تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

قال : وذلك بعد بدر بشهرين (١).

* * *

وفي هذه السنة : تزوّج عثمان بأم كلثوم.

وفيها (٢) تزوّج عليّ بفاطمة الزهراء رضي‌الله‌عنهم (٣).

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن عليّ ، قال : خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت لي مولاة لي : علمت أنّ فاطمة خطبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قلت : لا. قالت : فما يمنعك أن تأتيه فيزوّجك؟ فقلت : وعندي شيء أتزوّج به؟ قالت : إن جئته زوّجك. قال (٤) : فو الله ما زالت ترجيني ، حتى دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلالة وهيبة. فأفحمت ، فو الله ما استطعت أن أتكلّم. فقال : ما جاء بك ، ألك حاجة؟ فسكتّ. ثم قال : لعلّك جئت تخطب فاطمة؟ قلت : نعم. قال : وهل عندك من شيء تستحلّها به؟ فقلت : لا والله. فقال : ما فعلت درع سلّحتكها؟ فو الّذي نفس عليّ بيده إنّها لحطميّة (٥) ما ثمنها أربعة دراهم. فقلت : عندي. قال : قد زوّجتكها ، فابعث إليّ بها (٦).

فإنّ [الحطميّة] (٧) كانت (٨) لصداق فاطمة رضي‌الله‌عنها.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٦ تاريخ خليفة (باختصار) ٥٩ ، الطبري ٢ / ٤٨٤.

(٢) من هنا يبدأ السقط في نسخة ح.

(٣) تاريخ خليفة ٦٥ ، الطبري ٢ / ٤٨٥ ، ٤٨٦.

(٤) في الأصل : (قلت) : والتصحيح من السياق.

(٥) في الأصل ، ع : (لحطمة). والتصحيح من الطبقات الكبرى (٨ / ٢٠). وسنن أبي داود.

(٦) الطبقات الكبرى ٨ / ٢٠ و ٢١.

(٧) إضافة على الأصل للتوضيح.

(٨) في الأصل : (كان). والتصحيح من ع.

١٤١

وقال أيّوب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : لما تزوّج عليّ فاطمة ، قال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعطها شيئا. قال : ما عندي شيء. قال : أين درعك الحطميّة؟ (١).

أخرجه أبو داود (٢).

وقال عطاء بن السّائب ، عن أبيه ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، قال : جهّز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة في خميل (٣) ، وقربة ، ووسادة أدم حشوها إذخر (٤).

* * *

وفيها : توفّي سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجيّ السّاعديّ ، والد سهل بن سعد. وكان تجهّز إلى بدر فمات قبلها في رمضان. فيقال : إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب له بسهمه ، وردّه على ورثته (٥)

وفيها : بعد بدر ، توفّي خنيس بن حذافة السّهمي ، أحد المهاجرين ، شهد بدرا. وتأيّمت منه حفصة بنت عمر بن الخطّاب (٦).

وفي شوّال : بني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعائشة ، وعمرها تسع سنين (٧).

__________________

(١) في الأصل : (الحطمة). والتصحيح من الطبقات الكبرى (٨ / ٢٠) وسنن أبي داود.

(٢) سنن أبي داود : كتاب النكاح ، باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا (١ / ٤٩٠).

(٣) الخميل : القطيفة. وأثبتها شعيرة في المتن ١٦٦ «حميل» وفي الحاشية «الجميل» وقال : هو الشيء المحمول من بلد إلى بلد. وهو قد ذهب بعيدا ، والصحيح ما أثبتناه ، ويقوّيه قول ابن سعد : «لما زوّجه فاطمة بعث معها بخملة». ٨ / ٢٥.

(٤) الإذخر : بالكسر ، الحشيش الأخضر ، الواحدة إذخرة ، وهو حشيش طيّب الريح يسقف به البيوت فوق الخشب. وله ثمرة كأنّها مكاسح القصب ، إلّا أنّها أرقّ وأصغر ، يطحن فيدخل في الطيّب ، ينبت في الحزون والسهول. (تاج العروس ١١ / ٣٦٤).

(٥) الإصابة ٢ / ٣٤ رقم ٣١٩.

(٦) الإصابة ١ / ٤٥٦ رقم ٢٢٩٤.

(٧) تاريخ خليفة ٦٥.

١٤٢

ثمّ دخلت سنة ثلاث

«غزوة ذي أمر»

في المحرّم ، غزا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نجدا ، يريد غطفان. واستعمل على المدينة عثمان. فأقام بنجد صفرا كلّه ، ورجع من غير حرب. قاله ابن إسحاق (١).

