تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

عروة : فو الله ما زالت في حذيفة بقيّة خير حتى لقي الله. أخرجه البخاري (١).

وقال ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن سعد بن أبي وقّاص قال : كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسيفين ، ويقول : أنا أسد الله.

رواه يونس بن بكير ، عن ابن عون ، عن عمير مرسلا ، وزاد : فعثر فصرع مستلقيا وانكشفت الدّرع عن بطنه ، فزرقه العبد الحبشيّ فبقره.

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن سليمان بن يسار ، عن جعفر بن أميّة الضّمري قال : خرجت مع عبيد الله بن عديّ بن الخيار إلى الشّام. فلما قدمنا حمص قال عبيد الله : هل لك في وحشيّ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت : نعم. وكان وحشيّ يسكن حمص ، فسألنا عنه ، فقيل لنا : هو ذاك في ظلّ قصره كأنّه حميت (٢). فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا فسلّمنا ، فردّ علينا السلام. وكان عبيد الله معتجرا بعمامته ، ما يرى وحشيّ إلّا عينيه ورجليه. فقال عبيد الله : يا وحشيّ ، تعرفني؟ فنظر إليه فقال : لا والله ، إلّا أنّي أعلم أنّ عديّ بن الخيار تزوّج امرأة يقال لها أمّ قتال بنت أبي العيص ، فولدت غلاما بمكّة فاسترضعته ، فحملت ذلك الغلام مع أمّه فناولتها إيّاه ، لكأنّي نظرت إلى قدميك. قال : فكشف عبيد الله عن وجهه ، ثم قال : ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال : نعم. إنّ حمزة قتل طعيمة بن عديّ بن الخيار ببدر. فقال لي مولاي جبير بن مطعم : إن قتلت

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (٥ / ١٢٥).

(٢) الحميت : الزّقّ (عن هامش ع). قال الزبيدي في التاج ٤ / ٤٩٧ : الحميت : الزّقّ الصغير ، أو الزّق المشعر الّذي يجعل فيه السمن والعسل والزيت .. وفي حديث وحشيّ : «كأنّه حميت» أي زقّ. وفي حديث هند لما أخبرها أبو سفيان بدخول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، قالت : «اقتلوا الحميت الأسود» تعنيه استعظاما لقوله.

١٨١

حمزة بعمّي فأنت حرّ. فلمّا خرج الناس عن (١) عينين ـ وعينين (٢) جبل تحت أحد ، بينه وبين أحد واد ـ خرجت مع النّاس إلى القتال. فلما أن اصطفّوا للقتال خرج سباع : فقال : هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة ، فقال : يا سباع يا بن مقطّعة البظور (٣) ، تحادّ الله ورسوله؟ ثم شدّ عليه ، فكان كأمس الذاهب. قال فكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مرّ عليّ ، فرميته بحربتي فأضعها في ثنته (٤) حتى خرجت من وركه ، فكان ذاك العهد به. فلما رجع النّاس رجعت معهم ، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ، ثم خرجت إلى الطّائف. قال : وأرسلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسلا ، وقيل إنّه لا تهيج الرّسل ، فخرجت معهم. فلما رآني قال : أنت وحشيّ؟ قلت : نعم. قال : الّذي قتل حمزة؟ [٣٥ أ] قلت : نعم ، قد كان الأمر الّذي بلغك. قال : ما تستطيع أن تغيّب عنّي وجهك؟ قال : فرجعت. فلما توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخرج مسيلمة ، قلت : لأخرجنّ إليه لعلّي أقتله فأكافئ به حمزة. فخرجت مع النّاس وكان من أمرهم ما كان ، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنّه جمل أورق ثائر رأسه. قال : فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ، ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسّيف على هامته.

قال سليمان بن يسار : فسمعت ابن عمر يقول : قالت جارية على ظهر بيت : وا أمير المؤمنين ، قتله العبد الأسود (٥).

__________________

(١) كذا بالأصل ، ورواية البخاري «عام عينين».

(٢) في الأصل : وعينون. والمثبت عن البخاري.

(٣) البظور : بضم الباء ، مفردها بظر ، ما بين استي المرأة. (تاج العروس ١٠ / ٢١٦).

(٤) الثنة : وسط الإنسان (عن الهامش) وهي ما بين السّرّة إلى العانة. وفي تاريخ الطبري :

٢ / ٥١٧ : «فوقعت في لبّته حتى خرجت من بين رجليه». وفي تاريخ الخميس ١ / ٤٧٩ «فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه». وانظر : السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٩.

(٥) تاريخ الخميس ١ / ٤٨٠.

١٨٢

أخرجه البخاري (١).

