تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

ذكر صفيّة

وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق قال : ويدني (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأموال ، يأخذها مالا مالا ، ويفتحها حصنا حصنا. فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة الأنصاريّ أخو محمد ، ألقيت عليه رحى فقتلته. ثم القموص ، حصن ابن أبي الحقيق. وأصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم سبايا ، منهنّ صفيّة بنت حييّ بن أخطب (٢) ، وبنتا عمّ لها ، فأعطاهما دحية الكلبي.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٣) ، حدّثني ابن لمحمد بن مسلمة الأنصاريّ عمّن أدرك من أهله ، وحدّثنيه مكنف ، قالا : حاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل خيبر في حصنيهم (٤) الوطيح والسّلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسيّرهم ويحقن دماءهم ، ففعل. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حاز الأموال كلّها : الشّقّ والنطّاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلّا ما كان في

__________________

(١) عند ابن كثير ٤ / ١٩٢ «وتدنّى».

(٢) تاريخ خليفة ٨٢ و ٨٣.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٣ وفتوح البلدان ١ / ٢٧.

(٤) في الأصل ، ع : حصنهم. وأثبتنا نصّ ابن هشام ، والطبري.

٤٢١

ذينك الحصنين. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا ، بعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه أن يسيّرهم ويحقن دماءهم ، ويخلون بينه وبين الأموال ، ففعل. فكان ممن مشى بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبينهم ، في ذلك ، محيصة بن مسعود. فلما نزلوا على ذلك سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعاملهم [في] (١) الأموال على النّصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها. فصالحهم على النّصف ، على أنّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. وصالحه أهل فدك على مثل ذلك. فكانت أموال خيبر فيئا بين المسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنّ المسلمين لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب (٢).

وقال حمّاد بن زيد ، عن ثابت. وعبد العزيز بن صهيب ، عن أنس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما ظهر على أهل خيبر قتل المقاتلة وسبى الذّراريّ. فصارت صفيّة لدحية الكلبي ، ثم صارت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم تزوّجها وجعل صداقها عتقها. متّفق عليه (٣).

وقال يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو (بن أبي عمرو) (٤) [٧٠ أ] ، عن أنس ، قال : ذكر للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمال صفيّة ، وكانت عروسا وقتل زوجها ، فاصطفاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنفسه. فلما كنّا بسدّ الصّهباء (٥)

__________________

(١) إضافة من السيرة ، . وعند الطبري «بالأقوال».

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٣ ، ٤٤ تاريخ الطبري ٣ / ١٤ ، ١٥ ، تاريخ خليفة ٨٣ ، البداية والنهاية ٤ / ١٩٨ ، فتوح البلدان ١ / ٣٤.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. (٥ / ٧٤) وانظر عن زواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفية : الطبقات لابن سعد ٨ / ٨٥ وما بعدها ، تسمية أزواج النبي لأبي عبيدة ٦٦ ، والاستيعاب ٤ / ١٨٧١ وأسد الغابة ٥ / ٤٩٠ ، والسمط الثمين ١١٨ ، والإصابة ٤ / ٣٣٧ ، وإمتاع الأسماع ٣٢١ و ٣٣١ ، ٣٣٢.

(٤) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٨ / ٨٢).

(٥) سدّ الصهباء : قال ياقوت في صهباء (٣ / ٤٣٥) : اسم موضع بينه وبين خيبر روحة ، له ذكر في الأخبار.

٤٢٢

حلّت ، فبنى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : واتّخذ حيسا (١) في نطع صغير ، وكانت وليمته. فرأيته يحوّي لها بعباءة خلفه ، ويجلس عند ناقته ، فيضع ركبته فتجيء صفيّة فتضع رجلها على ركبته ثم تركب (٢). فلما بدا لنا أحد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا جبل يحبّنا ونحبّه». أخرجه البخاري ، بأطول من هذا ، ومسلم (٣).

وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير : أخبرني حميد ، سمع أنسا قال : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفيّة. فدعوت المسلمين إلى وليمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ما كان فيها من خبز ولا لحم ، وما كان إلّا أن أمر [بلالا] (٤) بالأنطاع فبسطت ، وألقي عليها التمر والأقط والسّمن. فقال المسلمون : إحدى أمّهات المؤمنين هي أو ما ملكت يمينه؟ قالوا : إن حجبها فهي إحدى أمّهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي ما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطّأ لها خلفه ، ومدّ الحجاب بينها وبين النّاس. أخرجه البخاري (٥).

وقال حمّاد بن سلمة (٦). عبيد الله بن عمر ـ فيما أحسب ـ عن نافع ، عن ابن عمر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم ، فغلب على الأرض والزرع والنّخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ، ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصّفراء والبيضاء ، ويخرجون منها.

__________________

(١) الحيس : تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربّما جعل فيه سويق (المحيط).

