تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

وقال ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بالزّوراء (١) [مع أصحابه] (٢) يتوضّئون. فوضع كفّه في الماء ، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه حتى توضّئوا. فقلنا لأنس : كم كنتم؟ قال : زهاء ثلاث مائة.

أخرجه مسلم (٣) ، والبخاري أيضا بمعناه (٤) ، والزّوراء بالمدينة عند السوق والمسجد.

وقال أبو عبيد الرحمن المقري : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، حدّثني زياد ابن نعيم الحضرميّ ، سمعت زياد بن الحارث الصّدائي (٥) قال : بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر حديثا فذكر حديثا طويلا منه : فوضع كفّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الماء فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور. فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو لا أن استحيي من ربّي لسقينا واستقينا. عبد الرحمن ضعيف (٦).

وهذه الأحاديث تدلّ على البركة في الماء غير مرّة.

وقال إسرائيل : عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله

__________________

(١) الزوراء : موضع عند سوق المدينة قرب المسجد (معجم البلدان ٢ / ١٥٦).

(٢) زيادة يقتضيها السياق ، ونص عبارة صحيح مسلم : «أنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بالزّوراء».

(٣) صحيح مسلم (٢٢٧٩) كتاب الفضائل ، باب في معجزات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المناقب ، باب علامات النّبوّة في الإسلام.

(٥) الصّدائي : بضم الصاد وفتح الدال المهملتين. نسبة إلى صدا ، وهو من مذحج ، وهي قبيلة من اليمن. اللباب ٢ / ٢٣٦.

(٦) يعني عبد الرحمن بن زياد الوارد في السند. وهو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي القاضي. قال عنه ابن حجر : «الحقّ فيه أنّه ضعيف لكثرة روايته المنكرات وهو أمر يعتري الصالحين» (تهذيب التهذيب ٦ / ١٧٣) ، وانظر المغني في الضعفاء للذهبي حيث قال عنه : «مشهور جليل» (٢ / ٢٨٠) والضعفاء الكبير للعقيليّ ٢ / ٣٣٢ رقم ٩٢٧ ، وأحوال الرجال للجوزجانيّ ١٥٣ رقم ٢٧٠ ، والضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١١٩ رقم ٣٣٧.

٣٨١

قال : كنّا نأكل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام.

وأتي بإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال : حيّ على الطّهور المبارك والبركة من الله. حتى توضّأنا كلّنا. أخرجه البخاري (١).

وقال أبو كدينة ، عن عطاء بن السّائب ، عن أبي الضّحى ، [عن ابن عبّاس] (٢) قال : أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإناء من ماء ، فجعل أصابعه في فم الإناء وفتح أصابعه ، فرأيت العيون تنبع من بين أصابعه. وذكر الحديث. إسناده جيّد.

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود قال : قال عروة (٣) في نزوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية : فزعت قريش لنزوله عليهم ، فأحبّ أن يبعث إليهم رجلا. فدعا عمر ليبعثه فقال : إنّي لا آمنهم ، وليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي ، فأرسل عثمان فإنّ عشيرته بها. فدعا عثمان فأرسله وقال : أخبرهم أنّا لم نأت لقتال ، وادعهم إلى الإسلام. وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشّرهم بالفتح. فانطلق عثمان فمرّ على قريش ببلدح. فقالت قريش : إلى أين؟ فقال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليكم لأدعوكم إلى الإسلام ، ويخبركم أنّا لم نأت لقتال وإنّما جئنا عمارا. فدعاهم عثمان كما أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالوا : قد سمعنا ما تقول فأنفذ لحاجتك. وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحّب بن وأسرج فرسه ، فحمل عليه عثمان فأجاره ، وردفه أبان حتى جاء مكة. ثم إنّ قريشا بعثوا بديل بن ورقاء ، فذكر الحديث والصّلح. وذكر أنّهم أمن بعضهم بعضا وتزاوروا. فبينا هم كذلك ، وطوائف من المسلمين في المشركين ، إذ رمى رجل رجلا

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المناقب ، باب علامات النّبوّة في الإسلام.

