أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

حتى خرج منهم هاربا إلى الغار إلى المدينة فآويناه ونصرناه وهاجرنا إليه فقالت الأنصار حتى قال من الحزبين منّا أمير ومنكم أمير ، فقام [فأقام] عمر أربعين شاهدا قسامة شهدوا على رسول الله زورا وبهتانا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الأئمة من قريش ، فأطيعوهم ما أطاعوا الله فإن عصوا فالحوهم لحي هذا القضيب ، ورمى القضيب من يده ، فكانت أوّل قسامة زور شهدت في الإسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن رقبوا الأمر إلى أبي بكر وجاءوا يدعوني إلى بيعته فامتنعت إذ لا ناصر لي ..» (١).

٣ ـ وروى ابان بن أبي عياش عن سليم بن قيس وكلاهما ثقتان جليلان من عيون أصحاب الأئمة عليهم‌السلام :

قال سليم رضي الله عنه تعالى : سمعت سلمان الفارسي قال : لمّا قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصنع الناس ما صنعوا ، جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح فخاصموا الأنصار ، فخصموهم بحجة عليّ عليه‌السلام فقالوا : يا معشر الأنصار! قريش أحق بالأمر منكم ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قريش ، والمهاجرون خير منكم ، لأن الله بدأ بهم في كتابه وفضّلهم ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمة من قريش ، وقال سلمان : فأتيت عليّا عليه‌السلام وهو يغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى عليّا أن لا يلي غسله غيره ، فقال : يا رسول الله! من يعينني على ذلك؟ فقال : جبرائيل. فكان عليّ عليه‌السلام لا يريد عضوا إلا قلب له.

فلما غسّله وحنطه وكفنه ، أدخلني فأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فتقدّم عليّ عليه‌السلام وصفّنا خلفه ، وصلّى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم ، قد أخذ الله ببصرها ، ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار ، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون ، حتى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلّا صلّى عليه.

__________________

(١) الهداية الكبرى ص ١٧٨ وص ٤٠٦ ـ ٤٠٧.

٤٤١

قال سلمان الفارسي : فأخبرت عليّا عليه‌السلام ، وهو يغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بما صنع القوم وقلت : إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة ، وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله! فقال عليّ عليه‌السلام : يا سلمان! وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله؟ قلت : لا ، إلا أني رأيته في ظله بني ساعدة ، حيث خصمت الأنصار. وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ، ثم بشير بن سعيد ، ثم أبو عبيدة بن الجراح ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.

قال عليه‌السلام : لست أسألك عن هؤلاء ، ولكن تدري من أول من بايعه حين صعد المنبر؟ قلت : لا ، ولكن رأيت شيخا كبيرا يتوكأ على عصاه ، بين عينيه سجادة شديدة التشمير ، صعد المنبر أول من صعد وهو يبكي ويقول : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان ، ابسط يدك ، فبسط يده فبايعه ثم قال : يوم كيوم آدم! ثم أنزل فخرج من المسجد فقال عليّ عليه‌السلام : يا سلمان أتدري من؟ قلت : لا ، ولقد ساءتني مقالته ، كأنه شامت بموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال عليّ عليه‌السلام : فإن ذلك إبليس ، أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياي يوم غدير خم بأمر الله ، وأخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم ، وأمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب ، فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا : إن هذه الأمة أمة مرحومة معصومة ، فما لك ولا لنا عليهم سبيل ، وقد أعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيّهم ، فانطلق إبليس كئيبا حزينا.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا ، ثم يأتون المسجد فيكون أوّل من يبايعه على منبري إبليس بصورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا ، ثم يخرج فيجمع شياطينه وأبالسته ، فيخرون سجّدا فيقولون : يا سيّدنا ويا كبيرنا! أنت الذي أخرجت آدم من الجنّة! فيقول أي أمة لا تضل بعد نبيّها؟! كلا زعمتم أن ليس لي

٤٤٢

عليهم سبيل ، فكيف رأيتموني صنعت بهم حيث تركوا ما أمرهم الله به من طاعته ، وأمرهم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١).

قال سلمان : فلمّا أن كان الليل حمل عليّ عليه‌السلام فاطمة على حمار ، وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما‌السلام ، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار ، إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا ، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رءوسهم ، معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت ، فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة ، فقلت لسلمان : من الأربعة؟ فقال : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم أتاهم عليّ عليه‌السلام من الليلة المقبلة ، فناشدهم فقالوا : نصبحك بكرة فما منهم أحد أتاه غيرنا ، ثم أتاهم الليلة الثالثة ، فما أتاه غيرنا ، فلما رأى غدرهم وقلة وفائهم له ، لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. فلما جمعه كلّه وكتبه بيده ، تنزيله وتأويله ، والناسخ منه والمنسوخ ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع ، فبعث إليه عليّ عليه‌السلام : إني لمشغول وقد آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء ، إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه. فسكتوا عنه أياما ، فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنادى علي عليه‌السلام بأعلى صوته : أيها الناس! إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغولا بغسله ، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل الله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية إلا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله ، وعلمني تأويلها ثم قال لهم علي عليه‌السلام : لئلا تقولوا غدا إنا كنا عن هذا غافلين.

