تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

هؤلاء يا عبّاس؟ فأقول : سليم. فيقول : ما لي ولسليم. وتمرّ به [٩٥ ب] القبيلة فيقول : من هذه؟ فأقول : أسلم. فيقول ما لي ولأسلم. وتمر جهينة. حتى مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار ، في الحديد ، لا يرى منهم إلّا الحدق. فقال يا أبا الفضل ، من هؤلاء؟ فقلت : هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المهاجرين والأنصار. فقال : يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما. فقلت : ويحك ، إنها النّبوّة ، قال : فنعم إذن. قلت : الحق الآن بقومك فحذّرهم. فخرج سريعا حتى جاء مكة ، فصرخ في المسجد : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به. فقالوا : فمه؟ قال : من دخل داري فهو آمن. فقالوا : وما دارك ، وما تغني عنّا؟ قال : من دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق داره عليه فهو آمن.

هكذا رواه بهذا اللّفظ ابن إسحاق (١) ، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبّاس ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس موصولا ، وأمّا أبو أيوب السّختيانيّ فأرسله. وقد رواه ابن إدريس ، عن ابن إسحاق ، عن الزّهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عبّاس بمعناه.

وقال عروة : أخبرني نافع بن جبير بن مطعم ، قال : سمعت العبّاس يقول للزّبير : يا أبا عبد الله ، هاهنا أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تركّز الراية. قال : وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد أن يدخل مكة من كداء. ودخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كدي ، فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان : حبيش بن الأشعر ، وكرز بن جابر الفهريّ (٢).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٨٩ ، ٩٠ تاريخ الطبري ٣ / ٥٢ ـ ٥٤ ، الأغاني ٦ / ٣٥٢ ـ ٣٥٤ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٩٩ ـ ٣٠٢.

(٢) أخرجه البخاري في المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح (٥ / ٩١ ، ٩٢).

٥٤١

وقال الزّهري ، وغيره : أخفى الله تعالى مسير النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أهل مكة ، حتى نزل بمرّ الظّهران.

وفي مغازي موسى بن عقبة أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لخالد بن الوليد : «لم قاتلت ، وقد نهيتك عن القتال»؟ قال : هم بدءونا بالقتال ووضعوا فينا السّلاح وأشعرونا بالنّبل ، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قضاء الله خير» (١).

ويقال : قال أبو بكر يومئذ : يا رسول الله أراني في المنام وأراك دنونا من مكة ، فخرجت إلينا كلبة تهرّ (٢). فلما دنونا منها استلقت على ظهرها ، فإذا هي تشخب لبنا (٣). فقال : ذهب كلبهم وأقبل درّهم ، وهم سائلوكم بأرحامكم وإنّكم لاقون بعضهم ، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه». فلقوا أبا سفيان وحكيما بمرّ [الظّهران] (٤).

وقال حسّان : (٥)

عدمت بنيّتي إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء

 ينازعن الأعنّة مصحبات

يلطمهنّ بالخمر النّساء

 فإن أعرضتم عنّا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

 __________________

(١) المغازي لعروة ١٢١ وأورده البيهقي في السنن الكبرى ٩ / ١٢١ بإسناده عن ابن لهيعة عن أبي الأسود ، عن عروة ، وعن طريق موسى بن عقبة واللفظ له.

(٢) هرّ الكلب إليه يهرّ ، بالكسر ، هريرا وهرّة ، أي هرير الكلب ، صوته. وهو دون نباحه من قلّة صبره على البرد. (تاج العروس ١٤ / ٤٢٠).

(٣) شخبت اللّبن : حلبته.

(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٥) ديوانه : ص ٤ ـ ١٠ باختلاف كبير في الألفاظ وانظر : عيون الأثر ٢ / ١٨١ ، ١٨٢ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٢١ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٠٦ ، ١٠٧ البداية والنهاية ٤ / ٣١٠ عيون التواريخ ١ / ٣١٠ ، ٣١٢.

٥٤٢

وإلّا فاصبروا لجلاد يوم

يعزّ الله فيه من يشاء

 وجبريل رسول الله فينا

وروح القدس ليس له كفاء

 هجوت محمّدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

 [٩٦ أ] فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

 لساني صارم لا عيب فيه

وبحري ما تكدّره الدّلاء

فذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبسّم إلى أبي بكر حين رأى النّساء يلطمن الخيل بالخمر ، أي ينفضن الغبار عن الخيل.

وقال الليث : حدّثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمارة بن غزيّة ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اهجو قريشا فإنّه أشدّ عليها من رشق النّبل». وأرسل إلى ابن رواحة فقال : «اهجم». فهجاهم فلم يرض ، فأرسل إلى كعب ابن مالك ، ثم أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلما دخل قال : قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه (١). ثم أدلع (٢) لسانه فجعل يحرّكه ، فقال : والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم فري الأديم (٣). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تعجل فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإنّ لي فيهم نسبا ، حتى يخلّص (٤) لي نسبي». فأتاه حسّان ثم رجع فقال : يا رسول الله قد أخلص (٤) لي نسبك ، فو الّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ (٥) الشّعرة من العجين.

__________________

(١) الضارب بذنبه : المراد بذنبه : لسانه.

(٢) أدلع لسانه : أخرجه عن الشفتين.

(٣) أي لأمزّقنّ أعراضهم تمزيق الجلد.

(٤) في صحيح مسلم «يلخّص» و «لخّص».

