تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي(١)

قال الشيخ الإمام العالم العامل النّاقد البارع الحافظ الحجّة شمس الدين أبو عبد الله محمد(٢) بن أحمد بن عثمان الذهبيّ رحمه الله تعالى وأدام النّفع به وغفر له ولوالديه(٣):

الحمد لله موّفق من توكل عليه(٤) ، القيّوم الذي ملكوت كلّ شيء بيديه ، حمداً طيّباً مباركاً فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله رحمةً للعالمين وخاتماً للنّبيّين وحرزاً للأميّين وإماماً للمتّقين بأوضح دليل وأفصح تنزيل وأفسح سبيل

__________________

(١) في نسخة حيدر أباد (ربّنا أفرغ علينا صبراً)

(٢) «محمد» غير موجود في طبعة شعيرة ـ ص ٦٦.

(٣) الفقرة كلها لم ترد في نسخة حيدر أباد.

(٤) العبارة من أولها ناقصة في طبعة شعيرة ـ ص ٦٦.

(٥) في الاصل من نسخة أيا صوفيا ، ونسخة حيدر أباد ، وطبعة شعيرة «للآمنين».

وفي طبعة القدسي ١/١ «للأميّين» قال في الحاشية رقم (٣) إنّ صحته من نصّ حديث عبد الله بن عمرو بن عمرو بن العاص عن صفة النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلم في التوراة ، وقد أخرجه البخاري في صحيحه في =

٢١

وأيسر (٦) تبيان (١) وأبدع (٣) برهان. اللهمّ آته الوسيلة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه الأوّلون والآخرون ، صلّى (٤) الله عليه وعلى آله الطّيبين وصحابته المجاهدين وأزواجه أمّهات المؤمنين.

أما بعد فهذا كتاب نافع إن شاء الله ، ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع ، جمعته وتعبت عليه واستخرجته (٥) من عدّة تصانيف ، يعرف به الإنسان مهمّ ما مضى من التّاريخ ، من أوّل تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا من وفيات الكبار من الخلفاء [والأمراء](٦) والقرّاء والزّهاد والفقهاء والمحدّثين والعلماء والسّلاطين والوزراء والنّحاة والشّعراء ، ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم بأخصر عبارة وألخص لفظ ، وما تمّ من الفتوحات المشهورة والملاحم (٧) المذكورة والعجائب المسطورة ، من غير تطويل [ولا إكثار] (٩) ولا استيعاب ، ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم ، وأترك المجهولين ومن يشبههم ، وأشير إلى الوقائع الكبار ، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلّدة (١٠) بل أكثر ، لأنّ فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلّداً.

__________________

= كتاب البيوع ، باب كراهية السخب في السوق. وفي كتاب التفسير] باب سورة الفتح.

والأميّون : العرب ، أو غير اليهود. وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى.

(١) في طبعة شعيرة ٦٦ «آنس».

(٢) في نسخة حيدر أباد «بيان».

(٣) في نسخة حيدر أباد «أبهر» وفي طبعة شعيرة «آية».

(٤) في نسخة حيدر أباد «صلّ».

(٥) في نسخة حيدر أباد «خرجته».

(٦) في نسخة حيدر أباد.

(٧) في نسخة أيا صوفيا «الماراحم».

(٨) في نسحة حيدر أباد «المنظورة» وفي طبعة شعيرة «المشهورة».

(٩) ما بين الحاضربين زيادة من نسخة حيدر أباد.

(١٠) في نسخة حيدر أباد «مجلّد».

٢٢

وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنّفات كثيرة. ومادّته من :

«دلائل النُّبُوَّة» للبيهقي (١).

و «سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم» لابن إسحاق (٢).

و «مغازيه» لابن عائذ الكاتب.

و «الطبقات الكبرى» لمحمد بن سعد كاتب (٣) الواقدي (٤)

و «تاريخ» أبي عبد الله البخاري (٥).

وبعض «تاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خَيْثَمة».

وتاريخ يعقوب الفسوي (٦).

وتاريخ محمد بن المثَّنى العَنزيّ (٧) ؛ وهو صغير.

وتاريخ أبي حفص الفلّاس.

وتاريخ الواقدي (٨).

وتاريخ الهيثم بن عديّ.

وتاريخ خليفة بن خيّاط (٩).

والطبقات له (١٠).

__________________

(١) وهو مطبوع.

(٢) طبع بعنوان «السير والمغازي».

(٣) في الأصل «الكاتب».

(٤) الكتاب مطبوع وفيه نقص.

(٥) مطبوع بعنوان «التاريخ الكبير».

(٦) في نسخة حيدر أباد : «وبعض تاريخ يعقوب بن سفيان» واسم الكتاب «المعرفة والتاريخ» مطبوع.

(٧) هو محمد بن عبيد بن قيس ، أبو موسى العنزي ، محدّث خافظ من أهل البصرة ، قال الخطيب : كان ثقة ثبتاً. زار بغداد وقاد الى البصرة فتوفي فيها.

(٨) له «المغازي» وهو مطبوع ، وينسب إليه ، كتاب «فتوح الشام» ، وهو مطبوع أيضاً.

(٩) مطبوع ..

(١٠) مطبوع.

٢٣

وتاريخ أبي زرعة الدمشقي (١).

