إعراب القرآن - ج ٢

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١١

فلم يجعلوه كأخواته. يعني ما يعمل عمله. قال : فجعلوه كليت. قال أبو إسحاق : ولم يتصرّف ليس لأنه ينفى بها المستقبل والحال والماضي فلم يحتجّ فيها إلى تصرّف. قال أبو جعفر : وسمعت محمد بن الوليد يقول : لمّا ضارعت «ما» منعت من التصريف.

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤٧)

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) قال الكسائي : غلّ يغلّ من الشحناء ، وغلّ يغلّ من الغلول ، وأغلّ يغلّ من الخيانة ، وقال غيره : معنى (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أزلنا عنهم الجهل والغضب وشهوة ما لا ينبغي حتى زال التحاسد. (إِخْواناً) على الحال.

(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) (٥١)

والتقدير : عن أصحاب ضيف إبراهيم ولهذا لم يكثّر ضيوف.

(قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) (٥٣)

(قالُوا لا تَوْجَلْ) ومن قال تأجل أبدل من الواو ألفا لأنها أخفّ ، ومن قال : تيجل أبدل منها ياء لأنها أخفّ من الواو ، ولغة بني تميم تيجل ليدلّوا على أنه من فعل ، ويقال : فلان ييجل ، بكسر الياء ، وهذا شاذّ لأن الكسرة في الياء مستقلة ولكن فعل هذا لتنقلب الواو ياء.

(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (٥٤)

(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) قراءة أكثر الناس ، وقرأ نافع بكسر النون ، وحكي عن أبي عمرو بن العلاء رحمه‌الله أنه قال : كسر النون لحن ، يذهب إلى أنه لا يقال : أنتم تقوموا فيحذف نون الإعراب. قال أبو جعفر : قد أجاز سيبويه (١) والخليل مثل هذا. قال سيبويه : وقرأ بعض الموثوق بهم (قالَ أَتُحاجُّونِّي) [الأنعام : ٨٠] و (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) وهي قراءة أهل المدينة (٢) ، والأصل عند سيبويه : فبم تبشّرون بإدغام النون في النون ثم استثقل الإدغام فحذف إحدى النونين ولم يحذف نون الإعراب كما تأول أبو عمرو وإنما حذف النون الزائدة. وأنشد سيبويه : [الوافر]

٢٦٠ ـ تراه كالثّغام يعلّ مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني (٣)

وقال الآخر : [الوافر]

٢٦١ ـ أبالموت الّذي لا بدّ أنّي

ملاق لا أباك تخوّفيني (٤)

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ٣.

(٢) انظر تيسير الداني ١١١.

(٣) مرّ الشاهد رقم (١٣٤).

(٤) الشاهد لأبي حيّة النميري في ديوانه ١٧٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٠٠ ، والدرر ٢ / ٢١٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ٢١١ ، ولسان العرب (خعل) و (أبي) ، و (فلا) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٢ ، ـ

٢٤١

(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) (٥٦)

وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) وقرأ (وَمَنْ يَقْنِطُ)(١) وقرأ مِنْ بَعْدِ ما قَنِطُوا [الشورى : ٢٨] جميعا بالكسر وقرأ أبو عمرو والكسائي قال ومن يقنط بكسر النون و «قنطوا» بفتح النون ، وقرأ أهل الحرمين وعاصم وحمزة (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ) بفتح النون ، وقرءوا «قنطوا» بفتح النون ، وقرأ الأشهب العقيلي قال ومن يقنط بضمّ النون. قال أبو جعفر : أبو عبيد القاسم بن سلام يختار قراءة أبي عمرو والكسائي في هذا ، وزعم أنها أصحّ في العربية ، وردّ قراءة أهل الحرمين وعاصم وحمزة لأنها على فعل يفعل عنده ، وكذا أنكر قنط يقنط ، ولو كان الأمر كما قال لكانت القراءتان لحنا ، وهذا شيء لا يعلم أنه يوجد أن يجتمع أهل الحرمين على شيء ثم يكون لحنا ولا سيما ومعهم عاصم مع جلالته ومحلّه وعلمه وموضعه من اللغة ، والقراءتان اللتان أنكرهما جائزتان حسنتان وتأويلهما على خلاف ما قال. يقال : قنط يقنط وقنط قنوطا فهو قانط ، وقنط يقنط قنطا فهو قنط وقانط. فإذا قرأ «ومن يقنط» فهو على لغة من قال : قنط يقنط ، وإذا قرأ «ومن يقنط» فهو على لغة من قال : قنط يقنط مثل ضرب يضرب ، وإذا قرأ يقنطوا فهو على لغة من قال : قنط يقنط مثل حذر يحذر فله أن يستعمل اللغتين ، وأبو عبيد ضيّق ما هو واسع من اللغة ومعنى ومن يقنط من ييأس.

(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) (٥٧)

(قالَ فَما خَطْبُكُمْ) ابتداء وخبر.

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٩)

(إِلَّا آلَ لُوطٍ ...) قال أبو إسحاق : استثناء ليس من الأول (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ).

(إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٦٠)

(إِلَّا امْرَأَتَهُ) قال : استثناء من الهاء والميم. وتأوّل أبو يوسف هذا على أنه استثناء ردّ

__________________

ـ والخصائص ١ / ٣٤٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٥٠١ ، وشرح شذور الذهب ٤٢٤ ، وشرح المفصّل ٢ / ١٠٥ ، واللامات ص ١٠٣ ، والمقتضب ٤ / ٣٧٥ ، والمقرّب ١ / ١٩٧ ، والمنصف ٢ / ٣٣٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٣٧.

