الأربعين في أصول الدين - ج ١

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

الأربعين في أصول الدين - ج ١

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة الكليّات الأزهريّة
المطبعة: مطبعة دار التضامن
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤
الجزء ١ الجزء ٢

الحجة الثالثة : لما كان العرض محتاجا فى تحققه وثبوته (٢) الى جوهر ، امتنع كون الجوهر محتاجا فى وجوده الى شيء من الأعراض ، والا وقع الدور.

الحجة الرابعة : شرط قيام البقاء بالجوهر : حصول الجوهر فى الزمان الثانى ، فلو كان حصول الجوهر فى الزمان الثانى ، معللا بالبقاء ، لزم الدور. وهو محال.

وأحتج مثبتو البقاء بهذا التفسير فقالوا : الجوهر حصل فى الزمان الثانى ، مع جواز أن يصير معدوما. والجائز مفتقر الى المخصص ، ويستحيل أن يكون ذلك المخصص الا البقاء. فكان القول بوجود البقاء حقا.

وهذا الكلام مبنى على مقدمات :

المقدمة الأولى : ان الجوهر حصل فى الزمان الثانى. والخلاف فيه مع «النظام» ـ كما يقال ـ فانه زعم : أن الجسم متجدد حالا بعد حال. والدليل على كون الجوهر جائز البقاء لذاته : ان كون ماهيته قابلة للوجود ، أمر من لوازم الذات. فتكون هذه القابلية حاصلة أبدا. واذا كان كذلك ، كان جائز الوجود فى الزمان الثانى والثالث. وذلك يقتضي كون الجسم جائز البقاء. واعلم : أن هذا الكلام متين. الا أنه يلزم عليه صحة بقاء الأعراض.

المقدمة الثانية : ان الجوهر فى الزمان الثانى ، جائز العدم. وزعم قوم. أنه بعد حدوثه ، يمتنع عليه العدم. والدليل على كونه جائز العدم : أن ماهيته قبل وجوده ، كانت موصوفة بالعدم. فثبت :

__________________

(٢) وبقائه : ا

٢٦١

أن هذه الماهية قابلة للعدم ، وهذه القابلية من لوازم هذه الماهية. فهذه الماهية قابلة للعدم أبدا. وهذا يقتضي كون الجسم جائز العدم فى الزمان الثانى.

المقدمة الثالثة : لما ثبت أن الجسم حصل فى الزمان الثانى ، مع جواز أن يصير معدوما. فالجائز لا بد له من المقتضى. وذلك المقتضى اما أن يكون أمرا عدميا أو وجوديا. وعلى التقديرين فاما أن يكون مختارا أو موجبا. فهذه أقسام أربعة :

القسم الأول : أن يقال : انه انما بقى لأن الفاعل المختار ما أعدمه. وهذا قول من قال الاعدام بالقدرة جائز ـ وهو أحد قولى «القاضى أبى بكر» من أصحابنا. وقول «أبى الحسن الخياط» من قدماء المعتزلة. وهو قول «محمود الخوارزمى» من متأخرى المعتزلة ـ ومن الناس من أنكر ذلك. وقال : القدرة صفة مؤثرة ، والعدم نفى محض فاسناد العدم الى القدرة محال.

والقسم الثانى : أن يقال : انه انما بقى. لأن له ضدا متى وجد ، لزم من وجوده عدمه. واذا لم يوجد ذلك الضد ، لزم بقاءه. وهذا مذهب «أبى على» و «أبى هاشم» و «القاضى عبد الجبار بن أحمد» من المعتزلة. وزعموا : أن ذلك الضد هو عرض يخلقه الله تعالى لا فى محل ، ويسمونه بالبقاء.

وجمهور أصحابنا أبطلوا هذا القول من وجهين :

الحجة الأولى : ان المضادة حاصلة من الجانبين ، فليس انقطاع الباقى لطريان الحادث ، أولى من اندفاع الحادث ، لوجود الباقى. وقالوا : بل اندفاع الحادث لوجود الباقى أولى. وذلك لأن الحادث أضعف من الباقى ، بدليل : أن الحادث لا يوجد الا عند المقتضى ، والباقى يبقى بدون المقتضى. وذلك يدل على أن الباقى أقوى.

٢٦٢

الحجة الثانية : ان طريان الضد الحادث مشروط بزوال الضد الباقى ، فلو كان زوال الضد الباقى معللا بطريان الضد الحادث ، لزم الدور. وهو محال.

والقسم الثالث : أن يقال : الجوهر انما بقى لأن الفاعل المختار ، يبقيه. قالوا : وهذا أيضا محال. وذلك لأن ايجاد الموجود ، وتحصيل الحاصل محال.