والفتوح لسيف بن عمر.

وكتاب النّسب للزّبير بن بكّار.

والمسند للإمام (٢) أحمد (٣).

وتاريخ المفضّل بن غسّان الغلاّبي (٤).

والجرح والتعديل عن يحيى بن معين (٥).

والجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم (٦).

ومن عليه رمز فهو في الكتب السّتّة أبو بعضها ، لأنّني طالعت مسودّة تهذيب الكمال (٧) لشيخنا الحافظ أبي الحجّاج يوسف المزّي ، ثم طالعت المبيضّة كلّها.

فمن على اسمه ع فحديثه الستّة.

ومن عليه فهو في السّنن الأربعة.

ومن عليه (خ) فهو في البخاري.

ومن عليه (م) ففي مسلم.

ومن عليه (د) ففي سنن أبي داود.

ومن عليه (ت) ففي جامع الترمذي.

__________________

(١) مطبوع.

(٢) من هنا تبدأ نسخة الأمير عبد الله.

(٣) مطبوع.

(٤) في اللباب ٢/٣٩٥ «بفتح الغبن وبعدها لام ألف مخفّفة ...» نسبة إلى غلاب. وفي تاج العروس ٣/٤٩٣ ونقل الدكتور شعيرة ص ٦٨ الحاشية (٤) بتشديد اللام عن اللباب ، وهو وهم. وأثبت «الفضل» بدل «المفضّل» وهو وهم أيضاً ، أنظر تاج العروس.

(٥) له كتاب «التاريخ» وهو مطبوع.

(٦) مطبوع.

(٧) يقوم بتحقيقه الصديق البحّثة الدكتور بشّار عوّاد معروف وقد صدر منه عدّة أجزاء عن مؤسّسة الرسالة بيروت.

٢٤

ومن عليه (ن) ففي سنن النّسائي.

ومن عليه (ق) ففي سنن ابن ماجة. وإن كان الرجل في الكتب إلاّ فرد كتاب فعليه سوى ت مثلاً أو سوى (د) (١).

وقد طالعت أيضاً عليه من التواريخ التي اختصرتها : تاريخ أبي عبد الله الحاكم.

وتاريخ أبي سعيد بن يونس.

وتاريخ أبي بكر الخطيب.

وتاريخ دمشق لأبي القاسم الحافظ.

وتاريخ أبي سعد بن السّمعانيّ.

والأنساب له.

وتاريخ القاضي شمس الدين بن خلّكان.

وتاريخ العلاّمة شهاب الدين أبي شامة.

وتاريخ الشيخ قطب الدين بن اليونيني ، وتاريخه ذيل على تاريخ مرآة الزمان للواعظ شمس الدين يوسف [سبط] (٢) ابن الجوزي وهما على الحوادث والسّنين.

وطالعت أيضاً كثيراً من : تاريخ الطبري (٣).

وتاريخ ابن الأثير (٤).

وتاريخ ابن الفرضيّ (٥).

__________________

(١) تكرّرت بعدها في نسخة حيدر أباد كلمة (مثلاً).

(٢) سقطت من النسخ الثلاث ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) هو باسم «تاريخ الرسل والملوك ، مطبوع.

(٤) هو باسم «الكامل في التاريخ» مطبوع.

(٥) هو باسم «تاريخ علماء الأندلس«مطبوع.

٢٥

وصلته لابن بشكوال (١).

وتكملتها لابن الأبّار (٢).

والكامل لابن عديّ (٣).

وكتباً كثيرة وأجزاء عديدة ، وكثيراً من : مرآة الزمان.

ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي ، بل اتّكلوا على حفظهم ، فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصّحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعيّ ، فكتبنا أسماءهم على الطّبقات تقريباً ، ثم اعتنى المتأخّرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم ، حتى ضبطوا جماعةً فيهم جهالة بالنّسبة إلى معرفتنا لهم ، فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين. وأيضاً فإن عدّة بلدان لم يقع إلينا تواريخها (٥) إمّا لكونها لم يؤرّخ علماءها أحد من الحفّاظ ، أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا.

وأنا أرغب إلى الله تعالى وأبتهل إليه أن ينفع بهذا الكتاب ، وأن يغفر لجامعه (٦) وسامعه ومطالعه وللمسلمين آمين.

* * *

__________________

(١) مطبوع.

(٢) مطبوع باسم «صلة الصلة».

(٣) مطبوع باسم «الكامل في ضعفاء الرجال».

(٤) في نسخة الأمير عبد الله «قديم» وهو خطأ.

(٥) في الأصل (أنوارها) وفي طبعة شعيرة ٧٠ «أخبارها».

(٦) هذا دعاء جامع مخلص ، فيه تواضع العلماء.

٢٦

بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم

السنة الأولى من الهجرة

روى البخاري في صحيحه (١) من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها أن المسلمين بالمدينة سمعوا بمخرج (٢) رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانوا يغدون إلى الحرة (٣) ينتظرونه ، حتى يردهم حر الشمس ، فانقلبوا يوماً ، فأوفى يهودي على أطم (٤) فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين (٥) يزول بهم السراب (٦) ، فأخبرني عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير رضي الله عنه في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام فكسا الزبير رضي الله عنه رسول لله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض.