قال ابن إسحاق (٢) : ذكر الزّهري قال : كان أوّل من عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الهزيمة وقول النّاس : قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كعب بن مالك. قال : عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر ، فناديت : يا معشر المسلمين. أبشروا ، هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأشار إليّ أن أنصت ، ومعه جماعة. فلما أسند في الشّعب (٣) أدركه أبيّ بن خلف وهو يقول : يا محمد (٤) ، لا نجوت إن نجوت. الحديث.

وقال هاشم بن هاشم الزّهري : سمعت سعيد بن المسيّب ، سمع سعدا يقول : نثل لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنانته يوم أحد ، وقال : إرم ، فداك أبي وأمّي.

أخرجه البخاري (٥).

وقال ابن إسحاق (٦) : حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الزّبير قال : فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد ظاهر بين درعين يومئذ ، فلم يستطيع أن ينهض إليها ، يعني إلى صخرة في الجبل ، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى استوى عليها (٧). فقال رسول

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي : باب قتل حمزة رضي‌الله‌عنه (٥ / ١٢٨).

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٨ و ١٦٦ ، الأغاني ١٥ / ١٩٥ ، ١٩٦.

(٣) أسند فيه : أي رقى فيه.

(٤) في السيرة : «أي محمد» ٣ / ١٦٦ وفي تاريخ الطبري ٢ / ٥١٨ «أين محمد» وكذلك في السير والمغازي لابن إسحاق ٣٣١.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (٥ / ١٢٤). والنظر السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٨.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٧ ، ١٦٨.

(٧) السير والمغازي لابن إسحاق ٣٣٢.

١٨٣

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أوجب طلحة (١).

وقال حميد ، عن أنس قال : غاب أنس بن النّضر ، عمّ أنس بن مالك ، عن قتال بدر ، فقال : غبت عن أوّل قتال قاتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لئن الله أشهدني قتالا ليرينّ الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال : اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء؟ يعني المشركين ، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء ، يعني المسلمين. ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ ، فقال : أي سعد ، والّذي نفسي بيده إنّي لأجد ريح الجنّة دون أحد ، واها لريح الجنّة! قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس : وجدناه بين القتلى ، به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم ، قد مثّلوا به فما عرفناه ، حتى عرفته أخته ببنانه (٢). قال أنس : فكنّا نقول : أنزل فيه هذه الآية (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (٣) ، أنّها فيه وفي أصحابه. متّفق عليه (٤) ، لكنّ مسلم من حديث ثابت البناني ، عن أنس.

وقال محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أنّ عمرو بن أقيش كان له ربّا في الجاهلية ، فكره أن يسلم حتى يأخذه. فجاء يوم أحد فقال : أين بنو عمّي؟ قالوا : بأحد. فلبس لأمته وركب فرسه ثم توجّه قبلهم ، فلما رآه المسلمون قالوا : إليك عنّا. قال : إنّي قد آمنت. فقاتل حتى جرح ، فحمل جريحا ، فجاءه سعد بن معاذ فقال لأخته : سليه ، حميّة

__________________

(١) كذا رواه الترمذي وأورده في الرياض النضرة بتغيير يسير عن عبد الله بن الزبير عن أبيه.

وأخرجه أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح. (انظر تاريخ الخميس ١ / ٤٩٢).

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٥١٧ ، ٥١٨ السير والمغازي لابن إسحاق ٣٣٠ ، النهاية لابن الأثير ١ / ١٥٧.

(٣) سورة الأحزاب : من الآية ٢٣.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة أحد (٥ / ١٢٢) وصحيح مسلم : كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد (٦ / ٤٥). وانظر المنتقى ، وتاريخ الخميس ١ / ٤٨٩.

١٨٤

لقومك أو غضبا لله؟ قال : بل غضبا [٣٥ ب] لله ورسوله. فمات فدخل الجنّة وما صلّى صلاة.

أخرجه أبو داود (١).

وقال حيّويه بن شريح المصري : حدّثني أبو صخر حميد بن زياد ، أنّ يحيى بن النّضر حدّثه عن أبي قتادة ، قال : أتى عمرو بن الجموح (٢) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل ، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنّة؟ وكان أعرج ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم. فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم ، فمرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : كأنّي أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة. وأمر بهما وبمولاهما فجعلا في قبر واحد (٣).

وقال ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيّب قال ، قال عبد الله بن جحش : اللهمّ إنّي أقسم عليك أن ألقى العدوّ غدا فيقتلوني ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني ، ثم تسألني بم ذاك ، فأقول : فيك. قال سعيد بن المسيّب : إنّي لأرجو أن يبرّ الله آخر قسمه كما أبرّ أوله (٤).

وروى الزّبير بن بكّار في «الموفّقيّات» (٥) ، عن عبد الله بن جحش ، أنّ سيفه انقطع ، فأعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرجونا فصار في يده سيفا. فكان يسمّي العرجون ، ولم يزل يتناول (٦) حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار (٧).

