تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

غزوة وادي القرى

مالك ، عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، قال :

خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام خيبر ، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا ، إلّا الثياب والمتاع. فوجّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحو وادي القرى (١). وقد أهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد يقال له : مدعم. حتى إذا كانوا بوادي القرى ، بينما يحطّ رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ جاء سهم فقتله فقال النّاس : هنيئا له الجنّة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّا ، والّذي نفسي بيده ، إنّ الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتغل عليه نارا». فلما سمعوا بذلك ، جاء رجل بشراك (٢) أو شراكين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شراك من نار أو قال : شراكان من نار» متّفق عليه (٣).

وقال الواقدي : حدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن الزّهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر

__________________

(١) وادي القرى : واد بين المدينة والشام ، من أعمال المدينة ، وهو بين تيماء وخيبر ، فيه قرى كثيرة وبها سمّي وادي القرى.

(٢) الشراك : سير النعل الّذي يكون على وجهها.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٨١ وصحيح مسلم (١١٥) كتاب الإيمان ، باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون.

٤٤١

إلى وادي القرى. وكان رفاعة بن زيد الجذاميّ قد وهب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبدا يقال له مدعم. فلما نزلنا بوادي القرى ، انتهينا إلى يهود وقد ثوى إليها ناس من العرب. فبينما مدعم يحطّ رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد استقبلنا يهود بالرمي حيث نزلنا. ولم نكن على تعبئة ، وهم يصيحون في طلبهم ، فيقبل سهم عائر ، فأصاب مدعما فقتله. فقال النّاس : هنيئا له الجنّة. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّا ، والّذي نفسي بيده ، إنّ الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا». فلما سمع بذلك النّاس ، جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشراك أو بشراكين ، فقال : «شراك ، أو شراكان ، من نار» فعبّأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه للقتال وصفّهم ، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة ، ودفع راية إلى الحباب بن المنذر ، وراية إلى سهل بن حنيف ، وراية إلى عبّاد بن بشر ، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنّهم إن أسلموا [٧٤ ب] أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، فبرز رجل ، فبرز إليه الزّبير فقتله ، ثم برز آخر ، فبرز إليه [عليّ] (١) فقتله ، ثم برز آخر ، فبرز إليه أبو دجانة فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا (٢) ثم أعطوا من الغد بأيديهم. وفتحها الله عنوة (٣).

وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوادي القرى أربعة أيام. فلما بلغ ذلك أهل تيماء صالحوا على الجزية. فلما كان عمر ، أخرج يهود خيبر وفدك ، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنّهما داخلتان في أرض الشام ، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وما وراء ذلك من الشام (٤).

__________________

(١) سقطت من الأصل ، واستدركناها من ع. ومن نهاية الأرب ١٧ / ٢٦٩.

(٢) وهكذا في دلائل النبوّة للبيهقي ، وفي نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٦٩ «اثنا عشر رجلا».

(٣) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ١٦ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ وعيون الأثر ٢ / ١٤٤ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢١٨.

(٤) انظر فتوح البلدان ١ / ٣٩ وعيون الأثر ٢ / ١٤٥ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢١٨.

٤٤٢

وقال ابن وهب : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيّب. عن أبي هريرة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قفل من غزوة خيبر ، فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرّس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال لبلال : أكلأ (١) لنا اللّيل. فغلبت بلالا عيناه فلم يستيقظ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا بلال إلّا بحرّ الشمس.

الحديث.

أخرجه مسلم (٢).

وروي أنّ ذلك كان في طريق الحديبيّة ، رواه شعبة ، عن جامع بن شدّاد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، عن ابن مسعود. ويحتمل أن يكون نومهم مرّتين.

وقد رواه زافر بن سليمان ، عن شعبة ، فذكر أنّ ذلك كان في غزوة تبوك.

وقد روى النّوم عن الصّلاة : عمران بن حصين ، وأبو قتادة الأنصاريّ. والحديثان وصحيحان رواهما مسلم (٣) ، وفيهما طول.

وقالت [عائشة] (٤) : لما افتتحنا خيبر ، قلنا : الآن نشبع من التمر.

وقال ابن وهب : أنا يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس قال : لما قدم

__________________

(١) الكلاءة الحفظ والحراسة ، على ما في (النهاية).

(٢) صحيح مسلم (٦٨٠) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.

(٣) كتاب المساجد ومواضع الصلاة رقم ٦٨١ و ٦٨٣.

(٤) في الأصل (وقال) ثم بياض بمقدار كلمة ، وهي ساقطة من ع. والحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٨٣ ، بهذا الإسناد : حدّثني محمد بن بشّار ، حدّثنا حرميّ ، حدثنا شعبة ، قال أخبرني عمارة ، عن عكرمة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : «لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر.».

