تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

عنده. وكان ذلك السيف يسمّى العون (١).

هكذا ذكره ابن إسحاق بلا سند.

وقد رواه الواقديّ قال : حدّثني عمر بن عثمان الجحشيّ ، عن أبيه ، عن عمّته قالت : قال عكّاشة بن محصن : انقطع سيفي يوم بدر ، فأعطاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عودا ، فإذا هو سيف أبيض طويل. فقاتلت [١٨ ب] به (٢).

وقال الواقدي : حدّثني أسامة بن زيد اللّيثي ، عن داود بن الحصين ، عن جماعة قالوا : انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر ، فبقي أعزل لا سلاح معه ، فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ، فقال : اضرب به. فإذا هو سيف جيّد. فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد (٣).

* * *

__________________

(١) في الأصل وسائر النّسخ : (القوى) تصحيف. والتصحيح من سيرة ابن هشام ٣ / ٥٠ والبداية والنهاية (٣ / ٢٩٠).

(٢) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ٩٣).

(٣) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ٩٣ ـ ٩٤).

١٠١
١٠٢

ذكر غزوة بدر

«من مغازي موسى بن عقبة (١) فإنّها من أصحّ المغازي»

قد قال إبراهيم بن المنذر الحزامي : حدّثني مطرّف (٢) ومعن (٣) وغيرهما أنّ مالكا كان إذا سئل عن المغازي قال : عليك بمغازي الرجل الصّالح موسى بن عقبة ، فإنّه أصحّ المغازي.

قال محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة قال : قال ابن شهاب ، ح.

وقال إسماعيل بن أبي أويس : ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ـ وهذا لفظه ـ عن عمّه موسى بن عقبة قال :

مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد قتل ابن الحضرميّ شهرين. ثم أقبل أبو

__________________

(١) هو موسى بن عقبة بن أبي عياش أبو محمد الأسدي. ولد تقريبا حول سنة ٥٥ ه‍ ـ. كان تلميذ الزهري وعاش في المدينة. توفي سنة ١٤١ ه‍ ـ. انظر عنه : الجرح والتعديل ٤ / ٢ / ١٥٥» تذكرة الحفاظ للذهبي ١ / ١٤٨ ، الأعلام للزركلي ٨ / ٢٧٦ ، معجم المؤلفين ١٣ / ٤٣ ، تاريخ التراث العربيّ ١ / ٤٥٨.

(٢) هو مطرّف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار اليساري الهلال أبو مصعب المدني ولد سنة ١٣٧ ومات سنة ٢٢٠ وقيل ٢١٤ ه‍ ـ. (تهذيب التهذيب ١٠ / ١٧٥).

(٣) هو معن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي مولاهم القزّاز أبو يحيى المدني أحد أئمة الحديث. مات بالمدينة سنة ١٩٨ ه‍ ـ. وكان ثقة كثير الحديث ثبتا مأمونا (تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٥٢ ، ٢٥٣).

١٠٣

سفيان في عير لقريش ، ومعه سبعون راكبا من بطون قريش ، منهم : مخرمة ابن نوفل وعمرو بن العاص ، وكانوا تجّارا بالشام ، ومعهم خزائن أهل مكة ، ويقال كانت عيرهم ألف بعير. ولم يكن لقريش أوقيّة فما فوقها إلّا بعثوا بها مع أبي سفيان ، إلّا حويطب بن عبد العزّى ، فلذلك تخلّف عن بدر فلم يشهده. فذكروا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك ، فبعث عديّ بن أبي الزّغباء الأنصاريّ ، وبسبس بن عمرو ، إلى العير ، عينا له ، فسارا ، حتى أتيا حيّا من جهينة ، قريبا من ساحل البحر ، فسألوهم عن العير ، فأخبروهما بخبر القوم. فرجعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه. فاستنفر المسلمين للعير. وذلك في رمضان.

وقدم أبو سفيان على الجهنيّين وهو متخوّف من المسلمين ، فسألهم فأخبروه خبر الراكبين ، فقال أبو سفيان : خذوا من بعر بعيريهما. ففتّه فوجد النّوى فقال : هذه علائف أهل يثرب. فأسرع وبعث رجلا من بني غفار (١) يقال له : ضمضم بن عمرو إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه.