والقسم الرابع : وهو أنه انما بقى لأنه قام بالجوهر فى الزمان الثانى ، أعراض مقتضية لبقاء ذلك الجوهر. ثم نقول : ذلك العرض ، اما أن يكون هو من الأعراض المشهورة ـ وهى الألوان والطعوم والروائح والارادات والقدرة وأمثالها ـ واما أن يكون عرضا زائدا عليها مغايرا لها.

والأول باطل لوجهين :

أحدهما : ان لكل واحد من هذه الأعراض حكما خاصا. فالحركة توجب المتحركية ، والعلم يوجب العالمية. فلو اقتضيت أيضا كون الجوهر باقيا ، لزم أن يصدر عن العلة الواحدة: حكمان مختلفان. وذلك محال.

والثانى : هو أنه ليس تعليل بقاء الجوهر ببعض هذه الأعراض ، أولى من تعليل بقائه بالباقى. فيلزم أن يكون بقاؤه معللا بكل هذه الأعراض ، فيلزم تعليل الحكم الواحد بالعلل الكثيرة. وهو محال. ولما بطلت كل هذه الأقسام ، ولم يبق الا ان يعلل استمرار الجوهر بعرض زائد على هذه الأعراض ، وجب الاعتراف به. وذلك هو البقاء.

والجواب : أنتم لما أثبتم البقاء ، لا يمكنكم أن تقولوا : ان البقاء علة لذات الجوهر. ويدل عليه وجوه :

الأول : ان ذات الجوهر كان موجودا قبل ذلك. فلو كان البقاء علة له ، لكان هذا تحصيلا للحاصل. وهو محال.

٢٦٣

والثانى ـ ان البقاء لا يبقى. فلو كان البقاء علة لذات الجوهر ، لزم من تجدد العلة ، تجدد المعلول. فيلزم أن لا يبقى الجوهر فى الزمان الثانى.

والثالث : هو ان البقاء عرض مفتقر الى الجوهر. فلو كان الجوهر معللا به ، لزم الدور. وهو محال. وأنتم اذا أثبتم البقاء ، لا بد أن تقولوا : انه علة لا لذات الجوهر بل لكونه باقيا. وهو حكم متجدد رائد على الذات. واذا كان الأمر كذلك ، فلم لا يجوز اسناد هذا الحكم المتجدد الى الفاعل المختار. وعلى هذا التقدير لا يلزم ايجاد الموجود لأن الواقع بالفاعل المختار هو هذا الحكم المتجدد ، لا أصل الذات. وعلى هذا التقدير يسقط ما ذكرتموه من الاستدلال.

الفصل الثانى

فى

بقاء البارى سبحانه وتعالى

أكثر أصحابنا قالوا : البقاء صفة قائمة بذات الله تعالى ، تقتضى كونه باقيا. وهذا عندنا باطل. ويدل عليه وجهان :

الحجة الأولى : انا قد بينا أن ذاته تعالى واجبة الوجود لذاته ، من حيث هى هى ، وواجب الوجود لذاته ، لا يكون واجب الوجود لغيره. فاستحال أن يقال : انه تعالى انما بقى لبقاء قائم به.

الحجة الثانية : انه تعالى لو كان باقيا ببقاء ، لكان ذلك البقاء باقيا ببقاء. فاما أن يكون ذلك البقاء باقيا لذاته ، أو لغيره.

فان كان باقيا لذاته ، والذات باقية لأجله ، فحينئذ يكون البقاء موجودا باقيا لذاته ، وتكون الذات باقية تبعا لذلك البقاء. والمستقل

٢٦٤

أولى بأن يكون ذاتا ، والتابع أولى بأن يكون صفة. وحينئذ تصير الذات صفة ، والصفة ذاتا. وهو محال.

وأما ان قلنا : البقاء باق لأجل شيء غيره. فذلك الغير ان كان هو الذات لزم الدور ، لأن بقاء البقاء تبع لبقاء الذات. والذات تبع لبقاء البقاء. وان كان متأخرا (٣) كان الكلام فيه ، كما فى الأول فيلزم التسلسل. وهو محال.

فهذا تمام الكلام فى هذه المسألة.

ولمثبتى البقاء اختلافات فى كيفية بقاء صفات الله تعالى وشيء من تلك الأقاويل ، لا يتوجه على هذه النكتة ، التى لخصناها. وبالله التوفيق.

__________________

(٣) شيئا آخر : ب

٢٦٥

المسألة التاسعة عشرة

فى

أن الله تعالى مرئى

والكلام فيه مرتب على فصول :

الفصل الأول

فى

المقدمتين اللتين يجب تقديمهما.

