إعراب القرآن - ج ٤

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٤

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١٢

بالابتداء. (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) قيل : الضمير يعود على السموات. والأكثر في كلام العرب أن ما كان بالهاء والنون فهو للعدد القليل ، فعلى هذا يكون الضمير يعود على السموات. وعلى قول مجاهد يعود على السّموات والأرض. (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تكون لام كي متعلقة بيتنزّل ويجوز أن تكون متعلقة بخلق أي خلق السموات والأرض لتعلموا كنه قدرته وسلطانه ، وإنه لا يتعذّر عليه شيء أراده ، ولا يمتنع منه شيء شاءه. (وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) أي ولتعلموا مع علمكم بقدرته أنه يعلم جميع ما يفعله خلقه فاحذروا أيّها المخالفون أمره وسطوته لقدرته عليكم وأنه عالم بما تفعلون ، وجاز إظهار الاسم ولم يقل : وأنه وقال : وأن الله أفخم ، وعلى هذا يتأوّل قول الشاعر : [الخفيف]

٤٩٥ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا(١)

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٧٠).

٣٠١

(٦٦)

شرح إعراب سورة التحريم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) هذه «ما» دخلت عليها اللام فحذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر وأنها قد اتصلت باللام. والوقوف عليها في غير القرآن : لمه ويؤتى بالهاء لبيان الحركة وفي القرآن لا يوقف عليها. واختلفوا في الذي حرّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم قال : حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم إبراهيم ، وقال : والله لا أمسّك. قال أبو جعفر : فعلى هذا القول إنما وقعت الكفّارة لليمين لا لقوله : أنت عليّ حرام ، وكذا قال مسروق والشّعبي ، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : من قال في شيء حلال : هو عليّ حرام فعليه كفّارة يمين ، وكذا قال قتادة وقال مسروق : إذا قال لامرأته : أنت عليّ حرام فلا شيء عليه من الكفارة ولا الطلاق ؛ لأنه كاذب في هذا ، وقيل : عليه كفّارة يمين ، وتأول صاحب هذا القول الآية وقيل : هي طالق ثلاثا ، إذا كانت مدخولا بها وواحدة إذا لم يدخل بها ، وقيل : هي واحدة بائنة وقيل : واحدة غير بائنة. وقد روي عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما كان حرّم على نفسه عسلا. وروى داود بن أبي هند عن الشّعبي عن مسروق عن عائشة قالت : حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والى فعوتب في التحريم وعاتب في الإيلاء. قال أبو جعفر : ولا يعرف في لغة من اللغات أن يقال فيمن جعل الحلال حراما : حالف (تَبْتَغِي) في موضع نصب على الحال. (مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) هذه تاء التأنيث ولو كانت تاء جمع لكسرت (وَاللهُ غَفُورٌ) أي لخلقه وقد غفر لك (رَحِيمٌ) لا يعذب من تاب.

(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٢)

(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) أي بيّنها. (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) مبتدأ وخبره أي يتولاكم بنصره (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بمصالح عباده (الْحَكِيمُ) في تدبيره.

٣٠٢

(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (٣)

(فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) وحذف المفعول أي نبّأت به صاحبتها ، وهما عائشة وحفصة لا اختلاف في ذلك ، واختلفوا في الذي أسرّه إليها فقيل : هو الذي خبّرها به من شربه العسل عند بعض أزواجه ، وقيل : هو ما كان بينه وبين أم إبراهيم ، وقيل : هو إخباره إياها بأن أبا بكر الخليفة بعده ؛ وقد ذكرناه بإسناده. (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) وحذف المفعول أيضا عرّفها بعضه فقال : قد عرفت كذا بالوحي (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) فلم يذكره تكرّما واستحياء ، وقراءة الكسائي عرف بعضه (١) وردّها أبو عبيد ردا شنيعا ، قال : لو كان كذا لكان عرف بعضه وأنكر بعضا. قال أبو جعفر : وهذا الردّ لا يلزم ، والقراءة معروفة عن جماعة منهم أبو عبد الرحمن السلمي. وقد بيّنّا صحّتها. (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) نبّأ وأنبأ بمعنى واحد فجاء باللغتين جميعا وبعده (قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ).

(إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ)(٤)

(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي مالت إلى محبة ما كرهه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تحريمه ما أحلّ له. (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) والأصل تتظاهرا أدغمت التاء في الظاء ، وقرأ الكوفيون تظاهرا (٢) بحذف التاء ، (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) أي وليه بالنصرة. (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) واختلفوا في صالح المؤمنين فمن أصحّ ما قيل فيه : إنه لكل صالح من المؤمنين ، ولا يخصّ به واحد إلّا بتوقيف ، وقد روي أنه يراد به عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، وهو كان الداخل في هذه القصة المتكلّم فيها ، ونزل القرآن ببعض ما قاله في هذه القصة ، وقيل : هو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقيل : هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد ذكرنا ذلك بإسناده. ومذهب الفرّاء القول الذي بدأنا به قبله واحد يدلّ على جميع ، وكذا (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) يكون ظهير يؤدّي عن الجمع وقد ذكرنا فيه غير هذا.

(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) (٥)

__________________

(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٦٤٠ ، وتيسير الداني ١٧٢ («عرف» قرأ الكسائي بتخفيف الراء والباقون بتشديدها).

(٢) انظر تيسير الداني ١٧٢.

٣٠٣

(إِنْ) في موضع نصب بعسى ، والشرط معترض ، وقراءة الكوفيين أن يبدله (١) أزواجا خيرا منكنّ وقيل : خيرا منكن إنهن لو دمن على الذي كان حتّى يحوجنه إلى طلاقهنّ لأبدل خيرا منهن. (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ) كله نعت لأزواج. والواحدة زوج ولغة شاذة زوجة. (وَأَبْكاراً) عطف داخل في النعت أيضا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٦)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) الفعل من هذا وقى يقي عند جميع النحويين والأصل عندهم وقى يوقي ثم اختلفوا في العلّة لحذف الواو ، فقال البصريون : حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، وهي ساكنة ولم تحذف في يؤجل ، لأن بعدها فتحة والفتحة لا تستثقل ، وقال الكوفيون : حذفت الواو للفعل المتعدي وأثبت في اللازم فرقا فقالوا في المتعدّي وعد يعد وفي اللازم وجل يوجل ، وعارضوا البصريين بقول العرب وسع يسع فحذفت الواو بعدها فتحة وكذا ولغ يلغ والاحتجاج للبصريين أن الأصل وسع يوسع وحذفت الواو لما تقدّم وفتحت السين ؛ لأن فيه حرفا من حروف الحلق ، وقال الكوفيون : حذفت الواو لأنه فعل متعدّ ، وردّ عليهم البصريون بقول العرب : ورم يرم فهذا لازم قد حذفت منه الواو وكذا يثق فقد انكسر قولهم إنه إنما يحذف من المتعدي. قال أبو جعفر : وهذا ردّ بيّن ولو جاء «قوا» على الأصل لكان ايقيوا. (أَنْفُسَكُمْ) منصوب بقوا ، كما يقال : أكرم نفسك ولا يجوز أكرمك فقول سيبويه : لأنهم استغنوا عنه بقولهم : أكرم نفسك ، وقال محمد بن يزيد : لم يجز هذا ؛ لأنه لا يكون الشيء فاعلا مفعولا في حال. فأما الكوفيون فخلطوا في هذه فمرة يقولون : لا يجوز كما يقول البصريون ، ومرة يحكون عن العرب إجازته حكوا عدمتني ، ولا يجيز البصريون من هذا شيئا. (وَأَهْلِيكُمْ) في موضع نصب معطوف على أنفسكم. ومن مسائل الفرّاء في «وأهليكم» (٢) لم صار مسكنا وهو في موضع النصب؟ فالجواب إن الياء علامة النصب كقولك : رأيت الزيدين وحذفت النون للإضافة وحكى الفرّاء (٣) أن من العرب من يقول : أهله في المؤنث «نارا» مفعول ثان (وَقُودُهَا النَّاسُ) مبتدأ وخبره في موضع نصب نعت للنار (وَالْحِجارَةُ) عطف على الناس (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) أي غلاظ على العصاة أشدّاء عليهم ، وقيل : «شداد» أقوياء (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) مفعولان على حذف الحرف أي فيما أمرهم (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) وحذف المضمر الذي يعود على «ما» وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ص ١١٨.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٨٧.

(٣) انظر المذكّر والمؤنث للفراء ١٠٨.