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ٤٤٧.

٢٤٢

على استثناء ، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ) فاستثناهم من المجرمين إلا امرأته فاستثناها من قوم لوط فصارت مع المجرمين. قال كما تقول : له عليّ عشرة إلا أربعة إلّا واحدا ، فيكون سبعة لأنك استثنيت من الأربعة واحدا فصار مع الستة فصارت سبعة. قال أبو عبيد : كما تقول : إذا قال رجل لامرأته : أنت طالق ثلاثا إلّا اثنتين إلّا واحدة فقد طلّق ثنتين. قال أبو جعفر : الذي قال أبو يوسف كما قال عند أهل العربية ، والذي قاله أبو عبيد عند حذاق أهل العربية لا يجوز. يقولون إنّه لا يستثنى من الشّيء نصفه ولا أكثر من النصف ولا يتكلّم به أحد من العرب. والاستثناء عند الخليل وسيبويه (١) التوكيد ، لأنك إذا قلت : جاءني القوم جاز أن يكون قد بقي منهم ، فإذا قلت : كلّهم أحطت بهم ، وكذا إذا قلت : جاءني القوم جاز أن يكون زيد داخلا فيهم فإذا قلت : إلا زيدا بيّنت كما بيّنت بالتوكيد. ومعنى قولك : له عندي عشرة إلا واحدا ، له عندي عشرة ناقصة ، ولا يجوز أن يقال لخمسة ولا أقل منها عشرة ناقصة. (قَدَّرْنا إِنَّها) وقرأ عاصم (قَدَّرْنا) وفي التشديد معنى المبالغة أي كتبنا ذلك وأخبرنا به وعلمنا أنّها لمن الغابرين قد ذكرناه. ومن أحسن ما قيل فيه أن معنى الغابرين الباقون المتخلّفون عن الخروج معه من قولهم غبر إذا بقي ، وهكذا قال أهل العربية في معنى (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود : ٨١] إن المعنى فأسر بأهلك إلّا امرأتك ، ومن أحسن ما قيل في معنى (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) أن المعنى : ولا يلتفت إلى ما خلّف وليخرج ، وقد قيل : إنه من الالتفات أي لا يكن منكم خروج فيلتفت.

(قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) (٦٣)

أي بالعذاب الذي كانوا يشكّون فيه.

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) (٦٥)

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) من أسرى ، ومن وصل جعله من سرّى ، لغتان معروفتان.

(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (٦٦)

(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) قال الأخفش : «أنّ» في موضع نصب على البدل من الأمر ، وقال الفراء (٢) : هي في موضع نصب بسقوط الخافض أي قضينا إليه ذلك الأمر بهذا. قال : وفي قراءة عبد الله وقلنا إن دبر هؤلاء (٣) فلو قرأ قارئ على هذا بكسر إنّ لجاز. (مُصْبِحِينَ) نصب على الحال ، والتقدير عند الفراء وأبي عبيد إذا كانوا مصبحين. قال أبو عبيد : كما تقول : أنت راكبا أحسن منك ماشيا. قال : وسمعت أعرابيا فصيحا من بني كلاب يقول : أنا لك صديقا خير منّي لك عدوا.

__________________

(١) انظر الكتاب ٢ / ٣٢٣.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٩٠.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٩٠.

٢٤٣

(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) (٦٧)

في موضع نصب على الحال.

(قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) (٦٨)

(قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي) وحّد لأنه مصدر في الأصل ضفته ضيفا أي نزلت به ، والتقدير : ذوو ضيفي. قال أبو إسحاق : المعنى أو لم ننهك عن ضيافة العالمين ، وقال غيره : المعنى أو لم ننهك عن أن تجير أحدا علينا وتمنعنا منه.

(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٢)

(لَعَمْرُكَ) مبتدأ ، والخبر محذوف لأن القسم باب حذف ، والتقدير لعمرك قسمي (إِنَّهُمْ) بالكسر لأنه جواب القسم وأجاز جماعة من النحويين فتحها. (لَفِي سَكْرَتِهِمْ) أي جهلهم شبّه بالسكر.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) (٧٣)

نصب على الحال. وأشرقوا صادفوا شروق الشمس أي طلوعها.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٧٥)

أي لعظات عن المعاصي والكفر للمستدلّين.

(وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) (٧٨)

(وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) لا اختلاف في صرف هذا والذي في «ق» (١) ، واختلفوا في الذي في «الشعراء» (٢) والذي في «ص» (٣) فقرأهما أهل المدينة بغير صرف ، وقرأهما أهل البصرة وأهل الكوفة كذينك ، وهذا هو الحقّ ؛ لأنه لا فرق بينهنّ والقصة واحدة ، وإنما هذا كتكرير القصص في القرآن. فأما قول من قال : إن أيكة اسم للقرية ، وإن «الأيكة» اسم للبلد فغير معروف ولا مشهور ، فأمّا احتجاج من احتجّ بالسواد وقال : لا أصرف اللتين في «الشعراء» و «ص» لأنهما في الخطّ بغير ألف فلا حجّة له في ذلك وإنما هذا على لغة من قال : جاءني صاحب زيد لسود ، يريد الأسود ، فألقى حركة الهمزة على اللام فتحرّكت اللام وسقطت ألف الوصل لتحرّكها وسقطت الهمزة لمّا ألقيت حركتها على ما قبلها ، وكذا ليكة.