__________________

(١) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله تعالى (٢ / ١٩).

(٢) انظر عنه : المحبّر ٣٠٤.

(٣) الإصابة ٢ / ٥٣٠.

(٤) الاستيعاب : ٢ / ٢٧٤ وصفة الصفوة ١ / ٣٨٥ ، ٣٨٦.

(٥) الأخبار الموفقيات ، ٣٩٠ ، ٣٩١ و ٦٢٣.

(٦) كذا في الأصل ، ع والموفقيات المطبوع ، وعبارة ابن الملا «يتداول». ولعلها الوجه.

(٧) الأخبار الموفقيات : ص ٣٩٠ ، ٦٢٣. وانظر الخبر أيضا في الاستيعاب لابن عبد البر

١٨٥

وكان عبد الله من السابقين ، أسلم قبل دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة هو وإخوته وشهد بدرا.

وقال معمر ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي : ثنا أشياخنا أنّ عبد الله بن جحش جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد وقد ذهب سيفه ، فأعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عسيبا من نخل ، فرجع في يد عبد الله سيفا. مرسل.

عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، قال : بعثني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع ، وقال لي : إن رأيته فأقرئه منّي السّلام وقل له : يقول لك رسول الله كيف تجدك؟ فجعلت أطوف بين القتلى ، فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ، فقلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ عليك السّلام ويقول لك : خبّرني كيف تجدك؟ قال : على رسول الله السّلام وعليك ، قل له : يا رسول الله أجد ريح الجنّة ، وقل لقومي الأنصار : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شفر يطرف (١). قال : وفاضت نفسه (٢).

أخرجه البيهقي ، ثم ساقه فيما بعد من حديث محمد بن إسحاق (٣) ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المازني ، منقطعا ، فهو شاهد لما رواه خارجة.

وقال موسى بن عقبة : ثم انكفأ المشركون إلى أثقالهم ، لا يدري المسلمون ما يريدون. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال (٤)

__________________

(٢) / ٢٧٢ ، ٢٧٣ والإصابة لابن حجر ٢ / ٢٨٦ ، ٢٨٧.

(١) الشفر : شفر العين ، وهو أصل منبت الشعر في الجفن. (تاج العروس ١٢ / ٢٠٧).

(٢) انظر الموطأ للإمام مالك كتاب الجهاد ٣١٠ رقم ١٠٠٤ ، صفة الصفوة ١ / ٤٨٠ ، ٤٨١ ، تاريخ الخميس ١ / ٤٩٥ ، الأغاني ١٥ / ٢٠٠ ، ٢٠١ ، السير والمغازي ٣٣٤ ، ٣٣٥.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧١.

(٤) الأثقال : جمع الثقل ، محركة ، وهو متاع المسافر وحشمه.

١٨٦

تتبع آثار الخيل ، فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذّراريّ ، وأقسم بالله لئن فعلوا لأواقعنّهم في جوفها ، وإن كانوا ركبوا الأثقال وجنّبوا الخيل فهم يريدون الفرار (١). فلما أدبروا بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن أبي وقّاص في آثارهم. فلما رجع قال : رأيتهم سائرين على أثقالهم والخيل مجنوبة. قال : فطابت أنفس القوم ، وانتشروا [٣٦ أ] يبتغون قتلاهم. فلم يجدوا قتيلا إلّا مثّلوا به ، إلّا حنظلة بن أبي عامر (٢) ، وكان أبوه مع المشركين فترك (٣) لأجله. وزعموا أنّ أباه وقف عليه قتيلا فدفع صدره برجله ثم قال : ذنبان أصبتهما ، قد تقدّمت إليك في مصرعك هذا يا دبيس (٤) ، ولعمر الله إن كنت لواصلا للرّحم برّا بالوالد.

ووجدوا حمزة بن عبد المطّلب قد بقر بطنه وحملت كبده ، احتملها وحشيّ وقد قتله ، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر. فدفن في نمرة (٥) كانت عليه ، إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه ، فغطّوا قدميه بشيء من الشجر (٦).

وقال الزّهري : فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : زمّلوهم بدمائهم ، فإنّه ليس أحد

__________________

(١) المغازي لعروة ٣٣٤ ، سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٠ ، ١٧١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٢٧ ، الأغاني ١٥ / ٢٠١.

(٢) هو المعروف بغسيل الملائكة ، انظر عنه : تاريخ خليفة ١ / ٣٤ ، الجرح والتعديل ٣ / ٢٣٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٠٤ ، حلية الأولياء ١ / ٣٥٧ ، الطبري ٢ / ٥٢١ ، ٥٢٢ ، الاستيعاب ١ / ٣٨٠ ، المعارف ٣٤٣ ، طبقات الصوفية ٤٠٣ ، أنساب الأشراف ١ / ٣٢٠ ، ٣٢١ و ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١٧٠ ، صفة الصفوة ١ / ٢٤٨ ، الوافي بالوفيات ١٣ / ٢٠٧ ، الإصابة ١ / ٣٦٠ ، تعجيل المنفعة ١٠٨.

