تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

ثم خرج القوم حتى نزلوا معان (١) ، فبلغهم أنّ هرقل قد نزل مآب (٢) في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة ، فأقاموا بمعان يومين ، وقالوا : نبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخبره. فشجّع النّاس عبد الله بن رواحة ، فقال : يا قوم ، والله إنّ التي تكرهون للّتي خرجتم لها تطلبون ، الشّهادة. ولا نقاتل النّاس (٣) بعدد ولا كثرة ، وإنّما نقاتلهم بهذا الدّين الّذي أكرمنا الله به ، فإن يظهرنا الله به فربّما فعل ، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة ، وليست بشرّ المنزلتين ، فقال النّاس : والله لقد صدق فانشمر النّاس ، وهم ثلاثة آلاف ، حتى لقوا جموع الرّوم بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف (٤) ، ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة ، قرية فوق الحساء (٥). وكانوا ثلاثة آلاف.

وقال الواقديّ (٦) : حدّثني ربيعة بن عثمان عن المقبريّ ، عن أبي هريرة ، قال شهدت مؤتة ، فلما رأينا المشركين (٧) رأينا ما لا قبل لأحد به من العدّة (٨) والسلاح والكراع والدّيباج والذهب. فبرق بصري ، فقال لي ثابت بن

__________________

(١) معان : مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء. (معجم البلدان ٥ / ١٥٣).

(٢) في الأصل ، ع : بمأرب. والتصحيح من ابن هشام ٤ / ٧١ وابن سعد ٢ / ١٢٩ والواقدي ٢ / ٧٦٠ ومآب مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء. (معجم البلدان ٥ / ٣١).

(٣) في الأصل (الله) وهو سهو واضح. والتصحيح من ع ، ومن السيرة وغيره.

(٤) (في الأصل ، ع : شراف. والتصحيح من ابن هشام (٤ / ٧٢) وتاريخ الطبري (٣ ـ ٢٩) ومعجم البلدان في (المشارف) و (مؤتة). (٥ / ١٣١ و ٢٢٠)

(٥) الحساء ومثلها الأحساء : جمع حسي وهو الماء الّذي تنشّفه الأرض من الرمل ، فإذا صار إلى صلابة أمسكته ، فتحفر العرب عنه الرمل فتستخرجه. (معجم البلدان ١ / ١١١) وفي ع :

أحساء وانظر الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٧٠ ـ ٧٢ ، مغازي عروة ٢٠٤ ، ٢٠٥ تاريخ الطبري ٣ / ٣٩ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٧٩ ، عيون الأثر ٢ / ١٥٤ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٤٢ ، ٢٤٣ عيون التواريخ ١ / ٢٨١.

(٦) انظر : المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٠).

(٧) في الأصل ، ع : فلما رآنا المشركون. والتصحيح من الواقدي (٢ / ٧٦٠).

(٨) في مغازي الواقدي «العدد».

٤٨١

أقرم (١) : مالك يا أبا هريرة ، كأنّك ترى جموعا كثيرة؟ قلت : نعم. قال : لم تشهد معنا بدرا ، إنّا لم ننصر بالكثرة.

وقال المغيرة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : أمرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة ، فإن قتل زيد فجعفر ، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر : كنت معهم ، ففتّشناه يعني ابن رواحة ، فوجدنا فيما أقبل من جسده بضعا وسبعين ، بين طعنة ورمية.

وقال مصعب الزّبيري وغيره ، عن مغيرة : بضعا وتسعين. أخرجه البخاري (٢).

وقال الواقديّ (٣) : حدّثني ربيعة بن عثمان ، عن عمر بن الحكم ، عن أبيه قال : جاء النّعمان بن فنحص (٤) اليهوديّ ، فوقف مع النّاس. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «زيد بن حارثة أمير النّاس ، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ، إن قتل عبد الله فليرتض المسلمون. [٨٢ ب] رجلا فليجعلوه عليهم». فقال النّعمان : أبا القاسم ، إن كنت نبيّا ، فسمّيت من سمّيت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا. إنّ الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ، فقالوا : إن أصيب فلان ففلان ، فلو سمّوا مائة أصيبوا جميعا. ثم جعل اليهوديّ يقول لزيد : اعهد ، فلا ترجع إن كان محمد نبيّا. قال زيد : أشهد أنّه نبي بار صادق.

__________________

(١) في الواقدي ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨١ وتاريخ الطبري ٣ / ٤٠ ، أنه ثابت بن أرقم ، وانظر ترجمته في أسد الغابة (١ / ـ ٢٦٥) والإصابة (١ / ١٩٠) والإستيعاب على هامشها (١ / ١٩١).

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة مؤتة من أرض الشام. (٥ / ٨٧).

(٣) انظر المغازي للواقدي (٢ / ٧٥٦).

(٤) في الأصل ، ع. مهض وكتبها ابن الملا : نهيض. وأثبتنا رواية ابن كثير عن الواقديّ.