وأمّا (٢) الواقدي فقال :

[٢٦ ب] كانت في ربيع الأول ، وأنّ غيبته أحد عشر يوما.

ثم روى عن أشياخه ، عن التّابعين : عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وغيره ، قالوا : بلغ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ جمعا من غطفان ، من بني ثعلبة ، بذي أمر (٣) ، قد تجمّعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المسلمين (٤).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٦ وانظر : تاريخ خليفة ٦٥ وتاريخ الطبري ٢ / ٤٨٧.

(٢) في الأصل : (وقال). والتصحيح من ع.

(٣) ذو أمر : (بلفظ الفعل من أمر يأمر) قال الواقدي : هو من ناحية النخيل ، وهو بنجد من ديار غطفان (معجم البلدان ١ / ٢٥٢) وقيل : واد بطريق فيد إلى المدينة على نحو ثلاث مراحل من المدينة بقرية النخيل (وفاء ألوفا ٢ / ٢٤٩).

(٤) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٩٣).

١٤٣

غزوة بحران(١)

قال ابن إسحاق : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [بالمدينة] (٢) ، ربيع الأول. ثم

__________________

= وفي غزوة ذي أمر يقول الواقدي بعد ما تقدّم من كلامه : جمعهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحارث بن محارب ، فندب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسلمين ، فخرج في أربعمائة رجل وخمسين ، ومعهم أفراس. فأخذ على المنقى ، ثم سلك مضيق الخبيث ثم خرج إلى ذي القصة ، فأصاب رجلا منهم بذي القصة يقال له جبّار من بني ثعلبة فقالوا : أين تريد؟ قال : أريد يثرب. قالوا : وما حاجتك بيثرب؟ قال : أردت أن أرتاد لنفسي وانظر. قالوا : هل مررت بجمع ، أو بلغك خبر لقومك؟ قال : لا ، إلّا أنّه قد بلغني أنّ دعثور بن الحارث في أناس من قومه عزّل ، فأدخلوه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاه إلى الإسلام فأسلم ، وقال : يا محمد ، إنّهم يلاقوك ، إن سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال ، وأنا سائر معك ودالّك على عورتهم. فخرج به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وضمّه إلى بلال ، فأخذ به طريقا أهبطه عليهم من كثيب ، وهربت منه الأعراب فوق الجبال ، وقبل ذلك ما قد غيّبوا سرحهم في ذرى الجبال وذراريهم فلم يلاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدا ، إلّا أنّه ينظر إليهم في رءوس الجبال. فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذا أمر وعسكر معسكره ، فأصابهم مطر كثير.

فذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه ، وقد جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه. ثم نزع ثيابه فنشرها لتجفّ ، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها ، والأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل. فقالت الأعراب لدعثور ، وكان سيّدها وأشجعها : قد أمكنك محمد ، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتى تقتله. فاختار سيفا من سيوفهم صارما ، ثم أقبل مشتملا على السيف حتى قام على رأس النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد ، من يمنعك منّي اليوم؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله! قال : ودفع جبريل عليه‌السلام في صدره ، ووقع السيف من يده ، فأخذه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقام به على رأسه فقال : من يمنعك منّي اليوم؟ قال : لا أحد قال : فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله. والله لا أكثر عليك جمعا أبدا. فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيفه. ثم أدبر ، ثم أقبل بوجهه فقال : أما والله لأنت خير منّي. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا أحق بذلك منك. فأتى قومه فقالوا : أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال : والله كان ذلك ، ولكنّي نظرت إلى رجل أبيض دفع في صدري فوقعت لظهري ، فعرفت أنّه ملك وشهدت أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليه ، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام. ونزلت هذه الآية فيه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) (سورة المائدة : من الآية ١١).

(١) بحران : بالضمّ ، موضع بناحية الفرع. قال الواقدي : بين الفرع والمدينة ثمانية برد ، وقال ابن إسحاق : هو معدن بالحجاز في ناحية الفرع. وضبطه بعضهم بالفتح (بحران). (معجم البلدان ١ / ٣٤١).

(٢) زيادة من ع.

١٤٤

غزا يريد قريشا.

قال عبد الملك بن هشام : فبلغ بحران ، معدنا بالحجاز ، فأقام هناك ربيع الآخر كلّه ، وجمادى الأولى.

وبحران من ناحية الفرع (١).

ثم رجع ولم يلق كيدا (٢).