(٢) المغازي لعروة ١٩٩ ، فتح الباري ٧ / ٤٨٠.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب من غزا بصبيّ للخدمة. وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٤٢١١) وصحيح مسلم : كتاب النكاح ، باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوّجها.

(٤) إضافة من البخاري ٥ / ٧٧ والبداية والنهاية ٤ / ١٩٦.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. ٥ / ٧٧ ، ٧٨ وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ / ١٢٢.

(٦) انظر دلائل النبوّة للبيهقي ، وفتوح البلدان للبلاذري ١ / ٢٥.

٤٢٣

واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئا ، فإن فعلوه فلا ذمّة لهم ولا عهد. فغيّبوا مسكا (١) فيه مال وحلى لحييّ بن أخطب ، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت [بنو] النّضير. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمّ حييّ : ما فعل مسك حييّ الّذي جاء به من النّضير؟ قال : أذهبته النّفقات والحروب. فقال : العهد قريب والمال أكثر من ذلك. فدفعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الزّبير ، فمسّه بعذاب. وقد كان حييّ قبل ذلك دخل خربة ، فقال عمّه : قد رأيت حييّا يطوف في خربة هاهنا : فذهبوا فطافوا. فوجدوا المسك في الخربة. فقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابني [أبي] (٢) حقيق ، وأحدهما زوج صفيّة. وسبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم بالنّكث الّذي نكثوا.

وأراد أن يجليهم منها. فقالوا : يا محمد ، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها. ولم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا لأصحابه غلال (٣) يقومون عليها ، فأعطاهم على النّصف ما بعدا (٤) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥). فكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كلّ عام فيخرصها عليهم ثم يضمّنهم الشّطر. فشكوا إلى رسول الله] ٧٠ ب] صلى‌الله‌عليه‌وسلم شدّة خرصة (٦) ، وأرادوا أن يرشوه فقال : يا أعداء الله تطعموني السّحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحبّ النّاس إليّ ، ولأنتم أبغض إليّ من عدّتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني بغضي إيّاكم وحبّي إياه على أن لا أعدل عليكم. فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض.

__________________

(١) المسك : الجلد عامة أو جلد السخلة خاصة (السخلة ولد الشاة).

(٢) ساقطة من الأصل.

(٣) في طبعة القدسي ٣٩ «غلمان» والتصحيح من البداية والنهاية ٤ / ١٩٩.

(٤) النقص واضح في العبارة ، وفي البداية والنهاية ٤ / ١٩٩ «فأعطاهم خيبر على أنّ لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشيء ما بدا لرسول الله».

(٥) رواه أبو داود في سنة ٣ / ١٥٨ رقم ٣٠٠٦ كتاب الخراج والإمارة والفيء.

(٦) الخرص : الخزر والحدس والتخمين ، وخرص العدد قدّره تقديرا بظنّ لا إحاطة.

٤٢٤

قال : ورأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعين صفيّة خضرة ، فقال : ما هذه؟ قالت : كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة ، فرأيت كأنّ قمرا وقع في حجري فأخبرته بذلك ، فلطمني وقال : تمنّين ملك يثرب؟ قالت : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أبغض النّاس إليّ ، قتل أبي وزوجي. فما زال يعتذر إليّ ويقول : إنّ أباك ألّب العرب عليّ وفعل وفعل ، حتى ذهب ذلك من نفسي.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي كلّ امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كلّ عام ، وعشرين وسقا من شعير [من خيبر] (١). فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين ، وألقوا ابن عمر من فوق بيت ، ففدعوا (٢) يديه ، فقال عمر : من كان لهم سهم بخيبر فليحضر ، حتى قسمها بينهم. وقال رئيسهم : لا تخرجنا ، دعنا نكون فيها كما أقرّنا رسول الله وأبو بكر. فقال له : أتراه سقط عنّي (٣) قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف بك إذا وقصت (٤) بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما. وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبيّة.

استشهد به البخاريّ في كتابه ، فقال : ورواه حمّاد بن سلمة (٥).

وقال أبو أحمد المرار بن حمويه : ثنا محمد بن يحيى الكناني ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما فدعت بخيبر قام عمر خطيبا فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عامل يهود خيبر على أموالها ، وقال : نقرّكم ما أقرّكم الله ، وإنّ عبد الله بن عمر خرج إلى خيبر ماله هناك ، فعدي عليه من

__________________

(١) إضافة من فتوح البلدان ١ / ٢٧ وانظر سنن أبي داود (٣٠٠٧) كتاب الخراج والإمارة والفيء.

(٢) الفدع : اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل ، أو زيغ بين القدم وعظم السّاق.

(٣) عند ابن كثير ٤ / ٢٠٠ «عليّ».

