تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

المخزومي ، ابن أخت عتبة بن ربيعة ، هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا. ولقّب شماسا لملاحته.

ومن الأنصار : عمرو بن معاذ بن النّعمان الأوسي ، أخو سعد ، وابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ ، والحارث بن أنس (١) بن رافع ، وعمارة بن زياد بن السّكن ، وسلمة ، وعمرو ، ابنا ثابت بن وقش.

وعمّهما : رفاعة بن وقش ، وصيفي بن قيظي ، وأخوه : حباب ، وعبّاد (٢) بن سهل ، وعبيد بن التّيهان ، وحبيب بن زيد (٣) ، وإياس بن أوس ، الأشهليّون. واليمان أبو حذيفة ، حليف لهم. ويزيد بن حاطب بن أميّة الظّفريّ ، وأبو سفيان بن الحارث بن قيس ، وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر الرّاهب ، ومالك بن أميّة ، وعوف بن عمرو ، وأبو حيّة (٤) بن عمرو ابن ثابت ، وعبد الله بن جبير بن النّعمان ، أمير الرّماة ، وأنس بن قتادة (٥) ، وخيثمة والد سعد بن خيثمة ، وحليفة : عبد الله بن سلمة العجلاني ، وسبيع (٦) بن حاطب بن الحارث ، وحليفه : مالك بن أوس ، وعمير بن عديّ الخطميّ.

__________________

(١) في الأصل وفي طبعة القدسي ١٨٠ وطبعة شعيرة ٢١٤ «أنيس» والتصحيح من سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٩ والمحبّر ٤٢٢. وجاء في المغازي لعروة ١٧٢ «الحارث بن أوس» وهو تصحيف.

(٢) في الأصل وفي طبعة القدسي ١٨٠ وطبعة شعيرة ٢١٤ «عبادة» والتصحيح من سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٩ والإصابة ٢ / ٢٦٥ رقم ٤٤٦٥.

(٣) في سيرة ابن هشام : حبيب بن يزيد بن تيم (٣ / ١٩٠) وهو في الإصابة ١ / ٣٩٠ «حبيب بن زيد بن تيم» نسبه بعضهم لجدّه فذكره «حبيب بن تيم» (رقم ٢٠٦١).

(٤) أبو حنيفة : كذا في الأصل وفي سيرة ابن هشام ٣ / ١٩٠. ويقال : أبو حبّة (بالباء) وأبو حنّة (بالنون) ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب : والصواب أبو حبّة بواحدة. وانظر تهذيب التهذيب (١٢ / ٦٦).

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٩٠ وقال في أنساب الأشراف (١ / ٢٣٠) : أنس ، وهو أنيس بن قتادة.

وأنيس رواية الواقدي وابن عبد البر وابن حزم وابن حجر في الإصابة ١ / ٧٦ رقم ٢٩٣.

(٦) في الواقدي : سبيق. ويقال : سويبق (انظر ابن هشام ٣ / ١٩٠).

٢٠١

وكلّهم من الأوس.

واستشهد من الخزرج :

عمرو بن قيس النجّاري ، وابنه : قيس ، وثابت بن عمرو بن زيد ، وعامر بن مخلد ، وأبو هبيرة بن الحارث بن علقمة ، وعمرو بن مطرّف ، وإياس بن عديّ ، وأوس ، أخو حسّان بن ثابت. وهو والد شدّاد بن أوس ، وأنس بن النّضر بن ضمضم ، وقيس بن مخلد.

وعشرتهم من بني النّجّار.

وعبد لهم اسمه : كيسان ، وسلمة بن الحارث (١) ، ونعمان بن عبد عمرو ، وهما من بني دينار بن النّجّار.

ومن بني الحارث بن الخزرج :

خارجة بن زيد بن أبي زهير ، وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير ، وأوس بن أرقم بن زيد ، أخو زيد بن أرقم.

ومن بني خدرة : مالك بن سنان ، وسعيد بن سويد ، وعتبة بن ربيع. ومن بني ساعدة :

ثعلبة بن سعد بن مالك. وثقف (٢) بن فروة ، وعبد الله بن عمرو بن وهب. وضمرة ، حليف لهم من جهينة.

ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني سالم :

__________________

(١) ابن هشام ٣ / ١٩٠ والواقدي : سليم بن الحارث.

(٢) ثقف : كذا أورده ابن هشام ٣ / ١٩١ وأورده الواقدي : نفث. وقال البلاذري في أنساب الأشراف (١ / ٣٣٠) : عبد الله بن فروة بن البدي .. وكان يقال لعبد الله : ثقب. وقال ابن عبد البرّ (١ / ٢٠٨) : «ثقب بن فروة بن البدن» وذكر الأقوال في اسمه.

٢٠٢

عمرو بن (٣٩ ب) إياس ، ونوفل بن عبد الله ، وعبادة بن الخشخاش (١) ، والعبّاس بن عبادة بن نضلة. والنّعمان بن مالك. والمجذّر ابن ذياد البلوي ، حليف لهم.

ومن بني الحبلي (٢) :

رفاعة بن عمرو.

ومن بني سواد بن مالك :

مالك بن إياس.

