أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

بالحق يملأها عدلا كما ملئت جورا (١).

وكذا حديث أبي الجارود عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله : إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض يعني أوتادها وجبالها ، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا (٢).

فقوله : «من ولدي اثنا عشر نقباء» تصحيف : «من ولدي أحد عشر» وكذا في الحديث الثاني فإن قوله : «واثني عشر من ولدي وأنت يا عليّ ..» هي تصحيف : «وأحد عشر من ولدي ..» هكذا أجاب الشيخ محمد تقي التستري (٣).

إلا أنني لا أرى في هاتين الروايتين شيئا من التحريف والتصحيف ، إذ يمكن تأويلهما بالصدّيقة فاطمة وأولادها الأحد عشر كوكبا حيث هي وأولادها الأحد عشر المعصومون هم ولد رسول الله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

نعم التصحيف وارد في خبر جابر الأنصاري قال :

دخلت على فاطمة عليها‌السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر» (٤) لكنه ورد في الإكمال والعيون والخصال بدون كلمة «من ولدها» (٥).

وعلى أيّ حال فالتصحيف موجود في جلّ كتبنا الحديثية ولا يقدح الأخذ بما فيها من الأخبار فتأمل.

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ / ٥٣٤ ح ١٨.

(٢) أصول الكافي ج ١ / ٥٣٤ ح ١٧.

(٣) مقدمة كتاب سليم ج ١ / ١٨٢ نقلا عن قاموس الرجال للتستري ج ٤ / ٤٥٢.

(٤) أصول الكافي ج ١ / ٥٣٢ ح ٩.

(٥) إكمال الدين ص ٣١١ ح ٣ ؛ عيون الأخبار ج ١ / ٣٧ ح ٦ والخصال ب ١٢ ح ٤٢ ولاحظ قاموس الرجال ج ٤ / ٤٥٢ ومقدمة كتاب سليم ج ١ / ١٨٣.

٥٢١

الأمر الثالث :

أن راوي كتاب سليم بن قيس هو أبان بن أبي عيّاش وهو ضعيف ، وإبراهيم بن عمر الصنعاني ، وقد ضعّفه ابن الغضائري ، وعليه فلا يمكن الاعتماد على كتاب سليم بن قيس (١).

والجواب :

(١) أن إبراهيم بن عمر وثّقه النجاشي ، ولا يعارضه تضعيف ابن الغضائري.

وقد ذكر النجاشي أيضا والشيخ أن حماد بن عيسى له طريق إلى إبراهيم بن عمر الصنعاني. فالشيخ له طريقان إلى كتاب سليم في أحدهما حماد بن عيسى وعثمان بن عيسى ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم ، وفي الثاني : حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن سليم.

وأما النجاشي فالظاهر ـ كما قال المحقّق الخوئي ـ إن في عبارته سقطا وجملة (عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم) قد سقطت بعد قوله (وعثمان بن عيسى) وكيف كان فلا يصح ما ذكره ابن الغضائري من اختلاف سند هذا الكتاب ، فتارة يروي عن عمر بن أذينة ، عن إبراهيم بن عمر الصنعاني ، عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم ، وتارة يروي عن عمر عن أبان بلا واسطة ، وذلك فإن عمر بن أذينة غير مذكور في الطريق أصلا ، وإبراهيم بن عمر روى عن سليم بلا واسطة.

وعثمان بن عيسى وحماد بن عيسى وعمر بن أذينة وإبراهيم بن عمر الصنعاني كلهم ثقاة.

والراوي عن سليم لم يكن إلّا رجلا واحدا وهو أبان بن أبي عيّاش ، فهو الذي روى عن سليم كتابه بالمناولة منه والقراءة عليه ، كما روى عنه أحاديث كتابه متفرقة في مختلف الروايات ، وروى عنه بعض الأحاديث التي ليست في كتابه.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ج ٨ / ٢٢٥.

٥٢٢

ويؤيد عدم رواية غير أبان عن سليم ما هو مذكور في مفتتح الكتاب المتضمن لكيفية تحويل سليم كتابه لأبان بصورة لم يطّلع عليه غيره ، إذا أضفنا إلى ذلك أن أكثر الأحاديث المرويّة عن سليم في كتب الحديث موجودة في كتابه.

قال ابن النديم : «.. كتاب سليم بن قيس المشهور ، رواه عنه أبان بن أبي عيّاش ، لم يروه عنه غيره» (١).

وقال السيّد العقيقي : «لم يرو عن سليم بن قيس أحد من الناس سوى أبان بن أبي عيّاش» (٢).

وما رواه إبراهيم بن عمر اليماني عن سليم مباشرة من دون توسّط أبان كما في رجال النجاشي ص ٦٩ وأصول الكافي ج ١ ص ٩١ وفهرست الشيخ ص ٨١ وبصائر الدرجات ص ٨٣ وكمال الدين ص ٢٤٠ يحمل على أن رواية إبراهيم بن عمر اليماني لأحاديث سليم كثيرة جدا ، وأكثرها منقولة عنه بتوسط أبان بن أبي عيّاش إلا في بعض الموارد حيث أسقط أبان من هذه الأسانيد المذكورة في المصادر المتقدّمة تغليبا. ويؤيد ذلك أن الراوي عن إبراهيم هو حماد بن عيسى ، مع أنه لم يتوسط بينهما أبان أيضا.