__________________

(١) ق : ١٤ ، (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ).

(٢) الشعراء : ١٧٦ (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ).

(٣) ص : ١٣ (وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ).

٢٤٤

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) (٧٩)

(وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) في معناه قولان : أحدهما أنّ الإمام الكتاب الذي كتبه الله جلّ وعزّ لأنه قبل الكتب كلّها ، والآخر أنه الطريق لأنه يؤتمّ به.

(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٨٠)

قيل : أصحاب الحجر قوم صالح.

(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) (٨٢)

وقرأ الحسن (وَكانُوا يَنْحِتُونَ) لأن فيه حرفا من حروف الحلق والكسر أفصح.

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٨٨)

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) في الحديث أن القرآن هاهنا هو الحمد لأن بعض القرآن قرآن (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) لا تتمنّينّ نعمهم ولا تحزن عليهم أي على نعمتي عليهم. قال أبو إسحاق : ومعنى (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) ألن جناحك لمن آمن بك واتّبعك.

(كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٩١)

(كَما أَنْزَلْنا) الكاف في موضع نصب أي «وقل إنّي أنا النّذير المبين» عقابا أو عذابا مثل ما أنزلنا على المقتسمين (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) أبو عبيدة (١) معمر بن المثنّى يذهب إلى أنّ «عضين» من عضّيت أي فرّقت ، وهو مشتق من العضو ، والمحذوف عنده واو ، والتصغير عنده عضيّة ، والكسائي يذهب إلى أنه من عضهت الرجل أي رميته بالبهتان ، والتصغير عنده عضيهة. قال الفراء (٢) : العضون في كلام العرب السحر وإنما جمع بالواو والنون عند البصريين عوضا مما حذف منه وعند الكوفيين أنه كان يجب أن يجمع على فعول فطلبوا الواو التي في فعول فجاءوا بها فقالوا عضون. قال الفراء (٣) : ومن العرب من يقول : عضينك يجعله بالياء على كلّ حال ويعرب النون ، كما تقول : مضت سنينك ، وهي كثيرة في أسد وتميم وعامر ، والعلّة عنده فيه أن الواو لمّا وقعت موقع حرف ناقص توهّموا أنها واو فعول فأعربوا ما

__________________

(١) انظر مجاز القرآن ١ / ٣٥٥.

(٢) و (٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٩٢.

٢٤٥

بعدها وقلبوها ياء كما قال بعض العرب في التاء حكاه عن أبي الجرّاح : سمعت لغاتهم ، ولا تقول ذلك في الصّالحات ، ولا فيما حذف من أوله نحو لدّات.

(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٢)

توكيد للهاء والميم.

(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٩٤)

قال أبو إسحاق (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي أبنه وأظهره مشتقّ من الصّديع وهو الصبح ، والصّدع في الزجاجة أن يبين بعضها من بعض (بِما تُؤْمَرُ) مصدر عند البصريين أي بأمرنا ، وقال الكسائي : التقدير بما تؤمر به مثل (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) [هود : ٦] أي بربّهم ثم حذفت الباء. قال أبو جعفر : لا يجوز حذف الباء عند البصريين في كلام ولا شعر ، وقد أنشد الكوفيون لجرير : [الوافر]

٢٦٢ ـ تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

كلامكم عليّ إذا حرام (١)

وسمعت علي بن سليمان يقول : سمعت محمد بن يزيد يقول : سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ينشد لجدّه :

مررتم بالدّيار ولم تعوجوا

(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٩٦)

(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) في موضع نصب على النعت للمستهزئين : ومعنى (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر : ٩٤] أي عن إجابتهم إذا تلقّوك بالقبيح.

(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩)

(حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) نصب بحتّى ، ولا يجوز رفعه لأنه مستقبل ، واليقين الموت لأن كلّ عاقل يوقن به.

__________________

(١) الشاهد لجرير في ديوانه ٢٧٨ ، وتخليص الشواهد ٥٠٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ١١٨ ، والدرر ٥ / ١٨٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣١١ ، ولسان العرب (مرر) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٦٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ١٤٥ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٥٨ ، ورصف المباني ص ٢٤٧ ، وشرح ابن عقيل ٢٧٢ ، وشرح المفصّل ٨ / ٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٠٠ ، والمقرّب ١ / ١١٥ ، وهمع الهوامع ٨٣٢.

٢٤٦

(١٦)

شرح إعراب سورة النحل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١)

(أَتى أَمْرُ اللهِ) من أحسن ما قيل في معناه قول الضحاك إنه القرآن ، وقد قيل : إنه نصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومن قال : إنّه القيامة جعله مجازا على أحد أمرين يكون «أتى» بمعنى قرب ، ويكون «أتى» بمعنى يأتي إلّا أن سيبويه (١) لا يجيز أن يكون فعل بمعنى يفعل ويجيز أن يكون يفعل بمعنى فعل لأنه يكون محكيّا. (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) نهي فيه معنى التهديد.

(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ(٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣)

(أَنْ أَنْذِرُوا) قال أبو إسحاق : «أن» في موضع جرّ على البدل من الروح ، والتقدير : ينزل الملائكة بأن أنذروا أهل الكفر والمعاصي أي حذّروهم بأنه (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) ثمّ دلّ جلّ وعزّ على توحيده فقال جل ثناؤه : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ).

(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٥)

(وَالْأَنْعامَ) نصب بإضمار فعل ، ويجوز الرفع في غير القرآن.