وكانت عاتكة قد رأت قبل قدوم ضمضم ، فذكر (٢) رؤياها ، إلى أن قال : فقدم ضمضم فصاح : يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون (٣) لأبي سفيان. ففزعوا ، وأشفقوا من رؤيا عاتكة ، ونفروا على كل صعب وذلول.

وقال أبو جهل : أيظنّ محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة؟ سيعلم أنمنع عيرنا أم لا.

__________________

(١) في ع : (من غفار).

(٢) في الأصل : (فذكروا). وأثبتنا نصّ ع ، ح.

(٣) في ع : (يتعرضون).

١٠٤

فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل ، وساقوا مائة فرس ، ولم يتركوا كارها للخروج. فأشخصوا العبّاس بن عبد المطّلب ، ونوفل بن الحارث ، وطالب بن أبي طالب ، وأخاه عقيلا ، إلى أن نزلوا الجحفة.

فوضع جهيم بن الصّلت بن مخرمة المطّلبي رأسه فأغفى ، ثم فزع (١) فقال لأصحابه : هل رأيتم الفارس الّذي وقف عليّ آنفا. قالوا : لا ، إنّك (٢) مجنون. فقال : قد وقف عليّ فارس فقال : قتل أبو جهل ، وعتبة ، وشيبة ، وزمعة ، وأبو البختريّ ، وأميّة بن خلف ، فعدّ جماعة. فقالوا : (٣) إنّما لعب بك الشّيطان. فرفع حديثه [١٩ أ] إلى أبي جهل فقال : قد جئتمونا بكذب بني المطّلب مع كذب بني هاشم ، سترون غدا من يقتل.

وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلب العير ، فسلك على نقب (٤) بني دينار ، ورجع حين رجع من ثنيّة الوداع. فنفر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربّصوا. وكانت أوّل وقعة أعزّ الله فيها الإسلام.

فخرج في رمضان ومعه المسلمون على النّواضح (٥) يعتقب النّفر منهم على البعير الواحد. وكان زميل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّ بن أبي طالب ، ومرثد بن أبي مرثد الغنويّ حليف حمزة بن عبد المطّلب ، ليس مع الثلاثة إلّا بعير واحد.

__________________

(١) في الأصل ، ع : نزع ، وفي ح : رفع. والتصحيح من السياق ، يقال : فزع من نومه أي هبّ وانتبه.

(٢) في ع : (لأنك مجنون).

(٣) في الأصل : (فقال) : وأثبتنا نص ع ، ح.

(٤) النقب : الطريق الضيق في الجبل أو بين دارين لا يستطاع سلوكه.

(٥) النواضح : مفردها : الناضح ، وهو البعير أو الحمار أو الثور الّذي يستقى عليه الماء وهي ناضحة وسانية (تاج العروس ٧ / ١٨٤)

١٠٥

فساروا ، حتى إذا كانوا بعرق الظّبية (١) لقيهم راكب من قبل تهامة ، فسألوه عن أبي سفيان فقال : لا علم لي به. فقالوا : سلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : وفيكم رسول الله؟ قالوا : نعم. وأشاروا إليه. فقال له : أنت رسول الله؟ قال : نعم. قال : إن كنت رسول الله فحدّثني بما في بطن ناقتي هذه. فغضب سلمة (٢) بن سلامة بن وقش الأنصاري فقال : وقعت على ناقتك فحملت منك. فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال سلمة فأعرض عنه.

ثم سار لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة (٣) قريش. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أشيروا علينا. فقال أبو بكر : أنا أعلم بمسافة الأرض.

أخبرنا عديّ بن أبي الزّغباء : أنّ العير كانت بوادي كذا (٤).

وقال عمر : يا رسول الله ، إنّها قريش وعزّها (٥) ، والله ما ذلّت منذ عزّت ولا آمنت منذ كفرت. والله لتقاتلنّك ، فتأهّب. لذلك.

فقال : أشيروا عليّ.

قال المقداد بن عمرو : إنّا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى اذهب (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكم متّبعون. فقال : أشيروا عليّ.

__________________

(١) عرق الظبية : بكسر العين وسكون الراء ، والظبية : بضم الظاء المعجمة. قال الواقدي : هو من الروحاء على ثلاثة أميال مما يلي المدينة ، وبعرق الظبية مسجد للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفي كتاب نصر :

عرق الظبية بين مكة والمدينة قرب الروحاء ، وقيل : هي الروحاء نفسها ، (معجم البلدان ٤ / ٥٨) وفي نسخة شعيرة ١٣٦ «عرق الطيب» وهو غلط.

