجأ وسلمى (معجم قبائل العرب ٢ / ٦٨٩).

(٤) في الأصل : «فند» ، والتصحيح من ع ، ح. وفيه ناحية بشرقي سلمى أحد جبلي طيِّئ.

٦٨٦

سمّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسم غير الحمّى ، فلم نثبته. فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه ، يقال له فردة ، أصابته الحمّى فمات بها. قال : فعمدت امرأته إلى ما معه من كتب فحرّقتها (١).

* * *

[قدوم عديّ بن حاتم]

قال شعبة (٢) : ثنا سماك بن حرب ، سمعت عبّاد بن حبيش ، يحدّث عن عديّ بن حاتم ، قال :

جاءت خيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا بعقرب (٣) ، فأخذوا عمّتي وناسا. فلما أتوا بهم رسول الله قالت : يا رسول الله ، غاب الوافد ، وانقطع الوالد ، وأنا عجوز كبيرة ، فمنّ عليّ منّ الله عليك. قال : «من وافدك؟» قالت : عديّ بن حاتم. قال : «الّذي فرّ من الله ورسوله؟» قالت : فمنّ عليّ. ورجل إلى جنبه تراه عليّا ، فقال : سليه حملانا. فسألته. فأمر لها به.

قال [عديّ] (٤) : فأتتني ، فقالت : لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها. ايته راغبا أو راهبا. فقد أتاه فلان فأصاب منه ، وأتاه فلان فأصاب منه.

قال عديّ : فأتيته ، فإذا عنده امرأة وصبيّان ، أو صبّي ، فذكر قربهم من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فعرفت. أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر ، فأسلمت. فرأيت وجهه قد استبشر (٥) ، وقال : «إنّ المغضوب عليهم اليهود ، والضّالّين النّصارى». وذكر باقي الحديث (٦).

__________________

(١) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٤٥ ، وطبقات ابن سعد ١ / ٣٢١.

(٢) في الأصل «سعيه». والتصحيح من ع ، ح.

(٣) عقرب : أطم بالمدينة ، وهو الأطم الأسود الصغير الّذي في شامي الرحابة في الحرّة ، كان لآل عاصم بن عامر بن عطية (المغانم المطابة ٢٦٦).

(٤) ليست في الأصل ، وزدناها من ع ، ح.

(٥) حتى هنا الخبر في تاريخ الطبري ٣ / ١١٢ وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٢.

(٦) بقيّته في مسند الإمام أحمد (٤ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩).

٦٨٧

وقال حمّاد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد قال : قال أبو عبيدة بن حذيفة ، قال رجل : كنت أسأل عن حديث عديّ وهو إلى جنبي لا أسأله. فأتيته فقال : بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكرهته أشدّ ما كرهت شيئا قطّ. فخرجت حتى أقصى أرض العرب ممّا يلي الروم. ثم كرهت مكاني فقلت : لو أتيته وسمعت منه. فأتيت إلى المدينة ، فاستبشروا ، أي الناس ، وقالوا : جاء عديّ بن حاتم ، جاء عديّ بن حاتم. فقال : يا عديّ بن حاتم ، أسلم تسلم. فقلت : إنّي على دين. قال : «أنا أعلم بدينك منك ، ألست ركوسيّا؟» (١) قلت : بلى. قال : «ألست ترأس قومك؟» قلت : بلى. قال : «ألست تأخذ المرباع؟» (٢) قلت : بلى. قال ، «فإنّ ذلك لا يحلّ في دينك». قال : فوجدت بها عليّ غضاضة. ثم قال : «إنه لعلّه أن يمنعك أن تسلم أن ترى بمن عندنا خصاصة ، وترى الناس علينا إلبا واحدا. «هل رأيت الحيرة؟» (٣) قلت : لم أرها ، وقد علمت مكانها. قال : «فإنّ الظعينة سترحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار ، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز». قلت : كنوز كسرى بن هرمز؟ قال : «نعم ، وليفيضنّ المال حتى يهمّ الرجل من يقبل ماله منه صدقة». قال : [١٢٦ ب] فلقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار ، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن. والله لتكوننّ الثالثة ، إنّه لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤). وروى نحوه هشام بن حسّان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي عبيدة.

