تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

لا يقع (١) الطّعن إلّا في نحورهم

وما لهم عن حياض الموت تهليل

* * *

[وفي سنة ثمان :

توفيت زينب بنت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكبر بناته (٢). وهي التي غسّلتها أمّ عطيّة الأنصارية ، وأعطاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقوه (٣) ، وقال : «أشعرنها إيّاه» (٤). فجعلته شعارها تحت كفنها.

وقد ولدت زينب من أبي العاص بن الرّبيع بن عبد شمس ، رضي‌الله‌عنه ، [ابنتها] (٥) أمامة التي كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحملها في الصلاة] (٦).

* * *

وفيها : عمل منبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخطب عليه ، وحنّ إليه الجذع الّذي كان يخطب عليه.

* * *

وفيها : ولد إبراهيم ابن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧).

وفيها : وهبت سودة أم المؤمنين يومها لعائشة.

* * *

وفيها : توفّي مغفّل بن عبد نهم بن عفيف المزنيّ ، والد عبد الله ، وله صحبة (٨).

__________________

(١) كذا في الأصل وبقية النسخ ، وفي هامش ح : صوابه لا يقطع.

(٢) تاريخ خليفة ٩٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٧.

(٣) الحقو : الإزار.

(٤) أخرجه البخاري في الجنائز (٢ / ٧٣) باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر ، وباب ما يستحب أن يغسل وترا ، وباب هل تكفّن المرأة في إزار الرجل ، (٢ / ٧٤) وباب يجعل الكافور في آخره ، ومسلم في الجنائز (٣٦ / ٩٣٩) باب في غسل الميت ، وأبو داود في الجنائز (٣١٤٢) باب كيف غسل الميت ، وأحمد في المسند ٥ / ٨٤ ، ٨٥ و ٦ / ٤٠٧ و ٤٠٨.

(٥) إضافة على الأصل للتوضيح.

(٦) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل ، والمثبت من نسختي (ع) و (ح). وقد تقدّم خبر وفاة زينب رضي‌الله‌عنها ، قبل فتح مكة مباشرة ، فليراجع هناك.

(٧) تاريخ خليفة ٩٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٩٥.

(٨) انظر عنه : الاستيعاب ٣ / ٥٠٧ ، الإصابة ٣ / ٤٥١ رقم ٨١٦٧.

٦٢١

وفيها : مات ملك العرب بالشأم ، الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ ، كافرا. وولي بعده جبلة بن الأيهم.

فروى أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، عن ابن عائذ ، عن الواقديّ ، عن عمر بن عثمان الجحشي ، عن أبيه ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر وهو بالغوطة (١) ، فسار من المدينة في ذي الحجّة سنة ستّ. وقال : فأتيته (٢) فوجدته يهيّئ الإنزال لقيصر ، وهو جاء من حمص إلى إيلياء ، إذ كشف الله عنه جنود فارس ، شكرا لله. فلما قرأ الكتاب رمى به ، وقال : ومن ينزع منّي ملكي؟ أنا سائر إليه بالناس. ثم عرض إلى الليل ، وأمر بالخيل تنعل ، وقال : أخبر صاحبك بما ترى. فصادف قيصر [١١٢ ب] بإيلياء وعنده دحية الكلبيّ بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فكتب قيصر إليه : أن لا تسير إليه ، واله عنه ، وواف (٣) إيلياء.

قال شجاع : فقدمت ، وأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «باد ملكه» (٤).

* * *

[ويقال : حجّ بالناس عتّاب بن أسيد أمير مكة (٥).

وقيل : حجّ الناس أوزاعا (٦).

حكاهما الواقديّ (٧). والله أعلم] (٨).

__________________

(١) الغوطة : الكورة التي منها مدينة دمشق ، وإليها تنسب ، فيقال غوطة دمشق. والغوطة لغة من الغائط وهو المطمئن من الأرض.

(٢) في الأصل ، ح «فأتيت». وأثبتنا عبارة ع.

(٣) في الأصل : «ووات». وأثبتنا عبارة ع ، ح.

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٦٥٢.

(٥) تاريخ الطبري ٣ / ٩٥.

(٦) مروج الذهب ٤ / ٣٩٦ والأوزاع : أي متفرّقين.

(٧) في المغازي ٣ / ٩٥٩ ، ٩٦٠.

(٨) ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل. وأثبتناه من نسختي (ع) و (ح).

٦٢٢

السّنة التّاسعة

[سريّة الضّحّاك بن سفيان الكلابيّ إلى القرطاء] (١)

قيل : في ربيع الأول بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جيشا إلى القرطاء (٢) ، عليهم الضحّاك بن سفيان الكلابيّ ، ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط. فلقوهم بالزّجّ ، زجّ لاوة (٣). فدعوهم إلى الإسلام ، فأبوا. فقاتلوهم فهزموهم. فلحق الأصيد أباه سلمة ، فدعاه إلى الإسلام وأعطاه الأمان ، فسبّه وسبّ دينه. فعرقب الأصيد عرقوبي فرسه. ثم جاء رجل من المسلمين فقتل سلمة. ولم يقتله ابنه (٤).