ومن بني سلمة :

عبد الله بن عمرو بن حرام ، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام.

وكانا متآخيين وصهرين ، فدفنا في قبر (واحد) (٣).

وخلّاد بن عمرو بن الجموح.

ومولاه أسير ، أبو أيمن ، مولى عمرو (٤).

ومن بني سواد بن غنم :

سليم بن عمرو بن حديدة.

ومولاه عنترة ، وسهيل بن قيس.

ومن بني زريق :

ذكوان بن عبد قيس ، وعبيد بن المعلّى بن لوذان.

__________________

(١) في الأصل كتب فوق الخشخاش (معا) أي بالمعجمتين والمهملتين جميعا وفي سيرة ابن هشام ٣ / ١٩١ «الحسحاس».

(٢) الحبلى : بضم الحاء المهملة والباء الموحّدة نسبة إلى حيّ من اليمن من الأنصار (اللباب ١ / ٣٣٧).

(٣) زيادة من ع. وسيرة ابن هشام ٣ / ١٩١.

(٤) في الواقدي وابن عبد البر أنه «أبو أسيرة» وفي ابن هشام ٣ / ١٩١ وابن حزم. «أبو أيمن».

٢٠٣

قال ابن إسحاق (١) : وزعم عاصم بن عمر بن قتادة أنّ ثابت بن وقش قتل يومئذ مع ابنيه.

وذكر الواقديّ جماعة قتلوا سوى من ذكرنا.

وقال البكّائي : قال ابن [إسحاق وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة (٢)] عن محمود بن لبيد قال : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أحد رفع حسيل (٣) بن جابر ـ والد حذيفة بن اليمان ـ وثابت بن وقش في الآطام مع النّساء والصّبيان ، فقال أحدهما لصاحبه ـ وهما شيخان كبيران ـ : «لا أبا لك ، ما ننتظر؟ فو الله ما بقي لواحد منّا من عمره إلّا ظمء حمار (٤) ، إنّما نحن هامة اليوم أو غد ، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلّ الله يرزقنا الشهادة مع رسوله؟ فخرجنا حتى دخلا في النّاس ، ولم يعلم بهما. فأمّا ثابت فقتله المشركون ، وأما حسيل فقتله المسلمون ولا يعرفونه (٥).

قال : وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : كان فينا رجل أتيّ (٦) لا يدرى ممّن هو ، يقال له قزمان. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إذا ذكر له : إنّه لمن أهل النّار. فلما كان يوم أحد قتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس ، فأثبتته الجراحة ، فاحتمل إلى دار بني ظفر ، فجعلوا يقولون له : والله لقد أبليت اليوم يا قزمان ، فأبشر. قال : بما ذا أبشر؟ والله إن

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٩.

(٢) ما بين الحاصرتين إضافة من سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٧.

(٣) حسيل : بالتصغير.

(٤) الظمء : ما بين الشربتين أو السقيتين. يقال في المثل : ما بقي من عمره إلّا ظمء حمار أي شيء يسير.

(٥) انظر الإصابة ١ / ١٩٦ (ثابت بن وقش) و ١ / ٣٣١ رقم ١٧٢٠ (حسيل بن جابر) والخبر في السيرة ٣ / ١٦٧ ، ١٦٨.

(٦) الأتيّ : الّذي لا يدرى من أين أتى.

٢٠٤

قاتلت إلّا عن أحساب قومي ، ولو لا ذلك لما قاتلت. فلما اشتدّت عليه جراحته (١) أخذ سهما فقتل به نفسه.

قال ابن إسحاق (٢) : وكان ممّا قتل يومئذ مخيريق ، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون (٣) ، قال لما كان يوم أحد : يا معشر اليهود ، والله لقد علمتم أنّ نصر محمد عليكم لحقّ. قالوا : إنّ اليوم يوم السّبت. قال : لا سبت [لكم] (٤). فأخذ سيفه وعدّته وقال : إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء. ثم غدا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقاتل معه حتى قتل. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما بلغنا : مخيريق خير يهود.

ووقعت هند بنت عتبة والنّسوة اللّاتي معها يمثّلن بالقتلى ، يجدعن الآذان والأنف ، حتى اتّخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خدما (٥) ، وبقرت (٦) عن كبد حمزة فلاكتها ، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها. ثم [علت] (٧) على صخرة مشرفة ، فصرخت بأعلى صوتها :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات سعر

 [٤٠ أ] ما كان عن عتبة لي من صبر

ولا أخي ، وعمّه وبكري

 شفيت صدري (٨) وقضيت نذري

شفيت وحشيّ غليل صدري

 __________________

(١) في الأصل ، ع (فلما اشتد عليه جراحة) والمثبت من ابن الملّا وسيرة ابن هشام ٣ / ١٦٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٨.

(٣) في الأصل ، : العيطون. والتصحيح من السيرة وأنساب الأشراف (١ / ٣٢٥) وتاريخ الطبري (٢ / ٥٣١) والمحبّر (١١٢).

(٤) إضافة من السيرة.

(٥) الخدم : الخلخال.

(٦) في سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٩ زيادة قبل هذه الكلمة «وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشيّا غلام جبير بن مطعم ، وبقرت ..».

