أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة وأخلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله ، أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهّد وهمّ لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم ، كمد مقيّح ، وهمّ مهيج ، سرعان ما فرق بيننا ، وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا .. إلى أن قال عليه‌السلام : فبعين الله تدفن ابنتك سرّا وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر ، وإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء صلّى الله عليك وعليها‌السلام والرضوان (١).

وروي عن عبد الله بن محمد الجعفي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : إن فاطمة عليها‌السلام لمّا أن كان من أمرهم ما كان ، أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ، ثم قالت : أما والله يا ابن الخطاب لو لا إني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له ، لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سريع الإجابة (٢).

(٥) ذكر الثقة الشيخ أبي القاسم الكوفي (المتوفى عام ٣٥٢ ه‍) بعض ظلاماتهاعليها‌السلام فقال : «ثم إن أبا بكر عمد إلى الطامة الكبرى والمصيبة العظمى في ظلم فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقبض دونها تركات أبيها مما خلّفه عليها من الضياع والبساتين وغيرها وجعل ذلك كلّه بزعمه صدقة للمسلمين وأخرج أرض فدك من يدها فزعم هذه الأرض كانت لرسول الله إنما هي في يدك طعمة منه لك ، وزعم أن رسول الله قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركنا ، فهو صدقة ، فذكرت فاطمة عليها‌السلام برواية جميع أوليائه أن رسول الله قد جعل لي أرض فدك هبة وهدية ، فقال لها : هات بيّنة تشهد لك بذلك فجاءت أم أيمن فشهدت لها ، فقال : امرأة لا نحكم بشهادة امرأة ، وهم رووا جميعا أن النبيّ قال : أم أيمن من أهل

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ / ٤٥٩.

(٢) نفس المصدر ج ١ / ٤٦٠ ح ٥.

٤٦١

الجنّة فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام يشهد لها ، فقال : هذا بعلك وإنما يجر إلى نفسه ، وهم قد رووا جميعا أن رسول الله قال : عليّ مع الحق ، والحق مع عليّ يدور معه حيث دار ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، هذا مع ما أخبر الله به من تطهيره لعليّ وفاطمة عليها‌السلام من الرجس ، وجميع الباطن بجميع وجوهه رجس ، فمن توهم أن عليّا وفاطمة عليها‌السلام يدخلان من بعد هذا الإخبار من الله في شيء من الكذب والباطل على غفلة أو تعمد فقد كذّب الله ، ومن كذّب الله فقد كفر بغير خلاف ، فغضبت فاطمة عليها‌السلام عند ذلك فانصرفت من عنده وحلفت أنها لا تكلمه وصاحبه حتى لتقى أباها فتشكو إليه ما صنعا بها فلمّا حضرتها الوفاة أوصت عليّا عليه‌السلام أن يدفنها ليلا لئلا يصلّي عليها أحد منهم ، ففعل ذلك ، فجاءوا من الغد يسألون عنها فعرفهم أنه قد دفنها ، فقالوا له : ما حملك على ما صنعت؟ قال عليه‌السلام : أوصتني بذلك فكرهت أن أخالف وصيّتها وهم قد رووا جميعا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عزوجل ...» (١).

وقال قدّس الله سرّه الشريف : «ورووا كذلك جميعا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمةعليها‌السلام: يا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ، فإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبر أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها وأنّ من آذاها فقد آذى رسول الله ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، وقد دلّ دفنها بالليل من غير أن يصلّي عليها أحد منهم أو من أوليائهم أنّ ذلك كان منها غضبا عليهم بما اجترءوا عليها وظلموها ، وإذا كان ذلك كذلك فقد غضب الله عليهم الأمر بعد أن آذوها فإذا قد آذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأذاهم إياها وقد آذوا الله عزوجل بأذاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ الله عزوجل يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٢).

__________________

(١) كتاب الاستغاثة ص ١٢ ـ ١٤.

(٢) سورة الأحزاب : ٥٧.

٤٦٢

وروى مشايخنا أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر حين لم يقبل شهادته : يا أبا بكر أصدقني عمّا أسألك ، قال : قل ، قال عليه‌السلام : أخبرني لو أنّ رجلين احتكما إليك في شيء في يد أحدهما دون الآخر أكنت تخرجه من يده دون أن يثبت عندك ظلمه ، قال : لا ، قال : فممّن كنت تطلب البيّنة منهما أو على من كنت توجب اليمين منهما ، قال : أطلب البيّنة من المدّعي وأوجب اليمين على المنكر ، قال رسول الله : البينة على المدّعي واليمين على المنكر ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أفتحكم فينا بغير ما تحكم به في غيرنا؟! قال : فكيف ذلك؟ قال : إنّ الذين يزعمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما تركناه فهو صدقة وأنت ممّن له في هذه الصدقة إذا صحّت نصيب وأنت فلا تجيز شهادة الشريك لشريكه فيما يشاركه فيه وتركة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحكم الإسلام في أيدينا إلى أن تقوم البيّنة العادلة بأنها لغيرنا فعلى من ادّعى ذلك علينا إقامة البيّنة ممّن لا نصيب له فيما يشهد به علينا وعلينا اليمين فيما ننكره ، فقد خالفت حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قبلت شهادة الشريك في الصدقة وطالبتنا بإقامة البيّنة على ما ننكره مما ادّعوه علينا فهل هذا إلا ظلم وتحامل!