[سريّة علقمة بن مجزّز المدلجيّ] (٥)

وفي ربيع الآخر ، قيل إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغه أنّ ناسا من الحبشة

__________________

(١) العنوان بين الحاصرتين ليس في الأصل وأثبتناه للتوضيح.

(٢) في هامش الأصل : الفرطاء خ ، أي في نسخة. والقرطاء : هم قرط وقريطة وقريط بنو عبد بن أبي بكر بن كلاب ، بطن من بني بكر. (انظر شرح المواهب اللدنية ٣ / ٥٧).

(٣) في النسخ الثلاث : «بالرخ رخ لاوة» ، والتصحيح من الواقدي. وزجّ لاوة : موضع بناحية ضرية من نجد على طريق البصرة انظر معجم البلدان ٣ / ١٣٣.

(٤) المغازي (٣ / ٩٨٢) وابن سعد ٢ / ١٦٢.

(٥) العنوان ليس في الأصل. وهو من طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٣.

٦٢٣

تراءاهم (١) أهل جدّة. فبعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم علقمة بن مجزّز المدلجيّ في ثلاثمائة ، فانتهى إلى جزيرة في البحر ، فهربوا منه (٢).

[سريّة عليّ بن أبي طالب إلى الفلس] (٣)

وفي ربيع الآخر سريّة عليّ بن أبي طالب إلى الفلس (٤) ، صنم طيِّئ ، ليهدمه. في خمسين ومائة رجل من الأنصار ، على مائة بعير وخمسين فرسا ، ومعه راية سوداء ، ولواء أبيض. فشنّوا الغارة على محلّة آل حاتم (٥) مع الفجر ، فهدموا الفلس وخرّبوه ، وملئوا أيديهم من السّبي والنّعم والشّاء. وفي السّبي أخت عديّ بن حاتم. وهرب عديّ إلى الشّأم (٦).

[سريّة عكّاشة بن محصن إلى أرض عذرة] (٧).

وفي هذه الأيام كانت سريّة عكّاشة بن محصن إلى أرض عذرة (٨).

ذكر هذه السّرايا شيخنا الدّمياطيّ في «مختصر السيرة». وأظنّه أخذه من كلام الواقديّ (٩).

* * *

وفي رجب : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قبل مسيره إلى تبوك على أصحمة

__________________

(١) تراءاهم : نظروهم ورأوهم. (شرح المواهب اللدنية ٣ / ٥٨).

(٢) المغازي للواقدي ٣ / ٩٨٣ وفيه «أهل شعيبة» بدل «أهل جدّة».

(٣) العنوان ليس في الأصل ، وهو من طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٤.

(٤) الفلس : صنم لطيّئ ، وكان أنفا أحمر في وسط جبلهم الّذي يقال له أجأ ، أسود كأنه تمثال إنسان (الأصنام لابن الكلبي : ٥٩).

(٥) هم آل حاتم الطائي الّذي ضرب المثل بجوده ، وكانت محلّتهم في نجد.

(٦) الواقدي : المغازي (٣ / ٩٨٤ ـ ٩٨٩) ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٦٤.

(٧) العنوان ليس في الأصل ، وهو من طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٤.

(٨) في طبقات ابن سعد : «ثم سريّة عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب ، أرض عذرة وبليّ ، في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٢ / ١٦٤).

(٩) سريّة عكاشة ليست في مغازي الواقدي ، ونرجّح أنّه أخذها من طبقات ابن سعد.

٦٢٤

النّجاشيّ ، رضي‌الله‌عنه ، صاحب الحبشة. وأصحمة بالعربيّ : عطيّة. وكان قد آمن بالله ورسوله. قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد مات أخ لكم بالحبشة». فخرج بهم إلى المصلّى ، وصفّهم ، وصلّى عليه (١).

قال ابن إسحاق : حدّثني يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : لمّا مات النجاشيّ كان يتحدّث أنه لا يزال يرى على قبره نور.

«ويكتب هنا الخبر الّذي في السيرة قبل (٢) إسلام عمر» (٣).

__________________

(١) في الأصل : «وصفّهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم». والتصحيح من (ع) و (ح). والحديث أخرجه مسلم في الجنائز (٦٦ / ٩٥١) باب في التكبير على الجنازة ، من طريق أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ أخا لكم قد مات. فقوموا فصلّوا عليه» ، قال : فقمنا فصفّنا صفّين. وانظر (٦٧ / ٩٥١).

(٢) في الأصل : «وقبل» ، والمثبت من نسختي : (ع) و (ح).