وقال الواقدي (٣) : غزا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني سليم ببحران ، لستّ خلون من جمادى الأولى. وبحران من ناحية الفرع بينها وبين المدينة ثمانية برد (٤).

فغاب عشر ليال. وكان بلغه [أنّ] (٥) بها جمعا من بني سليم ، فخرج في ثلاثمائة. واستخلف ابن أمّ مكتوم (٦).

* * *

غزة بني قينقاع

ذكرها ابن إسحاق (٧) هكذا ، بعد غزوة الفرع.

وأما الواقديّ ، فقال : كانت يوم السبت نصف شوّال ، على رأس عشرين شهرا من الهجرة. فحاصرهم إلى هلال ذي القعدة.

__________________

(١) في هامش الأصل : الفرع بالسكون بين مكة والمدينة ، وقال السهيليّ في الروض الأنف ٣ / ١٤٣ : الفرع : بضمّتين ، وهي أول قرية مارت إسماعيل وأمّه التمر بمكة.

(٢) السيرة ٣ / ١٣٧.

(٣) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٩٦).

(٤) البرد : جمع البريد ، وهو المسافة التي بين السّكتين ، وبعد ما بين السكتين فرسخان أو أربعة.

(٥) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع.

(٦) وانظر : تاريخ خليفة ٦٥ ، ٦٦ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٤٨٧ ، والروض الأنف للسهيلي ٣ / ١٤٢ ، ١٤٣ ، وعيون الأثر لابن سيّد الناس ١ / ٣٠٤.

(٧) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٧.

١٤٥

وقال البكّائي : قال ابن إسحاق :

ومن حديثهم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع ، ثم قال : يا معشر يهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النّقمة ، وأسلموا فإنّكم قد عرفتم أنّي نبيّ مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم. قالوا : يا محمد ، إنّك ترى أنّا كقومك؟ لا يغرّنّك أنّك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب ، فأصبت منهم فرصة ، إنّا والله لو (١) حاربتنا لتعلمنّ أنّا نحن الرجال (٢).

عن ابن عبّاس ، قال : ما نزل هؤلاء الآيات إلّا فيهم (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) (٣) الآيتين.

وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنّ بني قينقاع كانوا أوّل يهود نقضوا وحاربوا فيما بين بدر وأحد.

قال : وعن أبي عون ، قال : كان [من] (٤) أمر بني قينقاع أنّ امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوقهم ، وجلست إلى صائغ بها. فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فلم تفعل. فعمد الصّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها. فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا ، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصّائغ فقتله [وكان يهوديّا] (٥). فشدّت اليهود على المسلم فقتلوه. فأغضب المسلمون ووقع الشّرّ.

وحدّثني عاصم ، قال : فحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلوا على

__________________

(١) في السيرة «لئن».

(٢) في السيرة «الناس».

(٣) سورة آل عمران : من الآية ١٢.

(٤) إضافة من سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٧.

(٥) عن السيرة للتوضيح.

١٤٦

حكمه. فقام إليه عبد الله بن أبيّ بن سلول حين أمكنه الله منهم ، فقال : يا محمد ، أحسن في مواليّ. فأعرض عنه. فأدخل يده في جيب درع رسول الله (١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرسلني ، وغضب ، أرسلني ، ويحك. قال : والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ : أربعمائة حاسر ، وثلاثمائة دارع ، [٢٧ أ] قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة. إنّي والله امرؤ أخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هم لك.

وحدّثني أبي إسحاق (٢) عن عبادة بن الوليد ، قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تشبّث بأمرهم ابن سلول وقام دونهم.

قال : ومشى عبادة بن الصّامت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان أحد بني عوف (٣) ، لهم من حلفه (٤) مثل الّذي لابن سلول ، فخلعهم (٥) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتبرّأ إلى الله ورسوله من حلفهم ، وقال : أتولّى الله ورسوله والمؤمنين ، فنزلت فيه وفي ابن سلول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) إلى قوله (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) إلى قوله(إِنَّما

__________________

(١) قال ابن هشام ٣ / ١٣٧ «وكان يقال لها : ذات الفضول».

(٢) كذا في الأصل ، والمقصود أن القائل محمد بن إسحاق يحدث عن أبيه إسحاق بن يسار. وبهذا السند وردت الروآية في ابن هشام (٣ / ١٣٨) وابن كثير في التفسير (٣ / ١٢٦) والبدآية والنهاية (٤ / ٤). على أن ابن حجر يذكر في ترجمة إسحاق في تهذيب التهذيب (١ / ٢٥٧) أنه روى عن أشخاص عددهم وقال : دون غيرهم. وليس من بينهم عبادة بن الوليد.

