إعراب القرآن - ج ٢

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١١

(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) (١٠)

(سَواءٌ مِنْكُمْ) مرفوع ينوى به التأخير. قال أبو إسحاق : والتقدير : ذو سواء ، كما يقال : رجل عدل ، وقيل : سواء بمعنى مستو وهو مرفوع بالابتداء. قال أبو إسحاق : ولا يجوز عند سيبويه هذا لأنه لا يبتدأ بنكرة. قال أبو جعفر : والمعنى أنه يستوي عند الله جلّ وعزّ هؤلاء وعلمه بهم واحد ، وقال حسان : [الوافر]

٢٤٣ ـ فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء (١)

أي بمنزلته عند الله جلّ وعزّ.

(لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وال) (١١)

(لَهُ مُعَقِّباتٌ) جمع معقّبة والهاء للمبالغة ولهذا جاز (يَحْفَظُونَهُ) على التذكير (مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي حفظهم إياه من أمر الله جلّ وعزّ ؛ أمرهم أن يحفظوه مما لم يقدر عليه وقيل المعنى أن المعقبات من أمر الله جلّ وعزّ وهذان الجوابان على قول من قال : أنّ المعقّبات الملائكة وأما من قال : أن المعقّبات الشّرط فالمعنى عنده : يحفظونه من أمر الله على قولهم. (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) فيه قولان : أحدهما أن المعنى : إن الله لا يغيّر ما بإنسان من نعمة وكرامة ابتدأ بها بأن يعاقبه أو يعذبه إلا أن يغيّر ما بنفسه ، والقول الآخر : إن الله جلّ وعزّ لا يغيّر ما بقوم مؤمنين صالحين فيسميهم كافرين فاسقين إلا أن يفعلوا ما يوجب ذلك ولا يأمر بإذلالهم إلّا أن يغيّروا ما بأنفسهم : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) فحذّرهم الله جلّ وعزّ بعد أن أعلم أنّه يعلم سرائرهم وما يخفون. (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) أي من وليّ ينصرهم ويمنع منهم.

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) (١٢)

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) ابتداء وخبر. (خَوْفاً وَطَمَعاً) على المصدر. وقول أهل التفسير خوفا للمسافر وطمعا للحاضر على الأكثر. وحقيقته على العموم لكلّ من خاف أو طمع (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) جمع سحابة فلهذا نعت بالثقال.

(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (١٣)

(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) أهل التفسير يقولون : الرّعد اسم ملك فهذا حقيقة ،

__________________

(١) الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه ٧٦ ، وتذكرة النحاة ص ٧٠ ، والدرر ١ / ٢٩٦ ، ومغني اللبيب ٦٢٥ ، والمقتضب ٢ / ١٣٧ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ص ٨٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٨.

٢٢١

وقيل ؛ أنّه مجاز وأنه الصّوت فيكون معنى يسبح يدلّ على تنزيه الله جلّ وعزّ من الأشباه فنسب التسبيح إليه مجازا.

(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) (١٤)

(وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ) أي وما دعاء الكافرين الأوثان. (إِلَّا فِي ضَلالٍ) عن الصواب وعن الانتفاع بالإجابة.

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١٥)

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قد تكلّم العلماء في معنى هذا ، ومن أحسن ما قيل أنّ السجود هاهنا الخضوع لتدبير الله جلّ وعزّ وتصريفه من صحّة وسقم وغيرهما. (طَوْعاً وَكَرْهاً) أي ينقادون على ما أحبّوا أو كرهوا لا حيلة لهم في ذلك ، وظلالهم أيضا منقادة لتدبير الله جلّ وعزّ وإجرائه الشمس بزيادة الظلّ ونقصانه وزواله بتصرّف الزمان وجري الشّمس على ما دبّره جلّ وعزّ.

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١٦)

(هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي المؤمن والكافر. (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) أي الكفر والإيمان.

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) (١٧)

(فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) قال أهل التفسير : أي بقدر ملئها ، وقيل : ما قدّر لها. (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) تم الكلام ثم قال جلّ وعزّ (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ) رفع بالابتداء عند البصريين ، وقال الكسائي : ارتفع لأن معناه مما توقدون عليه في النار زبد ، قال : وهو الغثاء. وقد غثى يغثي غثيا وغثيانا وهو ما لا ينتفع به مثله أي مثل زبد البحر. (كَذلِكَ) في موضع نصب ، (فَأَمَّا الزَّبَدُ) أي من هذه الأشياء. (فَيَذْهَبُ جُفاءً) على الحال من قولهم : انجفأت القدر إذا رمت بزبدها ، وهو الغثاء أيضا.

٢٢٢

(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٨)

(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) في موضع رفع يجوز أن يكون التقدير جزاء الحسنى ، وقيل : هو اسم للجنة. أولئك لهم سوء الحساب والمناقشة والتوبيخ وإحباط الحسنات بالسيئات.

(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) (٢٠)

(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) في موضع رفع على البدل من قوله جلّ وعزّ (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (٢١)

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) أي يصلون أرحامهم ومن أمر الله جلّ وعزّ بإكرامه وإجلاله من أهل الطاعة.