(٧) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ومن السيرة.

(٨) في السيرة «نفسي».

٢٠٥

وقتل من المشركين ـ على ما ذكر ابن إسحاق ـ أحد عشر رجلا من بني عبد الدّار ، وهم :

طلحة ، وأبو سعيد ، وعثمان : بنو أبي طلحة عبد الله بن عبد العزّى.

ومولاهم : صؤاب (١) ، وبنو طلحة المذكور : مسافع ، والحارث ، والجلاس ، وكلاب.

وأبو يزيد (٢) بن عمير أخو مصعب بن عمير ، وابن عمّه : أرطاة بن [عبد] شرحبيل بن هاشم ، وابن عمّهم : قاسط بن شريح ، وعبد الله بن حميد بن زهير الأسدي ، وسباع بن عبد العزّى الخزاعيّ حليف بني أسد.

وأربعة من بني مخزوم : أخو أمّ سلمة ، هشام بن أبي أميّة بن المغيرة.

والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة ، وأبو أميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وحليفهم : خالد بن الأعلم.

ومن بني زهرة :

أبو الحكم بن الأخنس بن شريق ، حليف لهم.

ومن بني جمح :

أبيّ بن خلف. وأبو عزّة عمرو بن عبد الله بن عمير. أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضرب عنقه. صبرا ، وذلك أنّه أسر يوم بدر ، وأطلقه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلا فداء لفقره ، وأخذ عليه أن لا يعين عليه. فنقض العهد وأسر يوم أحد ، فقال

__________________

(١) غلام حبشي قتله قزمان. (سيرة ابن هشام ٣ / ١٩٢).

(٢) في الأصل : أبو زيد. والتصحيح من ابن هشام (٣ / ١٩٢) وجوامع السيرة لابن حزم (١٧٣).

٢٠٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [والله] (١) لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرّتين. وأمر به فضربت عنقه (٢). وقيل لم يؤسر سواه.

ومن بني عامر بن لؤيّ :

عبيدة بن جابر. وشيبة بن مالك.

* * *

وقال سليمان بن بلال ، عن عبد الأعلى (٣) بن عبد الله بن أبي فروة ، عن قطن بن وهب ، عن عبيد بن عمير ، عن أبي هريرة ، ورواه حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الأعلى ـ فأرسله مرّة وأسنده مرّة ـ عن أبي ذرّ عوض أبي هريرة ، أن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين انصرف من أحد مرّ على مصعب بن عمير رضي‌الله‌عنه وهو مقتول ـ على طريقه ـ فوقف عليه ودعا له ، ثم قرأ : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٤). ثم قال : «أشهد أنّ هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، فأتوهم وزوروهم ، والّذي نفسي بيده لا يسلّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلّا ردّوا عليه‌السلام».

وقال ابن إسحاق (٥) : حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، وحدّثنيه بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب قال : لما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما بحمزة رضي‌الله‌عنه من المثل ـ جدع أنفه ولعب به ـ قال : «لو لا أن تجزع صفيّة

__________________

(١) زيادة من ع.

(٢) الطبقات الكبرى ٢ / ٤٣.

(٣) في الأصل : أبي الأعلى. والتصحيح من ع ، ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (٦ / ٩٥) ، ويرد في الأصل صحيحا بعد قليل.

(٤) سورة الأحزاب : الآية ٢٢.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧١.

٢٠٧

وتكون (١) سنّة من بعدي (٢) ما غيّب (٣) حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطّير».

وحدّثني بريدة ، عن محمد بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لئن ظفرت بقريش لأمثّلنّ بثلاثين منهم. فلما رأى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما به من الجزع قالوا : لئن ظفرنا بهم لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد ، فأنزل الله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٤) ، إلى آخر السّورة. فعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٤٠ ب]. (٥).

وروى ابن إسحاق عن شيوخه الذين روى عنهم قصّة أحد ، أنّ صفيّة أقبلت لتنظر إلى حمزة ـ وهو أخوها لأبويها ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابنها الزّبير : القها فأرجعها ، لا ترى ما بأخيها. فلقيها فقال : أيّ أمّه ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرك أن ترجعي. قالت : ولم؟ فقد بلغني أنّه مثّل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، فلأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله. فجاء الزّبير فأخبره قولها ، قال : فخلّ سبيلها. فأتته ، فنظرت إليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به فدفن (٦).

وقال أبو بكر بن عيّاش (٧) ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : لما قتل حمزة أقبلت صفيّة ، فلقيت عليّا والزّبير ، فأرياها (٨) أنّهما لا يدريان. فجاءت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : فإنّي أخاف على عقلها. فوضع

__________________

(١) في السيرة «يكون».

(٢) في الأصل : ما بعدي. وأثبتنا لفظ ع والسيرة.

(٣) في السيرة «لتركته».

(٤) سورة النحل : من الآية ١٢٦.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧١ وفيه إضافة «وصبر ونهى عن المثلة».

(٦) السيرة ٣ / ١٧٢.

(٧) في الأصل : عباس. والتصحيح من ع ، وتهذيب التهذيب (١٢ / ٣٤).