(٥) في الأصل : لأنسلنّك منهم نسل الشعرة ، والتصحيح من ح وصحيح مسلم.

٥٤٣

قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول لحسّان : «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن الله ورسوله». وقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : هجاهم حسّان فشفى واشتفى (١). وذكر الأبيات ، وزاد فيها (٢) :

هجوت محمّدا برّا حنيفا (٣)

رسول الله شيمته الوفاء

 فإنّ أبي ووالده وعرضي

لعرض محمّد منكم وقاء

 فإن أعرضتم عنّا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

 وقال الله : قد أرسلت عبدا

يقول الحقّ ليس به خفاء

 وقال الله : قد سيّرت (٤) جندا

هم الأنصار عرضتها (٥) اللّقاء

 لنا في كلّ يوم من معدّ

سباب أو قتال أو هجاء

أخرجه مسلم (٦).

وقال سليمان بن المغيرة وغيره : ناثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح قال : وفدنا إلى معاوية ومعنا أبو هريرة ، وكان بعضنا يصنع لبعض الطّعام. وكان أبو هريرة ممّن يصنع لنا فيكثر ، فيدعو إلى رحله. قلت : لو أمرت بطعام فصنع ودعوتهم إلى رحلي ، ففعلت. ولقيت أبا هريرة بالعشيّ فقلت : الدعوة عندي اللّيلة. فقال : سبقتني يا أخا الأنصار. قال : فإنّهم لعندي إذ قال أبو هريرة : ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ فذكر فتح

__________________

(١) في الأصل : وأشفى. وأثبتنا عبارة مسلم.

(٢) ديوانه : ص ٥ ـ ٨ باختلاف في بعض الألفاظ وفي ترتيب الأبيات.

(٣) وفي صحيح مسلم «تقيّا».

(٤) في صحيح مسلم «يسّرت».

(٥) في طبعة القدسي ٥٠٨ «عرصتها» ، والتصحيح من صحيح مسلم.

(٦) صحيح مسلم (٢٤٩٠) كتاب فضائل الصحابة. باب فضائل حسّان بن ثابت رضي‌الله‌عنه.

٥٤٤

مكة. وقال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد على إحدى المجنّبتين (١) ، وبعث الزّبير على المجنّبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحسر. ثم رآني [٩٦ ب] فقال : يا أبا هريرة. قلت : لبّيك وسعديك يا رسول الله. قال : اهتف لي بالأنصار ولا تأتني إلّا بأنصاري. قال : ففعلته. ثم قال : انظروا قريشا وأوباشهم فاحصدوهم حصدا.

فانطلقنا فما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا ، وما منّا أحد يريد أحدا منهم إلّا أخذه. وجاء أبو سفيان. فقال : يا رسول الله : أبيدت (٢) خضراء قريش (٣) لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن ألقى السّلاح فهو آمن» فألقوا سلاحهم.

ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبدأ بالحجر فاستلمه ، ثمّ طاف سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين. ثم جاء ومعه القوس [وهو] (٤) آخذ بسيتها (٥) ، فجعل يطعن بها في عين صنم من أصنامهم ، وهو يقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٦). ثم انطلق حتى أتى الصّفا (٧) ، فعلا منه حتى يرى البيت ، وجعل يحمد الله ويدعوه ، والأنصار عنده يقولون : أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. وجاء الوحي ، وكان الوحي إذا جاء لم يخف علينا. فلما أن رفع الوحي قال : يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا ، كلّا فما اسمي إذا؟ كلّا ، إنّي عبد الله ورسوله. المحيا محياكم

__________________

(١) المجنبتين : هما الميمنة والمسيرة ، والقلب بينهما.

(٢) وفي رواية «أبيحت».

(٣) خضراء قريش : أي جماعتهم.

(٤) زيادة من صحيح مسلم تقتضيها صحة العبارة.

(٥) سيتها : أي بطرفها ، وهي خفيفة الياء.

(٦) سورة الإسراء : من الآية ٨١.

(٧) الصّفا : مكان مرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي ومنه يبدأ السعي بين الصّفا والمروة من مناسك الحجّ. (معجم البلدان ٣ / ٤١١).

٥٤٥

والممات مماتكم. فأقبلوا يبكون وقالوا : يا رسول الله ما قلنا إلّا الضنّ بالله وبرسوله. فقال : إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم.

أخرجه مسلم (١). وعنده : كلّا إنّي عبد الله ورسوله ، هاجرت إلى الله وإليكم.

وفي الحديث دلالة على الإذن بالقتل قبل عقد الأمان.

وقال سلّام بن مسكين : حدّثني ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي هريرة قال : ما قتل يوم الفتح إلّا أربعة. ثم دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم. ثم طاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصلّى ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال : «ما تقولون وما تصنعون»؟ قالوا : نقول ابن أخ وابن عمّ حليم رحيم. فقال : «أقول كما قال يوسف : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ، يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) (٢)». قال : فخرجوا كما نشروا من القبور. فدخلوا في الإسلام.

وقال عروة عن عائشة : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح من كداء من أعلى مكة (٣).

وقال عبد الله بن عمر (٤) ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح رأى النّساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر ، فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أبي بكر وقال : «كيف قال حسّان»؟ فأنشده أبو بكر :

__________________

(١) صحيح مسلم (١٧٨٠) كتاب الجهاد والسير : باب فتح مكة. وفي رواية له : «ألا فما اسمي إذا! «ثلاث مرات» أنا محمد عبد الله ورسوله». وانظر : سيرة ابن هشام ٤ / ٩٥ ، ورواه أبو داود ، رقم (٣٠٢٤) في الخراج والإمارة ، باب ما جاء في خبر مكة.

