إعراب القرآن - ج ٤

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٤

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١٢

(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) (٤٣)

(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) مبتدأ وخبره قال : وهذا على التوقيف كما حكى سيبويه : الشّقاء أحبّ إليك أم السعادة؟ (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) أي أكتب لكم أنكم لا تعذّبون.

(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) (٤٤)

على اللفظ ولو كان على المعنى قيل : منتصرون.

(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥)

(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) قال أهل التفسير : ذلك يوم بدر. (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) واحد بمعنى الجمع : كما يقال : كثر الدّرهم.

(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) (٤٦)

(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) من قال : «بل» لا يكون إلا بعد نفي قال : المعنى : ليس الأمر كما يقولون إنهم لا يبعثون بل الساعة موعدهم. (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) أي من هزيمتهم وتولّيهم.

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٤٧)

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) أي ذهب عن الحق. (وَسُعُرٍ) أي نار تسعّر.

(يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (٤٨)

(يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) وفي قراءة ابن مسعود إلى النار (١) وهذه القراءة على التفسير ، كما روى أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه «يحضر المقتول بين يدي الله جلّ وعزّ فيقول له : فيم قتلت؟ فيقول : فيك ، فيقول : كذبت أردت أن يقال : فلان شجاع فقد قيل : فيؤمر به فيسحب على وجهه إلى النار» (٢). (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) أي يقال لهم.

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) (٣)

فدلّ بهذا على أنّهم يعذّبون على كفرهم بالقدر. وزعم سيبويه أن نصب «كلّ»

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١١٠ ، والبحر المحيط ٨ / ١٨١.

(٢) أخرجه الترمذي في سننه ـ الزهد ٩ / ٢٢٥.

(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ١٨١ (قراءة الجمهور بالنصب ، وقرأ أبو السمال وقوم من أهل السنة بالرفع).

٢٠١

على لغة من قال : زيدا ضربته. وفي نصبه قولان آخران : أما الكوفيون فقالوا : «إنّا» تطلب الفعل والفعل بها أولى من الاسم ، والمعنى إنا خلقنا كلّ شيء ، قالوا : وليس هذا مثل قولنا : زيدا ضربته : لأنه ليس هاهنا حرف هو بالفعل أولى. ألا ترى أنك تقول : أزيدا ضربته فيكون النصب أولى : لأن هاهنا حرف هو بالفعل أولى والقول الثالث أنه إنما جاز هذا بالنصب وخالف زيد ضربته ليدل ذلك على خلق الأشياء فيكون فيه ردّ على من أنكر خلق الأفعال.

(وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٥٠)

(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) مبتدأ وخبره. وقال علي بن سليمان : المعنى إلّا أمرة واحدة. وزعم الفراء : أنه روي (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) (١) بالنصب كما يقال : ما فلان إلّا ثيابه ودابّته أي إلّا يتعهّد ثيابه ودابته وكما حكى الكسائي : ما فلان إلّا عمّته أي يتعهّد عمّته. (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أي في سرعته.

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٥١)

فيه قولان : أحدهما أن أشياعهم هم الذين أهلكوا من قبلهم لأنهم كفروا كما كفروا فهل من متّعظ بذلك ، وسمّوا أشياعهم لأنهم كذّبوا كما كذّبوا. والقول الآخر أن أشياعهم هم الذين كانوا يعاونونهم على عداوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين فأهلكوا فهل من متّعظ منكم بذلك. والقول الأول عليه أهل التأويل.

(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) (٥٢)

الهاء في فعلوه تعود على الأشياع في الزبر مكتوب عليهم قد كتبته الحفظة.

(وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٥٣)

يقال : سطر واستطر إذا كتب سطرا.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (٥٤)

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي الذين اتقوا عقاب الله جلّ وعزّ باجتناب محارمه وأداء فرائضه (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) قال أبو إسحاق : «نهر» بمعنى أنهار. قال أبو جعفر : وأنشد الخليل وسيبويه : [الرجز]

٤٤٦ ـ في حلقكم عظم وقد شجينا(٢)

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١١١.

(٢) الرجز بلا نسبة في الكتاب ١ / ٢٧٠ ، ولطفيل في جمهرة اللغة ص (١٠٤١) ، والمحتسب ٢ / ٨٧ ، وللمسيب بن زيد مناة في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢١٢ ، ولسان العرب (شجا) ، وبلا نسبة في خزانة ـ

٢٠٢

(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥)

(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي في مجلس حقّ لا لغو فيها ولا باطل. (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) أي يقدر على ما يشاء.

__________________

ـ الأدب ٧ / ٥٥٩ ، وشرح المفصّل ٦ / ٣٢ ، ولسان العرب (نهر) وسمع و (أمم) و (مأى) والمقتضب ٢ / ١٧٢. وقبله :

«لا تنكروا لقتل وقد سبينا».

٢٠٣

(٥٥)

شرح إعراب سورة الرحمن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (٢)

(الرَّحْمنُ) (١) رفع بالابتداء وخبره (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (٢) أي من رحمته علّم القرآن فبصّر به رضاه الذي يقرّب منه وسخطه الذي يباعد منه ومن رحمته.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (٤)

فهو خبر بعد خبر.

(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٥)

(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) مبتدأ ، وقيل : الخبر محذوف أي يجريان (بِحُسْبانٍ) وقيل : الخبر (بِحُسْبانٍ).