(٨) في الأصل : فأريا ، وأثبتنا عبارة ع.

٢٠٨

يده على صدرها ودعا لها ، فاسترجعت وبكت. ثم جاء فقام عليه وقد مثّل به فقال : «لو لا جزع النّساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطّير وبطون السباع». ثم أمر بالقتلى فجعل يصلّي عليهم سبع تكبيرات ، ويرفعون ويترك حمزة ، ثم يجاء بسبعة فيكبّر عليهم سبعا ، حتى فرغ منهم.

وحديث جابر أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يصلّ عليهم أصحّ.

وفي الصّحيحين (١) من حديث عقبة بن عامر أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى على قتلى أحد صلاته على الميت. فالله أعلم.

عثمان بن عمرو ، وروح بن عبادة ، بإسناد الحاكم في «المستدرك» (٢) إليهما ، ثنا أسامة بن زيد ، عن الزّهري ، عن أنس قال : لما كان يوم أحد ، مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحمزة وقد جدع ومثّل به ، فقال : لو لا أن تجد صفيّة تركته حتى يحشره الله من بطون الطّير والسّباع. فكفّنه في نمرة. ولم يصلّ على أحد من الشهداء غيره. الحديث.

وقال يحيى الحماني : ثنا قيس ـ هو ابن الربيع ـ عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم قتل حمزة ومثّل به : «لئن ظفرت بقريش لأمثّلنّ بسبعين منهم» فنزلت : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) الآية (٣). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل نصبر يا ربّ. إسناده ضعيف من قبل قيس.

وقد روى نحوه حجّاج بن منهال ، وغيره ، عن صالح المرّي ـ وهو

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب «أحد يحبّنا» (٥ / ١٣٢) ، وكتاب الرقاق ، باب في الحوض وقول الله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (٨ / ١٥١) وصحيح مسلم (٢٢٨٩) كتاب الفضائل ، باب إثبات حوض نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفاته.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٢٠.

(٣) سورة النحل ـ الآية ١٢٦.

٢٠٩

ضعيف (١) ـ عن سليمان التّيمي ، عن أبي عثمان النّهدي ، عن أبي هريرة. وزاد : فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قطّ أوجع منه لقلبه.

أخبرنا محمد بن محمد بن صاعد القاضي ، أنبأ الحسن بن أحمد الزّاهد ببيت المقدس سنة تسع وعشرين وستمائة ، ثنا أحمد بن محمد السّلفي ، أنبأ أبو بكر أحمد بن علي ، أنبأ الحسن بن أحمد بن إبراهيم ، أنبأ عبد الله ابن جعفر الفارسيّ ، ثنا يعقوب الفسوي ، ثنا عبد الله بن عثمان ، أنا عيسى ابن عبيد الكندي ، حدّثني ربيع بن أنس ، حدّثني أبو العالية ، عن أبيّ بن كعب أنّه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستّون ، وأصيب من المهاجرين ستّة ، منهم [٤١ أ] حمزة. فمثّلوا بقتلاهم. فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنربينّ (٢) عليهم (٣).

فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل لا يعرف : لا قريش بعد اليوم ، مرّتين ، فأنزل الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) الآية. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كفّوا عن القوم.

وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : جاءت صفيّة يوم أحد ومعها ثوبان لحمزة ، فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كره أن ترى حمزة على حاله ، فبعث إليها الزّبير يحبسها وأخذ الثوبين. وكان إلى جنب حمزة قتيل

__________________

(١) هو صالح بن بشير المرّي القاصّ ، من أهل البصرة. انظر عنه : التاريخ الكبير ٢ / ٢٧٣ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٢٦٢ ، المجروحين لابن حبّان ١ / ٣٧١ ، الضعفاء للعقيليّ ٢ / ١٩٩ رقم ٧٢٣ ، الكامل لابن عديّ ٤ / ١٣٧٨ ، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١٠٦ رقم ٢٨٧ ، المغني في الضعفاء ١ / ٣٠٢ رقم ٢٨١٧ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٢٨٩ رقم ٣٧٧٢ ، أحوال الرجال للجوزجانيّ ١٢٠ رقم ١٩٧ الضعفاء الصغير للنسائي ١٦٥.

(٢) لنربينّ : لنضاعفنّ عليهم في التمثيل من الإرباء ، وهو التضعيف.

(٣) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٥٩ من طريق إسحاق بن الفضل بن موسى عن عيسى بن عبيد. وبقية رجال السند.

٢١٠

من الأنصار ، فكرهوا أن يتخيّروا لحمزة ، فقال : أسهموا بينهما ، فأيّهما طار له أجود الثوبين فهو له. فأسهموا بينهما ، فكفّن حمزة في ثوب والأنصاريّ في ثوب.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) : حدّثني الزّهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال : لما أشرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قتلى أحد قال : أنا الشهيد على هؤلاء ، ما من جريح يجرح في الله إلّا بعث يوم القيامة وجرحه يثعب (٢) دما ، اللّون لون الدم والريح ريح المسك ، انظروا أكثرهم جمعا للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر. فكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر.

