الأربعين في أصول الدين - ج ١

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

الأربعين في أصول الدين - ج ١

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة الكليّات الأزهريّة
المطبعة: مطبعة دار التضامن
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤
الجزء ١ الجزء ٢

أما العقل : فهو أنه تعالى لا بد وأن يكون فى حيز وجهة. واذا ثبت هذا ، وجب أن يكون فى جهة الفوق.

أما المقام الأول : وهو أنه تعالى فى الحيز والجهة ، فاحتجوا عليه بوجهين :

الأول : ان كل موجودين. لا بد وأن يكون أحدهما ساريا فى الآخر ، كالعرض السارى فى الجوهر ، أو يكون مباينا عنه بالجهة ، كالجسمين. والعلم بذلك ضرورى.

والثانى : ان الجسم مختص بالحيز والجهة. وانما كان كذلك ، لأنه قائم بالنفس. والله ـ تعالى ـ يشاركه فى كونه قائما بالنفس ، فوجب أن يكون مشاركا له فى الحصول فى الجهة.

وأما المقام الثانى : وهو أنه تعالى لما ثبت أنه يجب أن يكون فى الجهة. ونقول : يجب أن تكون تلك الجهة هى جهة فوق فيدل عليه وجهان :

الأول : ان أشرف الجهات جهة فوق ، وتخصيص أشرف الجهات بأشرف الموجودات ، هو المناسب المعقول.

والثانى : ان الخلق بمجرد طباعهم وقلوبهم السلمية يرفعون الأيدى الى جهة العلو ، عند الدعاء والتضرع. وذلك يدل على أن فطرتهم تشهد بأن معبودهم فى جهة العلو.

وأما النقل : فهو الألفاظ الموهمة لاثبات الجهة. كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٧) وقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (٨) : وقوله تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٩)

__________________

(٧) طه ٥

(٨) الأنعام ٦١

(٩) النحل ٥

١٦١

والجواب عن الشبهة الأولى : لا شك أن قسمة العقل تقتضى انقسام الموجودات الى ثلاثة أقسام. وذلك لأن كل موجودين فاما أن يكون أحدهما ساريا فى الآخر أو مباينا عنه بالحيز والجهة ، أو لا ساريا فيه ولا مباينا عنه بالحيز. فان ادعيتم أن القسم الثالث ممتنع الوجود ـ والعلم بامتناعه ضرورى ـ فقد ابطلناه. وأن سلمتم أن ابطال هذا القسم الثالث ليس معلوما بالضرورة ، بل بالدليل. فنقول : قولكم : ان كل موجودين اما أن يكون أحدهما ساريا فى الآخر ، أو مباينا عنه بالجهة ، انما يصح عليه ، لو ثبت فساد القسم الثالث. فانكم اذا أثبتم فساد القسم الثالث بهذه المقدمة ، وقع الدور. فيكون ساقطا.

وأما الجواب عن الشبهة الثانية : فنقول : لم لا يجوز أن يكون كون (١٠) الجسم مختصا بالخير والجهة بذاته المخصوصة لا لوصف آخر؟ وذلك لأن اختصاص الذات بالصفة. لو كان لأجل صفة أخرى ، لزم التسلسل. فلا بد من الانتهاء الى ما يكون ثابتا له لذاته. فلم لا يجوز أن يكون كون الجسم مختصا بالحيز والجهة من هذا الباب؟

والجواب عن الشبهة الثالثة : وهى قولهم : أشرف الجهات جهة العلو ـ

فنقول : هذا الكلام ساقط من وجوه :

الأول : ان هذا الكلام مقدمة خطابية ، فلا يلتفت إليها فى العقليات.

والثانى : انا قد بينا أنه لما كان العالم كرة ، كان كل جهة يشار

__________________

(١٠) لكل : ا

١٦٢

إليها فهى وان كانت فوق بالنسبة الى البعض ، لكنها تحت بالنسبة الى الباقين.

والثالث : انه اما أن يقال : لا نهاية لامتداد ذات الله من جهة العلو ، أو يكون لامتداد ذاته نهاية. فان كان الأول لم يفرض فى ذاته نقطة ، الا وفوقها نقطة أخرى. ولا شيء يفرض فيه الا وهو سفل ، لا علو مطلق. وان كان الثانى افترض فوق طرفه العلوى ، خلاء. فكان ذلك الخلاء أعلى منه ، ولم يكن علوا مطلقا.

والرابع : ان الشرف الحاصل بسبب العلو بالجهة ، يكون حاصلا للحيز والجهة بالذات ، ويكون حاصلا للتمكن بالعرض ، بسبب أنه حصل فى ذلك المكان. فحصول هذا الشرف للمكان والجهة ، أتم مما (١١) للمتمكن. فلو كان البارى تعالى حاصلا فى الجهة ، لزم أن يكون المكان أشرف فى هذا الباب من البارى تعالى. وهو محال.