__________________

(١) باب هجرة النّبي صلّى عليه وآله وسلم وأصحابة إلى المدينة ج ٤/٢٥٧.

(٢) في طبعة شعيرة ٧١ «مخرج».

(٣) الحرة : الجمع : الحرّات الأحرون والحرار والحرّون. قال الأصمعي «الحرة الأرض التي ألبستها الحجارة السّود ...» ، والحرات كثيرة ، (أنظر : معجم البلدان ومعجم ما استعجم للبكري) وهي هنا : أرض بظاهر المدينة المشرفة ، تحت واقم ، ولذا تعرف بحرة واقم بها حجارة سود كبيرة ، وبها كانت وقعة الحرة من أشهر الوقائع في الإسلام في ذي الحجة سنة ٦٣ ه. (تاج العروس ١٠/٥٧٩ ، ٥٨٠)

(٤) الاطم : بضمتين. القصر وكل حصن مبني بحجارة وكل بيت مربّعٍ مسطّح. والجمع : آطام واطوم وآطام (القاموس المحيط ٤/٧٥).

(٥) مبيضين : أي يلبسون الثياب البيض.

(٦) أي يختفي السّراب عن النظر بسبب عروضهم له. (الشرح على البخاري ٤/٢٥٧ بالحاشية).

٢٧

قال : فلم يملك اليهوديُّ أن صاح ، يا مَعْشَر العرب ن هذا جدّكُمُ (١) الذي تنتظرون (٢). فثار المسلمون إلى السّلاح. فتلقّوه بظهر الحرّة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف (٣) يوم الإثنين من ربيع الأول. فقام أبو بكر للنّاس فطفق من لم يعرف رسول الله على الله عليه وآله وسلم يسلم على أبي بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم. [٤ أ] ، فاقبل أبو بكر يظلّه بردائه ، فعرف الناس عيد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة ، وأسس مسجدهم. ثم ركب راحلته وسار حوله النّاس يمشون ن حتى بركت به مكان المسجد ، وهو يصلّي فيه يومئذٍ رجال من المسلمين. وكان مربداً (٤) لسهل وسهيل. فدعاهما فساومهما بالمربد ليتّخذه مسجداً ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله. ثم بناه مسجداً ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ، ثم بناه مسجداً ، وكان ينقل اللّبن معهم ويقول :

هذا الحمال ، لا حمال (٥) خيبر

هذا أبرُّ ـ ربّنا ـ ,أطهر (٦)

ويقول :

اللهم إنّ الأجر أجر الآخره

فارحم الأنصار والمهاجره (٧)

 __________________

(١) جدّكم : أي حظكم وصاحب دولتكم.

(٢) في نسخة الأمير عبد الله ، طبعة شعيرة «تنظروه».

(٣) منازل بني عمرو بقباء ن وهي على فرسخ من المسجد النبويّ على الله عليه وآله وسلم. أفاده العيني. (شرح البخاري).

(٤) المربد : كل شيء حبست به الإبل والغنم ، والجرين الذي يوضع فيه التمر بعد الجداد لييبس.

قال سيبويه : هو إسم كالمطبخ. وقال الجوهري : المربد للتمر كالبيدر للحنطة. (تاج العروس ٨/٨٢.

(٥) الحمال : بالكسر ، جمع حمل (بالفتح) وهو تمر الشجر ، قال في (تاج العروس): ومنه الحديث «هذا الحمال لا حمال خيبر» يعني تمر الجنّة وأنّه لا ينقد. وفي صحيح البخاري ٤/٢٥٨ والسيرة النبوية لابن كثير ٢/٣٠٤ «حمال» بضم اللام ، وهو غلط.

(٦) صحيح البخاري ٤/٢٥٨ ، الكبقات الكبرى لابن سعد ١/٢٤٠ ، السيرة لابن كثير ٢/٣٠٤.

(٧) القول في صحيح البخاري ٤/٢٥٨ ويروي:

«اللهم لا خير إلّا خير الآخره

فانصر الأنصار والمهاجره

٢٨

وخرّج البخاريّ من حديث أبي إسحاق عن البراء حديث الهجرة بطوله (١).

وخرّج من حديث عبد العزيز بن صهيب أن أنس رضي‌الله‌عنه قال : أقبل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر. وأبو بكر شيخ يعرف ، والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شابّ لا يعرف ، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول : من هذا بين يديك؟ فيقول : رجل يهديني الطّريق ، وإنّما يعني طريق الخير.

إلى أن قال : فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جانب الحرّة ، ثم بعث إلى الأنصار ، فجاءوا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسلّموا عليهما ، وقالوا : اركبا آمنين مطاعين. فركبا ، وحفّوا دونهما بالسّلاح. فقيل في المدينة : جاء نبيّ الله ، [جاء نبيّ الله] (٢) ، فأقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيّوب رضي‌الله‌عنه ، وذكر الحديث (٣).

وروينا بإسناد حسن ، عن أبي البدّاح بن عاصم بن عديّ ، عن أبيه قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة [ليلة] (٤) خلت من ربيع الأوّل ، فأقام في المدينة عشر سنين.