(٢) في الأصل : (سلامة). خطأ صوابه من ع ، ح والإصابة (٢ / ٦٥).

(٣) النفرة : الجماعة يتقدّمون في الأمر ، ومثلها النفير.

(٤) في الأصل : (كدا) ، وفي ع ، ح : (كذا). فهي إمّا أن تكون بمعنى الإشارة إلى الشيء ، على التكنية كما يقال : حدّث كذا وكذا ، وإمّا أن تكون كداء أو كدي وهما اسمان لموضعين ، وفي تسميتهما وتحديد موضعهما انظر ياقوت (٤ / ٤٣٩).

(٥) في ع : (وعيرها) تصحيف.

١٠٦

فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارته ظنّ سعد أنّه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه ، أو قال : أن لا يستجلبوا معه على ما يريد ، فقال : لعلّك يا رسول الله تخشى أن لا يكون [الأنصار] (١) يريدون مواساتك. ولا يرونها حقّا عليهم ، إلّا بأن يروا عدوّا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم. وإنّي أقول عن الأنصار وأجيب عنهم : فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذته منّا أحبّ إلينا مما تركته علينا. فو الله لو سرحت حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن (٢) لسرنا معك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيروا على اسم الله عزوجل فإنّي قد أريت (٣) مصارع القوم. فعمد لبدر.

وخفض (٤) أبو سفيان فلصق بساحل البحر ، وأحرز ما معه ، فأرسل إلى قريش ، فأتاهم الخبر بالجحفة. فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها. فكره ذلك الأخنس بن شريق وأشار بالرجعة ، فأبوا وعصوه. فرجع ببني [١٩ ب] زهرة فلم يحضر أحد منهم بدرا. وأرادت بنو هاشم الرجوع فمنعهم أبو جهل (٥).

ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أدنى شيء من بدر. ثم بعث عليّا والزّبير

__________________

(١) سقطت من الأصل وأثبتناها من ح.

(٢) في هامش ح : في برك فتح الموحّدة وكسرها ، وفي غمد كسر الغين وفتحها. وقال ياقوت : برك الغماد : بكسر الغين والمعجمة. وقال ابن دريد : بالضم والكسر أشهر ، وهو موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر ، وقيل بلد باليمن. وفي كتاب عياض : برك الغماد : بفتح الباء عن الأكثرين ، وقد كسرها بعضهم وقال : هو موضع في أقاصي أرض هجر. (انظر معجم البلدان ٤ / ٣٩٩ ، ٤٠٠).

(٣) في ع : (رأيت).

(٤) خفض بالمكان : أقام. ولعلّها : حفض. بمعنى : جمع ، أي جمع الإبل وساقها.

(٥) انظر المغازي لعروة ١٣٦.

١٠٧

وجماعة يكشفون الخبر. فوجدوا وارد (١) قريش عند القليب ، فوجدوا غلامين فأخذوهما فسألوهما عن العير ، فطفقا يحدّثانهم عن قريش ، فضربوهما.

وذكر الحديث ، إلى أن قال :

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أشيروا عليّ في المنزل.

فقام الحباب بن المنذر السّلمي : أنا يا رسول الله عالم بها وبقلبها ، إن رأيت أن نسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة ، فننزل عليها ونسبق القوم إليها ونغوّر (٢) ما سواها.

فقال : سيروا. فإنّ الله قد وعدكم إحدى الطّائفتين.

فوقع في قلوب ناس كثير الخوف.

فتسارع المسلمون والمشركون إلى الماء ، فأنزل الله تلك الليلة مطرا واحدا ، فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا ، وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبّد لهم الأرض ، فسبقوا إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل. فاقتحم القوم في القليب فماحوها (٣) حتى كثر ماؤها. وصنعوا حوضا عظيما. ثم عوّروا ما سواه من المياه (٤).

ويقال : كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرسان ، على أحدهما : مصعب بن عمير ، وعلى الآخر سعد بن خيثمة. ومرّة الزّبير بن العوّام ، والمقداد.