(٤) في طبعة القدسي ٣٩٢ «وفضت» ، والصحيح ما أثبتناه ، ووقص بمعنى كسر ، وهنا بمعنى اتجهت.

(٥) صحيح البخاري : كتاب الشروط ، باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك. (٣ / ١٧٧ ، ١٧٨) ورواه أبو داود مختصرا من حديث حمّاد ابن سلمة. وقال ابن كثير : ولم أره في الأطراف. (البداية والنهاية ٤ / ١٩٩ ، ٢٠٠) وانظر فتوح البلدان ١ / ٢٥ ، ٢٧.

٤٢٥

الليل ففدعت يداه ، وليس لنا هناك عدوّ غيرهم ، وهم تهمتنا (١) ، وقد رأيت إجلاءهم. فلما أجمع على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال : يا أمير المؤمنين ، تخرجنا وقد أقرّنا محمد وعاملنا؟ فقال : أظننت أنّي نسيت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو قلوصك ليلة بعد ليلة. فأجلاهم وأعطاهم قيمة ما لهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك. أخرجه البخاري عن أبي أحمد (٢).

وقال ابن فضيل ، عن يحيى بن سعيد (٣) ، عن بشير بن يسار (٤) عن رجال من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما ظهر على خيبر قسّمها على ستّة وثلاثين سهما ، جمع كلّ سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمسلمين النّصف من ذلك ، وعزل النّصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب النّاس [٧١ أ]. أخرجه أبو داود (٥).

وقال سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار (٦) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قسّم خيبر ستّة وثلاثين سهما ، فعزل للمسلمين ثمانية عشر سهما ، فجمع كلّ سهم مائة ، والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم وله سهم كسهم أحدهم (٧). وعزل النّصف لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين ، فكان ذلك الوطيح

__________________

(١) التهمة : (كهمزة) ما يتهم عليه. وهم تهمتنا أي نظنّ فيهم ما نسب إليهم.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الشروط ، باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك. (٣ / ١٧٧ ، ١٧٨).

(٣) في الأصل ، ع : سعد ويأتي صحيحا في سند الحديث التالي. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (١١ / ٢٢٠).

(٤) في الأصل : بشار. والتصحيح من ع ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (١ / ٤٧٢). ومن فتوح البلدان ١ / ٢٨ و ٢٩.

(٥) سنن أبي داود : كتاب الخراج والفيء والإمارة ، باب ما جاء في حكم أرض خيبر (٢ / ١٤٢) وانظر : عيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ١٤١.

(٦) في الأصل : بشار. وانظر ما تقدّم.

(٧) في الأصل : كسهم آخرهم. وما أثبتناه من ع وسنن أبي داود (٢ / ١٤٣).

٤٢٦

والسّلالم والكتيبة وتوابعها ، فلما صارت الأموال بيد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين ، لم يكن لهم عمّال يكفونهم عملها ، فدعا اليهود فعاملهم (١).

قال البيهقي (٢) : وهذا لأنّ بعض خيبر فتح عنوة ، وبعضها صلحا. فقسّم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين ، وعزل ما فتح صلحا لنوائبه وما يحتاج إليه في مصالح المسلمين.

وقال عبد الرزّاق [ثنا] معمر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنّ خيبر يوم أشركها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان فيها زرع ونخل فكان يقسم لنسائه كلّ سنة لكلّ واحدة منهنّ مائة وسق تمر ، وعشرين وسق شعير لكلّ امرأة.

رواه الذّهليّ ، عن عبد الرزّاق ، فأسقط منه : ابن عمر.

وقال ابن وهب ، وقال يحيى بن أيوب : حدّثني إبراهيم بن سعد ، عن كثير مولى بني مخزوم ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قسم لمائتي فرس يوم خيبر سهمين سهمين.

قال ابن وهب ، وقال لي يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن سعيد ، وصالح بن كيسان مثل ذلك.

وقال ابن عيينة : نا يحيى بن سعيد ، عن صالح بن كيسان قال : كانوا يوم خيبر ألفا وأربعمائة ، وكانت الخيل مائتي فرس (٣).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، أخبرني الزّهري ، عن سعيد بن

__________________

(١) قال البلاذري من رواية بشير بن يسار ٢٨ : «فدفعها» الى اليهود يعملونها. على نصف ما خرج منها» وانظر : سنن أبي داود ٣ / ١٦٠ رقم (٣٠١٤) كتاب الخراج والإمارة والفيء.

(٢) في دلائل النبوّة.

(٣) عيون الأثر ٢ / ١٣٩.

٤٢٧

المسيّب ، عن جبير بن مطعم قال : لما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطّلب ، مشيت أنا وعثمان فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الّذي جعلك الله به منهم. أرأيت إخواننا من بني المطّلب أعطيتهم وتركتنا ، وإنّما نحن وهم بمنزلة واحدة منك. فقال : إنّهم : لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام ، وإنّما بنو هاشم وبنو المطّلب شيء واحد ، ثم شبك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه إحداهما في الأخرى.