ويمكن أن يقال : إن إبراهيم بن عمر كان قد رأى كتاب سليم في يد أبان ، ولذلك كان يروي عن كتاب سليم مع الواسطة وقد يروي عنه بدون واسطة ، أو أن كتاب سليم حيث كان بمجموعه مصدرا ينقل عنه أسقط إبراهيم بن عمر الواسطة وروى عن الكتاب وإن لم يكن رآه في يد أبان أيضا. وهكذا ما رواه عمر بن أذينة ـ في بعض الروايات (٣) ـ فقد أسقط أبان الواسطة بينهما تغليبا أو غفلة ، وذلك لأن عمر بن أذينة ينقل دائما عن أبان ، فأبان الواسطة بين عمر وبين سليم ، بقرينة تظافر

__________________

(١) الفهرست لابن النديم ص ٢٧٥.

(٢) خلاصة الأقوال ص ٨٣.

(٣) كما في رواية الحسين بن سعيد في كتاب الزهد ص ٧.

٥٢٣

روايات ابن أذينة عن أبان وعدم التوافق الزمني بين ابن أذينة وسليم ، فإن سليما توفي عام ٧٦ ه‍ ـ وابن أذينة توفي سنة ١٦٨ ه‍ ـ ، فيبعد روايته عنه ، مع عدم وجود روايته عنه في غير هذا المورد. ويؤيده أن الحسين بن سعيد نفسه قد روى عن ابن أذينة عن سليم بتوسط أبان كما في التهذيب ج ٦ / حديث ٩٠٦ ، ويؤيدها أيضا الكيفيّة التي ينقلها ابن أذينة في مفتتح الكتاب عن انتقال الكتاب إليه حيث تعطي ذلك عدم سابقة له مع سليم ولا كتابه قبل ذلك أصلا ، قال عمر بن أذينة : دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بشهر فقال لي : إني رأيت البارحة رؤيا أني خليق أن أموت سريعا ، إني رأيتك الغداة ففرحت بك ، إني رأيت الليلة سليم بن قيس الهلالي فقال لي : يا أبان إنك ميّت في أيامك هذه ، فاتق الله في وديعتي ولا تضيّعها ، وف لي بما ضمنت من كتمانها ولا تضعها إلّا عند رجل من شيعة عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه له دين وحسب» (١).

(٢) عدّه البرقي والشيخ الطوسي من أصحاب الإمام السجّاد والباقر والصادق عليهم‌السلام ويظهر ذلك مما ذكره أبان في مقدمة كتاب سليم حيث عرض كتاب سليم على الإمام السجّادعليه‌السلام فأقره عليه الإمام زين العابدين عليه‌السلام وقال : هذه أحاديثنا صحيحة. وذكر الكشي عرض الحديث المذكور آنفا على الإمام الباقر عليه‌السلام بعد أبيه السجّاد ، وأنه اغرورقت عيناه وقال : صدق سليم ، وقد أتى أبي بعد قتل جدي الحسين عليه‌السلام وأنا قاعد عنده ، فحدّثه بهذا الحديث بعينه فقال أبي : صدق ، وقد حدّثني أبي وعمي الحسن بهذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

ولا نرى وجها لتضعيفه إذ لم يذكر لنا من ضعّفه وجه ذلك مع كونه من أصحاب الأئمةعليهم‌السلام فالجزم بضعفه ـ حسبما عبّر العلّامة الممقاني في رجاله ـ مشكل بعد تسليم مثل سليم بن قيس كتابه إليه وخطابه بابن الأخ ، ومن لاحظ حال

__________________

(١) كتاب سليم ص ٥٨ ط / دار الإرشاد ، وج ٢ / ٥٥٦ تحقيق الخوئيني.

(٢) كتاب سليم ص ٧ ، وج ٢ / ٥٥٩ وص ٦٢٨ وص ٩٢٤.

٥٢٤

سليم بن قيس مال إلى كون الرجل متشيّعا ممدوحا ، وأن نسبة وضع الكتاب إليه لا أصل لها وإذا انضم إلى ذلك قول الشيخ أبي علي في المنتهى أني رأيت أصل تضعيفه من المخالفين من حيث التشيع تقوي ذلك والعلم عند الله تعالى ، بل بعد إثبات وثاقة سليم تثبت وثاقة أبان هذا بتسليمه الكتاب المذكور إليه ، وكيف كان فغالب روايات أبان هذا عن سليم بن قيس الهلالي ، والراوي عنه غالبا هو عمر بن أذينة وإبراهيم بن عمر اليماني وحمّاد بن عيسى وعثمان بن عيسى» (١).

فلو قلنا إن أبانا ضعيف فكيف يروي عنه عمر بن أذينة وإبراهيم وحماد وعيسى وكلّهم ثقاة؟ وعلى فرض كونه ضعيفا فإن رواية هؤلاء الأجلّة عنه ترجّح الأخذ برواياته إلّا ما كان مخالفا للكتاب الكريم والسنّة القطعية ، ولم يردنا شيء عنه مما يخالف ما ذكرنا. هذا مضافا إلى أن ما رواه أبان بن أبي عيّاش في كتاب سليم لا يتوافق مع معتقدات العامة ، من هنا شنّ علماء العامة حملة شعواء (٢) على أبان عنادا منهم لتشيّعه ، بالإضافة إلى مواجهتهم العامة مع رواة الشيعة ، والمؤسس للوقيعة في أبان هو شعبة بن الحجاج ، وقد جرى على لسانه ما يوجب الاستيحاء من نقله ، وهذه نماذج منها :

ـ قال شعيب بن حرب : سمعت شعبة يقول : لأن أشرب من بول حمار حتى أروى أحبّ إليّ من أن أقول : حدّثنا أبان بن أبي عيّاش (٣).

ـ قال الذهبي : أبان بن أبي عياش البصري ، أحد الضعفاء وهو تابعي صغير (٤).

ـ روى ابن إدريس وغيره عن شعبة قال : لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان (٥).

__________________

(١) تنقيح المقال / الممقاني ج ١ / ٣.

(٢) شعواء : متفرقة ممتدة.