وهما اثنتان :

الأولى : فى تفسير قولنا الله تعالى مرئى أم لا؟

اعلم : أنا بينا فى مسألة السمع والبصر : أن الابصار حالة زائدة على العلم ، وعلى تأثر الحاسة. وبينا أيضا : أن ذاته تعالى ذات مخالفة لسائر الذوات. فالمراد من قولنا : ان الله تعالى هل يصح أن يرى؟ هو أنه هل تمكن حالة فى الانكشاف والظهور ، نسبتها الى ذاته المخصوصة ، كنسبة الحالة المسماة بالابصار والرؤية ، الى هذه المرئيات ، أم لا؟

المقدمة الثانية : اعلم : أنا بينا أنه ـ سبحانه وتعالى ـ منزه عن أن يكون جسما وجوهرا ، ومختصا بمكان وحيز. ثم انا ندعى أن هذا الشيء الموصوف بهذه الصفات يمكن رؤيته. وهذا القول يخالفنا فيه كل من ليس على مذهبنا. أما الفلاسفة والمعتزلة. فذلك ظاهر. وأما الكرّاميّة والمجسمة. فهم انما يسلمون جواز رؤية الله تعالى ،

٢٦٦

لاعتقادهم أنه جسم وفى مكان. وهم متفقون على أنه تعالى لو لم يكن جسما ، ولم يكن فى مكان ، فانه يمتنع وجوده ، فضلا عن رؤيته.

اذا عرفت هذا ، فنقول : القول بامتناع رؤية هذا الموجود. اما أن ندعى فيه : أنه معلوم بالبداهة ، أو ندعى فيه : أنه معلوم بالاستدلال.

اما دعوى البداهة فباطلة. ويدل عليه وجوه :

الحجة الأولى : ان البديهى متفق عليه بين العقلاء. وهذا غير متفق عليه. فلا يكون بديهيا.

الحجة الثانية : انا اذا عرضنا على عقولنا : رؤية هذا الموجود ، بالتفسير الّذي لخصناه ، وعرضنا على عقولنا : أن الواحد نصف الاثنين ، لم نجد القضية الأولى فى قوة هذه الثانية.

الحجة الثالثة : ان حكم الوهم. والخيال فى معرفة الله تعالى ، اما أن يكون مقبولا أو لا يكون مقبولا. فان كان مقبولا لا يمتنع اثبات ذات منزهة عن الكمية والكيفية والجهة. والمعتزلى يسلم أن ذلك باطل. وان لم يكن مقبولا ، لم يكن حكم الوهم بأن ما كان منزها عن الجهة ، كان غير مرئى : واجب القبول. لأن الوهم والخيال لما صار كل واحد منهما مردود الحكم فى بعض الأحكام ، لم يبق الاعتماد عليهما فى شيء من المواضع.

وبالجملة : فان كان حكم الوهم حقا ، كان الحق مع المجسم. وان كان مردودا ، كان الحق معنا. أما المعتزلى ، فانه يرد حكمه فى اثبات التجسيم والجهة ، ويقبل حكمه فى مسألة الرؤية. فكان كلامه متناقضا.

٢٦٧

فثبت بما ذكرنا : أن من نفى الرؤية بالوجه الّذي ذكرناه ، لا بد أن يعول فى نفيها على الدليل ، لا على ادعاء الضرورة.

وانما قدمنا هذه المقدمة ، لأن هؤلاء المعتزلة فى أول الأمر يلتزمون الاستدلال ، وفى آخر الأمر عند العجز عن تمشية الدليل ، كأنهم يسرعون فى ادعاء الضرورة. فقدمنا هذه المقدمة ، صونا للكلام عن هذا الخبط.

الفصل الثانى

فى

حكاية ما قيل فى هذه المسألة من الدلائل

العقلية ، وذكر المباحث فيها

اعلم : أن جمهور الأصحاب عولوا فى اثبات أنه تعالى يصح أن يرى على دليل الوجود. وأما نحن فعاجزون عن تمشيه ، ونحن نذكر ذلك الدليل ، ثم نوجه عليه ما عندنا من الاعتراضات.

قالوا : ثبت أن الجوهر يصح أن يرى ، واللون يصح أن يرى ، والجواهر والألوان تشتركان فى صحة الرؤية. وهذه الصحة حكم حادث ، فلا بد لها من علة. والحكم المشترك يجب تعليله بعلة مشتركة ، لامتناع تعليل الأحكام المتساوية بالعلل المختلفة. والمشترك بين الجواهر والأعراض ، اما الحدوث واما الوجود. لا جائز أن تكون علة هذه الصحة ، هى الحدوث. لأن الحدوث عبارة عن وجود حاصل ، وعدم سابق. والعدم لا يجوز أن يكون جزءا من المقتضى. واذا سقط العدم عن درجة الاعتبار ، لم يبق الا الوجود ، والوجود مشترك فيه بين الشاهد والغائب ، فاذن وجود الله تعالى علة صالحة لصحة رؤيته. واذا حصلت العلة ، حصل الحكم لا محالة. فوجب القول بصحة رؤيته. هذا حاصل الكلام فى هذا الباب.

