أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

٣٠ ـ ومنهم الشيخ سليمان القندوزي الحنفي ، فإنه أفرد في كتابه «ينابيع المودة» ص ٤٤٩ بابا خاصا في ذكر ولادة القائم المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف (الباب التاسع والسبعون) ثم روى بسنده عن موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى الكاظم عليهم‌السلام قال : حدّثتني حكيمة بنت الإمام محمد التقي الجواد (قالت) : بعث إليّ الإمام أبو محمد الحسن العسكري فقال : يا عمة ، اجعلي إفطارك عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان ، فإنّ الله تبارك وتعالى يظهر في هذه الليلة حجّته في أرضه. قالت (السيّدة حكيمة) : فاستقمت ونمت ، ثم قمت السحر (لصلاة الليل) وقرأت الم السجدة وياسين ، فاضطربت نرجس ، فضرب بيني وبينها ستر ، فكشف الثوب عنها (بعد الولادة) فإذا بالمولود ساجدا ، فنادى أبو محمّد (الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام) : هلمي إليّ ابني يا عمّة ، فجئت به إليه ، فوضع قدميه على صدره وأدخل لسانه في فيه وأمرّ يده على عينيه وأذنه ومفاصله ثم قال : تكلّم يا بني ، فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى أن صلّى على أبيه (العسكري عليه‌السلام) ثم قال أبو محمّد عليه‌السلام : يا عمّة ، اذهبي به إلى أمّه يسلّم عليها وأتيني به. (قالت حكيمة) : فذهبت به فسلّم على أمّه ثم رددته (إلي أبيه) فوضعته عنده ، فقال : يا عمّة إذا كان يوم السابع آتينا. (قالت حكيمة) : فلما كان يوم السابع جئت (إليه) ، فقال لي أبو محمّد : يا عمّة ، هلمي إليّ ابني فجئت به ففعل به كفعله الأول وقال : تكلّم يا بني ، فشهد بالشهادتين وصلّى على آبائه واحدا بعد واحد ، ثم تلى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (١).

قالت حكيمة : جئت يوما (إلى دار أبي محمّد الحسن العسكري) وكشفت الستر (من على الحجرة التي كان فيها الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه) فلم

__________________

(١) سورة القصص : ٥.

٥٨١

أره ، فقلت (لأبيه عليه‌السلام) : جعلت فداك ، ما فعل سيدي؟ فقال : يا عمّة استودعناه الله الحفيظ القدير الذي استودعته أم موسى موسى عليهما‌السلام.

ثم قال راوي الحديث موسى بن محمّد : فسألت عقيد الخادم (أي عن الأمر الذي حكته حكيمة) فقال : صدقت حكيمة رضي الله عنها.

وفي «الينابيع» ص ٤٥٠ قال : روي عن محمد بن عبد الله المطهّري قال : سألت حكيمة عن ولادة القائم ، فقالت : كانت لي جارية يقال لها نرجس ، فزارني ابن أخي أبو محمّد الحسن وجعل يحدّ النظر إليها ، فقلت له : أهويتها لأهبها لك؟ فقال : لا ولكن أتعجب منها أنه سيخرج منها ولد كريم على الله عزوجل يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، فقلت: أرسلها إليك؟ فقال عليه‌السلام : استأذني أبي (وذلك لأن الجارية كانت للإمام الهادي وأن قضية شرائها من بغداد قضية معروفة) قالت (حكيمة) : أتيت عند أخي علي النقي الهادي (وقبل أن نخبره بالقضية) قال عليه‌السلام : يا حكيمة هي نرجس لابني أبي محمّد الحسن ، فقلت : يا سيدي ، إلى هذا قصدتك وجئتك لأن أستأذن في ذلك ، فقال : يا أختي يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا. قالت (حكيمة) : فزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد ، وجمعت بينه وبينها في بيت في داري ، فأقام عندي أياما ثم جاء بها عند والده علي النقي ، وجلس أبو محمّد مكان والده بالإمامة (بعد استشهاد أبيه) وكنت أزوره ، وقالت لي نرجس : يا مولاتي أنا أخلع خفّك وأخدمك ، فقلت : بل أنت سيّدتي والله لا أدفع إليك خفّي لتخلعيه بل أخدمك على بصري. (قالت حكيمة) : فقصدت الانصراف (إلى داري) فقال لي أبو محمّد : يا عمّة اجعلي إفطارك الليلة عندنا. ثم ذكرت حكيمة بواقي القصة نحو ما ذكرته لموسى بن محمّد (ابن قاسم بن حمرة بن موسى الكاظم).

