تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

عليها إلى قتالهم فقال : «هذا حين حمي الوطيس» ، ثم أخذ حصيات فرمى بهنّ في وجوه الكفّار. ثم قال : «انهزموا وربّ محمد». فذهبت انظر ، فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، فو الله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحصياته ، فما زلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبرا. أخرجه مسلم (١).

وروى معمر ، عن الزّهريّ ، عن كثير ، نحوه ، لكن قال : فروة بن نعامة الجذاميّ ، وقال : «انهزموا وربّ الكعبة» (٢).

وقال [١٠٤ أ] عكرمة بن عمّار : حدّثني إياس بن سلمة ، حدّثني أبي ، قال : غزونا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حنينا ، فلما واجهنا العدوّ ، تقدّمت فأعلو ثنيّة فأستقبل رجلا من العدوّ فأرميه بسهم ، وتوارى عنّي ، فما دريت ما صنع. ثم نظرت إلى القوم ، فإذا هم قد طلعوا من ثنيّة أخرى ، [فالتقوا] (٣) هم والمسلمون ، فولّى المسلمون ، فأرجع منهزما ، وعليّ بردتان مؤتزرا بإحداهما ، مرتديا (٤) بالأخرى. ومررت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهزما وهو على بغلته الشّهباء ، فقال : لقد رأى ابن الأكوع فزعا. فلما غشوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل عن (٥) البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب. ثم استقبل به وجوههم ، فقال : «شاهت الوجوه». فما خلق الله منهم إنسانا إلّا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة. فولّوا مدبرين. وقسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غنائمهم بين المسلمين. أخرجه مسلم (٦).

وقال أبو داود في مسندة : ثنا حمّاد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء ، عن

__________________

(١) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب في غزوة حنين (٧٦ / ١٧٧٥).

(٢) صحيح مسلم (٧٧ / ١٧٧٥).

(٣) سقطت من الأصل ، واستدركناها من نسختي : ع ، ح ، وصحيح مسلم.

(٤) في الأصل «مرتد بالآخر» ، وفي نسختي : ع ، ح «مرتد بالأخرى». والمثبت من صحيح مسلم.

(٥) في النسخ الثلاث «من» ، والتصحيح من صحيح مسلم.

(٦) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، . باب في غزوة حنين (٨١ / ١٧٧٧).

٥٨١

عبد الله بن يسار ، عن أبي عبد الرحمن الفهريّ ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حنين. فذكر الحديث ، وفيه : فحدّثني من كان أقرب إليه منّي أنه أخذ حفنة من تراب ، فحثا بها في وجوه القوم ، وقال : «شاهت الوجوه». قال يعلى ابن عطاء : فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا : ما بقي منّا أحد إلّا امتلأت عيناه وفمه من التراب. وسمعنا صلصلة من السماء كمرّ الحديد على الطّست ، فهزمهم الله (١).

وقال عبد الواحد بن زياد ، ثنا الحارث بن حصيرة ، ثنا القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال ابن مسعود : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين ، فولّى عنه الناس ، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار ، وهم الذين أنزل الله عليهم السّكينة. قال : ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بغلته يمضي قدما ، فحادت البغلة فمال عن السّرج ، فشدّه نحوه ، فقلت : ارتفع ، رفعك الله. قال : «ناولني كفّا من تراب». فناولته ، فضرب به وجوههم ، فامتلأت أعينهم ترابا. قال : «أين المهاجرون والأنصار»؟ قلت : هم هاهنا. قال : «اهتف بهم». فهتفت بهم ، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنّهم الشّهب وولّى المشركون أدبارهم (٢).

وقال البخاري في تاريخه (٣) : ثنا أبو عاصم ، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ، أخبرني عبد الله بن عياض بن الحارث ، عن أبيه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى هوازن في اثني عشر ألفا ، فقتل من أهل الطّائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر. وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفا من حصباء فرمى به وجوهنا ، فانهزمنا.

__________________

(١) منحة المعبود : كتاب السيرة النبويّة ، باب غزوة هوازن يوم حنين (٢ / ١٠٧) ، وأخرجه أحمد في المسند ٢ / ٢٢٢ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٥٦.

(٢) رواه أحمد في المسند ١ / ٤٥٣ ، ٤٥٤.

(٣) التاريخ الكبير ٤ / ١٩.

٥٨٢

وقال جعفر بن سليمان : ثنا عوف ، ثنا عبد الرحمن مولى أمّ برثن ، عمّن شهد حنينا كافرا ، قال : لما التقينا والمسلمون لم يقوموا لنا حلب شاة (١) ، فجئنا نهشّ سيوفنا بين [١٠٤ ب] يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى إذا غشيناه إذا بيننا وبينه رجال حسان الوجوه ، فقالوا : شاهت الوجوه ، فارجعوا. فهزمنا من ذلك الكلام. [إسناده جيد] (٢).