ثم قال عليه‌السلام : يا أبا بكر أرأيت لو شهد عندك شهود من المسلمين المعدلين عندك على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال : كنت والله أقيم عليها حدّ الله في ذلك ، قال له : إذا كنت تخرج من دين الله ودين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : لم؟ قال : لأنك تكذّب الله وتصدّق المخلوقين إذ قد شهد الله لفاطمة بالطهارة من الرجس في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فقلت أنت أنك تقبل شهادة من شهد عليها بالرجس إذ الفواحش كلها رجس وتترك شهادة الله لها بنفي الرجس عنها ، فلمّا لم يجد جوابا قام من مجلسه ذلك وترك عليّا عليه‌السلام.

فانظروا يا أهل الفهم هل جرى في الإسلام بدعة أظلم وأظهر وأفظع وأعظم وأشنع من طالب ورثة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإقامة البيّنة على تركة الرسول أنّها لهم مع

٤٦٣

شهادة الله لورثة الرسول بإزالة جميع الباطل عنهم وذلك كلّه بحكم الإسلام في أيديهم وقد رووا أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «نحن أهل بيت لا تحلّ علينا الصّدقة» ؛ أفيجوز لمسلم أن يتوهّم على أهل بيت الرسول عليهم‌السلام أنهم طلبوا شيئا من الحرام؟!! ..» (١).

(٦) ما ذكره الشيخ الصدوق (المتوفى عام ٣٨١ ه‍) وقد تقدم قوله فلا نعيد.

(٧) ما اعتقده الشيخ المفيد من أن الصدّيقة الطاهرة ماتت شهيدة ، وأن قاتلها وقاتل جنينها يتعذّب في النار ، فقد روى عن عبد الله بن بكر الأرجاني قال :

صحبت أبا عبد الله عليه‌السلام في طريق مكة من المدينة فنزل منزلا يقال له : عسفان ثم مررنا بجبل أسود على يسار الطريق .. فقلت : يا ابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق جبلا أوحش منه ، فقال : يا ابن بكر تدري أيّ جبل هذا؟ قلت : لا ، قال : هذا جبل يقال له: الكمد ، وهو على واد من أودية جهنم ، فيه قتلة أبي الحسين بن عليّ عليهما‌السلام استودعوه ، يجري من تحته مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم الآن ، وما يخرج من جهنم ، وما يخرج من الفلق ، وما يخرج من آثام ، وما يخرج من طينة خبال ، وما يخرج من لظى ، وما يخرج من الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الجحيم ، وما يخرج من الهاوية ، وما يخرج من السعير ، وما مررت بهذا الجبل قط في مسيري فوقفت إلّا رأيتهما يستغيثان بي ويتضرّعان إليّ وإني لأنظر إلى قتلة أبي فأقول لهما : إن هؤلاء إنما فعلوا بنا ما فعلوا لمّا أسّستما لم ترجمونا لمّا وليتم وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم على حقّنا واستبددتم بالأمر دوننا ، فلا رحم الله من يرحمكما صنعتما وما الله بظلّام للعبيد ، وأشدّهما تضرّعا واستكانة الثاني ، فربما وقفت عليهما ليتسلّى عني بعض ما يعرض في قلبي ، وربما طويت الجبل الذي هما فيه وهو جبل الكمد ، قلت : جعلت فداك ، فإذا طويت الجبل فما تسمع؟ قال : أسمع أصواتهم ينادون عرّج إلينا

__________________

(١) كتاب الاستغاثة ص ١٥ ـ ١٧.

٤٦٤

نكلّمك فإنّا نتوب ، وأسمع صارخا من الجبل يقول : لا تكلّمهم وقل لهم : اخسئوا فيها ولا تكلّمون ، قلت : جعلت فداك ومن معهم؟ قال : كلّ فرعون عتا على الله وحكى الله عنه فعاله، وكلّ من علّم العباد الكفر ، قلت : من هم؟ قال : نحو قورس [بولس] الذي علّم اليهود أنّ عزيرا ابن الله ، ونحو نسطور الذي علّم النصارى أن المسيح ابن الله ، وقال لهم : هم ثلاثة ، ونحو فرعون موسى الذي قال : أنا ربّكم الأعلى ، ونحو نمرود الذي قال : قهرت الأرض وقتلت من في السماء ، وقاتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقاتل فاطمة عليها‌السلام وقاتل المحسن [ظ : محسن] وقاتل الحسن والحسين عليهم‌السلام ، فأما معاوية وعمرو بن العاص فما يطمعان في الخلاص ومعهم كلّ من نصب لنا العداوة وعاون علينا بلسانه ويده ..» (١).

(٨) وقال علم الهدى السيد المرتضى (المتوفى عام ٤٣٦ ه‍):

«قد روى أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ـ وحاله في الثقة عند العامة ، والبعد عن مقاربة الشيعة ، والضبط لما يرويه معروف ـ : حدّثني بكر بن الهيثم ، قال : حدّثنا عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس قال : بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى عليّ حيث قعد عن بيعته وقال : ائتني به بأعنف العنف ، فلمّا أتاه جرى بينهما كلام ، فقال عليّ : احلب حلبا لك شطره ، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلّا ليؤمّرك غدا ، وما تنفّس على أبي بكر هذا الأمر ، لكنّا أنكرنا ترككم مشاورتنا وقلنا : إن لنا حقا لا تجهلونه.

وهذا الخبر يتضمّن ما جرت عليه الحال وما يقوله الشيعة بعينه ، وقد أنطق الله به رواتهم ، وقد روى البلاذري ، عن المدائني عن مسلمة بن محارب ، عن سليمان التميمي ، وعن ابن عون أنّ أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد بيعته فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقّته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا بن الخطاب! أتراك محرقا عليّ بابي؟! قال : نعم وذلك أقوى مما جاء به أبوك ، وجاء عليّ فبايع.