(٢) زيادة من ع.

(٣) المغازي ١٩٢ ، ١٩٣.

٣٨٢

من الفريق [٦٢ أ] الآخر. فكانت معاركة ، وتراموا بالنّبل والحجارة. وصاح الفريقان وارتهن كلّ واحد من الفريقين من فيهم ، فارتهن المسلمون سهيل بن عمرو وغيره ، وارتهن المشركون عثمان وغيره (١).

ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البيعة. ونادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا أنّ القدس قد نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر بالبيعة ، فاخرجوا على اسم الله فبايعوا. فثار المسلمون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفرّوا أبدا (٢).

فذكر القصّة بطولها ، وفيها : فقال المسلمون وهم بالحديبية قبل أن يرجع عثمان بن عفان : خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أظنّه طاف بالبيت ونحن محصورون». قالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص؟ قال : «ذلك ظنّي به أن لا يطوف بالكعبة حتى يطوف معنا». فرجع إليهم عثمان ، فقال المسلمون : اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت؟ فقال : بئس ما ظننتم بي ، فو الّذي نفسي بيده لو مكثت بها مقيما سنة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقيم بالحديبية ما طفت بها حتى يطوف بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولقد دعتني قريش إلى الطّواف بالبيت فأبيت.

وقال البكّائيّ ، عن ابن إسحاق (٣) : فحدّثني عبد الله بن أبي بكر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حين بلغه أنّ عثمان قد قتل : لا نبرح حتى نناجز القوم. فدعا النّاس إلى البيعة. فكانت بيعة الرّضوان تحت الشجرة. فكان النّاس يقولون : بايعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت ، وكان جابر يقول : لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفرّ.

__________________

(١) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٧.

(٢) السيرة ٤ / ٢٨.

(٣) السيرة ٤ / ٢٨.

٣٨٣

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) : حدّثني بعض آل عثمان أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال : هذه لي وهذه لعثمان إن كان حيّا : ثم بلغهم أنّ ذلك باطل ، ورجع عثمان : ولم يتخلّف عن بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد إلّا الجدّ بن قيس أخو بني سلمة. قال جابر : والله لكأنّي انظر إليه لاصقا بإبط ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد ضبّأ (٢) إليها يستتر بها من النّاس.

وقال الحسن بن بشر البجلي : ثنا الحكم بن عبد الملك ـ وليس بالقويّ قاله النّسائيّ (٣) ـ عن قتادة ، عن أنس قال : لما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان قد بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة. فبايع النّاس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ عثمان في حاجة الله ورسوله. فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم.

وقال ابن عيينة : ثنا الزّبير ، سمع جابرا [٦٢ ب] يقول : لما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس إلى البيعة وجدنا رجلا منّا يقال له الجدّ بن قيس مختبئا تحت إبط بعير. أخرجه مسلم من حديث ابن جريج ، عن أبي الزّبير ، وبه : قال لم نبايع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت ، ولكن بايعناه على أن لا نفرّ. أخرجه مسلم عن أبي شيبة ، عن ابن عيينة (٤). وأخرجه من حديث اللّيث ، عن أبي الزّبير ، وقال : فبايعناه وعمر رضي‌الله‌عنه آخذ بيده تحت الشجرة ، وهي سمرة (٥).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٨ وانظر نهاية الأرب ١٧ / ٢٢٧.

(٢) ضبأ : لجأ واختبأ (تاج العروس ١ / ٣٥١).

(٣) الضعفاء والمتروكين ٣٨٨ رقم ١٢٣ وانظر الضعفاء الكبير للعقيليّ ١ / ٢٥٧ رقم ٣١٤ ، وميزان الاعتدال ١ / ٥٧٦ رقم ٢١٨٧ ، والمغني في الضعفاء ١ / ١٨٤ رقم ١٦٦٤.

(٤) صحيح مسلم (١٨٥٦) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.

(٥) صحيح مسلم (١٨٥٦) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.

٣٨٤

وقال خالد الحذّاء ، عن الحكم بن عبد الله الأعرج ، عن معقل بن يسار قال : لقد رأيتني يوم الشجرة والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبايع النّاس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ، ونحن أربع عشرة مائة. ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفرّ. أخرجه مسلم (١).