٣٠٤

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٧)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) حذفت النون للجزم بالنهي. (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في «إنما» معنى التحقيق والإيجاب.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٨)

(تَوْبَةً) مصدر. (نَصُوحاً) من نعته أي تنصحون لأنفسكم فيها (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وأجاز الفرّاء (١) (وَيُدْخِلَكُمْ) على الموضع بالجزم لأن عسى في موضع جزم في المعنى لأنها جواب الأمر ، وقدّره بمعنى فعسى وعطف «ويدخلكم» على موضع الفاء. قال أبو جعفر : وهذا تعسّف شديد (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) «الذين» في موضع نصب على العطف ، ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) قيل : هذا التمام ، والمعنى (وَبِأَيْمانِهِمْ) يعطون كتبهم ، وقد روي معنى هذا عن ابن عباس (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) ظهر التضعيف لمّا سكن الثاني (وَاغْفِرْ لَنا) ولا يجوز إدغام الراء في اللام لما فيها من التكرير. (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) خبر «إن» و «كلّ» مخفوض حقّه أن يكون في أخر الكلام لأنه تبيين.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٩)

قيل : مجاهدة المنافقين باللسان والانقباض وأنّه كذا يجب أن يستعمل مع أهل المعاصي إذا لم يوصل إلى منعهم منها ؛ لأن الانبساط إليهم يجرّئهم على إظهارها فأمر الله جلّ وعزّ بمجاهدتهم بهذا وأصل المجاهدة في اللغة بلوغ الجهد في رضوان الله جلّ وعزّ. (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) أي هي منزلهم ومسكنهم. (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي بئس الذي يصلون إليه النار.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (١٠)

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) مفعولان. (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٦٨.

٣٠٥

مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً) فكانت الفائدة في هذا أنه لا ينفع أحدا إيمان أحد ولا طاعة أحد بنسب ولا غيره إذا كان عاصيا الله جلّ وعزّ كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمته صفية : «إني لا أغني عنكم من الله شيئا» (١) وكذا قال لفاطمة رضي الله عنها (وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) ولم يقل : مع الداخلات ؛ لأن المعنى مع القوم الداخلين.

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١١)

فلم يضرها كفر فرعون شيئا ، والأصل «ربّي» حذفت الياء لأن النداء موضع حذف وإثباتها وفتحها جائز.

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (١٢)

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ) عطف أي وضرب الله للذين آمنوا مثلا مريم (ابْنَتَ) من نعتها ، وإن شئت على البدل. يقال : ابنة وبنت. (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) الهاء تعود على الفرج. قال أبو جعفر : قد ذكرنا في معناه قولين : أحدهما أنه جيبها ، والآخر أنه الفرج بعينه. والحجّة لمن قال : إنه الفرج بعينه «استعمال العرب» أحصنت فرجها على هذا النعت. والحجّة لمن قال : هو جيبها أن معنى «أحصنت فرجها» منعت جيبها حتّى (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) [مريم : ٨١] ، و (مِنْ رُوحِنا) فيه قولان : أحدهما من الروح الذي لنا والذي نملكه ، كما يقال : بيت الله ، والآخر من روحنا من جبرائيل صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال جلّ ثناؤه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [الشعراء : ١٩٣]. (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) (٢) من وحّده قال : لأنه مصدر ، ومن جمعه جعله على اختلاف الأجناس (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) أي من القوم القانتين ، أقيمت الصفة مقام الموصوف.

__________________

(١) أخرجه الدارمي في سننه ٢ / ٣٠٥.

(٢) انظر تيسير الداني ١٧٢.

٣٠٦

(٦٧)

شرح إعراب سورة الملك

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١)

أي يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء ودلّ على هذا الحذف (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (٢)

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) في موضع رفع على البدل من الذي الأول أو على إضمار مبتدأ ، ويجوز النصب بمعنى أعني. (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي مرفوع بالابتداء ، وهو اسم تام و (أَحْسَنُ) خبره ، والتقدير : ليبلوكم فينظر أيكم أحسن عملا. (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) مبتدأ وخبره.

(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٣)

(خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) فيه مثل الذي في الأول ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وأن يكون نعتا للعزيز. (طِباقاً) نعت لسبع ، ويكون جمع طبقة مثل رحبة ورحاب أو جمع طبق مثل جمل وجمال ، ويجوز أن يكون مصدرا مّا ترى في خلق الرّحمن من تفوت قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم ، وقراءة يحيى والأعمش وحمزة والكسائي من تفوت (١) وهو اختيار أبي عبيد. ومن أحسن ما قيل فيه قول الفرّاء (٢) : إنهما لغتان بمعنى واحد ، ولو جاز أن يقال في هذا اختيار لكان الأول أولى لأنه المشهور في الله أن يقال : تفاوت الأمر مثل تباين أي خالف بعضه بعضا فخلق الله جلّ وعزّ غير متباين ولا متفاوت ؛ لأنه كلّه دالّ على حكمة لا على عبث وعلى بارئ له (فَارْجِعِ الْبَصَرَ)

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٩٢.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٧٠.