__________________

(١) الاختصاص ص ٣٤٤ ط / المفيد بيروت وص ١٨٥ ـ ١٨٦ ، ولاحظ أيضا : أماليه ص ٤٩.

٤٦٥

وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة وإنما الطريف أن يرويه شيوخ محدّثي العامة ، لكنهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة ، وربما تنبّهوا على ما في بعض ما يروونه عليهم فكفّوا عنه ؛ وأيّ اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع؟!

وقد روى إبراهيم بن سعيد الثقفي ، قال : حدّثنا أحمد بن عمرو البجلي ، قال : حدّثنا أحمد بن حبيب العامري ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : والله ما بايع عليّ عليه‌السلام حتى رأى الدخان قد دخل بيته (١).

وقال قدس‌سره في موضع آخر من كتابه الشافي :

فأما قوله ـ أي قاضي القضاة المعتزلي ـ : «إنّ حديث الإحراق ما صحّ ، ولو صحّ لم يكن طعنا لأن له أن يهدّد من امتنع من المبايعة إرادة للخلاف على المسلمين»! فقد بيّنا أن خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة ـ ممّن لا يتّهم على القوم ـ وإنّ دفع الروايات بغير حجّة أكثر من نفس المذاهب المختلف فيها لا يجدي شيئا ، والذي اعتذر به من حديث الإحراق إذا صح ظريف ، وأي عذر لمن أراد أن يحرق على أمير المؤمنين وفاطمة منزلهما؟! وهل يكون في مثل ذلك علّة يصغى إليها أو تسمع؟ وإنما يكون مخالفا للمسلمين وخارقا لإجماعهم إذا كان الإجماع قد تقرر وثبت ، وإنما يصحّ لهم الإجماع متى كان أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن قعد عن البيعة ممّن انحاز إلى بيت فاطمة سلام الله عليها داخلا فيه وغير خارج عنه ؛ وأيّ إجماع يصحّ مع خلاف أمير المؤمنين عليه‌السلام وحده ، فضلا عن أن يبايعه على ذلك غيره ، وهذه زلة من صاحب الكتاب وممن حكى احتجاجه.

وبعد ، فلا فرق بين أن يهدّد بالإحراق للعلّة التي ذكرها ، وبين ضرب فاطمة سلام الله عليها لمثل هذه العلّة ، فإنّ إحراق المنازل أعظم من ضربه بالسوط ، وما

__________________

(١) الشافي في الإمامة ص ٢٠٤ طبعة حجرية ، إيران ، تلخيص الشافي ج ٣ / ٧٥ ط / دار الكتب ـ إيران ، والبحار ج ٢٨ / ٣٨٩.

٤٦٦

يحسن الكبير ممن أراد الخلاف على المسلمين أولى بأن يحسن الصغير ، فلا وجه لامتعاض صاحب الكتاب من ضربة السوط وتكذيب ناقلها وعنده مثل هذا الاعتذار (١).

(٩) ما أفاده شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (المتوفى عام ٤٦٠ ه‍) بدعواه الإجماع على مظلوميتها عليها‌السلام ، فقال :

«ومما أنكر عليه ـ أي أبي بكر ـ ضربهم لفاطمة عليها‌السلام ، وقد روي : إنهم ضربوها بالسياط ، والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة ، أن عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت ، فسمي السقط (محسنا) ، والرواية بذلك مشهورة عندهم وما أرادوا من إحراق البيت عليها ـ حين التجأ إليها قوم ، وامتنعوا من بيعته ـ وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك ، لأنّا قد بيّنا الرواية الواردة من جهة العامة من طريق البلاذري وغيره ، ورواية الشيعة مستفيضة به ، لا يختلفون في ذلك ..» (٢).

وهكذا تسالم على مظلوميتها كلّ من جاء بعد الطوسي عليه الرحمة أمثال الشيخ الطبرسي في الاحتجاج (٣) والديلمي في الإرشاد (٤) ، والطبري في دلائل الإمامة (٥) ، والخواجه نصير الدين الطوسي في تجريد الاعتقاد (٦) ، والحلّي في كشف المراد ونهج الحق (٧) ، والمجلسي الأول في روضة المتقين (٨) ، والمجلسي الثاني في البحار (٩).

__________________

(١) نفس المصدر ج ٤ / ١١٩ ط / مؤسسة الصادق ـ طهران ؛ وص ٢٤٠ طبعة حجرية ، إيران.

(٢) تلخيص الشافي للطوسي ج ٣ / ١٥٦ ط / دار الكتب الإسلامية ـ قم.

(٣) ج ١ / ١٠٩.

(٤) ج ٢ / ٢٦٣.

(٥) ص ٤٦.

(٦) ص ٤٠٢.

(٧) ص ٤٠٢.

(٨) ج ٥ / ٣٤٢ ـ ٣٤٦.

(٩) ج ٢٣ / ٢٣٥ وج ٢٨ / ٢٦١.

٤٦٧

وهكذا ذكرها السيوري في شرح باب حادي عشر (١) ، والاربلي في كشف الغمة (٢) ، والنباطي البياضي في الصراط المستقيم (٣) ، والمحقق الكركي في نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت (٤) ، والشهيد القاضي التستري في إحقاق الحق (٥) ، والفيض الكاشاني في علم اليقين(٦) ، والحر العاملي في إثبات الهداة (٧).

كما أن العلّامة الأميني قد ذكرها في الغدير (٨) ، وشرف الدين في المراجعات (٩) والمجالس الفاخرة (١٠) ، والمظفر في دلائل الصدق (١١) ..