وقال محمد بن إسحاق (٥) : فقدم ضحى يوم الإثنين لاثنتي عشرة

__________________

= (الطبقات الكبرى ١ / ٢٤٠) ويروى :

«لا عيش إلّا عيش الآخرة

اللهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة»

(سيرة ابن هشام ٢ / ٢٣٨) وتهذيب السيرة ١٢١ ويروى :

«اللهمّ لا عيش إلّا عيش الآخرة

فاغفر للأنصار والمهاجرين»

(نهاية الأرب للنويري ١٦ / ٣٤٤) وانظر السيرة لابن كثير.

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٥٤ ـ ٢٥٨ كتاب الفضائل ، باب هجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(٢) زيادة من ع ، ح. ومن صحيح البخاري ٤ / ٢٦٠.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٥٩ ـ ٢٦١ كتاب الفضائل ، باب هجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(٤) ليست في الأصل ، وزدناها من ع. ح.

(٥) الطبقات الكبرى ١ / ٢٣٥ ، ٢٣٦.

٢٩

[ليلة] (١) خلت من ربيع الأول ، فأقام في بني عمرو بن (٢) عوف ، فيما قيل ، يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، ثم ظعن يوم الجمعة ، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلّاها بمن معه. وكان [مكان] (٣) المسجد ، فيما قال موسى بن عقبة مربدا لغلامين يتيمين ، وهما سهل وسهيل ابنا رافع بن عمرو بن بني النّجّار (٤) ، وكانا في حجر أسعد بن زرارة.

وقال ابن إسحاق (٥) : كان المربد لسهل وسهيل ابني عمرو ، وكانا في حجر معاذ بن عفراء.

وغلط ابن مندة فقال : كان لسهل وسهيل ابني بيضاء ، وإنّما ابنا بيضاء من المهاجرين.

وأسّس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إقامته ببني عمرو بن عوف مسجد قباء (٦). وصلّى الجمعة في بني سالم في بطن الوادي (٧). فخرج معه رجال منهم : وهم العبّاس بن عبادة ، وعتبان بن مالك ، فسألوه أن ينزل عندهم ويقيم فيهم ، فقال : خلّوا النّاقة فإنّها مأمورة. وسار والأنصار حوله حتى أتى بني

__________________

(١) ليست في الأصل ، وزدناها من ع. ح.

(٢) في طبعة القدسي ١ / ٩ «بني» والتصويب من الطبقات الكبرى وسيرة ابن هشام ٢ / ٢٣٧.

(٣) زيادة على الأصل.

(٤) في الأصل : «رافع بن عمرو النجار» والتصحيح من نسختي الأمير عبد الله وحيدرآباد.

(سنرمز بعد الآن إلى نسخة الأمير ب ـ «ع» والثانية ب ـ «ح»).

(٥) الطبقات الكبرى ١ / ٢٣٩.

(٦) قباء : أصله اسم بئر هناك عرفت القرية بها ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار (معجم البلدان ٤ / ٣٠١).

(٧) في سيرة ابن هشام (٢ / ٢٣٧) إنه وادي رانوناء. ويقول ياقوت (٣ / ١٩) : وهذا لم أجده في غير كتاب ابن إسحاق الّذي لخّصه ابن هشام. وكلّ يقول : صلّى بهم في بطن الوادي في بني سالم. وانظر : سبل الهدى والرشاد للصالحي ٣ / ٣٨٧.

٣٠

بياضة ، فتلقّاه زياد بن لبيد ، وفروة بن عمرو ، فدعوه إلى النّزول فيهم ، فقال : دعوها فإنّها مأمورة. فأتى دور بني عديّ بن النّجّار ، وهم أخوال عبد المطلب (١) ، فتلقّاه سليط بن قيس ، ورجال من بني عديّ ، فدعوه إلى النّزول والبقاء عندهم ، فقال : دعوها فإنّها [٤ ب] مأمورة. ومشى حتى أتى دور بني مالك بن النّجّار ، فبركت النّاقة في موضع المسجد ، وهو مربد تمر لغلامين يتيمين. وكان فيه نخل وحرث وخرب ، وقبور للمشركين. فلم ينزل عن ظهرها ، فقامت ومشت قليلا ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يهيّجها ، ثم التفتت فكرّت إلى مكانها وبركت فيه ، فنزل عنها. فأخذ أبو أيّوب الأنصاريّ رحلها فحمله إلى داره. ونزل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيت من دار أبي أيّوب. فلم يزل ساكنا عند أبي أيّوب حتى بنى مسجده وحجره في المربد. وكان قد طلب شراءه فأبت بنو النّجّار من بيعه ، وبذلوه لله وعوّضوا اليتيمين. فأمر بالقبور فنبشت ، وبالخرب فسوّيت. وبنى عضادتيه (٢) بالحجارة ، وجعل سواريه (٣) من جذوع النّخل ، وسقفه بالجريد. وعمل فيه المسلمون حسبة.

فمات أبو أمامة أسعد بن زرارة الأنصاريّ تلك الأيام بالذّبحة (٤). وكان من سادة الأنصار ومن نقبائهم الأبرار. ووجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجدا لموته ، وكان قد كواه. ولم يجعل على بني النّجّار بعده نقيبا وقال : أنا نقيبكم. فكانوا يفخرون بذلك.