وقال ابن عيينة : ثنا ابن أبي خالد ، عن الشّعبيّ قال : لما دعا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس إلى البيعة كان أوّل من انتهى إليه أبو سنان الأسدي فقال : أبسط يدك أبايعك. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علام تبايعني؟ قال : [على] (٢) ما في نفسك.

وقال مكّي بن إبراهيم ، وأبو عاصم ـ واللّفظ له ـ عن زيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع قال : بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة ، ثم عدلت إلى ظلّ شجرة. فلما خفّ النّاس قال : يا بن الأكوع ألا تبايع؟ قلت [قد بايعت] (٣) يا رسول الله. قال : وأيضا. فبايعته الثانية. فقلت لسلمة : يا أبا مسلم على أيّ شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال : على الموت. متّفق عليه (٤).

وقال عكرمة بن عمّار ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه فذكر الحديث وقال : ثم إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا إلى البيعة في الأصل الشجرة ، فبايعته أول

__________________

(١) صحيح مسلم (١٨٥٨) كتاب الإمارة وأخرجه النسائي من طريق جابر في كتاب البيعة ، باب البيعة على أن لا نفر. (٧ / ١٤٠ ، ١٤١) وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٠٠.

(٢) ليست في الأصل ، وزدناها من ع.

(٣) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع وصحيح البخاري.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الجهاد ، باب البيعة في الحرب أن لا يفرّوا إلخ. وصحيح مسلم (١٨٦٠) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. وأخرجه النسائي في كتاب البيعة باب البيعة على الموت ٧ / ١٤١.

٣٨٥

النّاس وبايع [وبايع] (١) حتى إذا في وسط النّاس قال : «بايعني يا سلمة». فقلت يا رسول الله قد بايعتك. قال : «وأيضا». قال : ورآني عزلا (٢) فأعطاني حجفة أو درقة (٣). ثم بايع ، حتى إذا كان في آخر النّاس قال : «ألا تبايع»؟ قلت : يا رسول الله قد بايعتك في أول النّاس وأوسطهم. قال : «وأيضا». فبايعت الثالثة. فقال : «يا سلمة أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك»؟ قلت : لقيني عامر فأعطيتها إيّاه (٤). فضحك ثم قال : «إنّك كالذي قال الأول : اللهمّ أبغني حبيبا هو أحبّ إليّ من نفسي». ثم إنّ مشركي مكّة راسلونا بالصّلح حتى مشى بعضنا إلى بعض فاصطلحنا. وكنت خادما لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحسّه (٥) وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله. فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها (٦) فاضطجعت في ظلّها. فأتاني أربعة من أهل مكة ، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأبغضتهم ، فتحوّلت إلى شجرة أخرى ، فعلّقوا سلاحهم واضطجعوا. فبينا هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي : (٦٣ أ) يا للمهاجرين ، قتل ابن زنيم. فاخترطت سيفي فشددت على أولئك الأربعة وهم رقود ، فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا (٧) في يدي ، ثم قلت ، والّذي كرّم وجه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه (٨). ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وجاء

__________________

(١) زيادة من صحيح مسلم لتوضيح المعنى.

(٢) عزلا : أعزل ليس معه سلاح.

(٣) الجحفة والدرقة : شبيهتان بالترس.

(٤) كذا في الأصل و (ع) ، وعبارة مسلم «فأعطيته إياها» ولعلّها أصحّ.

(٥) الحسّ : نفض التراب عن الدّابّة بالمحسّة وهي الفرجون (الفرشاة).

(٦) كسحت شوكها : كنست ما تحتها من الشوك.

(٧) الضغث : الحزمة.

(٨) يريد رأسه.

٣٨٦

عمّي عامر برجل من العبلات (١) يقال له مكرز يقوده [مجفّفا] (٢) حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سبعين من المشركين ، فنظر إليهم. وقال : «دعوهم ، يكون لهم بدء الفجور وثناه» (٣). فعفا عنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنزلت : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) (٤) الآية.