(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٢)

(وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي يدفعون ، إذا همّوا بالسّيئة فكّروا فارتدعوا ودفعوها بالاستغفار والإقلاع. وهذا حسن من الفعل ، وينهون أيضا عن المنكر بالموعظة أو بالغلظة فهذا كلّه حسن. (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٤)

(جَنَّاتُ عَدْنٍ) بدل من عقبى. (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) وهذا من مشكل النحو لأن أكثر النحويين يقولون : ضربته وزيد ـ قبيح حتى يؤكد المضمر ، فتكلّم النحويون في هذا حتى قال جماعة منهم : قمت وزيد ، جيد بألف لأن هذا ليس بمنزلة المجرور لأن المجرور لا ينفصل بحال ، وكان أبو إسحاق يذهب إلى أن الأجود : قمت وزيدا بمعنى معا إلّا أن يطول الكلام فتقول : قمت في الدار وزيد ، وضربتك أمس وزيد وإن شئت نصبت. وإنما ينظر في هذا إلى ما كان منفصلا فيشبّه بالتوكيد. قال أبو جعفر : يجوز عندي ـ والله أعلم ـ أن يكون «من» في موضع رفع ويكون التقدير أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم لهم عقبى الدار.

(وَالْمَلائِكَةُ) ابتداء. (يَدْخُلُونَ) في موضع الخبر ، والتقدير : يقولون : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ).

٢٢٣

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) (٢٧)

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) هذا أيضا على التعنّت بعد أن رأوا الآيات.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٢٨)

(الَّذِينَ آمَنُوا) في موضع نصب على البدل من (من). (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أي بوعده. (أَلا) تنبيه. (بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) أي قلوبهم.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (٢٩)

(الَّذِينَ آمَنُوا) في موضع رفع بالابتداء وخبره (طُوبى لَهُمْ) ويجوز أن يكون (الَّذِينَ) في موضع نصب بدلا من «من» وبمعنى أعني ، ويجوز أن يكون (طُوبى) في موضع نصب بمعنى جعل الله لهم طوبى.

(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) (٢٠)

(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ) الكاف في موضع نصب والأمة الجماعة.

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣١)

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) «أنّ» في موضع رفع أي لو وقع هذا وللعلماء في هذه الآية أقوال منها أن الجواب محذوف ، والتقدير لكان هذا القرآن ، وقيل : التقدير لما آمنوا. قال الكسائي : المعنى : وددنا أنّ قرآنا سيّرت به الجبال فهذا بغير حذف ، وللفراء فيها قول حسن. قال : يكون الجواب فيما قبله أي وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيّرت به الجبال. (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) على الحال. (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) وفيه لغات : يقال : يائس ويقال : ييئس على فعل يفعل ، ويقال يئس يئس ، المستقبل على لفظ الماضي. (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) في موضع نصب.

(أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٣٣)

(أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) رفع بالابتداء ، والخبر ، محذوف دلّ عليه

٢٢٤

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) قال الكسائي والفراء : التقدير كشركائهم (قُلْ سَمُّوهُمْ) أي سموهم بخلق خلقوه أو فعل فعلوه بقدرتهم (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) قيل : معناه ليس له حقيقة ، وقيل : أو بظاهر من القول قد ذكر في الكتب. وقرأ يحيى ابن وثّاب (وَصُدُّوا) بكسر الصاد لأن الأصل صددوا فقلبت حركة الدال على الصاد.

(لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) (٣٤)

(لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لعنة الله جلّ وعزّ إياهم ومعاداة المؤمنين لهم.

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) (٣٥)

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) رفع بالابتداء عند سيبويه ، والتقدير عنده : فيما يقصّ عليكم مثل الجنّة أو مثل الجنّة فيما نقصّ عليكم ، وقال الفراء (١) : الرافع له (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) والمعنى الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار كما يقال : حلية فلان أسمر. قال محمد بن يزيد : من قال : مثل بمعنى صفة فقد أخطأ لأنه إنما يقال : مثل عمرو «ومثل» مأخوذ من المثال والحذو ، وصفة مأخوذة من التحلية والنعت ، وإنما التقدير : فيما يقصّ عليكم مثل الجنة. (أُكُلُها دائِمٌ) وفيها كذا وفيها كذا. (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا) ابتداء وخبر ، وكذا (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ).

(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) (٣٦)

(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) قيل : يعني به المؤمنين والكتاب القرآن. (وَمِنَ الْأَحْزابِ) أي الذين تحزّبوا على عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنون ينكرون ما لم يوافقهم ، وقيل الذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى يفرحون بالقرآن لأنه مصدق بأنبيائهم وكتبهم وإن لم يؤمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣٩)

(وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي إلا بأن يأذن له أن يسأل الآية فيعلم أنّ في ذلك صلاحا. (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) أي لكل أمة كتاب مكتوب وأمر مقدّر مقضيّ

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٦٥.

٢٢٥

تقف عليه الملائكة ليعلم بذلك قدرة الله جلّ وعزّ ، وكذلك (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) وقد بيّنّا معنى (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (١).

(وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (٤٠)

(وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ) في موضع جزم بالشرط ودخلت النون توكيدا.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤١)

(نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) جمع طرف. وقد ذكرنا قول أهل التفسير فيه ، وقال عبد الله بن عبد العزيز : الطرف الكريم من كل شيء وجمعه أطراف كما قال الأعشى : [الطويل]

٢٤٤ ـ هم الطّرف النّاكي العدوّ وأنتم

بقصوى ثلاث تأكلون الوقائصا (٢)

قال : وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «العلم أودية في أيّ واد أخذت منه حسرت فخذ من كلّ شيء طرفا» أي خيارا وقال الله جلّ وعزّ (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أي من علمائها ، والعلماء هم الخيار الكرماء ، ومنه «ما يدري أيّ طرفيه أطول» (٣) أي ما يدري الكرم يأتيه من ناحية أبيه أو من ناحية أمه لبلهه؟ والطّرف : الفرس الكريم ، والطّارف ما استفيد.

(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) (٤٢)

(فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي لله جلّ وعزّ المكر الثابت الذي يحيق بأهله. ومعنى المكر من الله جلّ وعزّ أن ينزل العقوبة بمن يستحقها من حيث لا يعلم. (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ) والكافر بمعنى واحد يؤدّي عن جمع.

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٤٣)

(قُلْ كَفى بِاللهِ) في موضع رفع. (شَهِيداً) على البيان. (وَمَنْ عِنْدَهُ) في موضع خفض عطفا على اللفظ ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على المعنى. (عِلْمُ الْكِتابِ) رفع بالابتداء.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ٣٨٧.

(٢) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٩٩ ، ولسان العرب (طرف) ، وتهذيب اللغة ١٣ / ٣٢١ ، وتاج العروس (طرف) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ٨٩٥. «الباد والعدوّ».

(٣) انظر مجمع الأمثال رقم (٣٥٠٣).

٢٢٦

(١٤)

شرح إعراب سورة إبراهيم عليه السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١)

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) أي هذا كتاب أنزلناه إليك في موضع رفع على النعت لكتاب. (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) لام كي ، والتقدير ليخرج الناس (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) والأذن يستعمل بمعنى الأمر مجازا (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).

(اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٢)

(اللهِ) على البدل والرفع على الابتداء ، وإن شئت على إضمار مبتدأ ، وكذا (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ).

(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (٣)

قال أبو إسحاق : عوجا مصدر في موضع الحال. قال أبو جعفر : وسمعت علي بن سليمان يقول: هو منصوب على أنه مفعول ثان وهذا مما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف ، والتقدير ويبغون بها عوجا.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤)

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) نصب بلام كي. (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) مستأنف ، وعند أكثر النحويين لا يجوز عطفه على ما قبله ، ونظيره (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ

٢٢٧

وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) [الحج : ٥] وأنشد النحويون : [الرجز]

٢٤٥ ـ يريد أن يعربه فيعجمه (١)

قال أبو إسحاق : يجوز النصب (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) على أن يكون مثل (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] أي صار أمرهم إلى هذا.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥)

يجوز أن تكون «أن» في موضع نصب أي بأن أخرج قومك. وهذا مذهب سيبويه كما يقال : أمرته أن قم والمعنى أمرته أن يقوم ثم حمل على المعنى كما قال : [الكامل]

٢٤٦ ـ وأنا الذي قتلت بكرا بالقنا (٢)

ويجوز أن تكون «أن» لا موضع لها من الإعراب مثل : أرسلت إليه أن قم ، والمعنى أي قم ، ومثله قوله سبحانه (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦].

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٦)

(يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ) في موضع آخر بغير واو ، إذا كان بالواو فهو عند الفراء(٣) بمعنى يعذّبونكم ويذبّحونكم فيكون التذبيح غير العذاب الأول ويجوز عند غيره أن يكون بعض الأول ، وإذا كان بغير واو فهو تبيين للأول وبدل منه كما أنشد سيبويه : [الطويل]

٢٤٧ ـ متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (٤)

__________________

(١) الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ١٨٦ ، والكتاب ٣ / ٥٩ ، وللحطيئة في ديوانه ٢٣٩ ، والأزهية ٢٤٢ ، والدرر ٦ / ٨٦ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٦ / ١٤٩ ، والمقتضب ٢ / ٣٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣١ ، ولسان العرب (حضض).

(٢) الشاهد للمهلهل بن ربيعة في المقتضب ٤ / ١٣٢ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٦ / ٧٣ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٥٨ ، وشرح المفصّل ٤ / ٢٥ وعجزه :

«وتركت تغلب غير ذات سنام»

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٦٨.

(٤) الشاهد لعبيد بن الحرّ في خزانة الأدب ٩ / ٩٠ ، والدرر ٦ / ٦٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٦ ، وسرّ صناعة الإعراب ص ٦٧٨ ، وشرح المفصّل ٧ / ٥٣ ، وبلا نسبة في الكتاب ٣ / ١٠٠ ، ورصف المباني ص ٣٢ ، وشرح الأشموني ٤٤٠ ، وشرح المفصّل ١٠ / ٢٠ ، ولسان العرب (نور) والمقتضب ٢ / ٦٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٨.