ثم صفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحياض. فلما طلع المشركون قال رسول

__________________

(١) الوارد : هو الّذي يتقدّم القوم فيرد المنهل ويستقي لهم. يقع على الواحد والجماعة.

(٢) في طبعة القدسي ٨٦ «ونعوّر» بالعين المهملة ، والتصويب عن المغازي لعروة ١٣٨.

(٣) ماح البئر : دخلها ليملأ الدلو لقلّة مائها. يقال لمن يفعل ذلك مائح ، والجمع ماحة.

(٤) المغازيّ لعروة ١٣٨.

١٠٨

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ زعموا (١) ـ : «اللهمّ هذه قريش قد جاءت بخيلائها (٢) وفخرها تحادّك (٣) وتكذّب رسولك» (٤).

واستنصر المسلمون الله واستغاثوه ، فاستجاب الله لهم.

فنزل المشركون وتعبّئوا للقتال ، ومعهم إبليس في صورة سراقة المدلجي يحدّثهم أنّ بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم.

قال : فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال : هل لك أن تكون سيّد قريش ما عشت؟ قال [عتبة] (٥) : فأفعل ما ذا؟ قال : تجير بين الناس وتحمل دية ابن الحضرميّ ، وبما أصاب محمد في تلك العير ، فإنّهم لا يطلبون من محمد غيرها. قال عتبة : نعم قد فعلت ، ونعم ما قلت ، فاسع في عشيرتك فأنا أتحمّل بها. فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك.

وركب عتبة جملا له ، فسار عليه في صفوف المشركين فقال : يا قوم أطيعوني ودعوا هذا الرجل ، فإن كان كاذبا ولي قتله غيركم (٦) من العرب فإنّ فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة ، وإنّكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمّه ، فيورث ذلك فيكم (٧) إحنا (٨) وضغائن. وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم. وإن كان نبيّا لم تقتلوا النّبيّ فتسبّوا به. ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم منكم (٩) ،

__________________

(١) في ح : (فيما زعموا).

(٢) الخيلاء : الكبر والإعجاب.

(٣) تحادّك : تعاديك.

(٤) المغازي العروة ١٣٩.

(٥) إضافة عن المغازي لعروة.

(٦) في ع ، (ولي غيركم قتله من العرب).

(٧) في مغازي عروة «فيهم».

(٨) في هامش ح : الإحنة الحقد.

(٩) في الأصل ، ع : (حتى يصيبوا أعدادكم). وأثبتنا نص ح.

١٠٩

ولا آمن أن تكون لهم الدبرة عليكم.

فحسده أبو جهل على مقالته. وأبى الله إلّا أن ينفذ أمره. وعتبة يومئذ سيّد المشركين.

فعمد [٢٠ أ] أبو جهل إلى ابن الحضرميّ ـ وهو أخو المقتول ـ فقال : هذا عتبة يخذل بين النّاس ، وقد تحمّل بدية أخيك ، يزعم أنّك قابلها. أفلا (١) تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدّية؟

وقال لقريش : إنّ عتبة قد علم أنّكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه ، وفيهم ابنه وبنو عمّه ، وهو يكره صلاحكم. وقال لعتبة : انتفخ سحرك. (٢) وأمر النّساء أن يعولن عمرا ، فقمن يصحن : وا عمراه وا عمراه ، تحريضا على القتال.

وقام رجال فتكشّفوا ، يعيّرون بذلك قريشا. فأخذت قريش مصافّها للقتال. فذكر الحديث إلى أن قال : فأسر نفر ممّن أوصى بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يقتلوهم إلّا أبا البختريّ ، فإنّه أبى أن يستأمر ، فذكروا له أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر ، فأبى.

ويزعم ناس أنّ أبا اليسر قتل أبا البختريّ. ويأبى عظم النّاس (٣) إلّا أنّ المجذّر هو الّذي قتله. بل قتله أبو داود المازني.

قال : ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا ، بينه وبين المعركة غير كثير ، مقنّعا في الحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح ، ولا يستطيع

__________________

(١) في الأصل : (ألا). وأثبتنا نص ع ح. ومغازي عروة ١٤٠.

(٢) يقال للجبان الّذي ملأ الخوف جوفه : انتفخ سحره. والسّحر : الرئة.

(٣) عظم الناس : معظمهم. وفي مغازي عروة «عظيم».