(٤ / ٢٤١).

٤٨٢

وقال يونس ، [عن] ابن إسحاق (١) : كان على ميمنة المسلمين قطبة ابن قتادة العذريّ ، وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصاريّ ، والتقى النّاس. فحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، حدّثني أبي من الرّضاعة ، وكان أحد بني مرّة بن عوف ، قال : والله لكأنّي انظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم تقدّم فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق : فهو أول من عقر في الإسلام (٢). وقال :

يا حبّذا الجنّة واقترابها

طيّبة وباردة (٣) شرابها

 والرّوم قد دنا عذابها

عليّ إن لاقيتها ضرابها (٤)

 فلما قتل أخذ الراية عبد الله.

حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، عن عروة قال : أخذها عبد الله بن رواحة فالتقوى بها بعض الالتواء ، ثم تقدّم على فرسه فجعل يستنزل نفسه (٥) ويتردّد (٦).

حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، أنّ ابن رواحة قال عند ذلك (٧) ،

أقسمت يا نفس لتنزلنّه

طائعة أو لتكرهنّه

 __________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢ تاريخ الطبري ٣ / ٣٩.

(٢) رجاله ثقات ، وإسناده قويّ ، أخرجه أبو داود في الجهاد (٢٥٧٣) باب في الدابة تعرقب في الحرب وذكره ابن حجر في فتح الباري ٧ / ٥١١ ، وابن سعد في الطبقات ٤ / ٢٧ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ١١٨ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٣ / ٣٤٣ ، والزرقاني في شرح المواهب اللدنية ٢ / ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ورواه الطبراني كما قال عروة في المغازي ٢٠٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٥٧.

(٣) في الأصل ، ع : باردة ، وأثبتنا رواية ابن هشام ٤ / ٧٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨٠.

(٤) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨٠ ففيهما اختلاف في البيت الثاني.

(٥) أي يطلب نزولها عمّا أرادت وهمّت به.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٩ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٠.

(٧) ديوانه : ص ١٠٨.

٤٨٣

إن أجلب النّاس وشدّوا الرّنّة (١)

ما لي أراك تكرهين الجنّة

 قد طالما [قد] (٢) كنت مطمئنّه

هل أنت إلّا نطفة في شنّه (٣)

ثم نزل فقاتل حتى قتل.

قال ابن إسحاق : وقال أيضا (٤) :

يا نفس إن لا تقتلي تموتي

هذا حمام الموت قد صليت

 وما تمنّيت فقد أعطيت

إن تفعلي فعلهما هديت

وإن تأخّرت فقد شقيت (٥)

فلما نزل أتى ابن عمّ له بعرق لحم فقال : أقم بها صلبك ، فنهش منها نهشة (٦) ، ثم سمح الحطمة (٧) في ناحية فقال : وأنت في الدنيا؟ فألقاه من يده. ثم قاتل حتى قتل.

فحدّثني محمد بن جعفر ، عن عروة قال : ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم ، فقال : اصطلحوا يا معشر المسلمين على رجل. قالوا : أنت لها. فقال : لا. فاصطلحوا (٨) ، على خالد بن الوليد. فجاش بالنّاس ، فدافع وانحاز وتحيّز عنه (٩) ، ثم انصرف بالنّاس.

__________________

(١) الرّنّة : صوت فيه ترجيع شبه البكاء.

(٢) سقطت من الأصل ، ع ، وزدناها من ابن هشام ٤ / ٧٢ والديوان.

(٣) راجع الأبيات باختلاف في سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢ وتاريخ الطبري ٣ / ٣٩ ، ٤٠ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨٠ ، ٢٨١ ، و «الشنّة» الوعاء البالي ، انظر : الروض الأنف ٤ / ٨٠.

(٤) ديوانه : ص ٨٧.

(٥) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٤٠ باختلاف في الألفاظ.

(٦) في السيرة : انتهس منه نهسة.

(٧) الحطمة : رحمة الناس ودفع بعضهم بعضا.

(٨) في الأصل : فأصلحوا. والتصحيح من ع. ومن السيرة والطبري.

(٩) في الأصل : وأخبر عنه. والتصحيح من تاريخ الطبري (٣ / ٤٠) ، وفي السيرة «نحيز عنه».

٤٨٤

وقال حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن حميد بن هلال ، عن أنس قال : نعى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعفرا وزيد بن حارثة وابن رواحة ، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم ، وعيناه تذرفان. أخرجه البخاري (١) ، وزاد فيه : فنعاهم ، وقال : أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب. ثم أخذ الراية بعدهم سيف من سيوف الله : خالد بن الوليد. قال : فجعل يحدّث النّاس وعيناه تذرفان.