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨)

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ) أي وجعل لكم ، وقال الفراء (٢) : هي ردّ على خلق. قال : وإن شئت كانت بمعنى وسخّر. قال : ويجوز الرفع من وجهين : أحدهما أنه لم يكن معها فعل رفعت ، والآخر أنه لمّا كان يجوز والأنعام بالرفع توهّمت أنه مرفوع رفعت. (وَزِينَةً) قال الأخفش والفراء (٣) : أي وجعلها زينة. قال الفراء : ويجوز أن

__________________

(١) انظر الكتاب ٣ / ٢٣.

(٢) و (٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٩٧.

٢٤٧

ينصبها بالفعل نفسه وتقديره بمعنى لتركبوها زينة. قال أبو حاتم : روى سعيد عن قتادة عن أبي عياض أنه قرأ لتركبوها زينة بغير واو. قال أبو إسحاق : «زينة» مفعول له أي خلقها من أجل الزينة.

قال أبو إسحاق : ويقال لكلّ ما ينبت على الأرض شجر ، وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس (فِيهِ تُسِيمُونَ) قال ترعون. قال أبو إسحاق : هو مشتقّ من السّومة أي العلامة لأنها إذا رعت أثرت في الأرض فصارت فيها علامات.

(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٣)

(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) قال الأخفش : أي خلق وبثّ.

(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥)

(وَأَنْهاراً وَسُبُلاً) قال : أي وجعل. قال أبو إسحاق معنى (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) وجعل فلهذا أضمر في الثاني وجعل. (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) في موضع نصب ، والتقدير عند البصريين كراهة أن تميد بكم ، وعند الكوفيين لئلا تميد بكم.

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٢٠)

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) مبتدأ وخبره لا يخلقون شيئا. قال الأخفش : (وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ) [آية : ١٢] أي وخلق وسخّر ، وحكى الفراء (١) : مخرت السفينة تمخر وتمخر إذا صوّتت في جريها. قال أبو إسحاق : النجم والنجوم واحد.

(أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (٢١)

(أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) على إضمار مبتدأ أي هم أموات. قال الكسائي : ويجوز النصب على القطع (٢) والفعل. (أَيَّانَ) في موضع نصب. (يُبْعَثُونَ) ولكنه مبنيّ على الفتح لأن فيه معنى الاستفهام فوجب أن لا يعرب ففتحت نونه لالتقاء الساكنين ، وإذا التقى ساكنان في كلمة واحدة فتح الثاني وإن كانا في كلمتين كسر الأول. هذا قول الكوفيين ، فأما البصريون فسبيل الساكنين إذا التقيا عندهم أن يكسر أحدهما إلا أن تقع علّة والذي أوجب هذا أنّ الكسر أخو الجزم ، وقال محمد بن يزيد : لأن ما كان معربا منصرفا لم يكسر إلا ومعه التنوين فإذا كان الساكن الأول ألفا فالفتح أولى عند الخليل وسيبويه لأن الفتحة من جنس الألف قالا : ولو سمّيت رجلا إسحارا ثم رخّمته لقلت :

__________________

(١) معاني الفراء ٢ / ٩٨.

(٢) القطع : الحال ، انظر معاني الفراء ٢ / ٩٨.

٢٤٨

يا إسحار أقبل ، ففتحت الراء لالتقاء الساكنين لأن قبلها ألفا وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (١) بكسر الهمزة. قال الفراء (٢) : وهي لغة سليم.

(لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (٢٣)

وقد ذكرنا (٣) (لا جَرَمَ أَنَ) في غير هذا الموضع.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٤)

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) (ما) في موضع رفع بالابتداء و (ذا) بمعنى الذي وهو خبر «ما». (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) على إضمار مبتدأ. قال الكسائي : أي هو أساطير الأولين ، وقال الأخفش : الجواب يردّ على الكلام الأول فلما كانت «ما» في موضع رفع رفع. قال أبو إسحاق : المعنى «الذي أنزل» أي الذي ذكرتم أنتم أنه أنزل أساطير الأولين أي أكاذيب ، وقال غيره : هذا على التّهزّء أي يقول بعضهم لبعض : ماذا أنزل ربكم فيقول المجيب : أساطير الأولين ولم يقرّوا أنه أنزل شيئا ، فلهذا كان مرفوعا ، وقد أجاز النحويون : ماذا تعلّمت أنحوا أم شعرا. بالنصب والرفع. فالرفع على ما تقدم والنصب على أن تكون «ذا» زائدة بمعنى أي شيء تعلّمت؟ فإن قلت : من ذا كلّمت أزيدا أم عمرا؟ لم يكن «من ذا» في موضع رفع لأن ذا لا يراد معها.

(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (٣٠)

(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) قال الكسائي : ولو قيل خير لجاز. يعني على ما تقدّم. (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) رفع بنعم ، والدار مؤنثة ولم يقل : نعمت ؛ لأنه فعل يشبه الأسماء وجرى على مثل هذا قول البصريين ، وحذف علامة التأنيث عندهم أجود ، وقال الكسائي : التذكير لأن المعنى ولنعم موضع دار المتقين ومثوى ومأوى.

قال : والتأنيث جيّد حسن واسع.

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) (٣١)

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) قال الفراء (٤) : إن شئت رفعت جنات بالاستئناف ، وإن شئت

__________________

(١) و (٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٩٩.

(٣) مرّ في إعراب الآية ٢٢ ـ هود.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٩٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٧٤.