٣١ ـ ومنهم الشيخ الجليل عبد الكريم اليماني (قدس‌سره) ووهب لنا فيوضه وعلومه قال في شعره كما في ينابيع المودة ص ٤٦٦ :

٥٨٢

في يمن أمن يكون لأهلها

إلى أن ترى نور الهداية مقبلا

بميم مجيد من سلالة حيدر

ومن آل بيت طاهرين بمن علا

يسمى بمهدي من الحق ظاهر

بسنة خير الخلق يحكم أولا

٣٢ ـ ومنهم الشيخ عبد الرحمن البسطامي مؤلف كتاب (درّة المعارف) قدس الله سره وأفاض علينا فتوحه وغوامض علومه كما في ينابيع المودة ص ٤٦٦. قال في الأبيات المنسوبة إليه :

ويظهر ميم المجد من آل أحمد

ويظهر عدل الله في الناس أولا

كما قد روينا عن عليّ الرضا

وفي كنز علم الحرف أضحى محصلا

ومن أبياته :

ويخرج حرف الميم من بعد شينه

بمكة نحو البيت بالنصر قد علا

فهذا هو المهديّ بالحق ظاهر

سيأتي من الرحمن للخلق مرسلا

ويملأ كلّ الأرض بالعدل رحمة

ويمحو ظلام الشرك والجور أولا

ولايته بالأمر من عند ربّه

خليفة خير الرّسل من عالم العلى

٣٣ ـ ومنهم الشيخ المحدّث الفقيه محمد بن إبراهيم الجويني الحمويني الشافعي ، فإنه قال في كتابه فرائد السمطين : برواية عن دعبل الخزاعي عن عليّ الرضا بن موسى الكاظم ، قال : إن الإمام من بعدي ابني الجواد التقي ، ثم الإمام من بعده ابنه الهادي والنقي ثم الإمام من بعده ابنه الحسن العسكري ، ثم الإمام من بعده ابنه الحجّة المهديّ المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره كما في ينابيع المودة ص ٤٧١ ـ ٤٧٢. (ثم قال أيضا) : وأما شيخ المشايخ العظام أعني حضرات : شيخ الإسلام أحمد الجامي النامقي ، والشيخ عطار النيسابوري ، والشيخ شمس الدين التبريزي ، وجلال الدين مولانا الرومي ، والسيد نعمة الله الولي ، والسيد النسيمي ، وغيرهم ذكروا في أشعارهم في مدائح الأئمة من أهل البيت الطيب (رضي الله عنهم) مدح المهدي في آخرهم مختص بهم فهذه أدلة (واضحة) على أنّ المهدي

٥٨٣

ولد أولا. قال : ومن تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحا عيانا.

٣٤ ـ ومنهم كما في ينابيع المودة ص ٤٧٢ الشيخ أحمد الجامي النامقي.

ومن أشعاره بالفارسية :

من ز مهر حيدرم هر لحظه اندر دل صفاست

از بي حيدر حسن ما را إمام ورهنماست

همجو كلب افتاده ام بر استان بوالحسن

خاك نعلين حسين بر هر دو جشمم توتياست

عابدين تاج سرو باقر دو جشم روشنم

دين جعفر بر حق أست مذهب موسى رواست

موالي وصف سلطان خراسان را شنو

ذرّه اى از خاك قبرش دردمندان را دواست

پيشواي مؤمنان است اي مسلمانان تقي

كر نقي را دوست دارى بر همه مذهب رواست

عسكري نور دو چشم عالمست وآدم است

همجو يك مهدى سپهسالار در عالم كجاست

قلعة خيبر گرفته آن شهنشاه عرب

ز آنكه در بازوي حيدر نامه الّا فتاست

شاعران از بهر سيم زر وسخنها گفته اند

أحمد جامي غلام خاص شاه اولياست.

٣٥ ـ ومنهم كما في ينابيع المودة ص ٤٧٣ الشيخ العطار المار ذكره في رقم (٣٤) وله أشعار في كتابه مظهر الصفات.

٣٦ ـ ومنهم الشيخ سعد الدين الحموي المحدّث كما قال الشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة ص ٤٧٤ قال الشيخ عزيز بن محمد النسفي أن شيخ

٥٨٤

الشيوخ سعد الدين الحموي (قدس‌سره) قال : لم يكن قبل نبيّنا في الأديان السابقة من يسمى وليا وكان اسم النبيّ ، وأن المقربين عند الله الذين كانوا صاحبين [ظ : مصاحبين] للشريعة كانوا يسمون بالأنبياء ، ولم يكن في الأديان السابقة في كل شريعة إلا دين واحد. ففي عصر آدم عليه‌السلام كانوا أنبياء عديدة ، غير أنهم كانوا يأمرون الناس بالعمل بشريعة آدم عليه‌السلام وليس لهم شريعة خاصة ، وكذلك في عصر نوح عليه‌السلام كانت الشريعة شريعة واحدة وكان الأنبياء في عصره يأمرون الناس بالعمل بشريعة نوح عليه‌السلام لا غيره. وكذلك كان في زمان إبراهيم ، وموسى وعيسى عليهم‌السلام كانوا أنبياء متعدّدين وفي كل عصر من أعصار الأنبياء كانوا يأمرون الناس بالعمل بدين ذلك النبيّ ، ولما ظهر دين الإسلام دين محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله تبارك وتعالى اختار اثني عشر رجلا من أهل بيت نبيه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأورثهم علمه وكانوا مقربين عنده وجعلهم نوابه وأوليائه والعلماء الذين ورد في حقهم (العلماء ورثة الأنبياء) هم هؤلاء لا غيرهم. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) هؤلاء الاثني عشر وهم المقصودين في الحديث والخبر. والولي الثاني عشر والنائب الثاني عشر كان يسمى المهدي صاحب الزمان. (ثم قال) : قال الشيخ سعد الدين الحموي : إن الأولياء في العالم لم يزيدوا على الاثني عشر وأن الثاني عشر منهم هو خاتم الأولياء في الإسلام ، وكان يسمى المهدي صاحب الزمان وسائر المقربين أو رجال الغيب لم يسموا بالأولياء بل كانوا يسمون بالأبدال). هذا ما ذكره الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص ٤٧٤.