قال بن إسحاق (٣) : وحدّثني والدي ، عن رجال من بني سلمة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حين أصيب عمرو بن الجموح ، وعبد الله بن عمرو بن حرام : أجمعوا بينهما ، فإنّهما كانا متصافيين في الدنيا. قال أبي : فحدّثني أشياخ من الأنصار قالوا : لما ضرب معاوية عينه التي مرّت على قبور الشهداء ، استصرخنا عليهم وقد انفجرت عليهما في قبرهما ، فأخرجناهما وعليهما بردتان قد غطّى بهما وجوههما. وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض ، فأخرجناهما كأنّهما يتثنّيان تثنّيا كأنّما دفنا بالأمس.

وقال حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن أبي الزّبير ، عن جابر قال : استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد ، وذلك حين أجرى معاوية العين ، فأتيناهم فأخرجناهم تثنّى أطرافهم رطابا ، على رأس أربعين سنة.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٢.

(٢) يثعب : يجري دما. (تاج العروس ٢ / ٨٦).

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ١٧٢.

٢١١

قال حمّاد : وزادني صاحب لي في الحديث : فأصاب قدم حمزة فانثعب دما.

وقال ابن عيينة ، عن الأسود ، عن نبيح (١) العنزي ، عن جابر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتلى أحد أن يردّوا إلى مصارعهم.

وقال أبو عوانة : ثنا الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المشركين لقتالهم. فقال لي أبي : ما عليك أن تكون في النّظّارة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا ، فو الله لو لا أنّي أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يديّ. فبينما أنا في النّظّارين إذ جاءت عمّتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح ، فدخلت بهما المدينة ، لتدفنهما في مقابرنا ، فجاء رجل ينادي : ألا إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها. فبينما أنا (٢) في خلافة معاوية ، إذ جاءني رجل فقال : يا جابر ، قد والله أثار أباك عمّال معاوية فبدا طائفة منه. قال : فأتيته فوجدته على النّحو (٣) الّذي تركته ، لم يتغيّر منه شيء إلّا ما لم يدع القتل أو القتال (٤) فواريته.

وقال حسين المعلّم ، عن عطاء ، عن جابر قال : لما حضر أحد قال أبي : ما أراني إلّا مقتولا ، وإنّي لا أترك بعدي أعزّ عليّ منك غير نفس. رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنّ عليّ دينا فاقض واستوص بإخوانك خيرا. فأصبحنا

__________________

(١) في الأصل : عن الأسود بن نبيح العنزي. وإنّما هما شخصان ، والتصحيح من تهذيب التهذيب (١٠ / ٤١٧) وسيرد صحيحا في الأصل في أول الحديث التالي.

(٢) من أول قوله : «أنا» السقط الكبير في نسخة الأصل الّذي أشرنا إليه في التقديم ، وقد استدركناه من ع ، وصحّحناه من المراجع التي أشرنا إليها في مواضعها.

(٣) في ع : النحول. والتصحيح من تاريخ ابن كثير (٤ / ٤٣).

(٤) في ع : إلا ما لم يدع القتيل. وفي ابن كثير : إلّا ما لم يدع القتل أو القتيل. وأثبتنا عبارة وفاء ألوفا (٢ / ١١٦) وفيه أنّ الحديث رواه أحمد برجال الصحيح خلا نبيح.

٢١٢

فكان أول قتيل ، فدفنت معه آخر في قبر ، ثم لم تطب نفسي أن أنزله مع آخر ، فاستخرجته بعد ستّة أشهر ، فإذا هو كيوم وضعته هنية (١) غير أذنه.

أخرجه البخاري (٢).

وقال الزّهري ، عن عبد [الرحمن؟ (٣)] بن كعب بن مالك ، عن جابر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب ، ثم يقول : أيّهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد. وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة. وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصلّ عليهم ، ولم يغسّلوا. أخرجه البخاري عن قتيبة ، عن اللّيث ، عنه (٤).

وقال أيّوب ، عن حميد بن هلال ، عن هشام بن عامر قال : قالوا يوم أحد : يا رسول الله قد أصابنا قرح وجهد فكيف تأمر؟ قال : احفروا وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر ، وقدّموا أكثرهم قرآنا (٥).

ومنهم من يقول : حميد بن هلال ، عن سعيد بن هشام بن عامر ، عن أبيه.

وقال شعبة ، عن ابن المنكدر : سمعت جابرا يقول : لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عنه ، وجعل أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينهوني ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينهاني ، وقال لا تبكيه ، أو ما تبكيه ، فما زالت الملائكة لظلّة

__________________

(١) في هيبته والتصحيح من صحيح البخاري.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، باب هل يخرج الميت من القبر واللّحد لعلّة (٢ / ١١٦).

(٣) سقطت من واستدركناها من صحيح البخاري.

(٤) صحيح البخاري. كتاب الجنائز ، باب الصلاة على الشهبة (٢ : ١٠٤). وكتاب المغازي ، باب من قال من المسلمين يوم أحد (٥ / ١٣١).

(٥) الطبقات الكبرى ٢ / ٤٤.

٢١٣

بأجنحتها حتى رفعتموه. أخرجاه (١).