استشهد به خ (١).

وقال شعبة ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن مغفل قال : دلّي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته ، وقلت : هذا لا أعطي أحدا منه شيئا. فالتفتّ فإذا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتبسّم ، فاستحييت منه. متّفق عليه (٢).

وقال أبو معاوية : نا أبو إسحاق الشيبانيّ ، عن محمد بن أبي مجالد ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قلت أكنتم تخمّسون الطعام في عهد رسول [٧١ ب] الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف. أخرجه أبو داود (٣).

وقال أبو معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النّهدي ـ أو عن أبي قلابة ـ قال : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر قدم والثمرة خضرة ، فأشرع

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٥ / ٧٩).

(٢) صحيح البخاري : كتاب فرض الخمس ، باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب ، وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٣ / ٧٨. وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب أخذ الطعام من أرض العدو.

(٣) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في النّهي عن النّهي إذا كان في الطعام قلّة في أرض العدو (٢ / ٦٠).

٤٢٨

النّاس فيها فحمّوا ، فشكوا ذلك إليه فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشّنان (١) ، ثم يحدرون (٢) عليهم بين أذاني الفجر ، ويذكرون اسم الله عليه ، قال : ففعلوا فكأنّما نشطوا من عقل.

وقال بشر بن المفضّل ، عن محمد بن زيد ، حدّثني عمير مولى آبي اللّحم ، قال : شهدت خيبر ، مع سادتي ، فكلّموا فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بي فقلّدت سيفا ، فإذا أنا أجرّه ، فأخبر أنّي مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثى المتاع ، أي رديئه. أخرجه أبو داود (٣).

* * *

ذكر من استشهد على خيبر

على ما ذكر ابن إسحاق (٤) ، قال :

من حلفاء بني أميّة : ربيعة بن أكثم. وثقف (٥) بن عمرو. ورفاعة ابن مسروح.

ومن بني أسد بن عبد العزّى. عبد الله بن الهبيب (٦).

ومن الأنصار.

فضيل بن النّعمان السّلمي ، ومسعود بن سعد الزّرقيّ. وأبو الضّيّاح (٧)

__________________

(١) قرس الماء تقريسا : بردّه : والشّنان : الأسقية.

(٢) الحدر : الإسراع.

(٣) سنن أبي داود : كتاب الجهاد باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة (٢ / ٦٧).

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٩.

(٥) في سيرة ابن هشام ٤ / ٤٩ «ثقيف» ، والمثبت عن : المغازي لعروة ١٩٩ ، وطبقات ابن سعد ٣٩٨ / ٩٨ وتاريخ خليفة ٨٣ ، وحلية الأولياء ١ / ٣٥٢ والإصابة ١ / ٢٠٢ رقم ٩٦٠.

(٦) قال ابن هشام : بضم الهاء ويقال بفتحها.

(٧) هو : أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف (السيرة ٤ / ٤٩) وقال في المغازي لعروة ١٩٩ «أبو الصباح أو أبو ضياح».

٤٢٩

ابن ثابت ، أحد بني عمرو بن عوف. والحارث بن حاطب ، وعروة بن مرّة (١). وأوس بن القائد (٢). وأنيف بن حبيب. وثابت بن أثلة (٣). وطلحة (٤). وعمارة بن عقبة الغفاريّ.

وقد تقدّم : عامر بن الأكوع ، ومحمود بن سلمة. والأسود الراعي.

وزاد عبد الملك بن هشام (٥) ، فقال : مسعود بن ربيعة ، حليف بني زهرة وأوس بن قتادة الأنصاريّ.

وزاد بعضهم فقال : ومبشّر بن عبد المنذر ، وأبو سفيان بن الحارث (٦) وليس بالهاشميّ.

* * *

قدوم جعفر بن أبي طالب ومن معه

خ ، م (٧) قالا : ثنا أبو كريب ، ثنا أبو أسامة ، حدّثني بريد عن (٨) أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري قال :

__________________

(١) في السيرة «عروة بن سراقة» وهو : عروة بن مرة بن سراقة. كما في الإصابة ٢ / ٤٧٧.

(٢) في الأصل : القائف ، تصحيف. وقد اختلف في اسم أبيه فقيل الفائد والفاتك والفاكه. انظر ترجمته في أسد الغابة (١ / ١٧٤) والإصابة (١ / ٨٦).

(٣) في الأصل : أيلة. والتصحيح من ترجمته في أسد الغابة (١ / ٢٦٥). والإصابة (١ / ١٩٠) وسيرة ابن هشام ٤ / ٤٩.