(٣) في ع : (عون) تحريف. وانظر جمهرة أنساب العرب (٣٥٤) وأنساب الأشراف (١ / ٢٥١) وسيرة ابن هشام ٣ / ١٣٨.

(٤) كذا في الأصل ، ع. وفي السيرة. وعبارة ابن الملا في المنتقى «له من حلفهم» وهي أصح وأنسب للسياق.

(٥) في الأصل ، ع : (فجعلهم). والتصحيح من ابن هشام وابن كثير.

١٤٧

وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (١) ، لتولّي عبادة الله ورسوله (٢).

وذكر الواقدي (٣). أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاصرهم خمس عشرة ليلة ، إلى هلال ذي القعدة. وكانوا أوّل من غدر من اليهود. وحاربوا حتى قذف الله في قلوبهم الرّعب ، ونزلوا على حكمه ، وأنّ له أموالهم. فأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) فكتّفوا ، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السّلمي (٥) ، من بني السّلم. فكلّم عبد الله بن أبيّ [بن] سلول (٦) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وألحّ عليه. فقال : خذهم. وأمر بهم أن يجلوا من المدينة ، وولى إخراجهم منها عبادة بن الصّامت. فلحقوا بأذرعات (٧) ، فما كان أقلّ من بقائهم فيها. وتولّى قبض أموالهم محمد بن مسلمة. ثم خمّست ، وأخذ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سلاحهم ثلاثة أسياف ، ودرعين ، وغير ذلك.

غزوة بني النّضير

قال معمر ، عن الزّهري ، عن عروة : كانت غزوة بني النّضير ، وهم طائفة من اليهود ، على رأس ستّة أشهر من وقعة بدر. وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة. وحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلوا على الجلاء ، على أنّ لهم ما أقلّت الإبل إلّا السّلاح. فأنزلت(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ

__________________

(١) سورة المائدة : ٥١ ـ ٥٥.

(٢) يعني عبادة بن الصامت. انظر الخبر بطوله في سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٧ ، ١٣٨ وفي تاريخ خليفة ٦٦.

(٣) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٧٦ ـ ١٨٠).

(٤) في ع : فأمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهم.

(٥) الإصابة ٣ / ٤٦١ رقم ٨٢٢٥.

(٦) في ع : فكلّم عبد الله بن أبيّ فيهم.

(٧) أذرعات : بالفتح ، ثم السكون وكسر الراء. بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمّان (معجم البلدان ١ / ١٣٠).

١٤٨

كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ ، لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) (١) الآيات.

فأجلاهم إلى الشّام ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء. وكان الله قد كتب عليهم الجلاء. ولو لا ذلك لعذّبهم في الدنيا بالقتل والسّبي.

وقوله (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ، أي كان (٢) جلاؤهم ذلك أوّل حشر في الدنيا إلى الشام.

ويرويه عقيل عن الزّهري قوله :

وأسنده زيد بن المبارك الصّنعاني ، ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزّهري ، عن عروة ، عن عائشة ، وذكر عائشة فيه غير محفوظ.

وقال ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر : إنّ يهود بني النّضير ، وقريظة حاربوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأجلى بني النّضير ، وأقرّ قريظة ومنّ [٢٧ ب] عليهم ، حتى حاربوا بعد ذلك. أخرجه البخاري (٣).

وقال معمر ، عن الزّهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنّ كفّار قريش كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج قبل وقعة بدر : إنّكم آويتم صاحبنا ، وإنّا نقسم بالله لتقاتلنّه أو لتخرجنّه أو لنسيرنّ إليكم بجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم. فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، اجتمعوا لقتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبلغه ذلك فلقيهم فقال : لقد بلغ وعد قريش منكم المبالغ ، ما كانت تكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟ فلما سمعوا ذلك تفرّقوا. فبلغ ذلك كفّار قريش فكتبوا ،

__________________

(١) سورة الحشر : من الآية ٢.

(٢) في الأصل : (فكان). وأثبتنا عبارة ابن الملّا.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حديث بني النّضير (٥ / ١١٢).

١٤٩

بعد بدر ، إلى اليهود : إنّكم أهل الحلقة (١) والحصن وإنّكم لتقاتلنّ صاحبنا أو لنفعلنّ كذا وكذا ، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء. وهي الخلاخيل.