وقال سليمان بن حرب : ثنا الأسود بن شيبان ، عن خالد بن سمير قال : قدم علينا عبد الله [٨٣ أ] بن رباح الأنصاريّ ، وكانت الأنصار تفقّهه ، فغشيه النّاس ، فغشيته فيمن غشيه من النّاس. فقال : اثنا أبو قتادة فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جيش الأمراء ، وقال : «عليكم زيد ابن حارثة ، فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» ، فوثب جعفر فقال : يا رسول الله ، ما كنت أذهب (٢) أن تستعمل زيدا عليّ. قال : فامض. فإنّك لا تدري أيّ ذلك خير. فانطلقوا ، فلبثوا ما شاء الله.

فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر ، وأمر فنودي : الصلاة جامعة. فاجتمع النّاس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أخبركم عن جيشكم هذا : إنّهم انطلقوا فلقوا العدوّ ، فقتل زيد شهيدا» ، فاستغفر له. ثم قال : «أخذ اللواء جعفر فشدّ على القوم حتى قتل شهيدا ، شهد له بالشهادة واستغفر له. «ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ، فأثبت قدميه حتى قتل شهيدا ، فاستغفر له «ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ، ولم يكن من الأمراء وهو أمّر نفسه» ، ثم قال : «اللهمّ إنّه سيف من سيوفك ، فأنت تنصره». فمن يومئذ سمّي خالد «سيف الله» (٣)

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة مؤتة. (٥ / ٨٧).

(٢) في الأصل ، ع : أرهب. والتصحيح من تاريخ الطبري (٣ / ٤١).

(٣) الخبر بسنده ونصّه في تاريخ الطبري ٣ / ٤٠ ، ٤١ والبداية والنهاية ٤ / ٢٤٦.

٤٨٥

وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق : بلغني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أخذ الراية زيد فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل شهيدا» ، ثم صمت ، حتى تغيّرت وجوه الأنصار ، وظنّوا قد كانت في عبد الله بعض ما يكرهون. فقال : «ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم قال : «لقد رفعوا إلى الجنّة فيما يرى النّائم على سرر من ذهب. فرأيت في سرير عبد الله ازورارا عن سريري صاحبيه. فقلت : عمّ هذا؟ فقيل لي : مضيا وتردّد عبد الله بعض التردّد ثم مضى (١)».

وقال الواقدي (٢) : حدّثني عبد الله بن الحارث بن فضيل ، عن أبيه قال : لما أخذ الراية خالد بن الوليد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الآن حمي الوطيس» (٣).

قال : فحدّثني العطّاف بن خالد قال : لما قتل ابن رواحة مساء ، بات خالد ، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدّمته ساقة ، وساقته مقدّمة ، وميمنته ميسرة ، وميسرته ميمنة. فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم ، وقالوا : قد جاءهم مدد ، فرعبوا فانكشفوا منهزمين ، فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم.

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، سمعت خالد بن الوليد يقول : لقد اندقّ في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلّا صفيحة يمانية. أخرجه البخاري (٤).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣ ، وانظر الطبقات لابن سعد ٢ / ١٣٠.

(٢) انظر المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٤) والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٢٩.

(٣) حمي الوطيس : أي حمي الضرب وجدّت الحرب واشتدت.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، غزوة مؤتة. (٥ / ٨٧).

٤٨٦

وقال الواقدي (١) : حدّثني محمد بن صالح التّمّار ، عن عاصم بن عمر ابن قتادة ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لمّا قتل زيد أخذ الراية جعفر فجاءه الشيطان فحبّب إليه الحياة وكرّه إليه الموت ومنّاه الدنيا ، فقال : الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين ، تمنّيني الدنيا؟ ثم مضى قدما حتى استشهد» ، فصلّى عليه ودعا له ، وقال [٨٣ ب] : «استغفروا له ، فإنّه دخل الجنّة وهو يطير في الجنّة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنّة».

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشّعبي أنّ ابن عمر كان إذا سلّم على عبد الله بن جعفر ، قال : السلام عليك يا بن ذي الجناحين. رواه خ (٢).

وقال عبد الوهاب الثقفي : ثنا يحيى بن سعيد ، أخبرتني عمرة ، سمعت عائشة تقول : لما جاء قتل جعفر وابن حارثة وابن رواحة ، جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد يعرف فيه الحزن ، وأنا أطّلع من شقّ الباب. فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إنّ نساء جعفر ، وذكر بكاءهنّ ، فأمره أن ينهاهنّ. فذهب الرجل ثم أتى فقال : قد نهيتهنّ. وذكر أنّهن لم يطعنه. فأمره الثانية أن ينهاهنّ ، فذهب ثم أتى فقال : والله قد غلبننا. فزعمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فاحث في أفواههنّ التّراب». فقلت : أرغم الله أنفك ، ما أنت بفاعل ، وما تركت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من العناء ، أخرجاه عن محمد بن المثنّى عنه (٣).

__________________

(١) انظر : المغازي للواقدي (٢ ـ ٧٦١ ـ ٧٦٢).

(٢) كتب الحرف في الأصل بالحمرة ولم يظهر في المصوّرة وأثبتناه عن ح. والحديث رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب غزوة مؤتة. (٥ / ٨٧).