__________________

(١) الرّكوسية : قوم لهم دين بين النصارى والصابئين.

(٢) المرباع : هو أن يأخذ ربع الغنيمة لنفسه ، وذلك فعل الرئيس المطاع.

(٣) الحيرة : مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف ، زعموا أن بحر فارس كان يتصل به ، وبها كان الخورنق بقرب منها مما يلي الشرق ، والسّدير في وسط البرية التي بينها وبين الشأم (ياقوت).

(٤) أخرجه ابن حجر في الإصابة ٢ / ٤٦٨ رقم ٥٤٧٥ ، وأخرج البخاري نحوه في المناقب ٤ / ١٧٥ ـ ١٧٦ ، باب علامات النبوة في الإسلام ، من طريق النضر ، عن إسرائيل ، عن سعد الطائي ، عن محلّ بن خليفة ، عن عديّ بن حاتم.

٦٨٨

[قدوم فروة بن مسيك المراديّ]

وقال ابن إسحاق (١) :

قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فروة بن مسيك المراديّ ، مفارقا لملوك كندة.

فاستعمله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها (٢). وبعث معه على الصدقة خالد بن سعيد بن العاص ، فكان معه حتى توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[وفد كندة]

قال (٣) : وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد كندة (٤) ، ثمانون راكبا فيهم الأشعث بن قيس. فلما دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ألم تسلموا؟ قالوا :

بلى. قال : فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ قال : فشقّوه وألقوه.

[وفد الأزد]

قال (٥) : وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صرد بن عبد الله الأزديّ ، فأسلم ، في وفد من الأزد (٦). فأمّره على من أسلم من قومه ، ليجاهد من يليه.

__________________

(١) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٢ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٣٤ ، والطبقات ١ / ٣٢٧.

(٢) مذحج بن أدر : بطن من كهلان من القحطانية ، كانوا يسكنون اليمن ، ونزلوا الحيرة. ومراد بن مذحج ، وزبيد بن صعب ، بطنان من مذحج.

(٣) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٤ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٣٨ ، وابن سعد ١ / ٣١٨.

(٤) كندة : قبيلة عظيمة تنتسب إلى كندة واسمه ثور بن عفير ، وسمي كندة لأنه كند أباه أي كفر بنعمته. وكانت بلادهم بجبال اليمن مما يلي حضرموت ، وكان لهم ملك باليمن والحجاز (معجم قبائل العرب ٣ / ٩٩٨).

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٣٠ وابن سعد ١ / ٣٣٧.

(٦) الأزد : من أعظم قبائل العرب وأشهرها ، تنتسب إلى أزد بن نبت بن مالك بن كهلان من القحطانية.

٦٨٩

[كتاب ملوك حمير]

قال (١) : وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [كتاب] (٢) ملوك حمير ، مقدمة (٣) من تبوك ، ورسولهم إليه بإسلامهم ، الحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد كلال ، والنّعمان قيل ذي رعين ، ومعافر ، وهمدان (٤). وبعث إليه ذو يزن ، مالك بن مرّة الرّهاويّ بإسلامهم. فكتب إليهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا يذكر فيه فريضة الصدقة. وأرسل إليهم معاذ بن جبل في جماعة ، وقال لهم : وإنّي قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي. وأولي دينهم وأولي علمهم ، وآمركم بهم خيرا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[بعث خالد ثم عليّ إلى اليمن]

وقال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السّبيعيّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن البراء ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام. قال البراء : فكنت فيمن خرج مع خالد ، فأقمنا ستّة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه. ثم إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عليّا رضي‌الله‌عنه ، فأمره أن يقفل خالد ، إلّا رجل كان يمّم مع خالد أحبّ أن يعقّب مع عليّ فليعقّب معه. فكنت فيمن عقّب مع عليّ. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا ، فصلّى بنا عليّ ، ثم صفّنا صفّا واحدا ، ثم تقدّم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأسلمت همدان جميعا. فكتب عليّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما قرأ الكتاب

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٢٠.