(٣) في الأصل : فنزل. والتصحيح من ع.

(٤) يراد بالدبيس : عسل التمر ، وهو نداء حلو من الأب المشرك لابنه المسلم الشهيد. (انظر نسخة شعيرة ٢٠٣ حاشية ١).

(٥) النمرة : كل شملة مخطّطة من مآزر الأعراب. (تاج العروس ١٤ / ٢٩٤).

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٢.

١٨٧

يكلم في الله إلّا وهو يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي ، لونه لون الدّم وريحه ريح المسك (١).

وقال : إنّ المشركين لن يصيبوا منّا مثلها. وقد كان أبو سفيان ناداهم حين ارتحل المشركون : إنّ موعدكم الموسم ، موسم بدر. وهي سوق كانت تقوم ببدر كلّ عام. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قولوا له : نعم (٢).

قال : ودخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإذا النّوح في الدّور. قال : ما هذا؟ قالوا : نساء الأنصار يبكين قتلاهم. وأقبلت امرأة تحمل ابنها وزوجها على بعير ، قد ربطتهما بحبل ثم ركبت بينهما وحمل ، قيل (٣) : فدفنوا في مقابر المدينة ، فنهاهم عن ذلك وقال : واروهم حيث أصيبوا (٤).

وقال لما سمع البكاء : لكنّ حمزة لا بواكي له. واستغفر له ، فسمع ذلك سعد بن معاذ وابن رواحة وغيرهما ، فجمعوا كلّ نائحة وباكية بالمدينة ، فقالوا : والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عمّ رسول الله. فلما سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبكاء ، قال : ما هذا؟ قال : فأخبر ، فاستغفر لهم وقال لهم خيرا ، وقال : ما هذا أردت وما أحبّ البكاء ، ونهى عنه (٥).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع (٦) الأنصاريّ قال : انتهى أنس بن النّضر إلى عمر ، وطلحة ، ورجال قد ألقوا بأيديهم فقال : ما يجلسكم؟ فقالوا : قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٢٠.

(٢) انظر السيرة ٣ / ١٧٠.

(٣) كذا في الأصل ، ع.

(٤) انظر مثله في سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٢.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٢ ، ١٧٣ ، والمغازي لعروة ١٧١.

(٦) في طبعة القدسي ١٦٨ وطبعة شعيرة ٢٠٤ «نافع» والتصحيح من الجرح والتعديل ٧ / ١١٣ رقم ٦٥٢ وسيرة ابن هشام.

١٨٨

استقبل القوم فقاتل حتى قتل (١).

قال ابن إسحاق : وقد كان حنظلة بن أبي عامر التقى هو وأبو سفيان بن حرب ، فلما استعلاه حنظلة رآه شدّاد بن الأسود. فضرب حنظلة بالسيف فقتله (٢).

وحدّثني عاصم بن عمرو بن قتادة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ صاحبكم لتغسله الملائكة ، يعني حنظلة ، فسألوا (٣) أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته قالت : خرج وهو جنب حين سمع الهيعة (٤). فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لذلك غسّلته الملائكة.

وقال البكّائي ، قال ابن إسحاق : وخلص العدوّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدثّ (٥) بالحجارة حتى وقع لشقّه فأصيبت رباعيّته ، وشجّ [٣٦ ب] في وجهه ، وكلمت شفته. وكان الّذي أصابه عتبة بن أبي وقّاص. فحدّثني حميد الطّويل ، عن أنس ، قال : كسرت رباعيّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، وشجّ في وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول. كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم وهو يدعوهم إلى ربّهم؟ فنزلت (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (٦).

وقال عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، قال :

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧ ، ١٥٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٢٢.

(٣) هكذا في الأصل ، وفي سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٤ ، وفي تاريخ الطبري ٢ / ٥٢٢ «فسلوا» ، وكذلك في المختصر لابن الملا.

(٤) الهيعة : الصوت الّذي تفزع منه وتخافه من العدو.

(٥) الدّثّ : الرمي المقارب المؤلم. (تاج العروس ٥ / ٢٤٧).

(٦) سورة آل عمران : الآية ١٢٨. والخبر في السيرة ابن هشام ٣ / ١٥٦ والطبقات لابن سعد ٢ / ٤٤ ، ٤٥.

١٨٩

جرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكسرت رباعيّته ، وهشمت البيضة على رأسه ، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تغسل الدم ، وعليّ يسكب الماء عليه بالمجنّ. فلما رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدم إلّا كثرة ، أخذت قطعة حصير أحرقته ، حتى إذا صار رمادا ألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم.