(٣) صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن. وصحيح مسلم (١٩٣٥) كتاب الجنائز ، باب التشديد في النياحة. وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣ برواية عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه ، عن عائشة.

٤٨٧

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أم عيسى الجزّار [الخزاعية] (٢) ، عن أمّ جعفر (٣) عن جدّتها أسماء بنت عميس ، قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه ، دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد عجنت عجيني وغسلت بنيّ ودهنتهم ونظّفتهم. فقال : «ائتيني ببني جعفر». فأتيته بهم ، فشمّهم ، فدمعت (٤) عيناه. فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمّي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه [شيء] (٥)؟ فقال : «نعم. أصيبوا هذا اليوم». فقمت أصيح ، واجتمع النساء. فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهله ، فقال : «لا تغفلوا آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما ، فإنّهم قد شغلوا بأمر صاحبهم».

قال ابن إسحاق : فسمعت عبد الله بن أبي بكر يقول : لقد أدركت النّاس بالمدينة إذا مات ميت ، تكلّف جيرانهم يومهم ذلك طعامهم ، فلكأنّي انظر إليهم قد خبزوا خبزا صغارا ، وصنعوا لحما ، فيجعل في جفنة ، ثم يأتون به أهل الميّت ، وهم يبكون على ميّتهم مشتغلين فيأكلونه. ثم إنّ النّاس تركوا ذلك.

[فائدة] (٦) : أخرج مسلم في صحيحه (٧) ، من حديث عوف بن مالك ، قال : خرجت في غزوة مؤتة ، فرافقني مدديّ من أهل اليمن ، ليس

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣.

(٢) زيادة ليست في الأصل. وهي أمّ عيسى الخزاعية ، ويقال : أم عيسى الجزّار (انظر ترجمتها في تهذيب التهذيب : ١٢ / ٤٧٥). وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣.

(٣) هي أمّ عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمية ، ويقال لها أمّ جعفر (تهذيب التهذيب : ١٢ ـ ٤٧٤) وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣.

(٤) في السيرة : «فتشمّمهم وذرفت عيناه».

(٥) إضافة من السيرة.

(٦) هذه الفائدة تفرّدت بها «ح» ، وأثبتناها عنها.

(٧) صحيح مسلم (١٧٥٣) كتاب الجهاد والسير ، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.

٤٨٨

معه غير سيفه. فنحر رجل جزورا فسأله المدديّ (١) طائفة من جلده ، فأعطاه فاتّخذه كهيئة الدّرقة. ومضينا فلقينا جموع الروم ، وفيهم رجل على فرس له أشقر وعليه سرج مذهّب وسلاح مذهّب ، فجعل يغري بالمسلمين. وقعد له المدديّ خلف صخرة ، فمرّ به الروميّ فعرقب فرسه ، فخرّ وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فأخذه منه خالد بن الوليد ، فأتيته فقلت : أما علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى بالسّلب للقاتل؟ قال : بلى ، ولكنّي استكثرته. قلت : لتردّنّه أو لأعرفنّكما عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : فاجتمعنا ، فقصصت على رسول الله القصّة ، فقال لخالد : «ما حملك على ما صنعت»؟ قال : استكثرته. قال : «ردّ عليه ذلك». فقلت : دونك يا خالد ، ألم أقل لك؟

فقال رسول الله : «ما ذلك»؟ فأخبرته. قال : فغضب وقال : «يا خالد لا تردّه عليه. هل أنتم تاركو لي أمرائي ، لكم صفوة أمرهم وعليهم كدرة].

وقال الواقديّ (٢) : حدّثني محمد بن مسلم ، عن يحيى بن يعلى ، سمعت عبد الله بن جعفر يقول : أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أمّي ، فنعى لها أبي ، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي ، وعيناه تهرقان الدموع ثم قال : «اللهمّ إنّ جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن ثواب (٣) ، فاخلفه في ذرّيته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذرّيّته». ثم قال : «يا أسماء ، ألا أبشّرك»؟ قالت : بلى ، بأبي أنت وأميّ ، قال : «إنّ الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنّة». قالت : فأعلم النّاس ذلك. وذكر الحديث.

__________________

(١) المددي : الرجل من المدد الذين جاءوا يمدّونهم بمؤتة ويساعدونهم.

(٢) انظر : المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٦ ـ ٧٦٧).

(٣) في الأصل ، ع : إليك أحسن ثوابه. والتصحيح من (ح) وفي الواقدي (٢ / ٧٦٧) : إلى أحسن ثواب.

٤٨٩

وقال الواقديّ (١) : حدّثني سليمان بن بلال [٨٤ أ] حدّثني عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أصيب بها ناس من المسلمين ، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين. فكان مما غنموا خاتم جاء به رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : قتلت صاحبه يومئذ ، فنفله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إيّاه.