(٢) سورة يوسف : من الآية ٩٢.

(٣) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مكة ٥ / ٩٣ طبقات ابن سعد ٢ / ١٤٠ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٢٢.

(٤) هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، كما في (تهذيب التهذيب ٥ / ٣٢٦).

٥٤٦

عدمت بنيّتي إن لم تروها

تثير النّقع من كنفي كداء

 ينازعني الأعنّة مسرجات

يلطمهنّ بالخمر النّساء

 فقال : «ادخلوها من حيث قال حسّان» (١).

وقال الزّهريّ ، عن أنس ، دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٩٧ أ] عام الفتح مكة وعلى رأسه المغفر ، فلما وضعه جاء رجل فقال : هذا ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة. فقال : اقتلوه. متّفق عليه (٢).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أهدر دم ابن خطل وثلاثة غيره (٣).

وقال منصور بن أبي مزاحم : ثنا أبو معشر ، عن يوسف بن يعقوب ، عن السّائب بن يزيد. قال : رأيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل عبد الله بن خطل يوم أخرجوه من تحت الأستار. فضرب عنقه بين زمزم والمقام. ثم قال : «لا يقتل قرشيّ بعدها صبرا».

وقال معاوية بن عمّار الدّهنيّ ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. أخرجه مسلم (٤).

وفي مسند الطّيالسيّ (٥) حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن أبي الزّبير ، عن

__________________

(١) رواه الفاكهي في تاريخ مكة ، شفاء الغرام ٢ / ٢٢١.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ٥ / ٩٢ ، وصحيح مسلم (١٣٧٥) كتاب الحجّ ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام ، والموطّإ ١ / ٤٢٣ في الحج ، باب جامع الحج ، وأبو داود (٢٦٨٥) في الجهاد ، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام ، والترمذي (١٦٩٣) في الجهاد ، باب ما جاء في المغفر ، والنسائي ٥ / ٢١٠ ، في الحج ، باب دخول مكة بغير إحرام ، مسند الحميدي ٢ / ٥٠٩ رقم ١٢١٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٣٩ ، الفوائد العوالي تخريج الصوري ٩ أ ، مخطوطة الظاهرية (الجزء الخامس) شفاء الغرام ٢ / ٢١٥. معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) ص ٧٢.

(٣) انظر شفاء الغرام (بتحقيقنا) ج ٢ / ٢٢٤.

(٤) صحيح مسلم (١٣٥٨) كتاب الحج ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

(٥) منحة المعبود : كتاب اللباس والزينة ، ما جاء في العمامة إلخ (١ / ٣٥١). ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١٤٠ من طريق الفضل بن دكين ، عن شريك ، عن عمّار الدهني عن أبي

٥٤٧

جابر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء.

وقال مساور الورّاق : سمعت جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه. قال : كأنّي انظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة ، وعليه عمامة سوداء خرقانية (١) ، قد أرخى طرفها بين كتفيه. أخرجه مسلم (٢).

وقال ابن إسحاق : عن عبد الله بن أبي بكر ، أنّ عائشة قالت : كان لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح أبيض ، ورايته سوداء ، قطعة من مرط ليّ مرجّل ، وكانت الراية تسمّى العقاب.

قال عبد الله بن أبي بكر : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذي طوى ورأى ما أكرمه الله به من الفتح جعل يتواضع لله حتى إنّك لتقول قد كاد عثنونه أن يصيب واسطة الرّحل.

وقال ثابت ، عن أنس : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح وذقنه على رحله متخشّعا. حديث صحيح.

وقال شعبة ، عن معاوية بن قرّة ، سمع عبد الله بن مغفّل ، قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح سورة الفتح وهو على بعير ، فرجّع فيها. ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفّل عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه ، ولفظه للبخاريّ (٣).

__________________

= الزبير ، عن جابر. ورواه عن عفان بن مسلم وكثير بن هشام ، عن حمّاد بن سلمة عن أبي الزبير ، عن جابر ، به.

(١) خرقانية : أي مكوّرة كعمامة أهل الرساتيق. ويروى : حرقانية أي التي على لون ما أحرقته النّار.

(٢) صحيح مسلم (١٣٥٩) كتاب الحج ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ٥ / ٩٢. وصحيح مسلم (٧٩٤) كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب ذكر قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة الفتح يوم فتح مكّة.

٥٤٨

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : دخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستّون نصبا ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) (١). (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٢). متفق عليه (٣).

وقال ابن إسحاق : ثنا عبد الله بن أبي بكر ، عن عليّ بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح ، وعلى الكعبة ثلاثمائة صنم ، فأخذ قضيبه (٤) فجعل يهوي به إلى صنم صنم ، وهو يهوي حتى مرّ عليها كلّها. حديث حسن.

وقال القاسم بن عبد الله العمريّ ـ وهو ضعيف (٥) ـ عن عبد الله بن

__________________

(١) سورة سبإ : الآية ٤٩.

(٢) سورة الإسراء : من الآية ٨١.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المظالم والغصب ، باب هل تكسر الدّنان التي فيها الخمر إلخ.