(٤) ورد في أسد الغابة والإصابة غير منسوب. وفي شرح أبي ذرّ أنه «طلحة بن يحيى بن مليل بن ضمرة».

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٩.

(٦) تاريخ خليفة ٨٤.

(٧) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. ٥ / ٧٩ ـ ٨١ وصحيح مسلم (٢٥٠٢) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل جعفر بن أبي طالب إلخ.

(٨) في الأصل (بن). خطأ تصحيحه من الصحيحين وتهذيب التهذيب. وهو بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ١ / ٤٣١ رقم ٧٩٥ أما أبو بردة الّذي يروي عنه فهو عمرو بن يزيد التميمي الكوفي (التهذيب ٨ / ١١٩ رقم ٢٠٠).

٤٣٠

بلغنا مخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه ، أنا وأخوان لي أنا أصغرهم ، أحدهما أبو رهم ، والآخر أبو بردة ، إمّا قال : بضع ، وإمّا قال : في ثلاثة ، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي. فركبنا سفينة ، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة. فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده. فقال جعفر. إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثنا وأمرنا ، يعني بالإقامة ، فأقيموا معنا ، فأقمنا معه ، حتى قدمنا جميعا ، فوافقنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فتح خيبر. فأسهم لنا ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلّا لمن شهد معه ، إلّا أصحاب سفينتنا ، مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معهم.

قال : فكان أناس من النّاس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة.

قال : ودخلت أسماء بنت عميس ، وهي ممّن قدم معنا ، على حفصة زوج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زائرة [٧٢ أ] وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ. فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس. قال عمر : الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء : نعم. فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، نحن أحقّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فغضبت ، فقالت كلمة : [كذبت] (١) يا عمر! كلّا والله ، كنتم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنّا في دار ـ أو أرض ـ البعداء ، أو البغضاء ، بالحبشة ، وذلك في الله تعالى وفي رسوله. وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونحن كنّا نؤذى ونخاف وسأذكر له ذلك وأسأله. فلما جاء قالت : يا نبيّ الله ، إنّ عمر قال كذا وكذا. قال : «ليس بأحقّ بي منكم ، له ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم ـ أهل السفينة ـ هجرتان». قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا ، يسألوني عن هذا الحديث. ما من الدنيا شيء هم به

__________________

(١) سقطت من الأصل ، ع : وزدناها من صحيح مسلم.

٤٣١

أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو بردة : قالت أسماء : فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي. وقال : لكم الهجرة مرّتين ، هاجرتم إلى النّجاشيّ وهاجرتم إليّ (١).

وقال أجلح بن عبد الله ، عن الشّعبي قال : لما قدم جعفر من الحبشة تلقّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقبّل جبهته ، ثم قال : «والله ما أرى (٢) بأيّهما أفرح ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر (٣) وبعضهم يقول : عن أجلح ، عن الشّعبي عن جابر.

وقال ابن عيينة : ثنا الزّهري ، أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشيّ [يحدّث] (٤) عن أبي هريرة ، قال : قدمت المدينة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخيبر حين افتتحها ، فسألته عن أن يسهم لي. فتكلّم بعض ولد سعيد بن العاص فقال : لا نسهم له يا رسول الله. فقلت : هذا قاتل ابن قوقل (٥). فقال ، أظنّه ابن سعيد بن العاص : يا عجبي لوبر قد تدلّى علينا من قدوم ضالّ (٦) يعيّرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يدي ، ولم يهنّي على يديه.

لفظ د (٧) ، وأخرجه البخاري ، لكن قال : من قدوم ضأن (٨).

وقال إسماعيل بن عيّاش ، عن الزّبيدي ، عن الزّهري ، أخبرني عنبسة

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ٤ / ٢٠٥ ، ٢٠٦.

(٢) في سيرة ابن هشام ٤ / ٥٢ «ما أدري».

(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ / ١٠٠ والحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢١١ من غير هذا الطريق وبلفظ مختلف.

(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع وسنن أبي داود.

(٥) هو النعمان بن قوقل الأنصاري الصحابي ، قتله أبان يوم أحد. (الإصابة ٣ / ٥٦٤ رقم ٨٧٥٥).

(٦) في صحيح البخاري ٥ / ٨٢ قال أبو عبد الله الضالّ السّدر.

(٧) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له (٢ / ٦٧).

(٨) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٥ / ٨٢).

٤٣٢

ابن سعيد ، أنّه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبان على سرية قبل نجد ، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخيبر بعد فتحها ، وإنّ حزم خيلهم لليف ، فقلت : يا رسول الله لا تقسم لهم. فقال أبان : أنت بهذا يا وبر تحدّر من رأس ضالّ (١). فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أبان ، اجلس ، فلم يقسم لهم.

علّقه البخاريّ في صحيحه ، فقال : ويذكر عن الزّبيدي (٢).

وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب [٧٢ ب] قال : كانت بنو فزارة ممّن قدم أهل خيبر ليعينوهم. فراسلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يعينوهم ، وسألهم أن يخرجوا عنهم ، ولكم من خيبر كذا وكذا. فأبوا عليه. فلما فتح الله خيبر ، أتاه من كان هنالك من بني فزارة ، قالوا : [أعطنا] (٣) حظّنا الّذي وعدتنا. فقال : «حظّكم» ، أو قال لكم ذو الرقيبة ـ جبل من جبال خيبر ـ قالوا : إذا نقاتلك. فقال : «موعدكم جنفاء». فلما سمعوا ذلك هربوا. جنفاء ماء من مياه بني فزارة.

وقال خ (٤) ، ثنا مكّي بن إبراهيم ، نا يزيد بن أبي عبيد قال : رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت : يا أبا مسلم ، ما هذه الضربة؟ فقال : هذه ضربة أصابتني يوم خيبر ، فقال النّاس : أصيب سلمة ، فأتيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات ، فما اشتكيتها حتى السّاعة.

__________________

(١) ويروى : من رأس ضأن كما تقدّم ، والضأن : قيل هو جبل بهذا الاسم ، وقيل هو الغنم. كأنّه يعرّض بأبي هريرة لقوله : لا تقسم لهم.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٥ / ٨٢).

(٣) في الأصل : أحظنا. والتصحيح من معجم البلدان (جنفاء) وقد أورد الحديث بتمامه من رواية موسى بن عقبة التي هنا. وجنفاء : موضع في بلاد بني فزارة ، وموضع بين خيبر وفيد ، ذكرهما ياقوت ٢ / ١٧٢ ونسب إليه السمهوري (٢ / ٢٨٣) قوله عن الموضع الثاني أنه هو الّذي وقع ذكره في غزوة خيبر. وليس في المطبوع ما يشير إلى ذلك.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. (٥ / ٧٥ ، ٧٦) وعيون الأثر ٢ / ١٤٢.

٤٣٣

وقال عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التقى هو والمشركون في بعض مغازيه ، فاقتتلوا. فمال كلّ فريق (١) إلى عسكرهم ، وفي المسلمين رجل لا يدع للمشركين شاذّة ولا فاذّة (٢) إلّا أتّبعها يضربها بسيفه (٣). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما إنّه من أهل النار». فقالوا :

أيّنا من أهل الجنّة إن كان من أهل النار؟ فقال رجل : والله لا يموت على هذه الحال أبدا ، فاتّبعه حتى جرح ، فاشتدّت جراحته واستعجل الموت ، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فجاء الرجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أشهد إنّك لرسول الله ، قال : «وما ذاك»؟ فأخبره. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنّة فيما يبدو للنّاس وإنّه من أهل النار ، وإنه ليعمل بعمل أهل النّار فيما يبدو للنّاس وإنّه لمن أهل الجنّة».

متّفق عليه (٤).

وأخرج البخاري (٥) من حديث شعيب (٦) بن أبي حمزة ، عن الزّهري ، عن ابن المسيّب ، عن أبي هريرة قال : شهدنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر ، فقال لرجل ، يعني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ هذا من أهل النار. فلما حضر القتال قاتل الرجل. فذكر نحو حديث سهل بن سعد.

__________________

(١) في صحيح البخاري «قوم» بدل «فريق».

(٢) الشاذ : هو الّذي يكون مع الجماعة ثم يفارقهم. والفاذّ هو الّذي لم يكن قط قد اختلط بهم والتأنيث فيهما باعتبار النفس والتاء للوحدة (شرح الكرماني).

(٣) في صحيح البخاري زيادة : «فقيل يا رسول الله ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان».

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٧٦ وصحيح مسلم (١١٢) كتاب الإيمان ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه إلخ.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. (٥ / ٧٤ ، ٧٥).

(٦) في الأصل : سعيد ، تحريف تصويبه من صحيح البخاري ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (٤ / ٣٥١).

٤٣٤

وقال يحيى القطّان وغيره ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى ابن حبّان ، عن أبي عمرة ، عن زيد بن خالد الجهنيّ أنّ رجلا توفّي يوم خيبر ، فذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : صلّوا على صاحبكم. فتغيّرت وجوههم : فقال : إنّ صاحبكم غلّ في سبيل الله. ففتّشنا متاعه ، فوجدنا خرزا من خرز اليهود يساوي درهمين.