٣٧ ـ ومنهم كما في ينابيع المودة ص ٥٦١ الشيخ صدر الدين القونوي قدس‌سره (فإنه قال) في شأن المهدي الموعود (عليه‌السلام) شعرا :

يقوم بأمر الله في الأرض ظاهرا

على رغم شيطانين بمحق الكفر

يؤيد شرع المصطفى وهو ختمه

ويمتد من ميم بأحكامها يدري

ومدته ميقات موسى وجنده

خيار الورى في الوقت يخلو عن الحصر

على يده محق اللئام جميعهم

بسيف قويّ المتن علّك أن تدري

٥٨٥

حقيقة ذاك السيف والقائم الذي

تعيّن للدين القويم على الأمر

لعمري هو الفرد الذي بان سرّه

بكل زمان في مظاء له يسري

تسمّى بأسماء المراتب كلها

خفاء وإعلانا كذاك الحشر

أليس هو النور الأتمّ حقيقة

ونقطة ميم منه إمدادها يجري

يفيض على الأكوان ما قد أفاضه

عليه إله العرش في أزل الدهر

فما تمّ إلّا الميم لا شيء غيره

وذو العين من نوابه مفرد العصر

هو الروح فأعلمه وخذ عهده إذا

بلغت إلى مدّ مديد من العمر

كأنك بالمذكور تصعد راقيا

إلى ذروة المجد الأثيل على القدر

وما قدره إلّا ألوف بحكمة

على حدّ مرسوم الشريعة بالأمر

بذا قال أهل الحلّ والعقد فاكتفى

بنصّهم المثبوت في صحف الزبر

فابتغ ميقات الظهور فإنه

يكون بدور جامع مطلع الفجر

بشمس تمدّ الكلّ من ضوء نورها

وجمع درارى الأوج فيها مع البدر

وصلّ على المختار من آل هاشم

محمد المبعوث بالنهي والأمر

عليه صلاة الله ما لاح بارق

وما أشرقت شمس الغزالة في الظهر

وآل وأصحاب أولي الجود والتقى

صلاة وتسليما يدومان للحشر

٣٨ ـ ومنهم الشيخ حسين بن محمّد بن الحسن الدّيار بكري المالكي المتوفى سنة (٩٦٦ ه‍) فإنه ذكر في كتابه الخميس ج ٢ ص ٣٢١ ، قال : الحادي عشر (من الأئمة) : الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر الصادق ويكنى أبا محمّد ويلقّب بالزكي والخالص والسراج وهو مثل أبيه مشهور بالعسكري. أمه أم ولد اسمها سوسن ، وقيل غير ذلك. ولد بالمدينة سنة (٢٣٢ ه‍) وتوفي في سرّ من رأى في سنة (٢٦٠ ه‍) وقبره بجنب أبيه. (ثم قال) : الثاني عشر (من الأئمة) محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا ، يكنّى أبا القاسم ولقبه الإمامية بالحجّة ، والقائم ، والمهديّ ، والمنتظر ، وصاحب الزمان ، وهو عندهم خاتم الاثني عشر إماما ، وأمه أم ولد اسمها صيقل وقيل سوسن ، وقيل

٥٨٦

نرجس وقيل غير ذلك. ولد في سر من رأى في الثالث (١) والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين (٢٥٨ ه‍).

٣٩ ـ ومنهم الشيخ مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي الشافعي المتوفى سنة (١٢٩٨ ه‍) وله مؤلفات عديدة منها نور الإبصار تعرض فيه لبعض أحوال الخلفاء الأربعة عند أهل السنة. وذكر بعض أحوال الأئمة الاثني عشر (عليهم‌السلام) من الكرامات وخوارق العادات وغيرها إلى أن قال في ص ١٥٠ ط / مصر سنة (١٣٢٢ ه‍) : الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنهم). أمه أم ولد يقال لها حديثة وقيل سوسن وكنيته أبو محمد ، وألقابه : الخالص السراج والعسكري. ولد أبو محمّد بالمدينة لثمان خلون من ربيع الآخر سنة (٢٣٢ ه‍) إلى أن قال في ص ١٥٢ : وكانت وفاة أبي محمّد الحسن بن عليّ في يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين (٢٦٠ ه‍) وخلّف من الولد ابنه محمّد :

ثم أخذ في ذكر أوصاف الإمام الثاني عشر. وقال : فصل في ذكر مناقب محمّد بن الحسن الخالص بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنهم) ، أمه أم ولد يقال لها نرجس وقيل صيقل وقيل سوسن ، وكنيته أبو القاسم ولقّبه الإمامية بالحجّة والمهديّ والخلف الصالح والقائم والمنتظر وصاحب الزمان ، وأشهرها المهدي (٢).