وقال الوليد بن مسلم ، وغيره ، حدّثني ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن شيبة بن عثمان ، قال : لما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين قد عري (٣) ، ذكرت أبي وعمّي وقتل عليّ وحمزة إيّاهما. فقلت : اليوم أدرك ثأري من محمد. فذهبت لأجيئه عن يمينه ، فإذا أنا بالعبّاس قائم ، عليه درع بيضاء كأنّها فضّة يكشف عنها العجاج ، فقلت عمّه ولن يخذله. قال : ثم جئته عن يساره ، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث ، فقلت ابن عمّه ولن يخذله. قال : ثم جئته من خلفه فلم يبق إلّا أن أسوّره سورة بالسّيف ، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنّه برق ، فخفت يمحشني (٤) ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى. والتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «يا شيب (٥)» يا شيب ، أدن منّي ، اللهمّ أذهب عنه الشيطان». فرجعت إليه بصري ، فلهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري. وقال : «يا شيب ، قاتل الكفّار». غريب جدّا (٦).

وقال أيّوب بن جابر ، عن صدقه بن سعيد ، عن مصعب (٧) بن شيبة ، عن

__________________

(١) لم يقوموا لنا حلب شاة : أي لم يصمدوا للقتال مقدار ما يستغرقه حلب الشاة من الوقت.

(٢) زيادة من ح. وانظر : المغازي للواقدي ٣ / ٩٠٦.

(٣) في الأصل : «غزي». والتصحيح من ع ، ح. وعري : انكشف.

(٤) محشه وأمحشه : يحرقه.

(٥) في الأصل : «يا شبيب». والمثبت من ح. وشيب : مرخّم شيبة.

(٦) أخرجه ابن عساكر ، انظر : تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٣٥٠ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٠٩ ، ٩١٠.

(٧) في الأصل ، ع : «منصور بن شيبة». والتصحيح من (ح) ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (١٠ / ١٦٢).

٥٨٣

أبيه ، قال : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والله ما أخرجني إسلام ، ولكن أنفت أن تظهر هوازن على قريش. فقلت وأنا واقف معه : يا رسول الله ، إنّي أرى خيلا بلقا. قال : «يا شيبة ، إنّه لا يراها إلّا كافر». فضرب يده على صدري ، ثم قال : «اللهمّ اهد شيبة» ، فعل ذلك ثلاثا ، حتى ما كان أحد من خلق الله أحبّ إليّ منه. وذكر الحديث.

وقال ابن إسحاق : وقال مالك بن عوف ، يذكر مسيرهم بعد إسلامه :

اذكر مسيرهم للنّاس إذ جمعوا

ومالك فوقه الرّايات تختفق

 ومالك مالك ما فوقه أحد

يومي حنين عليه التّاج يأتلق

 حتّى لقوا النّاس خير النّاس يقدمهم

عليهم البيض والأبدان والدّرق

 فضاربوا النّاس حتّى لم يروا أحدا

حول النّبيّ وحتّى جنّه الغسق

 حتّى تنزّل جبريل بنصرهم

فالقوم منهزم منهم ومعتنق

 منّا ولو غير جبريل يقاتلنا

لمنّعتنا إذا أسيافنا الغلق

 وقد وفى عمر الفاروق إذ هزموا

بطعنة بلّ منها سرجه العلق (١)

* * *

وقال مالك ، في الموطّأ (٢) ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حنين ، فلما التقينا كان للمسلمين جولة. قال : فرأيت رجلا من المشركين قد علا [١٠٥ أ] رجلا من المسلمين ، فاستدرت له فضربته بالسيف على حبل عاتقه (٣) ، فأقبل عليّ فضمّني ضمّة وجدت منها ريح الموت. ثم أدركه الموت فأرسلني. فأدركت عمر فقلت : ما بال النّاس؟ قال : أمر الله. ثم إنّ الناس رجعوا. وجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «من قتل قتيلا له عليه بيّنة

__________________

(١) في الأصل : «بل منه بسرجه». والتصحيح من ح. وفي هامش ح : «العلق الدم الغليظ». وانظر الأبيات في سيرة ابن هشام (٤ / ١٣٧) باختلاف يسير في بعض الألفاظ.

(٢) كتاب الجهاد ، ما جاء في السلب في النفل ـ ص ٣٠١ رقم ٩٨١.

(٣) ما بين العنق والكتف.