وقال عوف بن مالك الأشجعيّ : لقيناهم في جماعة من قضاعة وغيرهم من نصارى العرب ، فصافّوا ، فجعل رجل من الروم يشتدّ (٢) على المسلمين. فجعلت أقول في نفسي : من لهذا؟ وقد رافقني رجل من أمداد حمير (٣) ، ليس معه إلّا السّيف ، إذ نحر رجل جزورا فسأله المدديّ طائفة من جلده ، فوهبه منه ، فجعله في الشمس وأوتد على أطرافه أوتادا ، فلما جفّ اتخذ منه مقبضا وجعله درقة. قال : فلما رأى [ذلك] (٤) المدديّ فعل الرّوميّ ، كمن له خلف صخرة ، فلما مرّ به خرج عليه فعرقب فرسه ، فقعد الفرس على رجليه وخرّ عنه العلج (٥) ، فشدّ عليه فعلاه بالسيف فقتله.

قال : وحدّثني بكير بن مسمار ، عن عمارة بن غزيّة (٦) بن ثابت ، عن أبيه قال : حضرت مؤتة فبارزني رجل منهم ، فأصبته وعليه بيضة له فيها ياقوتة ، فأخذتها ، فلما انكشفنا فانهزمنا رجعت إلى المدينة ، فأتيت بها

__________________

(١) انظر : المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٨) وفي سنده : حدّثني عبد الله بن محمد ، عن ابن عقيل.

وهو خطأ صوابه ما ورد في الأصل ، وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٦ / ١٣).

(٢) في المغازي للواقدي «يسلّ».

(٣) الأمداد : جمع مدد ، وهم الأعوان الذين كانوا يمدّون المسلمين في الجهاد.

(٤) سقطت من الأصل وزدناها من ع ، «ح».

(٥) العلج : قال في الصحاح ٣٣٠ هو الرجل من كفّار العجم.

(٦) في الأصل ، وفي طبعة القدسي ٤٥٤ «خزيمة» والتصويب من المغازي للواقدي ٢ / ٣٦٩ ومن ترجمته في تهذيب التهذيب ٧ / ٤٢٢ حيث جاء فيه : غزية : بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة.

٤٩٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنفلنيها ، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار ، فاشتريت بها حديقة نخل (١).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٢) حدّثني محمد بن جعفر ، عن عروة قال : لما أقبل أصحاب مؤتة تلقّاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون معه.

فجعلوا يحثون عليهم التّراب ويقولون : يا فرّار ، فررتم في سبيل الله؟ فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليسوا بالفرّار ، ولكنّهم الكرّار إن شاء الله».

فحدّثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير ، أنّ أمّ سلمة قالت لأمرأة سلمة بن هشام بن المغيرة : ما لي لا أرى سلمة يحضر الصّلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالت : والله ما يستطيع أن يخرج ، كلّما خرج صاح به النّاس : يا فرّار ، فررتم في سبيل الله. وكان في غزوة مؤتة (٣).

وقال [أبو عبد الله] (٤) عن زيد بن أرقم قال : كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره ، فخرج بي في سفره ذلك ، مردفي على حقيبة رحله ، فو الله إنّه ليسير إذ سمعته ينشد أبياته هذه (٥) :

إذا أدنيتني وحملت رحلي

مسيرة أربع بعد الحساء

 فشأنك أنعم وخلاك ذم

ولا أرجع إلى أهلي ورائي

 وآب المسلمون وغادروني

بأرض الشام مشتهر الثّواء (٦)

 وردّك كلّ ذي نسب قريب

إلى الرحمن منقطع الإخاء

 __________________

(١) أضاف الواقدي ٢ / ٧٦٩ «بيني خطمة».

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٤ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٢.

(٣) السيرة ٤ / ٧٤.

(٤) بياض في النسخ الثلاث بمقدار كلمتين ، وقد استدركناه من الواقدي (٢ / ٧٥٩).

(٥) ديوانه : ص ٧٩ ـ ٨٠ باختلاف في بعض الألفاظ. وقد أنقص الواقدي منها بيتا وانظر البداية والنهاية ٤ / ٢٤٣ ففيه اختلاف في الألفاظ أيضا.

(٦) ثوى بالمكان ثواء ، إذا أطال الإقامة به أو نزل فيه. (القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤ / ٣١٠).

٤٩١

هنالك لا أبالي طلع بعل

ولا نخل ، أسافلها رواء (١)

[٨٤ ب] فلما سمعتهنّ بكيت ، فخفقني بالدّرّة وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرّحل!

وقال عبد الملك بن هشام (٢) : حدّثني من أثق به أنّ جعفرا أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. فأثابه الله تعالى بذلك جناحين في الجنّة يطير بهما حيث شاء. وروي أنّهم قتلوه بالرّماح.

قلت : وكان جعفر من السّابقين الأوّلين ، هاجر الهجرتين. قال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «أشبهت خلقي وخلقي» (٣).

وقال عكرمة ، عن أبي هريرة قال ، [إنّ عبد الله بن جعفر] (٤) ما احتذى النّعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكنّا نسمّيه أبا المساكين.