وكانت يثرب لم تمصّر ، وإنّما كانت قرى مفرّقة : بنو مالك بن النّجّار في قرية ، وهي مثل المحلّة ، وهي دار بني فلان. كما في الحديث : «خير

__________________

(١) قال ابن هشام ٢ / ٢٣٨ «وهم أخواله دنيا ـ أمّ عبد المطّلب سلمى بنت عمرو».

(٢) العضادة : من الطريق ، الناحية ، وأعضاد البيت : نواحيه. (تاج العروس ٨ / ٣٨٣ ، ٣٨٤).

(٣) السارية : الأسطوانة من حجر أو آجرّ.

(٤) الذبحة : داء يأخذ في الحلق وربّما قتل ، أو قرحة تظهر فيه فينسدّ معها وينقطع النّفس فيقتل.

يقال : أخذته الذّبحة. (تاج العروس ٦ / ٣٧٢).

٣١

دور الأنصار دار بني النّجّار»(١).

وكان بنو عديّ بن النّجّار لهم دار ، وبنو مازن بن النّجّار كذلك ، وبنو سالم كذلك ، وبنو ساعدة كذلك ، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك ، وبنو عمرو بن عوف كذلك ، وبنو عبد الأشهل كذلك ، وسائر بطون الأنصار كذلك.

قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وفي كلّ دور الأنصار خير» (٢).

وأمر عليه‌السلام بأن تبنى المساجد في الدّور. فالدّار ـ كما قلنا ـ هي القرية. ودار بني عوف هي قباء. فوقع بناء مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بني مالك بن النّجّار ، وكانت قرية صغيرة.

وخرّج البخاري (٣) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل في بني عمرو بن عوف ، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة. ثم أرسل إلى بني النّجّار فجاءوا.

وآخى في هذه المدّة بين المهاجرين والأنصار. ثم فرضت الزكاة. وأسلم الحبر عبد الله بن سلام ، وأناس من اليهود ، [وكفر سائر اليهود] (٤).

* * *

قصّة إسلام ابن سلام

قال عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس رضي‌الله‌عنه ، قال : جاء

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٢٤ : كتاب الفضائل ، باب فضل دور الأنصار.

(٢) صحيح البخاري : الموضع السابق.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٦٣ : كتاب الفضائل : باب مقدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه المدينة.

(٤) زيادة من «ح». وأوردها ابن الملّا في المنتقى بلفظ «وكفر سائرهم».

٣٢

عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنّك رسول الله حقّا. ولقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن سيّدهم ، وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي أسلمت. فأرسل إليهم فأتوا ، فقال لهم : يا معشر يهود ، ويلكم اتّقوا الله ، فو الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله فأسلموا. قالوا : ما نعلمه ، فأعاد (١) ذلك عليهم ثلاثا. ثم قال : فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام (٢)؟ قالوا : ذلك سيّدنا وابن سيّدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال : أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا : حاش [لله] (٣) ، ما كان ليسلم. قال :[٥ أ] يا بن سلام اخرج عليهم. فخرج عليهم ، فقال : ويلكم اتّقوا الله ، فو الّذي لا إله إلّا هو (٤) إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله حقّا ، قالوا : كذبت. فأخرجهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرجه البخاريّ بأطول منه (٥).

وأخرج من حديث حميد عن أنس رضي‌الله‌عنه ، قال : سمع عبد الله ابن سلام بقدوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو في أرض ، فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ : ما أول أشراط السّاعة؟ وما أول طعام أهل الجنّة؟ وما ينزع الولد (٦) إلى أبيه أو إلى أمّه؟ قال : أخبرني بهنّ جبريل آنفا. قال : ذاك عدوّ اليهود من الملائكة. قال : ثم قرأ (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) (٧). أمّا أوّل أشراط السّاعة ، فنار تخرج

__________________

(١) في «ع» : (فإنّما ردّ) تحريف.

(٢) في سيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٧ «الحصين بن سلام».

(٣) سقطت من الأصل. وزدناها من ع ، ح. والسيرة النبويّة لابن كثير ٢ / ٢٩٥.

(٤) في الأصل ، ع : (إلّا الله) وأثبتنا نص ح والبخاري وعن ابن كثير : «فو الله الّذي لا إله إلّا هو».

(٥) صحيح البخاري ٤ / ٢٥٢ : كتاب الفضائل ، باب هجرة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(٦) في ع : وما أول ما ينزع الولد إلى أبيه ، ونصّ البخاري «وما بال الولد ينزع». (انظر السيرة لابن كثير ٢ / ٢٩٦).

(٧) سورة البقرة : من الآية ٩٧.

٣٣

على النّاس من المشرق إلى المغرب. وأمّا أول طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت. وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه ، وإذا سبق ماء المرأة (١) نزع إلى أمّه. فتشهّد وقال : إنّ اليهود قوم بهت (٢) ، وإنّهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عنّي بهتوني. فجاءوا ، فقال : أيّ رجل عبد الله فيكم؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيّدنا وابن سيّدنا. قال : أرأيتم إن أسلم؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك. فخرج فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله. فقالوا : شرّنا وابن شرّنا ، وتنقّصوه. قال : هذا الّذي كنت أخاف يا رسول الله (٣).