(٢) لم ترد في الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. وسيرة ابن هشام ، وتاريخ الطبري.

(٣) في الأصل «مقدمهم». والتصحيح من ع. ح.

(٤) فحوى العبارة أن هؤلاء هم ملوك حمير الذين قدم كتابهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا أنهم قدموا بأشخاصهم ، وإنما كان رسولهم مالك بن مرة الرهاوي الّذي قال عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتابه إليهم «إن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم به خيرا». انظر مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ، الوثيقة رقم ١٠٩ (ص ١٨٠ ـ ١٨٢).

٦٩٠

خرّ ساجدا ثم رفع رأسه فقال : «السلام على همدان ، السلام على همدان». هذا حديث صحيح أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد (١).

وقال الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي [١٢٧ أ] البختريّ ، عن عليّ :

بعثني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن. فقلت : يا رسول الله ، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء. فضرب بيده في صدري وقال : «اللهمّ اهد قلبه وثبّت لسانه». فما شككت في قضاء بين اثنين. أخرجه [د] (٢).

وقال محمد بن علي ، وعطاء ، عن جابر ، أنّ عليّا قدم من اليمن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجّة الوداع. متّفق عليه من حديث عطاء (٣).

* * *

[بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن]

وقال شعبة ، وغيره ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه ومعاذ بن جبل إلى اليمن ، فقال : «يسّرا ولا

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب بعث علي بن أبي طالب عليه‌السلام وخالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع (٥ / ١١٠).

(٢) لم يظهر الرمز في الأصل ، وفي ع ، ح ، «البخاري». وهو خطأ. والحديث في سنن أبي داود : كتاب الأقضية : باب كيف القضاء ٢ / ٢٧٠ ، وفي مسند الطيالسي (منحة المعبود) : كتاب مناقب الصحابة ، أبواب خلافة عليّ رضي‌الله‌عنه ، باب بعثه إلى اليمن قاضيا وتوفيقه في القضاء ودعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له بذلك (٢ / ١٨٠) ، وفي المسند للإمام أحمد ١ / ٨٨ و ١٣٦. وفي طبقات ابن سعد ٢ / ٣٣٧ ، وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم (٣ / ١٣٥) وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، في نهاية الأرب للنويري ٢٠ / ٥ ، وسيأتي الحديث ثانية في ترجمة الإمام عليّ رضي‌الله‌عنه في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع (٥ / ١١٠). وصحيح مسلم : كتاب الحج ، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقرآن وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحلّ القارن من نسكه (١٢١١).

٦٩١

تعسّرا ، وبشّرا ولا تنفّرا ، وتطاوعا». متّفق عليه (١) ، ومن أوجه أخر بأطول من هذا.

* * *

وفي «الصحيح» للبخاريّ ، من حديث طارق بن شهاب ، عن أبي موسى ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أرض قومي. قال : فجئته وهو منيخ بالأبطح. قال : فسلّمت عليه. فقال : «أحججت يا عبد الله بن قيس؟» قلت : نعم. قال : «كيف؟» قلت : لبّيك إهلالا كإهلالك. فقال : «أسقت هديا؟» قلت : لم أسق هديا. قال : «فطف بالبيت واسع ثم حلّ». ففعلت. وذكر الحديث (٢).

أما معاذ فالأشبه أنه لم يرجع من اليمن حتى توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* * *

وقال ابن إسحاق (٣) :

حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، قال : هذا كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عندنا ، الّذي كتبه لعمرو بن حزم ، حين بعثه إلى اليمن يفقّه أهلها ويعلّمهم السّنّة ويأخذ صدقاتهم ، فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره :

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (٤ / ٢٦) باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه ، وفي المغازي (٥ / ١٠٧ ـ ١٠٨) ، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجّة الوداع ، وفي كتاب الأحكام (٨ / ١١٤) باب أمر الوالي إذا وجّه أميرين إلى موضع أن يتطاوعا ولا يتعاصيا. ومسلم في كتاب الجهاد والسير (١٧٣٣) باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير.