٤٠ ـ الشيخ النسّابة أبو الفوز محمّد أمين البغدادي السويدي صاحب كتاب

__________________

(١) لا يخفى أن التاريخ المذكور أعلاه مخالف للإجماع والأخبار الدالين على أن ولادته في النصف من شعبان عليه‌السلام عام ٢٥٥ ه‍.

(٢) لاحظ : المهديّ الموعود المنتظر عند علماء السنّة والإمامية ج ١ / ١٨٢ ـ ٢١٩ ، ومنتخب الأثر / لطف الله الصافي ص ٣٢٧.

٥٨٧

سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ، فإنه ذكر أسماء الأئمة الاثنى عشر وبعض فضائلهم ومناقبهم وذكر الإمام الحسن العسكري في ص ٧٧ باب ٦ ، وقال في صفحة ٧٨ : في خط الحسن العسكري (محمّد المهديّ وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وكان مربوع القامة حسن الوجه والشعر ، أقنى الأنف صبيح الجبهة).

وخلاصة القول : إن الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف هو ابن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام بالضرورة القطعية للروايات التي تفوق التواتر عشرات المرات والتي أفادت أنه من أهل البيت ومن ولد الصدّيقة فاطمة وإمام من أئمة العترة الطاهرة وهو الثاني عشر المتولد من أبيه الإمام الحسن العسكري وأمه مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وهي من ذرية شمعون وصي عيسى المسيح عليه‌السلام وقصة زواجها من الإمام العسكري معروفة ومدوّنة في كتبنا التاريخية (١).

هذا مضافا إلى الإجماع على ولادته عليه‌السلام عام ٢٥٥ ه‍ واتصال الشيعة آنذاك به ، ومن قبله بأبيه وإرشادهم إليه ، وظهور المعجزات على يديه ، وتعيينه للسفراء في الغيبة الصغرى ، وقضائه للحوائج وإغاثته للملهوف المتوسل به وغير ذلك ، كلها قرائن وشواهد نقطع بها على وجوده ، وفي المقابل نقطع بعدم صحة الرواية التي تقول : (واسم أبيه اسم أبي) مما يوجب عدم الاعتناء بها إلّا لمعاند أو متعصب يحطّ من قيمة العلم ويخدش بشهادة التاريخ القطعية بما له من جرأة على إنكار ما ثبت بالأدلة العلمية والشرعية المعتبرة.

وبما تقدم يندفع أيضا ما ورد من أن الإمام المهديّ من أولاد الصدّيقة فاطمة عليها‌السلام لكنه من نسل ولدها الإمام الحسن المجتبى السبط الشهيد ، مستدلين على ذلك برواية أبي داود عن أبي إسحاق قال : علي عليّ رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال : «إن ابني هذا سيّد كما سمّاه النبيّ وسيخرج من صلبه رجل

__________________

(١) لاحظ : كمال الدين وتمام النعمة / الشيخ الصدوق ص ٤١٧ باب ٤١.

٥٨٨

يسمّى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ، يملأ الأرض عدلا» (١).

ويؤكد عدم صحتها أيضا ـ مضافا لما تقدّم ـ وجود روايات من العامة تصرّح بأن الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف من أبناء الإمام الحسين ، وعليه تسقط رواية أبي داود من الاعتبار نهائيا ، ومن هذه الروايات ما أورده محب الدين الطبري في ذخائر العقبى عن حذيفة أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من ولدي اسمه كاسمي ، فقال سلمان من أي ولدك يا رسول الله؟ قال من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين عليه‌السلام (٢).

وما ورد عن أبي وائل قال : نظر أمير المؤمنين عليّ إلى الحسين فقال : «إن ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يشبهه في الخلق والخلق يخرج على حين غفلة من الناس ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا» (٣).

نبذة من الأخبار في إمامة الأئمة الأطهار وأسمائهم عليهم‌السلام :

١ ـ روى أبو الحسن عليّ بن الحسين ، قال : حدّثنا أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه ، قال : حدثنا الحسن بن عليّ بن زكريا العدوي النصري ، عن محمّد بن إبراهيم بن المنذر المكي ، عن الحسين بن سعيد الهيثم ، قال : حدّثني الأجلح الكندي ، قال : حدّثني أفلح بن سعيد ، عن محمّد بن كعب ، عن طاوس اليماني ، عن عبد الله بن العبّاس ، قال : دخلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبّلهما ويقول : «اللهم وال من والاهما وعاد من عاداهما» ، ثم قال : يا ابن عبّاس ، كأني به وقد خضبت شيبته من دمه ، يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا ينصر.

__________________

(١) سنن أبي داود ج ٤ / ١٠٨ ح ٤٢٩٠.

(٢) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى / محب الدين الطبري ص ١٣٦ مكتبة القدسي بدرب سعادة ـ القاهرة ، ورواه الحموئي الخراساني في فرائد السمطين ج ٢ / ٣٢٥ حديث ٥٧٥.

(٣) أسنى المطالب / الجزري ص ١٣٠.