وبالجملة ، فكل من كتب بإنصاف في مسألة فدك والخلافة فقد تطرق إليها عدا من غلبت عليه التقية والمداراة ، فأخفى مظلوميتها روحي فداها ، وهذه الشرذمة ـ وإن أخفت ظلاماتها ـ إلّا أن ما ظهر بشأن ذلك كان كنور الشمس في رابعة النهار ، وهل يخفى على ذي حجى؟! لا وربّ الراقصات.

كما لا يخفى أن سيرة المتدينين كانت جارية وما زالت على الحزن على الصدّيقة الطاهرة الزكية بسبب ما جرى عليها من الظلم والحيف من قبل أبي بكر وعمر وأتباعهما ، هذا مضافا إلى ما نظمه الشعراء والأدباء في مظلوميتها وشكايتها

__________________

(١) ص ١١١ ط / دار الأضواء.

(٢) ج ٢ / ١٣٢.

(٣) ج ٣ / ١٢.

(٤) ص ٧٨ ، مخطوطة.

(٥) ج ٢ / ٣٧٠.

(٦) ج ٢ / ٦٨.

(٧) ج ٢ / ٣٦٠ ح ١٦٦.

(٨) ج ٧ / ٧٤ و ٨٥ و ٨٦.

(٩) المراجعة رقم ٨٣.

(١٠) ص ٣٥.

(١١) ج ٣ / ٥٣.

٤٦٨

من بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيرة كهذه تعتبر دليلا على صحة وقوع القضية ، وإلا فإن التشكيك أيضا في السيرة مع توفر النصوص المتواترة على ظلامتها ، دليل آخر على عدم إيمان ذاك المشكّك بمظلومية الصدّيقة الطاهرة الشهيدة.

وها باقة من شعر محبي أهل البيت عليهم‌السلام حيث تفجرت قرائحهم على مآسي أئمتهم ، حيث آلمهم المصاب الجلل على مصيبة سيّدة النساء فاطمة البتول عليها‌السلام عامة ، وفي خبر المسمار خاصة ، وظل خبر المسمار الدامي الذي نبت في صدر الصدّيقة تتذاكره الشيعة جيلا بعد جيل. وأشعار هؤلاء يعتبر سندا تاريخيا قويا ، ومضمونه يؤكد ما رواه المحدثون والمؤرخون لا سيما أن بعضهم كان معاصرا للأئمة عليهم‌السلام أو كان قريبا من عصرهم ، مما يجعل القضية في دائرة المسلمات عند الإمامية.

فها هو الشيخ الكبير المحقّق محمّد حسين الأصفهاني الغروي النجفي أعلى الله مقامه الشريف (المتوفى عام ١٣٦١ ه‍) يقول في قصيدة طويلة له :

أيضرم النار بباب دارها

وآية النور على منارها

وبابها باب نبيّ الرحمة

وباب أبواب نجاة الأمّة

بل بابها باب العليّ الأعلى

فثمّ وجه الله قد تجلّى

ما اكتسبوا بالنار غير العار

ومن ورائه عذاب النار

ما أجهل القوم فإنّ النار لا

تطفئ نور الله جلّ وعلا

لكنّ كسر الضلع ليس ينجبر

إلا بصمصام عزيز مقتدر

إذ رضّ تلك الأضلع الزكية

رزية لا مثلها رزيّة

ومن نبوع الدم من ثدييها

يعرف عظم ما جرى عليها

وجاوزوا الحدّ بلطم الخدّ

شلّت يد الطغيان والتعدّي

فاحمرّت العين وعين المعرفة

تذرف بالدمع على تلك الصفة

ولا تزيل حمرة العين سوى

بيض السيوف يوم ينشر اللوى

وللسياط رنّة صداها

في مسمع الدهر فما أشجاها

٤٦٩

والأثر الباقي كمثل الدّملج

في عضد الزهراء أقوى الحجج

ومن سواد متنها اسودّ الفضا

يا ساعد الله الإمام المرتضى

ووكز نعل السيف في جنبيها

أتى بكلّ ما أنى عليها

ولست أدري خبر المسمار

سل صدرها خزانة الأسرار

وفي جنين المجد ما يدمي الحشى

وهل لهم إخفاء أمر قد فشى

والباب والجدار والدماء

شهود صدق ما به خفاء

لقد جنى الجاني على جنينها

فاندكّت الجبال من حنينها

أهكذا يصنع بابنة النبيّ

حرصا على الملك فيا للعجب

أتمنع المكروبة المفروحة

عن البكاء خوفا من الفضيحة

تالله ينبغي لها تبكي دما

ما دامت الأرض ودارة السما

لفقد عزّها أبيها السّامي

ولاهتضامها وذلّ الحامي

أتستباح نحلة الصدّيقة

وإرثها من أشرف الخليقة

كيف يردّ قولها بالزّور

إذ هو ردّ آية التطهير

أيؤخذ الدّين من الأعرابي

وينبذ المنصوص في الكتاب

فاستلبوا ما ملكت يداها

وارتكبوا الخزية منتهاها

يا ويلهم قد سألوها البيّنة

على خلاف السنّة المبيّنة

وردّهم شهادة الشهود

أكبر شاهد على المقصود

ولم يكن سدّ الثغور غرضا

بل سدّ بابها وباب المرتضى

صدّوا عن الحق وسدّوا بابه

كأنّهم قد آمنوا عذابه

أبضعة الطهر العظيم قدرها

تدفن ليلا ويعفى قبرها

ما دفنت ليلا بستر وخفا

إلا لوجدها على أهل الجفاء

ما سمع السامع فيما سمعا

مجهولة بالقدر والقبر معا

يا ويلهم من غضب الجبّار

بظلمهم ريحانة المختار (١)

__________________

(١) ديوان الأصفهاني المعروف ب «الأنوار القدسية».