(٢) أخرجه البخاري في المغازي (٥ / ١٠٩) باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجّة الوداع ، وبقيّته : «حتى مشطت لي امرأة من نساء بني قيس ، ومكثنا بذلك حتى استخلف عمر».

(٣) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ، وبعضه في تاريخ الطبري ٣ / ١٢١.

٦٩٢

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب (١) من الله ورسوله. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. عهدا من رسول الله لعمرو بن حزم حيث بعثه إلى اليمن. أمره بتقوى الله في أمره كلّه. فإنّ الله مع الّذي اتّقوا والذين هم محسنون. وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره (٢) ، وأن يبشّر الناس بالخير ، ويأمرهم به ، ويعلّم الناس القرآن ، ويفقّههم فيه (٣) ، ولا يمسّ القرآن أحد (٤) إلّا وهو طاهر ، ويخبر الناس بالذي لهم ، والّذي عليهم ، ويلين لهم (٥) في الحق ، ويشتدّ (٦) عليهم في الظلم ، فإنّ الله كره الظلم ونهى عنه ، وقال : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). ويبشّر الناس بالجنّة وبعملها ، وينذر الناس من النار وعملها ، ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين ، ويعلّم الناس معالم الحجّ وسننه وفرائضه وما أمر الله به ، والحجّ الأكبر والحج الأصغر ، فالحج الأصغر العمرة. وينهى الناس أن يصلّي الرجل في الثوب الواحد الصغير إلّا أن يكون واسعا فيخالف (٧) بين طرفيه على عاتقيه ، وينهى [أن] (٨) يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه. ولا يعقد (٩) شعر [١٢٧ ب] رأسه إذا عفّى في قفاه. وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعوا إلى القبائل والعشائر ، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. فمن لم يدع إلى الله ، ودعا إلى العشائر والقبائل فليقطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. ويأمر الناس بإسباغ الوضوء ، وجوههم وأيديهم إلى المرافق ، وأرجلهم إلى الكعبين ، وأن

__________________

(١) في السيرة ٤ / ٢١٨ «بيان».

(٢) في السيرة «كما أمره الله».

(٣) في السيرة «ويفقههم فيه ، وينهى الناس فلا يمسّ».

(٤) في السيرة «إنسان».

(٥) في السيرة «للناس» بدل «لهم».

(٦) في السيرة «يشدّ».

(٧) في السيرة «إلا أن يكون ثوبا يثني طرفيه».

(٨) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من (ع) و (ح). وفي السيرة «وينهى الناس أن».

(٩) في السيرة «يعقص أحد».

٦٩٣

يمسحوا رءوسهم كما أمر الله ، وأمروا بالصلاة لوقتها ، وإتمام الركوع والخشوع (١) ، وأن يغلّس بالصبح ، ويهجّر بالهاجرة حين تميل الشمس ، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة ، والمغرب حين يقبل الليل ، لا تؤخّر حتى تبدو النجوم في السماء ، والعشاء أوّل الليل. وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها ، والغسل عند الرّواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله تعالى ، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقى الغيل (٢) وفيما سقت السماء العشر وفيما سقت الغرب (٣) فنصف العشر.

ثم ذكر زكاة الإبل والبقر ، مختصرا. قال : وعلى كل حالم ، ذكر أو أنثى ، حرّ أو عبد ، من اليهود والنصارى ، دينار واف أو عوضه (٤) من الثّياب. فمن أدّى ذلك فإنّ له ذمّة الله وذمّة رسوله ، ومن منع ذلك فإنه عدوّ الله ورسوله والمؤمنين (٥).

وقد روى سليمان بن داود ، عن الزهريّ ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جدّه ، نحو هذا الحديث موصولا ، بزيادات كثيرة في الزكاة ، ونقص عما ذكرنا في السّنن (٦).

* * *

وقال أبو اليمان ، ثنا صفوان بن عمرو ، عن راشد بن سعد ، عن عاصم ابن حميد السكونيّ : أنّ معاذا لما بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن ، فخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) في السيرة ٤ / ٢١٩ «الركوع والسجود والخشوع».