٢٤٩

بالعائد في يدخلونها. والرفع عند البصريين من جهتين : إحداهما بالابتداء والأخرى بإضمار مبتدأ ، كما تقول : نعم الرجل زيد.

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٢)

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) في موضع نصب نعت للمتقين و (طَيِّبِينَ) على الحال أي مؤمنين مجتنبين للمعاصي.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٣٣)

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) «أن» الملائكة بما وعدوا من العذاب. (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) بالعذاب ، وحكى الكسائي : حرص يحرص.

(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٨)

وقد ذكرنا (١) (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ). (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) مصدر. قال الكسائي والفراء (٢) : ولو قيل : وعد عليه حقّ لكان صوابا أي ذلك وعد عليه حقّ.

(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠)

قرأ ابن محيصن وعبد الله بن عامر والكسائي إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (٣) بالنصب. قال أبو إسحاق : النصب من وجهين : أحدهما على العطف أي فأن يكون ، والآخر أن يكون جوابا لكن. قال أبو جعفر : الوجه «فيكون» مرفوع ، وتقديره عند سيبويه فهو يكون ، والنصب على العطف جائز. فأما أن يكون جوابا فمحال لأنه إخبار لا يجوز فيه الجواب ، كما تقول : أنا أقول لعمرو امض فيجلس أو فيمضي ، ولا معنى للجواب هاهنا وإنما الجواب أن يقول : امض فأكرمك. ومثل الأول (فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ) [البقرة : ١٠٢] وإنما الجواب لا تكفر فتدخل النار.

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٤١)

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا) أي هجروا قومهم وديارهم ليتباعدوا من الكفر (وَالَّذِينَ) في موضع رفع بالابتداء (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) في موضع الخبر.

__________________

(١) راجع إعراب الآية ٣٥ ـ يونس.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ١٠٠.

(٣) انظر تيسير الداني ١١٢.

٢٥٠

(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٤٢)

(الَّذِينَ صَبَرُوا) في موضع رفع على البدل من الذين هاجروا ، وفي موضع نصب على البدل من هم.

(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٤)

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) أي من الفرائض والأحكام والحدود.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٤٦)

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ) عطف على الأول. (فِي تَقَلُّبِهِمْ) ما يتقلّبون فيه من الأسفار وغيرها.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤٧)

(فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) لأنه أمهلهم دعاهم إلى التوبة.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٤٩)

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ) واحد في موضع جمع (وَالشَّمائِلِ) جمع على بابه (سُجَّداً) على الحال أي منقادا ذليلا على ما دبّره الله جل وعز عليه. واصل السجود في اللغة : التذلل والانقياد (وَهُمْ داخِرُونَ) أي منقادون على ما أحبّوا أو كرهوا وكذا السجود في (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) أي منقادا لله جلّ وعزّ دالّ على حكمته كما روي عن ابن عباس :

الكافر يسجد لغير الله جلّ وعزّ وظلّه يسجد لله تبارك وتعالى أي ينقاد لتدبيره ، وقال أبو إسحاق : معنى ظلّه هاهنا جسمه الذي يكون منه الظلّ أي جسمه ولحمه وعظمه منقادات لله جلّ وعزّ دالّة عليها أثر الخضوع والذلّ ، فعلى هذا هي ساجدة له تقدّس اسمه.

(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٥١)

(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) قال أبو إسحاق : فذكر اثنين توكيدا لإلهين كما ذكر واحدا توكيدا في قوله (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) وقال غيره : التقدير ولا تتّخذوا اثنين إلهين. (فَإِيَّايَ) في موضع نصب بإضمار فعل.

٢٥١

(وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) (٥٢)

(وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) نصب على الحال.

(وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) (٥٣)

(وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) قال الفراء (١) : «ما» في موضع جزاء كأنه قال : وما تكن بكم من نعمة فمن الله ، وقال أبو إسحاق : المعنى ومما حلّ بكم من نعمة فمن الله أي أعطاكم من صحّة في جسم أو رزق فكل ذلك من الله جلّ وعزّ.

(وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) (٥٦)

(وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً) أي ويجعلون لما لا يعلمون أنه إله نصيبا مما رزقناهم. (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) أي من قولكم إنهم آلهة.

(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (٥٧)

(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ) لأنهم قالوا : الملائكة بنات الله ، وتمّ الكلام عند قوله (سُبْحانَهُ) ثم قال جلّ وعزّ : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) أي الشيء الذي يشتهونه ، و «ما» في موضع رفع ، وأجاز الفراء (٢) : أن يكون في موضع نصب بمعنى ويجعلون لهم. قال أبو إسحاق : «ما» في موضع رفع لا غير لأن العرب لا تقول في مثل هذا : جعل فلان له كذا. وإنما تقول : جعل لنفسه ، ومثله ضربت نفسي ، ولا يقال ضربتني.

(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (٥٨)

(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) خبر «ظلّ» ، ويجوز عند سيبويه (٣) والفراء(٤) : ظلّ وجهه مسودّ يكون في «ظلّ» مضمر والجملة الخبر ، وحكى سيبويه : «حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه أو ينصّرانه» (٥). قال الفراء : مثل (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : ٦٠] والأصل في ظلّ ظلل ثم أدغم.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ١٠٤.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ١٠٥.

(٣) انظر الكتاب ٢ / ٤١٤.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ١٠٦.

(٥) الحديث في الكتاب ٢ / ٤١٤ ، «كلّ مولود يولد على الفطرة ، حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه». وأخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجنائز ، وأبو داود في سننه حديث رقم (٤٧١٤) ، والترمذي في سننه ـ القدر ٨ / ٣٠٣.