وأما الجواب عن الشبهة الرابعة : فهو أنه لو كان رفع الأيدى الى السماء ، يدل على كون المعبود فى السماء ، لوجب أن يدل وضع الجبهة على الأرض على أنه فى الأرض. ولما بطل ذلك ، فكذا ما قالوا :

وأما الجواب عن الوجوه النقلية : فاعلم أن هاهنا قانونا كليا وهو : أنا اذا رأينا الظواهر النقلية معارضة للدلائل العقلية. فان صدقنا هما معا ، لزم الجمع بين النفى والاثبات ، وان كذبنا هما معا ، لزم رفع النفى والاثبات ، وان صدقنا الظواهر النقلية ، وكذبنا الشواهد (١٢) العقلية القطعية ، لزم الطعن فى الظواهر النقلية

__________________

(١١) ما : ا

(١٢) الدلائل : ب

١٦٣

أيضا. لأن الدلائل العقلية أصل للظواهر النقلية. فتكذيب الأصل لتصحيح الفرع يفضى الى تكذيب الأصل والفرع معا ، فلم يبق الا أن تصدق الدلائل العقلية ويشتغل بتأويل الظواهر النقلية ، أو يفوض علمها الى الله. وعلى التقديرين فانه يظهر أن الظواهر النقلية ، لا تصلح معارضة للقواطع (١٣) العقلية. فهذا هو القانون الكلى فى هذا الباب. ومن أراد الاستقصاء فى تأويل الظواهر الواردة فى القرآن والأخبار فعليه بكتاب «أسرار التنزيل ، وأنوار التأويل»

__________________

(١٣) للقوانين : ا

١٦٤

المسألة التاسعة

فى

أنه تعالى يستحيل أن تحل ذاته (١) فى شيء

ويستحيل أن تحل صفة من صفاته فى شيء

اعلم : أن النصارى يذكرون الحلول تارة ، والاتحاد أخرى. وكلامهم فى غاية الخبط. ونحن نذكر تقسيما مضبوطا فنقول : القوم اما أن يقولوا بالحلول أو بالاتحاد ، أما لذات الله تعالى أو لصفة من صفاته. اما بالنسبة الى روح عيسى عليه‌السلام ، أو بالنسبة الى بدنه. واما أن لا يقولوا بشيء من ذلك ، بل يقولوا : انه تعالى اعطاه قدرة على خلق الأجسام والحياة وعلما بالمغيبات. واما أن لا يقولوا بذلك أيضا ، بل يقولوا : انه تعالى سماه ابنا على سبيل التشريف ، كما سمى ابراهيم ـ عليه‌السلام ـ خليلا على سبيل التشريف فهذه هى الوجوه التى يحتملها كلامهم.

ونقول : أما القول بالحلول فهو باطل. لأنه تعالى لوحل فى شيء. لكان اما أن يحل مع وجوب أن يحل ، أو مع جواز أن يحل والأول باطل لوجهين :

الأول : ان ذلك يقتضي اما حدوث الحال ، أو قدم المحل وكلاهما محالان.

والثانى : انه لما حل مع وجوب أن يحل ، كان ذاته مفتقرة الى ذلك المحل. والمفتقر الى الغير ممكن بالذات.

وأما القسم الثانى ـ وهو أنه تعالى يحل من جواز أن يحل ـ

__________________

(١) فى ذاته شيء : ب.

١٦٥

فهذا أيضا باطل. لأن المعقول من الحلول كون الحال مفتقرا الى المحل ومحتاجا إليه. واذا لم يوجد هذا المعنى ، لم يتحقق معنى الحلول.

فان قيل : لم لا يجوز أن يقال : انه حل مع وجوب أن يحل. قوله : «يلزم اما قدم المحل أو حدوث الحال»

قلنا : لا نسلم ولم لا يجوز أن يقال : ان ذاته يوجب لذاته الحلول فى المحل ، بشرط وجود ذلك المحل. وقبل وجود المحل لم يكن شرط هذا الاقتضاء حاصلا ، فلا جرم لم يحصل هذا الحلول. وبعد وجود المحل ، حصل شرط هذا الاقتضاء ، فلا جرم حصل هذا الحكم على سبيل الوجوب.