٤٤٣

المهاجرون المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء. وكان الأنصار أهل أرض ، فقاسموا المهاجرين على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كلّ عام ، ويكفونهم العمل والمئونة. وكانت أمّ أنس ، وهي أمّ سليم ، أعطت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عذاقا لها ، فأعطاهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمّ أيمن مولاته أمّ أسامة بن زيد. فأخبرني أنس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر ، وانصرف إلى المدينة ، ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم ، وردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمّي عذاقها (١) ، وأعطى أمّ أيمن مكانهنّ من حائطه.

قال ابن شهاب : وكان من شأن أمّ أسامة بن زيد أنّها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطّلب. وكانت من الحبشة. فلما ولدت آمنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت أمّ أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعتقها ، ثم أنكحها زيد بن حارثة. ثم توفّيت بعد ما توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة أشهر. أخرجه مسلم (٢).

وقال معتمر (٣) : حدّثنا أبي ، عن أنس ، أنّ الرجل كان يعطي من ماله النّخلات أو ما شاء الله من ماله ، النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى فتحت عليه قريظة والنّضير ، فجعل يردّ بعد ذلك ، فأمرني أهلي أن آتيه فأسأله الّذي [٧٥ أ] كانوا أعطوه أو بعضه ، وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاه أمّ أيمن ، أو كما شاء الله ، قال : فسألته ، فأعطانيهنّ. فجاءت أمّ أيمن فلوت الثّوب في عنقي ، وجعلت تقول : كلّا والله لا إله إلّا هو ، لا نعطيكهنّ وقد أعطانيهنّ. فقال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أمّ أيمن اتركي كذا وكذا». وهي تقول لا والله. حتى أعطاها عشرة أمثال ذلك ، أو نحوه. وفي لفظ في الصّحيح : وهي تقول :

__________________

(١) أي نخلاتها.

(٢) صحيح مسلم (١٧٧١) كتاب الجهاد والسير ، باب ردّ المهاجرين إلى الأنصار منائحهم إلخ.

(٣) في طبعة القدسي ٤١١ «معمر» وهو تصحيف ، والتصحيح من صحيح البخاري ٥ / ٥١.

٤٤٤

كلّا والله حتى أعطى عشرة أمثاله. أخرجاه (١).

* * *

وفي سنة سبع : قدم حاطب بن أبي بلتعة من الرّسيلة (٢) إلى المقوقس ملك ديار مصر ، ومعه منه هدية للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهي ماريّة القبطية ، أمّ إبراهيم ابن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأختها سيرين التي وهبط لحسّان بن ثابت ، وبغلة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دلدل ، وحماره يعفور (٣).

وفيها : توفّيت ثويبة (٤) مرضعة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلبن ابنها مسروح (٥) وكانت مولاة لأبي لهب أعتقها عام الهجرة. وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبعث إليها من مكة بصلة وكسوة. حتى جاءه موتها سنة سبع مرجعه من خيبر ، فقال : «ما فعل ابنها مسروح» (٦)؟ قالوا : مات قبلها (٧) وكانت خديجة تكرمها ، وطلبت شراءها من أبي لهب فامتنع. رواه الواقديّ عن غير واحد. أرضعت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل حليمة أياما ، وأرضعت أيضا حمزة بن عبد المطّلب ، وأبا سلمة بن عبد الأسد.

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب مرجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحزاب إلخ. وصحيح مسلم (١٧٧١) كتاب الجهاد والسير ، باب ردّ المهاجرين إلى الأنصار منائحهم.

(٢) علّق القدسي على هذه الكلمة وظنّها اسما لمكان فقال : لم أقف عليها في كتب البلدان ، ولم يرد لها ذكر فيما بين يدي من كتب السير والمغازي. وأقول : إن اللفظ ليس اسم مكان ، بل يراد به إرسال الرسول. ويوضّحه السياق.

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ٢١ ، ٢٢ ، تاريخ الخليفة ٨٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣٦ ، وانظر عن مارية في الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ / ٢١٢.

(٤) انظر عن ثويبة : أسد الغابة ٥ / ٤١٤ ، الإصابة ٤ / ٢٥٧ ، ٢٥٨ رقم ٢١٣.

(٥) عبارة الأصل : «وفيها توفيت مرضعة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثويبة بلبن ابنها مسروح». وأثبتنا عبارة ع وهي أقوم.

(٦) انظر عنه في ترجمة أمّه ثويبة (الإصابة ٤ / ٢٥٧ و ٣ / ٤٠٨).

(٧) عيون التواريخ ١ / ٢٧٤ ، ٢٧٥.

٤٤٥

سريّة أبي بكر إلى نجد

وكانت بعد خيبر سنة سبع.