٥٨٤

فله سلبه». فقمت ثم قلت : من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال : «من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه». فقمت ثم قلت : من يشهد لي. ثم الثالثة ، فقمت ، فقال : «مالك يا أبا قتادة؟» فاقتصصت عليه القصّة. فقال رجل من القوم : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه منه. فقال أبو بكر الصدّيق : لاها الله ذا (١) ، يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله ، فيعطيك سلبه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدق ، فأعطه إيّاه». فأعطانيه. فبعث الدّرع ، فابتعت به مخرفا (٢) في بني سلمة. فإنّه لأوّل مال تأثّلته (٣) في الإسلام. أخرجه البخاري (٤) ، وأبو داود ، عن القعنبيّ (٥) ، ومسلم (٦).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أنس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين : «من قتل قتيلا فله سلبه». فقتل يومئذ أبو طلحة عشرين رجلا وأخذ أسلابهم. صحيح (٧).

وبه عن أنس ، قال : لقي أبو طلحة أمّ سليم يوم حنين ومعها خنجر ، فقال : يا أم سليم ، ما هذا؟ قالت : أردت إن دنا منّي بعضهم أن أبعج به بطنه. فأخبر بذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرجه مسلم (٨).

__________________

(١) في الموطأ (٣٠٢) : «لا هاء الله إذا ، لا يعمد ...».

(٢) المخرف : البستان من النخل ، وقيل نخلة أو نخلات يسيرة إلى عشرة ، وما فوق ذلك فهو بستان.

(٣) تأثل الرجل المال : اكتسبه وجمعه واتخذه لنفسه.

(٤) صحيح البخاري : كتاب فرض الخمس ، باب من لم يخمّس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه (٤ / ١١٢ ـ ١١٣) وكتاب المغازي ، باب قول الله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) (٥ / ١٩٦) ، وأحمد في المسند ٥ / ١٢ و ٢٩٥ و ٣٠٦.

(٥) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في السلب يعطى القاتل (٢ / ٧٠ رقم ٢٧١٧).

(٦) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب استحقاق القاتل سلب القتيل (٤١ / ١٧٥١).

(٧) أخرجه ابن أبي داود في الجهاد (٢٧١٨) باب في السلب يعطى القاتل ، والدارميّ في السير (٤٣).

(٨) في كتاب الجهاد والسير (١٣٤ / ١٨٠٩) باب غزوة النساء مع الرجال ، وأبو داود في الجهاد (٢٧١٨) باب في السلب يعطى القاتل. وأحمد في المسند ٣ / ١٠٩ و ١٩٠ و ٢٧٩ و ٢٨٦.

٥٨٥
٥٨٦

غزوة أوطاس (١)

وقال شيخنا الدّمياطيّ (٢) في «السّيرة» له : كان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمرا قد أرخوها بين أكتافهم (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قتل قتيلا عليه بيّنة فله سلبه» (٤). وأمر بطلب العدوّ. فانتهى بعضهم إلى الطّائف ، وبعضهم نحو نخلة (٥) ، ووجّه قوم منهم إلى أوطاس. فعقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي عامر الأشعريّ لواء ووجّهه في طلبهم ، وكان معه سلمة بن الأكوع ، فانتهى إلى عسكرهم ، فإذا هم ممتنعون. فقتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة. ثم برز له العاشر معلما بعمامة صفراء ، فضرب أبا عامر فقتله. واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعريّ ،

__________________

(١) أوطاس : واد في ديار هوازن. (معجم البلدان ١ / ٢٨١).

(٢) هو العلامة الحافظ الحجة شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف التوني الدمياطيّ الشافعيّ ، مولده في آخر سنة ٦١٣ ووفاته سنة سنة ٧٠٥ ه‍. ترجمته في تذكرة الحفاظ (٤ / ١٤٧٧) والدرر الكامنة (٣ / ٣٠) وفوات الوفيات (٢ / ٧) وشذرات الذهب (٦ / ١٢) وغيرها. وقد أشار في كشف الظنون (٢ / ١٠١٣) إلى مصنفه في مختصر السيرة النبويّة ، وقال في الشذرات إنه في مجلد. و (التوني) نسبة إلى تونة وهي جزيرة قرب تنيس بمصر.

(٣) طبقات ابن سعد ٢ / ١٥١.

(٤) مرّ تخريج هذا الحديث قبل قليل.

(٥) نخلة : واد من الحجاز بينه وبين مكّة مسيرة ليلتين. (معجم البلدان ٥ / ٢٧٨).

٥٨٧

فقاتلهم. حتى فتح الله عليه.