وأيضا : فلم لا يجوز أن يقال : المحل يوجب كونه تعالى حالا فيه. وعند وجود هذا المحل ، وجب هذا الحلول ، وقبل وجوده ، لا يجب؟

الجواب : الفرق بين الحال والمحل انما يظهر من حيث ان الحال مفتقر الى المحل. والمحل غنى عنه. فان حصل هذا المعنى ، لزم أن يكون واجب الوجود لذاته ، مفتقرا الى الغير ، فيكون الواجب لذاته ممكن الوجود لذاته. هذا خلف. وان لم يحصل هذا المعنى ، لم يحصل مسمى الحلول. واما القول بالاتحاد فهو أيضا باطل. لأن الشيئين اذا اتحدا ، فهما حال الاتحاد ان كانا باقيين ، فهما اثنان لا واحد. وان عدما معا كان الحاصل ثالثا مغايرا لهما ، وان بقى أحدهما وفنى الآخر امتنع الاتحاد أيضا لان الموجود لا يكون عين المعدوم فثبت بما ذكرنا : أن القول بالحلول والاتحاد باطل.

وأما القول بأنه تعالى خلق فيه القدرة على خلق الجسم. فهذا أيضا باطل. لأنا سنبين : أنه لا قدرة لأحد على الايجاد الا الله تعالى.

١٦٦

وأما القول بأنه ـ تعالى ـ سماه ابنا على سبيل التشريف. فهذا البحث يصير سمعيا. واحتج النصارى على قولهم : بأن عيسى عليه‌السلام أحيى الموتى ، وأبرأ الأكمه ، والأبرص. وهذا لا يمكن الا بالقدرة الالهية.

والجواب : لم لا يجوز أن يقال : انه تعالى هو الّذي أحيى الموتى ، وأبرأ الأكمه فالأبرص ، على وفق دعائه اظهارا لمعجزته؟

ولقد ناظرت بعض النصارى. فقلت له : هل تسلم أنه لا يلزم من عدم الدليل ، عدم المدلول؟ فقال : نعم. فقلت له : ما الّذي يدل على أن ذات الله لم تحل فى بدن زيد ، وفى بدن عمرو ، ولم تحل فى بدن هذه الذبابة وهذه النملة؟ فقال : هذا ممتنع. لأنا انما أثبتنا هذا الحلول فى حق عيسى عليه‌السلام لأنه ظهر على يده احياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص. فاذا لم يظهر شيء من هذه الأشياء على يد زيد وعمرو ، فكيف يمكن اثبات هذا الحلول فى حقه؟ فقلت له : انك سلمت أولا : أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول. واحياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص دليل حصول هذا الحلول عندكم. فلا يلزم من عدم هذا الدليل ، عدم هذا الحلول. فوجب أن تبقى شاكا (١) فى حلول الله فى بدن هذه النملة ، وهذه الذبابة. وكل مذهب أدى الى مثل هذا القول ، فهو خسيس جدا.

وأيضا : كما ظهر احياء الموتى على يدى عيسى عليه‌السلام ، فقد ظهر أيضا على يدى موسى عليه‌السلام لأنه قلب العصا ثعبانا ، بل هو أعجب. لأن انقلاب الخشبة ثعبانا عظيما ، أعجب من انقلاب الميت حيا. فان دلت معجزات عيسى عليه‌السلام على الحلول والاتحاد ، فبأن تدل معجزات موسى على هذا الحلول ـ وبالله التوفيق ـ أولى.

وبالجملة : فمذهب النصارى والحلولية ، أخس وأذل من أن يلتفت العاقل إليه.

__________________

(١) ساكتا : ر

١٦٧

المسألة العاشرة

فى

بيان أنه تعالى يمتنع أن يكون محلا للحوادث

المشهور : أن الكرامية يجوزون ذلك. وسائر الطوائف ينكرونه. ومن الناس من قال : ان أكثر طوائف العقلاء يقولون بهذا المذهب. وأن كانوا ينكرونه باللسان. أما المعتزلة فمذهب «أبى على» و «أبى هاشم» وأتباعهما : أنه تعالى مريد بإرادة حادثة ، لا فى محل. وكاره للمعاصى والقبائح بكراهة محدثة. لا فى محل وهذه الارادات والكراهات. وان كانت موجودة لا فى محل. الا أن صفة المريدية والكارهية ، تحدث فى ذات الله تعالى. وهذا قول بحدوث الحوادث فى ذات الله تعالى.

وأيضا : اذا حضر المرئى والمسموع ، حدثت فى ذات الله تعالى صفة السامعية والمبصرية.

بلى. المعتزلة لا يطلقون لفظ الحدوث. وانما يطلقون لفظ التجدد. وهذا نزاع فى العبارة. وأما «أبو الحسين البصرى» فانه يثبت علوما متجددة فى ذات الله تعالى بحسب تجدد المعلومات.

