تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

سقيهم ، فابعث في أثرهم. فقال : يا بن الأكوع ملكت فأسجع ، إنّ القوم يقرون (١) في قومهم (٢).

* * *

مقتل ابن أبي الحقيق

وهو سلّام بن أبي الحقيق ، وقيل عبد الله بن أبي الحقيق اليهودي ، لعنه الله.

قال البكّائي ، عن ابن إسحاق (٣) : ولما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة ، وكان سلّام بن أبي الحقيق أبو رافع فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف. فاستأذنت الخزرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قتل ابن أبي الحقيق وهو بخيبر ، فأذن لهم.

وحدّثني الزّهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال : كان مما صنع الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنّ هذين الحيّين من الأنصار كانا يتصاولان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئا فيه غناء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي الإسلام. فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها. وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك.

ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا. فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كابن الأشرف ، فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر. فاستأذنوا رسول

__________________

(١) في ع : يعرفون والتصحيح من صحيح البخاري ٥ / ٧١.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب من رأى العدوّ فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع النّاس.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٥.

٣٤١

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأذن لهم. فخرج إليه من الخزرج خمسة من بني سلمة : عبد الله ابن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبد الله بن أنيس ، وأبو قتادة بن ربعي ، وآخر هو أسود بن خزاعيّ (١) ، حليف لهم. فأمر عليهم ابن عتيك ، فخرجوا حتى قدموا خيبر ، فأتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا ، فلم يدعوا بيتا في الدار إلّا أغلقوه على أهله ، ثم قاموا على بابه فاستأذنوا ، فخرجت إليهم امرأته فقالت : من أنتم؟ قالوا : نلتمس الميرة. قالت : ذاكم صاحبكم ، فادخلوا عليه.

قال : فلما دخلنا عليه أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوّفا أن يكون دونه مجاولة (٢) تحول بيننا وبينه. قال : فصاحت امرأته فنوّهت بنا ، وابتدرناه وهو (٣) [٥٣ ب] على فراشه ، والله ما يدلّنا عليه في سواد البيت (٤) إلّا بياضه ، كأنّه قبطيّة (٥) ملقاة. فلما صاحت علينا جعل الرجل منّا يرفع سيفه عليها ثم يذكر نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل النساء ، فيكفّ يده. فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه ، وهو يقول : قطني قطني (٦) ، أي حسبي. قال : وخرجنا ، وكان ابن عتيك سيّئ

__________________

(١) في ع أسد بن خزاعيّ. والتصحيح من الإصابة (١ / ٤٢) وسمّاه ابن إسحاق : خزاعيّ بن الأسود (السيرة ٣ / ٢٩٥).

(٢) المجاولة : الممانعة والمدافعة.

(٣) إلى هنا ينتهي السقط الثاني الّذي أشرنا إليه في نسخة الأصل ، والّذي بدأ في أواخر الكلام عن غزوة الخندق. وقد أشرنا إليه في الهامش هناك.

(٤) في ع والسيرة ٣ / ٢٩٥ : «الليل».

(٥) القبطية : ثياب بيض رقاق من كتّان تتّخذ بمصر تنسب إلى القبط.

(٦) يقال : قطني كذا وقطني من كذا أي حسبي. وقال بعضهم : إنّما هو قطي ودخلت النّون على حال دخولها في قدني. ومن العرب من يقول قطن فلانا أو فلان كذا ، أي يكفيه ، فيزيد نونا على قطّ وينصب بها ويخفض ويضيف إلى نفسه فيقول : قطني. (لسان العرب).

٣٤٢

البصر فوقع من الدرجة ، فوثئت يده وثأ (١) شديدا وحملناه حتى نأتي منهرا (٢) من عيونهم فندخل فيه. فأوقدوا النّيران واشتدّوا في كلّ وجه يطلبوننا (٣) ، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه. فقلنا : كيف لنا بأن نعلم أنّه هلك؟ فقال رجل منّا : أنا أذهب فأنظر لكم. فانطلق حتى دخل في النّاس. قال : فوجدتها وفي يدها المصباح وحوله رجال وهي تنظر في وجهه وتحدّثهم وتقول : أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي فقلت : أنّي ابن عتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ، ثم قالت : فاظ (٤) ، وإله يهود. فما سمعت من كلمة كانت ألذّ إليّ منها. قال : ثم جاء فأخبرنا بالخبر ، فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرناه واختلفنا في قتله ، فكلّنا يدّعيه. فقال : هاتوا أسيافكم. فجئناه بها ، فقال لسيف عبد الله بن أنيس : هذا قتله ، أرى فيه أثر الطّعام والشراب.