(٣) في هامش (ح) : كذا بخط الذهبي رحمه‌الله تعالى». والصحيح أنّ الخبر عن النجاشي يأتي بعد الحديث عن إسلام عمر ، لا قبله. انظر الجزء الخاص بالسيرة النبويّة من تحقيقنا.

٦٢٥
٦٢٦

غزوة تبوك (١)

قال ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلّما كان يخرج في غزوة إلا أظهر أنه يريد غيرها ، إلّا غزوة تبوك فإنه قال : أيها الناس ، إنّي أريد الرّوم. فأعلمهم. وذلك في شدّة الحرّ وجدب [من] (٢) البلاد. وحين طابت الثّمار ، والناس يحبّون المقام في ثمارهم.

فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم في جهازه ، إذ قال للجدّ بن قيس : «يا جدّ ، هل لك في بنات بني الأصفر؟ (٣) فقال : يا رسول الله ، لقد علم قومي أنّه ليس أحد أشدّ عجبا بالنّساء منّي. وإنّي أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتنّني ، فائذن لي يا رسول الله. فأعرض عنه [١١٣ أ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : «قد أذنت لك». فنزلت (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي

__________________

(١) انظر عنها : المغازي لعروة ٢٢٠ ، المغازي للواقدي ٣ / ٩٨٩ ، تاريخ خليفة ٩٢ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٣ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٠٠ ، الدرر في المغازي والسير لابن عبد البر ٢٥٣ ، جوامع السيرة لابن حزم ٢٤٩ ، نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٣٥٢ ، عيون التواريخ للكتبي ١ / ٣٤٤ ، عيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ٢١٥ وغيره.

(٢) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من نسختي (ع) و (ح).

(٣) بنو الأصفر : هم الروم.

٦٢٧

الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (١) قال : وقال رجل من المنافقين : (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) ، فنزلت : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) (٢).

ولم ينفق أحد أعظم من نفقة عثمان ، وحمل على مائة (٣) بعير (٤).

* * *

[روى عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في غزوة تبوك قال : أمر النّبيّ المسلمين بالصّدقة والنّفقة في سبيل الله ، فأنفقوا احتسابا ، وأنفق رجال غير محتسبين. وحمل رجال من فقراء المسلمين ، وبقي أناس. وأفضل ما تصدّق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف ، تصدّق بمائتي أوقية ، وتصدّق عمر بمائة أوقية ، وتصدّق عاصم (٥) الأنصاري بتسعين وسقا من تمر. وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الرحمن (٦) : «هل تركت لأهلك شيئا؟» قال : نعم ، أكثر مما أنفقت وأطيب. قال : كم؟ قال : ما ود الله ورسوله من الرّزق والخير] (٧).

قال عمرو بن مرزوق ، ثنا السّكن بن أبي كريمة ، عن الوليد بن أبي هشام ، عن فرقد أبي طلحة (٨) ، عن عبد الرحمن بن خبّاب ، قال : شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحثّ على جيش العسرة ، قال : فقام عثمان رضي‌الله‌عنه فقال : يا رسول الله ، عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها (٩) في سبيل الله. فقال : ثم حثّ

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٤٩.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٨١.

(٣) في نسختي (ع) و (ح) : «على مائتي بعير».

(٤) الخبر عن تاريخ الطبري (٣ / ١١٠ ـ ١٠٢) باختصار.

(٥) في ع : «عامر». والتصحيح من ح. وهو عاصم بن عدي بن الجدّ العجلاني حليف الأنصار.

وانظر ترجمته في أسد الغابة (٣ / ١١٤) والإصابة (٢ / ٢٤٦).

(٦) في ع ، ح : وسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الرحمن. ولعل الوجه ما أثبتناه.

(٧) لم يرد هذا الخبر في الأصل ، وأثبتناه من ع ، ح. وانظر المغازي للواقدي ٣ / ٩٩١.

(٨) في الأصل : «فرقد بن طلحة». والتصحيح من ع ، ح ، ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (٨ / ٢٦٤).

(٩) الأحلاس : جمع حلس وهو كل ما ولى ظهر الدابة تحت الرحل والقتب والسرج. والأقتاب :

جمع قتب وهو الإكاف أو الرحل الصغير على قدر سنام البعير.

٦٢٨

ثانية ، فقام عثمان فقال : يا رسول الله ، عليّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حضّ ، أو قال : حثّ ، الثالثة ، فقام عثمان فقال : يا رسول الله ، عليّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. قال عبد الرحمن : أنا شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول على المنبر : «ما على عثمان ما عمل بعد اليوم». أو قال : «بعدها» (١). رواه أبو داود الطّيالسيّ (٢) وغيره ، عن السّكن بن المغيرة.

وقال ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن عبد الله بن القاسم ، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة ، عن مولاه ، قال : جاء عثمان إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بألف دينار حين جهّز جيش العسرة ، ففرّغها في حجر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل يقلّبها ويقول : «ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم» (٣). قالها مرارا.