٢٢٨

(وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٨)

(فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) كسرت إنّ لأن ما بعد الفاء في المجازاة مستأنف واللام للتوكيد.

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (٩)

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) على البدل ولم يخفض ثمود لأنه جعل اسما للقبيلة ، ويجوز خفضه يجعل اسما للحيّ. (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) في موضع خفض معطوف. (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) رفع بالفعل. (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ).

وإن شئت حذفت الضمّة من السين لثقلها. (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) فإذا أفردت قلت : فم والأصل فجمع على أصله مثل حوض وأحواض.

(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١)

(وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ) في موضع رفع بكان.

(وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (١٢)

(وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) واللازم أذي يأذى أذى.

(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) (١٤)

(ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) ومن أمال أراد أن يدلّ على أنه من خفت.

(وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (١٥)

(وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) ويجوز رفع عنيد نعتا لكلّ.

(يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) (١٧)

(يَتَجَرَّعُهُ) أي تكرهه الملائكة على ذلك ليعذّب به. (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) أي ينزل من حلقه. (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أي يأتيه ما يمات منه من كلّ مكان من جسده. (وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) قيل : من وراء ما يعذّب به عذاب آخر غليظ.

٢٢٩

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٨)

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) التقدير عند سيبويه (١) والأخفش : وفيما يقصّ عليكم ، وقال الكسائي : إنما مثل أعمال الذين كفروا كرماد ، وقال غيره (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ. (أَعْمالُهُمْ) بدل منه ، والتقدير : مثل أعمالهم ، ويجوز أن يكون مبتدأ ثانيا كما حكي صفة فلان أنّه أحمر. قال الفراء (٢) ولو قرأ قارئ بالخفض أعمالهم جاز ، وأنشد : [الرجز]

٢٤٨ ـ ما للكمال مشيها وئيدا (٣)

(فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) على النسب عند البصريين بمعنى ذي عاصف ، وأجاز الفراء أن يكون بمعنى في يوم عاصف الريح ، وأجاز أيضا أن يكون عاصف للريح خاصّة ثم يتبعه يوما ، قال : وحكى نحويون : هذا جحر ضبّ خرب (٤). قال أبو جعفر : هذا مما لا ينبغي أن يحمل كتاب الله جلّ وعزّ عليه ، وقد ذكر سيبويه أن هذا من العرب غلط واستدلّ بأنهم إذا ثنّوا قالوا : هذان جحرا ضبّ خربان ؛ لأنه قد استبان بالتثنية والتوحيد ، ونظير هذا الغلط قول النابغة (٥) : [الكامل]

٢٤٩ ـ أمن آل ميّة رائح أو مغتدي

عجلان ذا زاد وغير مزوّد

زعم البوارح أنّ رحلتنا غد

وبذاك خبّرنا الغراب الأسود

فلا يجوز مثل هذا في كلام ولا لشاعر نعرفه فكيف يجوز في كتاب الله جلّ وعزّ ثم أنشد الفراء بيتا : [البسيط]

٢٥٠ ـ يا صاح بلّغ ذوي الزّوجات كلّهم

أن ليس وصل إذا انحلّت عرى الذّنب (٦)

__________________

(١) انظر الكتاب ١ / ١٩٦.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٧٣.

(٣) الرجز للزبّاء في لسان العرب (وأد) ، و (صرف) و (زهق) ، وأدب الكاتب ص ٢٠٠ ، والأغاني ١٥ / ٢٥٦ ، وأوضح المسالك ٢ / ٨٦ ، وجمهرة اللغة ص ٧٤٢ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٩٥ ، والدرر ٢ / ٢٨١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٩ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٢ ، ومغني اللبيب رقم (٨١٧) ، وللزباء أو للخنساء في المقاصد النحوية ٢ / ٤٤٨ ، وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١٥٩ ، ومقاييس اللغة ٦ / ٧٨ ، وكتاب العين ٧ / ١١٦ ، وأساس البلاغة (وأد) ، وبعده :

«أجندلا يحملن أم صديدا»

(٤) انظر الكتاب ١ / ١١٣.

(٥) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ٨٩ ، والبيت الأول في الأزهيّة ١١٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٣٣ ، والخصائص ١ / ٣٤٠.

(٦) الشاهد لأبي الغريب النصري في خزانة الأدب ٥ / ٩٠ ، والدرر ٥ / ٦٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ـ

٢٣٠

وزعم أن أبا الجراح أنشده إياه بخفض «كلّهم» ، وهذا مما لا يعرج عليه لأن النصب لا يفسد الشعر ، ومن قرأ «في يوم عاصف» بغير تنوين أقام الصفة مقام الموصوف أي في يوم ريح عاصف.

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) (٢١)

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) أي من قبورهم ونصب (جَمِيعاً) على الحال. (تَبَعاً) بمعنى ذي تبع ، ويجوز أن يكون جمع تابع. قال علي بن سليمان التقدير سواء علينا جزعنا وصبرنا.