(٢) في هامش ح : «هو الماء الجاري». وفي السيرة ٤ / ٢١٩ «سقت العين».

(٣) الغرب : الرواية والدلو العظيمة

(٤) في النسخ الثلاث : «عرضه». وأثبتنا لفظ ابن هشام ٤ / ٢١٩.

(٥) انظر مجموعة الوثائق السياسية ، الوثيقة رقم ١٠٥ (ص ١٧٣ ـ ١٧٥) والسيرة ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٢١.

(٦) أخرج البخاري مختصرا في كتاب الزكاة (٢ / ١٣٣) باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري.

٦٩٤

يوصيه ، ومعاذ راكب ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ قال : «يا معاذ ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلّك أن تمرّ بمسجدي وقبري». فبكى معاذ جشعا (١) لفراق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «لا تبك يا معاذ ، البكاء من الشّيطان» (٢).

[وفد نجران]

وقال ابن إسحاق :

حدّثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم ، فقاموا يصلّون في مسجده ، فأراد الناس منعهم. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوهم». فاستقبلوا المشرق فصلّوا صلاتهم (٣).

وقال ابن إسحاق :

حدّثني بريدة بن سفيان ، عن ابن البيلمانيّ ، عن كرز بن علقمة ، قال : قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد نصارى نجران ، ستّون راكبا ، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم ، منهم : العاقب أمير القوم وذو رأيهم [و] (٤) صاحب [١٢٨ أ] مشورتهم ، والّذي لا يصدرون إلّا عن رأيه وأمره ، واسمه عبد المسيح (٥). والسيّد ثمالهم (٦) وصاحب رحلهم ومجتمعهم ، واسمه الأيهم. وأبو

__________________

(١) في النسخ الثلاث «خشعا» ، والتصويب من : سير أعلام النبلاء ١ / ٤٤٨.

(٢) رجاله ثقات. رواه أحمد في المسند ٥ / ٢٣٥.

(٣) انظر طبقات ابن سعد ١ / ٣٥٧.

(٤) سقطت من النسخ الثلاث. وزدناها لتمام العبارة.

(٥) قال ابن سعد إنه رجل من كندة.

(٦) الثمال : الغياث الّذي يقوم بأمر قومه.

٦٩٥

حارثة (١) بن علقمة ، أحد بكر بن وائل ، أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم (٢).

وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم. وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرّفوه وموّلوه وبنوا له الكنائس. فلما توجّهوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نجران ، جلس أبو حارثة على بلغة له موجّها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإلى جنبه أخ له ، يقال له : كرز بن علقمة ، يسايره (٣) ، إذ عثرت بغلة أبي حارثة ، فقال له كرز : تعس الأبعد ، يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال له أبو حارثة : بل أنت تعست. فقال له : لم يا أخي؟

فقال : والله إنه للنّبيّ الّذي كنّا ننتظره. قال له كرز : فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال : ما صنع بنا هؤلاء القوم شرّفونا وموّلونا ، وقد أبوا إلّا خلافه ، ولو فعلت نزعوا منّا كل ما ترى.

فأضمر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك (٤).

* * *

قال ابن إسحاق :

وحدّثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، حدّثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتنازعوا ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلّا يهوديا ، وقالت النّصارى : ما كان إلّا نصرانيا. فأنزل الله فيهم : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ

__________________

(١) في الطبقات لابن سعد ١ / ٣٥٧ «الحارث».

(٢) الأسقف : عند النصارى رئيس لهم في الدين فوق القسّيس ودون المطران. والحبر : بفتح الحاء المهملة : العالم ذمّيا كان أو مسلما بعد أن يكون من أهل الكتاب. والمدراس : بيعة اليهود. وفي طبقات ابن سعد «مدارسهم».

(٣) يسايره : يسير معه. وفي (ع) : «على يساره» ، وهو وهم.

(٤) الإصابة لابن حجر ٣ / ٢٩٢ رقم ٧٣٩٨.