* * *

وقال بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسأله لهم الحملان (٤) ، إذ هم معه في جيش العسرة ، وهي غزوة تبوك. وذكر الحديث. متّفق عليه (٥).

وقال ابن إسحاق (٦) : ثم إنّ رجالا أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم البكّاءون ،

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٧٥ وابن عساكر في تاريخ دمشق ٥٢ وما بعدها.

(٢) منحة المعبود. كتاب الخلافة والإمارة ، أبواب خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، باب ما جاء في البيعة له وذكر شيء من مناقبه (٢ / ١٧٥). وانظر تاريخ دمشق ٥٢ وما بعدها (ترجمة عثمان).

(٣) رواه أحمد في المسند ٥ / ٦٣ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٥٧ و ٥٨ وسيذكره المؤلّف مرّة أخرى في ترجمة عثمان بن عفّان ، في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين ، وهو من تحقيقنا ـ ص ٤٦٢.

(٤) الحملان : ما يحمل عليه من الدّوابّ.

(٥) أخرجه البخاري في المغازي ٥ / ١٢٨ باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة ، ومسلم في كتاب الأيمان (٨ / ١٦٤٩) باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الّذي هو خير ويكفّر عن يمينه.

(٦) في سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٤ وتاريخ الطبري ٣ / ١٠٢ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٦٥.

٦٢٩

وهم سبعة (١) من الأنصار : سالم بن عمير ، وعلبة بن زيد ، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ، وعمرو بن الحمام بن الجموح ، وعبد الله بن المغفّل ، وبعضهم يقول : عبد الله بن عمرو المزنيّ ، وهرم [بن] (٢) عبد الله ، والعرباض ابن سارية الفزاريّ. فاستحملوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانوا أهل حاجة ، فقال :(لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) (٣).

فبلغني أنّ يامين بن عمرو ، لقي أبا ليلى وعبد الله بن مغفّل وهما يبكيان فقال : ما يبكيكما؟ فقالا : جئنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليحملنا ، فلم نجد عنده ما يحملنا ، وليس عندنا ما نتقوّى به على الخروج. فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزوّدهما شيئا من لبن (٤).

وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلّى من ليلته ما شاء الله ، ثم بكى وقال : اللهمّ إنك قد أمرت بالجهاد ورغّبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوّى به ، ولم [١١٣ ب] تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه ، وإني أتصدّق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض (٥). ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين المتصدّق هذه الليلة»؟ فلم يقم أحد. ثم قال : أين «المتصدّق؟ فليقم». فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبشر ، فو الّذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزّكاة المتقبّلة» (٦).

__________________

(١) في الأصل ، ح : «وهم سبعة منهم من الأنصار» ، والمثبت من (ع).

(٢) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من (ع) و (ح). ويقال له) هرم أو هرميّ ، أخو بني واقف.

(٣) سورة التوبة ، الآية ٩٢.

(٤) في السيرة لابن هشام ٤ / ١٧٤ وتاريخ الطبري ٣ / ١٠٢ «شيئا من تمر» بدل «لبن».

(٥) العرض : بسكون الراء المتاع. (النهاية في غريب الحديث ٣ / ٨٤).

(٦) أخرجه ابن حجر في الإصابة ٢ / ٥٠٠ وقال ورد مسندا موصولا من حديث مجمع بن حارثة ، ومن حديث عمرو بن عوف وأبي عبس بن حبر ، ومن حديث علبة بن زيد وقتيبة ...

٦٣٠

(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) (١) (٢) فاعتذروا فلم يعذرهم الله. فذكر أنهم نفر من بني غفار.

قال : وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النّيّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى تخلّفوا عن غير شكّ ولا ارتياب ، منهم كعب بن مالك أخو بني سلمة ، ومرارة بن الرّبيع أحد بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أميّة أخو بني واقف ، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف. وكانوا رهط صدق (٣).

* * *

ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخميس ، واستخلف على المدينة محمد ابن مسلمة الأنصاريّ. فلما خرج ضرب عسكره على ثنيّة الوداع ، ومعه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس. وضرب عبد الله بن أبيّ بن سلول عسكره على ذي حدة (٤) أسفل منه ، وما كان فيما يزعمون بأقلّ العسكرين (٥).

فلمّا سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تخلّف عنه ابن سلول فيمن تخلّف من المنافقين وأهل الرّيب. وخلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّ بن أبي طالب على أهله ، وأمره بالإقامة فيهم ، فأرجف به المنافقون وقالوا : ما خلّفه إلّا استثقالا له وتخفّفا منه. فلما قال ذلك المنافقون ، أخذ عليّ سلاحه

ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو نازل بالجرف ، فقال : يا رسول الله ، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني تستثقلني وتخفّف منّي. قال : «كذبوا ، ولكن خلّفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنه لا نبيّ بعدي». فرجع إلى المدينة (٦).