٢٥٢

(أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) قال الكسائي : المعنى لا يدري ينظر (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ).

(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦٠)

(وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي هو الواحد الصمد. (الْحَكِيمُ) القدير الذي لم يلد ولم يولد.

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٦١)

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) أي بعقوبة ظلمهم (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) لأنه إذا أفنى الآباء انقطع النسل.

(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٦٢)

(وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) جمع لسان على لغة من ذكّر اللسان ، ومن أنّث قال : ألسن ، ومن قال ألسن ثم سمّى بلسان رجلا لم يصرف ، وإن قال ألسنة صرف والكذب منصوب بتصف و (أَنَّ لَهُمُ) بدل من الكذب. قال أبو حاتم : وقرأ أهل الشام أو بعضهم (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) نعت للألسنة قال قطرب «أنّ لهم النار» في موضع رفع أي وجب ذلك ، وقال غيره : «أنّ» في موضع نصب أي كسبهم ذلك «أنّ لهم النار». وقد ذكرنا (١) معنى (لا جَرَمَ). قرأ عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رحمهما‌الله وهذه القراءة قراءة أبي رجاء ونافع (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٢) بكسر الراء والتخفيف ، وقرأ أبو جعفر (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٣) بكسر الراء والتشديد. قال أبو حاتم وروي عن أبي جعفر (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) بفتح الراء والتشديد ، وقرأ الحسن والأعرج وأبو العالية وسعيد بن جبير ومجاهد وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء والكوفيين (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٤) بفتح الراء والتخفيف. وأصل هذا كلّه من التجاوز والتقدّم. فمفرطون مبالغون متجاوزون في الشر ، ومنه يقال : قد أفرط فلان على فلان و «مفرّطون» مضيّعون متجاوزون لما يجب ، ومنه أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله ، وفي التشديد معنى المبالغة والتكثير و «مفرطون» مقدّمون إلى النار.

__________________

(١) مرّ في إعراب الآية ٢٢ ـ هود.

(٢) انظر تيسير الداني ١١٢ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٩٠.

(٣) انظر البحر المحيط ٥ / ٤٩١.

(٤) انظر البحر المحيط ٥ / ٤٩٠ ، ومعاني الفراء ٢ / ١٠٨.

٢٥٣

(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦٣)

(تَاللهِ) التاء بدل من الواو وإنما يقال : تالله إذا كان في الكلام معنى التعجّب (لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) وحذف المفعول أي رسلا (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي من الكفر والمعاصي (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ) ابتداء وخبر وتحذف الضمة لثقلها فيقال : فهو وليّهم أي هو معهم ، وقيل : المعنى أنه يقال : لهم هذا الذي أطعتموه فاسألوه حتّى يخلّصكم تبكيتا لهم وتوبيخا.

(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٦٤)

(وَهُدىً وَرَحْمَةً) مفعول من أجله. قال أبو إسحاق : ويجوز الرفع بمعنى وهو مع ذلك هدى ورحمة.

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) (٦٦)

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) أي لدلالة على قدرة الله جلّ وعزّ وحسن تدبيره. (نُسْقِيكُمْ) بفتح النون قراءة عاصم وشيبة ونافع ، (نُسْقِيكُمْ) بضم النون قراءة ابن كثير وأبي جعفر وأبي عمرو بن العلاء والكوفيين إلا عاصما. قال الخليل وسيبويه (١) رحمهما‌الله : سقيته ناولته فشرب ، وأسقيته جعلت له سقيا ، وقال أبو عبيدة : هما لغتان ، قال أبو جعفر : سقيته يكون بمعنى عرّضته لأن يشرب ، وأسقيته دعوت له بالسقيا ، وأسقيته جعلت له سقيا ، وأسقيته بمعنى سقيته عند أبي عبيدة فنسقيكم بالضم إلّا أنه حكي عن محمد بن يزيد أنه قال : نسقيكم بالفتح هاهنا أشبه بالمعنى. (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) فذكّر فللنحويين في هذا أربعة أقوال : فمن أحسنها مذهب سيبويه أن العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد ثم ذكر الآية كأنه ذهب إلى أن الأنعام تذكّر وتؤنّث ، وقال الكسائي : حكاه عنه الفراء (٢) المعنى نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا ، وقال الفراء (٣) : الأنعام والنعم واحد وهما جمعان فرجع إلى تذكير النعم وحكي عن العرب هذا نعم وارد ، وحكى أبو عبيد عن الكسائي هذا القول وأنشد : [الرجز]

٢٦٣ ـ أكلّ عام نعم تحوونه

يلقحه قوم وتنتجونه (٤)

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ١٧٠.

(٢) و (٣) انظر معاني الفراء ٢ / ١٠٨ و ١٠٩.

(٤) الشاهد لقيس بن حصين في خزانة الأدب ١ / ٤٠٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١١٩ ، ولصبي من بني ـ

٢٥٤

والقول الرابع حكاه أبو عبيد عن أبي عبيدة قال : المعنى نسقيكم مما في بطون أيّها كان له لبن لأنه ليست كلّها لها لبن. (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) نعت.

(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٦٧)

(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) أي ولكم فيما رزقناكم من ثمرات النخيل والأعناب عبرة.