٤٧٠

وقال السيّد باقر بن السيّد محمّد الهندي (المتوفى عام ١٣٢٩ ه‍) :

أوتدري لم أحرقوا الباب

بالنار أرادوا إطفاء ذاك النور

أوتدري ما صدر فاطم ما

المسمار ما حال ضلعها المكسور

ما سقوط الجنين ما حمرة العين

وما بال قرطها المنثور

دخلوا الدار وهي حسرى بمرأى

من عليّ ذاك الأبي الغيور

واستداروا بغيا على أسد الله

فأضحى يقاد قود البعير

والبتول الزهراء في إثرهم تعثر

في ذيل بردها المجرور

بأنين أورى القلوب ضراما

وحنين أذاب صمّ الصخور

ودعتهم : خلوا ابن عمي عليّا

أو لأشكو إلى السميع البصير

ما رعوها بل روّعوها ومرّوا

بعليّ ملبّبا كالأسير

وعليّ يرى ويسمع والسيف

رهيف والباع غير قصير

قيدته وصية من أخيه

حمّلته ما ليس بالمقدور

أفصبرا يا صاحب الأمر والخطب

جليل يذيب قلب الصبور

كم مصاب يطول فيه بياني

قد عرى الطهر في الزمان القصير

كيف من بعد حمرة العين منها

يا ابن طه تهنى بطرف قرير

فابك وازفر لها فإنّ عداها

منعوها من البكا والزفير

وكأني به يقول ويبكي

بسلوّ نزر ودمع غزير

لا تراني اتخذت لا وعلاها

بعد بيت الأحزان بيت السرور

فمتى يا ابن فاطم تنشر الطاغوت

والجبت قبل يوم النشور (١)

وقال الشيخ مفلح الصيمري (المتوفى عام ٩٠٠ ه‍) :

فجاءوا إليها يهرعون فأقبلت

عليهم وقالت فاسمعوا ثم افهموا

صداقي عليكم ظلم آل محمد

وشيعتهم أهل الفضائل منهم

__________________

(١) رياض المدح والرثاء ص ١٩٧.

٤٧١

فقالوا رضينا بالصداق وأسرجوا

على حربهم خيل الضلال وألجموا

وشنوا بها الغارات من كل جانب

وخصوا بها آل النبي وصمموا

أزالوهم بالقهر عن إرث جدهم

عنادا وما شاءوا أحلوا وحرموا

وقادوا عليّا في حمائل سيفه

وعمار دقوا ضلعه وتهجموا

على بيت بنت المصطفى وإمامهم

ينادي ألا في بيتها النار أضرموا

وتغصب ميراث النبيّ محمّد

وتوجع ضربا بالسياط وتلطم (١)

وقال السيّد صدر الدين الصّدر (المتوفى عام ١٣٧٣ ه‍) في إحدى مرثياته :

من سعى في ظلمها من راعها

من علا فاطمة الزهراء جارا

من غدا ظلما على الدار التي

اتخذتها الإنس والجن مزارا

طالما الأملاك فيها أصبحت

تلثم الأعتاب فيها والجدارا

ومن النار بها ينجو الورى

من على أعتابها أضرم نارا

والنبيّ المصطفى كم جاءها

يطلب الإذن من الزهراء مرارا

وعليها هجم القوم ولم

تك لاذت لا وعلياها الخمارا

لست أنساها ويا لهفي لها

إذ وراء الباب لاذت كي توارا

فتك الرجس على الباب ولا

تسألن عمّا جرى ثم وصارا

لا تسلني كيف رضّوا ضلعها

واسألنّ الباب عنها والجدارا

وسألن لؤلؤ قرطيها لما

انتثرت والعين لم تشكو احمرارا

وهل المسمار موتور لها

فغدا في صدرها يطلب ثارا (٢)

وقال الأديب المعاصر يحيى عبد الأمير شامي العاملي (المولود عام ١٩٣٧ م) :

__________________

(١) المنتخب للطريحي ص ١٣٧ ط / الأعلمي.

(٢) الأسرار الفاطمية ص ١٢٦ محمد فاضل المسعودي ؛ والكوثر في أحوال فاطمة عليها‌السلام للسيد محمد باقر الموسوي ج ٧ / ٢٣.