__________________

(١) المعذّرون : الذين يعتذرون وهم غير محقّين في العذر.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٩٠.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥ ، المحبّر لابن حبيب ٢٨٤ ، ٢٨٥.

(٤) في الأصل «عسكره على حدة عسكره أسفل منه» والمثبت من (ع) و (ح). وهو «ذو حدة» في وفاء ألوفا (٢ / ٣٠٩).

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥.

٦٣١

وأخرجاه في الصحيحين (١) من حديث الحكم بن عيينة ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : خلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا في غزوة تبوك. فقال : يا رسول الله ، أتخلّفني في النّساء والصبيان؟ قال : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبيّ بعدي». ورواه عامر ، وإبراهيم ، ابنا سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيهما.

قال ابن إسحاق : حدّثني بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظيّ ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لما سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك ، جعل لا يزال يتخلّف الرجل فيقولون : يا رسول الله ، تخلّف فلان. فيقول : «دعوه ، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه». حتى قيل : يا رسول الله ، تخلّف أبو ذرّ [١١٤ أ] وأبطأ به بعيره ، فقال : «دعوه ، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه». فتلوّم أبو ذرّ بعيره فلما بطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره ، ثم خرج يتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ماشيا. [ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٢) في بعض منازله ، ونظر ناظر من المسلمين فقال : يا رسول الله ، إنّ هذا الرجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كن أبا ذرّ». فلما تأمّله القوم قالوا : هو والله أبو ذرّ. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يرحم الله أبا ذرّ ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده». فضرب الدهر من ضربه ، وسيّر أبو ذرّ إلى الرّبذة (٣) ، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه : إذا متّ فاغسلاني وكفّناني وضعاني

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي (٥ / ١٢٩) باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة. ومسلم في فضائل الصحابة (٣٣ / ٢٤٠٤) باب من فضائل عليّ بن أبي طالب ، والترمذي في المناقب (٣٨٠٨) ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ٢٤ ، ٢٥ ، والكلابي في المسند وهو ملحق بكتاب مناقب أمير المؤمنين علي» لابن المغازلي ـ ص ٢٧٦ رقم ٢٩ ، ٣٠ ، وابن الأثير في جامع الأصول ٨ / ٦٤٩ ، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ ـ ص ٢٤٠ ، ٢٤١ رقم ١٩٦ (بتحقيقنا) ـ الحاشية رقم (٥).

(٢) سقطت من الأصل والمثبت من : ع ، ح ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٧٧.

(٣) الزبدة : بالتحريك ، قرية من قرى المدينة على ثلاثة أيام. (معجم البلدان ٣ / ٢٤).

٦٣٢

على قارعة الطّريق ، فأوّل ركب يمرّون بكم فقولوا : هذا أبو ذرّ. فلمّا مات فعلوا به ذلك ، فاطّلع ركب ، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطّأ سريره ، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة. فقال : ما هذا؟ فقيل : جنازة أبي ذرّ. فاستهلّ ابن مسعود يبكي ، فقال : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يرحم الله أبا ذرّ ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده. فنزل ، فوليه بنفسه حتّى أجنّه (١).

وقال ابن إسحاق (٢) : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، أنّ أبا خيثمة ، أحد بني سالم ، رجع ـ بعد مسير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أياما ـ إلى أهله في يوم حارّ ، فوجد امرأتين له في حائط قد رشّت كلّ واحدة منهما عريشها (٣) ، وبرّدت له فيه ماء ، وهيّأت له فيه طعاما. فلما دخل قام على باب العريشين فقال : رسول الله في الضّحّ (٤) والرّيح والحرّ ، وأنا في ظلّ بارد وماء بارد وطعام مهيّأ وامرأة حسناء ، في مال مقيم؟ ما هذا بالنّصف. ثم قال : لا ، والله ، لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهيّئا لي زادا. ففعلتا. ثم قدّم ناضحه فارتحله. ثم خرج في طلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى أدركه بتبوك حين نزلها. وقد كان أدركه عمير بن وهب في الطريق فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة لعمير : إنّ لي ذنبا ، تخلّف عنّي حتّى آتي رسول الله. ففعل. فسار حتى دنا من رسول الله. فقال رسول الله : «كن أبا خيثمة». فقالوا : هو والله أبا خيثمة ، فأقبل وسلّم ، فقال له : «أولى لك أبا خيثمة». ثم أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر ، فقال له خيرا.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٠٧.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٠٤ ، المغازي للواقدي ٣ / ٩٩٨.

(٣) في الأصل «عرشها» ، والمثبت من (ع) و (ح).

(٤) الضّح : الشمس. وفي نسختي : (ع) و (ح) : «في الضح والشمس.

٦٣٣

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (١). [و] قاله موسى بن عقبة. فذكر نحوا من سياق ابن إسحاق.