١١٠

أن يحرّك (١) عضوا ، وهو منكبّ ينظر إلى الأرض. فلما رآه ابن مسعود أطاف (٢) حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه ، وأبو جهل مقنّع بالحديد ، فلما أبصره لا يتحرّك ظنّ أنّه مثبت جراحا ، فأراد أن يضربه بسيفه ، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا ، فأتاه (٣) من ورائه ، فتناول قائم سيفه فاستلّه وهو منكب ، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه ، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه. فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح ، وأبصر في عنقه حدرا (٤) ، وفي يديه وفي كتفيه كهيئة آثار السّياط (٥) ، فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذلك ضرب الملائكة (٦).

قال : وأذلّ الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين ، فلم يبق بالمدينة منافق ويهوديّ إلّا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر.

وكان ذلك يوم الفرقان ، فرّق الله بين الشّرك والإيمان.

وقالت اليهود : تيقّنّا أنّه النّبيّ الّذي نجد نعته في التوراة. والله ، لا يرفع راية بعد اليوم إلّا ظهرت (٧).

وأقام أهل مكّة على قتلاهم النّوح بمكة شهرا (٨).

ثم رجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، فدخل من ثنيّة الوداع.

__________________

(١) في ح : ومغازي عروة ١٤٢ : (يحرك منه).

(٢) في ح : (طاف).

(٣) في الأصل : (فأتى). وأثبتنا نص ع ، ح. ومغازي عروة ١٤٣.

(٤) في الأصل وسائر النّسخ : (خدرا) تصحيف. والحدر : ورم الجلد وانتفاخه من الضرب.

(تاج العروس ١٠ / ٥٥٥).

(٥) في ع : (كهيئة السياط).

(٦) انظر الخبر في المغازي لعروة بن الزبير ١٤٢ ، ١٤٣.

(٧) المغازي لعروة ١٤٣.

(٨) المغازي لعروة ١٤٣.

١١١

ونزل القرآن يعرّفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر ، فقال (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (١) ، وثلاث آيات معها (٢).

ثم ذكر موسى بن عقبة الآيات التي نزلت في سورة الأنفال في هذه الغزوة وآخرها.

وقال رجال ممّن أسر : يا رسول الله ، إنّا كنّا مسلمين ، وإنّما أخرجنا كرها ، فعلام يؤخذ منّا الفداء؟ فنزلت (قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً ، مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (٣).

حذفت من هذه القصّة كثيرا ممّا سلف من الأحاديث الصحيحة استغناء بما تقدّم (٤).

وقد ذكر هذه القصة ـ بنحو قول موسى بن عقبة ـ ابن لهيعة عن أبي الأسود ، عن عروة ، ولم يذكر أبا داود المازني في قتل أبي البختري. وزاد يسيرا (٥).

وقال هو وابن عقبة : إنّ عدد من قتل من المسلمين ستّة من قريش ، وثمانية من الأنصار ، وقتل من المشركين تسعة وأربعون رجلا ، وأسر تسعة وثلاثون رجلا. كذا قالا.

__________________

(١) سورة الأنفال : الآية ٥.

(٢) المغازي لعروة ١٤٤.

(٣) سورة الأنفال : من الآية ٧٠.

(٤) في هامش ح : هذه القصة في مغازي ابن عقبة في اثنتي عشرة ورقة ، مسطرة ستة عشر. كذا بخطّ الذهبي.

(٥) المغازي لعروة ١٤٦.

١١٢

وقال ابن إسحاق : استشهد أربعة من قريش وسبعة من الأنصار. وقتل من المشركين بضعة وأربعون ، وكانت الأسارى أربعة وأربعين أسيرا.

وقال الزّهري عن عروة : هزم المشركون وقتل منهم زيادة على سبعين ، وأسر مثل ذلك.

ويشهد لهذا القول حديث البراء الّذي في البخاري (١) ، قال : أصاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه من المشركين يوم بدر أربعين ومائة ، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا. وأصابوا منّا يوم أحد سبعين.

وقال حمّاد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسامة بن زيد رضي‌الله‌عنهما ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلّف عثمان وأسامة بن زيد على بنته رقيّة أيام بدر. فجاء زيد بن حارثة على العضباء (٢) ، ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبشارة. قال أسامة : فسمعت الهيعة (٣) ، فخرجت فإذا أبي قد جاء بالبشارة ، فو الله ما صدّقت حتى رأينا الأسارى. فضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعثمان بسهمه (٤).