(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٦)

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : النجم ما تبسّط على الأرض من الزرع يعني البقل ونحوه ، قال : والشجر ما كان على ساق. قال أبو جعفر : وهذا أحسن ما قيل في معناه أي يسجد له كل شيء أي ينقاد لله جلّ وعزّ.

(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (٧)

(وَالسَّماءَ رَفَعَها) نصبت بإضمار فعل يعطف ما عمل فيه لفعل على مثله (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) قال الفراء (١) : أي العدل ، وقال غيره : هو الميزان الذي يوزن به.

(أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) (٩)

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١١٣.

٢٠٤

(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) (٨) «أن» في موضع نصب ، والمعنى : بأن لا تطغوا ، و (تَطْغَوْا) في موضع نصب بأن ، ويجوز أن يكون «أن» بمعنى أي فلا يكون لها موضع من الإعراب ، ويكون تطغوا في موضع جزم بالنهي. قال أبو جعفر : وهذا أولى ؛ لأن بعده (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) (٩) وقرأ بلال بن أبي بردة (وَلا تُخْسِرُوا) (١) بفتح التاء. وهي لغة معروفة.

(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) (١٠)

نصب الأرض بإضمار فعل.

(فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) (١١)

(فِيها فاكِهَةٌ) مبتدأ. (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) عطف عليه. الواحد كمّ وهو ما أحاط بها من ليف وسعف وغيرهما.

(وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) (١٢)

(وَالْحَبُ) مرفوع على أنه عطف على فاكهة أي وفيها الحبّ. (ذُو الْعَصْفِ) نعت له. (وَالرَّيْحانُ) عطف أيضا. وقراءة الأعمش وحمزة والكسائي. (ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) (٢) بالخفض بمعنى وذو الريحان.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : فبأيّ نعم ربّكما. قال أبو جعفر : فإن قيل : إنما تقدّم ذكر الإنسان فكيف وقعت المخاطبة لشيئين؟ ففي هذا غير جواب منها أن الأنام يدخل فيه الجنّ والإنس فخوطبوا على ذلك ، وقيل : لمّا قال جلّ وعزّ : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ) [الحجر : ٢٧] وقد تقدم ذكر الإنسان خوطب الجميع وأجاز الفراء (٣). أن يكون على مخاطبة الواحد بفعل الاثنين ، وحكى ذلك عن العرب.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) (١٤)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الصّلصال الطين اليابس. فالمعنى على هذا خلق الإنسان من طين يابس يصوّت ؛ كما يصوّت الطين الذين قد مسّته النار. وهو الفخار. وقيل : الصلصال المنتن فعلان ، من صلّ اللحم إذا أنتن ، ويقال أصلّ.

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه ١٤٩ ، والبحر المحيط ٨ / ١٨٨ ، وهذه قراءة زيد بن علي أيضا.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ١٨٩ ، وهذه قراءة حمزة والكسائي والأصمعي عن أبي عمرو.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ١١٤.

٢٠٥

(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٦)

قيل : المارج مشتقّ من مرج الشيء إذا اختلط ، والمارج من بين أصفر وأخضر وأحمر ، وكذا لسان النار. وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) قال : هو من خالص النار.

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (١٧)

رفع على إضمار مبتدأ يجوز أن يكون بدلا من المضمر الذي في «خلق» ، ويجوز الخفض(١) بمعنى : فبأيّ آلاء ربّكما ربّ المشرقين وربّ المغربين ، ويجوز النصب بمعنى أعني.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٨)

ليس بتكرير ؛ لأنه إنما أتى بعد نعم أخرى سوى التي تقدّمت.

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) (١٩)

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : مرج أرسل. واختلف العلماء في معنى البحرين هاهنا فقال الحسن وقتادة : هما بحر الروم وبحر فارس ، وقال سعيد بن جبير وابن أبزى : هما بحر السماء وبحر الأرض ، وكذا يروى عن ابن عباس إلّا أنه قال : يلتقيان كلّ عام. وقول سعيد بن جبير وابن أبزى يذهب إليه محمد بن جرير لعلّة أوجبت ذلك عنده نذكرها بعد هذا.

(بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) (٢٠)

قال بعض أهل التفسير : لا يبغيان على الناس ، وقال بعضهم : لا يبغي أحدهما على الآخر. وظاهر الآية يدل على العموم.

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (٢٢)

وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة (يَخْرُجُ) (٢) والضمّ أبين لأنه إنما يخرج إذا أخرج. وتكلّم العلماء في معنى (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) فمذهب الفراء (٣) أنه إنما

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ١٨٩ (قرأ الجمهور بالرفع ، وأبو حيوة وابن أبي عبلة بالخفض بدلا من «ربّكما»).

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ١٩٠ (قرأ الجمهور «الخرج» مبنيا للفاعل ، ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة مبنيا للمفعول ، والجعفي عن أبي عمرو بالياء مضمومة وكسر الراء).

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ١١٥.

٢٠٦

يخرج من أحدهما وجعله مجازا. وفي هذا من البعد ما لا خفاء به على ذي فهم أن يكون «منهما» من أحدهما. وقيل : يخرج إنما هو للمستقبل فيقول : إنه يخرج منهما بعد هذا. وقيل : يخرج منهما حقيقة لا مجازا ؛ لأنه إنما يخرج من المواضع التي يلتقي فيها الماء الملح والماء العذب. وقول رابع هو الذي اختاره محمد بن جرير وحمله على ذلك التفسير لما كان من تقوم الحجّة بقوله قد قال في قوله جلّ وعزّ : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) أنهما بحر السماء وبحر الأرض ، وكان اللؤلؤ والمرجان إنما يوجد في الصّدف إذا وقع المطر عليه ، ويدلّك على هذا الحديث عن ابن عباس قال: «إذا مطرت السماء فتحت الصدف أفواهها».