٦٩٦

فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) الآيات (١).

فقال أبو رافع القرظيّ : أتريد منّا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ فقال رجل من نجران يقال له الرّبيس (٢) : وذلك تريد يا محمد وإليه تدعو؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «معاذ الله أن آمر بعبادة غير الله». فنزلت (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) الآيات إلى قوله (مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٣).

* * *

وقال إسرائيل وغيره ، عن أبي إسحاق (٤) ، عن صلة ، عن ابن مسعود ، ورواه شعبة ، وسفيان ، عن أبي إسحاق فقالا حذيفة بدل ابن مسعود : إنّ السيّد والعاقب أتيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأراد أن يلاعنهما (٥) فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه ، فو الله لئن كان نبيّا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا. قالوا له : نعطيك ما سألت ، فابعث معنا رجلا أمينا. ولا تبعث معنا إلّا أمينا. فقال : «لأبعثنّ معكم أمينا حقّ أمين». فاستشرف لها أصحابه. فقال : «قم ، يا أبا عبيدة بن الجرّاح». فلما قام قال : «هذا أمين هذه الأمة». أخرجه (خ) من حديث حذيفة (٦).

* * *

وقال إدريس الأوديّ ، عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٦٥.

(٢) في النسخ الثلاث : الرئيس (الرييس). وأحسبها مصحفة عما أثبتناه. والربيس كبير السّامرة وهم قوم من اليهود يخالفونهم في بعض أحكامهم ، كإنكارهم نبوة من جاء بعد موسى عليه‌السلام.

(٣) سورة آل عمران ، الآيات ٧٩ ـ ٨١.

(٤) في الأصل : «ابن إسحاق». والتصحيح من ع ، ح والبخاري.

(٥) كذا في النسخ الثلاث. ولفظ البخاري : جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريدان أن يلاعناه. وتلا عن القوم : أي تداعوا باللعن على الظالم منهم.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قصة أهل نجران (٥ / ١٢٠).

٦٩٧

(١٢٨ ب] عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى نجران. فقالوا فيما قالوا : أرأيت ما تقرءون : (يا أُخْتَ هارُونَ) (١) وقد كان بين عيسى وموسى ما قد علمتم؟. قال : فأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته ، فقال : «أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمّون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم». أخرجه مسلم (٢).

وقال ابن إسحاق (٣) :

بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر ، أو جمادى الأولى ، سنة عشر ، إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ، قبل أن يقاتلهم ، ثلاثا. فخرج خالد حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كلّ وجه ويدعون إلى الإسلام ويقولون : أيها الناس ، أسلموا تسلموا. فأسلم الناس ، فأقام خالد يعلّمهم الإسلام ، وكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك. ثم قدم وفدهم مع خالد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن أعيانهم : قيس بن الحصين ذو الغصّة (٤) ، ويزيد بن عبد المدان ، ويزيد بن المحجّل قال : فأمّر عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيسا.

وقد كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إليهم ، بعد أن ولّى وفدهم ، عمرو بن حزم ليفقّههم ويعلّمهم السّنّة ، يأخذ منهم صدقاتهم (٥).

* * *

وفي عاشر ربيع الأول :

توفّي إبراهيم ابن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) ، وهو ابن سنة ونصف. وغسّله الفضل بن

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٢٨.

(٢) صحيح مسلم : كتاب الآداب ، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء (٢١٣٥).

(٣) الخبر في السيرة ابن هشام ٤ / ٢١٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٢٦.

(٤) في الأصل ، ح : «ذو العصبية». وفي ع : «ذو العضبة». والتصحيح من ترجمته في أسد الغابة (٤ / ٤١٨). وسمّي بذلك لغصّة كانت في حلقه. وانظر : السيرة وتاريخ الطبري.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٨ ، تاريخ خليفة ٩٤ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٢٨.

(٦) تاريخ خليفة ٩٤.