وقال معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال : في قوله تعالى : (اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (٢) ، قال : خرجوا في غزوة تبوك ، الرّجلان والثّلاثة [١١٤ ب] على بعير ، وخرجوا في حرّ شديد ، فأصابهم يوما عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أكراشها ويشربوا ماءها (٣).

وقال مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرّف ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسير ، فنفدت أزواد القوم ، حتى همّ أحدهم بنحر بعض حمائلهم. الحديث. رواه مسلم (٤).

وقال الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أو عن أبي سعيد ، شكّ الأعمش ، قال : لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو أذنت لنا فننحر نواضحنا ، فأكلنا وادّهنّا. فقال : «أفعل». فجاء عمر فقال : يا رسول الله ، إن فعلت قلّ الظّهر ، ولكن ادع بفضل أزوادهم ، وادع الله لهم فيها بالبركة. فقال : نعم. فدعا بنطع فبسطه ، ثم دعا بفضل أزوادهم. فجعل الرجل يأتي بكفّ ذرة ، ويجيء الآخر بكفّ تمر ، ويجيء الآخر بكسرة ، حتى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبركة ، ثم قال لهم : خذوا في أوعيتكم. فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملئوه ، وأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، لا يلقى الله بها عبد غير شاكّ ،

__________________

(١) في المغازي ـ ص ٢٢٠.

(٢) سورة التوبة ، الآية ١١٧.

(٣) طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٧.

(٤) في كتاب الإيمان ، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاكّ فيه دخل الجنة وحرّم على النّار.

٦٣٤

فيحجب عن الجنّة». أخرجه مسلم (١).

وقال عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عتبة بن أبي عتبة ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه قيل لعمر رضي‌الله‌عنه : حدّثنا من شأن العسرة. فقال : خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش ، حتى ظنّنا أنّ رقابنا ستنقطع ، حتى أن كان الرجل (٢) لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنّ الله قد عوّدك في الدعاء خيرا فادع الله لنا. قال : «أتحبّ ذلك؟» قال : نعم. فرفع يديه ، فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلّت ثم سكبت ، فملئوا ما معهم. ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. حديث حسن قويّ (٣).

وقال مالك ، وغيره ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : «لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذّبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم مثل ما أصابهم» (٤) ، يعني أصحاب الحجر (٥).

وقال سليمان بن بلال ، أنا عبد الله بن دينار ، [عن ابن عمر] (٦) ، قال : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ، ولا يستقوا منها. فقالوا : قد عجنّا منها واستقينا. فأمرهم [١١٥ أ] أن يطرحوا ذلك

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) في الأصل : «حتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن كان الرجل لينحر بعيره إلخ» ، وأظنه من أوهام النسخ ، وأثبتنا نص ع ، ح.

(٣) انظر تاريخ الطبري ٣ / ١٠٥ وقال ابن كثير : إسناده جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه (السيرة النبويّة ٤ / ١٦).

(٤) سيأتي تخريجه.

(٥) أصحاب الحجر : هم ثمود الذين كذّبوا النبيّ صالحا عليه‌السلام. وكانت دارهم تسمّى «الحجر» وهي بوادي القرى بين المدينة والشام. (معجم البلدان ٢ / ٢٢١).

(٦) سقطت من الأصل ، والمثبت من (ع) و (ح).

٦٣٥

العجين ويريقوا ذلك الماء. أخرجهما البخاري (١). ولمسلم مثل الأول منهما (٢).

وقال عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن عبد الله : أنّ الناس نزلوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ، فاستقوا من آبارها وعجنوا به. فأمرهم أن يهريقوا الماء ، ويعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت الناقة تردها (٣). أخرجه مسلم (٤).

وقال مالك ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، أنّ معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام تبوك ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. قال : فأخّر الصلاة يوما ، ثم خرج فصلّى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل [ثم خرج] (٥) فصلّى المغرب والعشاء جميعا. ثم قال : إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك ، وإنكم لن تأتوها حتى (٦) يضحي النهار ، فمن جاءها فلا يمسّ من مائها شيئا حتى آتي. قال : فجئناها وقد سبق إليها رجلان ، والعين مثل الشّراك تبضّ (٧) بشيء من ماء. فسألهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل مسستما من مائها شيئا؟» قالا : نعم. فسبّهما ، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم غرفوا من العين قليلا قليلا ، حتى اجتمع في شنّ (٨) ثم غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه وجهه ، ثم أعاده فيها. فجرت العين

__________________

(١) انظر للبخاريّ كتاب الصلاة (١ / ١١٢) باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب ، وكتاب المغازي (٥ / ١٣٥) باب نزول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ، وكتاب الأنبياء ، باب قول الله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً).