وأما الأشعرية فانهم يثبتون النسخ ، ويفسرونه بأنه رفع الحكم الثابت ، أو انتهاء الحكم. وعلى التقديرين فانه اعتراف بوقوع التغير ، لأن الّذي ارتفع وانتهى ، فقد عدم بعد وجوده. وأيضا : يقولون : انه تعالى عالم بعلم واحد ، ثم انه قبل وقوع المعلوم يكون متعلقا بأنه سيقع ، وبعد وقوعه يزول ذلك التعلق ، ويصير متعلقا

١٦٨

بأنه كان واقعا. وهذا تصريح بتغير هذه التعلقات. ويقولون أيضا : ان قدرته كانت متعلقة بايجاد الموجود المعين ، من الأزل. فاذا وجد ذلك الشيء ، ودخل ذلك الشيء فى الوجود ، انقطع ذلك التعلق ، لأن الموجود لا يمكن ايقاعه. فهذا اعتراف بأن ذلك التعلق قد زال. وكذا أيضا : الإرادة الأزلية كانت متعلقة بترجيح وجود شيء على عدمه فى ذلك الوقت المعين ، فاذا ترجح ذلك الشيء فى ذلك الوقت ، امتنع بقاء ذلك التعلق ، لأن ترجيح المترجح (٢) محال.

وأيضا : توافقنا على أن المعدوم لا يكون مرئيا ولا مسموعا ، فالعالم قبل أن كان موجودا لم يكن مرئيا ، ولا كانت الأصوات مسموعة. واذا خلق الألوان والأصوات صارت مرئية ومسموعة. فهذا اعتراف بحدوث هذه التعلقات. ولو أن جاهلا التزم كون المعدوم مرئيا ومسموعا ، قيل له : الله تعالى هل كان يرى العالم وقت عدمه معدوما ، أو كان يراه. وجودا؟ لا سبيل الى القسم الثانى. لأن رؤية المعدوم. موجودا غلط. وهو على الله تعالى محال. ثم اذا أوجده فانه يراه. موجودا لا معدوما. والا عاد حديث الغلط. فعلمنا : أنه تعالى كان يرى العالم وقت عدمه معدوما ، ووقت وجوده موجودا. وهذا يوجب ما ذكرناه.

وأما الفلاسفة : فهم مع أنهم أبعد الناس فى الظاهر عن هذا القول ، هم قائلون به. وذلك لأن مذهبهم : أن الاضافات موجودة فى الأعيان. وعلى هذا ، فكل حادث يحدث ، فان الله تعالى يكون موجودا معه. وكونه تعالى مع ذلك الحادث ، وصف اضافى حدث فى ذاته.

__________________

(٢) الراجح : ب

١٦٩

وأما «أبو البركات البغدادى» ـ وهو من أكابر الفلاسفة المتأخرين ـ فانه صرح فى كتابه «المعتبر» باثبات ارادات محدثة ، وعلوم محدثة فى ذات الله تعالى. وزعم : أنه لا يتصور الاعتراف بكونه تعالى إلها لهذا العالم ، الا مع هذا المذهب. ثم قال : «الاجلال من هذا الجلال واجب ، والتنزيه من هذا لتنزيه لازم» فاذا حصل الوقوف على هذا التفصيل ، ظهر أن هذا المذهب قال به أكثر فرق العقلاء ، وان كانوا ينكرونه باللسان.

واعلم : أن الصفات على ثلاثة أقسام : أحدها : صفات حقيقية عارية عن الاضافات. كالسواد والبياض. وثانيها : الصفات الحقيقية التى تلزمها الاضافات. كالعلم والقدرة. وذلك لأن العلم صفة حقيقية تلزمها اضافة مخصوصة الى المعلوم ، وكذا القدرة صفة حقيقية ، ولها تعلق بالمقدور. وذلك التعلق اضافة مخصوصة بين القدرة وبين المقدور. وثالثها : الاضافات المحضة والنسب المحضة. مثل كون الشيء قبل غيره وبعد غيره. ومثل كون الشيء يمينا لغيره أو يسارا له. فانك اذا جلست على يمين انسان ثم قام ذلك الانسان وجلس فى الجانب الآخر منك ، فقد كنت يمينا له ثم صرت الآن يسارا له. فههنا لم يقع التغير فى ذاتك ، ولا فى وصفة حقيقية من صفاتك ، بل فى محض الاضافات.

اذا عرفت هذا ، فنقول : أما وقوع التغير فى الاضافات ، فلا خلاص عنه. وأما وقوع التغير فى الصفات الحقيقية ، فالكرامية يثبتونه ، وسائر الطوائف ينكرونه. فظهر الفرق فى هذا الباب بين مذهب «الكرامية» ومذهب غيرهم.

والّذي يدل على فساد قول «الكرامية» وجوه :

١٧٠

الحجة الأولى : ان كل ما كان من صفات الله تعالى ، فلا بد وأن يكون من صفات الكمال ونعوت الجلال ، فلو كانت صفة من صفاته محدثة ، لكان ذاته قبل حدوث تلك الصفة خاليا عن صفة الكمال. والخالى عن صفة الكمال ناقص ، فيلزم أن ذاته كانت ناقصة قبل حدوث تلك الصفة فيها. وذلك محال. فثبت : أن حدوث الصفة فى ذات الله تعالى محال.