(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٢)

(إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) في موضع نصب استثناء ليس من الأول. (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) بفتح الياء لأن ياء النفس فيها لغتان : الفتح والتسكين إذا لم يكن قبلها ساكن فإذا كان قبلها ساكن فالفتح لا غير ، ويجب على من كسرها أن يقرأ (هِيَ عَصايَ) [طه : ١٨] بكسر الياء ، وقد قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة (بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي) (١) بكسر الياء ـ قال الأخفش سعيد : ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من النحويين ، وقال الفراء : لعلّ الذي قرأ بهذا ظنّ أن الباء تخفض الكلمة كلّها. قال أبو جعفر : فقد صار هذا بإجماع لا يجوز وإن كان الفراء قد نقض هذا وأنشد : [الرجز]

٢٥١ ـ قال لها هل لك يا تافيّ

قالت له ما أنت بالمرضيّ (٢)

ولا ينبغي أن يحمل كتاب الله جلّ وعزّ على الشّذوذ. ومعنى (بِما أَشْرَكْتُمُونِ) من قبل أنه قد كان مشركا قبلهم ، وقيل : من قبل الأمر.

(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) (٢٦)

(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) ابتداء وخبر ، وأجاز الكسائي والفراء : ومثل

__________________

ـ ٢ / ١١ ، وتذكرة النحاة ص ٥٣٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٩٦٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٢٨ ، ولسان العرب (زوج) ، ومغني اللبيب ص ٦٨٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٥.

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ٤٠٨ ، ومعاني القرآن ٢ / ٧٥.

(٢) الشاهد للأغلب العجلي في الخزانة ٢ / ٢٥٧ ، وبلا نسبة في معاني القرآن ٢ / ٧٦ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٠٩ ، والمحتسب ٢ / ٤٩.

٢٣١

كلمة خبيثة على النسق وحكيا أن في قراءة أبيّ وضرب مثل كلمة خبيثة (١).

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (٢٨)

(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) مفعولان.

(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) (٢٩)

(جَهَنَّمَ) منصوب على البدل من دار ، ولم تنصرف لأنها مؤنّثة معرفة مشتقّة من قولهم : ركيّة جهنّام (٢) إذا كانت مقعّرة.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) (٣٠)

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) نصب بلام كي وبعضهم يسميها لام العاقبة. والمعنى أنه لما آل أمرهم إلى هذا كانوا بمنزلة من فعل ذلك ليكون هذا.

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) (٣١)

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) في (يُقِيمُوا) للنحويين أقوال : قال الفراء : تأويله الأمر. قال أبو إسحاق بمثل هذا قال المعنى ليقيموا الصلاة ثم حذفت اللام لأنه قد تقدم الأمر قال: ويجوز أن يكون مبنيا لأن اللام حذفت وبني لأنه بمعنى الأمر. قال أبو جعفر : وسمعت علي بن سليمان يقول : حدثنا محمد بن يزيد عن المازني قال : التقدير : قل للذين آمنوا أقيموا الصلاة يقيموا ، وهذا قول حسن لأن المؤمنين إذا أمروا بشيء قبلوا فهو جواب الأمر. (وَيُنْفِقُوا) عطف عليه. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) جعلت «لا» بمعنى ليس ، وإن شئت رفعت ما بعدها بالابتداء ، ويجوز رفع الأول ونصب الثاني بغير تنوين وبتنوين ، ويجوز نصب الأول بغير تنوين ورفع الثاني بتنوين ونصبه بتنوين. قال الأخفش : خلال جمع خلّة وقال أبو عبيد : هو مصدر مثل القتال ، وأنشد : [الطويل]

٢٥٢ ـ ولست بمقليّ الخلال ولا قال (٣)

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) (٣٣)

(دائِبَيْنِ) على الحال أي دائبين فيما يؤدّي إلى صلاح الناس.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ٤١٠.

(٢) جهنام : بعيدة القعر.

(٣) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ٣٥ ، ولسان العرب (خلل) ، وتهذيب اللغة ٦ / ٥٦٧ ، وصدره :

«صرفت الهوى عنهنّ من خشية الرّدى»

٢٣٢

(وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٣٤)

(وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) في معناه أقوال فمذهب الفراء من كل سؤالكم ، كما تقول : أنا أعطيته سؤاله وإن لم يسأل شيئا أي ما لم يسأل لسأله ، وقال الأخفش : وآتاكم من كل ما سألتموه شيئا ، (أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ٢٣] أي من كلّ شيء في زمانها شيئا. قال : ويكون على التكثير ، وحكى سيبويه : ما بقي منهم مخبّر ، وذلك معروف في كلام العرب ، وفيه قول رابع وهو أنّ الناس قد سألوا على تفرّق أحوالهم الأشياء فخوطبوا على ذلك.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٣٥)

(رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) مفعولان. (وَاجْنُبْنِي) ويقال على التكثير : جنّبني ، ويقال: أجنبني. (أَنْ نَعْبُدَ) في موضع نصب والمعنى من أن نعبد الأصنام.

(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٦)

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) أي من أهل ديني ومن أصحابي ، (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي له إن تاب.

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (٣٧)

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ) وحذف المفعول لأن «من» تدلّ عليه وكذا (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي).

(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) (٤٢)

(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) مفعولان.