٣ / ١٠٨ وفي كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ، وفي تفسير سورة بني إسرائيل ، باب وقل (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً). وصحيح مسلم (١٧٨١) كتاب الجهاد والسير ، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة ، والترمذي (٣١٣٧) في التفسير ، باب ومن سورة بني إسرائيل.

(٤) في الأصل : قصبة ، وأثبتنا لفظ ع ، ح.

(٥) قال أحمد : ليس بشيء كان يكذب ، ويضع الحديث ، وقال يحيى بن معين : ليس بشيء.

وقال مرة : كذّاب. وقال أبو حاتم والنسائي : متروك ، وقال الدار الدّارقطنيّ : ضعيف. وقال البخاري : سكتوا عنه. انظر عنه في : التاريخ لابن معين ٢ / ٤٨١ رقم ٦٨٦ ، التاريخ الصغير للبخاريّ ١٨١ ، الضعفاء الصغير له ٢٧٣ رقم ٣٠٢ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ٤٧٢ ـ ٤٧٤ رقم ١٥٢٩ ، التاريخ الكبير للبخاريّ ٤ / ١٧٣ ، المجروحين لابن حبّان ٢ / ٢١٢ ، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٧ / ١١١ ، ١١٢ ، رقم ٦٤٣ ، أحوال الرجال للجوزجانيّ ١٣٣ رقم ٢٢٤ ، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١٤٣ رقم ٤٣٩ ، الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٦ / ٢٠٥٨ ، ٢٠٥٩ ، المغني في الضعفاء للذهبي ٢ / ٥١٩ رقم ٤٩٩٢. ميزان الاعتدال له ٣ / ٣٧١ ، ٣٧٢ رقم ٦٨١٢ ، الكاشف له : ٢ / ٣٣٦ رقم ٤٥٨٥ ، الكشف الحثيث لبرهان الدين الحلبي ٣٣٧ رقم ٥٩٢ ، تهذيب التهذيب لابن حجر ٨ / ٣٢٠ ، تقريب التهذيب له ٢ / ١١٨.

٥٤٩

دينار ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة [٩٧ ب] وستين صنما. فأشار إلى كل صنم بعصا من غير أن يمسّها. وقال : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (١) ، فكان لا يشير إلى صنم إلّا سقط (٢).

وقال عبد الوارث ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم مكة ، أبي أن يدخل البيت وفيه الآلهة ، فأمر بها فأخرجت. فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام ، فقال : «قاتَلَهُمُ الله ، أَمَا واللهِ لقد علِموا أنهما لم يَسْتَقسِما بها قطّ». ودخل البيت وكبّر في نواحيه.

أخرجه البخاري (٣).

وقال معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخله حتى أمر بها فمحيت. ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام ، فقال : «قاتلهم الله ، واللهِ ما اسْتَقْسَما بها قطّ». صحيح (٤).

وقال أبو الزبير ، عن جابر : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدخل البيت حتى محيت الصّور. صحيح.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٨١.

(٢) الحديث على ضعفه لضعف القاسم بن عبد الله العمري ، يقوّيه الحديث الّذي أخرجه البخاري ، في كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح (٥ / ٩٢) من طريق مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، قال : دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ). وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة (١٧٨١) ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٣٦.

(٣) في كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح (٥ / ٩٣) وانظر السيرة لابن هشام ٤ / ٩٤ و ١٠٤.

(٤) رواه أحمد في المسند ١ / ٣٦٥ ، والبخاري في كتاب المغازي ، باب أين ركّز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح (٥ / ٩٣) ، وأخرجه في كتاب الحج ، باب من كبّر في نواحي الكعبة (٢ / ١٦٠) ، وانظر السيرة لابن هشام ٤ / ٩٤.

٥٥٠

[وقال هوذة : ثنا عوف الأعرابيّ ، عن رجل ، قال : دعار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح ، شيبة بن عثمان فأعطاه المفتاح ، وقال له : دونك هذا ، فأنت أمين الله على بيته.

قال الواقدي : هذا غلط ، إنما أعطى المفتاح عثمان بن طلحة ، ابن عمّ شيبة ، يوم الفتح ، وشيبة يومئذ كافر. ولم يزل عثمان على البيت حتّى مات ثم ولّي شيبة.

قلت : قول الواقديّ لمن يزل عثمان على البيت حتى مات ، فيه نظر. فإن أراد لم يزل منفردا بالحجابة ، فلا نسلّم. وإن أراد مشاركا لشيبة ، فقريب. فإنّ شيبة كان حاجبا في خلافة عمر. ويحتمل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفّى الحجابة لشيبة لمّا أسلم. وكان إسلامه عام الفتح ، لا يوم الفتح.

وقال محمد بن حمران ، أنا أبو بشر ، عن مسافع بن شيبة ، عن أبيه ، قال : دخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة فصلّى ، فإذا فيها تصاوير ، فقال : يا شيبة ، اكفني هذه. فاشتدّ ذلك عليه. فقال له رجل : طيّنها ثم الطخها بزعفران. ففعل (١). تفرّد به محمد ، وهو مقارب للأمر] (٢).

وقال يونس ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة ، ومعه بلال وعثمان بن طلحة ، من الحجبة ، حتى أناخ في المسجد. فأمر عثمان أن يأتي بمفتاح البيت ، ففتح ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أسامة وبلال وعثمان. فمكث فيها نهارا طويلا. ثم خرج فاستبق النّاس ، وكان عبد الله بن عمر أوّل من دخل ، فوجد بلالا وراء الباب ، فسأله : أين صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فأشار إلى المكان الّذي صلّى فيه.