أخرجه مسلم (٥)

وقال حمّاد بن سلمة ، عن أنس ، أنّ رجالا من أهل مكة هبطوا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قبل جبل التنعيم (٦) ليقاتلوه. قال : فأخذهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذا ، فأعتقهم. فأنزل الله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) الآية ، أخرجه مسلم (٧).

وقال الوليد بن مسلم : ثنا عمرو بن محمد العمري ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر أنّ النّاس كانوا مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة ، قد تفرّقوا في ظلال الشجر. فإذا النّاس محدقون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال ـ يعني عمر ـ : يا

__________________

(١) العبلات : بطن من أميّة الصّغرى من قريش ، نسبوا إلى أمّهم عبلة بنت عبيد من بني تميم.

(٢) إضافة من تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٠ والمعنى : لابسا الجفاف ، وهو آلة الحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقي في الحرب.

(٣) في الأصل ، ع : بدؤ الفجور وثناؤه. والتصحيح من صحيح مسلم. والثني : الأمر يعاد مرّتين. وفي بعض الروايات ثنياه. والمقصود أول الأمر وآخره.

(٤) سورة الفتح : من الآية ٢٤.

(٥) صحيح مسلم (١٨٠٧) ، كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة ذي قرد وغيرها ، وتاريخ الطبري ٢ / ٦٢٩ ، ٦٣٠.

(٦) التنعيم : موضع بمكة في الحلّ بين مكة وسرف. سمّي بذلك لأنّ جبلا عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم والوادي نعمان ومنه إحرام المكّيّين بالعمرة (معجم البلدان ٤٧٢).

(٧) صحيح مسلم (١٨٠٨) كتاب الجهاد والسير ، باب قول الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) الآية.

٣٨٧

عبد الله انظر ما شأن النّاس؟ فوجدهم يبايعون ، فبايع ثم رجع إلى عمر ، فخرج فبايع.

أخرجه خ فقال : وقال هشام بن عمّار : ثنا الوليد (١). قلت : ورواه دحيم ، عن الوليد.

قلت : وسمّيت بيعة الرّضوان من قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (٢).

قال أبو عوانة ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيّب قال : كان أبي ممّن بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الشجرة ، قال : فانطلقنا في قابل حاجّين ، فخفي علينا مكانها ، فإن كانت تبيّنت لكم فأنتم أعلم.

متّفق عليه (٣).

وقال ابن جريج : أخبرني أبو الزّبير المكّي أنّه سمع جابرا يقول : أخبرتني أمّ مبشّر أنّها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول عند حفصة : «لا يدخل النّار إن شاء الله من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد». قالت : بلى يا رسول الله ، فانتهرها ، فقالت : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٤) ، فقال : قد

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٦٩ : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ، وقول الله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) إلخ.

(٢) سورة الفتح ، الآية ١٨.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ٦٥ كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة إلخ. وصحيح مسلم (١٨٥٩) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. إلخ. واللفظ له. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٩٩.

(٤) سورة مريم ، من الآية ٧١.

٣٨٨

قال تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (١). أخرجه مسلم (٢).

قرأت على عبد الحافظ بن بدران ، أخبركم موسى بن عبد القادر ، والحسين بن أبي بكر قالا : أنا عبد الأول بن عيسى ، أنا محمد بن أبي مسعود ، نا عبد الرحمن بن أبي شريح ، ثنا أبو القاسم البغوي ، نا العلاء بن موسى إملاء ، سنة سبع وعشرين ومائتين ، أنا اللّيث بن سعد ، عن أبي الزّبير المكّي ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول [٦٣ ب] الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يدخل أحد ممّن بايع تحت الشجرة النّار». أخرجه النّسائيّ (٣).

وقال قتيبة : نا اللّيث ، عن أبي الزّبير ، عن جابر ، أنّ عبدا لحاطب ابن أبي بلتعة جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشكو حاطبا ، قال : يا رسول الله ليدخلنّ حاطب النّار. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذبت لا يدخلها ، فإنّه شهد بدرا والحديبيّة (٤)».