فلما بلغ كتابهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أجمعت بنو النّضير بالغدر. وأرسلوا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك ، وليخرج منّا ثلاثون حبرا ، حتى نلتقي بمكان المنصف (٢) ، فيسمعوا منك ، فإن صدّقوا وآمنوا بك آمنّا بك. فقصّ خبرهم.

فلمّا كان الغد ، غدا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكتائب فحصرهم ، فقال لهم : إنّكم والله لا تأمنون عندي إلّا بعهد تعاهدوني عليه. فأبوا أن يعطوه عهدا ، فقاتلهم يومهم ذلك.

ثم غدا على بني قريظة بالكتائب ، وترك بني النّضير ، ودعاهم إلى أن يعاهدوه. فعاهدوه ، فانصرف عنهم.

وغدا إلى بني النّضير بالكتائب ، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء. فجلت بنو النّضير ، واحتملوا ما أقلّت الإبل من أمتعتهم وأبوابهم وخشبهم. فكان نخل بني النّضير لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصّة ، أعطاه الله إيّاها ، فقال (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) (٣) ، يقول (٤) : بغير قتال. فأعطى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثرها المهاجرين وقسّمها بينهم ، وقسّم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة (٥). وبقي

__________________

(١) الحلقة : السلاح.

(٢) في هامش ع : المنصف بالفتح نصف الطريق.

(٣) سورة الحشر : من الآية ٦ ، والإيجاف : سرعة السير ، والركاب : الإبل التي تحمل القوم.

(٤) من أول قوله «يقول بغير قتال» يبد سقط نسخة ع. وقد نصّ عليه في هامش النسخة بقوله :

«الأصل ـ هنا سقط نحو ستّ ورقات فليعلم».

(٥) سيأتي اسماهما بعد قليل في حديث عروة.

١٥٠

منها صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي في أيدي بني فاطمة رضي‌الله‌عنها.

* * *

وذهب موسى بن عقبة ، وابن إسحاق إلى أنّ غزوة بني النّضير كانت بعد أحد ، وكذلك قال غيرهما. ورواه ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (١). وهذا حديث موسى وحديث عروة : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى بني النّضير يستعينهم في عقل الكلابيّين. وكانوا ـ زعموا ـ قد دسّوا إلى قريش حين نزلوا بأحد لقتا [ل] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحضّوهم على القتال ودلّوهم على العورة. فلما كلّمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عقل الكلابيّين ، قالوا : اجلس يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع [٢٨ أ] بحاجتك ونقوم فنتشاور. فجلس بأصحابه. فلما خلوا والشّيطان معهم ، ائتمروا بقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : لن تجدوه أقرب منه الآن ، فاستريحوا منه تأمنوا. فقال رجل : إن شئتم ظهرت فوق البيت الّذي هو تحته فدلّيت عليه حجرا فقتلته. فأوحى الله إليه فأخبره بشأنهم وعصمه ، فقام كأنّه يقضي حاجة. وانتظره أعداء الله ، فراث عليهم (٢). فأقبل رجل من المدينة فسألوه عنه فقال : لقيته قد دخل أزقّة المدينة. فقالوا لأصحابه : عجل أبو القاسم أن نقيم أمرنا في حاجته. ثم قام أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجعوا ونزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) (٣) الآية.

وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإجلائهم ، وأن يسيروا حيث شاءوا. وكان النّفاق قد كثر بالمدينة. فقالوا : أين تخرجنا؟ قال : أخرجكم إلى الحشر (٤). فلما

__________________

(١) المغازي لعروة ١٦٤.

(٢) في الأصل : (عليه) والتصحيح من ابن الملا. وراث : أبطأ.

(٣) سورة المائدة : من الآية ١١.

(٤) من بداية حديث غزوة بني النضير من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة ، إلى هنا ، في دلائل النبوّة للبيهقي (طبعة الهند) ١٧٦ ، ١٧٧.

١٥١

سمع المنافقون ما يراد بأوليائهم أرسلوا إليهم : إنّا معكم محيانا ومماتنا ، إن قوتلتم فلكم علينا النّصر ، وإن أخرجتم لم نتخلّف عنكم. وسيّد اليهود أبو صفية حييّ بن أخطب. فلما وثقوا بأمانيّ المنافقين عظمت غرّتهم ومنّاهم الشّيطان الظّهور ، فنادوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه : إنّا ، والله ، لا نخرج ولئن قاتلتنا لنقاتلنّك.