٢٦٨

ولقائل أن يقول :

(السؤال الأول) : صحة الرؤية حكم عدمى ، والحكم العدمى لا يجوز تعليله.

وانما قلنا : ان صحة الرؤية حكم عدمى : لأن الصحة حكم عدمى ، واذا كانت الصحة أمرا عدميا ، كانت صحة الرؤية أمرا عدميا (١).

وانما قلنا : الصحة أمر عدمى لوجهين :

الأول : الدلائل الكثيرة المذكورة فى مسألة حدوث الأجسام ، على أن الصحة والامكان يمتنع أن يكون صفة موجودة.

والثانى : ان الصحة لو كانت صفة موجودة ، فلا شك أن العالم قبل وجوده ، صحيح الوجود. وكانت تلك الصحة صفة موجودة أيضا ، فيستدعى موصوفا موجودا. وذلك يوجب القول بقدم العالم. وهو محال. فثبت : أن الصحة ليست صفة ثابتة ، ولا حالة ثبوتية البتة. وانما قلنا : ان الصحة لما لم تكن حكما ثابتا ، امتنع كون صحة الرؤية حالة ثابتة. وذلك لأن صحة الرؤية صحة مخصوصة بكيفية مخصوصية ، ولما كان أصل الصحة غير ثابت ، امتنع أن تكون كيفيتها وصفتها ثابتة ، لامتناع قيام الثابت بالنفى المحض. فثبت : أن صحة الرؤية ليست صفة ثابتة ولا حكما ثابتا. واذا ثبت هذا ، امتنع تعليل هذه الصحة ، لأن التعليل عبارة عن تأثير أمر فى أمر ، والعدم نفى محض وسلب صرف ، فيمتنع أن يكون علة ومعلولا.

السؤال الثانى :

هب أن صحة الرؤية حكم ثابت ، فلم قلتم : ان كل حكم ، فانه يجب تعليله. والدليل عليه : اتفاق المتكلمين على أن من الاحكام ما يعلل ، ومنها ما لا يعلل. ولذلك فان صحة المعلومية (٢) والمذكورية

__________________

(١) وجب القول بكون صحة الرؤية حكما عدميا : ب

(٢) صحة المرئية والمعلومية : ب

٢٦٩

والمخبرية ، لا تعلل. لأن هذه الاحكام ثابتة فى المعدومات ، والعدم لا يصلح للعلية ـ على ما قررتموه فى دليلكم ـ وأيضا : القدر فى الشاهد لا تصلح لخلق الجسم ، فهى مشتركة فى هذا الحكم. ولا يمكن تعليل هذا الحكم بكونها قدرا ، والا لزم أن لا تصلح القدرة القديمة لخلق الجسم ، ولا يمكن تعليل هذا الحكم بكونها قدرا حادثة ، لأنكم بينتم فى دليلكم أن الحدوث لا يصلح أن يكون علة ، ولا أن يكون جزء علة. فثبت ان هذا الحكم المشترك فيه بين هذه القدرة : غير معلل بشيء أصلا.

السؤال الثالث : سلمنا أن صحة الرؤية حكم ثابت. وان كان حكما عدميا ، لكن الحكم العدمى يجب تعليله. لكن لا نسلم أن صحة الرؤية حكم مشترك بين الجوهر والعرض. وذلك لأن صحة كون السواد مرئيا ، مخالفة لصحة كون البياض مرئيا. والدليل عليه : أنه يمتنع قيام كل واحدة من هاتين الصحتين مقام الأخرى ، بدليل : أن الجوهر يمتنع أن يرى سوادا ، والسواد يمتنع أن يرى جوهرا. ولو تساوت الصحتان لقامت كل واحدة منهما مقام الاخرى.

لا يقال : هب أن هاتين الصحتين نوعان مختلفان فى النوعية ، لكنهما مشتركان فى جنس واحد ، وهو كونه صحة الرؤية. وهذا الحكم واحد ، بحسب الوحدة الجنسية. وحينئذ يعود التقريب.

لأنا نقول : انه لا نزاع فى أن الأحكام المختلفة بحسب النوعية ، وان كانت متحدة فى الجنس ، فانه يجوز تعليلها بعلل مختلفة فى الماهية. والدليل عليه : ان المتحركية والساكنية والعالمية والقادرية ، وان كانت مختلفة بحسب الوحدة النوعية ، لكنها متحدة بحسب الوحدة الجنسية. فانها بأسرها صفات وأحوال. ثم أنها مع ذلك تعلل بعلل مختلفة فى الماهية والحقيقة. فثبت : أن هذا غير ممتنع.