(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٦٨)

(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي) لأنها مؤنّثة والعرب تقول في تصغيرها : نحيل بغير هاء لئلا تشبه الواحدة ، وحكى الأخفش أنها تذكّر (بُيُوتاً) كما تقول ؛ فلس وفلوس ومن كسر الباء أبدل من الضمة كسرة وهو وجه بعيد.

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (٧٠)

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي إلى الهرم لأنه يضعف قوته وعقله فإن قال قائل : فهو إذا كان صبيّا هكذا ولا يقال للصبيّ : هو في أرذل العمر ، فالجواب أنّ الصبي يرجى له العقل والقوة وليس كذا الهرم (لِكَيْ لا يَعْلَمَ) تنصب بكي ولا تحول «لا» بين العامل والمعمول فيه لتصرّفها وأنّها تكون زائدة.

(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٧١)

(فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) ابتداء وخبر.

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (٧٢)

(أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) قيل : يعني الأوثان والأصنام لأنهم لا ينتفعون بعبادتها. (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) الكفر بالنعمة في اللغة على ضربين : أحدهما أن يجحد النعمة ، والآخر أن ينسبها إلى غير المنعم بها أو يجعل له فيها شريكا.

__________________

ـ سعد قيل إنه قيس بن الحصين في المقاصد النحوية ١ / ٥٢٩ ، ولرجل ضبيّ في الأغاني ١٦ / ٢٥٦ ، وبلا نسبة في الكتاب ١ / ١٨٤ ، والأشباه النظائر ٣ / ١٠٢ ، وتلخيص الشواهد ١٩١ ، والردّ على النحاة ١٢٠ ، ولسان العرب (نعم) ، واللمع في العربية ١١٣.

٢٥٥

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٧٣)

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) في نصب شيء قولان : أحدهما أن يكون التقدير : لا يملكون أن يرزقوهم شيئا وهو قول الكوفيين (١) ، ونصبه عند الأخفش وغيره من البصريين على البدل من رزق. قال الأخفش : والمعنى : لا يملكون لهم رزقا قليلا ولا كثيرا ، وقال غيره : لا يجوز أن يكون منصوبا برزق لأنه اسم ليس بمصدر كما لا يجوز : عجبت من دهن زيد لحيته ، حتّى يقول من دهن. (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) على المعنى لأن «ما» في المعنى لجماعة.

(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧٤)

(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) فيه قولان : أحدهما لا تمثّلوا لله جلّ وعزّ بخلقه فتقولوا : هو محتاج إلى شريك ومشاور فإن هذا إنما هو لمن لا يعلم ، ودلّ على هذا (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، والقول الآخر لا تمثّلوا خلق الله جلّ وعزّ به فتجعلوا لهم من الأهبة مثل ما له.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٧٥)

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) أي من الرقّ. (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) أي فكما لا يستوي هذان عندكم فيجب أن لا يسوّوا بين الأصنام وهي لا تعقل ولا تنفع وبين الله جلّ وعزّ في العبادة. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي على ما دلّنا من توحيده (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فيه قولان : أحدهما أنّ فعلهم فعل من لا يعلم وإن كانوا يعلمون والآخر أنهم لا يعلمون وعليهم أن يعلموا.

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٧٦)

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) وإذا كان أبكم ضعيفا فهو ثقيل على وليّه أينما يوجّهه أي إن وجهه لشيء من منافع الدنيا لم يأت بخير. (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) معطوف على المضمر في يستوي وهو توكيد ، وحسن العطف على المضمر المرفوع لمّا وكّدته لأنه التوكيد يعينه فكأنّه بارز من الفعل.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ١١٠ ، والبحر المحيط ٥ / ٥٠٠.

٢٥٦

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٧٨)

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) ومن كسر الهمزة أتبع الكسرة الكسرة ، وكسر الميم بعيد وأمّهات جمع أمّهة ، وقيل : الهاء زائدة كما زيدت في أهرقت.

(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧٩)

(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) أي إلى خلقها كيف خلقت خلقا يتهيّأ لها معه الطيران والثبوت في الجو ، وجعل ذلك تسخيرا منه لها مجازا فقال جلّ ثناؤه : (مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ) و (مُسَخَّراتٍ) حال. (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) لأنه جلّ وعزّ يثبتهنّ بالهواء الذي خلقه تحتهنّ فجعل ذلك إمساكا منه لهن اتساعا.

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) (٨١)

(وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ) أي خلق لكم ما تتّخذون منه سرابيل وأقدركم على عمله وروي عن ابن عباس رحمه‌الله أنه قرأ كذلك تتمّ نعمه عليكم ورفع النعمة. (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) (١) بفتح التاء واللام.

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (٨٣)

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) وإنكارهم إياها إضافتهم إياها إلى غير الله جلّ وعزّ وإشراكهم معه فيها غيره.

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٨٤)

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) والأمة القرن والجماعة فدلّ بهذا على أنّ في كلّ قرن من يطيعه جلّ وعزّ ، ولا يكون الشهيد إلّا مطيعا. (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في الاعتذار. ومعنى لا يؤذن لهم في الاعتذار لا يقال لهم : اعتذروا بل يقال لهم : إن اعتذرتم لم يقبل منكم ، ومثله (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٦] أي لا يعتذرون اعتذارا ينتفع به.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ٥٠٨ ، ومعاني الفراء ٢ / ١١٢.

٢٥٧

(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) (٨٦)

(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) أي أصنامهم التي كانوا يعبدونها تحشر معهم ليوبّخوا بها ويقرّعوا بها في النار. وسماها شركاءهم لأنهم جعلوا لها نصيبا من أموالهم وزرعهم وأنعامهم (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) أنطقوا فقالوا لهم : كذبتم ما كنا آلهة ولا نستحقّ العبادة.