فمضى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمر الله فيهم ، وأمر أصحابه فأخذوا السّلاح ثم مضى إليهم. وتحصّنت اليهود في دورهم وحصونهم. فلما انتهى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أزقّتهم وحصونهم كره أن يمكّنهم من القتال في دورهم وحصونهم ، وحفظ الله له أمره وعزم له على رشده ، فأمر أن يهدم الأدنى فالأدنى من دورهم ، وبالنّخل أن تحرّق وتقطع ، [و] كفّ الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم ، وألقى في قلوب الفريقين الرّعب. ثم جعلت اليهود كلّما خلص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هدم ما يلي مدينتهم. ألقى الله في قلوبهم الرّعب ، فهدموا الدّور التي هم فيها من أدبارها ، ولم يستطيعوا أن يخرجوا على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه يهدمون شيئا فشيئا. فلما كادت اليهود أن تبلغ آخر دورها ، وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منّوهم ، فلما يئسوا مما عندهم ، سألوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الّذي كان عرض عليهم قبل ذلك ، فقاضاهم على أن يجليهم ، ولهم أن يحملوا ما استقلّت به الإبل إلّا السّلاح. وطاروا كل مطيّر ، وذهبوا كل مذهب. ولحق بنو أبي الحقيق بخيبر ومعهم آنية كثيرة من فضّة ، فرآها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون. وعمد حييّ بن أخطب حتى قدم مكة على قريش ، فاستغواهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وبيّن الله لرسوله حديث أهل النّفاق ، وما بينهم وبين اليهود ، وكانوا [٢٨ ب] قد عيّروا المسلمين حين قطعوا النّخل وهدموا. فقالوا : ما ذنب الشجرة وأنتم تزعمون أنّكم مصلحون؟ فأنزل الله (سَبَّحَ لِلَّهِ) سورة الحشر. ثم جعلها نفلا لرسوله ، فقسّمها فيمن أراه الله من المهاجرين. وأعطى منها أبا دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ،

١٥٢

الأنصاريّين. وأعطى ـ زعموا ـ سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق (١).

وكان إجلاء بني النّضير في المحرّم سنة ثلاث.

وأقامت بنو قريظة في المدينة في مساكنهم ، لم يؤمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل ولا إخراج حتى فضحهم الله بحييّ بن أخطب وبجموع الأحزاب.

هذا لفظ موسى ، وحديث عروة بمعناه ، إلى إعطاء سعد السّيف (٢).

وقال موسى بن عقبة وغيره ، عن نافع ، عن عبد الله أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قطع نخل بني النّضير وحرّق. ولها يقول حسّان بن ثابت (٣) :

وهان على سراة بني لؤيّ

حريق بالبويرة مستطير

 وفي ذلك نزلت هذه الآية (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) (٤). متّفق عليه (٥).

وقال عمرو بن دينار ، عن الزّهري ، عن مالك بن أوس ، عن عمر رضي‌الله‌عنه ، أنّ أموال بني النّضير كانت ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب. فكانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالصة ينفق

__________________

(١) انظر : المغازي لعروة ١٦٤ ـ ١٦٧ وانظر عن هذه الغزوة : سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٠ ـ ٢٤٢ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٥٧ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥٥٠ ـ ٥٥٥ ، ودلائل النبوة ٢ / ٤٤٦ ـ ٤٥٠ ، وعيون الأثر ٢ / ٤٨ ـ ٥١ وتاريخ اليعقوبي ١ / ٤٩.

(٢) العبارة في المغازي لعروة ١٦٧.

(٣) ديوانه : ١٩٤ ، والبويرة : موضع كان به بني النّضير.

(٤) سورة الحشر : من الآية ٥ ، واللّينة : النّخلة الناعمة ، كما في مفردات الراغب.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حديث بني النّضير (٥ / ١١٣). وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسّير ، باب جواز قطع أشجار الكفّار وتحريقها (٥ / ١٤٥) والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٥٨ من طريق الليث بن سعد عن نافع.

١٥٣

منها على أهله نفقة سنة ، وما بقي جعله في الكراع (١) والسّلاح عدّة في سبيل الله. أخرجاه (٢).

سرية زيد بن حارثة إلى القردة (٣)

قال ابن إسحاق : وسريّة زيد التي بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ، حين أصاب عير قريش ، وفيها أبو سفيان ، على القردة ، ماء من مياه نجد.