وقال عبدان بن عثمان (٥) : ثنا ابن المبارك ، أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن عبد الرحمن ـ رجل من أهل صنعاء ـ قال : أرسل النّجاشيّ إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، فدخلوا عليه وهو في بيت ، عليه خلقان

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب قصة غزوة بدر ـ ج ٥ / ١١.

(٢) الغضباء وهي القصواء والجدعاء ابتاعها أبو بكر الصدّيق من نعم بن الحريش ، وأخرى معها بثمان مائة درهم وهي التي هاجر عليها ، وكانت حين قدم المدينة رباعية وهي التي سبقت فشقّ ذلك على المسلمين. تهذيب الكمال للمزّي ١ / ٢١١ بتحقيق الدكتور بشّار عوّاد معروف.

(٣) الهيعة : الصوت تفزع منه وتخافه من العدو.

(٤) البداية والنهاية ٣ / ٣٠٤.

(٥) في ح : (عبد الله بن عثمان) وهو هو ، عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد ، واسمه ميمون وقيل أيمن : الملقب عبدان. (تهذيب التهذيب ٥ / ٣١٣).

١١٣

جالس على التراب. قال جعفر : فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال. فقال : أبشّركم بما يسّركم ، إنّه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أنّ الله تعالى قد نصر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهلك عدوّه ، وأسر فلان وفلان [وقتل فلان وفلان] (١) ، التقوا بواد يقال له بدر ، كثير الأراك (٢) ، كأنّي انظر إليه ، كنت أرعى به لسيّدي ـ رجل من بني ضمرة ـ إبله. فقال له جعفر : ما بالك جالس على التراب ، ليس تحتك بساط ، وعليك هذه الأخلاق (٣)؟ قال : إنّا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه‌السلام أنّ حقّا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عند ما أحدث لهم من نعمته. فلما أحدث الله لي نصر نبيّه أحدثت له هذا التواضع.

ذكر مثل هذه الحكاية الواقديّ في مغازيه بلا سند (٤).

فصل

في غنائم بدر والأسرى

قال خالد الطّحّان ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر : من فعل كذا وكذا ، فله من النّفل كذا [٢١ أ] وكذا.

قال : فتقدّم الفتيان ولزم المشيخة الرايات. فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة : كنّا رداء لكم ، لو انهزمتم ، فئتم إلينا ، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقي. فأبى الفتيان وقالوا : جعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنا.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين إضافة من البداية والنهاية ٣ / ٣٠٨.

(٢) الأراك : شجر من الحمض له حمل كحمل عناقيد العنب يستاك به ، قال أبو حنيفة : هو أفضل ما استيك بفروعه وأطيب ما رعته الماشية رائحة لبن (التاج).

(٣) الأخلاق : والخلقان ـ وقد مرت قبل قليل ـ كلاهما جمع خلق ، بالتحريك ، وهو الثوب البالي.

وقد يقال ثوب أخلاق إذا كانت الخلوقة فيه كلّه. وعند ابن كثير «الأخلاط».

(٤) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٢٠ ـ ٩١٢١ وانظر البداية والنهاية ٣ / ٣٠٧ ، ٣٠٨.

١١٤

فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) (١) إلى قوله (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٢).

يقول : فكان ذلك خيرا لهم. فكذلك أيضا أطيعوني فإنّي أعلم بعاقبة هذا منكم. أخرجه أبو داود (٣).

ثم ساقه من وجه آخر عن داود بإسناده. وقال : فقسمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسّواء (٤).

وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تنفّل سيفه ذا الفقار يوم بدر.

وقال عمر بن يونس : حدّثني عكرمة بن عمّار ، حدّثني أبو زميل ، حدّثني ابن عبّاس ، حدّثني عمر قال : لما كان يوم بدر ، فذكر القصّة.

قال ابن عبّاس : فلما أسروا الأسارى قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترون في هؤلاء؟

فقال أبو بكر : هم بنو العمّ والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوّة على الكفّار ، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى يا بن الخطاب؟.