وقال أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة (١) ، عن أبي موسى ، قال : لما فرغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حنين ، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس ، فلقي دريد ابن الصّمّة ، فقتل دريد ، وهزم الله أصحابه ، ورمي أبو عامر في ركبته ، رماه رجل من بني جشم ، فأثبته في ركبته ، فانتهيت إليه ، فقلت : يا عمّ ، من رماك؟ فأشار إليّ أنّ ذاك قاتلي تراه. فقصدت له ، فاعتمدته ، فلحقته. فلما رآني ولّى عنّي ذاهبا ، فاتّبعته ، وجعلت أقول له : ألا تستحي؟ ألست عربيّا؟ ألا تثبت؟ [١٠٥ ب] فكفّ ، فالتقينا ، فاختلفنا ضربتين ، أنا وهو ، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت : قد قتل الله صاحبك. قال : فانتزع هذا السهم. فنزعته ، فنزا منه الماء. فقال : يا بن أخي ، انطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقره منّي السلام ، ثم قل له يستغفر لي. قال : واستخلفني أبو عامر على النّاس. فمكث يسيرا ومات. وذكر الحديث. متّفق عليه (٢).

وقال ابن إسحاق (٣) : وقتل يوم حنين من ثقيف سبعون رجلا تحت رايتهم. وانهزم المشركون ، فأتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف. وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة. وتبعت خيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القوم ، فأدرك ربيعة بن رفيع ، ويقال ابن الدّغنّة (٤) ، دريد بن الصّمّة ، فأخذ بخطام جمله ، وهو يظنّ أنّه امرأة ، فإذا شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له

__________________

(١) في الأصل «ع» : «عن بريد بن أبي بردة» ، والتصحيح من (ح) وصحيحي البخاري ومسلم.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي : باب غزاة أوطاس (٥ / ١٠١ ، ١٠٢) ، وصحيح مسلم :

كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي‌الله‌عنهما (١٦٤ / ٢٤٩٧).

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٣٦.

(٤) في النسخ الثلاث : «ابن لدغة». ورواية ابن إسحاق أنه ابن الدّغنّة ، وهي أمه غلبت على اسمه ، ويقال اسمها لدغة : وانظر ترجمته في أسد الغابة (٢ / ٢١١) والإصابة (١ / ٥٠٧) وتجريد أسماء الصحابة (١ / ١٧٩).

٥٨٨

دريد : ما ذا تريد بي؟ قال : أقتلك. قال : ومن أنت؟ قال : ربيعة بن رفيع السّلميّ. ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا. فقال : بئس ما سلّحتك أمّك. خذ سيفي هذا من مؤخّر الرّحل ، ثم اضرب به ، وارفع عن العظام (١) ، واخفض عن الدّماغ ، فإنّي كذلك كنت أضرب الرجال. ثم إذا أتبعت أمّك فأخبرها أنّك قتلت دريد بن الصّمة ، فربّ يوم والله قد منعت فيه نساءك. فقتله. فقيل : لما ضربه ووقع تكشّف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه أبيض كالقرطاس من ركوب الخيل أعراء (٢). فلما رجع إلى أمّه أخبرها بقتله ، فقالت : أما والله لقد أعتق أمّهات لك (٣).

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آثار من توجّه إلى أوطاس ، أبا عامر الأشعريّ فرمي بسهم فقتل. فأخذ الراية أبو موسى فهزمهم. وزعموا أنّ سلمة بن دريد هو الّذي رمى أبا عامر بسهم (٤).

واستشهد يوم حنين (٥) : أيمن بن عبيد ، ولد أمّ أيمن ، مولى بني هاشم. ويزيد بن زمعة بن الأسود الأسديّ القرشيّ. وسراقة بن حباب (٦) بن عديّ العجلانيّ الأنصاريّ. وأبو عامر عبيد الأشعريّ.

* * *

ثم جمعت الغنائم ، فكان عليها مسعود بن عمرو (٧). وإنّما تقسّم بعد الطّائف.

__________________

(١) في الأصل : «الطعام». والتصويب من السيرة لابن هشام ٤ / ١٢٨.

(٢) أعراء : جمع عرى وهو الفرس لا سرج له.

(٣) ، (٤) سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٨ و ١٢٩.

(٥) انظر الأسماء في المغازي لعروة ٢١٩ وفيها نقص ، ومجمع الزوائد للهيثمي ٦ / ١٩٨ ـ ١٩٠ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٣٠ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٥٢ ، وتاريخ خليفة ٨٨ ، ٨٩ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٢٢.

(٦) ويقال : سراقة بن الحارث ، وهي رواية ابن هشام في السيرة ٤ / ١٣٠ ، عن ابن إسحاق ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٥٢.

(٧) سيرة ابن هشام ٤ / ١٣١.