٣٠٧

وليس قبله فانظر ولكنّ قبله ما يدلّ عليه وهو (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) في موضع نصب.

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (٤)

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) بمعنى المصدر أو الظرف ينقلب (١) إليك البصر جواب الأمر. (خاسِئاً) نصب على الحال. (وَهُوَ حَسِيرٌ) مبتدأ وخبره في موضع نصب على الحال.

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِير) (٥)

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) على لغة من قال مصباح (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) يكون «رجوما» مصدر يرجم ، ويجوز أن يكون جمع راجم على قول من قال : النجوم هي التي يرجم بها ، والقول الآخر على قول من قال : إنّ النجوم لا تزول من مكانها وإنما يرجم بالشهب (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) أي مع ذلك.

(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٦)

(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) رفع بالابتداء ، وحكى هارون عن أسيد أنه قرأ (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) (٢) عطفه على الأول. (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ربع ببئس.

(إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) (٨)

(إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) أي صوتا مثل الشهيق (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) الأصل تتميز. قال الفرّاء (٣) : أي تقطّع. (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) نصب على الظرف بمعنى إذا (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) أي قالوا لهم.

(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) (٩)

(نَذِيرٌ) بمعنى منذر. (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) «إن» بمعنى ما.

(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١٠)

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٩٣ (قرأ الجمهور «ينقلب» جزما على جواب الأمر ، والخوارزمي عن الكسائي برفع الباء أي فينقلب على حذف الفاء أو على أنه موضع حال مقدّرة).

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٩٤.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ١٧٠.

٣٠٨

فيه قولان : أحدهما لو كان نقبل كما يقال : سمع الله لمن حمده أي قيل «أو نعقل» أي نفكر ونتبين ، والقول الآخر أنهم إذا سمعوا لم ينتفعوا بما سمعوا فهم بمنزلة الصم.

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (١١)

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) ولم يقل : بذنوبهم ؛ لأنه مصدر يؤدّي عن الجنس (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (١).

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١٢)

من أحسن ما قيل فيه أن المعنى إن الذين يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس لأنه الوقت الذي تكثر فيه المعاصي فإذا خشوا ربهم جلّ وعزّ عند غيبة الناس عنهم فاجتنبوا المعاصي كانوا بحضرة الناس أكثر اجتنابا (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) خبر «إنّ».

(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١٣)

(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) كسرت الواو لالتقاء الساكنين واختير لها الكسر لأنها أصلية. (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بحقيقتها.

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤)

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) قال أبو جعفر : ربما توهّم الضعيف في العربية أنّ «من» في موضع نصب ولو كان موضعها نصبا لكان : ألا يعلم ما خلق : لأنه راجع إلى (بِذاتِ الصُّدُورِ) وإنما التقدير ألا يعلم من خلقها سرّها وعلانيتها (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) مبتدأ وخبره.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) (١٦)

وكذلك (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) أي سهلة تمشون عليها. يقال : ذلول بيّنة الذلّ ، وذليل بيّن الذّل (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) جمع منكب وهو الناحية (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) حذف منه ، ولو كان على قياس نظائره لقيل : أوكلوا كما تقول : أوجروا (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) رفع بالابتداء.

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) (٢) وحكى الفراء أن لغة بني تميم أن يزيد وألفا بين الألفين. قال أبو جعفر : يعني يزيدون ألفا لئلا يجمعوا بين همزتين فيقولون : أاأمنتم من في السماء. (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) في موضع نصب على أنها مفعولة. (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) في موضع رفع ، ويجوز النصب أي فإذا هي مائرة.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٩٤ ، وتيسير الداني ١٧٢ (قرأ الكسائي بضمّ الحاء والباقون بإسكانها).

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٧١ ، وتيسير الداني ١٧٢.

٣٠٩

(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (١٨)

وهو التراب والحصى ، ويكون السحاب الذي فيه البرد والصواعق (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) في موضع رفع لأن الاستفهام لا يعمل فيما قبله وحذفت الياء لأنه رأس آية ، وكذا (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (١٨).

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) (١٩)

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) نصب على الحال. (وَيَقْبِضْنَ) عطف عليه ، ويجوز أن ينون مقطوعا منه (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) لأنه جلّ وعزّ خلق الجو فاستمسكن فيه (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) خبر «إنّ».