وقال زكريّا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع ، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم. أخرجه البخاري (٥).

وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أبي رافع رجالا من الأنصار ، عليهم عبد الله يعني ابن عتيك. وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويعين عليه. وكان في حصن له بأرض الحجاز. فلما دنوا وقد غربت الشمس وراح النّاس بسرحهم ، قال عبد الله لأصحابه :

__________________

(١) الوثء : وصم يصيب اللّحم ولا يبلغ العظم ، أو هو توجّع في العظم بلا كسر. ويقال في الدعاء : اللهمّ ثأ يده. (تاج العروس ١ / ٤٨١).

(٢) المنهر : شقّ في الحصن نافذ يجري منه الماء. (تاج العروس ١٤ / ٣١٦).

(٣) في الأصل «يطلبون» والتصحيح من البداية والنهاية لابن كثير ٤ / ١٣٨.

(٤) في الأصل : فاض. وأثبتنا رواية ع وسيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٦ ، وكلاهما بمعنى مات.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق (٥ / ٢٦).

٣٤٣

اجلسوا مكانكم فإنّي منطلق فمتلطّف للبوّاب لعلّي أدخل. فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنّع بثوبه كأنّه يقضي حاجته. وقد دخل النّاس ، فهتف به البوّاب : يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل لأغلق. فدخلت فكمنت (١) ، فأغلق الباب وعلّق الأقاليد على ودّ (٢) ، فقمت ففتحت الباب.

وكان أبو رافع يسمر عنده وكان في علاليّ (٣). فلمّا أن ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه ، وجعلت كلّما فتحت بابا أغلقه عليّ من داخل ، وقلت : إنّ القوم نذروا بي لم يخلصوا إليّ حتى أقتله. فانتهيت إليه [٥٤ أ] فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله ، لا أدري أين هو من البيت. قلت : يا أبا رافع ، قال : من هذا؟ فأهويت نحو الصّوت فأضربه ضربة بالسيف ، وأنا دهش ، فما أغنى شيئا ، فصاح ، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ، ثم دخلت إليه فقلت : ما هذا الضّرب يا أبا رافع؟ قال : لأمّك الويل ، إنّ رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف. قال : فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله ، ثم وضعت صدر السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعلمت أنّي قد قتلته ، فجعلت أفتح الأبواب بابا فبابا حتى انتهيت إلى درجة ، فوضعت رجلي وأنا أرى أنّي قد انتهيت إلى الأرض ، فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي ، فعصبتها بعمامتي ، ثم انطلقت حتى جلست عند الباب. فقال : لا أبرح الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا. فلما صاح الدّيك قام النّاعي على السّور فقال : أنعي أبا رافع. فانطلقت إلى أصحابي ، فقلت : النّجاء النّجاء ، فقد قتل الله أبا رافع. فانتهينا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحدّثناه فقال : ابسط رجلك. فبسطتها.

__________________

(١) في الأصل : فمكثت. والتصحيح من صحيح البخاري (٥ / ٢٧).

(٢) الأقاليد : جمع إقليد وهو المفتاح وردّ : الصنم المعروف. وفي رواية أخرى للبخاريّ : «علّق الأغاليق على وتد» (٥ / ٢٧).

(٣) علالي : بفتح العين وتخفيف اللام فألف ولام مكسورة ، فياء مشدّدة. جمع علّيّة ، بضم العين وكسر اللام المشدّدة ، أي الغرفة. (انظر شرح المواهب للزرقاني ٢ / ١٦٧).

٣٤٤

فمسحها ، فكأنّما لم أشكها قطّ. أخرجه البخاري (١).

وأخرجه أيضا (٢) من حديث إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن جدّه عن البراء بنحوه. وفيه : ثم انطلقت إلى أبواب بيوتهم فغلّقتها عليهم من ظاهر. وفيه : ثم جئت كأنّي أغيثه وغيّرت صوتي ، وقلت : مالك يا أبا رافع. قال : ألا أعجبك ، دخل عليّ رجل فضربني بالسيف. قال : فعمدت له أيضا فأضربه ضربة أخرى فلم تغن شيئا ، فصاح وقام أهله ، ثم جئت وغيّرت صوتي كهيئة المغيث ، وإذا هو مستلق على ظهره ، فأضع السيف في بطنه ثم أتّكئ عليه حتى سمعت صوت العظم. ثم خرجت دهشا إلى السّلّم ، فسقطت فاختلعت رجلي فعصبتها. ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت : انطلقوا فبشّروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنّي لا أبرح حتى أسمع النّاعية. فلما كان وجه الصّبح صعد النّاعية فقال : أنعي أبا رافع. فقمت أمشي ، ما بي قلبة (٣) ، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبشّرته.