__________________

(١) رواه ابن قانع في معجمه ، وانظر «شفاء الغرام» بتحقيقنا ١ / ٢٣٠.

(٢) ما بين الحاصرتين انفردت به النسخة (ح).

٥٥١

قال ابن عمر : فنسيت أن أسأله : كم صلّى من سجدة؟. صحيح. علّقه البخاري محتجّا به (١).

وقال ابن إسحاق : حدّثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفيّة بنت شيبة قالت : لما اطمأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، طاف على بعيره ، يستلم الحجر بالمحجن (٢). ثم دخل الكعبة فوجد فيها حمامة [من] عيدان (٣) فاكتسرها ، ثم قام بها على الباب الكعبة ـ وأنا انظر ـ فرمى بها.

وذكر أسباط ، عن السّدّيّ ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم فتح مكة ، أمّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس ، إلّا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة : عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة (٤) ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. فأمّا ابن خطل فأدرك وهو متعلّق بالأستار ، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمّار بن ياسر ، فسبق سعيد عمّارا ، فقتله. وأما مقيس فقتلوه في السّوق. وأمّا عكرمة فركب البحر ، وذكر قصّته ، ثم أسلم. وأما ابن أبي سرح فاختبأ عند عثمان ، فلمّا دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس إلى البيعة ، جاء به عثمان حتى أوقفه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، بايع عبد الله. فرفع [٩٨ أ] رأسه فنظر إليه

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أعلى مكة (٥ / ٩٣) ، وانظر : المسند لأحمد ٦ / ١٥ ، وشرح معاني الآثار للطحاوي ١ / ٣٩١ ، وشفاء الغرام (بتحقيقنا) ١ / ٢٢٨.

(٢) في الأصل (ح) «يستلم المحجن» ، والتصحيح من (ع).

(٣) في الأصل «جماعة عيدان» ، وفي نسختي : ع ، ح : «جماعة عيدان» ، والمثبت يتفق مع رواية ابن هشام في السيرة ٤ / ٩٣.

(٤) ورد «مقيس بن حبابة» بالحاء بدل الصاد ، في سيرة ابن هشام ٢ / ٩٣ وأضاف إلى الأربعة : «الحويرث بن نقيد بن وهب بن عبد قصيّ» ، وقينتي عبد الله بن خطل : «فرتنى وصاحبتها» وهي سارة مولاة لبعض بني عبد المطّلب. وانظر : شفاء الغرام (بتحقيقنا ١ / ٥٦).

٥٥٢

ثلاثا ، كلّ ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث. ثم أقبل على أصحابه فقال : «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا ، حيث رآني كففت ، فيقتله؟».

قالوا : ما يدرينا ، يا رسول الله ، ما في نفسك ، هلّا أومأت إلينا بعينك؟

قال : «إنّه لا يَنْبغي أن يكون لنَبِيٍ خَائِنَة الأَعْيُن» (١).

وقال ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، قال : قدم مقيس بن صبابة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وقد أظهر الإسلام ، يطلب بدم أخيه هشام. [وكان قتله رجل من المسلمين يوم بني المصطلق ولا يحسبه إلّا مشركا] (٢). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّما قتل أخوك خطأ. وأمر له بديته ، فأخذها ، فمكث مع المسلمين شيئا ، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ، ولحق بمكّة كافرا. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عام الفتح ـ بقتله ، فقتله رجل من قومه يقال له نميلة بن عبد الله ، بين الصّفا والمروة (٣).

وحدّثني عبد الله بن أبي بكر ، وأبو عبيدة بن محمد بن عمّار : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّما أمر بقتل ابن أبي سرح لأنه كان قد أسلم ، وكتب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي. فرجع مشركا ولحق بمكّة (٤).

قال ابن إسحاق : وإنّما أمر بقتل عبد الله بن خطل ، أحد بني تيم بن غالب ، لأنه كان مسلما ، فبعثه ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصدّقا (٥) ، وبعث معه رجلا من

__________________

(١) قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث ٢ / ٦) : أي يفسّر في نفسه غير ما يظهر ، فإذا كفّ لسانه وأومأ بعينه فقد خان ، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سمّيت خائنة الأعين. وانظر : المغازي للواقدي ٢ / ٨٥٦ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٩٢ ، وعيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ١٧٥ ، وشفاء الغرام ٢ / ١٨٧.

(٢) ما بين الحاصرتين من نسخة (ح).

(٣) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٩٣ ، وعيون الأثر ٢ / ١٧٦ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٨٦٠ ، ٨٦١ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٢٨.

(٤) انظر : السيرة لابن هشام ٤ / ٩٢ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٨٥٥ ، وعيون الأثر ٢ / ١٧٥ ، وشفاء الغرام ٢ / ٢٢٥.

(٥) مصدّقا : أي جابيا للصدقات.

٥٥٣

الأنصار ، وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما. فنزل منزلا ، فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما ، ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فقتله وارتدّ. وكان له قينة وصاحبتها تغنّيان بهجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بقتلهما معه. وكان ممّن يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال يعقوب القمّي : ثنا جعفر بن أبي المغيرة ، عن ابن أبزى ، قال : لما افتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، جاءت عجوز حبشيّة شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل. فقيل : يا رسول الله ، رأينا كذا وكذا. فقال : «تلك نائلة (٢) أَيِست أن تُعبد ببلدكم هذا أبدا». كأنه منقطع (٣).