٢٧٠

السؤال الرابع :

هب أن صحة رؤية الجوهر وصحة رؤية العرض ، حكمان متماثلان. لكن لم لا يجوز تعليل الحكمين المتماثلين بعلتين مختلفتين؟

والّذي يدل عليه وجوه :

الأول : ان الأشياء المختلفة لا يمتنع اشتراكها فى لوازم متساوية والدليل عليه : ان المختلفين يشتركان فى صحة الاختلاف. فانه كما أن هذا مخالف لذاك ، فذاك مخالف لهذا. فمسمى الاختلاف مشترك فيه. وكذا القول فى الضدين.

والثانى : وهو أن السواد بخصوص كونه سوادا ، يصح أن يكون معلوما. وكذا البياض بخصوص كونه بياضا ، يصح أن يكون معلوما. وهذه أحكام متساوية معللة بخصوصيات هذه الماهيات. وهى مختلفة.

الثالث : وهو ان الماهيتين اذا اشتركتا من وجه ، اختلفتا من وجه آخر. ولا شك أن ما به الاشتراك ، مغاير لما به الامتياز.

اذا ثبت هذا فنقول : اما أن لا تكون بين الاعتبارين ملازمة أصلا ، واما أن يكون كل واحد منهما مستلزما للآخر ، واما أن يكون ما به المشاركة مستلزما لما به الممايزة ، واما أن يكون بالعكس.

والقسم الأول باطل. والا لانفك كل واحد من هذين الاعتبارين عن الآخر ، وحينئذ لا يحصل من مجموعهما حقيقة واحدة. هذا خلف. والثانى والثالث : أيضا باطل. اذ لو كان ما به الاشتراك مستلزما لما به الامتياز ، لما كان ما به الامتياز موجبا للمائزة. وذلك محال ، فلم يبق الا القسم الرابع. وهو أن يكون ما به الممايزة ، مستلزما لما به المشاركة. وهذا يقتضي الجزم بتعليل الأشياء المتساوية بالعلل المختلفة.

٢٧١

الرابع : لو وجب تعليل الحكم المشترك بوصف مشترك ، لكان صحة كونه موصوفا بذلك الوصف المشترك ، معللة بوصف آخر مشترك فيه. والكلام فيه كما فى الأول فيلزم التسلسل. وهو محال. فعلمنا : أنه لا بد من انتهاء تعليل الأحكام المشتركة الى خصوصيات الماهيات. وحينئذ يلزم تعليل الأحكام المتساوية بالماهيات المختلفة.

لا يقال : الدليل على أن تعليل الأحكام المتساوية بالعلل المختلفة لا يجوز. وذلك لأن هذا الحكم لما كان معللا بهذه العلة لذاته ، والحكم الثانى مساويا للحكم الأول فى الماهية. والمتساويان فى الماهية يجب استواؤهما فى اللوازم ، فيلزم أن يكون الحكم الثانى مستندا الى ما يماثل تلك العلة. فثبت : أن الحكمين المتساويين يجب تعليلهما بعلتين متماثلتين.

لأنا نقول : ان صح هذا الكلام ، لزم تعليل جميع الأحكام المتماثلة بعلة واحدة بالشخص. لأن كون هذا الحكم معللا بهذه العلة المعينة ، أمر ثبت له لذاته ، والحكم المماثل له ، مساو له فى تمام الماهية. فيلزم فى مثل ذلك الحكم : أن يكون معللا بعين تلك العلة. وبالاتفاق هذا باطل. وكذا ما ذكرتموه.

ثم نقول : لم لا يجوز أن يقال : اسناد هذا الحكم الى هذه العلة ، ليس متولدا من ذات الحكم ، بل العلة المخصوصة لذاتها توجب ذلك الحكم ، ولما حصل ذلك الحكم بتلك العلة ، وجب اسناده الى تلك العلة ، لا لأن ذاته يوجب الاسناد إليها ، بل لأجل أن تكون العلة مستلزمة له ، فوجب اسناده إليها. وهذا كلام دقيق ، لا بد من التأمل فيه.

والسؤال الخامس :

هب أنه لا بد لهذا الحكم المشترك من علة مشتركة فيها ، فلم قلتم :

٢٧٢

انه لا مشترك بين الجوهر والعرض الا الحدوث والوجود؟ وما الدليل على هذا الحصر؟ وعدم العلم بالشيء ، لا يدل على عدم الشيء ، والسبر والبحث لا يفيد الا الظن الضعيف. ثم نقول : هاهنا مشترك آخر ، وهو كون الشيء ممكن الوجود لذاته.

لا يقال : الامكان لا يصلح علة للرؤية. ويدل عليه وجوه :

الأول : ان الامكان عدمى ، فلا يصلح للعلية.

الثانى : ان الامكان قائم فى المعدومات ، ولا يصح رؤيتها.