(٣) ميزان الاعتدال للذهبي ج ١ / ١٠.

(٤) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٠.

(٥) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٠.

٥٢٥

ـ قال ابن إدريس : قلت لشعبة : حدثني مهدي بن ميمون عن سلّم العلوي قال : رأيت أبان بن أبي عيّاش يكتب عن أنس بالليل ، فقال شعبة : سلم يرى الهلال قبل الناس بليلتين (١).

ـ قال أحمد بن حنبل : قال عبّاد بن عبّاد : أتيت شعبة أنا وحمّاد بن زيد ، فكلّمناه في أن يمسك عن أبان بن أبي عيّاش ، قال : فلقيهم بعد ذلك فقال : ما أراني يسعني السكوت عنه (٢).

ـ قال يزيد بن هارون ، قال شعبة : داري وحماري في المساكين صدقة إن لم يكن أبان بن أبي عياش يكذّب في الحديث ، قلت : فلم سمعت منه؟ قال : ومن يصبر عن ذا الحديث (٣).

ـ قال عبدان عن أبيه عن شعبة : لو لا الحياء من الناس ما صلّيت على أبان.

ـ وقال معاذ بن معاذ : قلت لشعبة : أرأيت وقيعتك في أبان ، تبيّن لك أو غير ذلك؟ فقال : ظن يشبه اليقين.

ـ قال عبد الله بن أحمد بن شبّويه : سمعت أبا رجاء يقول : قال حماد بن زيد : كلّمنا شعبة في أن يكفّ عن أبان بن أبي عياش لسنّه وأهل بيته ، فضمن أن يفعل ، ثم اجتمعنا في جنازة فنادى من بعيد ، يا أبا إسماعيل ، إني قد رجعت عن ذلك ، لا يحلّ الكفّ عنه لأن الأمر دين!!

ـ قال الحسن بن الفرج عن سليمان بن حرب عن حمّاد بن زيد ، قال : جاءني أبان بن أبي عيّاش فقال : أحبّ أن تكلّم شعبة أن يكفّ عني ، قال : فكلّمته ، فكفّ عنه أياما ، فأتاني في الليل فقال : لا يحلّ الكف عنه فإنه يكذب على رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

٥٢٦

ـ قال البخاري في تاريخه : كان شعبة سيئ الرأي فيه (١).

ـ ويروى عن سفيان أنه قيل له : ما لك قليل الرواية عن أبان؟ قال : كان نسيّا للحديث(٢).

ـ أحمد بن حنبل قال : هو متروك الحديث ، ترك الناس حديثه منذ دهر. وقال : لا يكتب عنه ، قيل : كان له هوى ، وقال : كان منكر الحديث (٣).

ـ وكيع بن الجرّاح ، قال أحمد بن حنبل : كان وكيع إذا مرّ على حديثه يقول : «رجل» ولا يسمّيه استضعافا له (٤).

ـ يحيى بن معين ، قال : متروك (٥).

ـ مرّة ، قال : ضعيف (٦).

ـ أبو عوانة ، قال : كنت لا أسمع بالبصرة حديثا إلّا جئت به أبان ، فحدّثني به عن الحسن حتى جمعت منه مصحفا ، فما أستحلّ أن أروي عنه (٧).

ـ أبو إسحاق السعدي الجوزجاني قال : ساقط (٨).

ـ النسائي ، قال : متروك ، وقال أيضا : ليس بثقة.

ـ أحمد بن علي الأبّار قال فيما رواه العقيلي عنه : رأيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في المنام فقلت : يا رسول الله ، أترضى أبان بن أبي عياش؟ قال : لا (٩).

__________________

(١) كل ما تقدم مروي عن ميزان الاعتدال ج ١ / ١٠ ـ ١١.

(٢) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٢ ؛ تهذيب التهذيب ج ١ / ٩٧.

(٣) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٢ ؛ تهذيب التهذيب ج ١ / ٩٧.

(٤) ميزان الاعتدال ج ١ / ١١ و ١٥.

(٥) نفس المصدر.

(٦) نفس المصدر.

(٧) نفس المصدر.

(٨) نفس المصدر.

(٩) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٢.

٥٢٧

ـ ابن عديّ ، قال : أرجو أنه لا يتعمّد الكذب وعامّة ما أتى به من جهة الرواة عنه ، وقال : هو بيّن الأمر في الضعف وأرجو أن لا يتعمّد الكذب إلّا أنه يشبه عليه ويغلط (١).

ـ ابن سعد ، حكى في طبقاته تضعيف أبان عن بعضهم (٢).

ـ العقيلي ، ذكره في كتابه «الضعفاء الكبير» وبالغ في تضعيفه ، ومع ذلك نقل أنه كان طاوس القراء (٣).

ـ الدارقطني قال : يحدّث عن أنس ، متروك (٤).

إشارة :

من خلال هذا العرض الموجز لكلمات علماء العامة في أبان بن أبي عيّاش ، نعلم أن تضعيفهم له من أجل اعتقاده بإمامة الأئمة عليهم‌السلام ونشر أخبارهم ، وإلا فما الموجب لتضعيفه عند العامة سوى ما ذكرنا؟

ويشهد لما قلنا التعبير الوارد عن الذهبي نقلا عن أصحاب التراجم من أن الشرب من بول حمار أحبّ إليه من أن يروي شيئا عن أبان بن أبي عيّاش وكذا ما ورد عن شعبة من أنه لو لا الحياء من الناس ما صليت على أبان ، وليس الكذب علة في عدم الصلاة عليه وإنما العلة هي تشيّعه ، وأبان ـ بنظر الذهبي وأمثاله ـ ليس أول جرة كسرت في تراجمهم بل هناك رواة أجلّاء عند الإمامية نعتهم الذهبي (جريا على سلفه) بالرفض والكذب ، فها هو زرارة بن أعين الكوفي وأخوه حمران بن أعين اللذان أجمعت الطائفة على وثاقتهما وجلالة أمرهما ينعتهما بالرفض والكذب ، وكذا كلّ من ترجم له من رواة الشيعة.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٤ ؛ تهذيب التهذيب ج ١ / ٩٧.