أخرجاه (١) ، ورواه مسلم من حديث سعيد بن أبي هلال ، عن أبي حازم عن سهل ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد أصيبت رباعيّته وهشمت بيضته. وذكر باقي الحديث (٢).

وقال معمر ، عن همّام ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اشتدّ غضب الله على قوم فعلوا برسول الله ، وهو يشير إلى رباعيّته ، اشتدّ غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله.

متّفق عليه (٣) ، وللبخاريّ مثله من حديث عكرمة ، عن ابن عبّاس. لكن فيه : دموا وجه رسول الله ، بدل ذكر رباعيّته (٤).

وقال ابن المبارك ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله : أخبرني عيسى بن طلحة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال : ذاك يوم كان كلّه يوم طلحة. ثم أنشأ يحدّث قال :

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حدّثنا قتيبة بن سعيد (٥ / ١٣٠) ، وصحيح مسلم (١٧٩٠) : كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة أحد ، ورواه ابن سعد في طبقاته ٢ / ٤٨.

(٢) صحيح مسلم : الموضع السابق.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب ما أصاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الجراح يوم أحد (٥ / ١٢٩) ، وصحيح مسلم (١٧٩٣) ، كتاب الجهاد والسير ، باب اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب ما أصاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الجراح يوم أحد (٥ / ١٢٩).

١٩٠

كنت أوّل من فاء (١) يوم أحد ، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دونه. وأراه قال : يحميه ، فقلت : كن طلحة ، حيث فاتني ما فاتني ، قلت : يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ. وبيني وبين المشركين (٢) رجلا لا أعرفه ، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه ، وهو يخطف المشي خطفا لا أخطفه. فإذا هو أبو عبيدة. فانتهينا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد كسرت رباعيّته وشجّ في وجهه ، وقد دخل في وجهه حلقتان من حلق المغفر. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عليكما صاحبكما ، يريد طلحة وقد نزف. فلم نلتفت إلى قوله ، وذهبت لأنزع ذلك من وجهه. فقال أبو عبيدة : أقسمت عليك بحقّي لما تركتني. فتركته. فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النّبيّ ، فأزمّ عليهما بفيه ، فاستخرج إحدى الحلقتين. ووقعت ثنيّته مع الحلقة. وذهبت لأصنع ما صنع ، فقال : أقسمت عليك بحقّي لما تركتني. ففعل ما فعل في المرّة الأولى ، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة. فكان أبو عبيدة من أحسن النّاس هتما ، فأصلحنا من شأن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار (٣) [٣٧ أ] ، فإذا بضع وسبعون ، أقلّ أو أكثر ، من بين طعنة ورمية وضربة ، وإذا قد قطعت إصبعه. فأصلحنا من شأنه.

وروى الواقديّ عن ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي الحويرث ، عن نافع بن جبير قال : سمعت رجلا من المهاجرين يقول : شهدت أحدا ، فنظرت إلى النّبل يأتي من كلّ ناحية ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسطها ، كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب

__________________

(١) فاء : رجع ، وفاء إلى الأمر يفيء. (تاج العروس ١ / ٣٥٥) وفي نسخة شعيرة ٢٠٥ «ناء» وهو تصحيف لا معنى له هنا.

(٢) في الأصل ، ع : (المشرق). وأثبتنا عبارة ابن الملا ، ولعلّها الوجه.

(٣) الجفار : جمع جفر ، البئر الواسعة التي لم تطو. أو هي التي طوي بعضها ولم يطو بعض (تاج العروس ١٠ / ٤٤٨).

١٩١

الزّهريّ يقول يومئذ : دلّوني على محمد ، فلا نجوت إن نجا. ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جنبه ما معه أحد ، [ثم] (١) تجاوزه فعاتبه في ذلك صفوان ، فقال : والله ما رأيته ، أحلف بالله أنّه منّا ممنوع ، خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله ، فلم نخلص إلى ذلك.

قال الواقديّ : الثّبت عندنا أنّ الّذي رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وجنتيه :ابن قمئة ، والّذي رمى شفتيه وأصاب رباعيّته : عتبة بن أبي وقّاص (٢).

وقال ابن إسحاق (٣) : حدّثني صالح بن كيسان ، عمّن حدّثه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : والله ما حرصت على قتل أحد قطّ ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقّاص ، وإن كان ما علمته لسيّء الخلق مبغّضا في قومه ، ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من دمّى وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

وقال معمر ، عن الزّهري ، وعن عثمان الجزري ، عن مقسم (٤) أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا على عتبة حين كسر رباعيته : اللهمّ لا تحل عليه (٥) الحول حتى يموت كافرا. فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النّار. مرسل.