وقال عكرمة بن عمّار : حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر رضي‌الله‌عنه إلى بني فزارة ، وخرجت معه حتى إذا دنونا من الماء عرّس بنا أبو بكر ، حتى إذا ما صلّينا الصّبح ، أمرنا فشننّا الغارة ، فوردنا الماء. فقتل أبو بكر من قتل ، ونحن معه ، فرأيت عنقا (١) من النّاس فيهم الذّراريّ. فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل ، فأدركتهم ، فرميت بسهمي. فلما رأوه قاموا ، فإذا امرأة عليها قشع (٢) من أدم ، معها ابنتها من أحسن العرب فجئت أسوقهم إلى أبي بكر ، فنفّلني أبو بكر ابنتها ، فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة ، ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوبا. حتى لقيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السوق فقال : «يا سلمة ، هب لي المرأة». قلت : يا نبيّ الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا. فسكت حتى كان من الغد فقال : «يا سلمة ، هب لي المرأة لله أبوك». قلت : هي لك يا رسول الله. فبعث بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهل مكة ، ففدى بها أسرى من المسلمين. أخرجه مسلم (٣).

وقيل كان ذلك في شعبان.

* * *

سريّة عمر إلى عجز هوازن

وقال الواقديّ : ثنا أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبي بكر بن عمر بن

__________________

(١) أي جماعة.

(٢) القشع : النطع.

(٣) صحيح مسلم (١٧٥٥) كتاب الجهاد والسير ، باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى ، وأحمد في مسندة ٤ / ٤٦ ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١١٨ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٤ / ٢٢٠ ، و ٢٢١ وابن سيد الناس في عيون الأثر ٢ / ١٤٦.

٤٤٦

عبد الرحمن قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر إلى [٧٥ ب] تربة عجز هوازن (١) ، في ثلاثين راكبا ، فخرج ومعه دليل. فكانوا يسيرون اللّيل ويكمنون النّهار. فأتى الخبر هوازن ، فهربوا. وجاء عمر محالّهم ، فلم يلق منهم أحدا ، فانصرف إلى المدينة ، حتى سلك النّجدية (٢). فلما كانوا بالجدر (٣) ، قال الدليل لعمر : هل لك في جمع آخر تركته من خثعم جاءوا سائرين ، قد أجدبت بلادهم؟ فقال عمر : ما أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهم. ورجع إلى المدينة. وذلك في شعبان (٤).

* * *

سرية بشير بن سعد

قال الواقديّ : حدّثني عبد الله بن الحارث بن الفضل (٥) ، عن أبيه ، قال : بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرّة بفدك. فخرج فلقي رعاء الشاء ، فاستاق الشاء والنّعم (٦) منحدرا إلى المدينة. فأدركه الطّلب عند الليل ، فباتوا يرامونهم بالنّبل حتى فني نبل أصحاب بشير ، فأصابوا أصحابه وولّى منهم من ولّى ، وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ضرب كعباه. وقيل قد مات ، ورجعوا بنعمهم وشائهم ، وتحامل بشير حتى

__________________

(١) تربة : واد بالقرب من مكة على مسافة يومين منها يصبّ في بستان بني عامر ، وقيل واد يأخذ من السّراة ويفرغ في نجران ، وقيل موضع بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة طريق صنعاء ونجران. (معجم البلدان ٢ / ٢١) وعجز هوازن هم بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبنو جشم بن بكر بن هوازن.

(٢) النّجدية : لم يرد لها ذكر فيما وقفت عليه من كتب البلدان ، ولعلّها موضع في الطريق النّجدي إلى مكة.

(٣) الجدر : قرارة في الحرّة على ستة أميال من المدينة ناحية قباء (معجم البلدان ٢ / ١١٤).

(٤) انظر المغازي للواقدي : ٢ / ٧٢٢ ، والطبقات لابن سعد ٢ / ١١٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٢ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٢١ ، وعيون الأثر ٢ / ١٤٥ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٧٠.

(٥) كذا في الأصل ، ع. وفي المغازي للواقدي (٢ / ٧٢٣) : عبد الله بن الحارث بن الفضيل.

(٦) في الأصل : الغنم. وأثبتنا لفظ ع والواقدي.

٤٤٧

انتهى إلى فدك ، فأقام عند يهوديّ حتى ارتفع من الجراح ، ثم رجع إلى المدينة (١).

* * *

سريّة غالب بن عبد الله الليثي

قال الواقديّ : حدّثني أفلح بن سعيد ، عن بشير بن محمد بن عبد الله ابن زيد ، الّذي أري الأذان (٢) ، قال : كان مع غالب بن عبد الله بن مسعود ، عقبة بن عمرو الأنصاري ، وكعب بن عجرة ، وعلبة بن زيد. فلما دنا غالب منهم ليلا وقد احتلبوا (٣) وهدءوا ، قام فحمد الله وأثنى عليه وأمر بالطّاعة ، قال : وإذا كبّرت فكبّروا ، وجرّدوا السّيوف. فذكر الحديث في إحاطتهم. بهم. قال : ووضعنا السيوف حيث شئنا منهم ، ونحن نصيح بشعارنا : أمت أمت ، وخرج أسامة يحمل على رجل فقال : لا إله إلّا الله. وذكر الحديث (٤).

وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق (٥) ، حدّثني شيخ من أسلم ، عن رجال من قومه قالوا : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غالب بن عبد الله الكلبي ، كلب ليث ، إلى أرض بني مرّة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ،

__________________

(١) انظر المغازي للواقدي : ٢ / ٧٢٣ ، والطبقات لابن سعد ٢ / ١١٨ ، ١١٩ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٧٢ ، وعيون الأثر ٢ / ١٤٧ ، ١٤٨ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٢١ ، ٢٢٢ ، عيون التواريخ ١ / ٢٧١ ، تاريخ دمشق ـ تحقيق دهمان ١٠ / ١٥٠.

(٢) عبارة الأصل : «عن بشير بن محمد الّذي أرى الأذان عبد الله بن زيد» وأثبتنا عبارة ع ، وهي أصحّ ، فالذي أرى الأذان هو عبد الله بن زيد. والأذان لم يثبت بالرؤيا فقط ، على ما هو محقّق في مظانّه.

(٣) هكذا في الأصل ، ع ورواية الواقدي «اجتلبوا» ، ولكليهما وجه.

(٤) انظر المغازي للواقدي : ٢ / ٧٢٤ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٤ / ٢٢٢. وسيأتي الحديث عن صحيح البخاري ٥ / ٨٨.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٩.

٤٤٨

حليف لهم من الحرقة (١) فقتله أسامة. فحدّثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، عن جدّه أسامة بن زيد قال : أدركته ، يعني مرداسا ، أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السّيف قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه. فلما قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرناه خبره ، فقال : «يا أسامة من لك بلا إله إلّا الله»؟ فقلت : يا رسول الله ، إنّما قالها تعوّذا من القتل. قال : «فمن لك بلا إله إلّا الله». فو الّذي بعثه بالحقّ ، ما زال يردّدها عليّ حتى لوددت أنّ ما [٧٦ أ] مضى من إسلامي لم يكن. وأنّي أسلمت يومئذ ولم أقتله (٢).

وقال هشيم : نا حصين بن عبد الرحمن ، ثنا أبو ظبيان ، سمعت أسامة ابن زيد يحدّث قال : أتينا الحرقة من جهينة. قال : فصبّحنا القوم فهزمناهم. ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلّا الله. قال : فكفّ عنه الأنصاريّ ، فطعنته أنا برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، فقال : أقتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله ، ثلاث مرّات. قلت : يا رسول الله ، إنّما كان متعوّذا ، قال : فما زال يكرّرها حتى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل يومئذ.

متّفق عليه (٣).

وقال محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، حدّثني يعقوب بن عتبة ،

__________________

(١) الحرقة : هم بنو حميس من قبائل جهينة (الاشتقاق لابن دريد (٥٤٩).

(٢) انظر : سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٩ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ١١٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٢ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، عيون الأثر ٢ / ١٤٧ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٢.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة ٥ / ٨٨. وصحيح مسلم (٩٦) كتاب الإيمان ، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلّا الله.

وقال البغوي في شرح السّنّة : ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استغفر بعد لأسامة ثلاث مرّات وقال له : أعتق رقبة.

٤٤٩

عن مسلم بن عبد الله الجهنيّ ، عن جندب بن مكيث (١) الجهنيّ ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غالب بن عبد الله إلى بني الملوّح بالكديد (٢) ، وأمره أن يغير عليهم ، وكنت في سريّته. فمضينا حتى إذا كنّا بقديد (٣) ، لقينا به الحارث بن مالك بن البرصاء اللّيثي ، فأخذناه فقال : إنّي إنّما جئت لأسلم. فقال له غالب : إن كنت إنّما جئت لتسلم فلا يضرّك رباط يوم وليلة ، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك ، قال : فأوثقه رباطا وخلّف عليه رويجلا أسود ، قال : امكث عليه حتى نمرّ عليك ، فإن نازعك فاحتزّ رأسه ، وأتينا بطن الكديد فنزلناه بعد العصر. فبعثني أصحابي إليه ، فعمدت إلى تلّ يطلعني على الحاضر ، فانبطحت عليه ، وذلك قبل الغروب. فخرج رجل فنظر فرآني منبطحا على التلّ فقال لامرأته ، إنّي لأرى سوادا على هذا التلّ ما رأيته في أوّل النّهار ، فانظري لا تكون الكلاب اجترّت بعض أوعيتك. فنظرت فقالت : والله ما أفقد شيئا. قال : فناولني قوسي وسهمين من نبلي. فناولته فرماني بسهم فوضعه في جبيني ، أو قال : في جبني ، فنزعته فوضعته ولم اتحرّك ، ثم رماني بالآخر ، فوضعه في رأس منكبي ، فنزعته فوضعته ولم اتحرّك. فقال لامرأته : أما والله لقد خالطه سهماي ، ولو كان زائلا لتحرّك ، فإذا أصبحت فابتغي سهميّ فخذيهما ، لا تمضغهما عليّ الكلاب.

قال : ومهلنا حتى راحت روائحهم ، وحتى إذا احتلبوا وعطفوا وذهب عتمة من اللّيل شنّنا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا واستقنا النّعم فوجّهنا قافلين به ، وخرج صريخ القوم إلى قومهم. قال : وخرجنا سراعا حتى نمرّ بالحارث

__________________

(١) مكيث : بفتح الميم وكسر الكاف. (انظر : المشتبه للذهبي ٢ / ٦١١).