الحجة الثانية : لو كانت ذاته قابلة للصفة المحدثة ، لكانت تلك القابلية من لوازم ذاته ، وكانت تلك القابلية أزلية ـ وثبوت القابلية يستلزم صحة وجود المقبول ـ فلو كانت قابلية الحوادث أزلية ، لكان وجود الحوادث فى الأزل ممكنا. الا أن هذا محال. لان الحوادث ما لها أول ، والأزل لا أول له. والجمع بينهما محال.

واعلم : ان هذا الدليل مبنى على ثلاث مقدمات :

المقدمة الأولى : انه لو كانت ذاته قابلة للصفة المحدثة ، لكانت تلك القابلية من لوازم ذاته. والدليل عليه : أنها لو لم تكن من اللوازم لكانت من العوارض. فكانت الذات قابلة لتلك القابلية ، فقبول (١) تلك القابلية ان كان من اللوازم ، فهو المقصود ، وان كان من العوارض ، فيفتقر الى قابلية أخرى. ويلزم اما التسلسل ، واما الانتهاء الى قابلية تكون من لوازم الذات. وهو المطلوب.

المقدمة الثانية : ان القابلية اذا كانت أزلية (٢) وجب أن يكون المقبول صحيح الوجود فى الأزل. والدليل عليه : ان كون الشيء قابلا لغيره ، نسبة بين القابل والمقبول. والنسبة بين المنتسبين متوقفة

__________________

(١) فنقول : ب

(٢) لذاته : ب

١٧١

على تحقق كل واحد من المنتسبين ، فصحة النسبة تعتمد صحة وجود المنتسبين. ولما كانت صحة اتصاف البارى بالحوادث حاصلة فى الأزل. لزم أن تكون صحة وجود الحوادث حاصله فى الازل.

المقدمة الثالثة : ان حدوث الحوادث فى الأزل غير ممكنة. والدليل عليه. ما ذكرنا أنه يقتضي الجمع بين ثبوت الأزلية وبين عدمها. وكل ذلك محال.

فان قيل : ينتقض ما ذكرتم من الدليلين (٣) بتغير الإضافات ، وينتقض هذا الدليل بعينه بأن القدرة أزلية وتأثيرها فى صحة الفعل من لوازم ذاتها ، مع أنه لا صحة للفعل فى الأزل.

والجواب عن الأول : ان الإضافات لا وجود لها فى الأعيان. والا لزم التسلسل. واذا كان كذلك زال السؤال.

وأما السؤال الثانى : فجوابه : ان وجود القادر يجب أن يكون متقدما على وجود المقدور ، وأما وجود القابل فلا يجب أن يكون متقدما على وجود المقبول. فظهر الفرق.

الحجة الثالثة : قول الخليل عليه‌السلام : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (٤) والأفول : عبارة عن التغير. وهذا يدل على أن المتغير لا يكون إلها أصلا.

أما الكرامية. فقد احتجوا من وجهين :

الحجة الأولى : انهم أقاموا الدلائل على أنه لا بد من الاعتراف بحدوث الكلام والإرادة والسامعية والمبصرية. ثم أقاموا الدلائل على

__________________

(٣) ما ذكرتم بتغير الاضافات : ا

(٤) الأنعام ٧٦

١٧٢

أنه لا بد من قيام الصفة بالموصوف. وحينئذ يحصل من هذين الأصلين كونه تعالى محلا للحوادث.

الحجة الثانية : انهم قالوا : حصلت الموافقة بيننا وبين «الأشعرية» على أنه يصح قيام المعانى بذات الله تعالى فى الجملة. ولا فارق بين المعانى القديمة ، وبين المعانى المحدثة ، الا فى القدم والحدوث. ولا يجوز أن يكون القدم معتبرا فى المقتضى ، لأن القدم عبارة عن نفى الأولية. وذلك قيد عدمى. والقيد العدمى لا يكون داخلا فى المقتضى. واذا سقط القدم عن درجة الاعتبار ، بقى أنه انما يصح قيام تلك المعانى بذات الله تعالى ، لكونها معانى. وصفات الحوادث تشاركها فى هذا المعنى ، فيلزم صحة قيام الحوادث بذات الله تعالى.

والجواب عن الحجة الأولى : انا سنجيب عن دلائلكم فى حدوث الكلام والإرادة والسمع والبصر.