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ) (٢٠)

أي يدفع عنكم إن أراد بكم سوءا. (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) أي ما الكافرون في ظنهم أي عبادتهم غير الله جلّ وعزّ ينفعهم إلا في غرور.

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) (٢١)

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) وحذف جواب الشرط لأن الأول يدلّ عليه أي إن أمسك رزقه فهل يرزقكم من تعبدون من دونه (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) والأصل لججوا ثم أدغم.

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢٢)

من في موضع رفع بالابتداء أهدى خبره (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) عطف عليه.

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٢٣)

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) مبتدأ وخبره (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) ولم يقل: الأسماع لأن السمع في الأصل مصدر.

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٤)

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) مثل الأول.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٥)

(مَتى) في موضع رفع لأنها خبر الابتداء (هذَا) على قول سيبويه وعلى قول

٣١٠

غيره في موضع نصب لأنه لا يرفع هذا بالابتداء. وأبو العباس يرفعه بمعنى متى يستقرّ هذا الوعد.

(قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٢٦)

(قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) رفعت العلم بالابتداء ، ولا يجوز النصب عند سيبويه على أن يجعل «ما» زائدة ، وكذا (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ).

(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) (٢٧)

(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) يجوز أن تكون الهاء تعود على الوعد (سِيئَتْ) (١) (وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) أصحّ ما قيل فيه أنه تفتعلون من الدعاء ثم أدغم ، قال أبو عبيد : تدّعون مشتق من يدعون.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢٨)

(أَرَأَيْتُمْ) وإن خفّفت همزة أرأيتم جئت بها بين بين والياء ساكنة بحالها (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) «من» في موضع رفع بالابتداء ، وهو اسم تام.

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٩)

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) أي خالقكم ورازقكم والفاعل لهذه الأشياء الرحمن (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢) «من» في موضع رفع بالابتداء والجملة خبره لأنها استفهام ، ولا يعمل في الاستفهام ما قبله ، ويجوز أن يكون في موضع نصب ويكون بمعنى الذي.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٣٠)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) قال الفراء (٣) لا يثنّى غور ولا يجمع لأنه مصدر مثل: رضى وعدل فيقال : ماءان غور. قال أبو جعفر : بابه ألا يثنّى ولا يجمع فإن أردت اختلاف الأجناس ثنّيت وجمعت والتقدير : إن أصبح ماؤكم ذا غور مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، وقيل غور بمعنى غائر. (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) يكون فعيلا من معن الماء إذا كثر ، ويجوز أن يكون مفعولا ويكون الأصل فيه معيونا مثل مبيع ويكون معناه على هذا الماء يرى بالأعين.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٠٢.

(٢) انظر تيسير الداني ١٧٣ (قرأ الكسائي «فسيعلمون من هو» بالياء والباقون بالتاء).

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٧١٢.

٣١١

فهرس المحتويات

شرح إعراب سورة الزمر

٣

شرح إعراب سورة القمر

١٩٢

شرح إعراب سورة غافر

١٩

شرح إعراب سورة الرحمن

٢٠٤

شرح إعراب سورة السجدة

٣٤

شرح إعراب سورة الواقعة

٢١٥

شرح إعراب سورة الشورى

٤٩

شرح إعراب سورة الحديد

٢٣٢

شرح إعراب سورة الزخرف

٦٥

شرح إعراب سورة المجادلة

٢٤٧

شرح إعراب سورة الدخان

٨٣

شرح إعراب سورة الحشر

٢٥٦

شرح إعراب سورة الجاثية

٩٢

شرح إعراب سورة الممتحنة

٢٧٠

شرح إعراب سورة الأحقاف

١٠٤

شرح إعراب سورة الصف

٢٧٦

شرح إعراب سورة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

١١٧

شرح إعراب سورة الجمعة

٢٨٠

شرح إعراب سورة الفتح

١٢٩

شرح إعراب سورة المنافقين

٢٨٤

شرح إعراب سورة الحجرات

١٣٨

شرح إعراب سورة التغابن

٢٩١

شرح إعراب سورة ق

١٤٦

شرح إعراب سورة الطلاق

٢٩٦

شرح إعراب سورة الذاريات

١٥٧

شرح إعراب سورة التحريم

٣٠٢

شرح إعراب سورة الطور

١٧٠

شرح إعراب سورة الملك

٣٠٧

شرح إعراب سورة النجم

١٧٩

٣١٢