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٥) ، حدّثني الزّهري ، عن عروة ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان في قصّة الحديبيّة ، قالا : فدعت قريش سهيل بن عمرو ، قالوا : اذهب إلى هذا الرجل فصالحه ولا يكوننّ في صلحه إلّا أن يرجع عنّا عامه هذا ، لا تحدّث العرب أنّه دخلها علينا عنوة. فخرج سهيل من عندهم ، فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقبلا قال : «قد أراد القوم

__________________

(١) سورة مريم ، من الآية ٧٢.

(٢) صحيح مسلم (٢٤٩٦) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان. وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١٠٠ ، ١٠١ البداية والنهاية ٤ / ١٧١.

(٣) لم أجده في كتاب البيعة عنده.

(٤) صحيح مسلم (٢٤٩٥) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٨.

٣٨٩

الصّلح حين بعثوا هذا الرجل». فوقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين ، وأن يخلّوا بينه وبين مكة من العام المقبل ، فيقيم بها ثلاثا ، وأنه لا يدخلها إلّا بسلاح الراكب والسيوف في القرب ، وأنّه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليّه لم نردّه عليك ، ومن أتاك منّا بغير إذن وليّه رددته علينا ، وأنّ بيننا وبينك عيبة مكفوفة (١) ، وأنه لا إسلال ولا إغلال. وذكر الحديث.

الإسلال : الخفية ، وقيل الغارة ، وقيل سلّ السيوف (٢) والإغلال : الغارة.

وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لما صالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مشركي مكّة كتب كتابا : «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله». قالوا : لو علمنا أنّك رسول الله لم نقاتلك. قال لعليّ : «امحه». فأبى ، فمحاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده ، وكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. واشترطوا عليه أن يقيموا ثلاثا ، وأن لا يدخلوا مكة بسلاح إلّا جلبّان السلاح ، يعني السيف بقرابة. متّفق عليه (٣).

وقال حمّاد بن سلمة عن ثابت ، عن أنس نحوه أو قريبا منه.

أخرجه مسلم (٤).

__________________

(١) عيبة مكفوفة : أي مشرحة معقودة ، ويكنى بالعيبة عن الصدور والقلوب. يريد أنّ الشرّ بيننا مكفوف كما تكلّف العيبة إذا أشرجت.

(٢) قال السهيليّ : الإسلال : السرقة والخلسة ونحوها ، وهي السلة ، قالوا في المثل : الخلة تدعو إلى السلّة. الروض الأنف ٤ / ٣٦.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الصلح ، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان إلخ. وصحيح مسلم (١٧٨٣). كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة. وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٨ ، ٢٩ ، والطبقات لابن سعد ٢ / ١٠١ و ١٠٣.

(٤) صحيح مسلم (١٧٨٣) ، كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة.

٣٩٠

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (١) ، حدّثني يزيد بن سفيان ، عن محمد بن كعب أنّ كاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان عليّا رضي‌الله‌عنه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اكتب : «هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو». فجعل عليّ يتلكأ ويأبى إلّا أن يكتب : محمد رسول الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتب ، فإنّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد» ، فكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله.

وقال عبد العزيز بن سياه : نا حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل قال : قام سهل (٢) بن حنيف يوم صفّين فقال : أيّها النّاس اتّهموا أنفسكم ، لقد كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة ، ولو نرى قتالا لقاتلنا. فأتى عمر فقال : ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ قال : بلى. قال : (أليس) (٣) قتلانا في الجنة وقتلاهم في النّار؟ قال : بلى. قال : ففيم نعطي [٦٤ أ] الدّنيّة في أنفسنا ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال : يا بن الخطاب ، إنّي رسول الله ولن يضيّعني الله ، فانطلق متغيّظا إلى أبي بكر ، فقال له كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزل القرآن ، فأرسل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عمر فأقرأه إيّاه. فقال : يا رسول الله ، أو فتح هو؟ قال : نعم ، فطابت نفسه ورجع.

متّفق عليه (٤).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٥) ، عن الزّهري ، عن عروة عن

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٨.