وعن الثانية : لا نسلم أنه لا فارق بين صفات الله تعالى ، وبين هذه الأعراض المحدثة ، الا فى القدم والحدوث. ولم لا يجوز أن تكون تلك الصفات مخالفة لهذه الصفات بأعيانها (٣) وحقائقها المخصوصة؟ سلمنا : أنه لا فارق الا القدم ، فلم لا يجوز أن يكون القدم معتبرا فى المقتضى؟

قوله : «لأنه قيد عدمى» قلنا : لا نسلم. فان القدم عبارة عن نفى العدم السابق ، ونفى النفى ثبوت.

__________________

(٣) لنوعياتها : ب

١٧٣

المسألة الحادية عشرة

فى

بيان كونه تعالى قادرا

والكلام فيه مرتب على فصلين :

الفصل الأول

حقيقة القادر

اعلم : أن القادر هو الّذي يصح منه الفعل والترك ، بحسب الدواعى المختلفة. مثاله: الانسان ان شاء أن يمشى قدر عليه ، وان شاء أن لا يمشى قدر عليه. أما تأثير النار فى التسخين ، فليس كذلك. لأن ظهور التسخين من النار ، غير موقوف على ارادته وداعيته ، بل هو أمر لازم لذاته.

وهاهنا للفلاسفة سؤالات :

السؤال الأول : ان هذا القادر المحكوم عليه بأنه يصح منه الفعل بدلا عن الترك ، ويصح منه الترك بدلا عن الفعل ، اما أن يكون رجحان أحد طرفى الفعل والترك على الطرف الآخر ، موقوفا على انضمام مرجح إليه أو لا يكون كذلك.

لا جائز أن يقال : انه لا يتوقف ذلك الرجحان على المرجح. ويدل عليه وجهان :

الأول : انه لو حصل رجحان أحد الطرفين على الآخر من غير مرجح ، لكان قد حصل الممكن من غير مرجح. وذلك يفضى الى نفى الصانع.

١٧٤

والثانى : انا لما جربنا أنفسنا وجدنا أنه ما لم يحصل فى القلب ميل الى أحد الطرفين ، لم يترجح ذلك الطرف على الآخر. ومتى صار الميل الى الحركة ، الى هذا الجانب والى الحركة الى الجانب الآخر على التساوى ، لم يترجح أحدهما على الآخر. بل بقى الانسان فى موضعه الّذي هو فيه ساكنا متحيرا ، الى أن يظهر المرجح. فحينئذ يحصل الرجحان. فظهر بما ذكرنا : أن القول بأنه يجوز حصول رجحان أحد الطرفين على الآخر ، من غير مرجح باطل وفاسد.

وأما القسم الثانى : وهو أنه لا بد فى هذا الرجحان من مرجح. فنقول : اذا حصلت المرجحات بأسرها ـ وهى القدرة التامة ، والإرادة الجازمة الخالية عن الفتور ، والوقت ، والآلة والمصلحة ، وازالة الموانع العقلية والشرعية. فمع حصول هذه المرجحات. اما أن يكون الترك ممكنا أو غير ممكنا فان كان الترك ممكنا فمع حصول هذه المرجحات تارة يحصل الفعل وتارة يحصل الترك. فاختصاص أحد الوقتين بالفعل والآخر بالترك ، اما أن يتوقف على مرجح ، لأجله اختص أحد الوقتين بالفعل ، والآخر بالترك ، أولا يتوقف. فان توقف على مرجح ، لم يكن الحاصل الأول مرجحا تاما. وكنا قد فرضناه كذلك. هذا خلف.

وأيضا : فلنفرض حصول هذا المرجح. فحينئذ اما أن يكون حصول هذا الفعل فى هذا الوقت جائزا ، أو واجبا. فان كان جائزا ، عاد التقسيم الأول ، وافتقر الى مرجح آخر. ولزم التسلسل. وهو محال. ولما بطل هذا ثبت : أن الفعل واجب الحصول عند حصول كل المرجحات ، وممتنع الحصول عند اختلال قيد من القيود المعتبرة فى الترجيح.

وعلى هذا التقدير ، فالقادر حال ما حصلت المؤثرات بأسرها ، يجب عقلا ، أن يصدر عنه الأثر ، ويمتنع أن لا يصدر. وحال ما لم

١٧٥

توجد المؤثرات بأسرها ، يجب عقلا ، أن لا يصدر عنه الأثر ، ويمتنع أن يصدر وعلى هذا التقدير ، لا يبقى فرق البتة بين القادر والموجب. بل الفرق : أن شرائط التأثير فى حق القادر سريعة التغير. واذا حصلت بعد أن كانت معدومة ، صار القادر واجب التأثير ، واذا زالت بعد أن كانت موجودة ، صار ممتنع التأثير. الا أن هذا التغير (١) انما يعقل فى حق من تكون مؤثريته ، موقوفة على شرائط منفصلة عن ذاته. والبارى تعالى قبل تأثيره فى غيره ، ليس موقوفا على شرائط منفصلة عن ذاته. لأنه تعالى مبدأ لكل ما سواه ، فلا يكون تأثيره فيما سواه موقوفا على شيء منفصل عنه. فلا جرم كان تأثيره فى غيره ، يخص ذاته. وذاته ممتنعة التغير ، فكان تأثيره فى غيره أيضا ممتنع التغير.