(٢) الكديد : موضع على اثنين وأربعين ميلا من مكة ، بين عسفان وأمج. (معجم البلدان ٤ / ٤٤٢) وقيل عين بعد خليص بثمانية أميال لجهة مكة يمنة الطريق.

(٣) قديد : قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه وقيل موضع قرب مكة (معجم البلدان ٤ / ٣١٣).

٤٥٠

ابن مالك بن البرصاء وصاحبه ، فانطلقا به معنا. وأتانا صريخ النّاس فجاءنا مالا قبل لنا به. حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلّا بطن الوادي من قديد ، بعث (١) الله من حيث شاء ماء ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا سحابا (٢) ، فجاء بما لا يقدر أحد يقدم عليه ، لقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا [٧٦ ب] ما يقدر أحد منهم أن يقدم عليه ، ونحن نحدوها. فذهبنا سراعا حتى أسندنا بها في المشلّل (٣) ، ثم حدرنا عنه وأعجزناهم (٤).

* * *

سريّة الجناب (٥)

قال الواقدي في مغازيه : حدّثني يحيى بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة ، عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد قال : قدم رجل من أشجع يقال له : حسيل بن نويرة ، وكان دليل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خيبر ، فقال له : [من] (٦) أين يا حسيل؟ قال : من يمن وجبار (٧) ، وما وراءك؟ قال : تركت

__________________

(١) في الأصل : بعثه ، وأثبتنا لفظ ع ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٢٣.

(٢) في الأصل : مطرا ولا أرحالا (؟) وأثبتنا لفظ ع وهو يطابق رواية الواقدي (٢ / ٧٥٢). وفي البداية والنهاية ٤ / ٢٢٣ «مطرا ولا حالا».

(٣) المشلّل : جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر. (معجم البلدان ٥ / ١٣٦) وفي البداية والنهاية ٤ / ٢٢٣ «المسلك». وفي عيون الأثر ٢ / ١٥١ «المسيل» وكذلك في طبقات ابن سعد ٢ / ١٢٥ وفي نهاية الأرب ١٧ / ٢٧٥ «السيل».

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٤.

(٥) في الأصل : سرية حنان. وتابعه في ذلك ع وابن الملا. وهو خطأ تصحيحه من الواقدي (٢ / ٧٢٧) ، وعيون الأثر (٢ / ١٤٨) حيث قال : «والجناب بكسر الجيم من أرض غطفان ، وذكره أيضا الحازمي وقال : «من بلاد فزارة». وكذلك ورد في إمتاع الأسماع (٣٣٥) وفيه «. أنّ جمعا من غطفان بالجناب قد واعدوا عيينة بن حصن ... حتى أتوا يمن وجبار وهي نحو الجناب ، والجناب يعارض سلاح وخيبر ووادي القرى». وفي معجم البلدان ٢ / ١٦٤ : «والجناب موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى ، وقيل هو من منازل بني مازن ، وقال نصر : الجناب من ديار بني فزارة بين المدينة وفيد». وفي تاريخ دمشق ١٠ / ١٥١ «جبار».

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٧) في الأصل : حنان ، تصحيف تصحيحه من ع. وجبار : ماء لبني حميس بين المدينة وفيد ،

٤٥١

جمعا من يمن وغطفان وجبار وقد بعث إليهم عيينة إمّا أن تسيروا إلينا وإمّا أن نسير إليكم ، فأرسلوا إليه أن سر إلينا ، وهم يريدونك أو بعض أطرافك. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر وعمر فذكر لهما ذلك فقالا جميعا : ابعث إليهم بشير بن سعد ، فعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل ، وأمرهم أن يسيروا اللّيل ويكمنوا النّهار ، ففعلوا ، حتى أتوا أسفل خيبر ، فأغاروا وقتلوا عينا لعيينة. ثم لقوا جمع عيينة فناوشوهم ، ثم انكشف جمع عيينة وأسر منهم رجلان ، وقدموا بهما على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلما (١).

* * *

سريّة أبي حدرد إلى الغابة

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : كان من حديث أبي حدرد الأسلميّ ما حدّثني جعفر بن عبد الله بن أسلم ، عن أبي حدرد ، قال : تزوّجت امرأة من قومي ، فأصدقتها مائتي درهم. فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أستعينه على نكاحي ، فقال : كم أصدقت؟ قلت : مائتا درهم ، فقال : سبحان الله ، والله لو كنتم تأخذونها من بطن واد ما زدتم (٢) ، لا والله ما عندي ما أعينك به ، فلبث أياما ، ثم أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له رفاعة ابن قيس (أو قيس) (٣) بن رفاعة ، في بطن عظيم من جشم ، حتى نزل بقومه

__________________

= ويمن : ماء لغطفان بين بطن قوّ ورؤاف على الطريق بين تيماء وفيد ، وقيل ماء لبني صرمة بن مرّة. (معجم البلدان ٥ / ٤٤٩) وقد ضبط الزرقاني «جبار» بفتح الجيم ، وياقوت بالضم ، وكذلك الزبيدي في تاج العروس. وضبطها في عيون الأثر ووفاء ألوفا للمسهودي بالفتح وتخفيف الباء.

