إعراب القرآن - ج ٤

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٤

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١٢

(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠)

(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى) والكوفيون يقرءون (يَحْسَبُونَ) يقال : حسب يحسب وتحسب ، لغتان ، والقياس الفتح مثل حذر يحذر إلّا أن الكسر أكثر في كلام العرب. ويقال : إنّ لغة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكسر ، وفتحت «أن» لأنها في موضع اسم.

(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٨١)

إن جعلت «إن» للشرط فكان في موضع جزم وإن جعلتها بمعنى «ما» فلا موضع لكان. وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) قال : يقول : لم يكن للرحمن ولد. قال أبو جعفر : جعل «إن» بمعنى «ما» كما قال جلّ وعزّ: (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) [الملك : ٢٠] أي ما الكافرون إلّا في غرور.

(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (٨٤)

(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) قال أبو إسحاق : أي معبود في السماء ومعبود في الأرض. وفي حرف عبد الله وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله.

(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٨٦)

(إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) في موضع نصب على الاستثناء.

(وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٨٩)

(وَقِيلِهِ يا رَبِ) هذه قراءة (١) المدنيين وأبي عمرو والكسائي ، وقرأ الكوفيون غير الكسائي (وَقِيلِهِ) بالخفض ، وزعم هارون القارئ أنّ الأعرج قرأ (وَقِيلِهِ) بالرفع. قال أبو جعفر : (وَقِيلِهِ) بالنصب من خمسة أوجه : قال الأخفش سعيد : «وقيله» بالنصب من وجهين ؛ يكون بمعنى أم يحسبون أنا لا نسمع سرّهم ونجواهم وقيله ، الوجه الثاني : أن يكون مصدرا. وقال أبو إسحاق : المعنى وعنده علم الساعة ويعلم قيله لأن معنى وعنده علم الساعة ويعلم الساعة أي يعلم وقت الساعة وهو الغيب ويعلم قيله وهو الشهادة. والقول الرابع أن يكون المعنى إلّا من شهد بالحق وهم يعلمون الحقّ وقيله. والقول الخامس ورسلنا لديهم يكتبون ذلك وقيله. قال أبو إسحاق : والخفض بمعنى وعنده علم الساعة وعلم قيله. قال أبو جعفر : والرفع بالابتداء. قال

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٦٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٠.

٨١

الفراء (١) : كما تقول نداؤه هذه الكلمة وقدّره غيره بمعنى وقيله يا ربّ ويقال : قال قولا وقيلا وقالا بمعنى واحد. والقراءة البينة بالنصب من جهتين : إحداهما : أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما وإن تباعد ذلك لانفصال العامل من المعمول فيه مع المنصوب وذلك في المخفوض إذا فرّقت بينهما قبيح ، والجهة الأخرى أنّ أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب ، كما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى : (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) قال : فأخبر الله جلّ وعزّ عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وروى معمر عن قتادة و «قيله يا رب» قال : قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون ، فالهاء في «وقيله» على هذا عائدة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد قيل : إن الهاء راجعة إلى قوله : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) [الزخرف : ٥٧] أي ويسمع قول عيسى ابن مريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا يئس من صلاح قومه وإيمانهم (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) والأولى بالصواب القول الأول أن تكون الهاء عائدة على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لجهتين : إحداهما أنّ ذكره أقرب إلى المضمر ؛ لأن المعنى : قل يا محمد إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين. والجهة الأخرى أن الذي بعده مخاطبة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإجماع وهو (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) أي أعرض عنهم (وَقُلْ سَلامٌ) أي مسالمة ومتاركة. والتقدير في العربية أمري سلام. زعم الفراء (٢) أنّ التقدير سلام عليكم ثم حذف. وهذا خلاف ما قال المتقدمون ، وقد ذكر مثل هذا سيبويه ، وقال : نزل بمكة من قبل أن يؤمروا بالسلام ، وأيضا فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد نهى أن يبدأ اليهود والنصارى بالسلام ، وحظر على المسلمين فصحّ أن معنى (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣] أنه ليس من التسليم في شيء ، وإنما هو من المتاركة والتسليم. وكذا (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) فسوف تعلمون قراءة المدنيين (٣) ، وهو على هذا من كلام واحد وقراءة ابن كثير والكوفيين والبصريين (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) بالياء على أنه قد تمّ الكلام عند (وَقُلْ سَلامٌ). والمعنى فسوف يعلمون العقوبة على التهديد.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٣٨.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٠ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٨٩.

٨٢

(٤٤)

شرح إعراب سورة حم (الدخان)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى عن مهدي بن ميمون قال : حدّثنا عمران القصير عن الحسن قال : من قرأ سورة «الدخان» ليلة الجمعة غفر له.

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢)

(حم (١) وَالْكِتابِ) مخفوض بالقسم. (الْمُبِينِ) من نعته.

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (٣)

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) قال أبو جعفر : وقد ذكرنا عن العلماء أنها ليلة القدر. فأما البركة التي فيها فهي نزول القرآن ، وقال أبو العالية : هي رحمة كلّها لا يوافقها عبد مؤمن يعمل إحسانا إلّا غفر له ما مضى من ذنوبه. وقال عكرمة : يكتب فيها الحاجّ حاجّ بيت الله جلّ وعزّ فلا يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم أحد فقيل لها : مباركة لثبات الخير فيها ودوامه. والبركة في اللغة. الثبات والدوام.

(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٤)

أي فيه الحكمة من فعل الله جلّ وعزّ.

(أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (٥)

(أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) في نصبه (١) خمسة أقوال : قال سعيد الأخفش : نصبه على الحال بمعنى أمرين. وقال محمد بن يزيد : نصبه نصب المصادر أي إنّا أنزلناه إنزالا ، والأمر مشتمل على الأخبار. قال أبو عمر الجرميّ : هو حال من نكرة ، وأجاز على هذا : هذا رجل مقبلا. وقال أبو إسحاق : «أمرا» مصدر ، والمعنى فيها يفرق فرقا و «أمرا» بمعنى : فرق ، والقول الخامس أن معنى يفرق يؤمر ويؤتمر فصار مثل : هو يدعه تركا.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٤.