(٢) في الأصل ، ع : سهيل. والتصحيح من صحيح مسلم والإصابة وتهذيب التهذيب.

(٣) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع وصحيح مسلم.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الجزية ، باب لم يسم بعد باب إثم من عاهد ثم غدر. وكتاب التفسير ، سورة الفتح. وصحيح مسلم (١٧٨٥) كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٩ نهاية الأرب ١٧ / ٢٣٣.

٣٩١

المسور ، ومروان قالا : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عند أمّ سلمة فلم يكلّم أحدا حتى أتى هديه فنحر وحلق. فلما رأى النّاس ذلك قاموا فنحروا وحلق بعض وقصّر بعض. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهمّ اغفر للمحلّقين. فقيل : يا رسول الله والمقصّرين؟ فقال : اغفر للمحلّقين ، ثلاثا. قيل : يا رسول الله وللمقصّرين؟ قال : وللمقصّرين.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) حدّثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : قيل له لم ظاهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمحلّقين ثلاثا وللمقصّرين واحدة؟ فقال : إنّهم لم يشكّوا (٢).

وقال يونس ـ هو ابن بكير ـ ، عن هشام الدّستوائيّ ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي إبراهيم ، عن أبي سعيد قال : حلق أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة كلّهم غير رجلين ، قصّرا ولم يحلقا.

أبو إبراهيم مجهول.

وقال ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن وهب بن عبد الله بن قارب قال : كنت مع أبي ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يرحم الله المحلّقين. قال رجل : والمقصّرين يا رسول الله؟ فلما كانت الثالثة قال : والمقصّرين.

وقال يحيى بن أبي بكير : ثنا زهير بن محمد ، نا محمد بن عبد الرحمن ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : نحر يوم الحديبيّة سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل ، فلما صدّت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها.

__________________

(١) السيرة ٤ / ٢٩ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ١٠٤.

(٢) أي لم يشكّوا في الفتح.

٣٩٢

ويروى عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدى في عمرة الحديبيّة جملا كان لأبي جهل ، في أنفه (١) برة من ذهب (٢) أهداه ليغيظ به قريشا (٣).

وقال فليح بن سليمان ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج معتمرا ، فحال كفّار قريش بينه وبين البيت. فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية ، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ، ولا يحمل سلاحا عليها إلّا سيوفا ، ولا يقيم بها إلّا ما أحبّوا ، فاعتمر من العام المقبل ، فدخلها كما صالحهم. فلما أن أقام بها ثلاثا ، أمروه أن يخرج فخرج.

أخرجه البخاري (٤).

وقال مالك عن أبي الزّبير ، عن جابر : نحرنا بالحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة. رواه مسلم (٥).

* * *

__________________

(١) عند ابن هشام ٤ / ٢٩ «في رأسه».

(٢) البرة : حلقة تكون في أنف البعير.

(٣) السيرة ٤ / ٢٩.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الصلح ، باب الصلح مع المشركين (٣ / ١٦٩).

(٥) صحيح مسلم (١٣١٨) كتاب الحجّ ، باب الاشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة ، كلّ منهما عن سبعة.

٣٩٣
٣٩٤

نزول سورة الفتح

قال مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يسير في بعض أسفاره ، وعمر معه ليلا. فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، [٦٤ ب] فقال عمر : ثكلتك أمّك ، نزرت (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فحرّكت بعيري حتى تقدّمت أمام النّاس وخشيت أن ينزل فيّ القرآن ، فلم أنشب أن سمعت صارخا يصرخ ، قال : قلت : لقد خشيت أن يكون نزل (٢) فيّ قرآن ، فجئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّمت عليه ، فقال : «لقد أنزلت عليّ اللّيلة سورة هي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس» ، ثم قرأ : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (٣).

أخرجه البخاري (٤).

__________________

(١) النزر : الإلحاح في السؤال. وقول عمر : نزرت رسول الله ، يعني ألححت عليه في المسألة إلحاحا أدّبك بسكوته عن جوابك.

(٢) في الأصل : خشيت أن ينزل في قرآن. وحقّ العبارة مما أثبتناه من ع وصحيح البخاري ، والبداية والنهاية ٤ / ١٧٧.