والثالث : لو كان الامكان علة للرؤية ، لزم صحة رؤية جميع الممكنات والخصم لا يقول به.

لأنا نقول : نحن انما ذكرنا الامكان للقدح فى قولكم : انه لا مشترك بين الجوهر والعرض ، الا الحدوث والوجود ، لا لبيان أن نجعله علة لصحة الرؤية.

وأيضا : فنحن نبحث عن الوجوه التى ذكرتم.

أما الأول : فنقول : صحة الرؤية عبارة عن علة امكان الرؤية ، فان كان الامكان عدميا ، كانت صحة الرؤية أيضا عدمية. ولا يبعد تعليل حكم عدمى بعلة عدمية.

وأما الثانى : فلم لا يجوز أن تكون صحة (٣) علة الرؤية للمجموع الحاصل من الامكان والوجود؟

وأما الثالث : فهو أن الخصم أخطأ فى قوله : لا يمكن رؤية بعض الممكنات. ولكن لم يحصل لكم من هذا البرهان صحة رؤية الله تعالى

__________________

(٣) صحة الرؤية : ا

٢٧٣

السؤال السادس :

هب أنه لا مشترك الا الحدوث والوجود. فلم لا يجوز أن تكون العلة هى الحدوث؟ قوله : «الحدوث ماهية مركبة من العدم السابق ، والوجود الحاضر فاذا سقط العدم عن درجة الاعتبار ، لم يبق الا الوجود الحاضر»

قلنا : لا نسلم أن الحدوث عبارة عن الوجود الحاضر والعدم السابق ، بل الحدوث عبارة عن الوجود الحاضر المسبوق بذلك العدم السابق. فلم قلتم بأن كونه مسبوقا بالعدم نفس العدم؟ والدليل عليه : ان الحدوث صفة للوجود وكيفية له ، والعدم نقيض الوجود ومناف له ، ونقيض الشيء لا يكون صفة له ، ولا كيفية له.

السؤال السابع :

هب أن العلة لهذه الصحة هى الوجود. ولكن له قلتم : ان الوجود أمر مشترك فيه بين الواجب والممكن؟ والعجب : أن عند «أبى الحسن الأشعرى» وجود الشيء ذاته وحقيقته. فعلى هذا لما كانت الحقائق مختلفة فى حقائقها ، وجب أن تكون مختلفة فى وجوداتها ومع هذا القول كيف يمكنه أن يقول : الوجود وصف مشترك فيه؟

السؤال الثامن :

هب أن الوجود علة لصحة الرؤية. ولكن كما يعتبر فى حصول الحكم حصول العلة المؤثرة ، يعتبر أيضا حصول المحل القابل ، ويعتبر فيه عدم المانع. ألا ترى أن الحياة علية الجهل والشهوة والنفرة والألم واللذة ، ثم الحياة حاصلة فى ذات الله. وصحة هذه الأشياء غير حاصلة. اما لأن تلك الذات المخصوصة غير قابلة لهذه الأحكام أو لأنه قامت بتلك الذات صفات مانعة من تحقق هذه الأشياء.

٢٧٤

فثبت بهذا : أن مع حصول العلة لا يتحقق الحكم ، الا اذا ثبت أن المحل قابل والمانع زائل. فلم قلتم ان خصوصية ذات الله تعالى قابلة لهذه الصحة؟ ولم قلتم : انه لا يوجد هناك ما يكون مانعا من هذه الصحة؟

السؤال التاسع :

ان القوة اللامسة مدركة للجواهر والأعراض : أما أنها مدركة للجواهر ، فلأنا باللمس نميز بين الطويل والعريض والعميق ، كما أنا ببصرنا ندرك التفرقة بين هذه الأحوال. ولما دل ذلك على كون البصر مدركا للجسم ، وجب أن يدل ذلك على كون اللمس مدركا للجسم. وأما أن القوة اللامسة مدركة للأعراض ، فلأنا ندرك التفرقة بين الحار والبارد. واذا ثبت أن القوة اللامسة مدركة للجواهر والأعراض ، اطرد الدليل الّذي ذكرتم بتمامه. فيلزم أن تكون علة صحة اللمس ، هى الوجود. والله تعالى موجود ، فوجب أن يصح أن يكون ملموسا مذوقا. والتزامه فى غاية البعد.

السؤال العاشر :

قولكم : الوجود علة لصحة الرؤية ، يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون المراد منه : أن يكون الوجود علة لصحة أن يرى الموجود فقط.

والثانى : أن يكون المراد منه : أن الوجود علة لصحة أن ترى الماهية.

اما الأول : فباطل قطعا. وذلك لأن المرئى اذا كان هو الوجود فقط ، والوجود أمر مشترك فيه بين كل الموجودات ، كان المرئى

٢٧٥

لحس البصر أمرا مشتركا فيه بين كل الموجودات ، فوجب أن لا يكون اختلاف المختلفات مدركا بالبصر. وهذا دخول فى السفسطة.