وقال يونس بن بكير ، عن زكريا ، عن الشعبيّ ، عن الحارث بن مالك ، هو ابن برصاء ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح يقول : «لا تغزى مكّة بعد اليوم أبدا إلى يوم القيامة» (٤).

وقال محمد بن فضيل : ثنا الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل ، قال : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة ، وكانت بها العزّى. فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات. فقطع السّمرات وهدم البيت الّذي كان عليها. ثم أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره. فقال : «ارجع ، فإنك لم تصنع شيئا». فرجع خالد. فلما نظرت إليه السّدنة ، وهم حجّابها ، أمعنوا في الجبل وهم

__________________

(١) السيرة لابن هشام ٤ / ٩٢ ، ٩٣ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٨٥٩ ، ٨٦٠ ، وعيون الأثر ٢ / ١٧٦ ، والسيرة لابن كثير ٣ / ٥٦٤ ، وشفاء الغرام ٢ / ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٢) هي نائلة بنت زيد ، من جرهم ، دخلت مع إساف بن يعلى الكعبة ، فوجدا غفلة من الناس ، ففجر بها. فمسخا حجرين ، فعبدتهما خزاعة وقريش. (الأصنام لابن الكلبي ص ٩ و ٢٩).

(٣) روى مثله الأزرقي في (أخبار مكة ١ / ١٢٢) عن جدّه ، عن محمد بن إدريس ، عن الواقدي ، عن أشياخه. وانظر ، شفاء الغرام ٢ / ٤٤٧.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٣٧ وقال أيضا : «لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة» ، ومثله في المغازي للواقدي ٢ / ٨٦٢ من طريق : يزيد بن فراس ، عن عراك بن مالك ، عن الحارث بن البرصاء. وفي آخره : «يعني على الكفر».

٥٥٤

يقولون : يا عزّى خبّليه ، يا عزّى عوّريه (١) ، وإلّا فموتي برغم. فأتاها [٩٨ ب] خالد ، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التّراب على رأسها. فعمّمها بالسّيف حتى قتلها. ثم رجع إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره. فقال : «تلك العزّى» (٢). أبو الطّفيل له رؤية.

وقال ابن إسحاق : حدّثني أبي قال : حدّثني بعض آل جبير بن مطعم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل مكة ، أمر بلالا فعلا على ظهر الكعبة ، فأذّن عليها. فقال بعض بني سعيد بن العاص : لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة.

وقال عروة : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [بلالا] (٣) يوم الفتح فأذّن على الكعبة (٤).

وقال اللّيث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سعيد بن أبي هند (٥) : أنّ أبا مرّة مولى عقيل حدّثه ، أنّ أمّ هانئ بنت أبي طالب حدّثته ، لما كان عام الفتح فرّ إليها رجلان من بني مخزوم ، فأجارتهما. قالت : فدخل عليّ عليّ فقال : أقتلهما. فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو بأعلى مكة ، فلما رآني رحّب فقال : «ما جاء بك يا أمّ هانئ؟ قالت : يا نبيّ الله ، كنت قد أمّنت رجلين من أحمائي فأراد عليّ قتلهما. فقال : «قد أجرنا من أجزت». ثم قام إلى غسله ،

__________________

(١) خبّليه : دعاء عليه بالخيل ، وهو الفالج أو قطع اليد أو المنع أو الحبس أو الجنون. وكلّها من معانيه. وعوّريه : ردّيه. يقال : عورته عن حاجته رددته عنها.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ١١٣ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٤٥ ، ١٤٦ ، المغازي للواقدي ٣ / ٨٧٣ ، ٨٧٤ ، تاريخ الرسل والملوك للطبري ٣ / ٦٥ ، عيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ١٨٤ ، السيرة النبويّة لابن كثير ٣ / ٥٩٧ ، ٥٩٨ ، نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، عيون التواريخ ١ / ٣١٩ ، ٣٢٠.

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٤) الحديث مرسل. وأخرجه ابن سعد في الطبقات ٣ / ١٦٧ من طريق : عارم بن الفضل ، عن حمّاد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة وغيره. ورجاله ثقات ، لكنه مرسل أيضا.

(٥) في الأصل «سعيد بن أبي بلال» وصحّحه في هامش (ح) : سعيد بن أبي هلال. والتصويب من صحيح مسلم ١ / ١٨٢ ، وتهذيب التهذيب لابن حجر ٤ / ٩٣.

٥٥٥

فسترت عليه فاطمة. ثم أخذ ثوبا فالتحف به ثم صلّى ثماني ركعات ، سبحة الضّحى. أخرجه مسلم (١).

وقال الليث ، عن المقبريّ ، عن أبي شريح العدويّ ، أنه قال لعمرو بن سعيد ، وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيّها الأمير ، أحدّث قولا قام به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الغد من يوم الفتح؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلّم به ، [أنّه] (٢) حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «إنّ الله حرّم مكة ولم يحرّمها الناس ، ولا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخّص بقتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ، فقولوا له إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار. وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس. فليبلّغ الشّاهد الغائب». فقيل لأبي شريح : ما ذا قال لك عمرو؟ قال : قال أنا أعلم بذاك منك يا أبا شريح ، إنّ الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارّا بدم ولا فارّا بخربة (٣) متّفق عليه (٤).