٥٨٩

قلت : من يفعل ذلك يا رسول الله؟

قال : شرار أمّتي ، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي. ثم قال : يا ابن عبّاس ، من زاره عارفا بحقّه كتب له ثواب ألف حجّة وألف عمرة ، ألا ومن زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما زار الله ، وحقّ الزائر على الله أن لا يعذّبه بالنار ، ألا وأنّ الإجابة تحت قبّته ، والشفاء في تربته ، والأئمة من ولده.

قلت : يا رسول الله فكم الأئمة بعدك؟

قال : بعدد حواري عيسى وأسباط موسى ونقباء بني إسرائيل.

قلت : يا رسول الله فكم كانوا؟

قال : كانوا اثني عشر ، والأئمة بعدي اثنا عشر ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، وبعده سبطاي الحسن والحسين ، فإذا انقضى الحسين فابنه عليّ ، فإذا انقضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا انقضى محمّد فابنه جعفر ، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى ، فإذا انقضى موسى فابنه عليّ ، فإذا انقضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا انقضى محمّد فابنه عليّ ، فإذا انقضى عليّ فابنه الحسن ، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجّة.

قال ابن عبّاس : قلت يا رسول الله أسامي لم أسمع بهنّ قط.

قال لي : يا ابن عبّاس ، هم الأئمة بعدي وإن نهروا [في نسخة : قهروا] ، أمناء معصومون نجباء أخيار. يا ابن عبّاس ، من أتى يوم القيامة عارفا بحقّهم أخذت بيده فأدخلته الجنة. يا ابن عبّاس ، من أنكرهم أو ردّ واحدا منهم فكأنما قد أنكرني وردّني ، ومن أنكرني وردّني فكأنما أنكر الله وردّه. يا ابن عبّاس ، سوف يأخذ الناس يمينا وشمالا ، فإذا كان كذلك فاتّبع عليّا وحزبه ، فإنه مع الحقّ والحق معه ، ولا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض. يا ابن عباس ، ولايتهم ولايتي ، وولايتي ولاية الله ، وحربهم حربي ، وحربي حرب الله ، وسلمهم سلمي ، وسلمي سلم الله.

٥٩٠

ثم قال عليه‌السلام : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (١).

٢ ـ القاضي أبو الفرج المعافا بن زكريا البغدادي ، قال : حدّني محمّد بن همام بن سهيل الكاتب ، قال : حدثني محمّد بن معافا السلماسي عن محمّد بن عامر ، قال : حدّثنا عبد الله بن زاهر عن عبد العدوس [القدوس] عن الأعمش عن حبش [حنش] بن المعتمر قال :

قال أبو ذر الغفاري رحمة الله عليه : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي توفي فيه ، فقال : يا أبا ذر آتني بابنتي فاطمة.

قال : فقمت ودخلت عليها وقلت : يا سيدة النسوان أجيبي أباك ، قال : فلبست جلبابها وخرجت حتى دخلت على رسول الله ، فلما رأت رسول الله انكبت عليه وبكت وبكى رسول الله لبكائها وضمها إليه ، ثم قال : يا فاطمة لا تبكين فداك أبوك ، فأنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة ، وسوف يظهر بعدي حسيكة النفاق ويسمل جلباب الدين ، وأنت أول من يرد عليّ الحوض.

قالت : يا ابه أين ألقاك؟ قال : تلقيني عند الحوض وأنا أسقي شيعتك ومحبيك وأطرد أعداءك ومبغضيك ، قالت : يا رسول الله فإن لم ألقك عند الحوض؟ قال : تلقيني عند الميزان ، قالت : يا ابه وإن لم ألقك عند الميزان؟ قال : تلقيني عند الصراط وأنا أقول : سلّم سلّم شيعة عليّ.

قال أبو ذر : فسكن قلبها ، ثم التفت إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أبا ذر إنها بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ، ألا إنها سيّدة نساء العالمين ، وبعلها سيّد الوصيين ، وابنيها الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة ، وأنهما إمامان إن قاما

__________________

(١) كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر لأبي القاسم القمي الرازي ص ١٦ ـ ١٩ ط / مطبعة الخيام ـ قم ١٤٠١ ه‍ ، والآية من سورة التوبة : ٣٢.

٥٩١

أو قعدا ، وأبوهما خير منهما ، وسوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون قوامون بالقسط ، ومنا مهديّ هذه الأمة.

قال : قلت يا رسول الله فكم الأئمة بعدك؟ قال : عدد نقباء بني إسرائيل (١).

٣ ـ محمّد بن عبد الله بن المطلب وأبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عبد الله بن الحسن بن عباس الجوهري جميعا قالا : حدّثنا محمّد بن لاحق اليماني ، عن إدريس بن زياد قال : حدثنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال :

خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معاشر الناس إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع فإن كل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار ، معاشر الناس من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة بعدي ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

قال : فلما نزل عن المنبر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبعته حتى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه وقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمعتك تقول : «إذا افتقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر ، وإذا افتقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين ، وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة» فما الشمس وما القمر وما الفرقدان وما النجوم الزاهرة؟

فقال : أنا الشمس وعليّ القمر والحسن والحسين الفرقدان ، فإذا افتقدتموني فتمسكوا بعليّ بعدي ، وإذا افتقدتموه فتمسكوا بالحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين ، تاسعهم مهديهم.