وهذا هو السؤال القوى الّذي عليه يعولون ، وبه يصولون.

السؤال الثانى : قالوا : أليس من مذهبكم أن التغير ممتنع فى صفات الله تعالى ، وأن العدم على القديم محال؟ ثم من مذهبكم : ان إرادة الله تعالى كانت متعلقة من الأزل الى الأبد بترجيح وجود ذلك الحادث المعين على عدمه ، وقدرته من الأزل الى الأبد متعلقة بايجاد وجود ذلك الحادث المعين فى ذلك الوقت المعين. فاذا كان التغير ممتنعا فى صفات الله تعالى ، استحال من الله تعالى أن لا يرجح وجود ذلك المراد ، وأن لا يوجد وجود ذلك المقدور. واذا كان الأمر كذلك ، كان تعالى موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار.

السؤال الثلاث : لا شك أنه تعالى عالم بجميع المعلومات. فهو يعلم أن الشيء الفلانى يقع فى الوقت الفلانى ، والشيء الفلانى لا يقع فى الوقت الفلانى وخلاف المعلوم محال الوقوع لان عدم وقوع الشيء مع العلم بوقوع الشيء ، ضدان. والضدان ممتنعان متنافيان

__________________

(١) التغيير : ا

١٧٦

لذاتيهما واذا كان كذلك ، فما علم الله تعالى وقوعه ، كان واجب الوقوع ، ممتنع العدم وما علم عدمه ، كان واجب العدم ، ممتنع الوجود. ولا خروج عن هذين القسمين. فيكون الله تعالى موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار.

السؤال الرابع : الترك عبارة عن البقاء على العدم الأصلي. فالعدم الأصلي لا يصلح أن يكون مقدور الوجهين :

الأول : ان القدرة صفة المؤثرة ، والعدم نفى محض. فلا يكون للمقدور (٢) أثر فيه البتة. فامتنع كون العدم (٣) مقدورا.

الثانى : هو ان العدم الأصلي باق كما كان قبل ذلك ، والباقى حال بقائه لا يكون مقدور. فاذن الترك عبارة عن بقاء الشيء على عدمه الأصلي ، والعدم الباقى لا يصلح أن يكون مقدورا ، نظر الى كونه عدما ، ونظرا الى كونه باقيا. فثبت : أن الترك لا يصلح أن يكون مقدورا البتة. فلم يكن القادر قادرا ، الا على الفعل. ولا قدرة له على الترك البتة. فثبت : أن القادر له صلاحية التأثير فى الوجود ، وليس له صلاحية الترك : فحينئذ ينقلب القادر موجبا ، ولا يبقى بينه وبين الموجب فرق البتة.

فهذه مجموع أسئلة الفلاسفة فى هذا المقام.

والجواب عن السؤال الأول : هو أن نقول :

للمتكلمين فى هذا المقام قولان :

أحدهما : ان صدور الفعل عن القادر موقوف على الداعى.

__________________

(٢) للقدرة : ب

(٣) المعدوم : ا

١٧٧

الا أن الفعل مع الداعى (٤) يصير أولى بالوقوع ، الا أنه لا ينتهى الى حد الوجوب ، فلأجل أنه صار أولى بالوقوع ، صار الوقوع راجحا على اللاوقوع ولأجل أنه لا ينتهى الى حد الوجوب يبقى الفرق بين الموجب والقادر.

واعلم : أن هذا الكلام ضعيف من وجهين :

الأول : وهو ان فى الوقت الّذي كان الفعل والترك فى حيز التساوى ، كان رجحان الوجود على العدم فى ذلك الوقت ممتنعا. وعند ما صار أحد الطرفين مرجوحا ، كان دخول المرجوح فى الوجود حال كونه مرجوحا أولى بالامتناع ، لأنه حال كونه مرجوحا ، أضعف منه حال كونه مساويا. واذا كان دخول المرجوح فى الوجود ممتنعا ، كان دخول الراجح فى الوجود واجبا. ضرورة أنه لا خروج عن طرفى النقيض.