٥٨٩
٥٩٠

غزوة الطّائف (١)

فسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حنين يريد الطائف في شوال. وقدّم خالد بن الوليد على مقدّمته. وقد كانت ثقيف رمّوا حصنهم وأدخلوا فيه ما يكفيهم سنة. فلما انهزموا من أوطاس دخلوا الحصن وتهيّئوا للقتال (٢).

قال محمد بن شعيب ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بلغ الطائف [١٠٦ أ] فحاصرهم ، ونادى مناديه : من خرج منهم من عبيدهم فهو حرّ. فاقتحم إليه من حصنهم نفر ، منهم أبو بكرة ابن مسروح أخو زياد من أبيه ، فأعتقهم. ودفع كلّ رجل منهم إلى رجل من أصحابه ليحمله. فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتى على الجعرّانة (٣). فقال : «إنّي معتمر».

__________________

(١) انظر عنها في : المغازي لعروة ٢١٦ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٤٨ ، المغازي للواقدي ٣ / ٩٢٢ ، تاريخ خليفة ٨٩ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٥٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٨٢ ، نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٣٣٥ ، عيون الأثر لابن سيد الناس ٢ / ٢٠٠ ، صحيح البخاري ٥ / ١٠٢ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٠٢ ، السيرة لابن كثير ٣ / ٦٥٢ ، عيون التواريخ للكتبي ١ / ٣٣٣ ، معجم البلدان ٤ / ١١ ، ١٢ ، جوامع السيرة لابن حزم ٢٤٢ ، الدرر في المغازي والسير ٢٤٣.

(٢) عن الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٥٨.

(٣) الجعرانة : بكسر أوله إجماعا ، وأصحاب الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه ، وأهل الأدب

٥٩١

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة. وقال إسماعيل بن إبراهيم ابن عقبة ، عن عمّه موسى ، قالا : ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطائف ، وترك السّبي بالجعرّانة ، وملئت عرش (١) مكة منهم. ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة ، يقاتلهم. وثقيف ترمي بالنبل ، وكثرت الجراح ، وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها (٢). فقالت ثقيف : لا تفسدوا الأموال فإنّها لنا أو لكم. واستأذنه المسلمون في مناهضة الحصن فقال : ما أرى أن نفتحه ، وما أذن لنا فيه.

وزاد عروة قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسلمين أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم. فأتاه عمر فقال : يا رسول الله ، إنّها عفاء لم تؤكل ثمارها. فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثمرته ، الأوّل فالأول (٣). وبعث مناديا ينادي : من خرج إلينا فهو حرّ.

وقال ابن إسحاق : لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة ، كانا بجرش (٤) يتعلّمان صنعة الدبّابات والمجانيق (٥).

ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [على نخلة] (٦) إلى الطائف ، وابتنى بها مسجدا وصلّى فيه. وقتل ناس من أصحابه بالنّبل. ولم يقدر المسلمون أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم. وحاصرهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضعا وعشرين ليلة ، ومعه

__________________

= يخطّئونهم ويسكّنون العين ويخفّفون الراء. وهي ماء بين الطائف ومكة ، وهي إلى مكة أقرب. (معجم البلدان ٢ / ١٤٢).

(١) العرش : جمع عرش ، وهو ركن الشيء ، أو الخيمة ، أو البيت الّذي يستظلّ به كالعريش. يريد بيوتها وأركانها.

(٢) حتى هنا أورده البيهقي في السنن الكبرى ٩ / ٨٤ ، وعروة في المغازي ٢١٦.

(٣) حتى هنا رواية عروة في المغازي ٢١٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ٨٤. وانظر مغازي الواقدي ٣ / ٩٢٩.

(٤) جرش : مخلاف من مخاليف اليمن من جهة مكة.

(٥) انظر تاريخ الطبري ٣ / ٨٤ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٤٨.

(٦) زياد من ح.

٥٩٢

امرأتان من نسائه ، إحداهما أمّ سلمة بنت أبي أميّة. فلما أسلمت ثقيف بني على مصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو أميّة بن عمرو بن وهب مسجدا. وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدّهر ، فيما يذكرون ، إلّا سمع لها نقيض. والنّقيض صوت المحامل (١).

وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن سنبر ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي نجيح السّلميّ ، قال : حاصرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصر الطائف. فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من بلغ بسهم فله درجة في الجنّة». فبلغت يومئذ ستة عشر سهما. وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من رمى بسهم في سبيل الله فهو [له] (٢) عدل محرّر» (٣).