ثم قال عليه‌السلام : إنهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي ، أئمة أبرار ، عدد أسباط يعقوب وحواري عيسى ، قلت : فسمهم لي يا رسول الله؟

__________________

(١) كفاية الأثر ص ٣٧.

٥٩٢

قال : أولهم عليّ بن أبي طالب ، وبعده سبطاي ، وبعدهما عليّ زين العابدين ، وبعده محمّد بن عليّ الباقر علم النبيين ، والصادق جعفر بن محمّد وابنه الكاظم سمي موسى بن عمران ، والذي يقتل بأرض الغربة ابنه عليّ ، ثم ابنه محمّد ، والصادقان عليّ والحسن ، والحجّة القائم المنتظر في غيبته ، فإنهم عترتي من دمي ولحمي ، علمهم علمي وحكمهم حكمي ، من آذاني فيهم فلا أناله الله شفاعتي (١).

٣ ـ سعيد بن عبد الله قال : حدّثنا يعقوب بن يزيد عن حماد بن عثمان بن عيسى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبان بن خلف عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال : دخلت على رسول الله وإذا بالحسين على فخذه وهو يقبّل جبينه ويلثم فاه ويقول : أنت سيّد ابن السيّد ، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة ، أنت حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم(٢).

٤ ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن ابن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على فاطمة بنت رسول الله عليهما‌السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها ، فعدّدت اثني عشر اسما آخرهم القائم من ولد فاطمة ، ثلاثة منهم محمّد ، وأربعة منهم عليّ (٣).

٥ ـ وعن أبي القاسم ، عن محمّد بن يعقوب ، عن أبي علي الأشعري عن الحسن بن عبيد الله عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن عليّ بن سماعة ، عن عليّ بن الحسن بن رباط عن عمر بن أذينة ، عن زرارة قال : سمعت أبا

__________________

(١) كفاية الأثر ص ٤١.

(٢) كفاية الأثر ص ٤٦.

(٣) الإرشاد للمفيد ج ٢ / ٣٤٦.

٥٩٣

جعفر عليه‌السلام يقول : الاثنا عشر الأئمة من آل محمّد كلّهم محدّث ، عليّ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده ، ورسول الله وعليّ هما الوالدان ، صلّى الله عليهما (١).

٦ ـ وعن محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن بلال قال : خرج إليّ أمر أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليه‌السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إليّ من قبل مضيّه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده (٢).

٧ ـ عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمّد الحسن بن عليّ عليه‌السلام : جلالتك تمنعني عن مسألتك فتأذن لي أن أسألك؟

فقال : «سل» قلت : يا سيّدي ، هل لك ولد؟ قال) «نعم» قلت : إن حدث حدث فأيت أسأل عنه؟ قال : «بالمدينة» (٣).

٨ ـ وعن حمدان القلانسي عن العمري قال : مضى أبو محمّد عليه‌السلام وخلّف ولدا له (٤).

٩ ـ وعن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال : خرج عن أبي محمد عليه‌السلام حين قتل الزبيري لعنه الله : «هذا جزاء من اجترأ على الله تعالى في أوليائه ، زعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة الله فيه» قال محمّد بن عبد الله : وولد له ولد؟ (٥).

وقد تظافرت النصوص على ولادة القائم صاحب الزمان حجّة الله ابن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ج ٢ / ٣٤٧.

(٢) نفس المصدر ج ٢ / ٣٤٨.

(٣) نفس المصدر ج ٢ / ٣٤٨.

(٤) نفس المصدر ج ٢ / ٣٤٨.

(٥) الإرشاد للمفيد ج ٢ / ٣٤٩. وأصول الكافي ج ١ / ٥١٤ ح ١.

٥٩٤

الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ، منها ما رواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة :

١ ـ عن محمّد بن الحسن بن الوليد عن محمّد بن يحيى العطّار عن أبي عبد الله الحسين بن رزق الله عن موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : حدثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب قالت : بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن عليعليهما‌السلام فقال : يا عمّة اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان ، فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حجته في أرضه ، قالت : فقلت له : ومن أمّه؟ قال لي : نرجس ، قلت له : جعلني الله فداك ما بها أثر؟ فقال : هو ما أقول لك ، قالت : فجئت ، فلما سلّمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي : يا سيّدتي [وسيدة أهلي] كيف أمسيت؟ فقلت : بل أنت سيّدتي وسيدة أهلي ، قالت : فأنكرت قولي وقالت : ما هذا عمّة؟ قالت : فقلت لها : يا بنيّة إن الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيّدا في الدنيا والآخرة ، قالت : فخجلت واستحيت.

فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت ، فلمّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة ، ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهي راقدة ، ثم قامت فصلّت ونامت.

قالت حكيمة : وخرجت أتفقّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك ، فصاح بي أبو محمّد عليه‌السلام من المجلس فقال : لا تعجلي يا عمّة فهاك الأمر قد قرب ، قالت : فجلست وقرأت الم السجدة وياسين ، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت : اسم الله عليك ، ثم قلت لها : أتحسّين شيئا؟ قالت : نعم يا عمّة ، فقلت لها : اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك ، قالت : فأخذتني فترة وأخذتها فترة ، فانتبهت بحسّ سيدي فكشفت

٥٩٥

الثوب عنه فإذا أنا به عليه‌السلام ساجدا يتلقّى الأرض بمساجده ، فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف متنظف فصاح بي أبو محمد عليه‌السلام : هلمّي إليّ ابني يا عمة ، فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثم أدلى لسانه في فيه وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله ، ثم قال: تكلّم يا بني ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة عليهم‌السلام إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم.