وقال مجالد ، عن الشّعبيّ ، عن عبد الله بن جعفر قال : ما سألت عليّا رضي‌الله‌عنه شيئا بحقّ جعفر إلّا أعطانيه.

وعن ابن عمر قال : وجدت في مقدّم جسد جعفر يوم مؤتة بضعا وأربعين ضربة. ولما قدم جعفر من الحبشة عند فتح خيبر ، روي أنّ النّبيّ

__________________

(١) البعل : كلّ نخل وشجر وزرع لا يسقى ، أو ما سقته السماء.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢.

(٣) رواه البخاري ٢٦٩٨ في الصلح ، باب كيف يكون .. و ٤٢٥١ في المغازي ، باب عمرة القضاء ، والترمذي (٣٧٦٩) في المناقب. باب مناقب جعفر. وأحمد ١ / ٩٨ و ١١٥ وأبو داود ٢٢٨٠ في الطلاق ، باب من أحقّ ، بالولد من حديث عليّ وأخرجه أحمد ١ / ١٠٨ من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ. (٤) زيادة من ع.

٤٩٢

صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتنقه وقال : «ما أدري أنا أسرّ بقدوم جعفر أو بفتح خيبر»؟ (١).

وقال مهدي بن ميمون ، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، عن الحسن بن سعد ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : لما نعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعفرا أتانا فقال : أخرجوا إليّ بني أخي. فأخرجتنا أمّنا أغيلمة ثلاثة كأنّهم أفراخ : عبد الله ، وعون ، ومحمد.

وأمّا أبو أسامة زيد بن حارثة (٢) بن شراحيل الكلبيّ حبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأوّل من آمن به من الموالي ، فإنّه من كبار السابقين الأوّلين وكان من الرّماة المذكورين. آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطّلب ، وعاش خمسا وخمسين سنة ، وهو الّذي سمّي الله في كتابه في قوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) يعني من زينب بنت جحش : (زَوَّجْناكَها) (٣). وكان المسلمون يدعونه زيد بن النّبيّ حتى نزلت : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) (٤). وقال تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) (٥). وقال : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (٦).

روى عن زيد ابنه أسامة وأخوه جبلة.

واختلف في سنّة. فروى الواقديّ أنّ محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد حدّثه عن أبيه قال : كان بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين زيد بن حارثة عشر

__________________

(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٣٥ ، وانظر : أسد الغابة ١ / ٣٤٢ وسير أعلام النبلاء ١ / ٢١٣ ، والإصابة ٢ / ٨٦ ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢١١.

(٢) انظر سير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٠ ففي حاشيته مصادر ترجمته.

(٣) سورة الأحزاب : من الآية ٣٧.

(٤) سورة الأحزاب : من الآية ٤٠.

(٥) سورة الأحزاب : من الآية ٤.

(٦) سورة الأحزاب : من الآية ٥.

٤٩٣

سنين ، رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] أكبر منه ، وكان قصيرا شديد الأدمة (١) أفطس (٢).

قال محمد بن سعد : كذا صفته في هذه الرواية. وجاءت من وجه آخر أنّه كان أبيض وكان ابنه أسود. ولذلك أعجب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقول مجزّز المدلجي القائف : «إنّ هذه الأقدام [٨٥ أ] بعضها من بعض» (٣).

قلت : وعلى هذه الرواية يكون عمره خمسين سنة أو نحوها.

وقال أبو إسحاق السّبيعيّ إنّ زيد بن حارثة أغارت عليه خيل من تهامة ، فوقع إلى خديجة فاشترته ، ثم وهبته للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويروى أنّها اشترته بسبعمائة درهم.

وقال الزّهري : ما علمنا أحدا أسلم قبله.

وقال موسى بن عقبة : ثنا سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر قال : ما كنّا ندعو زيدا إلّا زيد بن محمد. فنزلت : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) (٤).

وقال يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال : غزوت مع زيد بن حارثة تسع غزوات ، كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يؤمّره علينا. كذا رواه الفسوي (٥) عن أبي عاصم عن زيد.

وقال ابن عيينة : أنا عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر يقول : إنّ

__________________

(١) الأدمة : السمرة الشديدة.

(٢) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٠.

(٣) أخرجه أحمد ٦ / ٨٢ و ٢٢٦ ، والبخاري ٢٥٥٥ في المناقب ، باب صفة النبيّ ، و ٣٧٣١ في فضائل الصحابة ، باب مناقب زيد بن حارثة ، و ٦٧٧٠ و ٦٧٧١ في الفرائض ، باب القائف من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة.

(٤) سورة الأحزاب : من الآية ٥.

(٥) المعرفة والتاريخ ١ / ٢٩٩ ، وأخرجه البخاري في المغازي (٤٢٧٢) باب بعث النبيّ أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة ، ورواه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٣١.