٨٣

(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦)

(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) في نصبه خمسة أقوال : قال الأخفش : هو نصب على الحال. وقدّره الفراء (١) مفعولا على أنه منصوب بمرسلين ، وجعل الرحمة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال أبو إسحاق : يجوز أن يكون رحمة مفعولا من أجله. وهذا أحسن ما قيل في نصبها. وقيل : هي بدل من أمر ، والقول الخامس : أنها منصوبة على المصدر. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يكون «هو» زائدا فاصلا ، ويجوز أن يكون مبتدأ و «السميع» خبره و (الْعَلِيمُ) من نعته.

(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٨)

(رَبِّ السَّماواتِ) نعت للسميع ، ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ. وهذه قراءة المدنيين والبصريين سوى الحسن فإنه والكوفيين قرءوا رب السماوات (٢) على البدل بمعنى رحمة من ربّك ربّ السّموات ، وكذا ربكم ورب آبائكم الأولين بالرفع والخفض.

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠)

وسمع من العرب في جمع دخان دواخن. وزعم القتبيّ أنه لم يأت على هذا إلّا دخان وعثان. قال أبو جعفر : وهذا القول ليس بشيء عند النحويين الحذاق ؛ وإنما دواخن جمع داخنة وهذا قول الفراء نصا وكلّ من يوثق بعلمه ، وحكى الفراء : دخنت النار فهي داخنة إذا أتت بالدخان.

(يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) (١١)

رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (١٢)

قال أبو إسحاق : أي يقول الناس الذين أصابهم الجدب «هذا عذاب أليم».

(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) (١٣)

(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) في موضع رفع بالابتداء على قول سيبويه ، وعلى قول غيره بإضمار فعل. قال أبو الحسن بن كيسان : «أنّى» تجتذب معنى «أين» «وكيف» أي من أي المذاهب وعلى أي حال ، ومنه (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) [ال عمران : ٣٧] أي من أي المذاهب وعلى أي حال.

(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) (١٥)

(إِنَّا) أصله إنّنا فحذفت النون تخفيفا. (كاشِفُوا الْعَذابِ) الأصل كاشفون حذفت

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٣٩.

(٢) انظر تيسير الداني ١٦٠ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٩٢.

٨٤

النون تخفيفا ، ومن يحذف النون لالتقاء الساكنين نصب العذاب (قَلِيلاً) نصب ؛ لأنه نعت لظرف أو لمصدر. قال أحمد بن يحيى : إنكم عائدون إلى الشرك. وقيل إلى عذاب الآخرة.

(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) (١٧)

(يَوْمَ نَبْطِشُ) منصوب بمعنى اذكروا ، ولا يجوز أن يكون منصوبا بمنتقمين ؛ لأن «أنّ» لا يجوز فيها مثل هذا. وقرأ أبو جعفر وطلحة (يَوْمَ نَبْطِشُ) (١) وهي لغة معروفة وقراءة أبي رجاء (يَوْمَ نَبْطِشُ) (٢) بضم النون وكسر الطاء على حذف المفعول. يقال : بطش وأبطشه. قال أحمد بن يحيى : (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) أي عند ربه جلّ وعزّ ، قال : وقال «كريم» من قومه.

(أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٨)

(أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) «أن» في موضع نصب والمعنى بأن ونصبت «عباد الله» بوقوع الفعل عليهم أي سلّموا إلى عباد الله أي اطلقوهم من العذاب ويجوز أن تنصب عباد الله على النداء المضاف ، ويكون المعنى : أن أدّوا إليّ ما أمركم الله عزوجل به يا عباد الله.

(وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (١٩)

(وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) معطوفة على «أن» الأولى (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) قال أبو إسحاق : أي بحجّة واضحة بيّنة أني نبيّ.

(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) (٢١)

(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) ويجوز إدغام الذال في التاء لقربها منها وأن التاء مهموسة (أَنْ تَرْجُمُونِ) قال الضحاك : أي أن تشتموني وحذفت الياء ؛ لأنها رأس آية ، وكذا (فَاعْتَزِلُونِ).

(فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) (٢٢)

من قال : إنّ هؤلاء فالمعنى عنده قال : إنّ هؤلاء.

(فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (٢٣)

(فَأَسْرِ بِعِبادِي) من سرى ، ومن قال : أسرى قال : فأسر (لَيْلاً) ظرف.

(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (٢٤)

(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) على الحال. قال محمد بن يزيد : يقال : عيش راه خفض وادع

__________________

(١) و (٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٥.

٨٥

فمعنى «رهوا» أي ساكنا حتّى يحصلوا فيه وهو ساكن ولا ينفروا منه. وقيل : الرهو المتفرق.

(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (٢٥)

«كم» في كلام العرب للتكثير و «ربّ» للتقليل وزعم الكسائي أنّ أصل «كم» كما فإذا قلت : كم مالك؟ فالمعنى كأيّ شيء من العدد مالك ، وحذفت الألف من «ما» كما تحذف مع حروف الخفض مثل (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [التوبة : ٤٣] قيل له : فلم أسكنت الميم؟ قال : لكثرة الاستعمال كما تسكّن في الشعر ، وأنشد : [البسيط]

٤١٤ ـ فلم دفنتم عبيد الله في جدث

ولم تعجّلتم ولم تروحونا(١)

وذكر أبو الحسن بن كيسان : هذا القول فاسد ، واستدلّ على ذلك إنما تستعمله العرب في جواب «كم» لأنهم يقولون في جواب كم مالك؟ ثلاثون وما أشبهه ، ولو كان كما قال لكان الجواب بالكاف لأن قائلا لو قال : كمن أخوك؟ لقلت : كمحمد ، ولو قال : مثل ما مالك؟ لقلت : مثل الثياب ، ولو قال : كأيّ شيء مالك؟ لقلت : كمال زيد. وهذا لا يقال في «كم» فصحّ أنها ليست «ما» دخلت عليها كاف التشبيه ، وأنها مثل «من» و «ما» يستفهم بها عن العدد ؛ لأنك لو قلت : أمالك ثلاثون أم أربعون؟ لم ينتظم معنى «كم» لاشتماله على ذلك كله. وهي اسم غير معرب لأن فيها معنى الحروف. قال سيبويه : فبعدت عن المضارعة بعد «كم» و «إذ» من المتمكّنة.

(وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) (٢٦)

في أبي صالح عن ابن عباس : أنّ المقام الكريم المنازل الحسنة. قال أبو جعفر ؛ وهذا معروف في اللغة أن يقال للموضع الذي يقام فيه : مقام كريم ، وفي الضحاك عن ابن عباس : أن المقام المنابر ، وكذا قال سعيد بن جبير ، وهو مروي عن عبد الله بن عمر ، وقد ذكرناه بإسناده في سورة «الشعراء» (٢).

(وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) (٢٧)

قال يعقوب بن السكّيت : النعمة التنعّم. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : «فكهين» معجبين ، وعنه فاكهين فرحين. وحكى أبو عبيد عن أبي زيد الأنصاري أنه يقال : رجل فكه إذا كان طيّب النفس ضحوكا ، وزعم الفراء (٣) أنّ فكها وفاكها بمعنى واحد ، كما يقال: حذر وحاذر. فأما محمد بن يزيد ففرق بين فعل وفاعل في مثل هذا تفريقا لطيفا فقال : الحذر الّذي في خلقته الحذر ، والحاذر المستعدّ. قال أبو

__________________

(١) لم أجده في كتب الشواهد.

(٢) انظر كتاب معاني القرآن للنحاس في تفسير الآية ٥٨ ـ الشعراء.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٤٩.

٨٦

جعفر : وهذا قول صحيح بيّن يدلّ عليه أن حذرا لا يتعدّى عند النحويين.

(كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) (٢٨)

الكاف في موضع رفع أي الأمر ذلك ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى كذلك يفعل بمن يهلكه وينتقم منه.

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (٢٩)

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) أكثر أهل التفسير على أنه حقيقة وأنها تبكي على المؤمن موضع مصلّاه من الأرض وموضع مصعده من السماء. وقيل : هو مجاز والمعنى : وما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض وقول ثالث نظير قول العرب : ما بكاه شيء ، وجاء بكت على تأنيث السماء. وزعم الفراء (١) : أنّ من العرب من يذكّرها.

(وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) (٣٠)

نعت للعذاب ، وزعم الفراء أن في قراءة عبد الله (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) (٢) وذهب إلى إضافة الشيء إلى نفسه مثل : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥]. قال أبو جعفر : وإضافة الشيء إلى نفسه عند البصريين (٣) محال ، والقراءة مخالفة للسواد ، ولو صحّت كان تقديرها : من عذاب فرعون المهين ثم أقيم النعت مقام المنعوت ويكون الدليل على الحذف.

(مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٣١)

روي عن ابن عباس قال : من المشركين وعن الضحاك قال : من الفتّاكين.

(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣٢)

(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) الضمير يعود على بني إسرائيل أي اخترناهم للرسالة والتشريف (عَلى عِلْمٍ) لأن من اخترناه منهم للرسالة يقوم بأدائها (عَلَى الْعالَمِينَ) لكثرة الرسل فيهم وقيل : عالم أهل زمانهم.

(وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) (٣٣)

أصحّ ما قيل فيه أن البلاء هاهنا النعمة مثل وجميل بلائه لديك. قال الفراء (٤) : وقد يكون البلاء هاهنا العذاب.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٤١.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٤١ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٧.

(٣) انظر الإنصاف المسألة رقم (٦١).

(٤) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٢.

٨٧

(إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٣٧)

(إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) أي يقولون هذا على العادة بغير حجّة وقد تبيّنت لهم البراهين وظهرت الحجج لهم ، ولهذا لم يحتجّ عليهم هاهنا وخوّفوا وهدّدوا فقيل (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) أي فقد علموا أنّهم كانوا أعزّ منهم. (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) عطف على قوم ، ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وما بعده خبره ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار فعل دلّ عليه أهلكناهم (إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ).

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٠)

وأجاز الكسائي والفرّاء (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ) بالنصب. قال أبو إسحاق : يكون يوما منصوب على الظرف ، ويكون التقدير : أنّ ميقاتهم في يوم الفصل. قال أبو جعفر : يفرّق بين إنّ واسمها بالظرف فتقول : إنّ حذاءك زيدا ، وإنّ اليوم القتال ؛ لأن الظرف معناه في الكلام وإن لم تلفظ به فهذا لا اختلاف بين النحويين فيه ، واختلفوا في الحال فأجاز الأخفش : تقديمها ومنعه محمد بن يزيد. وأجاز الأخفش : إنّ قائمين فيها إخوتك تنصب قائمين على الحال. «أجمعين» في موضع خفض توكيد للهاء والميم.

(يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤١)

(يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) نصبت يوما على البدل من يوم الأول. قال الضحّاك (مَوْلًى عَنْ مَوْلًى) أي عن وليّ. (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) في إعراب (١) من أربعة أوجه : قال الأخفش سعيد : «من» في موضع رفع على البدل ، تقديره بمعنى ولا ينصر إلا من رحم الله. ويجوز أن يكون في موضع رفع على الابتداء أي إلّا من رحم الله فيعفى عنه. وقال غيره «من» في موضع رفع بمعنى لا يغني إلّا من رحم الله أي لا يشفع إلّا من رحم الله. وهذا قول حسن لأنه قد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يشفع لأمته حتّى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الإيمان ، وصح عنه أن المؤمنين يشفعون. والقول الرابع في «من» أنها في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، وهذا قول الكسائي والفراء (٢).

(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ) (٤٤)

وعن أبي الدرداء قال : طعام الفاجر ، وهذا تفسير وليس بقراءة لأنه مخالف للمصحف.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٩.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٢.

٨٨

(كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) (٤٥)

كالمهل تغلي في البطون قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ، وقراءة ابن كثير (كَالْمُهْلِ يَغْلِي) (١) وهو اختيار أبي عبيد. وهو مخالف لحجّة الجماعة من أهل الأمصار. والمعنى فيه أيضا بعيد على ما تأوله أبو عبيد لأنه جعل يغلي للمهل ؛ لأنه أقرب إليه ، وليس المهل الذي يغلي في البطون إنما المهل يغلي في القدور ، كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه أخذ فضة من بيت المال فأذابها ثم وجّه إلى أهل المسجد فقال : هذا المهل. وعن ابن عباس قال : المهل : درديّ الزيت. قال أبو جعفر : إلّا أنه لا يكون لدرديّ الزيت إلّا أن يغلي بذلك على ظاهر الآية.

(خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) (٤٧)

(خُذُوهُ فَاعْتُلُوهُ) قراءة أهل المدينة. وقرأ أهل الكوفة (فَاعْتِلُوهُ) (٢) وهما لغتان إلا أنّ القياس الكسر ؛ لأنه مثل ضربه يضربه. وأجاز الخليل وسيبويه : «خذوهو فاعتلوهو» بإثبات الواو في الإدراج إلّا أنّ الاختيار حذفها ، واختلف النحويون في ذلك فمذهب سيبويه أن الأصل : «خذوهو» بإثبات الواو إلّا أنها حذفت لاجتماع حرفين من حروف المدّ واللين. ومذهب غيره أنّها حذفت من أجل الساكنين. وقال جويبر عن الضحّاك : إنه نزل في أبي جهل «خذوه فاعتلوه» إذا أمر به يوم القيامة. قال الضحّاك : (فَاعْتِلُوهُ) فادفعوه ، (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) أي إلى وسط الجحيم.

(ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) (٤٨)

روي عن ابن عباس : الحميم الحارّ الذي قد انتهى حرّه.

(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩)

كسرت «إن» لأنها مبتدأة ، ومن قرأ (ذُقْ إِنَّكَ) (٣) جعله بمعنى لأنك وبأنك. والقراءة بالكسر عليها حجّة الجماعة ، وأيضا فإن الكفر أكثر من قوله : أنا العزيز الكريم ؛ لأن تأويل من قرأها بالفتح ذق لأنك كنت تقول : أنا العزيز الكريم.

(إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) (٥٠)

قيل : دلّ بهذا على أنهم يعذبون على الشك وقيل : بل كانوا مع شكّهم يجحدون

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٦٠ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٩٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٠.

(٢) انظر تيسير الداني ١٦٠ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٩٣.

(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٠.

٨٩

ما شكّوا فيه. ومن شك في شيء فجحده فهو عاص لله تعالى.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) (٥١) (١)

قراءة الكوفيين وأبي عمرو ، وقرأ المدنيون (فِي مَقامٍ) بضم الميم. قال الفرّاء (٢) مقام أجود في العربية لأنه للمكان. قال أبو جعفر : وهذا ما ينكر على الفراء أن يقال للقراءات التي قد روتها الجماعة عن الجماعة : هذه أجود من هذه لأنها إذا روتها الجماعة عن الجماعة قيل : هكذا أنزل ؛ لأنهم لا يجتمعون على ضلالة فكيف تكون إحداهما أجود من الأخرى؟ ومقام بالضم معناه صحيح يكون بمعنى الإقامة كما قال : [الكامل]

٤١٥ ـ عفت الدّيار محلّها فمقامها(٣)

والمقام أيضا الموضع إذا أخذته من أقام ، والمقام بالفتح الموضع أيضا إذا أخذته من قام. (أَمِينٍ) قال الضحّاك : أمنوا فيه الجوع والسقم والهرم والموت وأمنوا الخروج منه.

قال مجاهد : (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [الصافات : ٤٤] لا يرى بعضهم قفا بعض.

(كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (٥٤)

(كَذلِكَ) الكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك ، ويجوز أن يكون في موضع نصب أي كذلك يفعل بالمتقين. (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) قال الضحّاك : الحور البيض والعين الكبار الأعين. قال الأخفش : ومن العرب من يقول : بحير عين. قال أبو جعفر : هذا على إتباع الأول للثاني ، ونظيره من روى «ارجعن مأزورات غير مأجورات» (٤) والفصيح البيّن ارجعن «موزورات» و «بحور» فأما «عين» فهو جمع عيناء وهو فعل كسرت منه فاء الفعل ؛ لأن بعدها ياء.

(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (٥٦)

(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) نصب لأنه استثناء ليس من الأول.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٦٠ ، قراءة نافع وابن عامر بضم الميم والباقين بفتحها.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٤.

(٣) الشاهد للبيد في ديوانه ٢٩٧ ، ولسان العرب (خرج) ، و (أبد) ، و (غول) ، (وصل) ، وجمهرة اللغة ٩٦١ ، وتاج العروس (خرج) و (غول) و (رجم) و (مني) و (قوم) ، ومقاييس اللغة ١ / ٣٤ ، والمخصّص ١٥ / ١٧٦ ، وبلا نسبة في لسان العرب (رجم) ، وجمهرة اللغة ٤٦٦ ، وديوان الأدب ١ / ١٨٩. وعجزه :

«بمنى تأبد غولها فرجامها»

(٤) أخرجه أبو داود في سننه في الجنائز ـ الحديث رقم (٣١٦٧) ، وابن ماجة في سننه ـ باب ٥٠ ـ الحديث رقم (١٥٧٨).

٩٠

(فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٥٧)

(فَضْلاً) منصوب على المصدر ، والعامل فيه المعنى ، واختلف في ذلك المعنى ، فقال أبو إسحاق فيه إنه (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ) قال : ويجوز أن يكون العامل فيه (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) ، وقال غيره العامل فيه (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ، وجواب رابع أن يكون هذا كلّه عاملا فيه لأن معناه كلّه تفضّل من الله جلّ وعزّ. وكلّه يحتاج إلى شرح. وذلك أن يقال : قد قال جلّ وعزّ (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ١٢٧ ، ويوسف : ١٢] و (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام : ١٢٩] فما معنى التفضل هاهنا ففي هذا غير جواب منها أن تكليف الله جلّ وعزّ الأعمال ليس لحاجة منه إليها ، وإنّما كلّفهم ذلك ليعملوا فيدخلوا الجنة فالتكليف وإدخالهم الجنة تفضّل منه جلّ وعزّ. فأصحّ الأجوبة في هذا أنّ للمؤمنين ذنوبا لا يخلون منها ، وإن كانت لكثير منهم صغائر فلو أخذهم الله جلّ وعزّ بها لعذّبهم غير ظالم لهم ، فلما غفرها لهم وأدخلهم الجنة كان ذلك تفضلا منه جلّ وعزّ ، وأيضا فإنّ لله جلّ وعزّ على عباده كلّهم نعما في الدنيا فلو قوبل بتلك النعم أعمالهم لاستغرقها فقد صار دخولهم الجنة تفضلا ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما أحد يدخل الجنّة بعمله» قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلّا أنا يتغمّدني الله منه برحمة».