٤٧٢

ما شئت قل فيها ، ألا ، قل فيها

ما شئت ، فهي الطّهر أمّ أبيها

فطمت محبيها عن النار التي

يصلّى بها مترنحا صاليها

زهراء ، ما هذي النجوم الزّهر ما

شمس ، وما قمر هناك يليها

حوراء ما حمل النساء كمثلها

لقب البتول لوحده يكفيها

ما لي إذا ذكروا البتول فأدمعي

فاضت على الخدّين ما أخفيها

وتفطّرت كبدي أسى ، ألأنّهم

همّوا بحرق الدار إذ هي فيها

أم لانكسار الضّلع ، واها ما الذي

فعلوه ، واها ، ثم إيها إيها

أم للجنين السّقط سال دماغه

من فرط ضغط الباب ما ينجيها

منهم قرابتها لأحمد ، ويحهم

يا بئس ما اقترفت يدا جانيها

قد أسخطوا الباري بسخط نبيّهم

وهو الذي يؤذيه ما يؤذيها

ولكم بها أوصى وقبّل نحرها

يستاف ريح جنانها من فيها

يشكو إليها ما تلاقي بعده

وإليه كم أفضت بما يشجيها

أمّ المصائب يا بتول. وكم شج

لشجاك فهو مدلّه تدليها

ما كان أعظم ما أصابك من أذى

أدناه كم كبد لظى يكويها

هضموك أرضا عن أبيك ورثتها

زعما بأنّك لست من أهليها

عجبا ، وهل بخلاف شرع محمد

يقضى ، فوا عجباه من قاضيها

يا بنت أشرف والد ، يا زوج من

هزم الصفوف بسيفه يفريها

يا أمّ سادات الورى من حبّهم

منجى ومن قد نزّهوا تنزيها

لي يا بتول أمانة أودعتها

ذخرا لديك لحاجة أقضيها

أن تشفعي في الحشر لي كم زلّة

قارفتها سفها وما أحصيها

فبحق جاهك عند ربّك فاشفعي

ردّي عليّ أمانتي ردّيها (١)

وللسيّد محمّد نجل السيّد جمال الدين الكلبايكاني (المتوفى عام ١٣٩٧ ه‍) :

شعّت فلا الشمس تحكيها ولا القمر

زهراء من نورها الأكوان تزدهر

__________________

(١) ديوان «محض الولاء» / الاستاذ يحيى شامي ص ٤١.

٤٧٣

بنت الخلود بها الأجيال خاشعة

أم الزمان إليها تنتهي العصر

روح الحياة فلو لا لطف عناصرها

لم تأتلف بيننا الأرواح والصور

سمت عن الأفق لا روح ولا ملك

وفاقت الأرض لا جن ولا بشر

مجبولة من جلال الله طينتها

يرف لطفا عليها الصّون والخفر

خصالها الغر جلّت أن تلوك بها

منا المقاول أو تدنو لها الفكر

معنى النبوّة سرّ الوحي قد نزلت

في بيت عصمتها الآيات والسّور

حوت خلال رسول الله أجمعها

لو لا الرسالة ساوى أصله الثمر

تدرّجت في مراقي الحقّ عارجة

لمشرق النور حيث السر مستتر

ثم انثنت تملأ الدنيا معارفها

تطوي القرون عياء وهي تنتشر

قل للذي راح يخفي فضلها حسدا

وجه الحقيقة عنّا كيف ينستر

أتقرن النور بالظلماء من سفه

ما أنت في القول إلا كاذب أشر

بنت النبيّ الذي لو لا هدايته

ما كان للحق عين ولا أثر

هي التي ورثت حقا مفاخره

والعطر فيه الذي في الورد مدخر

في عيد ميلادها الأملاك حافلة

والحور في الجنّة العليا لها سمر

تزوّجت في السماء بالمرتضى شرفا

والشمس بقرنها في الرتبة القمر

على النبوّة أضفت في مراتبها

فضل الولاية لا تبقي ولا تذر

أمّ الأئمة من طوعا لرغبتهم

يعلو القضاء بنا أو ينزل القدر

قف يا يراعي عن مدح البتول ففي

مديحها تهتف الألواح والزّبر

وارجع لتستخبر التاريخ عن نبأ

قد فاجأتنا به الأنباء والسّير

هل أسقط القوم ضربا حملها فهوت

تأنّ مما بها والضلع منكسر

وهل كما قيل قادوا بعلها فعدت

وراه نادبة والدمع منهمر

إن كان حقا فإنّ القوم قد مرقوا

عن الهدى وبدين الله قد كفروا (١)

__________________

(١) وفاة الصدّيقة فاطمة الزهراء للمقرم ص ١٩ ـ ٢٠ ؛ ونخبة البيان في تفضيل سيدة النسوان للسيد عبد الرسول الشريعتمداري ص ٢٥١ ـ ٢٥٢.

٤٧٤

وللشيخ محمد علي اليعقوبي :

رأى برق حزوى فاستهلّت دموعه

وهاج بمن يهواه فيها ولوعه

خليليّ ما لي كلّما صنت في الحشا

هوايّ بدا دمع الشجون يذيعه

أحنّ لعهد قد خلا بعد ما حلى

وهيهات يرجى عوده ورجوعه

لي الله كم نهنهت قلبي عن هوى

تحمّل منه فوق ما يستطيعه

وكفكفت من طرفي الدموع فلم تكن

لغير بني الزهراء تهمي دموعه

وخطب جرى بالطفّ لم ينس وقعه

ولم تلتئم طول الزمان صدوعه

عشيّة أمسى منزل البغي آهلا

ومنزل وحي الله أقوت ربوعه

لقد كان من يوم السقيفة أصله

وكلّ الرزايا الحادثات فروعه

فما عذرهم عند النبيّ ولم يزل

يرى كلّ آن منهم ما يروعه

أفي غصبهم حقّ الوصيّ وظلمهم

لبضعته الزهراء يجزى صنيعه

لو أنّ رسول الله ينظر فاطما

تنوح ولم تهجع لعزّ هجوعه

فلولا جنين أسقطوه لما هوى

صريعا على صدر الحسين رضيعه

ومن رضّهم ضلع البتولة قد غدت

ترضّ بجري الصافنات ضلوعه (١)

وللسيّد صالح الحلّي من تلامذة صاحب «الكفاية» :

يا مدرك الثار! البدار البدار

شنّ على حرب عداك المغار

يا صاحب العصر! أترضى رحى

عصارة الخمر علينا تدار؟

قد ذهب العدل وركن الهدى

قد هدّ والجور على الدين جار

أعن رعاك الله من ناصر

رعية ضاقت عليها القفار

تنسى على الدار هجوم العدى

مذ أضرموا الباب بجزل ونار

ورضّ من فاطمة ضلعها

وحيدر يقاد قسرا جهار

تعدو وتدعو خلف أعدائها

يا قوم! خلّوا عن عليّ الفخار

__________________

(١) اعلموا أني فاطمة للشيخ عبد الحميد المهاجر ج ٩ / ١٨٢.