(٢) في كتاب الزهد ، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلّا أن تكونوا باكين. وأخرج الإمام أحمد مثله في المسند ٢ / ٩ و ٥٨ و ٦٦ و ٧٢ و ٧٤ و ٩١ و ٩٦ و ١١٣ و ١٣٧.

(٣) في النسخ الثلاث : ترده. والوجه ما أثبتناه. وعبارة مسلم : «التي كانت تردها الناقة».

(٤) في كتاب الزهد ، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلخ (٨ / ٢٢١).

(٥) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح ومسلم.

(٦) في الأصل : حين. والتصحيح من ع ، ح ومسلم.

(٧) تبضّ : بض الماء يبضّ بضيضا : سال قليلا قليلا. (الصحاح ١٠٦٦).

(٨) الشنّ : القربة الخلقة : (انظر شرح المواهب اللدنية ٣ / ٨٩).

٦٣٦

بماء كثير ، فاستقى الناس. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يوشك يا معاذ ، إن طالت بك حياة ، أن ترى ما [ها] (١) هنا قد مليء جنانا». أخرجه مسلم (٢).

وقال سليمان بن بلال ، عن عمرو بن يحيى ، عن عباس بن سهل ، عن أبي حميد ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى ، على حديقة لامرأة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اخرصوها. فخرصناها وخرصها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة أوسق. وقال : أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله. فانطلقنا حتى قدمنا تبوك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ستهبّ عليكم اللّيلة ريح شديدة ، فلا يقم فيها أحد منكم ، فمن كان له بعير فليشدّ عقاله». فهبّت ريح شديدة ، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيِّئ. وجاء ابن العلماء صاحب أيلة (٣) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب ، وأهدى له بغلة بيضاء. فكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأهدى له بردا. ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى ، فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها ، فقال : بلغ عشرة أوسق. فقال : «إنّي مسرع فمن شاء منكم فليسرع». فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة. فقال : «هذه طابة ، وهذا أحد ، وهو جبل يحبّنا ونحبّه». أخرجه مسلم (٤) ، أطول منه ، وللبخاريّ نحوه (٥).

وقال ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عباس بن سهل : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [١١٥ ب] حين مرّ بالحجر استقوا من بئرها. فلما

__________________

(١) سقطت من الأصل ، والمثبت من (ع) و (ح) ، وصحيح مسلم.

(٢) في كتاب الفضائل ، باب في معجزات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأخرجه أحمد في المسند ٢ / ٣٠٨ و ٣٢٣ و ٥ / ٢٣٨ ، والواقدي في المغازي ٣ / ١٠١٢ ، ١٠١٣.

(٣) أيلة : مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام ، قيل سميت باسم أيلة بنت مدين بن إبراهيم عليه‌السلام. (معجم البلدان ١ / ٢٩٢).

(٤) في كتاب الفضائل ، باب في معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧ / ٦١).

(٥) صحيح البخاري : كتاب الزكاة. باب خرص التمر (٢ / ١٥٥). وأحمد في المسند ٥ / ٤٢٤ و ٤٢٥.

٦٣٧

راحوا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تشربوا من مائها ، ولا توضّئوا منه ، وما كان من عجين عجنتموه منه فاعلفوه الإبل ، ولا يخرجنّ أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له». ففعل الناس ما أمرهم ، إلا رجلين من بني ساعدة ، خرج أحدهما لحاجته والآخر لطلب بعير له. فأما الّذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه ، وأما الآخر فاحتملته الرّيح حتى طرحته بجبل طيِّئ. فأخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ألم أنهكم؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي. وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قدم من تبوك. وهذا مرسل منكر (١).

* * *

وقال ابن وهب : أخبرني معاوية ، عن سعيد بن غزوان ، عن أبيه : أنه نزل بتبوك وهو حاجّ ، فإذا رجل مقعد ، فسألته عن أمره ، فقال : سأحدثك حديثا فلا تحدّث به ما سمعت أنّي حيّ : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل بتبوك إلى نخلة ، فقال : «هذه قبلتنا». ثم صلّى إليها. فأقبلت ، وأنا غلام ، أسعى حتى مررت بينه وبينها ، فقال : «قطع صلاتنا ، قطع الله أثره». قال : فما قمت عليها إلى يومي هذا.

وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن مولى ليزيد بن نمران ، عن يزيد بن نمران ، قال : رأيت مقعدا بتبوك. فقال : مررت بين يديّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا على حمار وهو يصلّي. فقال : «اللهمّ اقطع أثره». فما مشيت عليهما بعد (٢). أخرجهما أبو داود (٣).

وقال يزيد بن هارون ، أنا العلاء أبو محمد الثقفي ، سمعت أنس بن مالك ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبوك ، فطلعت الشمس بضياء وشعاع

__________________

(١) رواه ابن هشام في السيرة ٤ / ١٧٦.