(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) (٢٤)

الجواري في موضع رفع ، حذفت الضمة من الياء لثقلها ، وحذفه الياء بعيد ، ومن حذف الياء قال الكسرة تدلّ عليها ، وقد كانت تحذف قبل دخول الألف واللام. وقراءة الكوفيين غير الكسائي وله الجواري المنشئات (١) يجعلونها فاعلة و «المنشأات» قراءة أهل المدينة وأبي عمرو ، وهي أبين. فأما ما روي عن عاصم الجحدري أنه قرأ المنشيّات فغير محفوظ لأنه إن أبدل الهمزة قال : المنشيات وإن خفّفها جعلها بين الألف والهمزة فقال : المنشاءات وهذا المحفوظ من قراءته. كالأعلم في موضع نصب على الحال.

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٢٦)

الضمير يعود على الأرض وضعها أي كلّ من على الأرض يفنى ويهلك. والأصل : فاني استثقلت الحركة في الياء فسكّنت ثم حذفت لسكونها وسكون التنوين بعدها.

(وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٢٧)

(ذُو) من نعت وجه لأن المعنى ويبقى ربّك ، كما تقول : هذا وجه الأرض. وفي قراءة ابن مسعود ويبقى وجه ربك ذي (٢) الجلال والإكرام من نعت ربّك.

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢٩)

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مذهب قتادة وليس بنصّ قوله يفزع إليه أهل السموات

__________________

(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٦٢٠ ، والبحر المحيط ٨ / ١٩١ ، وتيسير الداني ١٦٧ (قرأ حمزة وأبو بكر المنشئات بكسر الشين ، والباقون بفتحها).

(٢) وهي قراءة أبيّ أيضا ، انظر البحر المحيط ٨ / ١٩١.

٢٠٧

وأهل الأرض في حاجاتهم لا غناء بهم عنه. (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) أي في شأنهم وصلاحهم وتدبير أمورهم.

(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٣١)

فيه خمس قراءات (١) ذكر أبو عبيد منها اثنتين قد قرأ بكل واحدة منهما خمسة قراء وهما (سنفرغ) و (سيفرغ) فقرأ بالأولى أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وعاصم ، وقرأ طلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي (سيفرغ) ولم يذكر أبو عبيد طلحة ، وقرأ عبد الرحمن الأعرج وقتادة (سنفرغ لكم) بفتح النون والراء. وقرأ عيسى بن عمر (سنفرغ) بكسر النون وفتح الراء ، وذكر الفراء أنه يقرأ (سيفرغ) بضم الياء وفتح الراء. قال أبو جعفر : القراءتان الأوليان بمعنى واحد. وحكى أبو عبيد أن لغة أهل الحجاز وتهامة فرغ يفرغ وأنّ لغة أهل نجد فرغ يفرغ وأنه لا يعرف أحدا من القراء قرأ بها. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا من قرأ بها. فمن قال : فرغ يفرغ جاء به على الأصل ؛ لأن فيها حرفا من حروف الحلق وحروف الحلق الهمزة والعين والغين والحاء والخاء والهاء ، وحروف الحلق يأتي منها فعل يفعل كثيرا نحو ذهب يذهب وصنع يصنع ، ويأتي ما فيه لغتان نحو صبغ يصبغ ويصبغ ورعف يرعف ويرعف ، ويأتي منهما ما لا يكاد يفتح نحو نحت ينحت وإنما يرجع في هذا إلى اللغة.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ) (٣٣)

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) نداء مضاف. (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) على مذهب الضّحاك أن المعنى «سنفرغ لكم أيّها الثقلان» فيقال لكم : يا معشر الجن والإنس وذكر أنّ هذا يوم القيامة تنزل ملائكة سبع السموات فيحيطون بأقطار الأرض فيأتي الملك الأعلى جلّ وعزّ. وقرأ الضحاك : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] ثم يؤتى بجهنّم فإذا راها الناس هربوا وقد اصطفّت الملائكة على أقطار الأرض سبعة صفوف. وقرأ الضحاك : (يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) [غافر : ٣٢ ، ٣٣] ، وقرأ (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) ، وروي عنه أنه قال : إن استطعتم أن تهربوا من الموت وروي عن ابن عباس أن استطعتم أن تعلموا ما في السموات وما في الأرض (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا

__________________

(١) انظر القراآت المختلفة في البحر المحيط ٨ / ١٩٢ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦٢٠ ، ومختصر ابن خالويه ١٤٩ ، وتيسير الداني ١٦٧ ، ومعاني الفراء ٣ / ١١٦.

٢٠٨

بِسُلْطانٍ) قال عكرمة : أي بحجة قال : وكل سلطان في القرآن فهو حجة ، وقال قتادة : بسلطان أي بملكة.