شأن الشّاة المسمومة

وقال ليث بن سعد ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاة فيها سمّ. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أجمعوا من كان هاهنا من اليهود». فجمعوا [٧٣ أ] له ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّي سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه»؟ قالوا : نعم ، يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أبوكم»؟ قالوا : أبونا فلان. قال : «كذبتم ، بل أبوكم فلان» ، قالوا : صدقت وبرزت. قال لهم : «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه»؟ قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في آبائنا (١) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من أهل النّار»؟ فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اخسئوا فيها ، فو الله لا نخلفنّكم فيها أبدا» ، ثم قال : «هل أنتم صادقيّ (في شيء إن سألتكم عنه)»؟ قالوا : نعم. قال : «أجعلتم في هذه الشاة سمّا»؟ قالوا : نعم ، قال : «فما حملكم على ذلك»؟ قالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيّا لم يضرّك. أخرجه خ (٢).

__________________

(١) عند ابن سعد ٢ / ١١٥ «أبينا».

(٢) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم ٤ / ٦٦. وكتاب الطب ، باب ما يذكر في سمّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (٧ / ٣٢) وانظر البداية والنهاية ٤ / ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، والطبقات الكبرى ٢ / ١١٥ ، ١١٦.

٤٣٥

وقال خالد بن الحارث : ثنا شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس أنّ يهوديّة أتت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشاة مسمومة ، فأكل منها ، فجيء بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألها عن ذلك ، قالت : أردت لأقتلك. فقال : «ما كان الله ليسلّطك على ذلك». أو قال : «عليّ» ، قالوا :. لا نقتلها. قال : «لا». فما زلت ، أعرفها في لهوات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

متّفق عليه من حديث خالد (١).

وقال عبّاد بن العوّام ، عن سفيان بن حسين ، عن الزّهري ، عن أبي سلمة وابن المسيّب ، عن أبي هريرة ، أنّ امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاة مسمومة ، فقال : «أمسكوا فإنّها مسمومة» ، قال : «وما حملك على ما صنعت»؟ قالت : أردت أن أعلم إن كنت نبيّا فسيطلعك الله ، وإن كنت كاذبا أريح النّاس منك قال : فما عرض لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢). وروي عن جابر نحوه.

وقال معمر ، عن الزّهري ، عن عبد الرحمن بن كعب ، أنّ يهوديّة أهدت إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاة مصلّية (٣) بخيبر ، فأكل وأكلوا ، ثم قال : «أمسكوا». وقال لها : «هل سمّيت هذه الشاة»؟ قالت : من أخبرك؟ قال : «هذا العظم». قالت : نعم. فاحتجم على الكاهل ، وأمر أصحابه فاحتجموا ، فمات بعضهم.

قال الزّهري : فأسلمت ، وتركها (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الهبة ، باب قبول الهدية من المشركين. ٣ / ١٤١ وصحيح مسلم (٢١٩٠). كتاب السلام ، باب السم. البداية والنهاية ٤ / ٢٠٩.

(٢) البداية والنهاية ٤ / ٢٠٩ وقال : رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن سعيد بن سليمان به.

وانظر الطبقات الكبرى ٢ / ٢٠٠.

(٣) مصلية : مشويّة ، من الصّلي وهو الشّيّ.

(٤) البداية والنهاية ٤ / ٢١٠.

٤٣٦

وقال أبو داود في سننه : ثنا سليمان المهدي ، نا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : كان جابر يحدّث أنّ يهوديّة سمّت شاة أهدتها للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. الحديث (١).

وقال خالد الطّحاوي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدت له يهوديّة بخيبر شاة ، نحو حديث جابر. قال : فمات بشر بن البراء بن معرور ، وأمر بها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقتلت (٢).

ويحتمل [٧٣ ب] أنه لم يقتلها أولا ، ثم لما مات بشر قتلها (٣).

وبشر (٤) شهد العقبة وبدرا ، وأبوه قائد النّقباء ليلة العقبة. وهو الّذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا بني سلمة ، من سيّدكم»؟ قالوا : الجدّ بن قيس ، على بخل فيه. فقال : «وأيّ داء أدوى من البخل؟ بل سيّدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء» (٥).

وقال موسى بن عقبة ، وابن شهاب ، وعروة ، واللّفظ لموسى قالوا : لما فتحت خيبر أهدت زينب بنت الحارث اليهودية ـ وهي ابنة أخي مرحب ـ لصفيّة شاة مصلّية وسمّتها وأكثرت في الذّراع ، لأنّه بلغها أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبّ الذراع. وذكر الحديث (٦).

__________________

(١) سنن أبي داود : كتاب الديات ، باب فيمن سقى رجلا سما أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ (٢ / ٤٨٢).

(٢) انظر الطبقات الكبرى ٢ / ٢٠٠.

(٣) البداية والنهاية ٤ / ٢٠٨.

(٤) تاريخ خليفة ٨٤.

(٥) الطبقات الكبرى ٣ / ٥٧١ ، عيون التواريخ ١ / ٢٧٤.

(٦) انظر المغازي لعروة ١٩٨.