وكان من حديثها أنّ قريشا خافوا طريقهم التي كانوا يسلكون إلى الشام حين جرت وقعة بدر ، فسلكوا طريق العراق ، فخرج منهم تجّار فيهم أبو سفيان ، واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل يقال له : فرات بن حيّان يدلّهم. فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة ، فلقيهم على ذلك الماء ، فأصاب تلك العير وما فيها ، وأعجزهم الرجال ، فقدم بها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

* * *

غزوة قرقرة الكدر

قال الواقدي : إنّها في المحرّم سنة ثلاث. وهي ناحية معدن بني سليم. واستخلف على المدينة ابن أمّ مكتوم.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغه أنّ بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان. فلم يجد في المجال أحدا ، ووجد رعاء منهم غلام يقال له يسار ، فانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) الكراع : الخيل. وقد يسمّى به السلاح كذلك.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب المجنّ ومن يتترّس بترس صاحبه (٤ / ٤٦).

وصحيح مسلم (١٧٥٦ و ١٧٥٧) كتاب الجهاد والسير ، باب حكم الفيء. وانظر الطبقات لابن سعد ٢ / ٥٨.

(٣) القردة : بالتحريك ، كما في معجم البلدان ٤ / ٣٢٢.

(٤) انظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٣٦ وعيون الأثر ١ / ٣٠٤ ، ٣٠٥ وتاريخ الطبري ٢ / ٤٩٢.

١٥٤

وقد ظفر بالنّعم ، فانحدر به إلى المدينة فاقتسموها بصرار ، على ثلاثة أميال من المدينة ، وكانت النّعم خمسمائة بعير ، وأسلم يسار.

القرقرة أرض ملساء ، والكدر طير في ألوانها كدرة (١) ، ومنهم من يقول قرارة الكدر ، يعني أنها [٢٩ أ] مستقرّ هذا الطير.

__________________

(١) هذا القول في الروض الأنف للسهيلي ٣ / ١٤٢ وقد سبق الإشارة إليه في غزوة السويق.

١٥٥
١٥٦

مقتل كعب بن الأشرف (١)

قال ابن إسحاق (٢) من طريق يونس بن بكير : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، وصالح بن أبي أمامة بن سهل ، قالا :

بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرغ من بدر بشيرين إلى أهل المدينة ، فبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ، وبعث عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية ، فبشّروا ونعوا أبا جهل وعتبة والملأ من قريش. فلما بلغ ذلك كعب بن الأشرف قال : ويلكم ، أحقّ هذا؟ هؤلاء ملوك العرب وسادة النّاس. ثم خرج إلى مكة ، فنزل على عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ، وكانت عند المطّلب بن أبي وداعة ، فجعل يبكي على قتلى قريش ، ويحرّض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال :

طحنت رحى بدر لمهلك أهلها

ولمثل بدر تستهلّ وتدمع

 قتلت سراة النّاس حول حياضهم

لا تبعدوا إنّ الملوك تصرع

 __________________

(١) انظر عنه : المحبّر ١١٧ و ٢٨٢ و ٣٩٠.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٩.

(٣) في سيرة ابن هشام «أهله».

١٥٧

كم قد أصيب بها (١) من أبيض ماجد

ذي بهجة تأوي (٢) إليه الضّيع

 ويقول أقوام أذلّ (٣) بسخطهم

إنّ ابن الأشرف ظلّ كعبا يجزع

 صدقوا ، فليت الأرض ساعة قتّلوا

ظلّت تسوخ بأهلها وتصدّع

 نبّئت أنّ بني كنانة (٤) كلّهم

خشعوا لقول أبي الوليد (٥) وجدّعوا

قال ابن إسحاق : ثم رجع إلى المدينة فشبّب بأمّ الفضل بنت الحارث :

أراحل أنت لم تحلل بمنقبة

وتارك أنت أمّ الفضل بالحرم؟

في كلام له. ثم شبّب بنساء المسلمين حتى آذاهم (٦).

وقال موسى بن عقبة : كان ابن الأشرف قد آذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهجاء ، وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستغواهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له أبو سفيان : أناشدك الله ، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه؟ قال : أنتم أهدى منهم سبيلا (٧). ثم خرج مقبلا قد أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معلنا بعداوته وهجائه.

وقال محمد بن يونس الجمّال المخرمي ـ الّذي قال فيه ابن عديّ : (٨) كان عندي ممّن يسرق الحديث. قلت : لكن روى عنه مسلم (٩) ـ ثنا ابن

__________________

(١) في السيرة «به».

(٢) في السيرة «يأوي».

(٣) في السيرة «أسر».

(٤) في السيرة «بني المغيرة».

(٥) في السيرة ومغازي الواقدي «أبي الحكيم».

(٦) تاريخ الطبري ٢ / ٤٨٨.

(٧) انظر المغازي لعروة ١٦٢.

(٨) الكامل في الضعفاء ٦ / ٢٢٨٣.