ثم قال أبو محمّد عليه‌السلام : يا عمّة اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها وائتني به ، فذهبت به فسلّم عليها ورددته فوضعته في المجلس ثم قال : يا عمّة إذا كان يوم السابع فائتينا. قالت حكيمة : فلما أصبحت جئت لأسلّم على أبي محمّد عليه‌السلام وكشفت الستر لأتفقّد سيّدي عليه‌السلام فلم أره ، فقلت : جعلت فداك ما فعل سيّدي؟ قال : يا عمّة استودعناه الذي استودعته أمّ موسى عليه‌السلام.

قالت حكيمة : فلمّا كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست فقال : هلمّي إليّ ابني ، فجئت بسيّدي عليه‌السلام وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى ، ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذّيه لبنا أو عسلا ، ثم قال : تكلّم يا بنيّ ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتى وقف على أبيه عليه‌السلام ، ثم تلا هذه الآية : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (١). قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذه ، فقال : صدقت حكيمة (٢).

٢ ـ عن محمّد بن عبد الله الطهوي قال : قصدت حكيمة بنت محمّد عليه‌السلام بعد مضي أبي محمّد عليه‌السلام أسألها عن الحجّة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها ، فقالت لي : اجلس فجلست ، ثم قالت : يا محمّد إن الله تبارك

__________________

(١) سورة القصص : ٥ ـ ٦.

(٢) كمال الدين للشيخ الصدوق ج ٢ / ٤٢٤ ـ ٤٢٦ ح ١ ط / دار الكتب الإسلامية إيران.

٥٩٦

وتعالى لا يخلّي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة ، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسينعليهما‌السلام تفضيلا للحسن والحسين وتنزيها لهما أن يكون في الأرض عديلهما إلّا أن الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن عليهما‌السلام كما خصّ ولد هارون على ولد موسى عليه‌السلام وإن كان موسى حجة على هارون ، والفضل لولده إلى يوم القيامة ، ولا بدّ للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون ، كيلا يكون للخلق على الله حجّة ، وأن الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضي أبي محمّد الحسن عليه‌السلام ، فقلت : يا مولاتي هل كان للحسن عليه‌السلام ولد؟ فتبسمت ثم قالت : إذا لم يكن للحسن عليه‌السلام عقب فمن الحجّة من بعده وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام ، فقلت : يا سيّدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته عليه‌السلام قالت : نعم كانت لي جارية يقال لها : نرجس ، فزارني ابن أخي فأقبل يحدّق النظر إليها ، فقلت له : لعلّك هويتها فأرسلها لك؟ فقال لها : لا يا عمّة ولكني أتعجب منها ، فقلت : وما أعجبك منها؟ فقال عليه‌السلام : سيخرج منها ولد كريم على الله عزوجل الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، فقلت : فأرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال : استأذني في ذلك أبي عليه‌السلام قالت : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن عليه‌السلام فسلّمت عليه وجلست فبدأني عليه‌السلام وقال : يا حكيمة ابعثي نرجس إلى ابني أبي محمّد ، قالت : فقلت يا سيّدي ، على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك ، فقال لي : يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا. قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمّدعليه‌السلام ، وجمعت بينه وبينها في منزلي ، فأقام عندي أياما ثم مضى إلى والده عليهما‌السلام ووجّهت بها معه.

قالت حكيمة : فمضى أبو الحسن عليه‌السلام وجلس أبو محمّد عليه‌السلام مكان والده ، وكنت أزوره كما كنت أزور والده ، فجاءتني نرجس يوما تخلع خفّي فقالت : يا مولاتي ناوليني خفّك ، فقلت : بل أنت سيّدتي ومولاتي والله لا أدفع

٥٩٧

إليك خفّي لتخلعيه ولا لتخدميني بل أخدمك على بصري. فسمع أبو محمد عليه‌السلام ذلك فقال : جزاك الله يا عمّة خيرا ، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت : ناوليني ثيابي لأنصرف ، فقال عليه‌السلام : لا يا عمّة بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزوجل الذي يحيي الله عزوجل به الأرض بعد موتها ، فقلت : ممّن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل؟ فقال : من نرجس لا من غيرها ، قالت : فوثبت إليها فقلبتها ظهرا لبطن قلم أر لها أثر حبل ، فعدت إليه عليه‌السلام فأخبرته بما فعلت فتبسّم ثم قال لي : إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لأن مثلها مثل أمّ موسى عليه‌السلام لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى عليه‌السلام وهذا نظير موسى.

قالت حكيمة : فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت : يا مولاتي ما أرى بي شيئا من هذا ، قالت حكيمة : فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنبا إلى جنب حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة ، فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها فصاح [إليّ] أبو محمّد وقال : اقرئي عليها (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها : ما حالك؟ قالت : ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني ، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلّم عليّ.