(٢) الطبقات الكبرى ج ٧ / ٢٥٤.

(٣) الضعفاء الكبير ج ١ / ٣٨.

(٤) الضعفاء والمتروكين للدارقطني : رقم ١٠٣.

٥٢٨

قال في ترجمة زرارة بن أعين : «كوفي ، أخو حمران ، يترفض» (١).

وقال في ترجمة حمران : «.. ليس بشيء .. وقال أبو داود : رافضي ، وقال النسائي : ليس بثقة» (٢).

ويظهر أن منشأ تضعيفه عند علماء الإمامية أمثال ابن الغضائري والطوسي عند تعرّضه لأصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام ، وتوقف العلّامة الحلي فيه ، هو تسرّع ابن الغضائري بالحكم عليه بالضعف ، وتبعه الطوسي والحلي ، لذا قال الحلي :

«والأقوى عندي التوقف فيما يرويه لشهادة ابن الغضائري عليه بالضعف» (٣).

والعجب كيف صار تضعيف ابن الغضائري لأبان بن أبي عيّاش مناطا لتضعيفه عند البعض ، فلا معنى لتوقف العلّامة الحلي أعلى الله مقامه لمجرد أن ابن الغضائري ضعّف أبان بن أبي عيّاش ، وهل أن الحق يدور مع ابن الغضائري حيثما دار؟

قد يكون تضعيف ابن الغضائري سببه رواية أبان عن أنس بن مالك ، لكنّ روايته عنه لا تعني عدم الوثاقة به ، لا سيّما أن الروايات المنقولة عن أنس بن مالك بواسطة أبان لا تخلّ بموازين العقيدة إلّا رواية عرضها الذهبي (٤) في الميزان ، ولكن يظهر منها الدّس والتحريف على أبان ، لا سيّما وأن الراوي عن أبان هو الفضل بن المختار وهو ليس بثقة على حد تعبير صاحب (٥) ميزان الاعتدال فراجع. بالإضافة إلى أنه ليس الوحيد بتفرّده في نقل بعض الأخبار الشاذة ، ومع هذا لم يحكم أحد بتضعيفهم أو القدح بهم. وقد تكون روايته عن أنس قبل تعرّفه على هذا

__________________

(١) ميزان الاعتدال ج ٢ / ٦٩.

(٢) نفس المصدر ج ١ / ٦٠٤.

(٣) خلاصة الأقوال ص ٢٠٧.

(٤) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٣.

(٥) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٣.

٥٢٩

الأمر ، ويشهد له قصة (١) قدوم سليم إلى أبان وهروبه من الحجّاج.

إن منشأ القدح في أبان هو تشيّعه ، ويشهد له قول أحمد بن حنبل «قيل إنه كان له هوى» أي أنه من اهل الأهواء والمراد به التشيّع. من هنا تفطّن ثلة من متأخري علماء الإمامية وحكموا بوثاقته والاعتماد عليه ، ولم يكن ذلك إلّا حصيلة الدراسة في كيفيّة مواجهة العامة معه وملاحظة حياة أبان والقرائن الكثيرة التي تحتّف بها.

قال السيّد الأمين في أعيان الشيعة : «الظاهر أن منشأ تضعيف الشيخ له قول ابن الغضائري ، وصرّح العلّامة بأن ذلك منشأ توقّفه فيه كما سمعت ، وابن الغضائري حاله معلوم في أنه يضعّف بكلّ شيء ولم يسلم منه أحد فلا يعتمد على تضعيفه» (٢).

وقال السيّد الصفائي الخوانساري في كشف الأستار : «وإنما ضعّفه (أي ضعّف الشيخ أبانا) في أصحاب الباقر عليه‌السلام ولم يعلم سببه ، ولعلّه تضعيف المخالفين ... وينبغي عدّه ـ أي تضعيف المخالفين لأبان ـ من مدائحه» (٣).

وقال السيّد الموحّد الأبطحي في «تهذيب المقال» في بيان أنّ الشيخ أورد اسم أبان في ثلاثة موارد ولم يضعفه إلّا في أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام ، ولا يبعد كون قوله في أصحاب الباقرعليه‌السلام : «تابعي ضعيف» مصحّف «تابعي صغير» كما يظهر من العامة مدّعيا أنه ليس من كبار التابعين ... ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وقال : «تابعي صغير عن أنس وغيره ..»(٤).

وقال في موضع آخر : «إن ابن الغضائري بالإضافة إلى ضعف ما ذكره تفرّد

__________________

(١) كتاب سليم ص ٥٩.

(٢) أعيان الشيعة ج ٥ / ٥٠.

(٣) كشف الأستار ج ٢ / ٣٠ ومقدمة كتاب سليم للخوئيني ج ١ / ٢٢٢.

(٤) تهذيب المقال ج ١ / ١٨٢.

٥٣٠

في دعواه وأنكر عليه من تأخر عنه ، وهذا أقوى دليل على أنّ كلامه غير مبني على أساس وإلّا لالتفت إليه أحد ممن تأخّر عنه» (١).

ـ قال الميرداماد في الرواشح السماوية : «ثم إن أحمد بن الحسين بن الغضائري صاحب كتاب الرجال هذا .. في الأكثر مسارع إلى التضعيف بأدنى سبب» (٢).