ابن وهب : أنبأ عمرو بن الحارث ، حدّثني عمر بن السّائب ، أنّه بلغه أنّ والد أبي سعيد الخدريّ (٦) لما جرح النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، مصّ جرحه حتى أنقاه ولاح (٧) أبيض ، فقيل له : مجّه. فقال : لا والله لا أمجّه أبدا. ثم

__________________

(١) زيادة من ع.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥١٥.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥١٩.

(٤) مقسم : بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة ، وهو ابن بجرة. (الإصابة ٣ / ٤٥٥ رقم ٨١٨٥ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، رقم ٥٠٧).

(٥) في الأصل : عنه ، والتصحيح من ع.

(٦) هو مالك بن سنان. انظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٦ والإصابة ٣ / ٣٤٥ ، ٣٤٦.

(٧) في الأصل : ولا أبيض. والتحرير من ع.

١٩٢

أدبر فقاتل ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا». فاستشهد.

قال ابن إسحاق : قال حسّان بن ثابت (١) :

إذا الله جازى معشرا بفعالهم

ونصرهم الرّحمن ربّ المشارق

 فأخزاك ربّي يا عتيب بن مالك

ولقّاك قبل الموت إحدى الصّواعق

 بسطت يمينا للنّبيّ تعمّدا

فأدميت فاه ، قطّعت بالبوارق

 فهلّا ذكرت الله والمنزل الّذي

تصير إليه عند إحدى البوائق

 قال ابن إسحاق (٢) : وعن أبي سعيد الخدريّ ، أنّ عتبة كسر رباعيّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليمنى السّفلى ، وجرح شفته السّفلى. وأنّ عبد الله بن شهاب شجّه في جبهته. وأنّ ابن قمئة جرح وجنته ، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ، ووقع صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون ، فأخذ عليّ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورفعه طلحة [٣٧ ب] حتى استوى قائما. ومصّ مالك بن سنان ، أبو أبي سعيد [الخدريّ] (٣) ، الدّم عن وجهه ثم ازدرده ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مسّ دمه دمي لم تمسّه النّار. منقطع.

قال البكّائي : قال ابن إسحاق (٤) : وحدّثني عاصم بن عمر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رمى عن قوسه حتى اندقّت سيتها (٥) ، فأخذها قتادة بن النّعمان ، فكانت عنده. وأصيبت يومئذ عين قتادة ، حتى وقعت على وجنته. فحدّثني

__________________

(١) ديوانه ، ص ٢٩١ باختلاف في بعض الألفاظ. وهي في سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٦

(٣) زيادة من ع والسيرة.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧.

(٥) في هامش ع : «اندقّت سيتها هو ما عطف من طرفيها» وسية القوس : طرفه.

١٩٣

عاصم بن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردّها بيده ، وكانت أحسن عينيه وأحدّهما (١).

وقال الواقدي : ثنا موسى بن يعقوب الزّمعي ، عن عمّته ، عن أمّها ، عن المقداد بن عمرو قال : فربّما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائما يوم أحد يرمي عن (٢) قوسه ، ويرمي بالحجر ، حتى تحاجزوا ، وثبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما هو في عصابة صبروا معه.

هذان الحديثان ضعيفان ، فيهما أنّه رمى بالقوس.

وقال سليمان بن أحمد (٣) نزيل واسط : ثنا محمد بن شعيب ، سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، يحدّث عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، عن أبي سعيد الخدريّ ، عن قتادة بن النّعمان ، وكان أخا أبي سعيد لأمّه ، أنّ عينه ذهبت يوم أحد ، فجاء بها إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فردّها ، فاستقامت.

وقال يحيى الحمّاني (٤) ، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أبيه ، عن قتادة بن النّعمان ، أنّه أصيبت عينه يوم بدر ، فسالت حدقته على وجنته ، فأرادوا أن يقطعوها ، فسألوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : لا. فدعا به فغمز حدقته براحته. فكان لا يدري أيّ عينيه أصيبت.

__________________

(١) في الأصل ، ع : وأحدّها. والتحرير من ابن الملا والسيرة ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥١٦.

(٢) في الأصل : على ، والتصحيح من اللغة.

(٣) هو : سليمان بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حبيب أبو محمد الجرشي الدمشقيّ الناظر. قال أبو حاتم الرازيّ : كتبت عنه قديما وكان حلوا وتغيّر بأخرة. (الجرح والتعديل ٤ / ١٠١ ، تاريخ بغداد ٩ / ٤٩ ، الأنساب ١٢٨ أ ، تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ١٦ / ٣٨٧ ، تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٢٤٤).

(٤) لحمّاني : بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم. وهو يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن. (اللباب ١ / ٣٨٦).

١٩٤

كذا قال ابن الغسيل : يوم بدر.

وقال موسى بن عقبة : إنّ أبا حذيفة بن اليمان ، واسمه حسيل بن جبير حليف الأنصار ، أصابه المسلمون ، زعموا ، في المعركة لا يدرون من أصابه. فتصدّق حذيفة بدمه على من أصابه.