٤٧٥

قد أسقطوا جنينها واعترى

من لطمة الخدّ العيون احمرار

فما سقوط الحمل؟ ما صدرها؟

ما لطمها؟ ما عصرها بالجدار؟

ما وكزها بالسيف في ضلعها؟

وما انتشار قرطها والسوار؟

ما ضربها بالسوط ما منعها

من البكاء وما لها من قرار؟

ما الغصب للعقار منهم وقد

أنحلها ربّ الورى للعقار؟

ما دفنها بالليل سرّا وما

نبش الثرى منهم عنادا جهار؟

تعسا لهم في ابنة ما رعوا

نبيّهم وقد رعاهم مرار .. (١)

وللشيخ صالح الكوّاز رحمه‌الله :

عقدت بيثرب بيعة قضيت بها

للشرك منه بعد ذاك ديون

برقيّ منبره رقي في كربلاء

صدر وضرّج بالدماء جبين

لو لا سقوط جنين فاطمة لما

أذي لها في كربلاء جنين

وبكسر ذاك الضّلع رضّت أضلع

في طيّها سرّ الإله مصون

وكذا عليّ قوده بنجاده

فله عليّ بالوثاق قرين

وكما لفاطم رنّة من خلفه

لبناتها خلف العليل رنين

وبزجرها بسياط قنفذ وشّحت

بالطفّ من زجر لهنّ متون

وبقطعهم تلك الأراكة دونها

قطعت يد في كربلاء ووتين (٢)

وللقاضي أبي بكر بن قريعة (المتوفى عام ٣٦٧ ه‍):

يا من يسائل دائبا

عن كلّ معضلة سخيفة

لا تكشفنّ مغطّا

فلربما كشفت جيفة

ولربّ مستور بدا

كالطبل من تحت القطيفة

إنّ الجواب لحاضر

لكنني أخفيه خيفة

__________________

(١) الكوثر في أحوال فاطمة عليها‌السلام ج ٧ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) نفس المصدر ج ٧ / ٢٦.

٤٧٦

لو لا اعتداء رعيّة

ألقى سياستها الخليفة

وسيوف أعداء بها

هاماتنا أبدى نقيفة

لنشرت من أسرار آ

ل محمّد جملا طريفة

تغنيكم عمّا رواه

مالك وأبو حنيفة

وأريكم أنّ الحسين

أصيب في يوم السقيفة

ولأيّ حال لحّدت

بالليل فاطمة الشريفة؟

ولما حمت شيخيكم

عن وطئ حجرتها المنيفة؟

أوّه لبنت محمّد

ماتت بغصّتها أسيفة (١)

ولبعض المتأخرين :

إن قيل : حوّاء ، قلت : فاطم فخرها

أو قيل : مريم ، قلت : فاطمة أفضل

أفهل لحوّا والد كمحمّد

أم هل لمريم مثل فاطم أشبل

كلّ لها حين الولادة حالة

منها عقول ذوي البصائر تذهل

هذي لنخلتها التجت فتساقطت

رطبا جنيّا فهي منه تأكل

وضعت بعيسى وهي غير مروعة

أنّى وحارسها السريّ الأبسل

وإلى الجدار وصفحة الباب التجت

بنت النبيّ فأسقطت ما تحمل

سقطت وأسقطت الجنين وحولها

من كلّ ذي حسب لئيم جحفل

هذا يعنّفها وذاك يدعّها

ويردّها هذا وهذا يركل

وأمامها أسد الأسود يقوده

بالحبل قنفذ هل كهذا معضل؟

ولسوف تأتي في القيامة فاطم

تشكو إلى ربّ السماء وتعول

ولترفعنّ جنينها وحنينها

بشكاية منها السماء تتزلزل (٢)

وللشيخ حسن الحلّي (المتوفى عام ١٣٣٧ ه‍) :

__________________

(١) نفس المصدر ج ٧ / ٢٧.

(٢) نفس المصدر ج ٧ / ٢٩.

٤٧٧

سل أربعا فطمت أكنافها السّحب

عن ساكنيها متى عن أفقها غربوا

سرعان ما صاح طير البين بينهم

فأصبحوا فرقا عن عقرها عزبوا

سرت تجوب الفيافي فيهم النجب

ولي فؤاد قفا آثارهم يجب

أتبعتهم ناظرا خيل الدموع به

تسابقت فهو دامي الغرب مختضب

أضحت منازلهم للوحش معتكفا

فيهن طير الفنا ينعى وينتحب

لم يبق منها سوى رسم وذي شعث

رأس أشجّ علت من فوقه الكتب

وذي انحناء كجسم الصب تحسبه

نونا بها عجم شين الخط قد كتبوا

أوهت قواعدها كف الضنان فعفت

آثارها ومحت سيماؤه النّوب

وقفت فيها ودمع العين منسكب

كالغيث والنار في الأحشاء تلتهب

وبي لواعج وجد لو رميت بها

صدر الفضا ضاق وهو الواسع الرّحب

حيران أقبض في رعش البنان حشا

حرّى أناخت بها الأحزان والكرب

وقائل لي رفه عن حشاك ولي

وجد إذا نزا بالقلب يضطرب

فقلت : لم يشجني نأي الخليط ولا

ربع محت رسمه الأعوام والحقب

لكن أذاب فؤادي حادث جلل

تنمى إليه الرزايا حيث تنتسب

يوم قضى المصطفى في صبحه وعلى

الأعقاب من بعده أصحابه انقلبوا

قادوا أخاه ورضّوا ضلع بضعته

بجورهم ولها البغضاء قد نصبوا

لم أنسها هي تنعاه وتندبه

وقلبها بيد الأرزاء منتهب

تقول : يا والدي! ضاق الفضاء بنا

لمّا مضيت وحالت دونك الكرب

(قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا)