(٣) سورة الفتح : الآيتان الأولى والثانية.

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٦٦ ، ٦٧ ، كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ، وكتاب التفسير باب

٣٩٥

وقال يونس بن بكير ، عن عبد الرحمن المسعودي ، عن جامع بن شدّاد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، عن أبي مسعود ، قال : لما أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبيّة ، جعلت ناقته تثقل ، فتقدّمنا ، فأنزل عليه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً).

وقال شعبة ، عن قتادة ، عن أنس : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ، قال : فتح الحديبيّة ، فقال رجل : هنيئا مريئا يا رسول الله هذا لك ، فما لنا؟ فأنزلت : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي) (١).

قال شعبة : فقدمت الكوفة فحدّثتهم عن قتادة ، عن أنس ، ثم قدمت البصرة فذكرت ذلك لقتادة فقال : أمّا الأول فعن أنس ، وأمّا الثاني : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ، فعن عكرمة ، أخرجه البخاري (٢).

وقال همّام : ثنا قتادة ، عن أنس ، قال : لما نزلت : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) إلى آخر الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرجعه من الحديبيّة ، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة ، فقال : «نزلت عليّ آيةٌ هي أحبّ إليّ من الدنيا». فلما تلاها قال رجل : قد بيّن الله لك ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزلت التي بعدها : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).

أخرجه مسلم (٣).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، عن الزّهري (٤) ، عن عروة ، عن

__________________

= فضل سورة الفتح. (٦ / ٤٣ ، ٤٤) وانظر نهاية الأرب ١٧ / ٢٣٤.

(١) سورة الفتح : من الآية ٥.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة (٥ / ٦٦).

(٣) صحيح مسلم (١٧٨٦) كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة.

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٨.

٣٩٦

المسور ، ومروان قالا في قصّة الحديبيّة : ثم انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم راجعا. فلما أن كان بين مكة والمدينة نزلت عليه سورة الفتح. فكانت القضيّة في سورة الفتح وما ذكره الله من بيعة الرضوان تحت الشجرة. فلما أمن النّاس وتفاوضوا ، لم يكلّم أحد بالإسلام إلّا دخل فيه. فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان فيه قبل ذلك. وكان صلح الحديبيّة فتحا عظيما.

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود عن عروة ، قالوا : وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبيّة راجعا. فقال رجال من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما هذا بفتح ، لقد صددنا عن البيت وصدّ هدينا ، وعكسف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية وردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين من المسلمين خرجا.

فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قول رجال من أصحابه : إنّ هذا ليس بفتح. فقال : «بئس الكلام ، هذا أعظم الفتح ، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالرّواح عن بلادهم ويسألونكم [٦٥ أ] القضيّة ويرغبون إليكم في الأمان ، وقد رأوا منكم ما كرهوا ، وقد أظفركم الله عليهم وردّكم سالمين غانمين مأجورين ، فهذا أعظم الفتوح. أنسيتم يوم أحد. إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب ، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم»؟ فقال المسلمون : صدق الله ورسوله ، هو أعظم الفتوح والله يا نبيّ الله.

وقال ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : ظهرت الروم على فارس عند مرجع المسلمين من الحديبيّة. وقال مثل ذلك عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.

وكانت بين الروم وبين فارس ملحمة مشهودة نصر الله فيها الروم. ففرح المسلمون بذلك ، لكون أهل الكتاب في الحملة نصروا على المجوس (١)

__________________

(١) انظر نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٣٥.

٣٩٧

وقال مغيرة ، عن الشّعبيّ في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ، قال : فتح الحديبيّة ، وبايعوا بيعة الرضوان ، وأطعموا نخيل خيبر ، وظهرت الروم على فارس. ففرح المسلمون بتصديق كتاب الله ونصر أهل الكتاب على المجوس.

وقال شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١) ، قال : خيبر. (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) (٢) ، قال : فارس والروم.