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود ، عن عروة قال : كان سلّام بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب يدعوهم إلى قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويجعل لهم الجعل العظيم. فبعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه جماعة فبيّتوه ليلا.

وقال موسى بن عقبة في مغازيه : فطرقوا أبا رافع اليهوديّ بخيبر فقتلوه في بيته (٤).

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق (٥ / ٢٦ ، ٢٧).

(٢) البخاري ٥ / ٢٧ ، ٢٨.

(٣) القلبة : الدّاء والتعب. والمعنى أنه كان يمشي ولم يكن به ألم.

(٤) راجع البداية والنهاية لابن كثير ٤ / ١٣٩ ، ١٤٠.

٣٤٥

قتل ابن نبيح الهذليّ

[قال] (١) ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود ، عن عروة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن أنيس السّلميّ إلى [خالد بن] (٢) سفيان بن نبيح الهذليّ ثم اللّحياني ليقتله وهو بعرنة وادي مكة (٣).

وقال محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، [٥٤ ب] حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، عن عبد الله بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه قال : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّه بلغني أنّ ابن نبيح الهذليّ يجمع النّاس ليغزوني وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فأقتله. قلت : يا رسول الله انعته لي حتى أعرفه. قال : آية (٤) ما بينك وبينه أنّك إذا رأيته وجدت قشعريرة. فخرجت متوشّحا بسيفي ، حتى دفعت إليه في ظعن يرتاد بهنّ منزلا وقت العصر. فلما رأيته وجدت له ما وصف لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القشعريرة. فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة تشغلني عن الصّلاة ، فصلّيت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي إيماء. فلما انتهيت إليه قال : من الرجل؟ قلت : رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاء لذلك. قال : أجل نحن في ذلك. فمشيت معه حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسّيف فقتلته ، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبّات (٥) عليه.

فلما قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أفلح الوجه. قلت : قد قتلته يا رسول الله. قال : صدقت. ثم قام بي فدخل بيته فأعطاني عصا ، فقال :

__________________

(١) ليست في الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٢) إضافة من سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٧ وسيشير إلى ذلك في آخر الخبر.

(٣) عرنة : قال ياقوت «واد بحذاء عرفات وقيل مسجد عرفة والمسيل كله» بضم العين. (معجم البلدان ٤ / ١١١).

(٤) في الأصل : إنه ، والتصحيح من ابن هشام (٤ / ٢٣٧).

(٥) في السيرة ٤ / ٢٣٨ «منكبات».

٣٤٦

أمسك هذه عندك. فخرجت بها على النّاس. فقالوا : ما هذه العصا؟ فقلت : أعطانيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي. قالوا : أفلا ترجع فتسأله فرجعت فسألته : لم أعطيتنيها يا رسول الله؟ قال : آية بيني وبينك يوم القيامة ، إنّ أقلّ النّاس المتخصّرون يومئذ (١). قال : فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه ، حتى إذا مات أمر بها فضمّت معه في كفنه ، فدفنا جميعا.

رواه عبد الوارث بن سعيد ، عن ابن إسحاق فقال : إلى خالد بن سفيان الهذليّ.

وقال موسى بن عقبة : بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى سفيان بن عبد الله بن أبي نبيح الهذليّ.

* * *

__________________

(١) المستخصرون : الذين يتّخذون المخصرة وهي العصا.

٣٤٧
٣٤٨

غزوة بني المصطلق

وهي غزوة المريسيع

قال ابن إسحاق : غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني المصطلق من خزاعة ، في شعبان سنة ستّ. كذا قال ابن إسحاق (١).

وقال ابن شهاب وعروة : هي في شعبان سنة خمس.

وكذلك يروى عن قتادة.

وقاله أيضا الواقدي (٢) ، فقال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس ، وقدم المدينة لهلال رمضان.

قلت : وفيها حديث الإفك ، وقد تقدّم ذلك في سنة خمس. وهو الصّحيح.

* * *

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٦.

(٢) المغازي ٤٠٤.