(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) (٣٥)

(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ) هذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي ، وقرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق وهي مروية عن الحسن (شواظ) (١) بكسر الشين. والفراء يذهب إلى أنهما لغتان بمعنى واحد ، كما يقال : صوار وصوار. (ونحاس) (٢) قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع والكوفيين بالرفع ، وقرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو (ونحاس) (٣) بالخفض ، وقرأ مجاهد (ونحاس) بكسر النون والسين ، وقرأ مسلم بن جندب (ونحس) بغير ألف وبالرفع. قال أبو جعفر : الرفع في و «نحاس» أبين في العربية ؛ لأنه لا اشكال فيه يكون معطوفا على «شواظ» ، وإن خفضت عطفته على نار ، واحتجت إلى الاحتيال ، وذلك أن أكثر أهل التفسير منهم ابن عباس يقولون : الشّواظ اللهب ، والنحاس الدخان فإذا خفضت فالتقدير شواظ من نار ومن نحاس. والشواظ لا يكون من النحاس كما أن اللهب لا يكون من الدخان إلا على حيلة واعتذار والذي في ذلك من الحيلة ، وهو قول أبي العباس محمد بن يزيد ، أنه لمّا كان اللهب والدخان جميعا من النار كان كلّ واحد منهما مشتملا على الآخر ، وأنشد للفرزدق : [الطويل]

٤٤٧ ـ فبتّ أقدّ الزاد بيني وبينه

على ضوء نار مرّة ودخان(٤)

فعطف ودخان على نار ، وليس للدخان ضوء ؛ لأن الضوء والدخان من النار وإن عطفت ودخان على ضوء لم تحتج إلى الاحتيال ، وأنشد غيره في هذا بعينه : [الرجز]

٤٤٨ ـ شراب ألبان وتمر وأقط(٥)

وإنما الشروب الألبان ولكنّ الحلق يشتمل على هذه الأشياء ، وقال أخر في مثله. [مجزوء الكامل]

٤٤٩ ـ يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا(٦)

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١١٧ ، والبحر المحيط ٨ / ١٩٣ ، وتيسير الداني ١٦٧.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ١٩٣.

(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٤٩.

(٤) الشاهد للفرزدق في ديوانه ٣٢٩ ، وفي الحماسة لابن الشجري ٢٠٨ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٦٢.

(٥) الرجز بلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦١٣ ، ولسان العرب (زجج) ، و (طفل) ، والمقتضب ٢ / ٥١ ، والكامل للمبرد ٢٨٩.

(٦) مرّ الشاهد رقم (١٢٢).

٢٠٩

لأنهما محمولان وقد قال الحسن ومجاهد وقتادة في قوله جلّ وعزّ : (وَنُحاسٌ) قالوا يذاب النحاس فيصبّ على رؤوسهم. (فَلا تَنْتَصِرانِ) أي ممن عاقبكما بذلك ولا تستفيدان منه.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٦)

أي : فبأيّ نعم ربّكما الذي جعل الحكم واحدا في المنع من النقود ، ولم يخصص بذلك أحدا دون أحد.

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (٣٧)

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) وهو يوم القيامة. (فَكانَتْ وَرْدَةً) قال قتادة : هي اليوم خضراء ويوم القيامة حمراء ، وزاد غيره وهي من حديد. (كَالدِّهانِ) أصح ما قيل فيه ، وهو قول مجاهد والضحاك ، أنه جمع دهن أي صافية ملساء.

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (٤١)

(فَيَوْمَئِذٍ) جواب إذا. (لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) قول ابن عباس لا يسألون سؤال اختبار ، لأنّ الله جلّ وعزّ قد حفظ عليهم أعمالهم ، وقول قتادة أنّهم يعرفون بسواد الوجوه وزرق الأعين ، ويدلّ على هذا أن بعده (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) والسيما والسيمياء العلامة. (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) يكون بالنواصي في موضع رفع اسم لم يسمّ فاعله ويجوز أن يكون مضمرا.

(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) (٤٣)

أي يقال لهم : هذه جهنم التي كانوا يكذبون بها في الدنيا.

(يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (٤٤)

(يَطُوفُونَ بَيْنَها) أي بين أطباقها. (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) حكى عبد الله بن وهب عن ابن زيد قال : الاني الحاضر. وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) قال يقول : قد انتهى حرّه. قال أبو جعفر : وكذا هو في كلام العرب قال النابغة : [الوافر]

٤٥٠ ـ وتخضب لحية غدرت وخانت

بأحمر من نجيع الجوف ان

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٥)

أي : فبأيّ نعم ربكما التي أنعم بها عليكم فلم يعاقب منكم إلّا المجرمين ،

٢١٠

وجعل لهم سيمياء يعرفون بها حتّى لا يختلط بهم غيرهم.

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٤٦)

رفع بالابتداء وبإضمار فعل بمعنى تجب أو تستقرّ ، والتقدير : ولمن خاف مقام ربّه فأدّى فرائضه واجتنب معاصيه خوف المقام الذي يقفه الله تعالى للحساب ، ويبيّن هذا قوله : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤٠] ولا يقال لمن اقتحم على المعاصي : خائف ، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) قال : وعد الله المؤمنين الذين أدّوا فرائضه الجنة.

(ذَواتا أَفْنانٍ) (٤٨)

نعت للجنتين ، والجنة عند العرب البستان. قال أبو جعفر : واحد الأفنان فنن على قول من قال : هي الأغصان ، ومن قال : هي الألوان ألوان الفاكهة فواحدها وعندهم فن والأول أولى بالصواب لأن أكثر ما يجمع فنّ فنون فيستغنى بجمعه الكثير ، كما يقال : شسع وشسوع. ومنه أخذ فلان في فنون من الحديث.

(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) (٥١)

أي في خلالهما نهران يجريان.

(فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) (٥٢)

أي من كل نوع من الفاكهة صنفان.