وأخرج البخاري من حديث جابر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم ولم يغسّلوا ولم يصلّ عليهم. وكان يجمع بين الرجلين في الثوب الواحد ، ثم يقول : أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد (٢).

وقال عليّ بن المديني : ثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري ، سمع طلحة ابن خراش ، قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما لي أراك مهتمّا؟ قلت : يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا. فقال : ألا أخبرك؟ ما كلّم الله أحدا إلّا من وراء حجاب ، وإنّه كلّم أباك كفاحا (٣) ، فقال له : يا عبدي سلني أعطك. فقال : أسألك أن تردّني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيا. فقال : إنّه سبق منّي أنّهم إليها لا يرجعون. قال : يا ربّ فأبلّغ من ورائي ، فأنزل الله عزوجل : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) (٤) الآية.

ويروى نحوه عن عروة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها.

وكان أبو جابر من سادة الأنصار شهد بدرا ، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة ، وهو عبد الله بن عمرو (٥) بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة. وأمّه الرباب بنت قيس من بني سلمة. شهد معه العقبة ولده رضي‌الله‌عنهما.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب من قتل من المسلمين يوم أحد (٥ / ١٣١).

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب من قتل من المسلمين يوم أحد (٥ / ١٣١).

(٣) كفاحا : أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول. (تاج العروس ٧ / ٧٩).

(٤) سورة آل عمران : من الآية ١٦٩.

(٥) الاستيعاب ٢ / ٣٣٩ الإصابة ٢ / ٣٥٠ رقم ٤٨٣٨.

٢١٤

وعمرو بن الجموح (١) بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم الأنصاري السّلمي ، سيّد بني سلمة ، الّذي دفن معه. قال ابن سعد (٢) وغيره : شهد بدرا. وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح هو الّذي قطع رجل أبي جهل ، وقضى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسلبه لمعاذ. وكان عمرو بن الجموح رضي‌الله‌عنه زوج أخت عبد الله بن عمرو بن حرام.

وعن ثابت البناني ، عن عكرمة قال : كان مناف (٣) في بيت عمرو بن الجموح. فلما قدم مصعب بن عمير المدينة ، بعث إليهم عمرو : ما هذا الّذي جئتمونا به؟ قالوا : إن شئت جئنا وأسمعناك ، فواعدهم فجاءوا ، فقرأ عليه [مصعب (٤)] (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) (٥) ، فقرأ ما شاء الله أن يقرأ. فقال : إنّ لنا مؤامرة في قومنا ـ وكان سيّد بني سلمة ـ فخرجوا ، فدخل على مناف فقال : يا مناف ، تعلم والله ما يريد القوم غيرك ، فهل عندك من نكير؟ قال : فقلّده سيفا ، فخرج فقام أهله فأخذوا السّيف ، فجاء فوجدهم أخذوا السيف فقال : يا مناف أين السيف ويحك؟ إنّ العنز لتمنع استها ، والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير. ثم قال لهم (٦) : إنّي ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيرا. فذهب فكسروا مناف وربطوه مع كلب ميت. فلما جاء رأى مناف ، فبعث إلى قومه فجاءوه فقال : ألستم على ما أنا عليه؟ قالوا : بلى ، أنت سيّدنا ، قال : فإنّي أشهدكم أنّي قد آمنت بمحمد. فلما كان يوم أحد قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قوموا إلى جنّة عرضها

__________________

(١) الاستيعاب ٢ / ٥٠٣ ـ ٥٠٦ ، الإصابة ٢ / ٥٢٩ ، ٥٣٠ رقم ٥٧٩٧.

(٢) الطبقات الكبرى ٢ / ٤٣.

(٣) مناف من أصنام قريش ، قال عنه ابن الكلبي : لا أدري أين كان ولا من نصبه. (الأصنام :

٣٢) وهو في رواية ابن هشام : مناة.

(٤) زيادة للتوضيح من ابن الملّا.

(٥) سورة يوسف : الآية الأولى.

(٦) في ع : له. والتصحيح من ابن الملا.

٢١٥

السّماوات والأرض» فقام وهو أعرج ، فقاتل حتى قتل ، رضي‌الله‌عنه (١).

قال أبو صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم الرجل عمرو بن الجموح.

وروى محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، وروى فطر بن خليفة ، عن حبيب بن أبي ثابت وغيرهما ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا بني سلمة من سيّدكم؟ قالوا : الجدّ بن قيس ، وإنّا لنبخله. قال : وأيّ داء أدوى من البخل؟ بل سيّدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح (٢).

وقد قال الواقديّ : لم يشهد بدرا ، ولما أراد الخروج إلى أحد منعه بنوه وقالوا : قد عذرك الله وبك عرج ، فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره فقال : أما أنت فقد عذرك الله. وقال لبنيه : لا تمنعوه لعلّ الله يرزقه الشهادة. فخرج واستشهد هو وابنه خلّاد ، رضي‌الله‌عنهما (٣).