ـ وقال المجلسي الأوّل : «وأنت خبير بأنّ ابن الغضائري لم يكن له معرفة بفحول أصحابنا وبجرحهم» (٣).

ـ وقال المجلسي الثاني : «الاعتماد على هذا الكتاب (أي كتاب ابن الغضائري) يوجب ردّ أكثر أخبار الكتب المشهورة» (٤).

وقال الوحيد البهبهاني : «قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو ثقة من قدحه! وجرح أعاظم الثقات وأجلّاء الرواة الذين لا يناسبهم ذلك ، وهذا يشير إلى عدم تحقيقه حال الرجال كما هو حقه أو كون أكثر ما يعتقده جرحا ليس في الحقيقة جرحا .. وبالجملة لا شك في أن ملاحظة حاله توهن الوثوق بمقاله» (٥).

ـ وقال السيّد محمّد صادق بحر العلوم : «.. الغضائري المعروف الذي لا عبرة بتضعيفاته كما نصّ على ذلك كل من ذكره من المؤلفين من ذوي الخبرة والتحقيق» (٦).

بل هناك تحقيق حول نسبة كتاب الضعفاء لابن الغضائري الذي فيه شكّك في وثاقة أبان ، فإن كتاب الضعفاء هو لأبي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله

__________________

(١) نفس المصدر ج ١ / ١٨٦.

(٢) الرواشح السماوية ص ١١١ ، الراشحة ٣٥.

(٣) تنقيح المقال ج ٢ / ٥٣.

(٤) تنقيح المقال ج ١ / ٥٧ رقم ٣٢٧ ومقدمة كتاب سليم للخوئيني ج ١ / ١٦٨.

(٥) مقدمة كتاب سليم ج ١ / ١٦٨ نقلا عن تعليقة البهبهاني على منهاج المقال.

(٦) الذريعة ج ١٠ / ٨٩ ، مقدمة كتاب سليم طبع النجف ص ١٥.

٥٣١

الغضائري وليس لأبيه الحسين أبي عبد الله شيخ الطائفة وهذا ليس عنده كتاب في علم الرجال ، لذا قال المحقّق الداماد في الرواشح السماوية :

«ابن الغضائري مصنّف كتاب الرجال المعروف .. ليس هو الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري العالم الفقيه العارف بالرجال والأخبار ، بل صاحب كتاب الرجال الدائر على الألسنة الشائع مع نقل التضعيف والتوثيق عنه هو سليل هذا الشيخ المعظّم أعني أبا الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري».

ثم نقل الميرداماد عن السيّد ابن طاوس في آخر ما استطرفه من كتاب «التحرير الطاوسي» قوله : «أحمد بن الحسين على ما يظهر لي هو ابن الحسين بن عبيد الله الغضائري ، فهذا الكتاب المعروف لأبي الحسين أحمد ، وأما أبوه الحسين أبو عبد الله ، شيخ الطائفة فتلميذاه النجاشي والشيخ ذكرا كتبه وتصانيفه ولم ينسبا إليه كتابا في الرجال .. وبالجملة لم يبلغني إلى الآن من واحد من الأصحاب أن له في الرجال كتابا» (١).

وبالجملة : فإن نسبة الكتاب المسمّى بالضعفاء إلى الحسين بن عبيد الله الغضائري شيخ الطائفة غير ثابتة ، لذا قال العلّامة الطهراني في الذريعة : «إن نسبة كتاب الضعفاء هذا إليه ـ أي إلى الحسين بن عبيد الله الرجالي المعروف ـ مما لم نجد له أصلا حتى أن ناشره قد تبرأ من عهدته بصحته ، فيحق لنا أن ننزّه ساحة ابن الغضائري عن الإقدام في تأليف هذا الكتاب والاقتحام في هتك هؤلاء المشاهير بالعفاف والتقوى والصلاح المذكورين في الكتاب والمطعونين بأنواع الجراح ، بل جملة من جراحاته سارية إلى المبرّءين من العيوب» (٢).

وقال في موضع آخر : «إن نسبة كتاب الضعفاء هذا إلى ابن الغضائري المشهور .. إجحاف في حقه عظيم ، وهو أجلّ من أن يقتحم في هتك أساطين

__________________

(١) الرواشح السماوية ص ١١١ الراشحة ٣٥.

(٢) الذريعة ج ٤ / ٢٩٠.

٥٣٢

الدين حتى لا يفلت من جرحه أحد من هؤلاء المشاهير بالتقوى والعفاف والصلاح. فالظاهر أن المؤلف لهذا الكتاب كان من المعاندين لكبراء الشيعة وكان يريد الوقيعة فيهم بكل حيلة ووجه ، فألّف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويها ليقبل عنه جميع ما أراد إثباته من الوقائع والقبائح» (١).

والمتحصل من ذلك «أن الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري لم يثبت بل جزم بعضهم بأنه موضوع ، وضعه بعض المخالفين ونسبه إلى ابن الغضائري بل إن الاختلاف في النقل عن هذا الكتاب يؤيد عدم ثبوته بل توجد في عدة موارد ترجمة شخص في نسخة ولا توجد في نسخة أخرى إلى غير ذلك من المؤيدات» (٢).