(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) (٥٤)

نصب (مُتَّكِئِينَ) على الحال ، والعالم فيه من غامض النحو. قال أبو جعفر : ولا أعلم أحدا من النحويين ذكره إلّا شيئا ذكره محمد بن جرير قال : هو محمول على المعنى أي : يتنعمون متكئين ، وجعل ما قبله يدلّ على المحذوف. قال أبو جعفر : ويجوز أن يكون بغير حذف ، ويكون راجعا إلى قوله جلّ وعزّ : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) كما تقول : لفلان تجارة حاضرا ، أي في هذه الحال. و (مُتَّكِئِينَ) على معنى «من» ولو كان على اللفظ لكان متّكئا. (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) في موضع رفع بالابتداء. (دانٍ) خبره.

(فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٥٧)

(فِيهِنَ) قال أبو جعفر : قد ذكرنا هذا الضمير وعلى من يعود. وفيه إشكال قد

٢١١

بيّناه والتقدير : فيهن حور. (قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) ، وقراءة طلحة (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) (١) وهما لغتان معروفتان.

(كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) (٥٨)

أن في موضع خفض بالكاف ، والكاف في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف «وهنّ» في موضع نصب اسم «أنّ» ، وشددت لأنها بمنزلة حرفين في المذكّر ، (الْياقُوتُ) خبر ، (وَالْمَرْجانُ) عطل عليه.

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ) (٦٠)

مبتدأ وخبره أي على جزاء من أحسن في الدنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة.

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) (٦٢)

في معناه قولان : أحدهما ومن دونهما في الدرج. وهذا مذهب ابن عباس ، وتأوّل أنّ هاتين الجنتين هما اللتان قال الله جلّ وعزّ فيهما : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧] ، والقول الآخر ومن دونهما في الفضل وهذا مذهب ابن زيد ، قال : وهم لأصحاب اليمين.

(مُدْهامَّتانِ) (٦٤)

قال أبو حاتم : ويجوز في الكلام مدهمّتان ؛ لأنه يقال : ادهمّ وادهامّ ، ومدهامتان من نعت الجنتين.

(فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (نَضَّاخَتانِ) قال : فيّاضتان وقال الضحاك : ممتلئتان ، وقال سعيد بن جبير : نضّاختان بالماء والفاكهة ، قال أبو جعفر : والمعروف في اللغة أنهما بالماء.

(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (٦٨)

فيها ثلاثة أقوال : منها أنه قيل : إنّ النخل والرمان ليسا من الفاكهة لخروجهما منها في هذه الآية ، وقيل هما منها ولكن أعيد إشادة بذكرهما لفضلهما. وقيل : العرب تعيد الشيء بواو العطف اتّساعا لا لتفضيل ، والقرآن نزل بلغتهم والدليل على ذلك (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الحج : ١٨] ثم قال جلّ

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٦٧ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦٢١ ، والبحر المحيط ٨ / ١٩٦.

٢١٢

وعزّ : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) وقال جلّ ثناؤه : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨] قال أبو جعفر : وهذا بيّن لا لبس فيه.

(فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) (٧٠)

وحكى الفراء (١) : خيّرات وخيرات. فأما البصريون فقالوا : خيرة بمعنى خيّرة فخفّف ، كما قيل : ميّت وميت «وفيهن» يعود على الأربع الأجنّة.

(حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (٧٢)

(حُورٌ) بدل وإن شئت كان نعتا. (مَقْصُوراتٌ) قال مجاهد : قصرن طرفهنّ وأنفسهنّ على أزواجهن فلا يردن غيرهم ، وقال أبو العالية : «مقصورات» محبوسات ، وقال الحسن : مقصورات محبوسات لا يطفن في الطرق. قال أبو جعفر : والصواب في هذا أن يقال : إن الله جل وعز وصفهنّ بأنهنّ مقصورات فعمّ فنعمّ كما عمّ جلّ وعزّ فيقول : قصرن طرفهنّ وأنفسهن على أزواجهن فلا يرين غيرهم وهن محبوسات في الخيام ومصونات.

(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) (٧٥)

فدلّ بهذا على أن الجنّ يطئون.

(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) (٧٦)

(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ) فخضر جمع أخضر ، ورفرف لفظه لفظ واحد ، وقد نعت بجمع لأنه اسم للجمع كما قال : مررت برهط كرام وقوم لئام وكذا : هذه إبل حسان وغنم صغار. (وَعَبْقَرِيٍ) مثله غير أنه يجوز أن يكون جمع عبقرية ، وقد قرأ عاصم الجحدري متكئين على رفارف خضر وعباقريّ حسان (٢) وقد روى بعضهم هذه القراءة عن عاصم الجحدري عن أبي بكرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإسنادها ليس بالصحيح ، وزعم أبو عبيد أنها لو صحّت لكانت وعباقريّ بغير إجراء ، وزعم أنه هكذا يجب في العربية. قال أبو جعفر : وهذا غلط بين عند جميع النحويين ؛ لأنهم قد أجمعوا جميعا أنه يقال : رجل مدائني بالصرف ، وإنما توهّم أنه جمع ، وليس في كلام العرب جمع بعد ألفه أربعة أحرف لا اختلاف بينهم أنك لو جمعت عبقرا لقلت عباقر ، ويجوز على بعد عباقير ، ويجوز عباقرة. فأما عباقريّ في الجمع فمحال والعلّة في امتناع جواز عباقريّ أنه لا يخلو من أن يكون منسوبا إلى عبقر فيقال : عبقريّ أو يكون منسوبا إلى

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٢٠.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ١٩٨ ، ومختصر ابن خالويه ١٥.