(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (٤٣)

وقال أبو إسحاق (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) نصب على الحال. والمعنى ليوم تشخص فيه أبصارهم مهطعين أي مسرعين (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) رفع بيرتد. (وَأَفْئِدَتُهُمْ) مبتدأ. (هَواءٌ) خبره.

(وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) (٤٤)

(وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ليس لجواب الأمر ولكنه معطوف

٢٣٣

على يأتيهم أو مستأنف. وقد أشكل هذا على بعض النحويين حتّى قال : لا ينصب جواب الأمر بالفاء ، وهذا خلاف ما قال الخليل رحمه‌الله وسيبويه ، وقد أنشد النحويون : [الرجز]

٢٥٣ ـ يا ناق سيري عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا (١)

وإنّما امتنع النصب في الآية لأن المعنى ليس عليه (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) أي من زوال عمّا أنتم عليه من الأمهال إلى الانتقام والمجازاة.

(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (٤٦)

(وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) «إن» بمعنى «ما» وهذا يروى عن الحسن كذا ، وأنّ مثله (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) [يونس : ٩٤] ، وكذا (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزخرف : ٨١] وقد قيل في هاتين الآيتين غير ما قال وذلك في مواضعهما ، وقرأ مجاهد وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال (٢) بفتح اللام ورفع الفعل ، وبه قرأ الكسائي ، وكان محمد بن يزيد فيما حكي عنه يختار فيه قول قتادة. قال : هذا لكفرهم مثل قوله جلّ وعزّ : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) [مريم : ٩٠]. قال أبو جعفر : وكان أبو إسحاق يذهب إلى أن هذا جاء على كلام العرب لأنهم يقولون : لو أنك بلغت كذا ما وصلت إلى شيء وإن كان لا تبلغه وكذا في «إن» ، وأنشد سيبويه : [الطويل]

٢٥٤ ـ لئن كنت في جبّ ثمانين قامة

ورقّيت أسباب السّماء بسلّم (٣)

وروي عن عمر وعلي وعبد الله رضي الله عنهم أنهم قرءوا وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال (٤) ، بالدال ورفع الفعل. والمعنى في هذا بين وإنما هو تفسير وليس بقراءة.

(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) (٤٧)

(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) مجاز كما يقال : معطي درهم زيدا ، وأنشد سيبويه : [الطويل]

٢٥٥ ـ ترى الثّور فيها مدخل الظّلّ رأسه

وسائره باد إلى الشّمس أجمع (٥)

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٢٠٢).

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٧٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٢٦ ، ورويت هذه القراءة عن الإمام علي.

(٣) الشاهد للأعشى في ديوانه ص ١٧٣ ، وشرح المفصّل ٢ / ٧٤ ، ولسان العرب (سبب) و (ثمن) و (رقا).

(٤) انظر مختصر ابن خالويه ٦٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٢٥ ، وهي قراءة علي وعمر وعبد الله وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبيّ وأبي إسحاق السبيعي وزيد بن علي.

(٥) الشاهد بلا نسبة في الكتاب ١ / ٢٤٠ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢١٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٣٥ ، والدرر ٦ / ٣٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٣.

٢٣٤

(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤٨)

(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) اسم ما لم يسمّ فاعله (غَيْرَ الْأَرْضِ) خبره. وفي معناه قولان : أحدهما أنها تبدّل أرضا غير هذه وفي هذا أحاديث ، والقول الآخر أنّ تبديلها إذهاب جبالها وجعلها قاعا صفصفا ، وتبديل السماء انفطارها وانتثار كواكبها وتكوير شمسها ، كما يقال : بدّلت خاتمي أي غيّرته عمّا كان عليه.

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) (٤٩)

(مُقَرَّنِينَ) نصب على الحال ، (مُقَرَّنِينَ) معطوفة أيديهم وأرجلهم إلى أعناقهم بالسّلاسل والأغلال. والقرن بفتح الراء الحبل الذي يجمع به بين الشيئين. قال جرير : [البسيط]

٢٥٦ ـ وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن (١)

(هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٥٢)

(هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) ابتداء وخبر أي هذا الوعظ قد بلغ لهم إن اتّعظوا (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) لام كي ، والفعل محذوف لعلم السامع. (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) عطف عليه.

__________________

(١) الشاهد لجرير في ديوانه ١٢٨ ، والكتاب ٢ / ٩٣ ، وجمهرة اللغة ١٣٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٧ ، وكتاب الصناعتين ٢٤ ، ولسان العرب (لزز) و (قعس) و (قنعس) ، و (لين) ، والمقتضى ٤ / ٤٦ ، وبلا نسبة في الردّ على النحاة ٧٤ ، وشرح المفصّل ١ / ٣٥.

٢٣٥

(١٥)

شرح إعراب سورة الحجر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (١)

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) التقدير هذا تلك آيات الكتاب.