٣٤٩

سريّة نجد (١)

قيل إنّها كانت في المحرّم سنة ست

قال اللّيث بن سعد : حدّثني سعيد المقبري أنّه سمع أبا هريرة يقول : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال (٢) سيّد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما عندك؟ قال : عندي [٥٥ أ] يا محمد خير ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى كان من الغد ، فقال : ما عندك يا ثمامة؟ قال : عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسيل تعط منه ما شئت. فقال : أطلقوه. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد ، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله. يا محمد ، والله ما كان على وجه الأرض أبغض إليّ من وجهك ، وقد أصبح وجعك أحبّ الوجوه كلّها إليّ. والله ما كان دين أبغض إليّ من دينك ، فأصبح دينك أحبّ الدّين كلّه إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك ، فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فما ذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمره أن يعتمر. فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت يا ثمامة. قال : لا ، ولكنّي أسلمت ، فو الله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حتى يأذن فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه (٣).

__________________

(١) ذكرها ابن كثير في بداية حوادث سنة ستّ من الهجرة ، وقال هي سرية محمد بن مسلمة قبل نجد (٤ / ١٤٩) وذكرها ابن هشام بعنوان : أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه. (٤ / ٢٤٥) وانظر تاريخ الطبري ٣ / ١٥٦.

(٢) أثال : بضم الهمزة. (الإكمال ١ / ١٧ بالهامش).

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال.

٣٥٠

و (م) أيضا من حديث عبد الحميد بن جعفر عن المقبري ، به (١).

وخالفهما محمد بن إسحاق ، فيما روى يونس بن بكير عنه : حدّثني سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : كان إسلام ثمامة بن أثال أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا الله حين عرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما عرض له وهو مشرك ، فأراد قتله ، فأقبل معتمرا حتى دخل المدينة ، فتحيّر فيها حتى أخذ ، فأتي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر به فربط إلى عمود من عمد المسجد. وفيه : وإن تسأل مالا تعطه.

قال أبو هريرة : فجعلنا [نحن] (٢) المساكين نقول : ما نصنع بدم ثمامة؟ والله لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحبّ إلينا من دمه.

قلت : وهذا يدلّ على أنّ إسلام ثمامة كان بعد إسلام أبي هريرة ، وهو في سنة سبع. فذكر الحديث ، وفيه : فانصرف من مكة إلى اليمامة ، ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش ، فكتبوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي لهم حمل الطعام. وكانت اليمامة ريف مكة. قال : فأذن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

* * *

وفيها : كان من السّرايا ، على ما زعم الواقدي (٤).

__________________

= وصحيح مسلم (١٧٦٤) كتاب الجهاد والسير ، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه. وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٥ ، والإصابة ١ / ٢٠٣ في ترجمة ثمامة.

(١) م : (اختصار مسلم) وقد خرّج الحديث في الباب السابق نفسه.

(٢) سقطت من الأصل ، ع. ولعلّ الوجه ما أثبتناه.

(٣) الإصابة ١ / ٢٠٣.

(٤) المغازي ٢ / ٥٥٠.

٣٥١

سرية عكّاشة بن محصن إلى الغمر

قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ربيع الأول أو الآخر عكّاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى الغمر (١). وفيهم ثابت بن أقرم (٢) وشجاع (٣) بن وهب. فأسرعوا ، ونذر بهم القوم وهربوا. فنزل عكّاشة على مياههم وبعث الطلائع فأصابوا من دلّهم على بعض ماشيتهم ، فوجدوا مائتي بعير ، فساقوها إلى المدينة (٤).

[سريّة أبي عبيدة إلى ذي القصّة] (٥)

قال : وفيها بعث سريّة أبي عبيدة إلى [ذي] (٦) القصّة (٧) ، في أربعين رجلا ، فساروا ليلهم مشاة ووافوا ذا القصّة مع عماية الصّبح. فأغار عليهم وأعجزهم هربا في الجبال. وأصابوا رجلا فأسلم.

__________________

(١) الغمر : ماء من مياه بني أسد على ليلتين من فيد ، طريق الأول إلى المدينة (معجم البلدان ٤ / ٢١٢). وفي طبقات ابن سعد (٢ / ٨٤) أنه غمر مرزوق ، وهو في الطبري (٣ / ١٥٥) : الغمرة.

(٢) في الأصل و (ع) : ثابت بن أرقم ، تحريف تصحيحه من أسد الغابة لابن الأثير ١ / ٢٢٠ والإصابة ١ / ١٩٠ والاستيعاب ١ / ١٩١ وسيرة ابن هشام (٢ / ٣٧٩) ومغازي الواقدي (٢ / ٥٥٠).

(٣) في الأصل و (ع) : سباع. والتصحيح من أسد الغابة ٢ / ٣٨٦ والإصابة ٢ / ١٣٨ رقم ٣٨٤١ والاستيعاب ٢ / ١٦٠ وطبقات ابن سعد (٢ / ٨٥) ومغازي الواقدي (٢ / ٥٥٠) ونهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٠٣.