(١) المغازي للواقدي ٢ / ٧٢٧ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٢٠ تاريخ الطبري ٣ / ٢٣ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، عيون الأثر ٢ / ١٤٧ ، ١٤٨ ، عيون التواريخ ١ / ٢٧٢ ، إمتاع الأسماع ٣٣٥.

(٢) في الأصل : «من وادي ما زاد» وفي ع : «من وادي تم». وأثبتنا نص ابن هشام في السيرة ٤ / ٢٤١.

(٣) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع ومن السيرة لابن هشام ٤ / ٢٤١.

٤٥٢

ومن معه بالغابة (١) ، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان ذا شرف ، فدعاني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجلين من المسلمين ، فقال : «اخرجوا إليه ، حتى تأتوا منه بخبر وعلم» ، وقدّم لنا شارفا عجفاء (٢) ، فحمل عليها أحدنا ، فو الله ما قامت (٣) به ضعفا ، حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم ، حتى استقلّت وما كادت. وقال : تبلغوا على هذه ، فخرجنا ، حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر مع غروب الشمس ، وكمنت في ناحية ، وأمرت صاحبي فكمنّا في ناحية ، وقلت : إذا سمعتماني قد كبّرت وشددت في العسكر ، فكبّروا وشدّوا معي ، فو الله إنّا لكذلك ننتظر أن نرى غرّة وقد ذهبت فحمة العشاء ، وقد كان لهم راع قد سرّح في ذلك البلد فأبطأ عليهم ، فقام زعيمهم رفاعة فأخذ سيفه وقال : لأتبعنّ أثر راعينا ، فقالوا : نحن نكفيك ، قال : لا ، وو الله [٧٧ أ] لا يتبعني أحد منكم ، وخرج حتى مرّ بي ، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده ، فو الله ما نطق ، فوثبت إليه ، فاحترزت رأسه ، ثم شددت في ناحية العسكر وكبّرت وكبّر صاحباي ، فو الله ما كان إلّا النّجاء ممن كان فيه عندك بكلّ ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خفّ معهم ، واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة ، فجئنا بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجئت برأسه أحمله معي ، فأعطاني من تلك الإبل ثلاثة عشر بعيرا في صداقي ، فجمعته إلى أهلي (٤).

* * *

__________________

(١) الغابة : موضع قرب المدينة من ناحية الشام ، فيه أموال لأهل المدينة. (معجم البلدان ٤ / ١٨٢).

(٢) الشارف العجفاء من النوق : المسنّة الهرمة.

(٣) في الأصل : قدمت. والتصحيح من ع ومن السيرة لابن هشام ٤ / ٢٤٢.

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤١ ، ٢٤٢ ، عيون الأثر ٢ / ١٦٢ ، ١٦٣ ، تاريخ الطبري (حوادث سنة ٨ ه‍ ـ) ٣ / ٣٤ ، ٣٥ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٣ ، ٢٢٤.

٤٥٣

سريّة محلّم بن جثّامة

قال محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، حدّثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن ابن (١) عبد الله بن أبي حدرد ، عن أبيه ، قال : بعثنا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى إضم (٢) في نفر من المسلمين منهم أبو قتادة ، ومحلّم بن جثّامة بن قيس. حتى إذا كنّا ببطن إضم ، مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ على قعود له ، معه متيّع (٣) له ، ووطب (٤) من لبن ، فسلّم علينا بتحيّة الإسلام. فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلّم فقتله لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ومتاعه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرناه الخبر. فنزل فينا القرآن : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) (٥) ، إلى آخر الآية (٦).

رواه حمّاد بن سلمة ، عن ابن إسحاق.

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ابن إسحاق : حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، سمعت زياد بن ضميرة بن سعد (٧) الضّمري يحدّث عن أبيه وجدّه ، وقد شهد حنينا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصلّى الظهر وجلس في ظلّ شجرة ، فقام إليه عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط ، سيّد قيس ، وجاء الأقرع ابن حابس يردّ عن محلّم بن جثّامة ، وهو سيّد خندف ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) انظر حول اسمه : سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٠ وتاريخ الطبري ٣ / ٣٥ ، ٣٦.

(٢) إضم : الوادي الّذي تجتمع فيه أودية المدينة. وانظر تفصيل الكلام عنه. في وفاء ألوفا ٢ / ٢١٩.

(٣) متيّع : تصغير متاع ، أي ما يستمتع به الإنسان من حوائج أو مال.

(٤) الوطب : وعاء اللبن.

(٥) سورة النساء : من الآية ٩٤.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٥ ، ٣٦ نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٣٣ عيون الأثر ٢ / ١٦١ ، ١٦٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٤.