(٩) قال الذهبي في كتابه «المغنى في الضعفاء» : «وقد ذكر ابن عساكر في النّبل أنّ مسلم روى عنه ، وهذا معدوم ، فلعله في غير الصحيح» (٢ / ٦٤٦) وانظر ميزان الاعتدال ٤ / ٧٣ رقم ٨٣٤٩.

١٥٨

عيينة ، ثنا عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : قدم حبيّ بن أخطب ، وكعب بن الأشرف مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقالوا لهم : أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب ، فأخبرونا عنّا وعن محمد ، قالوا : ما أنتم وما محمد؟ قالوا : نحن ننحر الكوماء (١) ونسقي اللّبن على الماء ونفكّ العناة ونسقي الحجيج ، ونصل الأرحام. قالوا : فما محمد؟ قالوا : صنبور (٢) قطع أرحامنا واتّبعه سرّاق الحجيج بنو غفار.

قالوا : لا ، بل أنتم خير منه وأهدى سبيلا. فأنزل الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) (٣) الآية.

قال سفيان : كانت غفار سرقة في الجاهلية.

وقال إبراهيم بن جعفر بن محمود بن مسلمة ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : ولحق كعب بن الأشرف بمكة إلى أن قدم المدينة معلنا بمعاداة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهجائه ، فكان أوّل ما خرج منه قوله :

أذاهب (٤) أنت لم تحلل بمنقبة

وتارك أنت أمّ الفضل بالحرم!

 صفراء رادعة لو تعصر انعصرت

من ذي القوارير والحنّاء والكتم (٥)

 إحدى بني عامر هام (٦) الفؤاد بها

ولو تشاء شفت كعبا من السّقم

 __________________

(١) الكوماء : الناقة العظيمة السّنام الطويلة.

(٢) في هامش الأصل : الصّنبور : الفرد الّذي لا ولد له ولا أخ. (وانظر : تاج العروس ١٢ / ٣٥٣).

(٣) سورة النساء : من الآية ٥١.

(٤) عند الطبري ٢ / ٤٨٨ والروض الأنف ٣ / ١٤٥ «أراحل».

(٥) رادعة : أي يفوح منها أثر الطيب أو الزعفران. والكتم : نبت يخلط بالحنّاء ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٦) عند الطبري «جنّ».

١٥٩

لم أر (١) شمسا [بليل] (٢) قبلها طلعت

حتى تبدّت (٣) لنا في ليلة الظّلم

وقال : *طحنت رحى بدر لمهلك أهلها الأبيات.

فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما : من لكعب بن الأشرف؟ فقد آذانا بالشّعر وقوّى المشركين علينا. فقال محمد بن مسلمة : أنا يا رسول الله. قال : فأنت. فقام فمشى ثم رجع فقال : إنّي قائل قال : فأنت في حلّ : فخرج محمد ، بعد يوم أو يومين ، حتى أتى كعبا وهو في حائط (٤) فقال : يا كعب ، جئت لحاجة ، الحديث (٥).

وقال ابن عيينة : قال عمرو بن دينار : سمعت جابرا يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من لكعب بن الأشرف فإنّه قد آذى الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال : يا رسول الله ، أعجب إليك (٦) أن أقتله؟ قال : نعم. قال : فأذن لي أن أقول شيئا. قال : قل. فأتاه محمد بن مسلمة فقال : إنّ هذا الرجل قد سألنا صدقة ، وقد عنانا ، وإنّي قد أتيتك أستسلفك. قال : وأيضا لتملنّه (٧). قال : إنّا قد اتّبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى أيّ شيء يصير شأنه ، وقد أردنا أن تسلفنا. قال : ارهنوني نساءكم. قال : نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال : فارهنوني أبناءكم. قال : كيف نرهنك أبناءنا فيقال رهن بوسق أو وسقين؟ قال : فأيّ شيء؟ قال : نرهنك اللّأمة (٨).

__________________

(١) رواية ابن الملّا : لم ألق.

(٢) سقطت من الأصل ، واستدركناها من ابن الملا والطبري.

(٣) عند الطبري «تجلّت».

(٤) الحائط : البستان.

(٥) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، وفتح الباري ٧ / ٣٣٨.

(٦) كذا في الأصل ، وعبارة البخاري : وعروة في مغازيه ١٦٢ «أحبّ أن أقتله».

(٧) كذا في البداية والنهاية ٤ / ٥.

(٨) اللأمة : السلاح وفي مغازي عروة ١٦٣ «الأمّة».

١٦٠