وقال ورقاء (٣) ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالحديبية أن يدخل مكة هو وأصحابه آمنين محلّقين رءوسهم ومقصّرين ، فقالوا له حين نحر بالحديبية : أين رؤياك يا رسول الله؟ فأنزل الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) إلى قوله (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (٤) يعني النّحر بالحديبية ثم رجعوا ففتحوا خيبر ، فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة.

وقال هشيم (٥) : «أنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، وعكرمة : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) (٦) ، قالا : هوازن يوم حنين رواه سعيد بن منصور في سننه».

__________________

(١) سورة الفتح ، من الآية ١٨.

(٢) سورة الفتح ، من الآية ٢١.

(٣) هو ورقاء بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي. (تهذيب التهذيب ١١ / ١١٣).

(٤) سورة الفتح ، الآية ٢٧.

(٥) هو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطي. (تهذيب التهذيب ١١ / ٥٩).

(٦) سورة الفتح ، من الآية ١٦.

٣٩٨

وقال بندار (١) : ثنا غندر ، (٢) ثنا شعبة ، عن هشيم ، فذكره ، وزاد : هوازن وبنو حنيفة.

وقال عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ، في قوله : (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ، قال : فارس. وقال : (السَّكِينَةَ) هي الرحمة.

وقال أبو حذيفة النّهدي : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الأحوص ، عن عليّ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) قال : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، ثم هي بعد ريح هفافة.

وقال ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : السكينة كهيئة الريح ، لها رأس كرأس الهرّة وجناحان.

وقال المسعوديّ ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس : (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) (٤) ، قال : السريّة ، (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) (٥) ، قال : هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) (٦) ، قال : فتح مكة.

وعن مجاهد : (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) ، قال : الحديبيّة ونحوها رواه [٦٥ ب] شريك ، عن منصور ، عنه.

__________________

(١) هو محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبديّ أبو بكر الحافظ البصري. قيل له بندار لأنه كان بندارا في الحديث جمع حديث بلده. (تهذيب التهذيب ٩ / ٧٠).

(٢) هو محمد بن جعفر الهذلي مولاهم أو عبد الله البصري ، صاحب الكرابيس. مات سنة ٩٣ ه‍ ـ.

(تهذيب التهذيب ٩ / ٩٧).

(٣) سورة الفتح ، من الآية ٤.

(٤) ، (٥) ، (٦) سورة الرعد ، من الآية ٣١.

٣٩٩

وقال اللّيث ، عن عقيل عن ابن شهاب ، أخبرني عروة أنّه سمع مروان بن الحكم ، والمسور يخبران عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما كاتب سهيل بن عمرو ، فذكر الحديث ، وفيه : وكانت أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممّن خرج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ وهي عاتق (١) ، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرجعها إليهم ، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ، اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) (٢).

قال عروة : فأخبرتني عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يمتحنهنّ بهذه الآية : (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) (٣) الآية. قالت : فمن أقرّ بهذا الشرط منهنّ قال لها قد بايعتك ، كلاما يكلّمها به ، والله ما مسّت يده يد امرأة قطّ في المبايعة ، ما بايعني إلّا بقوله. أخرجه البخاري (٤).

وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : ولما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة انفلت من ثقيف أبو بصير (٥) بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين ، فذكر من أمره نحوا مما قدّمنا. وفيه زيادة وهي : فخرج أبو بصير معه خمسة كانوا قدموا (من) (٦) مكة ، ولم ترسل قريش في طلبهم كما أرسلوا في أبي بصير ، حتى كانوا بين العيص وذي المروة من أرض جهينة

__________________

(١) العاتق : الجارية أول ما أدركت أو هي التي لم تتزوج.

(٢) سورة الممتحنة ، من الآية ١٠.

(٣) سورة الممتحنة ، من الآية ١٢.

(٤) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة الممتحنة ٦ / ٦٠ وكتاب الطلاق ، باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذّمّي إلخ ٦ / ١٧٣. وكتاب الأحكام ، باب بيعة النساء (٨ / ١٢٥).

(٥) في المغازي للواقدي ٢ / ٦٢٤ «عتبة بن أسيد بن حارثة حليف بني زهرة».

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.

٤٠٠