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أمها ، قالت : كان عندي مخنّث ، فقال لأخي عبد [١٠٦ ب] الله : إن فتح الله عليكم الطائف غدا ، فإنّي أدلّك على ابنة غيلان ، فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله فقال : «لا يدخلنّ هذا عليكم» (٤). متّفق عليه بمعناه (٥).

__________________

(١) المحامل : الرحال. والنقيض كذلك مطلق الصوت. وانظر الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ١٤٩ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٢٧.

(٢) سقطت من الأصل ، وأضفتها من سنن الترمذي ٣ / ٩٦.

(٣) أخرجه الترمذي في الجهاد (١٦٨٩) باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله ، وقال : «هذا حديث حسن صحيح ، وأبو نجيح هو عمرو بن عبسة السّلمي». والنسائي في كتاب الجهاد ٦ / ٢٧ باب ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عزوجل. وأحمد في المسند ٤ / ١١٣ و ٣٨٤.

(٤) في صحيح البخاري ٥ / ١٠٢ : عليكنّ».

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الطائف (٥ / ١٠٢) وصحيح مسلم : كتاب السلام ، باب منع المخنّث من الدخول على النساء الأجانب (٣٢ / ٢١٨٠) ، والموطّأ لمالك في كتاب الأقضية (ص ٥٤٤ ، ٥٤٥) رقم ١٤٥٣ باب ما جاء في المؤنّث من الرجال ومن أحق بالولد.

٥٩٣

وقال الواقديّ (١) عن شيوخه ، أنّ سلمان [الفارسيّ] (٢) قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم ـ يعني الطائف ـ فإنّا كنا بأرض فارس ننصبه على الحصون ، فإن لم يكن منجنيق طال الثّواء. فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعمل منجنيقا بيده ، فنصبه على حصن الطائف. ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ، ودبّابتين. ويقال : الطّفيل بن عمرو قدم بذلك. قال : فأرسلت (٣) عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنّار ، فحرقت الدبّابة. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقطع أعنابهم وتحريقها. فنادى سفيان بن عبد الله الثّقفيّ : لم تقطع أموالنا؟ فإنّما هي لنا أو لكم. فتركها.

وقال أبو الأسود ، عن عروة ، من طريق ابن لهيعة : أقبل عيينة بن [حصن] (٤) حتى جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ايذن لي أن أكلّمهم ، لعلّ الله أن يهديهم. فأذن له. فانطلق حتى دخل الحصن ، فقال : بأبي أنتم ، تمسّكوا بمكانكم ، والله لنحن أذلّ من العبيد ، وأقسم بالله لئن حدث به حدث ليملكنّ العرب عزّا ومنعة ، فتمسّكوا بحصنكم. ثم خرج فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ذا [قلت]؟» (٥) قال : دعوتهم إلى الإسلام ، وحذّرتهم النّار وفعلت. فقال : «كذبت ، بل قلت كذا وكذا». قال : صدقت يا رسول الله ، أتوب إلي الله وإليك (٦).

* * *

أخبرنا محمد بن عبد العزيز المقرئ ، سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، ومحمد بن أبي الحزم (٧) ، وحسن بن علي ، ومحمد بن أبي الفتح الشيبانيّ ،

__________________

(١) في المغازي : (٣ / ٩٢٧).

(٢) زيادة للتوضيح عن الواقدي.

(٣) في الأصل : «فأرسل». والمثبت من ح والواقدي.

(٤) في الأصل «عيينة بن بدر» ، والتصحيح من المغازي لعروة وغيره ، مثل طبقات ابن سعد ، وتاريخ الطبري.

(٥) سقطت من الأصل (ح). واستدركناها من النسخة (ع).

(٦) المغازي لعروة ٢١٧.

(٧) في ح : «ابن أبي الحرم». وفي ع : «ابن أبي حرم».

٥٩٤

ومحمد بن أحمد العقيلي ، ومحمد بن يوسف الذّهبيّ (١). وآخرون ، قالوا : أنا أبو الحسن بن علي بن محمد السّخاوي.

(ح) وأنا عبد المعطي بن عبد الرحمن ، بالإسكندرية ، أنا عبد الرحمن ابن مكّي.

(ح) وأنا لؤلؤ المحسني ، بمصر ، وعلي بن أحمد ، وعلي بن محمد ، الحنبليّان ، وآخرون ، قالوا : أنا أبو الحسن عليّ بن هبة الله الفقيه ، قال : أنا أبو طاهر أحمد بن أحمد بن سلفة الحافظ ، أنا أبو الحسن مكّي بن منصور الكرجي.

وقرأت على سنقر القضائيّ (٢) بحلب ، أخبرك عبد اللطيف بن يوسف.