وزبدة المخض : إن تضعيف ابن الغضائري لأبان في الكتاب المنسوب إليه (أي إلى ابن الغضائري) لا قيمة لها وذلك لأن منشأها العامة ـ كما مرّ معك أخي القارئ ـ حيث إن أبان بن أبي عياش كان محسوبا على مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام بعد ما كان من أنصار المدرسة الأخرى في أول حياته ، وقد لعب سليم رضي الله تعالى عنه دورا بارزا في تشيّع (٣) أبان وتطلّعه إلى الحقيقة وفحصه عنها ، وقد انقلب أبان على موروثاته البيئية والتي لم تصبو به إلى الأمان الروحي ، وبعد اهتدائه بدأ الصراع العقيدي بينه وبين من كان منهم ، فانقلب عليهم بحسب ظنهم ، لأن كل من لم يكن من أتباع المدرسة البكرية (فهو بنظرهم) ضدهم ، فحصلت بين أبان والمخالفين بعض ما كان يرجى وقوعه ، فأخذوا يرمونه بكل ما عندهم من التعرّض إلى شخصيته العلمية كرميه بسوء الحفظ (٤) والنسيان ورواية المناكير ، أو إلى شخصيته الاجتماعية بنسبة الكذب والاختلاط إليه ، وقاموا بنشر ذلك في

__________________

(١) الذريعة ج ١٠ / ٨٩.

(٢) معجم رجال الحديث للخوئي ج ١ / ١٠٢.

(٣) فقد جاء عن أبان نفسه أنه لمّا قرأ كتاب سليم استعظم ما فيه ثم إن الإمام السجّاد عليه‌السلام وضّح له ما خفي عليه وبيّن له مباني التشيّع ، فصار من أعاظم الرواة وثقاتهم. راجع الكتاب نفسه ص ٥٩ ـ ٦٠ ط / دار الإرشاد ومقدمة الخوئيني ج ١ / ٢٢٧.

(٤) قد تقدّم عمّا ورد عن سفيان كيف أنه نعت أبان بالنسيان.

٥٣٣

المجتمع ، وكان في رأس هؤلاء المخالفين شعبة بن الحجاج الذي كان رأسا في النصب والعداء لأهل البيت النبوي عليهم‌السلام أيضا.

ولا شك أن وسائل الدعاية والإعلام إذا كانت في أيدي أصحاب فكرة خاصة تكون الغلبة معهم في كثير من المجالات التي تتصل بحياة أفراد المجتمع ، وخاصة الجانب العلمي وكلّ ما يرجع إلى الثقافة والتاريخ وغير ذلك ، فلذلك بقي هذا التصوير غير الحقيقي عن أبان في التاريخ ، ولم يبق للأجيال في صفحات التاريخ أي شيء آخر يصوّر أبان على صورته الحقيقية ، فكلّ من جاء بعد شعبة وتابعيه أخذ بكلامهم إمّا عمدا بقصد معارضة الشيعة ، وإمّا غفلة عمّا اتخذه أعداء الشيعة مسلكا لهم في الجرح والتعديل. وبما أن شخصية أبان كانت عظيمة في المجتمع آنذاك كبر على المخالفين ما كان يعلن من مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، فأوجب ذلك غيظهم وقاموا بإسقاطه عن أعين الناس وصدر عنهم كلمات يستحي الناقلون من نقلها ، ولم يكن كل هذه التوهينات والتّهم من عند العامة إلّا لتشيّعه.

ويدل على ما ذكرنا أمور :

١ ـ أن كثيرا من العامة رووا عن أبان كثيرا من الأحاديث وحتّى شعبة نفسه ، ثم أخذوا في الوقيعة فيه بعد ذلك ، بل إنهم شكّكوا بكلّ من وثق بأبان واعتمد عليه ، فها هو شعبة ينعت سلّم العلوي الذي يروي عن أبان «بأنه يرى الهلال قبل الناس بليلتين» استهزاء به وتصغيرا لشأنه ، كما أن قراءة سريعة لترجمة أبان في ميزان الاعتدال تعطيك انطباعا واضحا عن مدى الكراهية والبغض منهم لأبان ولمروياته ، فواحد جمع مصحفا من رواياته لكنه آخر الأمر لم يستحلّ أن يروي منها عنه حديثا واحدا ، ولئن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان ، بل ذكر الذهبي عن سويد ابن سعيد قال : سمعت عليّ بن مسهر قال : كتبت أنا وحمزة الزيّات عن أبان ابن أبي عيّاش نحوا من خمسمائة حديث ، فلقيت حمزة ، فأخبرني أنه رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام ؛ قال : فعرضتها عليه ، فما عرف منها إلّا اليسير خمسة أو ستة أحاديث.

٥٣٤

بل إنه العقيلي ـ بحسب زعم الذهبي ـ رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام فقال له : يا رسول الله أترضى أبان بن أبي عيّاش؟ قال : لا (١).

٢ ـ أن ما ذكره شعبة وغيره من أنه يكذب على رسول الله ، وأنه منكر الحديث وأنه لا يحلّ الكفّ عنه لأن الأمر دين ، ليس كل ذلك إلّا إشارة إلى ما كانوا يزعمون من أن الأحاديث الواردة في فضل أهل البيت عليهم‌السلام وولايتهم وكفر أعدائهم من المناكير وأنها كذب ، وأن القيام تجاه نشر أمثال هذه الأحاديث واجب ديني!!

٣ ـ أن قول أحمد بن حنبل «كان له هوى» لا يريد به إلا هوى أهل البيت عليهم‌السلام والتشيّع.

ثم إنه يدل على تشيّع أبان عدة أمور أخرى :

١ ـ أن نقل أبان لهذا الكتاب واستبقائه وتحفّظه به ومناولته لمثل عمر بن أذينة شيخ الشيعة في البصرة أقوى دليل على تشيّعه إلى آخر عمره ، وإلّا لما تحفّظ بالكتاب بل أعدمه بالمرة.

٢ ـ إن ما قاله له الإمام الباقر عليه‌السلام في الحديث (١٠) (٢) يدلّ على أنه كان من المقربين عند الأئمة عليهم‌السلام ، فإن ذا الحديث يخبر عن جميع ما جرى على أهل البيت عليهم‌السلام من الظلم وغصب الحقوق واختلاف الأحاديث الموضوعة ونحو ذلك. مضافا إلى ما ورد عنه من أنه التقى بالإمام السجّاد عليه‌السلام وسأله «عمّا يسعه جهله وعمّا لا يسعه جهله فأجابه بما أجابه» وهذا يدلّ على أوائل تشيّعه.