٢١٣

عباقر فيردّ إلى الواحد فيقال أيضا. عبقريّ كما شرط النحويون جميعا في النسب إلى الجمع أنك تنسب إلى واحدة فتقول في النسب إلى المساجد : مسجديّ وإلى العلوم علميّ وإلى الفرائض فرضيّ فإن قال قائل فما يمنع من أن يكون عباقرا اسم موضع ثم ينسب إليها كما يقال : معافريّ؟ قيل له : إن كتاب الله جلّ وعزّ لا يحمل على ما لا يعرف وتترك حجّة الإجماع.

(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٧٨)

(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) أي البركة في اسمه جلّ وعزّ والبركة في اللغة بقاء النعمة وثباتها. فحضهم بهذا على أن يكثروا ذكر اسمه جلّ وعزّ ودعاءه ، وأن يذكروه بالإجلال والتعظيم له فقال: ذي الجلل والإكرام (١) أي الجليل الكريم وفي الحديث «ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام» (٢).

__________________

(١) قرأ ابن عامر (ذو الجلال) بالواو والباقون بالياء ، انظر تيسير الداني ١٦٨ ، والبحر المحيط ٨ / ١٩٨.

(٢) أخرجه الترمذي (٣٥٢٤) ، وأحمد في المسند ٤ / ١٧٧ ، والحاكم في المستدرك ١ / ٤٩٨ ، والطبراني في الكبير ٥ / ٦٠ ، والبخاري في التاريخ ٣ / ٢٨٠ ، وذكره السيوطي في الدرر ٦ / ١٥٣ ، والهيثمي في المجمع ١٠ / ١٥٨.

٢١٤

٥٦

شرح إعراب سورة الواقعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (١)

(إِذا) في موضع نصب لأنها ظرف زمان ، والعامل فيها وقعت ؛ لأنها تشبه حروف الشرط ، وإنما يعمل فيها ما بعدها. وقد حكى سيبويه (١) : أن من العرب من يجزم بها ، قال : وشبهها بحروف الشرط متمكن قوي ، وذلك أنها تقلب الماضي إلى المستقبل وتحتاج إلى جواب غير أنه لا يجازى بها إلّا في الشعر. فأما مخالفتها حروف المجازاة فإن ما بعدها يكون محدّدا تقول : أجيئك إذا احمرّ البسر ولا يجوز هاهنا «أن» وكسرت التاء من «وقعت» لالتقاء الساكنين ، لأنها حرف فحكمها أن تكون ساكنة ، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الواقعة والطامّة والصاخّة (٢) ونحو ذلك من أسماء القيامة عظمها الله جلّ وعزّ وحذّرها عباده ، وقال غيره : هي الصيحة وهي النفخة الأولى.

(لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (٢)

اسم ليس وذكّرت كاذبة عند أكثر النحويين لأنها بمعنى الكذب أي ليس لوقعتها كذب. قال الفرّاء (٣) : مثل عاقبة وعافية.

(خافِضَةٌ رافِعَةٌ) (٣)

(خافِضَةٌ رافِعَةٌ) (٣) على إضمار مبتدأ ، والتقدير الواقعة خافضة رافعة ، وقرأ اليزيدي (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) (٤) بالنصب. وهذه القراءة شاذة متروكة من غير جهة منها أنّ

__________________

(١) انظر الكتاب ٣ / ٦٧.

(٢) انظر الطبري ٢٧ / ٩٦ ، وزاد المسير ٨ / ١٣٠.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ١٢١.

(٤) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٠٣ (وهي قراءة زيد بن علي وعيسى وأبي حيوة وابن أبي عبلة وابن مقسم والزعفراني أيضا).

٢١٥

الجماعة الذين تقوم بهم الحجّة على خلافها ، ومنها أنّ المعنى على الرفع في قول أهل التفسير والمحقّقين من أهل العربية. فأما أهل التفسير فإن ابن عباس قال : خفضت أناسا ورفعت آخرين فعلى هذا لا يجوز إلّا الرفع : لأن المعنى خفضت قوما كانوا أعزاء في الدنيا إلى النار ورفعت قوما كانوا أذلّاء في الدنيا إلى الجنة ، فإذا نصب على الحال اقتضت الحال جواز أن يكون الأمر على غير ذلك كما أنك إذا قلت : جاء زيد مسرعا ، فقد كان يجوز أن يجيء على خلاف هذه الحال ، وقال عكرمة والضحّاك : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) خفضت فأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى فصار الناس سواء. قال أبو جعفر : وأما أهل العربية فقد تكلّم منهم جماعة في النصب. فقال محمد بن يزيد : لا يجوز ، وقال الفرّاء (١) : يجوز بمعنى إذا وقعت الواقعة وقعت خافضة رافعة فأضمر وقعت وهو عند غيره من النحويين بعيد قبيح ، ولو قلت : إذا جئتك زائرا ، تريد إذا جئتك جئتك زائرا. لم يجز هذا الإضمار ؛ لأنه لا يعرف معناه ، وقد يتوهّم السامع أنه قد بقي من الكلام شيء. وأجاز أبو إسحاق النصب على أن يعمل في الحال «وقعت» ، قد بيّنا فساده على أن كل من أجازه فإنه يحمله على الشذوذ فهذا يكفي في تركه.

(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) (٥)

(إِذا) في موضع نصب. قال أبو إسحاق : المعنى إذا وقعت الواقعة في هذا الوقت ، (رَجًّا) مصدر ، وكذا (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) (٥).