(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٨٧)

(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) استسلموا وانقادوا. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) هلك وزال.

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) (٨٨)

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) أي فوق العذاب الذي كانوا يستحقونه بكفرهم. (بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) بصدّهم الناس عن الإسلام.

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (٨٩)

(تِبْياناً) أي بيانا مثل تلقاء ، ويقال : تبيانا بفتح التاء أي تبيينا.

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠)

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) أي بالإنصاف. (وَالْإِحْسانِ) أي التفضّل. وحقيقة الإحسان في اللغة أنه كلّ فعل حسن (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) وهو صلة الأرحام. (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) وهو كلّ فعل أو قول قبيح (وَالْمُنْكَرِ) كلّ ما تنكره العقول من أفعال أو أقوال (وَالْبَغْيِ) أشدّ الفساد. وحكى القاسم بن سلام أنه يقال : برأ جرحه على بغي إذا برأ وفيه شيء من نغل ، ثم قال جلّ وعزّ : (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) والأصل تتذكّرون أدغمت التاء في الذال.

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١)

(وَأَوْفُوا) على لغة من قال : أوفى ، ويقال : وفى بعهد الله. (إِذا عاهَدْتُمْ) فيه

٢٥٨

قولان : أحدهما بما تقدّم إليكم به وقدّركم عليه ، والآخر أوفوا بما حلفتم عليه ، وهذا أولى وأشبه بالمعنى لأن بعده (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) قال الكسائي : وناس كثير من العرب يقولون : تأكيد وقد أكّدت. قال أبو إسحاق : الأصل الواو والهمزة بدل منها (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) قولهم الله كفيل على هذا وشاهد ، ويكون مجازا فيكون حلفهم كقولهم هذا.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٩٢)

(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) أي فتنقضوا ما قد وكّدتموه وقويتموه. (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) والعرب تسمي الفتلة الوثيقة قوة. قال أبو إسحاق (أَنْكاثاً) يعني المصدر لأن معنى نقض ونكث واحد. قال و (دَخَلاً) منصوب لأنه مفعول له و (أَنْ) في موضع نصب والمعنى بأن تكون أمة هي أكثر من أمة. من ربا الشيء يربو إذا كثر ، وقال الكسائي : المعنى لأن تكون لغة. قال الكسائي والفراء(١) : (أَرْبى) في موضع نصب ، والمعنى مثل (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) [المزمّل : ٢٠] يجعلان «هو» عمادا. قال أبو جعفر : وهذا خطأ عند الخليل وسيبويه (٢) رحمهما‌الله ، ولا يجوز ، ولا يشبه (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) لأن الهاء في «تجدوه» معرفة وأمة نكرة ، ولا يجوز عندهما : ما كان أحد هو جالس ، وقال الخليل : لا تكون هو زائدة إلا مع المعرفة ، وعنده أنّ كونها مع المعرفة زائدة عجب فكيف تزاد مع النكرة؟ فالقول إن «أربى» في موضع رفع لأنه خبر المبتدأ والجملة خبر تكون.

(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٩٤)

(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ) جواب النهي ، والمعنى : فتستحقّ العقوبة بعد أن كانت تستحقّ الثواب.

(ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٦)

(ما عِنْدَكُمْ) في موضع رفع بالابتداء. (يَنْفَدُ) في موضع الخبر. (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) ابتداء وخبر. وقد ذكرنا مثل باق.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ١١٣.

(٢) انظر الكتاب ٢ / ٤١٢.

٢٥٩

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٩٩)

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) مجازه (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) فجاء على تذكير السلطان ، وكثير من العرب يؤنّثه فتقول : قضت به عليك السلطان ، فأعلم الله جلّ وعزّ أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين ، وأعلم جلّ وعزّ في موضع آخر أنّه ليس له سلطان على واحد.

فأما المعنى (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) أي إنه إذا وسوس إليهم قبلوا منه.

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١)

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) وهو الناسخ والمنسوخ لما يعلم الله جلّ وعزّ في ذلك من الصلاح تلبّسوا به فقالوا (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) وهو ابتداء وخبر ، وكذا (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ).

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣)

وقرأ الحسن (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ) (١) «بشر» بغير تنوين و «اللسان» بالألف واللام ، واللسان مرفوع «بشر» مرفوع بفعله و «اللسان» مبتدأ وخبره «أعجميّ» وحذف التنوين من «بشر» لالتقاء الساكنين ، وأنشد سيبويه : [المتقارب]

٢٦٤ ـ ولا ذاكر الله إلّا قليلا (٢)

ومثله قراءة من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ٢] ، وكذا (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس : ٢٠] بنصب النهار. قرأ أقل المدينة وأهل البصرة (يُلْحِدُونَ) (٣) بضم الياء وكسر الحاء ، وقرأ الكوفيون يلحدون (٤) بفتح الياء والحاء ، واللغة الفصيحة «يلحدون» ومنه يقال : رجل ملحد أي مائل عن الحق ، ويبيّن هذا (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ) [الحج : ٢٥] فهذا من ألحد يلحد لا غير ، ويقال : لحدت

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ٥١٩ ، ومختصر ابن خالويه ٧٤.

(٢) مرّ الشاهد رقم (٧٣).

(٣) و (٤) انظر تيسير الداني ١١٣.

٢٦٠