(٧) ويقال : زياد بن سعد بن ضميرة. انظر : سنن أبي داود ٤ / ٧١ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٣٦٩ رقم ٦٧٧.

٤٥٤

لقوم عامر : «هل لكم أن تأخذوا منّا الآن (١) خمسين بعيرا ، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة»؟ فقال عيينة بن بدر : والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرّ مثل ما أذاق نسائي. فقال رجل من بني ليث يقال له : مكيتل (٢) ، وهو قصير (٣) من الرجال ، فقال : (يا) (٤) رسول الله ، ما أجد لهذا القتيل مثلا في غرّة الإسلام إلّا كغنم وردت فرميت أولاها فنفرت (٥) أخراها ، أسنن اليوم وغيّر غدا (٦) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا؟ فلم يزل بهم حتى رضوا بالدّية. قال قوم محلّم : ائتوا به حتى يستغفر له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فجاء رجل طوال ضرب اللّحم (٧) في حلّة قد تهيّأ فيها للقتل ، فقام بين يدي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ لا تغفر لمحلّم». قالها ثلاثا. فقام وإنّه ليتلقّى دموعه بطرف ثوبه (٨).

قال ابن إسحاق : زعم قومه أنه استغفر له بعد.

وقال أبو داود في سننه (٩) : [٧٧ ب] ثنا موسى بن إسماعيل ، نا

__________________

(١) في الأصل : الأمان. والتصحيح من ع ، وسيرد في الأصل صحيحا بعد سطور. وفي السيرة ابن هشام ٤ / ٢٤١ «بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا».

(٢) في الأصل : مكيتيل. وفي ع : ابن مكيتيل. والتصحيح من ترجمته في أسد الغابة (٥ / ٢٥٩) والإصابة (٣ / ٤٥٧) وسيرة ابن هشام ، وقيل : مكيثر (٤ / ٢٤١).

(٣) وفي طبعة القدسي ٤٢٢ «قصد» والتصحيح من السيرة والبداية والنهاية ٤ / ٢٢٥.

(٤) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٤١.

(٥) في الأصل ففرت. وأثبتنا لفظ ع والسيرة وفي سنن أبي داود ٤ / ١٧١ «فنفر».

(٦) اسنن اليوم وغيّر غدا : أي اعمل اليوم بسنّتك التي سننتها في القصاص ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغيّر فغيّر.

(٧) ضرب اللّحم : أي خفيف اللّحم ليس برهل.

(٨) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٠ ، ٢٤١ ، سنن أبي داود ٤ / ١٧١ ، ١٧٢ البداية والنهاية ٤ / ٢٢٤ ، ٢٢٥.

(٩) سنن أبي داود ٤ / ١٧١ رقم ٤٥٠٣ كتاب الديات ، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم.

٤٥٥

حمّاد ، نا محمد بن إسحاق ، قال : فحدّثني محمد بن جعفر ، سمعت زياد ابن ضميرة. ح. قال وثنا أحمد بن سعيد الهمدانيّ ، ووهب بن بيان ، (قالا ثنا) (١) ابن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزّناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن محمد بن جعفر ، أنه زياد بن سعد بن ضميرة السّلمي. وهذا حديث وهب وهو أتمّ ، يحدّث (٢) عروة بن الزّبير ، عن أبيه وجدّه ، قال موسى : وجدّه ، وكانا شهدا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حنينا ، يعني أباه وجدّه. ثم رجعنا إلى حديث وهب : أنّ محلّم بن جثّامة قتل رجلا من أشجع في الإسلام. وذلك أول غير (٣) قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فتكلّم عيينة في (قتل) (٤) الأشجعيّ لأنّه من غطفان ، وتكلّم الأقرع بن حابس. فذكر القصّة إلى أن قال : ومحلّم رجل طويل آدم ، وهو في طرف النّاس ، فلم يزالوا حتى تخلّص فجلس بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعيناه تدمعان. فقال : يا رسول الله ، إنّي قد فعلت الّذي بلغك ، وإنّي أتوب إلى الله ، فاستغفر لي يا رسول الله. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «أقتلته بسلاحك في غرّة الإسلام؟ اللهمّ لا تغفر لمحلّم». بصوت عال.

زاد أبو سلمة : فقام وإنّه (٥) ليتلقّى دموعه بطرف ردائه (٦).

__________________

(١) في الأصل ، ع : وهيب بن بنان بن وهب. والتصحيح والزيادة من سنن أبي داود وتهذيب التهذيب (١١ / ١٦٠).

(٢) في الأصل ، ع : بحديث. والتصحيح من سنن أبي داود ٤ / ١٧١.

(٣) الغير : جمع الغيرة وهي الدّية.

(٤) سقطت من الأصل وزدناها من ع وسنن أبي داود.

(٥) في الأصل ، ع فقال إنه. وأثبتنا لفظ أبي داود في السنن ٤ / ١٧٢.