وقال ابن عيينة ، عن عليّ بن زيد ، عمّن حدثه عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة وهو على درجة الكعبة : «الحمد لله الّذي صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده. ألا إنّ قتيل العمد الخطأ بالسّوط أو العصا فيه مائة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها. ألا إنّ كلّ مأثرة في الجاهلية ودم ومال تحت قدميّ هاتين إلا ما كان من سدانة البيت

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب الحيض ، باب تستّر المغتسل بثوب ونحوه (١ / ١٨٢ ـ ١٨٣) ، وكتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب استحباب صلاة الضحى وأنّ أقلّها ركعتان وأكملها ثمان ركعات (٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨).

(٢) زيادة من النسختين : ع ، ح. وصحيح مسلم.

(٣) الخربة : البلية.

(٤) أخرجه البخاري في كتاب العلم (٦ / ١٧٦ و ١٧٧) باب : ليبلّغ الشاهد الغائب ، وفي الحج ، باب : لا يعضد شجر الحرم ، وفي المغازي (٥ / ٩٨) ، باب منزل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح ، ومسلم (١٣٥٤) في الحج ، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ... ، وانظر : شفاء الغرام (بتحقيقنا) ١ / ١٠٧.

٥٥٦

وسقاية الحاجّ ، فقد أمضيتها لأهلها» (١). ضعيف الإسناد.

وقال ابن إسحاق [٩٩ أ] حدّثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس عام الفتح ، ثم قال : «أيّها الناس ، ألا إنه لا حلف في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية فإنّ الإسلام لا يزيده إلّا شدّة. والمؤمنون يد على من سواهم ، يجير عليهم أدناهم ، ويردّ عليهم أقصاهم ، يردّ سراياهم على قعيدتهم. لا يقتل مؤمن بكافر. دية الكافر نصف دية المسلم. لا جلب ولا جنب. ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم» (٢).

وقال أبو الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «منزلنا ، إن شاء الله إذا فتح الله ، الخيف ، حيث تقاسموا على الكفر». أخرجه البخاري (٣).

وقال أبو الأزهر النيسابورىّ ، ثنا محمد بن شرحبيل الأنباريّ ، أنا ابن جريج ، وأخبرنا عبد الله بن عثمان ، أنّ محمد بن الأسود بن خلف ، أخبره أنّ أباه الأسود حضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبايع الناس يوم الفتح ، وجلس عند قرن

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ / ١١ من طريق : سفيان ، عن ابن جدعان ، عن القاسم بن ربيعة ، عن ابن عمر ، و ٣ / ٤١٠ من طريق هشام ، عن خالد ، عن القاسم بن ربيعة بن جوشن ، عن عقبة بن أوس ، عن رجل من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) أخرج أوّله الإمام مسلم في فضائل الصحابة (٢٠٤ / ٢٥٢٩) و (٢٠٦ / ٢٥٣٠) ، باب مؤاخاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه رضي‌الله‌عنهم ، من طريق : عبد الله بن نمير ، وأبي أسامة ، عن زكريا ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جبير بن مطعم. وأخرج أبو داود أوّله أيضا في الفرائض (٢٩٢٥ و ٢٩٢٦) ، وأحمد في المسند ١ / ١٩٠ و ٣١٧ و ٣٢٩ ، ورواه أحمد كاملا في مسندة ٢ / ١٨٠ ، وانظر ٢ / ٢٠٥ و ٢٠٧ و ٢١٣ و ٢١٥ ، و ٣ / ١٦٢ و ٢٨١ ، و ٤ / ٨٣ و ٥ / ٦١.

(٣) في كتاب المغازي (٥ / ٩٢) باب أين ركّز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ، وأخرجه أبو داود في الفرائض (٢٩١٠) باب هل يرث المسلم الكافر؟ وفيه إن الخيف هو خيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر ، يعني المحصّب ، وذاك أنّ بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم : أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ، ولا يؤوهم. قال الزهري : والخيف الوادي. وانظر معجم مع استعجم ٢ / ٥٢٦.

٥٥٧

مسقلة (١) ، فجاءه الصغار والكبار والرجال والنساء فبايعوه على الإسلام والشهادة (٢).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لما كان عام الفتح ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذا طوى ، قال أبو قحافة لابنة له كانت من أصغر ولده : أيّ بنية : أشرفي بي على أبي قبيس ، وقد كفّ بصره. فأشرفت به عليه. فقال : ما ذا ترين؟ قالت : أرى سوادا مجتمعا ، وأرى رجلا يشتدّ بين ذلك السّواد مقبلا ومدبرا. فقال : تلك الخيل يا بنية ، وذلك الرجل الوازع (٣). ثم قال : ما ذا ترين؟ قالت : أرى السواد انتشر. فقال : فقد والله إذن دفعت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي. فخرجت سريعا ، حتى إذا هبطت به الأبطح ، لقيتها الخيل ، وفي عنقها طوق لها من ورق ، فاقتطعه إنسان من عنقها. فلما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد ، خرج أبو بكر حتى جاء بأبيه يقوده. فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أجيئه»؟ فقال : يمشي هو إليك يا رسول الله أحقّ من أن تمشي إليه. فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره وقال : «أسلم تسلم». فأسلم. ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال : أنشد بالله والإسلام طوق أختي. فو الله ما أجابه أحد. ثم قال الثانية ، فما أجابه أحد. فقال : يا أخيّة ، احتسبي طوقك ،