قلت : لا والله يا رسول الله ما أرى الّذي رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكّنّا فنضرب أعناقهم ، فتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكّني من

__________________

(١) سورة الأنفال : من الآية الأولى ، وتمام الآية الكريمة (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

(٢) سورة الأنفال : من الآية ٥ ، وتمام الآية الكريمة (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ).

(٣) ، (٤) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في النفل (٢ / ٧٠).

١١٥

فلان ، نسيب لعمر ، فأضرب عنقه ، فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر وصناديدها.

فهوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت. فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر يبكيان. قلت : يا رسول الله أخبرني من أيّ شيء تبكيان ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإلّا تباكيت لبكائكما.

فقال : أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، شجرة قريبة من نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) (١) إلى قوله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) (٢) ، فأحلّ الله لهم الغنيمة. أخرجه مسلم (٣).

وقال جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة بن عبد الله ، عن أبيه قال : لما كان يوم بدر قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ فقال عبد الله بن رواحة : أنت في واد كثير الحطب فأضرم نارا ثم ألقهم فيها. فقال العبّاس : قطع الله رحمك. فقال عمر : قادتهم ورءوسهم قاتلوك وكذّبوك ، فاضرب أعناقهم. فقال أبو بكر : عشيرتك وقومك.

ثم دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض حاجته. فقالت طائفة : القول ما قال عمر. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما تقولون [٢١ ب] في هؤلاء؟ إنّ مثل هؤلاء كمثل إخوة لهم كانوا من قبلهم ، قال نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى

__________________

(١) سورة الأنفال : من الآية ٦٧.

(٢) سورة الأنفال : من الآية ٦٩.

(٣) صحيح مسلم (١٧٦٣) : كتاب الجهاد والسير ، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم.

١١٦

الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (١) ، وقال موسى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) (٢) ، وقال إبراهيم : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) ، وقال عيسى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) (٤) الآية. وأنتم [قوم] (٥) بكم عيلة (٦) ، فلا ينقلبنّ (٧) أحد منهم (٨) إلا بفداء أو بضربة عنق. فقلت : إلّا سهيل بن بيضاء فإنّه لا يقتل ، قد سمعته يتكلّم بالإسلام. فسكت. فما كان يوم أخوف عندي أن يلقي الله عليّ حجارة من السماء من يومي ذلك ، حتى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إلّا سهيل ابن بيضاء.

وقال أبو إسحاق عن البراء أو غيره قال : جاء رجل من الأنصار بالعبّاس قد أسره إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال العبّاس : ليس هذا أسرني. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد آزرك الله بملك كريم.

وقال ابن إسحاق. حدّثني من سمع عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : كان الّذي أسر العبّاس أبو اليسر كعب بن عمرو السّلميّ. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف أسرته؟ قال : لقد أعلق عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد ، هيئته كذا وكذا. فقال : لقد أعانك عليه ملك كريم.

وقال للعبّاس : أفد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن

__________________

(١) سورة نوح : من الآية ٢٦.

(٢) سورة يونس : من الآية ٨٨.

(٣) سورة إبراهيم : من الآية ٣٦.

(٤) سورة المائدة : من الآية ٣٦.

(٥) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٦) العيلة : الفقر.

(٧) في ع ، ح : (ينفلنّ).

(٨) في الأصل : (منكم) ، والوجه ما أثبتناه عن ع ، ح.

١١٧

الحارث. فأبى وقال : إنّي كنت مسلما وإنّما استكرهوني.

قال : الله أعلم بشأنك إن يك ما تدّعي (١) حقّا فالله يجزيك بذلك. وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك.

وكان قد أخذ معه عشرون أوقية ذهبا. فقال : يا رسول الله احسبها لي من فدائي. قال : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك.

وقال عبد العزيز بن عمران الزّهري ، وهو ضعيف (٢) : حدّثني محمد ابن موسى ، عن عمارة [بن عمّار] (٣) أبي اليسر ، عن أبيه ، عن جدّه قال :

نظرت إلى العبّاس يوم بدر ، وهو قائم كأنّه صنم وعيناه تذرفان ، فقلت : جزاك الله من ذي رحم شرّاء ، تقاتل ابن أخيك مع عدوّه؟ قال : ما فعل ، أقتل؟ قلت : الله أعزّ له وانصر من ذلك. قال : ما تريد إليّ؟ قلت : إسار ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن قتلك. قال : ليست بأوّل صلته. فأسرته.