قالت حكيمة : ففزعت لما سمعت ، فصاح بي أبو محمّد عليه‌السلام : لا تعجبي من أمر الله عزوجل ، إنّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغارا ، ويجعلنا حجّة في أرضه كبارا فلم يستتم الكلام حتى غيبت عنّي نرجس فلم أرها كأنه ضرب بين وبينها حجاب فعدوت نحو أبي محمّد عليه‌السلام وأنا صارخة ، فقال لي : ارجعي يا عمّة فإنّك ستجديها في مكانها.

قالت : فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري وإذا أنا بالصبيّ عليه‌السلام ساجدا لوجهه [على

٥٩٨

وجهه] ، جاثيا على ركبتيه ، رافعا سبّابتيه ، وهو يقول : «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ جدّي محمّدا رسول الله وأنّ أبي أمير المؤمنين» ثم عدّ إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه ، ثم قال : «اللهم أنجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري وثبّت وطأتي ، واملأ الأرض بي عدلا وقسطا».

فصاح بي أبو محمّد عليه‌السلام فقال : يا عمّة تناوليه وهاتيه ، فتناولته وأتيت به نحوه ، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي سلّم على أبيه فتناوله الحسن عليه‌السلام مني والطير ترفرف على رأسه وناوله لسانه فشرب منه ، ثم قال : امضي به إلى أمّه لترضعه وردّيه إليّ ، قالت : فتناولته أمه فأرضعته ، فرددته إلى أبي محمّد عليه‌السلام والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له : احمله واحفظه وردّه إلينا في كل أربعين يوما ، فتناوله الطير وطار به في جوّ السماء واتبعه سائر الطير ، فسمعت أبا محمّد عليه‌السلام يقول : «أستودعك الله الذي أودعته أمّ موسى موسى» فبكت نرجس فقال لها : اسكتي فإنّ الرضاع محرّم عليه إلّا من ثديك وسيعاد إليك كما ردّ موسى إلى أمّه وذلك قول الله عزوجل (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) (١).

قالت حكيمة : فقلت : وما هذا الطير؟ قال : هذا روح القدس الموكّل بالأئمةعليهم‌السلام يوفّقهم ويسدّدهم ويربّيهم [يزينهم] بالعلم. قالت حكيمة : فلمّا كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام ووجّه إليّ ابن أخي عليه‌السلام فدعاني ، فدخلت عليه فإذا أنا بالصبيّ متحرّك يمشي بين يديه ، فقلت : يا سيدي هذا ابن سنتين؟! فتبسّم عليه‌السلام ثم قال : إنّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشئون بخلاف ما ينشؤ غيرهم ، وإنّ الصبيّ منا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة ، وإنّ الصبيّ منّا ليتكلم في بطن أمّه ويقرأ القرآن ويعبد ربّه عزوجل وعند الرّضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحا ومساء.

__________________

(١) سورة القصص : ١٣.

٥٩٩

قالت حكيمة : فلم أزل أرى ذلك الصبيّ في كلّ أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا (١) قبل مضي أبي محمّد عليه‌السلام بأيام قلائل فلم أعرفه ، فقلت لابن أخي عليه‌السلام : من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي : هذا ابن نرجس ، وهذا خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي.

قالت حكيمة : فمضى أبو محمّد عليه‌السلام بعد ذلك بأيام قلائل ، وافترق الناس كما ترى وو الله إني لأراه صباحا ومساء وإنه لينبئني عمّا تسألون عنه فأخبركم ، وو الله إني لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به وأنه ليرد عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي ، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ وأمرني أن أخبرك بالحق ..» (٢).

٣ ـ عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، عن السيّاري قال : حدّثتني نسيم ومارية قالتا : إنه لمّا سقط صاحب الزمان عليه‌السلام من بطن أمه جاثيا على ركبتيه رافعا سبّابتيه إلى السماء ، ثم عطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله ، زعمت الظّلمة أنّ حجّة الله داحضة ، لو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ.

قال إبراهيم بن محمّد بن عبد الله : وحدّثتني نسيم خادمة أبي محمّد عليه‌السلام قالت : قال لي صاحب الزمان عليه‌السلام وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة ، فعطست عنده فقال لي : يرحمك الله ، قالت : ففرحت بذلك ، فقال لي عليه‌السلام : ألا أبشّرك في العطاس ، فقلت : بلى يا مولاي ، فقال؛ هو أمان من الموت ثلاثة أيام (٣).

٤ ـ عن أبي عليّ الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد عليه‌السلام فلمّا

__________________

(١) الرّجل من الشعر : ما بين الجعودة والاسترسال أي كان شعره رجلا ، وليس المراد منه أنه كان كبير السن قبل مضي أبيه الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام حسبما توهم أحد المعلقين على كتاب كمال الدين وتمام النعمة ، ثم استبعاده له.

(٢) كمال الدين ج ٢ / ٤٢٦ ـ ٤٢٩ ح ٢.

(٣) نفس المصدر والجزء ص ٤٣٠ ح ٥.

٦٠٠