وعن إسرائيل ، عن سعيد بن مسروق ، عن أبي الضّحى ، أنّ عمرو ابن الجموح قال لبنيه : منعتموني الجنّة يوم بدر ، والله لئن بقيت لأدخلنّ الجنّة. فكان يوم أحد في الرعيل الأول ، رضي‌الله‌عنه. (٤).

وقال إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جدّه قال : أتي ابن عوف بطعام فقال : قتل مصعب بن عمير ـ وكان خيرا منّي ـ فلم يوجد له إلّا بردة

__________________

(١) سيرة ابن هشام ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٥٣.

(٢) رجاله ثقات لكنه مرسل. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٧ / ٣١٧ من طريق ابن عيينة عن ابن المنكدر عن جابر. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (٢٩٦) من طريق عبد الله بن أبي الأسود ، حدثنا حميد بن الأسود ، عن الحجاج الصواف قال : حدثني أبو الزبير قال : حدثنا جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكره. وهذا سند قوي. (سير أعلام النبلاء ١ / ٢٥٤).

(٣) أخرجه ابن هشام ، وأخرجه أحمد في مسندة ٥ / ٢٩٩ ، والذهبي في السير ١ / ٢٥٤.

(٤) رجاله ثقات ، لكنه منقطع. (سير أعلام النبلاء ١ / ٢٥٥ حاشية (١).

٢١٦

يكفّن فيها ، ما أظنّنا إلّا قد عجّلت لنا طيّباتنا في حياتنا الدنيا. أخرجه البخاري (١).

وقال الأعمش ، عن أبي وائل ، عن خبّاب قال : هاجرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنّا من ذهب لم يأكل من أجره ، وكان منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، ولم يكن له إلّا نمرة ، كنّا إذا غطّينا رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : غطّوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر. ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها (٢). متّفق عليه (٣).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٤) ، حدّثني عبد الواحد بن أبي عون ، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص ، قال : كانت امرأة من بني الأنصار من بني دينار قد أصيب زوجها وأخوها [وأبوها] (٥) يوم أحد. فلما نعوا لها قالت : ما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالوا : خيرا ، يا أمّ فلان. فقالت : أرونيه حتى انظر إليه. فأشاروا لها إليه ، حتى إذا رأته قالت : كلّ مصيبة بعدك جلل ، أي هيّن (٦). ويكون في غير ذا بمعنى عظيم.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة أحد (٥ / ١٢١).

(٢) يهدبها : يجنيها ويقطفها. (تاج العروس ٤ / ٣٨٢).

(٣) صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، باب إذا لم يجد كفنا إلّا ما يواري رأسه أو قدميه غطّى رأسه (٢ / ٩٨) ، وكتاب المغازي ، باب غزوة أحد (٥ / ١٢١) وباب من قتل من المسلمين يوم أحد (٥ / ١٣١). وصحيح مسلم (٩٤٠) : كتاب الجنائز : باب في كفن الميت. وانظر : البداية والنهاية ٤ / ٣٥.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٣.

(٥) ليست في ع ، وأثبتناها من السيرة وتاريخ الطبري (٢ / ٥٣٣) وابن كثير (٤ / ٤٧) ولعلّه سقط ، يدلّ عليه ضمير الجمع في الفعل «نعوا» وعبارة ابن الملا كما في ع وصرف الفعل إلى «نعيا».

(٦) قال ابن هشام : «تريد صغيرة» الجلل يكون من القليل ومن الكثير ، وهو هنا من القليل.

٢١٧

عن أبي برزة(١) إنّ جليبيبا (٢) كان من الأنصار. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم لرجل : «زوّجني ابنتك». قال : نعم ونعمة عين (٣) قال : «لست أريدها (٤) لنفسي». قال : فلمن؟ قال : «لجليبيب». قال : أستأمر أمّها. فأتاها فأجابت : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إنّما يريد ابنتك لجليبيب. قالت : الجليبيب؟ لا لعمر الله لا تزوّجه (٥). فلما قام أبوها ليأتي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالت : أفتردّون عليه أمره؟ ادفعني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنّه لن يضيّعني. فذهب أبوها إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : شأنك بها. فزوّجها جليبيبا ، ودعا لهما. فبينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مغزى له قال : هل تفقدون من أحد؟ قالوا : نفقد فلانا ونفقد فلانا. قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أفقد جليبيبا ، فاطلبوه فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ، ثم قتلوه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا منّي وأنا منه. قتل سبعة ثم قتلوه. فوضعوه على ساعديه ثم حفروا له ، ما له سرير إلّا ساعدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى وضعه في قبره (٦).

__________________

(١) في ع : أبي بردة. والتصحيح من صحيح مسلم وتهذيب التهذيب (١٠ / ٤٤٦) وكما يرد في النصّ صحيحا بعد قليل.

(٢) جليبيب : بصيغة تصغير جلباب ، غير منسوب ، من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت فيه دمامة ، فعرض عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم التزويج فقال : إذن تجدني يا رسول الله كاسدا؟ فقال : إنّك عند الله لست بكاسد. وانظر ترجمته في الإصابة (١ / ٢٤٢) والاستيعاب في الهامش (١ / ٢٥٦) وأسد الغابة (١ / ٣٤٨).