٣ ـ إن نفس مخالفة العامة له ، ووقيعتهم فيه أقوى دليل على تشيّعه.

ويدل على وثاقة أبان عدة أمور :

__________________

(١) فليراجع : ميزان الاعتدال ج ١ / ١٢ ترجمة أبان.

(٢) كتاب سليم ج ٢ / ٦٢٩ وص ٥٦١ وج ١ / ٢٢٦.

٥٣٥

(١) اعتماد العلماء على كتاب سليم الذي لم ينقله غير أبان ، مما يدل على جلالة قدره وإليك بعضها :

ـ قال الشيخ النعماني في الغيبة : «ليس بين جميع الشيعة ممّن حمل العلم ورواه عن الأئمةعليهم‌السلام خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول ... وهو من الأصول التي ترجع إليها الشيعة ..» (١).

ـ وقال العلّامة الطهراني في الذريعة : «وهو من الأصول القليلة التي أشرنا إلى أنها ألّفت قبل عصر الصادق عليه‌السلام» (٢).

وبيانا لمعنى «الأصل» وأهميته نقدّم ثلاثة نصوص :

قال الشيخ المفيد رحمه‌الله : «صنّفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى عصر أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام أربعمائة كتاب تسمّى الأصول ، وهو معنى قولهم : «له أصل» (٣).

قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : «وقد بلغنا عن مشايخنا قدس‌سرهم أنه كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا عن أحد من الأئمة عليهم‌السلام حديثا بادروا إلى إثباته في أصولهم لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كلّه بتمادي الأيام» (٤). وذكر مثل ذلك المير الداماد في الرواشح السماوية (٥).

قال العلّامة الطهراني في الذريعة : «الأصل من كتب الحديث هو ما كان المكتوب فيه مسموعا لمؤلّفه من المعصوم عليه‌السلام أو عمّن سمع منه لا منقولا عن مكتوب ... ومن الواضح أن احتمال الخطأ والغلط والسهو والنسيان وغيرها في

__________________

(١) الغيبة ص ٦١.

(٢) الذريعة ج ٢ / ١٥٢.

(٣) معالم العلماء لابن شهرآشوب ص ٣.

(٤) الذريعة ج ٢ / ١٢٨.

(٥) الرواشح السماوية ، الراشحة ٢٩.

٥٣٦

الأصل المسموع شفاها عن الإمام عليه‌السلام أو عمّن سمعه منه أقلّ ... فوجود الحديث في الأصل المعتمد عليه بمجرده كان من موجبات الحكم بالصحّة عند القدماء ..

هذه الميزة ترشّحت إلى الأصول من قبل مزيّة شخصية توجد في مؤلّفيها. تلك هي المثابرة الأكيدة على كيفية تأليفها والتحفّظ على ما لا يتحفّظ عليه غيرهم من المؤلّفين وبذلك صاروا ممدوحين من عند الأئمة عليهم‌السلام ... ولذا نعدّ قول أئمة الرجال في ترجمة أحدهم «إن له أصلا» من ألفاظ المدح له ..

إنّ المزايا التي توجد في الأصول ومؤلّفيها دعت أصحابنا إلى الاهتمام التام بشأنها قراءة ورواية وحفظا وتصحيحا ، والعناية الزائدة بها وتفضيلها على غيرها من المصنّفات. ويرشدنا إلى ذلك تخصيصهم الأصول بتصنيف فهرس خاص لها وإفرادهم مؤلّفيها على سائر الرواة والمصنّفين بتدوين تراجمهم مستقلة» (١).

ـ قال رحمه‌الله في موضع آخر :

«روي عن أبي عبد الله الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئا ، وو هو أبجد الشيعة ، وهو سر من أسرار آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

ـ وقال أيضا : «عن مختصر البصائر : أنه قرأ أبان بن أبي عيّاش كتاب سليم على سيّدنا عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، بحضور جماعة من أعيان أصحابه ، منهم أبو الطفيل ، فأقرّه عليه زين العابدين عليه‌السلام وقال : هذه أحاديثنا صحيحة» (٣).

ـ وذكر الكشي عرض الحديث المذكور آنفا على الإمام الباقر عليه‌السلام ـ بعد أبيه الإمام السجّاد عليه‌السلام ـ وأنه اغرورقت عيناه ، وقال ؛ صدق سليم ، وقد أتى أبي

__________________

(١) الذريعة ج ٢ / ١٢٥ ـ ١٢٨.

(٢) نفس المصدر ج ٢ / ١٥٢.

(٣) نفس المصدر ج ٢ / ١٥٢.

٥٣٧

بعد قتل جدي الحسين ، وأنا قاعد عنده فحدّثه بهذا الحديث بعينه فقال أبي : صدق ، وقد حدّثني أبي وعمي الحسن بهذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام» (١).

ـ ونقل عن كتاب سليم كثير من قدماء الأصحاب ، مثل : ثقة الإسلام في الكافي ، ورئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في الخصال ، وفرات في تفسيره ، ومن لا يحضره الفقيه ، وعيون المعجزات ، والاحتجاج ، وإثبات الرجعة ، والاختصاص ، وبصائر الدرجات ، وتفسير ابن ماهيار ، والدرّ النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم. فقد رووا عنه بأسانيد متعددة تنتهي أكثرها إلى أبان بن عيّاش ، الذي أعطاه سليم كتابه مناولة ، ويرويه أيضا عن سليم بغير مناولة (٢).