٤٣٧

[حديث الحجّاج بن علاط السّلمي] (١)

وعن عروة ، وموسى بن عقبة قالا : كان بين قريش حين سمعوا بمخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تراهن وتبايع ، منهم من يقول : يظهر محمد ومنهم من يقول : يظهر الحليفان ويهود خيبر. وكان الحجّاج بن علاط السّلمي البهزي (٢) قد أسلم وشهد فتح خيبر ، وكانت تحته أمّ شيبة العبدرية ، وكان الحجّاج ذا مال ، وله معادن من أرض بني سليم. فلما ظهر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على خيبر ، قال الحجّاج : يا رسول الله ، إنّ لي ذهبا عند امرأتي ، وإن تعلم هي وأهلها بإسلامي فلا مال لي ، فائذن لي فأسرع السير ولا يسبق الخبر.

وقال محمد بن ثور ـ واللّفظ له ـ وعبد الرزّاق ، عن معمر ، سمعت ثابتا البنانيّ ، عن أنس ، قال : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر ، قال الحجّاج ابن علاط : يا رسول الله ، إنّ لي بمكة مالا ، وإنّ لي بها أهلا أريد إتيانهم ، فأنا في حل إن أنا قلت منك وقلت شيئا؟ فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال لامرأته ، وقال لها : أخفي عليّ واجمعي ما كان عندك لي ، فإنّي أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه ، فإنّهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم. ففشا ذلك بمكة ، واشتدّ على المسلمين وبلغ منهم. وأظهر المشركون فرحا وسرورا. فبلغ العباس الخبر فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم.

قال معمر : فأخبرني عثمان الجزري ، عن مقسم قال : فأخذ العبّاس ابنا له يقال له قثم واستلقى ووضعه على صدره وهو يقول :

حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم

فتى ذي النعم برغم من رغم (٣)

 __________________

(١) العنوان عن سيرة ابن هشام ٤ / ٤٦.

(٢) البهزي : بفتح الباء الموحّدة وسكون الهاء وبعدها زاي. نسبة إلى بهز بن امرئ القيس. (اللباب ١ / ١٩٢) وانظر ترجمته في الإصابة ١ / ٣١٣ رقم ١٦٢٢ وأسد الغابة ١ / ٣٨١.

(٣) انظر هذا القول على اختلاف في اللفظ في : المعرفة والتاريخ والبداية والنهاية ٤ / ٢١٦ والطبقات الكبرى ٤ / ١٧.

٤٣٨

قال معمر في حديث أنس : فأرسل العبّاس غلاما له إلى الحجّاج ، أن : ويلك ، ما جئت به وما تقول؟ والّذي وعد الله خير مما جئت به. قال الحجّاج : يا غلام ، أقرئ أبا الفضل السّلام ، وقل له فليخل لي في بعض بيوته فآتيه ، فإنّ الأمر على ما يسرّه. فلما بلغ العبد باب الدار ، قال : أبشر يا أبا الفضل. فوثب العبّاس فرحا حتى قبّل ما بين عينيه وأعتقه ، ثم جاء الحجّاج فأخبره بافتتاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر ، وغنم أموالهم ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اصطفى صفيّة ، ولكن جئت لمالي ، وأنّي استأذنت [٧٤ أ] النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأذن لي ، فأخف عليّ يا أبا الفضل ثلاثا ، ثم اذكر ما شئت. قال : وجمعت له امرأته متاعه ، ثم استمرّ ، فلما كان بعد ثلاث ، أتى العبّاس امرأة الحجّاج فقال : ما فعل زوجك؟ قالت : ذهب ، لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شقّ علينا الّذي بلغك. فقال : أجل ، لا يحزنني الله ، ولم يكن بحمد الله إلّا ما أحبّ ، فتح الله على رسوله ، وجرت سهام الله في خيبر ، واصطفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صفيّة لنفسه ، فإن كان لك في زوجك حاجة فالحقي به. قالت : أظنّك والله صادقا. ثم أتى مجالس قريش وحدّثهم. فردّ الله ما كان بالمسلمين من كآبة وجزع على المشركين (١).

* * *

__________________

(١) الحديث بكاملة في المعرفة والتاريخ ١ / ٥٠٧ ـ ٥٠٩ ورواه أحمد في مسندة ٣ / ١٣٨ ، وأبو يعلى ، والبزار ١٦٥ ، ١٦٦ ، وعبد الرزاق في المصنف ١٩٧٧١ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٤٦ ، ٤٧ وتاريخ الطبري ٣ / ١٧ ـ ١٩ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ٤ / ١٧ ، ١٨ ، والمعجم الكبير للطبراني ٣ / ٢٤٧ ـ ٢٤٩ رقم ٣١٩٦ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٧ ، ونهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٦٦ ـ ٢٦٨ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٧ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٥٥ : ورجال أحمد رجال الصحيح.

٤٣٩
٤٤٠