وسمعته ، سنة أ[ثنتين] (٣) وتسعين ، على عائشة بنت عيسى بن الموفّق ، أنا جدّي أبو محمد قدامة ، وسنة أربع عشرة وستمائة حضورا ، قالا : أنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسيّ ، أنا محمد بن أحمد الساوي ، سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، قالا : أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا زكريا بن يحيى المروزي ببغداد ، ثنا [١٠٧ أ] سفيان ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي العباس ، عن عبد الله بن عمر ، قال :

حاصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا. قال : إنّا قافلون غدا إن شاء الله. فقال المسلمون : أنرجع ولم نفتحه؟ فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اغدوا على القتال غدا». فأصابهم جراح. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّا قافلون غدا إن شاء الله». فأعجبهم ذلك ، فضحك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) في الأصل : (ع) : «الدهني». والتصحيح من (ح) والمشتبه في النسبة (١ / ٢٩٠).

(٢) رسمت في النسخ الثلاث : «الفصاي». والتصحيح من المشتبه (١ / ٢٧٤).

(٣) في الأصل. حرف الألف ثم بياض كلمة. والمثبت من (ح).

٥٩٥

أخرجه مسلم (١) ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن سفيان هكذا. وعنده : عبد الله بن عمرو ، في بعض النسخ بمسلم (٢).

وأخرجه البخاري (٣) عن ابن المديني ، عن سفيان ، فقال ، عبد الله بن عمر. وقال البخاري : قال الحميديّ ، ثنا سفيان ، نا عمرو ، سمعت أبا العبّاس الأعمى يقول : سمعت عبد الله بن عمر بن الخطاب.

وقال أبو القاسم البغويّ : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا ابن عيينة ، فذكره وقال فيه : عبد الله بن عمرو.

ثم قال أبو بكر : وسمعت ابن عيينة يحدّث به ، مرّة أخرى ، عن ابن عمر.

وقال المفضّل بن غسّان الغلابي ، أظنّه عن ابن معين ، قال أبو العباس الشاعر ، عن عبد الله بن عمرو ، وابن عمر ، في فتح الطائف : الصحيح ابن عمر.

قال : واسم أبي العباس : السّائب بن فروخ مولى بني كنانة.

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (٤) : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ارتحل عن الطائف بأصحابه ودعا حين ركب قائلا : «اللهمّ اهدهم واكفنا مؤنتهم».

وقال ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، وعبد الله بن المكدم ، عمّن أدركوا ، قالوا : حاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا

__________________

(١) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة الطائف (٨٢ / ١٧٧٨).

(٢) راجع تعليق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في حاشية صحيح مسلم ج ٣ / ١٤٠٢ رقم (٤).

(٣) في كتاب المغازي (٥ / ١٠٢) باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان.

(٤) هذا الحديث ليس في مغازي عروة المطبوع. وانظر نحوه في سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٢ والمغازي للواقدي ٣ / ٩٣٧ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٥٩.

٥٩٦

من ذلك. ثم انصرف عنهم ، فقدم المدينة ، فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا (١).

وقال ابن إسحاق (٢) : واستشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالطائف : سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية.

وعرفطة بن حباب.

وعبد الله بن أبي بكر الصدّيق ، رمي بسهم فمات بالمدينة في خلافة أبيه.

وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزوميّ ، أخو أمّ سلمة. وأمّه عاتكة بنت عبد المطّلب. وكان يقال لأبي أميّة ، واسمه حذيفة : زاد الرّاكب. وكان عبد الله شديدا على المسلمين ، قيل هو الّذي قال : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٣) وما بعدها. ثم أسلم قبل فتح مكة بيسير ، وحسن إسلامه. وهو الّذي قال [له] (٤) هيت المخنّث : يا عبد الله ، إن فتح الله عليكم الطائف ، فإنّي أدلّك على ابنة غيلان ، الحديث (٥).

وعبد الله بن عامر بن ربيعة. والسّائب بن الحارث. وأخوه : عبد الله. وجليحة (٦) بن عبد الله.

__________________

(١) الطبري ٣ / ٩٧.

(٢) انظر أسماء الشهداء في الطائف في : المغازي للواقدي ٣ / ٩٣٨ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٥١ ، وتاريخ خليفة ٩٠.

(٣) سورة الإسراء ، آية ٩٠.

(٤) سقطت من الأصل ، واستدركناها من ع ، ح.

(٥) أخرجه البخاري في المغازي ٥ / ١٠٢) باب غزوة الطائف ، ومسلم في كتاب السلام (٣٢ / ٢١٨٠) باب منع المخنّث من الدخول على النساء الأجانب ، ومالك في الموطّأ ، كتاب الأقضية (رقم ١٤٥٣) باب ما جاء في المؤنّث من الرجال ومن أحقّ بالولد.