قال موسى : وجميع من استشهد من المسلمين تسعة وأربعون رجلا.

وقتل من المشركين ستّة عشر رجلا.

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : حمل أبيّ بن خلف على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد قتله ، فاستقبله مصعب بن عمير ، فقتل مصعبا. وأبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ترقوة أبيّ فطعنه بحربته فوقع عن فرسه ، ولم يخرج منها دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور.

وروى نحوه الزّهري عن ابن المسيّب.

وذكره الواقدي ، عن يونس بن محمد ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه.

قال الواقدي : وكان ابن عمر يقول : مات أبي ببطن رابغ (١) ، فإنّي لأسير ببطن رابغ بعد هويّ (٢) من الليل إذا نار تأجّج لي فهبتها ، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها [٣٨ أ] يصيح : العطش. ورجل يقول : لا تسقه ، فإنّ هذا قتيل (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هذا أبيّ بن خلف.

وقال عبد الرحمن بن أبي الزّناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عبّاس ، قال : ما نصر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في موطن كما نصر يوم

__________________

(١) رابغ : واد بين الجحفة وودّان ، وقيل بين الأبواء والجحفة. (معجم البلدان ٣ / ١١).

(٢) الهويّ من الليل : ساعة ممتدّة منه أو هزيع منه.

(٣) في الأصل : قتل. والتصحيح من ع.

١٩٥

أحد. فأنكرنا ذلك ، فقال ابن عبّاس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله ، إنّ الله يقول في يوم أحد (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) والحسّ : القتل (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) (١) الآية. وإنّما عنى بهذا الرّماة. وذلك أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقامهم في موضع. وقال : احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا. فلما غنم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانكفأ عسكر المشركين ، نزلت الرّماة فدخلوا في العسكر ينتهبون ، وقد التفّت صفوف أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهم هكذا ، وشبّك أصابعه ، وانتشبوا (٢). فلما خلّى الرّماة تلك الخلّة (٣) التي كانوا فيها ، دخل الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فضرب بعضهم بعضا ، والتبسوا (٤). وقتل من المسلمين ناس كثير. وقد كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه أوّل النهار ، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة. وجال المسلمون جولة نحو الجبل. وصاح الشّيطان : قتل محمد. فلم يشكّ فيه أنّه حقّ. وساق الحديث.

وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، قال : كنت ممّن تغشّاه النّعاس يوم أحد ، حتى سقط سيفي من يدي مرارا. أخرجه البخاري (٥).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، قال :

__________________

(١) سورة آل عمران : من الآية ١٥٢.

(٢) في الأصل : التبسوا. والتصحيح من مسند أحمد (١ / ٢٨٧) وتفسير ابن كثير (٢ / ١١٤) وانتشبوا أي تضامّوا وتعلّق بعضهم ببعض. (تاج العروس ٤ / ٢٦٩).

(٣) الخلة : الهضبة.

(٤) في هامش الأصل : التبسوا أي اختلطوا.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب «ثم أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاسا» إلخ (٥ / ١٢٧).

١٩٦

رفعت رأسي يوم أحد ، فجعلت انظر ، وما منهم أحد إلّا وهو يميد (١) تحت حجفته من النّعاس. فذلك قوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) (٢) الآية.

وقال يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الزّبير ، قال : والله لكأنّي أسمع قول معتب بن قشير (٣) ، وإنّ النّعاس ليغشاني ما أسمعها منه إلّا كالحلم ، وهو يقول : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) (٤).

وروى الزّهري ، عن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة ، عن أبيه ، قال : ألقي علينا النّوم يوم أحد.

وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر ، والزّهري وجماعة ، قالوا : كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص ، اختبر الله بن المؤمنين ، ومحق به المنافقين ممّن كان يظهر إسلامه بلسانه ، ويوم أكرم الله فيه بالشهادة غير واحد ، وكان ممّا نزل من القرآن في يوم أحد ستّون آية من آل عمران (٥).

وقال المديني ، عن سلّام بن مسكين ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيّب قال : كانت [٣٨ ب] راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرطا أسود كان لعائشة ، وراية الأنصار يقال لها العقاب ، وعلى الميمنة عليّ رضي‌الله‌عنه ، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو السّاعدي ، والزّبير بن العوّام على الرجال ، ويقال

__________________

(١) أثبتها شعيرة ٢١١ «قعيد».

(٢) سورة آل عمران : من الآية ١٥٤.

(٣) الإصابة ٣ / ٤٤٣.

(٤) سورة آل عمران ـ الآية ١٥٤.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٨١.