٤٩٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أسامة على قوم ، فطعن النّاس في إمارته. فقال ، «إنّ تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ وإنّ ابنه هذا لأحبّ النّاس إليّ بعده» (١).

وقال ابن إسحاق ، عن زيد بن عبد الله بن قسيط ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي : «يا زيد أنت مولاي ومنّي وإليّ وأحبّ القوم إليّ» (٢).

وقال محمد بن عبيد (٣) : ثنا إسماعيل ، عن مجالد ، عن عامر ، عن عائشة أنّها كانت تقول : «لو أنّ زيدا كان حيّا لاستخلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٤).

ورواه محمد بن عبيد مرّة أخرى ، فقال : ثنا وائل بن داود ، عن البهيّ ، عن عائشة قالت : ما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة في جيش قطّ إلّا أمّره عليهم ، ولو بقي بعده لاستخلفه (٥).

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسندة ٢ / ٢٠ و ٩٨ و ١٠٦ و ١١٠ من عدّة طرق ، والبخاري (٦٦٢٧) في الأيمان والنذور ، باب قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وايم الله ، و (٣٧٣٠) في فضائل الصحابة ، باب مناقب زيد ابن حارثة ، و (٤٢٥٠) في المغازي ، باب غزوة زيد بن حارثة ، و (٧١٨٧) في الأحكام ، باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا ، ومسلم (٢٤٢٦) في فضائل الصحابة ، باب فضائل زيد بن حارثة ، والترمذي (٣٨١٨) في المناقب ، باب مناقب زيد بن حارثة.

(٢) أخرجه أحمد في مسندة مطوّلا ٥ / ٢٠٤ ، وابن سعد في طبقاته ٣ / ٢٩ ، ٣٠ ورجاله ثقات.

وصحّحه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢١٧ ، ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٦ ، وحسّنه ابن حجر في الإصابة ٤ / ٥٠.

(٣) في الأصل : عبيد الله. وفي هامش تهذيب التهذيب (٩ / ٣٢٧) عن التقريب أنه بغير إضافة. وكذلك ورد في السند التالي.

(٤) سير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٨.

(٥) أخرجه أحمد ٦ / ٢٢٦ و ٢٢٧ و ٢٥٤ و ٢١٨ ، وابن سعد ٣ / ٣١ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٢ / ٢٨٣ من طريق محمد بن عبيد الطنافسي ، عن وائل بن داود عن البهيّ ، عن عائشة. وهذا سند حسن. وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢١٥ من طريق سهل بن عمّار العتكيّ ، عن محمد بن عبيد ، به. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٨ «أخرجه النسائي».

٤٩٥

وقال حسين بن واقد ، عن عبيد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «دخلت الجنّة فاستقبلتني جارية [شابة] (١) ، فقلت : لمن أنت؟ قالت : لزيد بن حارثة (٢).

اسناده حسن ، رواه الرّوياني (٣) في مسندة ، ورواه حمّاد بن سلمة عن أبي هارون العبديّ ، عن أبي سعيد ، يرفعه.

وقال حمّاد بن زيد ، عن خالد بن سلمة المخزومي قال : أصيب زيد فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منزله ، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبكى حتى انتحب. فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله ، ما هذا؟ قال ، «شوق الحبيب إلى حبيبه» (٤).

وأما عبد الله بن رواحة (٥) بن ثعلبة الخزرجيّ الأنصاريّ أبو عمرو أحد النّقباء ليلة العقبة شهد بدرا والمشاهد ، وكان شاعر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخا أبي الدّرداء لأمّه.

روى عنه أبو هريرة ، وابن أخته النّعمان بن بشير ، وزيد بن أرقم ، وأنس ، قوله. وأرسل عنه جماعة من التّابعين. وقال الواقديّ : كنيته أبو محمد. وقيل : أبو رواحة.

وروت أمّ الدّرداء ، عن أبي الدّرداء قال : كنّا [٨٥ ب] مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) زيادة من (ح).

(٢) كنز العمّال (٣٣٢٩٩) و (٣٣٣٠٢).

(٣) الروياني : نسبة إلى رويان مدينة بنواحي طبرستان. وهو أبو بكر محمد بن هارون ، توفي سنة ٣٠٧ ه‍. قال ابن حجر عن مسندة : إنّه ليس دون السنن في الرتبة (الرسالة المستطرفة للكتّاني : ٦١).

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ٣٢ وفيه «خالد بن شمير» وهو تصحيف.

(٥) انظر مصادر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١ / ٢٣٠.

٤٩٦

في السفر في يوم شديد الحرّ ، ومنا فينا صائم إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعبد الله بن رواحة (١).

وقال معمر ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : تزوّج رجل امرأة عبد الله بن رواحة فقال لها : هل تدرين لم تزوّجتك؟ قالت : لا. قال : لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته. فذكرت له شيئا لا أحفظه ، غير أنّها قالت : كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلّى ركعتين ، وإذا دخل بيته صلّى ركعتين ، لا يدع ذلك أبدا (٢).