(٦) في النسخ الثلاث : «طليحة» ، والتصويب من : تاريخ خليفة ٩١ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٥١ ، وأسد الغابة ١ / ٣٤٨ ، وتجريد أسماء الصحابة ١ / ٨٧ ، والإصابة ١ / ٢٤٢.

٥٩٧

ومن الأنصار : ثابت بن الجذع. والحارث بن سهل بن أبي صعصعة. والمنذر [١٠٧ ب] بن عبد الله. ورقيم بن ثابت.

فذلك اثنا عشر رجلا ، رضي‌الله‌عنهم.

* * *

ويروى أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم استشار نوفل بن معاوية الدّيلي في أهل الطائف فقال : ثعلب في جحر ، إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرّك (١).

__________________

(١) المغازي للواقدي ٣ / ٩٣٦ ، ٩٣٧.

٥٩٨

قسم غنائم حنين وغير ذلك

قال ابن إسحاق :

ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على رحيل ، حتى نزل بالناس بالجعرّانة. وكان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذرّية ، ومن الإبل والشّاء ما لا يدرى عدّته (١).

وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، ثنا السّمط ، عن أنس ، قال : افتتحنا مكة ، ثم إنّا غزونا حنينا ، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. قال : فصفّ الخيل ، ثم صفّت المقاتلة ، ثم صفّ النساء من وراء ذلك ، ثم صفّ الغنم ثم صفّ النّعم. قال : ونحن بشر كثير قد بلغنا ستّة آلاف ، أظنّه يريد الأنصار. قال : وعلى مجنّبة خيلنا خالد بن الوليد. فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا.

فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرّت الأعراب. فنادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا للمهاجرين يا للمهاجرين ، يا للأنصار يا للأنصار». قال أنس : هذا حديث عمّيّة (٢).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٢.

(٢) العمّيّة : الكبر أو الضلال. وجاء في شرح النووي : قوله هذا حديث عمية ، وهي رواية عامة مشايخنا وفسّر بالشدّة ، وروي بفتح العين وكسر الميم المشدّدة وتخفيف الياء وبعدها هاء

٥٩٩

قلنا : لبّيك ، يا رسول الله. فتقدّم ، فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله. قال : فقبضنا ذلك المال ، ثم انطلقنا إلى الطائف. قال : فحاصرناهم أربعين ليلة. ثم رجعنا إلى مكة ونزلنا. فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي الرّجل المائة ، ويعطي الرجل المائة. فتحدّثت الأنصار بينهم : أمّا من قاتله فيعطيه ، وأمّا من لم يقاتله فلا يعطيه. قال : ثم أمر بسراة المهاجرين والأنصار ـ لمّا بلغه الحديث ـ أن يدخلوا عليه. فدخلنا القبّة حتى ملأناها. فقال : «يا معشر الأنصار ، ـ ثلاث مرات ، أو كما قال ـ ما حديث أتاني؟» قالوا : ما أتاك يا رسول الله. قال : «أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبوا برسول الله حتى تدخلوه بيوتكم؟» قالوا : رضينا. فقال : «لو أخذ الناس شعبا وأخذت الأنصار شعبا أخذت شعب الأنصار». قالوا : رضينا يا رسول الله. قال :«فارضوا». أخرجه مسلم (١).

وقال ابن عون ، عن هشام ، عن زيد ، عن أنس ، قال : لما كان يوم حنين ، فذكر القصّة ، إلى أن قال : وأصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ غنائم كثيرة ، فقسم في المهاجرين والطّلقاء ، ولم يعط الأنصار شيئا. فقالت الأنصار : إذا كانت الشدّة فنحن ندعى ، ويعطى الغنيمة غيرنا. قال : فبلغه ذلك ، فجمعهم في قبّة وقال : «أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا ، وتذهبوا برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم؟» قالوا : بلى ، يا رسول الله ، رضينا. فقال : «لو سلك الناس واديا ، وسلكت الأنصار شعبا ، لأخذت شعب الأنصار». [١٠٨ أ] متّفق عليه (٢).

__________________

= لسكت ، أي حدّثني به عمي ، والعم : الجماعة. وروي بتشديد الياء ، وفسّر بعمومتي أي حدّثني به أعمامي.

(١) في كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم على الإسلام وتصبّر من قوي إيمانه (١٣٢ / ١٠٥٩) ، وأخرجه أحمد في المسند ٣ / ١٥٧ ، ١٥٨ ، وابن كثير في السيرة النبويّة ٣ / ٦٧٣.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الطائف (٥ / ١٠٥). وصحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه (١٣٥ / ١٠٥٩).

٦٠٠