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٥٨)

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) قيل : معنى يسّرناه علمناكه وحفّظناكه وأوحينا إليك لتتذكّروا به وتعتبروا.

(فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) (٥٩)

(فَارْتَقِبْ) أي فارتقب أن يحكم الله جلّ وعزّ بينك وبينهم (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) فيه قولان : أحدهما أنه مجاز ، وأن المعنى أنهم بمنزلة المرتقبين لأن الأمر حال بهم لا محالة ، وقيل هو حقيقة أي أنهم مرتقبون ما يؤمّلونه.

٩١

(٤٥)

شرح إعراب سورة الجاثية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (٢)

(تَنْزِيلُ) مرفوع بالابتداء وخبره (مِنَ اللهِ) ، ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه خبر ابتداء محذوف أي هذا تنزيل الكتاب ، ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه خبر عن «حم» ، (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) نعت وفيه معنى المدح.

(إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٣)

(لَآياتٍ) في موضع نصب ، وكسرت التاء لأنه جمع مسلّم ليوافق المؤنّث المذكّر في استواء النصب والخفض. والتاء عند سيبويه (١) بمنزلة الياء والواو ، وعند غيره الكسرة بمنزلة الياء ، وقيل : التاء والكسرة بمنزلة الياء فأما الألف فزائدة للفرق بين الواحد والجمع.

(وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٥)

(وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هذه قراءة المدنيين أبي عمرو ، وكذا التي بعدها. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي آيات (٢) مخفوضة في موضع نصب ، وكذا التي بعدها. واحتج الكسائي لهذه القراءة بأنه في حرف أبيّ لآيات (٣) فيهن كلّهنّ باللام فاستدلّ بهذا على أنه معطوف على ما قبله.

قال الفرّاء (٤) : وفي قراءة عبد الله وفي اختلاف اللّيل والنّهار على أن فيها

__________________

(١) انظر الكتاب ١ / ٤٥.

(٢) انظر تيسير الداني ١٦١.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٣.

(٤) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٥.

٩٢

«في» واختيار أبي عبيد ما اختاره الكسائي. قال أبو جعفر : أما قوله جلّ وعزّ : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ) فلا اختلاف بين النحويين فيه أنّ النصب والرفع جيدان فالنصب على العطف أي وإنّ في خلقكم. والرفع من ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون معطوفا على الموضع مثل (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها). والوجه الثاني : الرفع بالابتداء وخبره وعطفت جملة على جملة منقطعة من الأول كما تقول : إنّ زيدا خارج وأنا أجيئك غدا. والوجه الثالث : أن تكون الجملة في موضع الحال مثل (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [ال عمران : ١٥٤] فأما قوله جلّ وعزّ : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) فقد اختلف النحويون فيه فقال بعضهم : النصب فيه جائز وأجاز العطف على عاملين فممن قال هذا سيبويه والأخفش والكسائي والفرّاء ، وأنشد سيبويه : [المتقارب]

٤١٦ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرأ

ونار توقّد باللّيل نارا(١)

وردّ هذا بعضهم ولم يجز العطف على عاملين وقال : من عطف على عاملين أجاز : في الدار زيد والحجرة عمرو. وقائل هذا القول ينشد «ونارا» بالنصب. ويقول من قرأ الثالثة «آيات» فقد لحن. وممن قال هذا محمد بن يزيد. وكان أبو إسحاق يحتجّ لسيبويه في العطف على عاملين بأن من قرأ «آيات» بالرفع فقد عطف أيضا على عاملين ؛ لأنه عطف «واختلاف» على «وفي خلقكم» وعطف «آيات» على الموضع فقد صار العطف على عاملين إجماعا. والقراءة بالرفع بيّنة لا تحتاج إلى احتجاج ولا احتيال. وقد حكى الفرّاء (٢) في الآية غير ما ذكرناه ، وذلك أنه أجاز «واختلاف الليل والنهار» بالرفع فيه وفي «آيات» يجعل الاختلاف هو الآيات. وقد كفي المؤونة فيه بأن قال : ولم أسمع أحدا قرأ به.

(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) (٦)

(تِلْكَ آياتُ اللهِ) مبتدأ وخبره ، ويجوز أن يكون آيات الله بدلا من تلك ويكون

__________________

(١) الشاهد لأبي دؤاد في ديوانه ص ٣٥٣ ، والكتاب ١ / ١١٠ ، والأصمعيات ١٩١ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ١٣٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٩٢ ، والدرر ٥ / ٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٩٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٠ ، وشرح عمدة الحافظ ٥٠٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٢٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٤٥ ، ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه ١٩٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٤٩ ، والإنصاف ٢ / ٤٧٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤١٧ ، ورصف المباني ص / ٣٤٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٥ ، وشرح ابن عقيل ٣٩٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٩ ، والمحتسب ١ / ٢٨١ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٩٠ ، والمقرب ١ / ٢٣٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٢.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٥.

٩٣

الخبر (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ). (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) قراءة المدنيين وأبي عمرو ، وقرأ الكوفيون تؤمنون بالتاء ورد أبو عبيد قولهم بأن قبله (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، وكذا «لقوم يوقنون» و «لقوم يعقلون» فوجب على هذا عنده أن يكون (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) وردّ عليهم أيضا بأن قبله (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ) فكيف يكون بعده «فبأيّ حديث بعد الله تؤمنون» قال أبو جعفر : وهذا الردّ لا يلزم لأن قوله جلّ وعزّ : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) وإن كان مخاطبة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه مبلّغ عن الله عزوجل كل ما أنزل إليه ، فلما كان ذلك كذلك كان المعنى قل لهم «فبأيّ حديث بعد الله وآياته تؤمنون» ، فهذا المعنى صحيح قال الله جلّ وعزّ (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣] أي يقولون.

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (٧)

روي عن ابن عباس أنه قال : نزلت في النّضر بن كلدة «ويل» مرفوع بالابتداء. وقد شرحناه فيما تقدم (١).

(هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (١١)

وقرأ أهل مكة وعيسى بن عمر عذاب من رجز أليم (٢) بالرفع على أنه نعت لعذاب. قال محمد بن يزيد : الرّجز أغلظ العذاب وأشده وأنشد لرؤبة : [الرجز]

٤١٧ ـ كم رامنا من ذي عديد مبزي

حتّى وقمنا كيده بالرّجز(٣)

(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٢)

(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) مبتدأ وخبره.

(وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٣)

(جَمِيعاً) نصب على الحال وروي عن ابن عباس أنه قرأ (جَمِيعاً مِنْهُ) (٤) نصب على المصدر. وأجاز أبو حاتم (جَمِيعاً مِنْهُ) (٥) بفتح الميم والإضافة على المصدر

__________________

(١) تقدّم في إعراب الآية ٧٩ من سورة البقرة.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٥ ، وفيه : (قرأ طلحة وابن محيصن وأهل مكة وابن كثير وحفص أليم بالرفع نعتا لعذاب ، والحسن وأبو جعفر وشيبة وعيسى والأعمش وباقي السبعة بالجر نعتا لرجز).

(٣) الرجز لرؤية بن العجاج في ديوانه ٦٤ ، وتهذيب اللغة ١٠ / ٦٠٨ ، وتفسير الطبري ٨ / ٢٢٣ ، وبعده :

«والصّقع من قاذفة وجرز»

(٤) انظر مختصر ابن خالويه ١٣٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥.

(٥) انظر المحتسب ٢ / ٢٦٢.

٩٤

أيضا بمعنى منّا منّه. ويروى عن مسلمة أنه قرأ (جَمِيعاً مِنْهُ) بالرفع على إضمار مبتدأ.

(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤)

(يَغْفِرُوا) في موضع جزم. قال الفرّاء (١) : هذا مجزوم بالتشبيه بالجزم والشرط كأنه كقولك : قم تصب خيرا. وليس كذلك. قال أبو جعفر : يذهب إلى أنه لما وقع في جواب الأمر كان مجزوما وإن لم يكن جوابا. وهذا غير محصّل والأولى فيه ما سمعت عليّ بن سليمان يحكيه عن محمد بن يزيد عن أبي عثمان المازني قال : التقدير قل للّذين آمنوا اغفروا يغفروا. وهذا قول محصّل لا إشكال فيه ، وهو جواب كما تقول : أكرم زيدا يكرمك. وتقديره : إن تكرمه يكرمك. وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم (لِيَجْزِيَ قَوْماً) (٢) وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي لنجزي قوما بالنون. وقرأ أبو جعفر القارئ (لِيَجْزِيَ قَوْماً). قال أبو جعفر : القراءة الأولى والثانية حسنتان معناهما واحد ، وإن كان أبو عبيد يختار الأولى ويحتجّ بأن قبله (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) فيختار «ليجزي قوما» ليعود الضمير على اسم الله جلّ وعزّ. وهذا لا يوجب اختيارا ؛ لأنه كلام الله جلّ وعزّ ووحيه فقوله جلّ ثناؤه لنجزي إخبارا عنه جلّ وعزّ فأما (لِيَجْزِيَ قَوْماً) فقال أبو إسحاق : هو لحن عند الخليل وسيبويه وجميع البصريين وقال الفرّاء (٣) : هو لحن في الظاهر ، وهو عند البصريين لحن في الظاهر والباطن ، وإنما أجازه الكسائي على شذوذ بمعنى : ليجزي الجزاء قوما فأضمر الجزاء ولو أظهره ما جاز فكيف وقد أضمره؟ وقد أجمع النحويون على أنه لا يجوز. ضرب الضرب زيدا ، حتّى أنه قال بعضهم : لا يجوز : ضرب زيدا سوطا ؛ لأن سوطا مصدر ، وإنما يقام المصدر مقام الفاعل مع حروف الخفض (٤) (٥) إذا نعت فإذا لم يكن منعوتا لم يجز. وهذا أعجب أن يقام المصدر مقام الفاعل غير منعوت مع اسم غير مصدر ، وفيه أيضا علة أخرى أنه أضمر الجزاء ولم يتقدم له ذكر على أن «يجزي» يدلّ عليه. وهذا ، وإن كان يجوز فإنه مجاز فأما إنشادهم : [الوافر]

٤١٨ ـ ولو ولدت قفيرة جرو كلب

لسبّ بذلك الجرو الكلابا

فلا حجة فيه ، ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى أن تقديره : ولو ولدت قفيرة الكلاب ، و «جرو كلب» منصوب على النداء.

(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦)

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٥.

(٢) و (٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٥.

(٤) انظر تيسير الداني ١٦٠ ، قال : (حمزة وحفص والكسائي بالنصب والباقون بالرفع).

(٥) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٧.

٩٥

وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١٨)

(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) قال مالك بن دينار : سألت مجاهدا عن الحكم فقال : اللبّ. قال محمد بن يزيد : الشريعة المنهاج والقصد. ومنه شريعة النهر ، وطريق شارع أي واضح بيّن. وشرائع الدّين التي شرّعها الله جلّ وعزّ لعباده ليعرفوها. وجمع شريعة شرائع ، وحكي أنه يقال : شرع ، وحقيقته أن شرعا جمع شرعة.

(إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ(١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢٠)

(بَعْضُهُمْ) مرفوع بالابتداء وأولياء خبره والجملة خبر «إنّ» ويجوز نصب بعضهم على البدل من الظالمين (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) مبتدأ وخبره ، ويجوز النصب بعطفه على «إنّ» قال الكسائي : قال (هذا بَصائِرُ) ولم يقل : هذه بصائر لأنه أراد القرآن والوعظ.

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٢١)

(الَّذِينَ) في موضع رفع بحسب. (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أن وصلتها بمعنى المفعولين ، والهاء والميم في موضع نصب مفعول أول لنجعلهم ، (كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) في موضع المفعول الثاني. (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) مبتدأ وخبره. هذه قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) بنصب سواء. قال أبو عبيد : وكذلك يقرؤها نصبا بوقوع «نجعلهم» عليها. قال أبو إسحاق : وأجاز بعض النحويين (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) (١) وقد قرئ به. قال أبو جعفر : القراءة الأولى (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) هي التي اجتمعت عليها الحجّة من الصحابة والتابعين والنحويين ، كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق عن مسدّد عن يحيى عن عبد الملك عن قيس عن مجاهد في قوله جلّ وعزّ : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) قال : المؤمن يموت على إيمانه ويبعث عليه ، والكافر يموت على كفره ويبعث عليه. وعن أبي الدرداء قال : يبعث النّاس على ما ماتوا عليه ونحو هذا عن تميم وحذيفة فاجتمعت الحجة على أنه لا

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٧ ، وتيسير الداني ١٦١.