__________________

(١) قرن مسقلة : قال الأزرقي : هو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة في دبر دار سمرة عند موقف الغنم بين شعب ابن عامر وحرف دار رابغة في أصله ، ومسقلة : رجل كان يسكنه في الجاهلية. (أخبار مكة ٢ / ٢٧٠)

(٢) يبايعونه بأعلى مكة عند سوق الغنم ، قال محقّق كتاب «أخبار مكة» السيد رشدي الصالح ملحس : يقع سوق الغنم قديما في الوادي الواقع شرقي جبل الرقمتين ، ويسمّى هذا السوق اليوم (سوق الجودرية) ويوجد ثمة مسجد صغير يسمّى (مسجد الغنم) ولا يبعد أن يكون هذا المسجد هو الّذي أشار إليه الأزرقي في بحث المساجد. (أخبار مكة ٢ / ٢٧١) حاشية رقم (١).

(٣) في الأصل (ح) : الوادع. والتصحيح من النسخة (ع). والوازع في الحرب من يدير أمور الجيش والموكل بالصفوف يردّ من شدّ منهم ويزع من تقدّم أو تأخّر بغير أمره.

٥٥٨

فو الله إنّ الأمانة اليوم في الناس لقليل (١).

وقال أبو الزبير ، عن جابر : أنّ عمر أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «غيّروا هذا الشّيب ولا تقرّبوه سوادا» (٢).

وقال زيد بن أسلم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هنّأ أبا بكر بإسلام أبيه. مرسل.

وقال مالك ، عن ابن شهاب : أنه بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان على عهده نساء يسلمن بأرضهنّ ، منهنّ ابنة الوليد بن المغيرة ، وكانت تحت صفوان بن أميّة ، فأسلمت يوم الفتح [٩٩ ب] وهرب صفوان. فبعث إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عمّه عمير بن وهب برداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمانا لصفوان ، ودعاه إلى الإسلام ، وأن يقدم عليه ، فإن رضي أمرا قبله ، وإلا سيّره شهرين. فقدم فنادى على رءوس الناس : يا محمد ، هذا عمير بن وهب جاءني بردائك وزعم أنّك دعوتني إلى (٣) القدوم عليك ، فإنّ رضيت أمرا قبلته ، وإلّا سيّرتني شهرين. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انزل أبا وهب. فقال : لا والله ، لا أنزل حتى تبيّن لي. فقال : بل لك تسيير أربعة أشهر. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل هوازن ، فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحا. فقال صفوان : أطوعا أو كرها؟ فقال : بل طوعا. فأعاره الأداة والسلاح. وخرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو كافر ، فشهد حنينا والطائف ، وهو كافر وامرأته مسلمة. فلم يفرّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما حتى أسلم ، واستقرّت عنده بذلك النّكاح. وكان بين إسلامهما نحو من شهر (٤).

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام ٤ / ٩١.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٣٣٨.

(٣) في الأصل «على» والتصحيح من (ع) و (ح).

(٤) أخرجه الإمام مالك (الموطّأ ٢ / ٧٥ ، ٧٦) في النكاح ، باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله ، وهو من بلاغات مالك التي لا يعلم اتصاله من وجه صحيح. قال ابن عبد البرّ : وهو

٥٥٩

وكانت أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل ، فأسلمت يوم الفتح ، وهرب عكرمة حتى قدم اليمن. فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم ، وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رآه وثب فرحا به ، ورمى عليه رداءه حتى بايعه. فثبتا على نكاحهما ذلك (١).

وقال الواقدي : حدّثني عبد الله بن يزيد الهذليّ ، عن أبي حصين الهذليّ قال : استقرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان بن أميّة خمسين ألف درهم ، ومن عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألفا ، ومن حويطب بن عبد العزّى أربعين ألفا ، فقسمها بين أصحابه من أهل الضّعف. ومن ذلك المال بعث إلى جذيمة (٢).

وقال يونس ، عن ابن شهاب ، حدّثني عروة ، قالت عائشة : إنّ هندا بنت عتبة بن ربيعة ، قالت : يا رسول الله ، ما كان ممّا على ظهر الأرض [أهل] (٣) أخباء ، أو خباء (٤) أحبّ إليّ أن يذلّوا من أهل خبائك ، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ إليّ أن يعزّوا من أهل خبائك. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأيضا ، والّذي نفس محمد بيده». قالت : يا رسول الله ، إنّ أبا سفيان رجل ممسك ـ أو قالت : مسّيك ـ فهل عليّ من حرج أن أطعم من الّذي له؟ قال : «لا ، بالمعروف». أخرجه البخاري (٥).

__________________

= حديث مشهور معلوم عند أهل السير ، وابن شهاب إمام أهل السير ، وكذلك الشعبي. انظر :

سير أعلام النبلاء ٢ / ٥٦٥ ، والسيرة النبويّة لابن هشام ٤ / ١٠٥.

(١) أخرجه مالك في الموطّأ ، كتاب النكاح ٤٦ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (تراجم النساء) بتحقيق سكينة الشهابي ٥٠٢.

(٢) المغازي (٢ / ٨٦٣).

(٣) سقطت من الأصل وبقية النسخ ، وأثبتناها من صحيح البخاري.

(٤) أخباء : جمع خباء وهو بيت صغير من وبر أو صوف.

(٥) صحيح البخاري : كتاب مناقب الأنصار ، باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة رضي‌الله‌عنها

٥٦٠