(٣) في مسند أحمد ٤ / ٤٢٢ «نعم وكرامة يا رسول الله ونعم عيني».

(٤) في طبعة القدسي ١٩٧ «أريده» والتصويب من مسند أحمد.

(٥) هذه العبارة مضطربة في ع ، وقد رسمت هكذا «قالت حلقي الجليبيب لا لقمر والله لا زوجه» وواضح أنّها محرّفة عن النّصّ الصحيح الّذي أثبتناه والّذي ورد في الحديث كما رواه الإمام أحمد في مسندة ٤ / ٤٢٢ من طريق عفّان ، عن حمّاد بن سلمة ، عن أبي برزة الأسلمي. وفيه تقول الأم كالمستنكرة : أجليبيب ، إنيه. أجليبيب ، إنيه. أجليبيب ، إنيه (ثلاثا) إلخ وإنيه ، بكسر الألف والنون وسكون الياء بعدها هاء تقال في الإنكار والاستبعاد. قال الزّبيدي في التاج : (هذه اللفظة وردت في حديث جليبيب في مسند أحمد ، وفيها اختلاف كثير) ثم تبقى بعد هذا لفظة (حلقي) في أول العبارة ، ولعلّها تحريف شديد عن (محنقة) وقد أهملناها.

(٦) مسند أحمد ٤ / ٤٢١ ، و ٤٢٢ ، ٤٢٥.

٢١٨

قال ثابت البناني : فما في الأنصار أنفق منها (١).

أخرجه مسلم من حديث حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن كنانة بن نعيم ، عن أبي برزة (٢).

وقال الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة (٣) ، عن مسروق : سألنا عبد الله ابن مسعود عن قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) (٤) ، قال : أما إنّا قد سألنا عن ذلك ، فقال (٥) : أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنّة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلّقة بالعرش. قال : فبينما هم كذلك إذ اطّلع عليهم ربك اطّلاعة فقال : سلوني ما شئتم. فقالوا : يا ربّنا وما نسألك؟ ونحن نسرح في الجنّة في أيّها شئنا :

فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا قالوا : نسألك أن تردّ أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا فنقتل في سبيلك. فلما رأى أنّهم لا يسألون إلّا هذا ، تركوا. أخرجه مسلم (٦).

وقال عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن إسماعيل بن أميّة ، عن أبي الزّبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما أصيب إخوانكم بأحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر

__________________

(١) الضمير عائد إلى زوجة جليبيب ، وفي رواية الإمام أحمد ٤ / ٤٢٢ «فما كان في الأنصار أيّم أنفق منهما» وكذلك من أثر دعاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لها : اللهمّ أصبب عليها الخير صبّا ، ولا تجعل عيشها كدّا» ..

(٢) صحيح مسلم (٢٤٧٢) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل جليبيب رضي‌الله‌عنه.

(٣) في ع : فره. والتصحيح من صحيح مسلم ، وتهذيب التهذيب (٦ / ٢٤).

(٤) سورة آل عمران : من الآية ١٦٩.

(٥) في ع فقال لهم. وأثبتنا لفظ مسلم.

(٦) صحيح مسلم (١٨٨٧) كتاب الإمارة ، باب في بيان أنّ أرواح الشهداء في الجنّة ، وأنّهم أحياء عند ربّهم يرزقون وذلك بتقديم وتأخير وألفاظ مختلفة. وانظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٨ والبداية والنهاية ٤ / ٤٥ ، ٤٦.

٢١٩

ترد أنهار الجنّة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش. فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم ، قالوا : من يبلّغ إخواننا عنّا أنّا أحياء في الجنّة نرزق ، لئلّا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد. قال الله تعالى : «أنا أبلّغهم عنكم» ، فأنزلت : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) (١).

وقال يونس : قال ابن إسحاق : حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إذا ذكر أصحاب أحد : أما والله لوددت أنّي غودرت مع أصحاب نحص الجبل (٢) يقول : قتلت معهم (٣).

وقال اللّيث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج يوما فصلّى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : إنّي فرط لكم (٤) وأنا شهيد عليكم. الحديث أخرجه البخاري (٥).

وروى العطّاف (٦) بن خالد : حدّثني عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبيه ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زار قبور الشهداء بأحد.

وروى عبد العزيز بن عمران بن موسى : عن عبّاد بن أبي صالح ، عن أبيه عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتي قبور الشهداء ، فإذا أتى

__________________

(١) البداية والنهاية ٤ / ٤٥.

(٢) النّحص ، أصل الجبل وسفه أو أسفله. قال أبو عبيد : أصحاب النّحص هم قتلى أحد.

(تاج العروس ١٨ / ١٧٢) وفي البداية والنهاية ٤ / ٤٤ «بحضن الجبل».

(٣) أخرجه أحمد في مسندة ٣ / ٣٧٥ بالسند والنص دون قوله : يقول : قتلت معهم.

(٤) في طبعة القدسي ١٩٩ «فرطكم» والتصحيح من البخاري.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب «أحد يحبنا» (٥ / ٤٠).

(٦) العطّاف : بتشديد الطاء. (تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢١ رقم ٤٠٩).

٢٢٠