ـ وقد اعتبره النجاشي في جملة القلائل المتقدّمين في التصنيف من سلفنا الصالح (٣) ، وأشار إليه شيخ الطائفة الطوسي رحمه‌الله (٤) ، وابن شهرآشوب المازندراني (٥).

ـ أمّا المسعودي فقال : «والقطعية بالإمامة ، الاثنا عشرية منهم ، الذين أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه» (٦).

ـ وقال العلّامة السيّد ابن طاوس : «تضمّن الكتاب ما يشهد بشكره وصحّة كتابه»(٧).

ـ وقال المولى محمّد تقي المجلسي : «إنّ الشّيخين الأعظمين حكما بصحّة كتابه ، مع أنّ متن كتابه دالّ على صحّته» (٨).

__________________

(١) نفس المصدر ج ٢ / ١٥٣.

(٢) نفس المصدر ج ٢ / ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٣) رجال النجاشي ص ٦.

(٤) الفهرست ص ١٦٢.

(٥) معالم العلماء ص ٥٨.

(٦) التنبيه والاشراف ص ١٩٨.

(٧) التحرير الطاوسي ص ١٣٦.

(٨) روضة المتّقين ج ١٤ / ٣٧٢.

٥٣٨

وقال : «كفى باعتماد الصّدوقين : «الكليني والصدوق ابن بابويه» عليه ... وهذا الأصل عندي ومتنه دليل صحّته» (١).

ـ وقد اعتبره المحدّث المتبحر الشيخ الحرّ من الكتب المعتمدة التي شهد بصحتها مألوفها وغيرهم ، وقامت القرائن على ثبوتها ، وتواترت عن مؤلّفيها أو علمت صحّة نسبتها إليهم (٢).

ـ وراجع ما نقله الفاضل المعاصر الشيخ محمد باقر الأنصاري الزنجاني الخوئيني في مقدمة كتاب سليم بن قيس (٣) عن العلّامة السيد مصطفى التفريشي ، والعلّامة السيد هاشم البحراني ، والمدقّق الشيرواني ، والفاضل المتبحر مير حامد حسين صاحب كتاب عبقات الأنوار والحر العاملي والسيد محمد باقر الخوانساري وغيرهم.

ـ وقال ابن أبي الحديد المتوفى عام ٦٥٦ ه‍ : «سليم معروف المذهب ، وكتابه المعروف بينهم المسمّى كتاب سليم» (٤).

ـ وقال القاضي بدر الدين السبكي المتوفى عام ٧٦٩ ه‍ : «إن أول كتاب صنّف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس الهلالي» (٥).

ـ وقال شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي : «سليم بن قيس الهلالي يكنّى أبا صادق ، له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد ..» (٦).

ـ وقال النجاشي المتوفى عام ٤٥٠ ه‍ : «سليم بن قيس الهلالي له كتاب يكنى

__________________

(١) تنقيح المقال ج ٢ / ٥٣.

(٢) وسائل الشيعة ج ٢٠ / ٣٦ و ٤٢.

(٣) كتاب سليم / الخوئيني ج ١ / ١٠٩ ـ ١١٣.

(٤) شرح نهج البلاغة ج ١٢ / ٢١٦ ومقدمة الخوئيني ج ١ / ١٠٥.

(٥) الذريعة ج ٢ / ١٥٣.

(٦) الفهرست للطوسي ص ٨١ رقم ٣٣٦.

٥٣٩

أبا صادق ..» (١).

ـ قال الحافظ الشهير محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني المتوفى عام ٥٨٨ ه‍ : «سليم بن قيس الهلالي صاحب الأحاديث ، له كتاب» (٢).

إذن ، اعتماد العلماء قديما وحديثا على الكتاب يعتبر دليلا على وثاقة أبان الذي لم ينقله عن سليم غيره.

(٢) إن نفس اعتماد سليم عليه وإعطائه الكتاب أقوى دليل على صدق أبان بن أبي عيّاش في نقل الكتاب عن سليم

، والذي تشهد القرائن الكثيرة ـ وقد أشرنا إلى بعضها ـ على صحة نسبة الكتاب إلى سليم.

(٣) إقرار كثير ممن أوقع في أبان بأنه كان من العبّاد ومعروفا بالخير كقولهم «ما زال نعرفه بالخير مذ كان» (٣) وقولهم «كان أبان من العبّاد» (٤) وقولهم «إنه كان طاوس القراء» (٥) «وأرجو أن لا يتعمد الكذب» (٦).

ونعم ما قال الفاضل الشيخ محمّد باقر الأنصاري الخوئيني :

«إن أبان بن أبي عيّاش كان من كبار علماء الشيعة ، وكان متصلا بالأئمة المعصومينعليهم‌السلام وأصحابهم ، وأنه كان ممن أصابه سهام التهمة والافتراء من الأعداء في سبيل إحياء مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو أوثق من أن يبحث عن ذلك فيه ، وله علينا حقّ عظيم لسعيه الوافر في استبقاء هذا التراث القيّم ـ يقصد كتاب سليم ـ في تلك الظروف المملوءة بالغشم والإرهاب والاتّهام ، جزاه الله عن أهل بيت نبيّه خير الجزاء» (٧).

__________________

(١) رجال النجاشي ج ١ / ٦٩ تحقيق محمد جواد النائيني.

(٢) معالم العلماء ص ٥٨ رقم ٣٩.

(٣) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٠.

(٤) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٠.

(٥) المقدمة للخوئيني ج ١ / ٢٢٠ نقلا عن الضعفاء الكبير ج ١ / ٣٨.

(٦) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٤.

(٧) مقدمة سليم ج ١ / ٢٣٠.

٥٤٠