٦٩٨

العبّاس. ونزل قبره الفضل وأسامة بن زيد فيما قيل. وكان أبيض مسمّنا ، كثير الشّبه بوالده صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال ثابت : عن أنس ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولد لي اللّيلة غلام فسمّيته بأبي إبراهيم». ثم دفعه إلى أمّ سيف ، يعني امرأة قين (١) بالمدينة يقال له أبو يوسف. قال أنس : فانطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بابنه وانطلقت معه ، فدخل فدعا بالصبيّ فضمّه إليه ، وقال ما شاء الله أن يقول.

قال أنس : فلقد رأيت إبراهيم بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكيد بنفسه (٢) ، فدمعت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلّا ما يرضي الربّ. والله يا إبراهيم إنّا بك لمحزونون». أخرجه مسلم (٣) والبخاري (٤) تعليقا مجزوما به.

وقال شعبة ، عن عديّ بن ثابت ، عن البراء ، قال : لما توفّي إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رسول الله : «إنّ له مرضعة تتمّ رضاعه في الجنة». أخرجه خ (٥).

وقال جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى على ابنه إبراهيم حين مات.

* * *

__________________

(١) قين : حدّاد.

(٢) يكيد بنفسه : يجود بها وهو في النزع.

(٣) في كتاب الفضائل (٢٣١٥) باب رحمته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصبيان والعيال ، وتواضعه ، وفضل ذلك.

(٤) في كتاب الجنائز (٢ / ٨٤ ـ ٨٥) باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّا بك لمحزونون. وأخرجه أبو داود في الجنائز (٣١٢٦) باب في البكاء على الميت. وابن ماجة في الجنائز (١٥٨٩) باب ما جاء في البكاء على الميت. وأحمد في المسند ٤ / ٣٢٨.

(٥) في كتاب الجنائز (٢ / ١٠٤) ما جاء في عذاب القبر ، باب ما قيل في أولاد المسلمين ، وفي كتاب بدء الخلق (٤ / ٨٨) باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة ، وفي كتاب الأدب (٧ / ١١٨) باب من سمّي بأسماء الأنبياء.

٦٩٩

وفيها : مات أبو عامر الراهب ، الّذي كان عند هرقل عظيم الروم (١)

وفيها : ماتت بوران بنت كسرى ملكة الفرس ، وملّكوا بعدها أختها آزرمن (٢). قاله أبو عبيدة (٣).

وفي أواخر ذي القعدة : ولد محمد بن أبي بكر الصدّيق ، [١٢٩ أ] ولدته أسماء بنت عميس ، بذي الحليفة ، وهي مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

قال جابر بن عبد الله : خرجنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إليه : كيف أصنع؟

فقال : «اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي» (٥).

وفيها : ولد محمد بن عمرو بن حزم ، بنجران وأبوه [بها] (٦).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ١٤٠.

(٢) في تاريخ الطبري ٢ / ٢٢٩ و ٣ / ٤٤٧ «آزرميدخت». وقال الطبري إن ملك بوران دام سنة وأربعة أشهر ، أما أختها فملّكت ستة أشهر (٢ / ٢٣٢ و ٢٣٣).

(٣) تاريخ خليفة ٩٤ وفيه «أزرما».

(٤) انظر : المسند للشافعي ٢ / ٤ ، وصحيح مسلم (١٢١٨) في الحج. باب حجّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسير أعلام النبلاء للمؤلف ٣ / ٤٨٢ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ٨ / ٢٨٣.

(٥) أخرجه مسلم في حديث طويل ، في كتاب الحج (١٢١٨) باب حجّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والنسائي في كتاب الطهارة (١ / ١٥٤) باب ما تفعل النفساء عند الإحرام. وفي كتاب الحيض (١ / ١٨٢) باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر ، وفي كتاب الغسل (١ / ٢٠٨) باب اغتسال النفساء عند الإحرام ، وفي كتاب الحج (٥ / ١٢٦) باب الغسل للإهلال. وابن ماجة في المناسك (٣٠٧٤) باب حجّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والدارميّ في المناسك (٣٤).

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من : (ع) و (ح). وانظر تاريخ الطبري ٣ / ١٣٠.

٧٠٠