(٢) في الأصل : «فما مشيت بعدها». والمثبت من ع ، ح. وفي سنن أبي داود ١ / ١٨٨ ز عليها لإ.

(٣) في كتاب الصلاة ، باب ما يقطع الصلاة (٧٠٥ و ٧٠٧).

٦٣٨

ونور لم أرها طلعت فيما مضى. فأتى جبريل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا جبريل ، ما لي أرى الشمس اليوم بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى؟» فقال : ذاك أنّ معاوية بن معاوية اللّيثيّ مات بالمدينة اليوم ، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلّون عليه. قال : «وفيم ذاك؟» قال : كان يكثر قراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) ، بالليل والنهار ، وفي ممشاة وقيامه وقعوده ، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلّي عليه؟ قال : «نعم» قال : فصلّى عليه ، ثم رجع. العلاء منكر الحديث واه (٢).[و] (٣) رواه الحسن الزّعفرانيّ ، عن يزيد.

[وقال يونس بن محمد ، ثنا صدقة بن أبي سهل ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، أنّ معاوية بن معاوية المزني توفي والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، فأتاه جبريل فقال : هل لك في جنازة معاوية المزني؟ قال : نعم. فقال : هكذا ، ففرج له الجبال والآكام. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمشي ومعه جبريل في سبعين ألف ملك ، فصلّى عليه. فقال : يا جبريل ، بم بلغ؟ فقال : بكثرة قراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، كان يقرؤها قائما وقاعدا وراكبا وماشيا. مرسل (٤).

وقال ابن جوصا ، وعلي بن سعيد الرّازيّ ، وأبو الدّحداح أحمد بن محمد ـ واللفظ له ـ ثنا نوح بن عمرو بن حويّ السّكسكيّ ، ثنا بقيّة ، ثنا محمد

__________________

(١) أول سورة الإخلاص.

(٢) هو : العلاء بن زيدل الثقفي البصري. ذكره المؤلّف الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ٩٩ وقال : تالف.

قال ابن حبّان : روى عن أنس نسخة موضوعة ، منها الصلاة بتبوك صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي. قال : وهذا منكر ، ولا أحفظ في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا ، والحديث قد سرقه شيخ شامي فرواه عن بقية ، عن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة.

(٣) سقطت من الأصل ، والمثبت من : (ع) و (ح).

(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١٩ / ٤٢٩ رقم (١٠٤١) ، ورواه البيهقي كما قال ابن كثير (السيرة ٤ / ٢٦).

٦٣٩

ابن زياد الألهاني ، عن أبي أمامة ، قال : نزل جبريل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بتبوك فقال : احضر جنازة معاوية بن معاوية المزني. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهبط جبريل في سبعين ألفا من الملائكة عليهم‌السلام ، فوضع جناحه على الجبال فتواضعت حتى نظروا إلى مكة والمدينة. فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجبريل والملائكة. فلما قضى صلاته قال : «يا جبريل ، بم أدرك معاوية بن معاوية هذه المنزلة من الله عزوجل؟» قال : بقراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) قائما وقاعدا وراكبا وماشيا.

قلت : ما علمت في نوح (١) جرحا ، ولكنّ الحديث منكر جدّا ، ما أعلم أحدا تابعه عليه أصلا عن بقيّة. وقد أورد ابن حبّان حديث العلاء وقال : حديث منكر لا يتابع عليه. قال : ولا أحفظ في الصّحابة من يقال له معاوية بن معاوية. وقد سرق هذا الحديث شيخ من أهل الشأم ، ورواه عن بقيّة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة الباهلي] (٢).

وقال عثمان بن الهيثم المؤذّن ، ثنا محبوب بن هلال ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس ، قال : جاء جبريل فقال : يا محمد ، مات معاوية بن معاوية المزني ، أفتحبّ أن تصلّي عليه؟ قال : نعم. فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت له. فصلّى عليه وخلفه صفّان من الملائكة ، في كل صفّ سبعون ألف ملك. قلت : «يا جبريل ، بم نال (٣) هذا؟» قال : بحبّه (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يقرؤها قائما وقاعدا وذاهبا [١١٦ أ] وجائيا ، وعلى كل حال (٤). محبوب مجهول ، لا يتابع على هذا (٥).

__________________

(١) انظر : ميزان الاعتدال للمؤلّف ٤ / ٢٧٨ رقم (٩١٣٩) ، ولسان الميزان لابن حجر ٦ / ١٧٣ ، ١٧٤.

(٢) ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل ، والمثبت من : (ع) و (ح).

(٣) في الأصل : «ما بال». والتصحيح من ع ، ح.

(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١٩ / ٤٢٨ ، ٤٢٩ رقم (١٠٤٠).

(٥) انظر : ميزان الاعتدال للمؤلّف ٣ / ٤٤٢ رقم (٧٠٨٥) ، ولسان الميزان ٥ / ١٧ رقم ٦٤.

٦٤٠