نفوا أخاك عليّا عن خلافته

وشيخ تيم عنادا منهم نصبوا

كقوم موسى أطاعوا العجل واعتزلوا

هارون ، والسّامري الرجس قد صحبوا

ويل لهم! نبذوا القرآن خلفهم

ومزّقوه عنادا بئس ما ارتكبوا

ما راقبوا غضب الجبّار حين إلى

المختار أحمد قول «الهجر» قد نسبوا

٤٧٨

ألغوا وصاياه في أهليه وانتهبوا

ميراثه وإلى حرمانهم وثبوا

جاروا على ابنته من بعده فغدت

عبرى النواظر حزنا دمعها سرب

وجرّعوها خطوبا لو وقعن على

صمّ الجبال لأضحت وهي تضطرب

أبضعة الطهر طه نصب أعينهم

بالباب يعصرها الطاغي وما غصبوا؟

رضّوا أضالعها أجروا مدامعها

أدموا نواظرها ميراثها نهبوا

لبيتها وهي حسرى في معاصمها

عدو فلاذت وراء الباب تحتجب

فألموا عضديها في سياطهم

وأسقطوا حملها والمرتضى سحبوا

قادوه بالحبل قهرا وهي خلفهم

تدعو وأدمعها كالغيث ينسكب

يا قوم! خلّوا ابن عمي قبل أن تقع

الخضراء فوق الثرى والكون ينقلب

فقنعوها بقرع الأصبحيّة لأ

عداهمو سخط الجبار والغضب

ووشّحوا متنها بالسوط فانكفأت

لدارها وحشاها ملؤه عطب

حرّى الفؤاد يروي الأرض مدمعها

فكلما سال هذا ذاك يلتهب

قد حارب النوم عينيها وأنحلها

فرط البكاء وأضنى جسمها التعب

ما بارحت قلبها الأحزان ذات حشا

حرّى إلى أن أهيلت فوقها التّرب

قضت وفي جنبها أثر السياط وفي

فؤادها للرزايا جحفل لجب

ما شيّعوا نعشها السامي علا ولقد

تزاحمت خلفها الأملاك تنتحب

سلّوا ضبا الظلم من أغمادها فغدا

في حدّها سبط طه الطهر يعتصب

ثاو بحرّ هجير الشمس مجندلا

تظلّه السّمر والهندية القضب

جالت عليه العوادي بعد ما نهبت

أشلاءه البيض والعسالة السلب

يا ثاويا بمحاني الطفّ قد سلبوا

ثيابه وكست جثمانه الكثب

«تالله ما سيف شمر نال منك ولا

يدا سنان وإن جلّ الذي ارتكبوا

لو لا الأولى أغضبوا ربّ العلى وأبوا

نصّ الولاء وحقّ المرتضى غصبوا

كفّ بها أمّك الزهراء قد ضربوا

هي التي أختك الحوراء بها سلبوا»

فدونكم يا بني الزهراء مرثية

إن تتل شجوا فقلب الصخر ينشعب

٤٧٩

أرجو خلاصي بها يوم لا سبب

يغني سواكم ولا مال ولا حسب

عليكم صلوات الله ما طلعت

في الأفق شمس ولاحت أنجم شهب (١)

وله أيضا قدّس الله سره الشريف :

لا رعى الله «قيلة» وعراها

سخط موسى وحلّ منها عراها

أغضبت أحمدا بعزل إمام

فيه كم آية جهارا تلاها

واجهته بما لهارون قد ما

واجهت قومه ضلالا سفاها

أخّرته وأمّرت شيخ «تيم»

سرّ كفرانها وقطت شقاها

حالفته على الضلال وحادت

عن أخي المصطفى منار هداها

أحدثت للورى أحاديث كذب

لا نبيّ ولا وصيّ رواها

أسخطت ربّها فلا رضى ال

رحمان عنها وخالفت نصّ طاها

فلكم قال : وارثي ووصيي

«حيدر» وهو للورى مولاها

هو مني كمثل هارون وهو

الفلك للعالمين فيه نجاها

فاحفظوا لي وصيتي بابن عمي

إنّه للعلوم شمس سماها

أيّها القوم! إن بعدي كتاب الله

فيكم وعترتي لن تضاهى

إنّ من صدّ عنهما كبرياء

فله النار في غد يصلاها

فغدا منهم يقاسي كتاب الله

هجرا والآل فرط جفاها

حاربوا «فاطما» وقد فرض الله

على الخلق حبّها وولاها

لقيت منهم خطوبا عظاما

لا يطيق الذّود الأشمّ لقاها

كسر ضلع وغصب إرث ولطما

واهتضاما منه استطال عناها

أخرجوها من المدينة قهرا

مذ أطالت لفقد «طه» نعاها

وعلى هضمها تواطأت الأنصار

سرّا وأظهرت بغضاها

عزلت بعلها عن الحلّ والعقد

عنادا وأمّرت أدعياها

غصباها تراثها ولظى الو

جد وفرط السقام قد أورثاها

__________________

(١) وفاة الصديقة الزهراء للمقرّم (قدس‌سره) ص ١٣٥ ـ ١٣٨.

٤٨٠