وروى ابن إسحاق ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : بعثت قريش في فداء أسراهم. وقال العبّاس : إنّي كنت مسلما. فنزل فيه (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (٤) قال العبّاس : فأعطاني الله مكان العشرين أوقيّة عشرين عبدا كلّهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من المغفرة.

__________________

(١) في ح : (تدّعيه).

(٢) قال عنه العقيلي : حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلّا به. وقال البخاري : لا يكتب حديثه ، منكر الحديث. (الضعفاء الكبير ٣ / ١٣ ، ١٤) وانظر : الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٥ / ١٩٢٤ ، والمغني في الضعفاء ٢ / ٣٩٩ وميزان الاعتدال للذهبي ٢ / ٦٣٢.

(٣) زيادة في اسمه من ع ، ح.

(٤) سورة الأنفال : من الآية ٧٠.

١١٨

وقال أزهر السّمّان ، عن ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، وبعضهم يرسله ، قال : قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأسارى يوم بدر. إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء ، [٢٢ أ] واستشهد منكم بعدّتهم.

وكان آخر السبعين ثابت بن قيس ، قتل يوم اليمامة.

هذا الحديث داخل في معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإخباره عن حكم الله فيمن يستشهد ، فكان كما قال.

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني نبيه بن وهب العبدري قال : لما أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأسارى فرّقهم على المسلمين ، وقال :استوصوا بهم خيرا. قال نبيه : فسمعت من يذكر عن أبي عزيز (١) ، قال :كنت في الأسارى يوم بدر ، فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : استوصوا بالأسارى خيرا. فإن كان ليقدّم إليهم الطّعام فما تقع بيد أحدهم كسرة إلّا رمى بها إلى أسيره ، ويأكلون التمر. فكنت أستحي فآخذ الكسرة فأرمي بها إلى الّذي رمى بها إليّ ، فيرمي بها إليّ.

أبو عزيز هو أخو مصعب بن عمير ، يقال إنّه أسلم. وقال ابن الكلبي وغيره : إنّه قتل يوم أحد كافرا.

وعن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : جعل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر اربعمائة.

أخرجه أبو داود من حديث شعبة ، عن أبي العنبس ، عن أبي الشعثاء عنه (٢).

__________________

(١) في الأصل ، ح : (أبي عزيز) ، والتصحيح من ع. وهو أبو عزيز ، زرارة بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف (المحبر ٤٠١).

(٢) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في فداء الأسير بالمال (٢ / ٥٦).

١١٩

وقال أسباط ، عن إسماعيل السّدّي (١) : كان فداء أهل بدر : العبّاس ، وعقيل ابن أخيه ، ونوفل ، كل رجل أربعمائة دينار.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني العبّاس بن عبد الله بن معبد ، عن بعض أهله ، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : إنّي قد عرفت أنّ ناسا (٢) من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحدا منهم (٣) فلا يقتله ، فإنّه إنّما أخرج مستكرها.

فقال أبو حذيفة بن عتبة : أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العبّاس؟ والله لئن لقيته لألحمنّه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لعمر بن الخطاب : يا أبا حفص ، أيضرب وجه عمّ رسول الله بالسّيف؟ فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه ، فو الله لقد نافق.

فكان أبو حذيفة بعد يقول : والله ما أنا آمن (٤) من تلك الكلمة التي قلت ، ولا أزال منها خائفا ، إلّا أن يكفّرها الله عنّي بشهادة (٥) ، فاستشهد يوم اليمامة.

قال ابن إسحاق : إنّما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل أبي البختريّ لأنّه كان أكفّ القوم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بمكة (٦).

وكان العبّاس أكثر الأسرى فداء لكونه موسرا ، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهب.

__________________

(١) السّدّي : بضم السين المهملة وتشديد الدال. نسبة إلى السّدّة وهي الباب. وإنّما نسب السّدي الكبير إليها لأنه كان يبيع الخمر بسدّة الجامع بالكوفة. (اللباب ٢ / ١١٠).

(٢) في السيرة «رجلا».

(٣) في السيرة (من بني هاشم».

(٤) في ح : (ما آمن) وكذلك في السيرة.

(٥) في ع : (بالشهادة).

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٣٩ ، ٤٠.

١٢٠