(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (٢)

(رُبَما) فيه ثمانية أوجه : قرأ الأعمش وحمزة والكسائي (رُبَما) (١) مثقلة ، وقرأ أهل المدينة وعاصم (رُبَما) (٢) مخفّفة. والأصل الثقيل ، والعرب تخفف المثقّل ولا تثقل المخفف. وقال سيبويه (٣) : لو سميت رجلا رب مخفّفة ثم صغرته رددته إلى أصله فقلت : ربيب. قال إسماعيل بن إسحاق : حدثنا نصر بن علي عن أبيه عن الأصمعي قال : سمعت أبا عمرو بن العلاء يقرأ «ربما» مخفّفة ومثقلة. قال : التخفيف لغة أهل الحجاز والثقيل لغة تميم وقيس وبكر. وحكى أبو زيد أنه يقال : ربّتما وربّتما ، وهذا على تأنيث الكلمة. فهذه أربع لغات وحكى أبو حاتم : ربما وربّما وربتما وربتما. ولا موضع لها من الإعراب عند أكثر النحويين لأنها كافة جيء بها لأن ربّ لا يليها الفعل ، فلما جئت بما وليها الفعل عند سيبويه لا غير إلّا في الشعر فإنه يليها الابتداء والخبر ، وأنشد : [الطويل]

٢٥٧ ـ صددت فأطولت الصّدود وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم (٤)

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١١٠.

(٢) انظر تيسير الداني ١١٠.

(٣) انظر الكتاب ٣ / ٥٠٢ قال (ولو حقرت «ربّ» مخفّفة لقلت ربيب).

(٤) الشاهد لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ٥٠٢ ، والكتاب ١ / ٦٢ ، وللمرار الفقعسي في ديوانه ٤٨٠ ، والأزهيّة ٩١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٢٦ ، والدرر ٥ / ١٩٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٠٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٠٧ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١ / ١٤٥ ، والخصائص ١ / ١٤٣ ، والدرر ٦ / ٣٢١ ، وشرح المفصّل ٧ / ١١٦ ، ولسان العرب (طول) و (قلل) ، والمحتسب ١ / ٩٦ ، والمقتضب ١ / ٨٤ ، والممتع في التصريف ٢ / ٤٨٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٣.

٢٣٦

والجيد قوله :

٢٥٨ ـ وطال ما وطال ما وطالما

سقى بكفّ خالد وأطعما (١)

والذي حكيناه قول الخليل وسيبويه ، وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أن هذا جائز في الكلام والشعر كما أن إنما يكون بعدها الفعل والابتداء والخبر ، وسمعت محمد بن الوليد يقول : ليس في حروف الخفض نظير لربّ لأن سبيل حروف الخفض أن يضاف بها قبلها إلى ما بعدها وسبيل ربّ أن يضاف ما بعده من الفعل إلى ما قبله ، وزعم الأخفش أنه يجوز أن تكون «ما» في موضع خفض على أنها نكرة أي ربّ شيء أو ربّ ودّ. يقال : وددت أنّ ذلك كان ، إذا تمنيته ودّا لا غير ، ووددت الرجل ، إذا أحببته ودّا ، بضم الواو ومودّة وودادة وودادا.

(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٣)

(ذَرْهُمْ) في موضع أمر فيه معنى التهديد ، ولا يقال : وذر ولا واذر ، والعلة فيه عند سيبويه أنهم استغنوا عنه بترك ، وعند غيره ثقل الواو فلما وجدوا عنها مندوحة تركوها ، (يَأْكُلُوا) جواب الأمر (وَيَتَمَتَّعُوا) عطف عليه.

(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (٤)

في موضع الحال ، وفي غير القرآن يجوز حذف الواو. ودلّ بهذا على أن كل مهلك ومقتول فبأجله.

(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) (٨)

(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) (٢) الأصل تتنزّل فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩)

والأصل في (إِنَّا) إنّنا (نَحْنُ) في موضع نصب على التوكيد بإنّ ويجوز أن تكون في موضع رفع على الابتداء ، ويجوز أن تكون لا موضع لها تكون فاصلة. (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) اللام الأولى لام خفض والثانية لام توكيد ولم يحتج إلى فرق في المضمر لاختلاف العلامة.

(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) (١٢)

(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر ، وقد تكلّم الناس في

__________________

(١) ورد صدر الشاهد فقط في مجالس ثعلب ٣٢٦.

(٢) انظر تيسير الداني ١١٠.

٢٣٧

المضمر هاهنا فقيل : هو كناية عن التكذيب ، وقيل : عن الذكر ، وقيل : هو مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي عقوبته.

(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (١٥)

(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) (١٤) ولغة هذيل يعرجون ، وفي المضمر قولان : أحدهما أن التقدير : فظل الملائكة ، والآخر أن التقدير : ولو فتحنا على هؤلاء الكفار المعاندين بابا من السماء فأدخلناهم فيه ليعرجوا إلى السماء فيكون ذلك آية لتصديقك لدفعوا العيان ، وقالوا إنما سكّرت أبصارنا وسحرنا حتى رأينا الشيء على غير ما هو عليه ، ويقال : سكر وسكّر على التكثير أي غطّي على عقله ، ومنه قيل : سكران ، وهو مشتق من السّكر.

(وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) (١٨)

(وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ).