(٤) الطبقات الكبرى ٢ / ٨٥ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٣ ، ١٠٤ نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ ، عيون التواريخ ١ / ٢٤٧ ، تاريخ خليفة ٨٥.

(٥) العنوان في الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٨٦.

(٦) إضافة من طبقات ابن سعد ، وتاريخ الطبري ٢ / ٦٤١ و ٣ / ١٥٤ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٥٥٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٠٤ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٥ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ ، عيون التواريخ ١ / ٢٤٨.

(٧) ذو القصّة : موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا وهو طريق الرّبذة. كان يقطنه بنو ثعلبة وبنو عوال من ثعلبة. (معجم البلدان ٤ / ٣٦٦).

٣٥٢

[سريّة محمد بن مسلمة إلى ذي القصّة] (١)

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم محمد بن مسلمة ، في عشرة ، فكمن القوم لهم حتى نام هو وأصحابه ، فما شعروا إلّا بالقوم. فقتل أصحاب محمد ، وأفلت هو جريحا (٢).

[سريّة زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم] (٣)

قال : وفيها كانت سريّة زيد بن حارثة [إلى بني سليم] (٤) بالجموم. فأصاب امرأة من مزينة ، يقال لها : حليمة ، فدلّتهم على مكان فأصابوا مواشي وأسراء منهم زوجها. فوهبها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسها وزوجها (٥).

[سريّة زيد بن حارثة إلى الطّرف] (٦)

وفيها سريّة زيد بن حارثة إلى الطّرف (٧) ، إلى بني ثعلبة في خمسة

__________________

(١) العنوان في طبقات ابن سعد ٢ / ٨٥.

(٢) هذه السرية سرية محمد بن مسلمة سابقة على سرية أبي عبيدة في رواية ابن سعد والواقدي ، والمقريزي في إمتاع الأسماع ، وابن سيّد الناس في عيون الأثر ٢ / ١٠٤ وعيون التواريخ ١ / ٢٤٨ ، أما نسخة ابن كثير في البداية والنهاية ففيها خلط بن سرية أبي عبيدة ومحمد بن مسلمة. (٤ / ١٧٨).

(٣) الجموم : أرض لبني سليم ناحية بطن نخل عن يسارها ، وبطن نخل من المدينة على أربعة برد. (معجم البلدان ٢ / ١٦٣ ، ١٦٤). والعنوان في طبقات ابن سعد ٢ / ٨٦.

(٤) إضافة من ابن سعد.

(٥) اكتفى ابن هشام بذكر الغزوة دون تفاصيل ٤ / ٢٣٤ ، وكذا فعل الطبري ٣ / ١٥٥ ، وانظر الخبر في طبقات ابن سعد ٢ / ٨٦ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٥٠٥ عيون الأثر ٢ / ١٠٥ ، ١٠٦ البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ عيون التواريخ ١ / ٢٤٨.

(٦) العنوان عن طبقات ابن سعد ٢ / ١٧ ، وهي عنده متأخرة عن سريّته إلى العيص.

(٧) الطرف : ماء قريب من المرقى ، وقيل المراض ، دون النّخيل على ستة وثلاثين ميلا من المدينة. (معجم البلدان ٤ / ٣١) وطبقات ابن سعد. وقال ابن إسحاق : الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق. (سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٦).

٣٥٣

عشر رجلا. فهربت الأعراب وخافوا ، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا. وغاب أربع ليال (١).

[سرية زيد بن حارثة إلى العيص] (٢)

وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص (٣) ، في جمادى الأول ، وأخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص ، فاستجار بزينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأجارته (٤).

[سريّة زيد بن حارثة إلى حسمى] (٥)

وحدّثني موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه قال : أقبل دحية الكلبي من عند قيصر ، قد أجازه بمال. فأقبل حتى كان بحسمى (٦) ، فلقيه ناس من جذام ، فقطعوا عليه الطريق وسلبوه. فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يدخل بيته فأخبره. فبعث زيد بن حارثة إلى حسمى ، وهي وراء وادي القرى وكانت في جمادى الآخرة (٧).

__________________

(١) انظر عنها : ابن سعد ، والواقدي ٢ / ٥٥٥ ، والنويري ١٧ / ٢٠٦ ، وابن سيد الناس ٢ / ١٠٦ ، وابن كثير ٤ / ١٧٨ ، والكتبي ١ / ٢٤٩.

(٢) العنوان من الطبقات لابن سعد ٢ / ٨٧ وذكره قبل سريته إلى الطّرف.