وأما الثانى : فانه يقتضي أن لا تكون علة صحة رؤية السواد ، هى الوجود فقط ، بل أن تكون علة تلك الصحة ، هى مجموع كونه سوادا ، وكونه موجودا. وعلة رؤية البياض هى مجموع كونه بياضا وكونه موجودا. وعلى هذا التقدير يبطل القول بأن علة صحة الرؤية أمر مشترك فيه.

والحاصل : انا ان حملنا الكلام على الوجه الأول ، كانت السفسطة لازمة ، وان حملناه على الوجه الثانى ، يسقط الدليل بالكلية.

السؤال الحادى عشر :

هو أنه تعالى يصح أن يكون مرئيا فى ذاته. لكن لم لا يجوز أن تكون رؤيتنا موقوفة على شرط ، يمتنع ثبوته فى حقنا ، فلا جرم يمتنع المشروط لامتناع ذلك الشرط. وهذا كما أن الجسم فى نفسه يصح أن يكون مخلوقا ، لكنه يمتنع أن يكون مخلوقا لنا. لأن صحة خلق الجسم مشروطة بشرط يمتنع ثبوته فى حقنا. ففاتت هذه الصحة فى حقنا ، لا لأن تلك الصحة فى نفسها فائتة ، بل لأن شرط تلك الصحة فائت فى حقنا. وكذا القول فى مسألتنا.

السؤال الثانى عشر :

ما ذكرتم من الدلائل معارض بما أن الله تعالى قادر على خلق الجواهر وعلى خلق الاعراض. فصحة المخلوقية حكم مشترك فيه بين الجواهر والأعراض ، فلا بد من تعليل هذه الصحة بأمر مشترك بين القسمين. ولا مشترك الا الحدوث أو الوجود. والحدوث باطل ،

٢٧٦

لما ذكرتم. فثبت أن علة صحة المخلوقية هى الوجود. والله تعالى موجود ، فوجب صحة كونه تعالى مخلوقا. ولما بطل هذا الكلام ، فكذا ما ذكرتم.

فهذا ما عندى من الأسئلة على هذا الدليل. وأنا غير قادر على الأجوبة عنها ، فمن أجاب عنها ، أمكنه أن يتمسك بهذا الدليل.

* * *

ولنختم هذه الفصل بخاتمة ، وهى أنا نقول : اعلم : أن الدليل العقلى المعلول عليه فى هذه المسألة هذا الّذي أوردناه ، وأوردنا عليه هذه الأسئلة واعترفنا بالعجز عن الجواب عنها.

اذا عرفت هذا فنقول : مذهبنا فى هذه المسألة ما اختاره الشيخ «أبو منصور (٤) الماتريدي السمرقندى» وهو أنا لا نثبت صحة رؤية الله تعالى بالدليل العقلى ، بل نتمسك فى هذه المسألة بظواهر القرآن والأحاديث (٥). فان أراد الخصم تعليل هذه الدلائل ، وصرفها عن ظواهرها بوجوه عقلية ، يتمسك بها فى نفى الرؤية : اعترضنا على دلائلهم ، وبينا ضعفها ، ومنعناهم عن تأويل هذه الظواهر.

فهذا مجموع المقدمات التى يجب تقديمها قبل الخوض فى الدلائل.

الفصل الثالث

فى

ذكر الدلائل الدالة على جواز رؤية الله تعالى

الحجة الأولى : ان موسى عليه‌السلام سأل الرؤية فى قوله :

__________________

(٤) أبو نصر : ا

(٥) رؤية الله تعالى جاءت فى القرآن على طريقة المحكم والمتشابه. فالحكم هو (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ويسنده قول الله تعالى

٢٧٧

(أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف ١٤٣] ولو كانت الرؤية ممتنعة على الله تعالى ، لما سألها.

ولهم عليه اعتراضات :

السؤال الأول : قال «الكعبى» : لم لا يجوز أن يكون المراد من قوله (أَرِنِي) أن يظهر الله أحوالا تفيد العلم الضرورى ، بوجود الصانع؟ واطلاق لفظ الرؤية على العلم الضرورى الجلى ، مجاز مشهور.

السؤال الثانى : قال «أبو على» و «أبو هاشم» : ان موسى عليه‌السلام انما سأل الرؤية لا لنفسه بل لقومه. والدليل عليه : قوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة ٥٥] ثم ان موسى عليه‌السلام أضاف ذلك السؤال الى نفسه ، حتى يكون ذلك السؤال أولى بالاجابة ولما منعه الله تعالى ، كان ذلك أقوى فى الدلالة على منع الغير.