(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) (٦)

(هَباءً) خبر كان. (مُنْبَثًّا) من نعته. وأصحّ ما قيل في معناه ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : الهباء المنبثّ رهج الدواب ، وعن ابن عباس هو الغبار ، وعنه هو الشرر الذي يطير من النار.

(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) (٧)

عن ابن عباس قال : أصنافا ثلاثة. قال أبو إسحاق : يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أزواج واحدها زوج ، كما يقال : زوج من الخفاف لأحد الخفّين.

(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) (٩)

(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) رفع الابتداء. (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) مبتدأ وخبره في موضع خبر الأول ، وقيل : التقدير ما هم فلذلك صلح أن يكون خبرا عن الأول لمّا عاد عليه ذكره وكذا (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) [القارعة : ١ ، ٢] يظهر الاسم على سبيل التعظيم

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٢١.

٢١٦

والتشديد. وهذا قول حسن ؛ لأن إعادة الاسم فيه معنى التعظيم ، وكذا (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (٨) قيل : إنما قيل لهم : أصحاب الميمنة لأنّهم أعطوا كتبهم بإيمانهم ، وقيل : لأنهم أخذ بهم ذات اليمين. وهذه علامة في القيامة لمن نجا ، وقيل : إن الجنة على يمين الناس يوم القيامة ، وعلى هذا (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) (٩) لأن اليد اليسرى يقال لها الشّومى.

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١١)

قال محمد بن سيرين : السابقون الذين صلّوا القبلتين ، وأبو إسحاق يذهب إلى أنّ فيه تقديرين في العربية : أحدهما أن يكون السابقون الأول مرفوعا بالابتداء والثاني من صفته ، وخبر الابتداء (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١١) ، ويجوز عنده أن يكون السابقون الأول مرفوعا بالابتداء والسابقون خبره وتقديره والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله ، قال : أولئك المقربون صفة. قال أبو جعفر : قوله : أولئك صفة غلط عندي ؛ لأن ما فيه الألف واللام لا يوصف بالمبهم. لا يجوز عند سيبويه : مررت بالرجل ذلك ، ولا مررت بالرجل هذا ، على النعت ، والعلّة فيه أن المبهم أعرف مما فيه الألف واللام ، وإنما ينعت الشيء عند الخليل وسيبويه بما هو دونه في التعريف ، ولكن يكون أولئك المقربون بدلا أو خبرا بعد خبر.

(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (١٢)

من صلة المقرّبين ، أو خبر أخر.

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) (١٣)

قال أبو إسحاق : المعنى : هم ثلّة من الأولين.

(وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (١٤)

عطف عليه.

(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) (١٥)

(عَلى سُرُرٍ) من العرب من يقول : سرر لثقل الضمّة وتكرير الحرف وفي الراء أيضا تكرير. (مَوْضُونَةٍ) نعت.

(مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) (١٦)

قال أبو إسحاق : هما منصوبان على الحال.

(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) (١٧)

٢١٧

ذكر الفرّاء (١) معناه على سنّ واحد لا يتغيّرون كأنه مشتقّ من الولادة إلّا أنه يقال : وليد بين الولادة بفتح الواو.

(بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) (١٨)

(بِأَكْوابٍ) اجتزئ بالجمع القليل عن الكثير. (وَأَبارِيقَ) لم ينصرف ؛ لأنه جمع لا نظير له في الواحد. (وَكَأْسٍ) واحد يؤدي عن الجمع ، وروى عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) قال : الخمر ، وقال الضحّاك : كل كأس في القرآن فهي الخمر ، وقال قتادة: من معين من خمر ترى بالعيون.

(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) (١٩)

(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) (١٩) (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) (٢) فنفى عن الخمر ما يلحق من آفاتها من السكر والصداع ، وقيل : «يصدّعون عنها» يفرّقون عن قلّى.

(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) (٢٠)

أي يتخيّرونها وحذفت الهاء لطول الاسم.

(وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٢١)

أهل التفسير منهم من يقول : يخلق الله جلّ وعزّ لهم لحما على ما يشتهون من شواء أو طبيخ من جنس الطير ، ومنهم من يقول : بل هو لحم طير على الحقيقة. وبهذا جاء الحديث عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما هو إلّا أن تشتهي الطائر في الجنّة وهو يطير فيقع بين يديك مشويّا» (٣).

(وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) (٢٣)

(وَحُورٌ عِينٌ) (٢٢) قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وشيبة ونافع ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي (وَحُورٌ عِينٌ) (٤) بالخفض ، وحكى سيبويه والفرّاء أنّ في قراءة أبيّ بن كعب وحورا عينا (٥) بالنصب ، وزعم سيبويه (٦) أنّ الرفع محمول على

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٢٢.

(٢) انظر تيسير الداني ١٦٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٠٥ (قرأ الجمهور «ولا ينزفون» مبنيا للمفعول).

(٣) انظر تفسير القرطبي ١٧ / ٣٤.

(٤) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٠٦ ، وتيسير الداني ١٦٨.

(٥) انظر معاني الفراء ٣ / ١٢٤.

(٦) انظر الكتاب ١ / ٢٢٨.