(٣) العيص : قال ابن سعد : بينها وبين المدينة أربع ليال ، وبينها وبين ذي المروة ليلة.

(٤) ابن سعد ٢ / ٨٧ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٠٦ ، وعيون الأثر ٢ / ١٠٦ والبداية والنهاية ٤ / ١٧٨ وعيون التواريخ ١ / ٢٤٨.

(٥) العنوان من طبقات ابن سعد ٢ / ٨٨.

(٦) حسمى : بالكسرة ثم السكون ، مقصور. أرض ببادية الشام ، بينها وبين وادي القرى ليلتان ، وأهل تبوك يرون جبل حسمى في غربيّهم. وقيل هي لجذام جبال وأرض بين أيلة وجانب تيه بني إسرائيل الّذي يلي أيلة وبين أرض بني عذرة من ظهر حرّنهيا ، فذلك كلّه حسمى. (معجم البلدان ٢ / ٢٥٨ ، ٢٥٩).

(٧) انظر : سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٥ ، المغازي للواقدي ٢ / ٥٥٥ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ٨٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٤١ ، ٦٤٢ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٧ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٦ ، ١٠٧ البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ ، ١٧٩ ، عيون التواريخ ١ / ٢٤٩ ، ٢٥٠.

٣٥٤

[سريّة زيد إلى وادي القرى] (١)

ثم سريّة زيد إلى وادي القرى (٢) في رجب (٣).

[سريّة عليّ بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك] (٤)

ثم قال : وحدّثني عبد الله بن جعفر ، عن يعقوب بن عتبة قال : خرج عليّ رضي‌الله‌عنه في مائة إلى فدك إلى حيّ من بني سعد بن بكر. ذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغه عنهم أنّ لهم جمعا يريدون أن يمدّوا يهود خيبر. فسار إليهم اللّيل وكمن النّهار ، وأصاب عينا فأقرّ له أنّه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر (٥).

قال الواقدي (٦) : وذلك في شعبان.

[سريّة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل] (٧)

قال الواقدي : وفيها سريّة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن أطاعوا فتزوّج ابنة ملكهم. فأسلم

__________________

(١) العنوان من الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٨٩.

(٢) وادي القرى : واد بين الشام والمدينة بين تيماء وخيبر فيه قرى كثيرة وبها سمّى وادي القرى.

(معجم البلدان ٥ / ٣٤٥).

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٥٥ نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٨ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٧ ، الواقدي ٢ / ٥٦٢.

(٤) فدك : قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان ، وقيل ثلاثة ، وهي مما أفاء الله على رسوله صلحا بعد غزوة خيبر ، وسيأتي تفصيل ذلك عند الكلام عن هذه الغزوة. والعنوان من الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٨٩.

(٥) تاريخ الطبري ٣ / ١٥٤ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٨٩ ، ٩٠ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٩ ، ٢١٠ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٩ ، ١١٠.

(٦) المغازي ٢ / ٥٦٢.

(٧) العنوان من طبقات ابن سعد ٢ / ٨٩ وهي قبل سرية علي إلى فدك.

٣٥٥

القوم ، وتزوّج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ ، والدة أبي سلمة (١) ، وكان أبوها ملكهم (٢).

[سريّة كرز بن جابر الفهري إلى العرنيّين] (٣)

وفي شوّال كانت سريّة كرز بن جابر الفهريّ إلى العرنيّين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستاقوا الإبل. فبعثه في عشرين فارسا وراءهم.

وقال ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس : أنّ رهطا من عكل وعرينة (٤) أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إنّا أناس من أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، فاستوخمنا المدينة. فأمر لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذود وراع (٥) ، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من أبوالها وألبانها. فانطلقوا حتى إذا كانوا في ناحية [الحرّة] (٦) قتلوا راعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستاقوا الذّود ، وكفروا [٥٦ أ] بعد إسلامهم. فبعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلبهم ، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ، وتركهم في ناحية الحرّة حتى ماتوا وهم كذلك.

قال قتادة : فذكر لنا أنّ هذه الآية نزلت فيهم : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٧) الآية. قال قتادة : بلغنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان

__________________

(١) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المحدث الثقة الفقيه. ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من المدنيين. ترجمته في تهذيب التهذيب (١٢ / ١١٥).

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٨٩ تاريخ الطبري ٣ / ١٥٨ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٩ ، ٢١٠ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٩ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٨ ، ١٠٩.

(٣) العنوان من الطبقات لابن سعد ٢ / ٩٣.

(٤) عكل : بطن من طابخة من العدنانية ، وهو اسم امرأة حضنت بني عوف بن وائل ابن عبد مناة فغلبت عليهم وسمّوا باسمها. وعرينة : حيّ من قضاعة من القحطانية (معجم قبائل العرب ٢ / ٧٧٦ و ٨٠٤).