__________________

لموسى عليه‌السلام : (لَنْ تَرانِي) والمتشابه هو (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وهو يحتمل معنيين : الأول : رؤية ذات الله. والثانى : رؤية نعمه وخيراته. ولأنه متشابه يجب رده الى المحكم. والمتفق مع المحكم هو المعنى الثانى. ومن المتشابه : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) اما عن ذاته ، فيثبت أن المؤمنين يرونه. واما عن رحمته. فتنتفى الرؤية. والمتفق مع المحكم هو حجب الرحمة.

وفى التوراة مثل ما فى القرآن بالمعنى عن الرؤية بالمحكم والمتشابه. فقد قال الله لموسى : «لا يقدر أحد أن يرانى ويعيش» ومنع عنه رؤيته. وقال أشعياء : «حقا أنت إله محتجب يا إله اسرائيل» وفى الإنجيل : «الله لم يره أحد» ولم يجوز رؤية الله من أهل الكتاب الا النصارى. ذلك لأنهم يزعمون أن الله ظهر فى الجسد. وهذا الجسد هو جسد المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام.

٢٧٨

السؤال الثالث : قال «أبو الهذيل» يحتمل أن يقال : ان موسى عليه‌السلام كان عالما بالدلائل العقلية ، أنه تمتنع رؤية الله تعالى. فسأل الله الرؤية ، حتى يرى (٦) الدلائل السمعية المانعة من الرؤية ، فتصير الدلائل السمعية والعقلية متعاضدة متوافقة. وكثرة الدلائل توجب زيادة الطمأنينة ، وقوة اليقين ، وزوال الشك. ولهذا السبب أكثر الله تعالى فى القرآن من ذكر الدلائل الدالة على التوحيد والصفات.

السؤال الرابع : قال بعضهم : لم لا يجوز أن يقال : ان موسى عليه‌السلام ما كان فى ذلك الوقت عالما بامتناع الرؤية على الله تعالى؟ وهذا وان كان مستبعدا ، الا أنه غير مستحيل (٧) ويدل عليه وجوه :

أحدها : ان كل صفة من صفات الله تعالى ، لا يتوقف على معرفتها العلم بصحة النبوة. ثم لم يبعد أن لا تكون تلك الصفة معلومة للأنبياء عليهم‌السلام. وكونه تعالى بحيث يمتنع رؤيته ، لا يتوقف على العلم به ، العلم بصحة النبوة. فعلى هذا لا يمتنع أن تكون هذه الصفة غير معلومة لموسى عليه‌السلام.

الثانى : ان المشهور من أهل السنة أنهم يجوزون المعاصى على الأنبياء عليهم‌السلام حال نبوتهم. فاذا جوزوا ذلك ، فلم لا يجوز هذا الجهل.

الثالث : مذهب أهل السنة أنه يحسن من الله تعالى جميع الأشياء. واذا كان كذلك لم يبعد أن يقال : ان الله تعالى ما أمره بمعرفة هذه الصفة. وعلى هذا التقدير لم يكن ذلك عبثا فى حق موسى عليه‌السلام.

__________________

(٦) يرد : ب

(٧) الا أنه محتمل : ب

٢٧٩

والجواب :

أما السؤال الأول ، فجوابه من وجهين :

الأول : ان موسى عليه‌السلام كان يتكلم مع الله تعالى فى هذا الوقت بلا واسطة ، وفى مثل هذا الوقت يبعد أن يقول : يا إلهى أظهر لى دليلا أعرف به وجودك.

الثانى : انه قال (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ولو كان المراد ما ذكره «الكعبى» لكان يقول : انظر الى دليلك.

وأما السؤال الثانى ، فجوابه من وجهين :

الأول : ان أولئك الذين كانوا يطلبون الرؤية. اما أن يقال : انهم كانوا من المؤمنين ، أو من الكفار. فان كانوا من المؤمنين ، كانوا لا محالة يقبلون قول موسى عليه‌السلام فى أن هذا السؤال غير جائز ، وما كان موسى محتاجا الى اضافة هذا السؤال ، الى نفسه. وان كانوا من الكفار ، فهم لا يصدقونه فى (٨) أن الله تعالى منع العباد من سؤال الرؤية. وعلى التقديرين فإضافة هذا السؤال ، الى نفسه عبث.

الثانى : ان هذا السؤال لو كان محالا ، لمنعهم عنه. ألا ترى أن القوم لما قالوا له : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً ، كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف ١٣٨] منعهم عن هذا الكلام ، وقال : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف ١٣٨].

وأما السؤال الثالث : فجوابه : انه عليه‌السلام اما أن يقال : انه كان شاكا فى الامتناع والجواز ، أو يقال : انه كان قاطعا بالامتناع.

__________________

(٨) فهم لا يقولون بأن الله : ب

٢٨٠