٢١٨

المعنى ؛ لأن المعنى فيها أكواب وأباريق وكأس من معين وفاكهة ولحم طير وحور أي ولهم حور عين وأنشد (١) : [الكامل] :

٤٥١ ـ بادت وغيّر ايهنّ مع البلى

إلّا رواكد جمرهنّ هباء

ومشجّج أمّا سوعاء قذاله

فبدا وغيّر ساره المعزاء

فرفع ومشجّج على المعنى ؛ لأن المعنى بها رواكد وبها مشجّج. والقراءة بالرفع اختيار أبي عبيد لأن الحور لا يطاف بهن ، واختار الفرّاء (٢) الخفض واحتج بأن الفاكهة واللحم أيضا لا يطاف بهما وإنما يطاف بالخمر. وهذا الاحتجاج لا ندري كيف هو إذ كان القراء قد أجمعوا على القراءة بالخفض في قوله جلّ وعزّ : (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٢١) فمن أين له أنه لا يطاف بهذه الأشياء التي ادّعى أنه لا يطاف بها؟ وإنما يسلّم في هذا لحجّة قاطعة أو خبر يجب التسليم له. واختلفوا في قوله جلّ وعزّ : (وَحُورٌ عِينٌ) (٢٢) كما ذكرت والخفض جائز على أن يحمل على المعنى ؛ لأن المعنى ينعمون بهذه الأشياء وينعمون بحور عين ، وهذا جائز في العربية كثير. كما قال : [الكامل]

٤٥٢ ـ علفتها تبنا وماء باردا

حتّى شتت همّالة عيناها(٣)

فحملت على المعنى ، وقال أخر : [مجزوء الكامل]

٤٥٣ ـ يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا(٤)

وقال أخر : [الوافر]

٤٥٤ ـ إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا(٥)

والعيون لا تزجّج فحمله على المعنى. فأما «وحورا عينا» فهو أيضا محمول على المعنى ؛ لأن معنى الأول يعطون هذا ويعطون حورا ، كما قال (٦) : [البسيط]

٤٥٥ ـ جئني بمثل بني بدر لقومهم

أو مثل أسرة منظور بن سيّار

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٣٦).

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٢٤.

(٣) الشاهد لذي الرمة في ديوانه ٦٦٤ ، والخزانة ١ / ٤٩٩ ، وبلا نسبة في معاني الفراء ١ / ١٤ ، وديوان المفضليات ٢٤٨ ، واللسان (علف).

(٤) مرّ الشاهد رقم (١٢٢).

(٥) الشاهد للراعي النميري في ديوانه ٢٦٩ ، والدرر ٣ / ١٥٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٥ ، ولسان العرب (زجج) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢١٢ ، والإنصاف ٢ / ٦١٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ٤٣٢ ، وتذكرة النحاة ص ٦١٧ ، والخصائص ٢ / ٤٣٢ ، والدرر ٦ / ٨٠ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٥.

(٦) مرّ الشاهد رقم (١٣٥).

٢١٩

أو عامر بن طفيل في مركّبه

أو حارثا يوم نادى القوم يا حار

قال الحسن البصري : الحور الشديدات سواد سواد العين. وهذا أحسن ما قيل في معناهن. والحور البياض ، ومنه الحوّاريّ وروي عن مجاهد أنه قال : قيل حور لأن العين تحار فيهن ، وقال الضحّاك : العين العظيمات الأعين. قال أبو جعفر : عين جمع عيناء وهو على فعل إلّا أن الفاء كسرت لئلا تنقلب الياء واوا فيشكل بذوات الواو ، وقد حكى الفرّاء أن من العرب من يقول : حير عين على الإتباع.

وروي عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل : (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) (٢٣) قال : «كصفاء الدرّ الذي في الصّدف الذي لا تمسّه الأيدي» (١).

(جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٤)

قال أبو إسحاق : نصبت جزاء لأنه مفعول له أي لجزاء أعمالهم. قال : ويجوز أن يكون مصدرا ؛ لأن معنى (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) (١٧) يجزيهم ذلك جزاء أعمالهم.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) (٢٥)

اللّغو ما يلغى قيل : معناه لا يسمعون فيها صخبا ولا ضجرا ولا صياحا. فنفى الله عزوجل عن أهل الجنة كلّ ما يلحق الناس في الدنيا في نعيمهم من الضجر وفي كلّ ما يلحق في طعامهم وشرابهم من الآفات وكل ما يلحقهم من العناء والتعب وفي المأكول والمشروب في هذه السورة. وفي بعض الحديث «من داوم قراءة سورة الواقعة كلّ يوم لم يفتقر أبدا» (٢).

(إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٢٦)

قال أبو إسحاق : (إِلَّا قِيلاً) منصوب بيسمعون أي لا يسمعون إلّا قيلا ، وقال غيره : هو منصوب على الاستثناء (سَلاماً سَلاماً) يكون نعتا لقيل أي إلّا قيلا يسلم فيه من الصياح والصخب وما يؤثم فيه ، ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر ، ويجوز وجه ثالث وهو أن يكون منصوبا بقيل ، ويكون معنى قيل أن يقولوا ، وأجاز الكسائي والفرّاء الرفع في في سلام بمعنى : سلام عليكم ، وأنشد الفرّاء : [الطويل]

٤٥٦ ـ فقلنا السّلام فاتّقت من أميرها

فما كان إلّا ومؤها بالحواجب(٣)

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٠٦.

(٢) انظر الترغيب والترهيب للمنذري ٢ / ٤٤٨.

(٣) الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (ومأ) و (صفح) و (سلم) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ٣٤ ، والمخصّص ١٣ / ١٥٥ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٦٤٤ ، وتاج العروس (ومأ) و (صفح).

٢٢٠