وقال عوف الأعرابيّ ، عن زرارة بن أوفى ، عن عبد الله بن سلام قال : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة انجفل النّاس قبله ، قالوا : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فجئت لأنظر ، فلما رأيته عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب. فكان أول شيء سمعته منه أن قال : يا أيّها النّاس ، أطعموا الطّعام ، وأفشوا السّلام ، وصلوا الأرحام ، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام ، تدخلوا الجنّة بسلام. صحيح (٤).

وروى أسباط بن نصر ، عن السّدّي ، عن أبي مالك ، وأبي صالح ، عن ابن عبّاس ، وعن مرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٥) ، قال : كانت العرب تمرّ باليهود فيؤذونهم. وكانوا يجدون محمّدا في التّوراة ،

__________________

(١) في ع : وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ... (انظر ابن كثير ٢ / ٢٩٦).

(٢) البهت : الكذب.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٦٠ ، ٢٦١ : كتاب الفضائل ، باب في إسلام عبد الله بن سلام.

(٤) المسند لأحمد بن حنبل (٥ / ٤٥١) وسنن الترمذي (٢ / ٧٩).

(٥) سورة البقرة : من الآية ٨٩.

٣٤

فيسألون الله أن يبعثه فيقاتلون معه العرب. فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل.

* * *

قصّة بناء المسجد

قال أبو التّيّاح (١) ، عن أنس رضي‌الله‌عنه ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ملأ بني النّجّار فجاءوا ، فقال : يا بني النّجّار ، ثامنوني بحائطكم هذا (٢). قالوا : لا والله ، لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله. فكان فيه ما أقول لكم : كان (٣) فيه قبور المشركين ، وكان فيه خرب ونخل (٤). فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبور المشركين فنبشت ، وبالخرب فسوّيت ، وبالنّخل فقطع. فصفّوا النّخل قبلة [المسجد] (٥) ، وجعلوا عضادتيه حجارة ، وجعلوا ينقلون [ذاك] (٦) الصّخر ، وهم يرتجزون ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم ، ويقولون :

اللهمّ [إنّه] (٧) لا خير إلّا خير الآخرة فانصر [٥ ب] الأنصار والمهاجرة.

متّفق عليه (٨). وفي رواية : فاغفر للأنصار.

__________________

(١) هو يزيد بن حميد الضّبعي.

(٢)ثامنوني بحائطكم ، وقد وردت في موضع آخر من «صحيح البخاري» ٤ / ٢٦٦ : «ثامنوني حائطكم» ، أي اجعلوا له ثمنا. أو سوموني ، كما في شرح البخاري.

(٣) في صحيح البخاري «كانت».

(٤) في صحيح البخاري : «وكان فيه نخل».

(٥) زيادة من صحيح البخاري.

(٦) زيادة من صحيح البخاري.

(٧) زيادة من صحيح البخاري.

(٨) البخاري ٤ / ٢٦٦ كتاب الفضائل ، باب مقدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه المدينة ، ومسلم (٥٢٤) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب ابتناء مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٣٥

وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، في قصّة بناء المسجد : فطفق هو وأصحابه ينقلون اللّبن ، ويقول وهو ينقل اللّبن معهم :

هذا الحمال ، لا حمال خيبر

هذا أبرّ ـ ربّنا ـ وأطهر

ويقول :

اللهمّ لا خير الآخرة (١)

فارحم الأنصار والمهاجرة

قال ابن شهاب : فتمثّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعشر رجل من المسلمين لم يسمّ في الحديث. ولم يبلغني في الحديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تمثّل ببيت شعر غير هذه الأبيات.

ذكره البخاري في صحيحه (٢).

وقال صالح بن كيسان : ثنا نافع أنّ عبد الله أخبره أنّ المسجد كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مبنيّا باللّبن ، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النّخل. فلم يزد فيه أبو بكر شيئا. وزاد فيه عمر ، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باللّبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا. وغيّره عثمان ، فزاد فيه زيادة كبيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة (٣) ، وجعل عمده من حجارة منقوشة ، وسقفه بالسّاج (٤). أخرجه البخاري (٥).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن يعلى بن شدّاد ، عن عبادة

__________________

(١) في السيرة لابن كثير ٢ / ٣٠٤ «لا همّ إنّ الأجر أجر الآخرة».

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢٦٦ : كتاب الفضائل : باب هجرة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(٣) القصّة : الجصّة ، وقيل : الحجارة من الجصّ. كما في النهاية لابن الأثير.

(٤) السّاج : ضرب عظيم من الشجر ، وخشب أسود يشبه الأبنوس ، لا ينبت إلّا بالهند (تاج العروس ٦ / ٤٩ ، ٥٠).

(٥) صحيح البخاري : كتاب الصلاة ، باب بنيان المسجد.

٣٦

رضي‌الله‌عنه ، أنّ الأنصار جمعوا مالا ، فأتوا به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : ابن بهذا المسجد وزيّنه ، إلى متى نصلّي تحت هذا الجريد؟ فقال : ما بي رغبة من أخي موسى ، عريش كعريش موسى(١).

وروي عن الحسن البصريّ في قوله «كعريش موسى» ، قال : إذا رفع يده بلغ العريش ، يعني السّقف.