٩٦

يجوز القراءة إلا بالرفع ، وأنّ من نصب فقد خرج من هذه التأويلات و (سَواءً) مرفوع بالابتداء على هذا لا وجه لنصبه لأن المعنى أنّ المؤمنين مستوون في محياهم ومماتهم ، والكافرون مستوون في محياهم ومماتهم ، ثم يرجع إلى النصب فهو يكون من غير هذه الجهة وذلك من جهة ذكرها الأخفش سعيد ، قال : يكون المعنى : أم حسب الذين اجترحوا السيّئات أن نجعل محياهم ومماتهم مستويا كمحيا المؤمنين ومماتهم. فعلى هذا الوجه يجوز النصب ، وعلى هذا الوجه الاختيار عند الخليل وسيبويه رحمهما‌الله الرفع أيضا ، ومسائل النحويين جميعا على الرفع كلهم. تقول ظننت زيدا سواء أبوه وأمّه ، ويجيزون النصب ومسائلهم على الرفع. وأعجب ما في هذا إذا كانت مسائل النحويين كذا فكيف قرأ به الكسائي واختاره أبو عبيد؟ فأما القراءة بالنصب «سواء محياهم ومماتهم» ففيها وجهان. قال الفرّاء (١) : المعنى في محياهم وفي مماتهم ثم حذفت «في» يذهب إلى أنه منصوب على الوقت ، والوجه الآخر أن يكون «محياهم ومماتهم» بدلا من الهاء والميم التي في «نجعلهم» بمعنى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعل محياهم ومماتهم سواء كالذين آمنوا وعملوا الصّالحات أي كمحيا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ومماتهم. (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) إن جعلت «ما» معرفة فموضعها رفع وإن جعلتها نكرة فموضعها نصب على البيان.

(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٢)

لام كي لا بدّ من أن تكون متعلّقة بفعل إما مضمر وإما مظهر ، وهو هاهنا مضمر أي ولتجزى كلّ نفس بما كسبت فعل ذلك.

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٣)

(مَنِ) في موضع نصب. وللعلماء في معناها ثلاثة أقوال فمن أجلها ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) قال : الكافر اتّخذ دينه بغير هدى من الله جلّ وعزّ ولا برهان. وقال الحسن : هو الذي كلما اشتهى شيئا لم يمتنع منه. وقال سعيد بن جبير: كان أحدهم يعبد الشيء فإذا رأى غيره أحسن منه عبده وترك الآخر. قال أبو جعفر : قول الحسن على التشبيه كما قال جلّ وعزّ (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [التوبة : ٣١] والأشبه بنسق الآية أن يكون

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٧.

٩٧

للكفار. (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) فيه ثلاثة أقوال : منها أن المعنى أضلّه عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه ، والقول الثاني أن المعنى على علم منه بأنّ عبادته لا تنفعه. وهذان القولان لم يقلهما متقدّم وأولى ما قيل في الآية ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) قال : في سابق علمه. قال سعيد بن جبير : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) أي على علم قد علمه منه (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) قال أبو جعفر : قد ذكرناه (١) في سورة «البقرة». (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) (٢) وفي قراءة عبد الله (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) مروية بفتح الغين ، وهي لغة ربيعة فيما يظنّ الفرّاء. وقراءة عكرمة : غشاوة بضم الغين ، وهي لغة عكل. قال أبو الحسن بن كيسان : ويحذف الألف منها فيكون فيها إذا حذفت الألف ثلاث لغات : غشوة وغشوة وغشوة. وأما المعنى فمتقارب ، إنما هو تمثيل أي لا يبصر الحقّ فهو بمنزلة من على بصره غشاوة إلّا أن الأكثر في كلام العرب في مثل هذا أن يكون على فعالة وذلك في كل ما كان مشتملا على الشيء نحو عمامة وكذا ولاية.

(وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (٢٤)

(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) قد ذكرناه إلّا أن علي بن سليمان قال : المعنى ما هي إلّا حياتنا الدنيا نموت ونحيا على قولكم ، واستبعد أن يكون المعنى نحيا ونموت على التقديم والتأخير ، وقال : إنما يجوز هذا فيما يعرف معناه نحو (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) [ال عمران : ٤٣]. قال أبو جعفر : وأهل العربية يخالفونه في هذا ، ويجيزون في الواو التقديم والتأخير في كل موضع. قال الفرّاء (٣) : معنى (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) أي طول الدهر ومرّ الأيام والليالي والشهور والسنين وتكلّم جماعة في معنى الآية فقال بعضهم : هؤلاء قوم لم يكونوا يعرفون الله جلّ وعزّ ولو عرفوه لعلموا أنه يهلكهم ويميتهم. وقال قوم : يجوز أن يكونوا يعرفون الله جلّ وعزّ وعندهم أنّ هذه الآفات التي تلحقهم إنّما هي بعلل ودوران فلك ، يقولون هذا بغير حجّة ولا علم. وقال قوم : هؤلاء جماعة من العرب يعرفون الله جلّ وعزّ يدلّ على قولهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وفيهم من يؤمن بالبعث. قال زهير : [الطويل]

٤١٩ ـ يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر

ليوم الحساب أو يعجّل فينقم(٤)

__________________

(١) مرّ في إعراب الآية ٧ ـ البقرة.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٩ ، وتيسير الداني ١٦١ ، ومختصر ابن خالويه ١٣٨.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٤٨.

(٤) الشاهد لزهير في ديوانه ص ١٨.

٩٨

غير أنهم كانوا جهلة لا يعلمون أن الآفات مقدّرة من الله عزوجل. وهذا أصحّ ما روي في الآية وأشبه بنسقها ، وقد قامت به الحجة بالظاهر ولأنه مرويّ عن ابن عباس أنّه قال في قوله جلّ وعزّ : (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) قال : قالوا : لا نبعث ، بغير علم فقال الله جلّ وعزّ : (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ).