والثانى : ان عند حصول كل مرجحات الوجود. اما أن يكون العدم ممتنعا ، أو لا يكون. فان كان ممتنعا كان الوجود واجبا. وهو المطلوب. وان لم يكن العدم ممتنعا ، لم يلزم من فرض هذا العدم محال ، فلنفرض مع حصول كل مرجحات الوجود تارة : حصول الوجود. وأخرى : حصول العدم. فاختصاص أحد الوقتين بحصول الوجود ، والوقت الثانى بحصول العدم. ان لم يتوقف على مرجح مع أن نسبة كل تلك المرجحات الى هذين الوقتين على السوية ، فقد ترجح الممكن المساوى على الآخر من غير مرجح. وهو محال. وان توقف على انضمام مرجح إليه ، لم يكن الحاصل قبل ذلك كل المرجحات. وكنا قد فرضنا حصول كل المرجحات. هذا خلف.

ثم انا ننقل التقسيم المذكور الى هذه الحالة. وهو ان بعد

__________________

(٤) الدواعى : ب

١٧٨

حصول هذا القيد وهذا المرجح ، ان كان التأثير واجبا. فهو المقصود. وان لم يكن واجبا عاد التقسيم. وافتقرنا الى قيد آخر ، ولزم التسلسل ، أو الانتهاء الى الوجوب. وهذا كلام قطع لا رجاء فى دفعه.

القول الثانى للمتكلمين فى هذا المقام : وهو ان صدور الفعل عن القادر ، لا يتوقف على انضمام الداعى والمرجح إليه. وهذا القول اختيار أكثر العلماء. وتقريره : ان العطشان اذا خير بين شرب قد حين متساويين من جميع الوجوه ، فانه يختار أحدهما على الآخر لا لمرجح. وكذلك الجائع اذا خير بين أكل رغيفين متساويين من جميع الوجوه. وكذا الهارب من السبع الضارى ، اذا عن له طريقان ، فانه يختار احدهما لا لمرجح. فثبت : أن صدور الفعل عن القادر لا يتوقف على الداعى.

قالت الفلاسفة : الاعتراض على هذا الكلام من وجهين

الأول : انه اذا جاز فى العقل رجحان أحد طرفى الجائز على الآخر لا لمرجح أصلا ، لم يكن الاستدلال برجحان أحد طرفى فى الممكن على الطرف الآخر ، على وجود المرجح ، طريقا صحيحا. واذا كان لا سبيل الى اثبات الصانع الا بهذا الطريق ، ثم صار هذا الطريق مطعونا فيه ، لزم بطلان الاستدلال بالامكان والحدوث على اثبات الصانع.

الثانى : انا اذا جربنا من أنفسنا فى القدحين والرغيفين والطريقين ، علمنا : أنه ما لم يحدث فى قلبنا ، ميل وداعية الى اختيار أحدهما دون الآخر ، فانا لا نختار ذلك المعين ، دون الآخر ، أو اذا علمنا : أنه لا بد فى الترجيح من حصول الميل الى أحدهما فى القلب على التعيين. فذلك الميل مرجح خاص. فثبت : أن فى هذه الصورة لم يحصل الرجحان الا مع المرجح.

١٧٩

اقصى ما فى الباب : أن يقال : لا ندرى لم حدث الميل الى هذا الرغيف ، ولم يحدث الى ذلك الرغيف الآخر؟ لأنا نقول : سبب حدوث الميل فى قلوبنا ليس لميل آخر فى القلب ، والالزام التسلسل ، بل الميول والارادات تنتهى الى ميل وإرادة تحدث فى القلب ، اما بخلق الله تعالى ، أو بسبب من الأسباب السماوية. وحينئذ يكون هذا الاشكال زائلا.

والّذي يحقق هذا الكلام : أن العطشان اذا خير بين القدحين ، فانه ما لم يخص أحد القدحين بمد اليد لأخذه ، فانه لا يمكنه أن يشرب ذلك الماء. وما لم يمل قلبه الى أخذ ذلك القدح فانه لا يمد (١) يده إليه. فذلك الميل الخاص ، والإرادة الخاصة ، مرجحة لأحد الطرفين على الآخر. فثبت : أن فى هذه الصورة لم يحصل الرجحان الا لمرجح ، وأما أنه لم حدث الميل الى هذا ولم يحدث الى ذلك؟ فذلك مستند الى الأسباب الفلكية.

أجاب المتكلمون عن السؤال الأول : بأنا لا نقول : ان رجحان أحد طرفى الممكن على الآخر ، لا يحوج الى المرجح فى جميع المواضع ، بل نقول : الشيء اذا وجد بعد عدمه فهذا الحدوث وهذا الامكان هو المحوج الى المقتضى. فأما ترجيح الفعل على الترك فى حق القادر ، فذلك لا يحوج الى المؤثر (٢).

والّذي يدل عليه : أن الفرق بين القدر المختار ، وبين العلة الموجبة ، أمر معلوم بالضرورة. فان كل أحد يفرق بالضرورة بين كون الانسان مختار فى فعله وقوله وقيامه وقعوده ، وبين كون

__________________

(١) لا تمتد : ا

(٢) الى المرجح : ب

١٨٠