(٥) في الأصل ، ع : بذود وزاد. والتصحيح من صحيح البخاري ٥ / ٧٠. والذود : ثلاثة أبعرة إلى التسعة أو العشرة وقيل فوق ذلك.

(٦) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع والبخاري ٥ / ٧٠.

(٧) سورة المائدة : من الآية ٣٣.

٣٥٦

يحثّ في خطبته بعد ذلك على الصّدقة وينهى عن المثلة. متّفق عليه (١).

وفي بعض طرقه : من عكل ، أو عرينة.

رواه شعبة ، وهمّام ، وغيرهما ، عن قتادة فقال : من عرينة ، من غير شكّ.

وكذلك قال حميد ، وثابت ، وعبد العزيز بن صهيب ، عن أنس.

وقال زهير : سماك بن حرب ، عن معاوية بن قرّة ، عن أنس : إنّ نفرا من عرينة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبايعوه ، وقد وقع في المدينة الموم ـ وهو البرسام (٢) ـ فقالوا : هذا الوجع قد وقع يا رسول الله ، فلو أذنت لنا فرحنا إلى الإبل. قال : فاخرجوا وكونوا فيها. فخرجوا ، فقتلوا أحد الراعيين وذهبوا بالإبل. وجاء الآخر وقد جرح ، قال : قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل. وعنده شبّان (٣) من الأنصار قريب من عشرين ، فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفا (٤) يقتصّ أثرهم. فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم. أخرجه مسلم (٥).

وقال أيّوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : قدم رهط من عكل فأسلموا فاجتووا المدينة ، فذكره ، وفيه : فلم ترتفع الشمس حتى أتي بهم ،

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي : باب قصّة عكل وعرينة (٥ / ٧٠ ، ٧١) وانظر : البداية والنهاية ٤ / ١٧٩ ، ١٨٠ ، عيون التواريخ ١ / ٢٥٣ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢١٣ ، ٢١٤ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٩٣.

(٢) الموم أو البرسام : ذات الجنب ، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة (المعجم الوسيط).

والموم فارسية بمعنى الشمع ، والبرسام فارسية كذلك مركبة من بر وهو الصدر وسام أي الالتهاب (أدى شير).

(٣) لفظ مسلم ٣ / ١٢٩٨ «شباب».

(٤) القائف : من يتبع الأثر.

(٥) صحيح مسلم (١٦٧١) كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والدّيات ، باب حكم المحاربين المرتدّين ٣ / ١٢٩٦ ـ ١٢٩٨.

٣٥٧

فأمر بمسامير فأحميت لهم ، فكواهم (١) وقطع أيديهم وأرجلهم ، ولم يحسمهم (٢) وألقاهم في الحرّة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا. أخرجه البخاري (٣).

* * *

إسلام أبي العاص

مبسوطا

أسلم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصيّ العبشمي ، ختن (٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ابنته زينب ، أمّ أمامة ، في وسط سنة ست. واسمه لقيط ، قاله ابن معين والفلّاس. وقال ابن سعد : اسمه مقسم (٥) وأمّه هالة بنت خويلد خالة زوجته ، فهما أبناء خالة. تزوّج بها قبل المبعث ، فولدت له عليّا فمات طفلا ، وأمامة التي صلّى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو حاملها وهي التي تزوّجها عليّ بعد موت خالتها فاطمة رضي‌الله‌عنها وكان أبو العاص يدعى جرو البطحاء ، وأسر يوم بدر ، وكانت زينب بمكة.

قال يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، عن عائشة ،

__________________

(١) هكذا وردت في الأصل ، ورواية البخاري : فكحّلهم.

(٢) الحسم : قطع العرق ثم كيّه لئلّا يسيل دمه.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الحدود ، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة ، باب لم يسق المحاربون والمرتدّون حتى ماتوا ، وباب سمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعين المحاربين. ومثله في صحيح مسلم ، كتاب القسامة ، باب المحاربين والمرتدّين (١٦٧١).

(٤) الختن : الصهر.