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٥)

(ما كانَ حُجَّتَهُمْ) خبر كان. (إِلَّا أَنْ قالُوا) اسمها ، ويجوز «ما كان حجّتهم» بالرفع على أنه اسم كان ؛ لأن الحجّة والاحتجاج واحد ، ويكون الخبر (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي إلّا مقالتهم.

(قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ) حذفت الضمة من الياء لثقلها. (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عطف عليه وكذا (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ). (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) قيل : أي بمنزلة من لا يعلم ، وقيل : عليهم أن يعلموا.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (٢٧)

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي فهو قادر على أن يحييكم. (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) ظرف منصوب بيخسر.

(وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٨)

(وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ) على الابتداء ، وأجاز الكسائي «كلّ أمة» على التكرير على كلّ الأولى. وقد ذكرنا معنى (تُدْعى إِلى كِتابِهَا) وإنّ أولى ما قيل فيه أنه إلى ما كتب عليها من خير وشر ، كما روي عن ابن عباس : يعرض من خميس إلى خميس ما كتبته الملائكة عليهم‌السلام على بني أدم فينسخ منه ما يجزى عليه من الخير والشر ويلغى سائره. فالمعنى على هذا كلّ أمة تدعى إلى ما كتب عليها وحصّل فتلزمه من طاعة أو معصية ، وإن كان كفرا أوقف عليه وأتبع ما كان يعبد ، كما قرئ على إسحاق بن إبراهيم بن يونس عن إسحاق بن أبي إسرائيل عن سفيان بن عيينة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قالوا : يا رسول الله هل نرى ربّنا جلّ وعزّ يوم القيامة فقال : «هل تضارّون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب» قالوا : لا. قال : «فهل تضارّون في الظّهيرة ليس دونها سحاب» قالوا : لا. قال : «فو الذي نفس محمّد بيده لترونّه كما ترونها» ، قال : «ويلقى العبد ربّه يوم القيامة ، فيقول : أي قل ألم أكرمك وأسودك وأزوّجك وأسخّر لك الخيل والإبل وأدرك ترأس وتربع فيقول : بل أي ربّ ، قال : فيقول هل كنت تعلم أنك ملاقيّ فيقول : لا يا ربّ فيقول : فإني أنساك كما نسيتني ، ثم يقول للثاني مثل ذلك فيقول له مثل ذلك ويردّ عليه مثل ذلك ، ثم يقول للثالث مثل ذلك فيقول : أي ربّ أمنت بك

٩٩

وبكتابك وصمت وصلّيت وتصدّقت. قال : فيقول : أفلا تبعث شاهدنا عليك قال : فيكفر في نفسه فيقول : من ذا الذي يشهد عليّ؟ فيختم الله جلّ وعزّ على فيه ويقول لفخذه : انطقي فتنطق فخذه وعظامه ولحمه بما كان ، وذلك ليعذر من نفسه وذلك الذي يسخط عليه وذلك المنافق. قال : ثم ينادي مناد ألا اتّبعت كلّ أمّة ما كانت تعبد فيتبع الشياطين والصّلب أولياؤهما ، وبقينا أيّها المؤمنون. قال : فيأتينا ربّنا جلّ وعزّ فيقول : من هؤلاء؟ فيقولون : عبادك المؤمنون آمنّا بك ولم نشرك بك شيئا ، وهذا مقامنا حتّى يأتينا ربنا جلّ وعزّ فيثيبنا. قال : فينطلقون حتّى يأتوا الجسر وعليه كلاليب من نار تخطف الناس فهناك حلّت الشفاعة أي اللهمّ سلّم فإذا جاوزوا الجسر فكلّ من أنفق زوجا مما يملك من المال في سبيل الله فكلّ خزنة الجنّة تدعوه يا عبد الله يا مسلم. هذا خير ، فتعال. قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله إنّ هذا العبد لا ترى عليه يدع بابا ويلج من أخر قال : فضرب كتفه وقال : «والذي نفسي بيده إنّي لأرجو أن تكون منهم» (١) وقرئ على أحمد بن شعيب بن عيسى بن حماد قال : أخبرنا الليث بن سعد عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة قال : «قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا جلّ وعزّ يوم القيامة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟ وهل تضارّون في القمر ليلة البدر؟ قالوا : لا. قال : فكذلك ترونه» قال : يجمع الله جلّ وعزّ النّاس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتّبعه فيتبع من يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من يعبد القمر القمر ، ويتبع من يعبد الطّواغيت الطّواغيت وتبقى هذه الأمة بمنافقيها فيأتيهم الله جلّ وعزّ في الصور التي يعرفون فيقول : أنا ربّكم فيقولون : أنت ربّنا فيتّبعونه ويضرب الصراط بين ظهراني جهنّم فأكون أنا وأمّتي أول من يجيز ولا يتكلّم إلّا الرسل عليهم‌السلام. ودعوة الرسل يومئذ اللهمّ سلّم سلّم ، وفي جهنم كلاليب كشوك السّعدان هل رأيتم السعدان؟ فإنه مثل شوك السعدان غير أنه لا يدري ما قدر عظمها إلا الله عزوجل ، فيخطف الناس بأعمالهم ، فإذا أراد الله جلّ وعزّ أن يخرج من النار برحمته من شاء أمر الملائكة أن يخرجوا من كان لا يشرك بالله شيئا. فمن يقول لا إله إلّا الله ممن أراد أن يرحمه فيعرفونهم في النار بآثار السجود حرّم الله عزوجل النار على ابن أدم أن تأكل اثار السجود ، فيخرجونهم من النار ، وقد امتحشوا فيصبّ عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل» قال أبو جعفر : فأمّا تفسير «تضارّون» فنمليه مما أخذناه عن أبي إسحاق بشرح كل فيه مما لا يحتاج إلى زيادة. قال : والذي جاء في الحديث مخفّف «تضارون وتضامون» وله وجه حسن في العربية. وهذا موضع يحتاج أن يستقصى تفسيره فإنه أصل في السّنّة والجماعة. ومعناه لا ينالكم ضير ولا ضيم في رؤيته أي ترونه حتّى تستووا في الرؤية فلا يضير بعضكم بعضا. قال : وقال أهل اللغة قولين

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده ٢ / ٢٧٥ ، ٢٩٣ ، ٥٣٤ ، وذكره ابن حجر في فتح الباري ١١ / ٤٤٥.

١٠٠