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه قال : لما نزلت : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٣) ، قال ابن رواحة : قد علم الله أنّي منهم. فأنزلت : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٤) الآية.

وقيل هذا البيت لعبد الله بن رواحة يخاطب زيد بن أرقم :

يا زيد زيد اليعملات الذّبل

تطاول اللّيل هديت فانزل (٥)

يعني : انزل فسق بالقوم.

وعن مصعب بن شيبة قال : لما نزل ابن رواحة للقتال طعن فاستقبل الدّم بيده ، فدلك به وجهه. ثم صرع بين الصّفّين يقول : يا معشر المسلمين

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٩٤٥) في الصوم. باب ٣٥ عن أبي الدرداء ، بلفظ مختلف ، ومسلم (١١٢٢) في الصيام ، باب التخيير في الصوم والفطرة بالسفر. وأبو داود (٢٤٠٩) في الصوم ، باب من اختار الصيام ، وابن ماجة (١٦٦٣) في الصيام ، باب ما جاء في الصوم في السفر.

(٢) رجاله ثقات ، ونسبه ابن حجر في الإصابة ٦ / ٧٨ ، ٧٩ إلى ابن المبارك في الزهد وصحّح سنده.

(٣) سورة الشعراء : من الآية ٢٢٤.

(٤) سورة الشعراء : من الآية ٢٢٧ وانظر طبقات ابن سعد ٣ / ٨١ والإصابة ٦ / ٧٩.

(٥) ديوانه : ٩٩ ـ ١٠٠ ، واليعملات : جمع يعملة وهي الناقة السريعة. القوية على العمل.

الذبل : الضامرة من طول السفر.

٤٩٧

ذبّوا عن لحم أخيكم. فكانوا يحملون حتى يجوزونه. فلم يزالوا كذلك حتى مات مكانه.

وقال ابن وهب : حدّثني أسامة بن زيد اللّيثي ، حدّثني نافع ، قال : كانت لابن رواحة امرأة وكان يتّقيها. وكانت له جارية فوقع عليها ، فقالت له وفرقت أن يكون قد فعل فقال : سبحان الله. قالت : اقرأ عليّ إذا ، فإنّك جنب. فقال (١) :

شهدت بإذن الله أنّ محمدا

رسول الّذي فوق السموات من عل

وإنّ أبا يحيى ويحيى كلاهما

له عمل من ربّه متقبّل

وقد رويا لحسّان (٢).

وقال ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن سلمان ، عن ابن الهاد ، أنّ امرأة عبد الله بن رواحة رأته على جارية له فجحدها. فقالت له : فاقرأ.

فقال (٣) :

شهدت بأنّ وعد الله حقّ

وأنّ النّار مثوى الكافرينا

 وأنّ العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش ربّ العالمينا

 وتحمله ملائكة كرام

ملائكة الإله مقرّبينا

 فقالت : آمنت بالله وكذّبت البصر. فحدّث ابن رواحة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فضحك (٤).

وقال موسى بن جعفر بن أبي كثير : ثنا عبد العزيز الماجشون ، عن

__________________

(١) ديوانه ٩٧ ، باختلاف يسير في بعض الألفاظ.

(٢) انظر ديوان حسان : ٣١٩ ورجاله ثقات لكنّه مرسل. انظر الاستيعاب ٦ / ١٨٧ ، ١٨٩.

(٣) ديوانه : ص ١٠٦ ، باختلاف يسير في البيت الأخير.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ٧ / ٣٩٥.

٤٩٨

الثّقة أنّ ابن رواحة اتّهمته امرأته. فذكر القصّة.

وقال ابن إسحاق : لم يعقب ابن رواحة.

* * *

واستشهد بمؤتة :

عبّاد بن قيس الخزرجي ، أحد من شهد بدرا. والحارث بن النّعمان بن أساف النّجّاري ، ومسعود بن سويد (١) بن حارثة الأنصاريّ. ووهب بن سعد ابن أبي سرح العامريّ. وزيد بن [٨٦ أ] عبيد بن المعلّى الخزرجيّ ، الّذي قتل أبوه يوم أحد. وعبد الله بن سعيد بن العاص بن أميّة الأموي ، وقيل : قتل هذا يوم اليمامة. وأبو كلاب (٢) ، وجابر ابنا أبي صعصعة الخزرجيّ (٣).

__________________

(١) عند ابن هشام ٤ / ٧٦ والهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٦١ وابن كثير في البداية والنهاية ٤ / ٢٥٩ «مسعود بن الأسود» وكذا في المغازي للواقدي ٢ / ٧٦٩.

(٢) في سيرة ابن هشام ٤ / ٧٦ والبداية والنهاية ٤ / ٢٥٩ «أبو كليب».

(٣) انظر في أسماء شهداء مؤتة : سيرة ابن هشام ٤ / ٧٦ ، المغازي لعروة ٢٠٦ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٦ / ١٦١ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٥٩ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٧٦٩.

٤٩٩
٥٠٠