(٥) هكذا في الأصل ، ع : مقسم ولم أجده في ابن سعد. وقد اختلف في اسمه فقيل : لقيط ، وهشيم ، ومهشم (أو مهشم) والقاسم ، وياسر (قال ابن حجر : وأظنّه محرّفا من ياسم). وقال البلاذري في أنساب الأشراف (١ / ٣٩٧) : والثبت أنّ اسمه لقيط. انظر عنه : نسب قريش ١٥٧ ، ١٥٨ تاريخ خليفة ١١٩ ، مشاهير علماء الأمصار رقم ١٥٦ ، جمهرة أنساب العرب لابن حزم ١٦ و ٧٦ و ٧٨ و ١٢٠ ، أسد الغابة ٦ / ١٨٥ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، العبر ١ / ١٥ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٣٠ ـ ٣٣٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣٧٩ ، العقد الثمين ٧ / ١١٠ و ٨ / ٦٦ ، الإصابة ٤ / ١٢١ ـ ١٢٣ الاستيعاب ٤ / ١٢٥ ، ١٢٦.

٣٥٨

قالت : فبعثت في فدائه بمال منه قلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها. فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القلادة رقّ لها وقال : «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الّذي لها فافعلوا» (١). ففعلوا. فأخذ عليه عهدا أن يخلي زينب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرّا.

وقال ابن إسحاق (٢) : فبعث رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة ورجلا [٥٦ ب] [من الأنصار] (٣) ، فقال : كونا ببطن يأجج (٤) حتى تمرّ بكما زينب. وذلك بعد بدر بشهر. قال : وكان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالا وأمانة وتجارة (٥). وكان الإسلام قد فرّق بينه وبين زينب ، إلّا أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يقدر أن يفرّق بينهما.

قال يونس ، عن ابن إسحاق (٦) : حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال : خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام ، وكان رجلا مأمونا. فكانت معه بضائع لقريش. فأقبل فلقيته سرية للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستاقوا عيره وهرب. وقدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما أصابوا فقسمه بينهم. وأتى أبو العاص حتى دخل على زينب فاستجار بها ، وسألها أن تطلب له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردّ ماله عليه. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السّريّة فقال لهم : إنّ هذا الرجل منّا حيث قد علمتم. وقد أصبتم له مالا ولغيره ممن كان معه ، وهو فيء ، فإن رأيتم أن تردّوا عليه فافعلوا ، وإن كرهتم فأنتم وحقّكم : قالوا : بل نردّه عليه. فردّوا

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسندة ٦ / ٢٧٦ ، وأبو داود (٢٦٩٢) من طريق ابن إسحاق ، وصحّحه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٣٦ وانظر سيرة ابن هشام ٣ / ٥٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٨.

(٣) إضافة من نهاية الأرب ١٧ / ٥٨.

(٤) يأجج : مكان من مكة على ثمانية أميال. (معجم البلدان ٥ / ٤٢٤).

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٧.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٩.

٣٥٩

والله عليه ما أصابوا ، حتى إنّ الرجل ليأتي بالشّنّة ، والرجل بالإداوة (١) وبالجبل. ثم خرج حتى قدم مكة ، فأدّى إلى النّاس بضائعهم. حتى إذا فرغ قال : يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم معي مال؟ قالوا : لا فجزاك الله خيرا. فقال أما والله ما معنى أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلّا تخوّفا أن تظنّوا أنّي إنّما أسلمت لأذهب بأموالكم. فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا عبده ورسوله (٢).

وأما موسى بن عقبة فذكر أنّ أموال أبي العاص إنّما أخذها أبو بصير في الهدنة بعد هذا التاريخ.

وقال ابن نمير (٣) ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشّعبيّ ، قال قدم أبو العاص من الشّام ومعه أموال المشركين. وقد أسلمت امرأته زينب وهاجرت. فقيل له : هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال التي معك؟ فقال : بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. وكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدّي إلى كلّ ذي حق حقّه ، فيرجع ويسلم. ففعل. وما فرّق بينهما ، يعني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

وقال ابن لهيعة عن موسى بن جبير الأنصاريّ ، عن عراك بن مالك ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة أنّ بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل إليها زوجها أبو العاص أن خذي لي أمانا من أبيك. فأطلعت رأسها من باب

__________________

(١) الشنّة : القربة لخلقة الصغيرة. والإداوة : إناء صغير من جلد يتّخذ للماء.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٦٩ ، ٦٠ ، نهاية الأرب ١٧ / ٦٠.

(٣) في الأصل : أبو نمير. والتصحيح من ع ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (٩ / ٢٨٢).

(٤) ومن هذا الوجه عند أبي داود (٢٢٤٠) في الطلاق باب : إلى متى تردّ عليه امرأته إذا أسلم بعدها ، والترمذي (١١٤٣) في النكاح ، باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما. وروى ابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ ٧٠ ، ٧١ رقم ١٢ من طريق ابن عباس : «ردّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب ابنته على أبي العاص ابن الربيع على النكاح الأول بعد ست سنين».

٣٦٠