(مِنْ) في موضع نصب. قال الأخفش : استثناء خارج ، وقال أبو إسحاق : يجوز أن تكون «من» في موضع خفض ، ويكون التقدير إلا ممّن استرق السمع.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (١٩)

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) على إضمار فعل.

(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) (٢٠)

قال الفراء (١) : «من» في موضع نصب والمعنى وجعلنا لكم فيها المعايش والإماء والعبيد. قال : ويجوز أن يكون «من» في موضع خفض أي ولمن لستم له برازقين ، والقول الثاني عند البصريين لحن لأنه عطف ظاهرا على مكنيّ مخفوض ، ولأبي إسحاق فيه قول ثالث حسن غريب قال «من» معطوفة على تأويل لكم ، والمعنى : أعشناكم أي رزقناكم ورزقنا من لستم له برازقين.

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١)

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) أي نحن مالكون له وقادرون عليه ، وقيل : يعني به المطر.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٨٦.

٢٣٨

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) (٢٢)

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) قد ذكرناه ، وقرأ طلحة ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة وأرسلنا الريح لواقح (١) وهذا عند أبي حاتم لحن لأن الريح واحدة فلا تنعت بجمع. قال أبو حاتم : يقبح أن يقال: الريح لواقح. قال وأما قولهم : اليمين الفاجرة تدع الدار بلاقع. فإنّما يعنون بالدّار البلد كما قال عزّ وتعالى: (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) [الأعراف : ٧٨]. وقال أبو جعفر : هذا الذي قاله أبو حاتم في قبح هذا غلط بيّن ، وقد قال الله جلّ وعزّ : (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) [الحاقة : ١٧] يعني الملائكة لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك ، وكذا الريح بمعنى الرياح ، وقال سيبويه : وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء ، وحكى الفراء في مثل هذا جاءت الريح من كلّ مكان يعني الرياح.

(وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٢٥)

(إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) حكيم في تدبيره عليم به.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢٦)

قد ذكرناه (٢). ومن أحسن ما قيل فيه قول ابن عباس رحمه‌الله قال : «مسنون» على الطريق ، وتقديره على سنن الطريق وسننها ، وسننها ، وإذا كان كذلك أنتن وتغيّر لأنه ماء منفرد.

(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٢٧)

وروي عن الحسن أنه قرأ والجانّ خلقنه (٣) بالهمز كأنه كره اجتماع الساكنين. والأجود بغير همز ولا ينكر اجتماع ساكنين إذا كان الأول حرف مد ولين والثاني مدغما. (وَالْجَانَ) نصب بإضمار فعل.

(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٢٩)

فقوله (ساجِدِينَ) نصب على الحال.

(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠)

مذهب الخليل وسيبويه (٤) أنه توكيد بعد توكيد ، وقال محمد بن يزيد : أجمعون يفيد أنهم غير متفرّقين. قال أبو إسحاق : هذا خطأ ولو كان كما قال لكان نصبا على الحال.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١١٠.

(٢) انظر معانيه في البحر المحيط ٥ / ٤٤٠.

(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٧١ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٤٠.

(٤) انظر الكتاب ٢ / ٤٠٧.

٢٣٩

(إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣١)

(إِلَّا إِبْلِيسَ) قال أبو إسحاق : استثناء ليس من الأول يذهب إلى قول من قال : إن إبليس ليس من الملائكة ولا كان منهم. وهذا قول صحيح يدلّ عليه أن الله جلّ وعزّ أخبرنا أنه خلق الجانّ من نار والملائكة لم تخلق من نار.

(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣٢)

(ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ) في موضع نصب.

(قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٣٨)

ليس إجابة له إلى ما سأل وإنما هو على التهاون به إذ كان لا يصل إلى ضلال أحد إلّا من لا يفلح لو لم يوسوسه.

(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣٩)

(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) فيه أقوال : فمن أحسنها أن المعنى : بما خيّبتني من الجنة يقال : غوى إذا خاب وأغواه خيّبه ومنه : [الطويل]

٢٥٩ ـ ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما (١)

(إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠)

(إِلَّا عِبادَكَ) نصب على الاستثناء.

(قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) (٤١)

(قالَ هذا صِراطٌ). مبتدأ وخبر (عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) من نعته. قال زياد بن أبي مريم : «عليّ» هي إليّ يذهب إلى أن المعنى واحد. قيل : فيه معنى التهديد أي إليّ مرجعه وعلى طريقه ، وقيل : على بيانه أي ضمان ذلك.

(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٤٢)

(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) الأصل في ليس عند سيبويه ليس قال سيبويه (٢) : وأما (ليس) فمسكّنة من نحو صيد كما قالوا : علم ذاك. قال أبو جعفر : كان يجب على أصول العربية أن يقال : لاس لتحرّك الياء وتحرّك ما قبلها. قال سيبويه (٣) : فجعلوا إعلاله إزالة الحركة ؛ لأنه لا يقال منه : يفعل ولا فاعل ولا مصدر ولا اشتقاق ، وكثر في كلامهم

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم ٥٦.

(٢) انظر الكتاب ٤ / ٤٨٦.

(٣) انظر الكتاب ٤ / ٤٨٦.

٢٤٠