١٩٧

المقداد بن عمرو ، وحمزة بن عبد المطّلب على القلب ، رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

ولواء قريش مع طلحة بن أبي طلحة فقتله عليّ ، فأخذ اللواء سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن مالك ، فأخذه عثمان (١) بن أبي طلحة ، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، فأخذه الجلاس بن طلحة ، فقتله ابن أبي الأقلح أيضا (٢) ، ثم كلاب والحارث ابنا طلحة ، فقتلهما قزمان حليف بني ظفر ، وأرطاة بن عبد شرحبيل العبدري قتله مصعب بن عمير (٣) رضي‌الله‌عنه ، وأخذه أبو يزيد بن عمير العبدري ، وقيل عبد حبشيّ لبني عبد الدار ، قتله قزمان.

قال ابن إسحاق : وبقي اللواء ما يأخذه أحد ، وكانت الهزيمة على قريش.

وقال مروان بن معاوية الفزاري : ثنا عبد الواحد بن أيمن ، ثنا عبيد بن رفاعة الزّرقيّ ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم أحد [و] انكفأ المشركون قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : استووا حتى أثنى على ربّي. فصاروا خلفه صفوفا فقال : «اللهمّ لك الحمد كلّه ، اللهمّ لا قابض لما بسطت ، ولا مقرّب لما باعدت ، ولا مباعد لما قرّبت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت. اللهمّ ابسط علينا من بركاتك ، أسألك النّعيم المقيم الّذي لا يحول ولا يزول. اللهمّ عائذا بك من سوء ما أعطيتنا وشرّ ما منعت [منّا (٤)] ، اللهمّ حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ،

__________________

(١) في مغازي الواقدي «مسافع بن طلحة بن أبي طلحة». وفي الاستيعاب ما يؤيّد ذلك إذ قال :

«قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح رجلين منهم مسافعا» (٣ / ٩٢).

(٢) الاستيعاب ٣ / ٩٢.

(٣) في مغازي الواقدي : «قتله عليّ عليه‌السلام».

(٤) زيادة من ع.

١٩٨

واجعلنا من الراشدين ، اللهمّ توفّنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصّالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهمّ قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب ، إله الحقّ».

هذا حديث غريب منكر ، رواه البخاري في الأدب (١) ، عن عليّ بن المديني ، عن مروان.

عدد الشهداء

قد مرّ أنّ البخاري أخرج من حديث البراء ، أنّ المشركين أصابوا منّا سبعين.

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : يا ربّ السّبعين من الأنصار ، سبعين يوم أحد ، وسبعين يوم بئر معونة ، وسبعين يوم مؤتة ، وسبعين يوم اليمامة.

وقال عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيّب قال : قتل من الأنصار في ثلاثة مواطن سبعون سبعون : يوم أحد ، ويوم اليمامة ، ويوم جسر أبي عبيد.

وقال ابن جريج : أخبرني عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، في قوله تعالى : (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) (٢) ، قال : قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين ، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين.

وأما ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، فقال : جميع من قتل

__________________

(١) الأدب المفرد للبخاريّ : باب دعوات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ص ٢٤٣.

(٢) سورة آل عمران : من الآية ١٦٥.

١٩٩

مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، من قريش والأنصار : أربعة وأربعون ، أو قال : سبعة وأربعون رجلا.

وجميع من قتل يوم أحد ، يعني من المشركين تسعة عشر رجلا (١).

[٣٩ أ] وقال موسى بن عقبة : جميع من استشهد من المسلمين ، من قريش والأنصار تسعة [أو سبعة (٢)] وأربعون رجلا.

وقال ابن إسحاق (٣) : جميع من استشهد من المسلمين ، من المهاجرين والأنصار ، يوم أحد ، خمسة وستّون رجلا. وجميع قتلى المشركين اثنان وعشرون.

قلت : قول من قال سبعين أصحّ. ويحمل قول أصحاب المغازي هذا على عدد من عرف اسمه من الشّهداء ، فإنّهم عدّوا أسماء الشهداء بأنسابهم قال ابن إسحاق (٤) : استشهد من المهاجرين :

حمزة ، وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي ، حليف بني عبد شمس ، وهو ابن عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد دفن مع حمزة في قبر واحد.

ومصعب بن عمير ، وعثمان بن عثمان ، ولقبه شماس (٥) ، وهو عثمان ابن عثمان بن الشّريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي

__________________

(١) العبارة من بعد قوله : «قريش والأنصار» إلى قوله «تسعة عشر رجلا». مضطربة في الأصل ، وصحّحناها من ع.

(٢) زيادة من ع وفي هامش الأصل : «ن سبعة» أي في نسخة.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٩١.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٩.

(٥) ترجم له ابن حجر في الإصابة ٢ / ١٥٥ رقم ٣٩١٩ باسم «شماس بن عثمان بن الشريد» ، وفيه إن أبا عبيد شذّ فقال إنه استشهد ببدر.

٢٠٠