وقال عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق بن عليّ ، عن أبيه قال : بنيت مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجد المدينة ، فكان يقول : قرّبوا اليماميّ (٢) من الطّين ، فإنّه من أحسنكم له بناء.

وقال أبو سعيد الخدريّ رضي‌الله‌عنه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : المسجد الّذي أسّس على التّقوى مسجدي هذا. أخرجه مسلم بأطول منه (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا مسجد الكعبة. صحيح (٤).

وقال أبو سعيد رضي‌الله‌عنه : كنّا نحمل لبنة لبنة ، وعمّار يحمل لبنتين لبنتين ، يعني في بناء المسجد. فرآه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل ينف عنه

__________________

(١) انظر : دلائل النبوّة للبيهقي (٢ / ٢٦٢) ، والبداية والنهاية لابن كثير : (٣ / ٢١٥) ، ووفاء ألوفا بأخبار دار المصطفى للمسهودي (١ / ٢٤٢) قال ابن كثير : وهذا حديث غريب من هذا الوجه : (انظر السيرة النبويّة له ٢ / ٣٠٤).

(٢) اليماميّ : نسبة إلى اليمامة. وهو طلق بن عليّ السّحيمي ، ويقال طلق بن ثمامة. كان من الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليمامة فأسلموا. مشهور له صحبة وفائدة ورواية.

ترجمته في طبقات ابن سعد (٥ / ٥٥٢). أسد الغابة (٣ / ٩٢). الإصابة في تمييز الصّحابة (٢ / ٢٣٢ ، تهذيب التهذيب (٥ / ٣٣).

(٣) صحيح مسلم ١٣٩٨ : كتاب الحجّ ، باب بيان أنّ المسجد الّذي أسّس على التّقوى هو مسجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة.

(٤) صحيح البخاري ٢ / ٥٦ : كتاب الصلاة ، أبواب التطوّع ، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. وصحيح مسلم ١٣٥٤ : كتاب الحجّ ، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.

٣٧

التراب ويقول : «ويح عمّار ، تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النّار». أخرجه البخاريّ دون قوله «تقتله الفئة الباغية» ، وهي زيادة ثابتة الإسناد(١).

ونافق طائفة من الأوس والخزرج ، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم. فممّن ذكر منهم : من أهل قباء : الحارث بن سويد بن الصّامت.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الصلاة ، باب التعاون في بناء المسجد. ولم ترد جملة «تقتله الفئة الباغية» في روايتي أبي ذرّ والأصيلي عن البخاري.

وقول الذهبي «زيادة ثابتة الإسناد» يفسّره قول ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري ١ / ٤٥١) : «واعلم أنّ هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في الجمع» وقال : إنّ البخاري لم يذكرها أصلا ، وكذا قال أبو مسعود. قال الحميديّ : ولعلّها لم تقع للبخاريّ ، أو وقعت فحذفها عمدا. قال : وقد أخرجها الإسماعيليّ والبرقاني في هذا الحديث. قلت : ويظهر لي أنّ البخاري حذفها عمدا ، وذلك لنكتة خفيّة ، وهي أنّ أبا سعيد الخدريّ اعترف أنّه لم يسمع هذه الزيادة من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فدلّ على أنّها في هذه الرواية مدرجة. والرواية الأولى التي بيّنت ذلك ليست على شرط البخاري. وقد أخرجها البزّار من طريق داود بن أبي هند ، عن أبي ندرة ، عن أبي سعيد ، فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة ، وفيه : فقال أبو سعيد : فحدّثني أصحابي ولم أسمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يا بن سميّة ، تقتلك الفئة الباغية». وأخرج الحديث : مسلم (٢٩١٦) في الفتن ، باب : لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء. وعن أمّ سلمة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمّار : «تقتلك الفئة الباغية». وعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمّار : «أبشر عمّار تقتلك الفئة الباغية». (رواه التّرمذي ٣٨٠٢) في المناقب ، باب ، مناقب عمّار بن ياسر ، وهو حديث صحيح. وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب. وفي الباب : عن أمّ سلمة ، وعبد الله بن عمر ، وأبي اليسر ، وحذيفة. وقال ابن حجر : روى حديث «تقتل عمّارا الفئة الباغية» جماعة من الصحابة ، منهم : قتادة بن النعمان ، وأمّ سلمة عند مسلم. وأبو هريرة عند الترمذي ، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي ، وعثمان بن عفان ، وحذيفة ، وأبو أيوب ، وأبو رافع ، وخزيمة بن ثابت ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، وأبو اليسر ، وعمّار نفسه ، وكلها عند الطبراني وغيره ، وغالب طرقها صحيحة ، أو حسنة ، وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم. (جامع الأصول ٩ / ٤٣) ورواه الطبراني في المعجم الكبير ٤ / ٩٨ رقم ٣٧٢٠ و ٤ / ٢٠٠ رقم (٤٠٣٠ و ١ / ٣٠٠ رقم ٩٥٤) و (المعجم الصغير ١ / ١٨٧) وابن جميع الصّيداوي في (معجم الشيوخ ٢٨٤ بتحقيقنا) وابن عساكر في (تاريخ دمشق ٩ / ٣٥٥) و (تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ١٥٠).

٣٨

وكان أخوه خلّاد رجلا صالحا ، وأخوه الجلاس (١). دون خلّاد في الصّلاح.