(٦) سنن أبي داود : كتاب الدّيات باب الإمام يأمر بالعفو في الدم (٤ / ١٧١ ، ١٧٢).

٤٥٦

سريّة عبد الله بن حذافة بن قيس

(ابن عديّ السّهميّ) (١)

قال ابن جريج : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) نزلت في عبد الله بن حذافة السّهميّ ، بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سريّة. أخبرنيه يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس.

أخرجاه في الصّحيح (٣).

وقال الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السّلمي ، عن علي بن أبي طالب : استعمل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من الأنصار على سريّة ، وأمرهم أن يطيعوه. فأغضبوه في شيء ، فقال : أجمعوا لي حطبا ، فجمعوا. وأمرهم فأوقدوه. ثم قال : ألم يأمركم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا : بلى. قال : فادخلوها. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : إنّما فررنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النّار. فسكن غضبه ، وطفئت النّار. فلما قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكروا له ذلك. فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها. إنّما الطّاعة في المعروف. أخرجاه (٤).

* * *

وفيها كانت غزوة ذات الرّقاع. وقد تقدّمت سنة أربع ، وأوردنا الخلاف فيها.

* * *

__________________

(١) هذه الزيادة في العنوان من ع.

(٢) سورة النساء : من الآية ٥٩.

(٣) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة النساء ، باب قوله (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) إلخ.

وصحيح مسلم (١٨٣٤) كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية إلخ.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الأحكام ، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ٨ / ١٠٦ وصحيح مسلم (١٨٤٠) كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء.

٤٥٧
٤٥٨

عمرة القضيّة (١)

روى نافع [بن عبد الرحمن] (٢) بن أبي نعيم ، عن نافع مولى ابن عمر قال : كانت عمرة القضيّة في ذي القعدة سنة سبع.

وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر ، بعث سرايا وأقام بالمدينة حتى [استهلّ] (٣) ذو القعدة. ثم نادى في النّاس أن تجهّزوا العمرة [٧٨ أ] فتجهّزوا ، وخرجوا معه إلى مكة.

وقال ابن شهاب : ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذي القعدة حتى بلغ يأجج (٤) وضع الأداة كلها : الحجف والمجانّ (٥) والرماح والنّبل. ودخلوا بسلاح الراكب : السيوف. وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعفرا بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن بنت حزن العامريّة فخطبها عليه ، فجعلت أمرها إلى العبّاس ،

__________________

(١) وتسمّى : عمرة القضاء ، ويقال لها عمرة القصاص. (عيون الأثر ٢ / ١٤٨).

(٢) زيادة في اسمه من ترجمته في تهذيب التهذيب (١٠ / ٤٠٧) وقد ينسب كذلك إلى جدّه.

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٤) يأجج : بالهمزة والفتح ، مكان من مكة على ثمانية أميال ، وكان من منازل عبد الله بن الزبير ، (معجم البلدان ٥ / ٤٢٤).

(٥) في الأصل : المجنّ. وأثبتنا لفظ ع وهو صيغة الجمع من المجنّ أي الترس.

٤٥٩

وكانت أختها تحته وهي أمّ الفضل فزوّجها العبّاس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فلما قدم أمر أصحابه فقال : اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطّواف ، ليرى المشركون جلدهم وقوّتهم ، وكان يكايدهم بكلّ ما استطاع. فاستكفّ أهل مكة ـ الرجال والنّساء والصّبيان ـ ينظرون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت. وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متوشّحا بالسيف يقول (١) :

خلّوا بني الكفّار عن سبيله

أنا الشهيد أنّه رسوله

 قد أنزل الرحمن في تنزيله

في صحف تتلى على رسوله

 فاليوم نضربكم على تأويله

كما ضربناكم على تنزيله

 ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

وتغيّب رجال من أشرافهم أن ينظروا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيظا وحنقا ، ونفاسة وحسدا ، خرجوا إلى الخندمة (٢). فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، وأقام ثلاث ليال ، وكان ذلك آخر الشرط. فلما أصبح من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وغيره ، فصاح حويطب بن عبد العزّى : نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث. فقال سعد بن عبادة : كذبت لا أمّ لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك ، [والله] (٣) لا نخرج. ثم نادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهيلا وحويطبا ، فقال : «إنّي قد نكحت فيكم امرأة فما يضرّكم أن أمكث حتى أدخل بها ، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا». قالوا : نناشدك الله والعقد ، إلّا خرجت عنّا. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا رافع فأذّن بالرحيل. وركب

__________________

(١) ديوانه : ص ١٠٠ ـ ١٠١ باختلاف في الألفاظ وفي ترتيب الأبيات ، وكذلك في سيرة ابن هشام ٤ / ٦٩ ، والطبقات لابن سعد ٢ / ١٢١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٤ والمغازي لعروة ٢٠٢.

(٢) الخندمة : جبل من جبال مكة. (معجم البلدان ٢ / ٣٩٢).

(٣) ليست في الأصل ، وأثبتناه من ع.

٤٦٠