ومن المنافقين : نبتل بن الحارث (٢). وبجاد (٣) بن عثمان. وأبو حبيبة ابن الأزعر أحد من بنى مسجد الضّرار (٤). وجارية بن عامر ، وابناه : زيد ومجمّع. وقيل لم يصحّ عن مجمّع النّفاق ، وإنّما ذكر فيهم لأنّ قومه جعلوه إمام مسجد الضّرار (٥). وعبّاد بن حنيف. وأخواه سهل وعثمان من فضلاء الصّحابة.

ومنهم :

بشر ، ورافع ، ابنا زيد. ومربع ، وأوس ، ابنا قيظيّ (٦). وحاطب بن أميّة ، ورافع [٦ أ] بن وديعة ، وزيد بن عمرو ، وعمرو بن قيس ، ثلاثتهم من بني النّجّار ، والجدّ بن قيس الخزرجي ، من بني جشم ، وعبد الله بن أبيّ بن سلول ، من بني عوف بن الخزرج ، وكان رئيس القوم.

وممّن أظهر الإيمان من اليهود ونافق بعد :

__________________

(١) الجلابس : بالجيم ، في : المحبّر لابن حبيب ٤٦٧ ، والمعارف لابن قتيبة ٣٤٣ ، وأنساب الاشراف للبلاذري ١ / ٢٧٥ ، والاستيعاب لابن عبد البرّ ٢٦٤ ، والإكمال لابن ماكولا ٣ / ١٧٠ ، وأسد الغابة لابن الأثير ١ / ٢٩١ ، ومشتبه النسبة للذهبي ١ / ١٩٦ ، والوافي بالوفيات للصفدي ١١ / ١٧٨ رقم ٢٦٢ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ٤٥٣ ، والإصابة لابن حجر ١٥ / ٥٠٩ وانظر عنه : سيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٨ و ٢٦١ وأثبته محقّقا : جوامع السيرة لابن حزم (الخلاس) بالخاء ، وكذا محقّق : الدرر لابن عبد البرّ.

(٢) من بني لوذان بن عمرو بن عوف : وهو الّذي قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث».(سيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٩)

(٣) في الأصل وسائر النسخ : نجاد بالنون ، والتصحيح من ابن هشام (٢ / ٢٥٩) ، والمحبّر (٤٦٧) وأنساب الأشراف (١ / ٢٧٥) وتاريخ الطبري (٣ / ١١١). وأثبته شعيرة ـ ص ٨٠ «نجاب» وهو ترجيح خاطئ.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٩.

(٥) السيرة.

(٦) السيرة ٢ / ٢٦١.

٣٩

أسعد (١) بن حنيف ، وزيد بن اللّصيت ، ورافع بن حرملة (٢) ، ورفاعة ابن زيد بن التّابوت (٣) ، وكنانة بن صوريا (٤).

ومات فيها : البراء بن معرور السّلمي (٥) أحد نقباء العقبة رضي‌الله‌عنه. وهو أول من بايع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة العقبة ، وكان كبير الشّأن.

وتلاحق المهاجرون الذين تأخّروا بمكة بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلم يبق إلّا محبوس أو مفتون. ولم يبق دار من دور الأنصار إلّا أسلم أهلها. إلّا أوس [الله] (٦) ، وهم حيّ من الأوس ، فإنّهم أقاموا على شركهم.

ومات فيها : الوليد بن المغيرة المخزوميّ والد خالد ، والعاص بن وائل السّهميّ والد عمرو بمكة على الكفر.

وكذلك : أبو أحيحة سعيد بن العاص الأمويّ توفّي بماله بالطّائف.

وفيها : أري الأذان عبد الله بن زيد ، وعمر بن الخطاب ، فشرع الأذان على ما رأيا (٧).

__________________

(١) في الأصول ، وطبعة القدسي وطبعة شعيرة «سعد» والتصويب من سيرة ابن هشام ٢ / ٢٦١.

(٢) ويقال «ابن حريملة» بالتصغير. انظر : المحبّر ٤٧٠ وأنساب الأشراف ١ / ٢٨٥ والدرر لابن عبد البر ١٠٢ وعيون الأثر ١ / ٢١٨ وسيرة ابن هشام ٢ / ٢٦١ وقال : «وهو الّذي قال له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين مات ـ : «قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين».

(٣) المحبّر ٤٧٠.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٦٢ وفي المحبّر ٤٧٠ «صويراء».

(٥) السّلمي : نسبة إلى سلمة (بكسر اللّام) بطن من الأنصار. والنّسبة إليها عند النّحويين بفتح اللّام ، والمحدّثون يكسرونها. (اللباب في تهذيب الأنساب : ٢ / ١٢٩). انظر عنه : المحبّر ٢٧٠ و ٢٧١ و ٢٧٣ و ٤١٦.

(٦) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع ، ح.

(٧) في الأصل وفي طبعة شعيرة ٨٢ ، (رأينا) والتصحيح من ع. ح ، وانظر حول ذلك : الطبقات الكبرى ١ / ٢٤٦ وما بعدها ، وسيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٣ ، وعيون الأثر ١ / ٢٠٣ ، والسيرة لابن كثير ٢ / ٣٣٤.

٤٠