__________________

(١) سورة سبأ : ٢٠.

٤٤٣

ثم قال لهم الإمام عليّ عليه‌السلام : لا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ، ولم أذكّركم حقي ، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته ، فقال له عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه! ثم دخل عليّ عليه‌السلام بيته.

وقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى عليّ فليبايع ، فإنّا لسنا في شيء حتى يبايع ولو قد بايع أمناه ، فأرسل إليه أبو بكر أجب خليفة رسول الله ، فأتاه الرسول فقال له ذلك ، فقال له الإمام عليّ عليه‌السلام : سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! إنه ليعلم ويعلم الذين حوله ، أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري! وذهب الرسول فأخبره بما قال له ، قال : اذهب فقل له : أجب أمير المؤمنين أبا بكر فأتاه فأخبره بما قال ، فقال الإمام عليّ عليه‌السلام : سبحان الله ما والله طال العهد فينسى! والله إنه ليعلم أن الاسم لا يصلح إلا لي ، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا عليّ بإمرة المسلمين ، فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالوا : أمن الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله : نعم حقا من الله ورسوله ، إنه أمير المؤمنين وسيّد المرسلين وصاحب لواء الغرّ المحجلين ، يتعهده الله عزوجل يوم القيامة على الصراط ، فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار! فانطلق الرسول فأخبره بما قال ، قال فسكتوا عنه يومهم ذلك.

فلما كان الليل حمل عليّ عليه‌السلام فاطمة عليها‌السلام على حمار ، وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أتاه في منزله ، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة ، فإنّا حلقنا رءوسنا وبذلنا له نصرتنا ، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته ، فلما رأى عليّ عليه‌السلام خذلان الناس إياه ، وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته ، فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع فإنه لم يبق أحد إلا قد بايع غيره ، وغير هؤلاء الأربعة.

٤٤٤

وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا ، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما ، فقال له أبو بكر : من نرسل إليه؟ فقال عمر : نرسل إليه قنفذا وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء ، أحد بني عدي بن كعب ، فأرسله وأرسل معه أعوانا ، وانطلق فاستأذن على عليّ عليه‌السلام ، فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ، وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ، فقالوا لم يؤذن لنا ، فقال عمر : اذهبوا فإن أذن لكم وإلا فادخلوا بغير إذن.

فانطلقوا فاستأذنوا ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : أحرّج عليكم أن تدخلوا علي بيتي بغير إذن ، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون ، فقالوا : إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن ، فغضب عمر وقال : ما لنا وللنساء! ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب ، فحملوا الحطب ، وحمل معهم عمر ، فجعلوه حول منزل عليّ وفاطمة وابناهما ، ثم نادى عمر حتى أسمع عليّا عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام : والله لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، وإلّا أضرمت عليك النار! فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا عمر! ما لنا ولك؟! فقال : افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم فقالت عليها‌السلام : يا عمر أما تتقي الله ، تدخل عليّ بيتي؟!

فأبى أن ينصرف ، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، ثم دفعه فدخل ، فاستقبلته فاطمةعليها‌السلام وصاحت : يا أبتاه! يا رسول الله! فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها ، فصرخت يا أبتاه! فرفع السوط فضرب به ذراعها ، فنادت يا رسول الله! لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر! فوثب علي عليه‌السلام فأخذ بتلابيبه ، ثم نثره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته ، وهمّ بقتله ، فذكر قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما أوصاه به ، فقال : والذي كرّم محمّدا بالنبوّة يا ابن صهّاك ، لو لا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله لعلمت أنك لا تدخل بيتي.

فأرسل عمر يستغيث ، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار ، وثار علي عليه‌السلام إلى سيفه ، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه‌السلام بسيفه ، لما قد

٤٤٥

عرف من بأسه وشدته ، فقال أبو بكر لقنفذ : ارجع فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار.

فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار عليّ إلى سيفه ، فسبقوه إليه ، وكاثروه وهم كثيرون ، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه فألقوا في عنقه حبلا ، وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها‌السلام ، عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط ، فماتت حين ماتت وإنّ في عضدها كمثل الدملوج من ضربته لعنه الله.

ثم انطلق بعليّ عليه‌السلام يعتل عتلا ، حتى انتهى به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ، ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح.

قال : قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة عليها‌السلام بغير إذن؟!

قال : أي والله وما عليها خمار! فنادت : يا أبتاه! يا رسول الله! فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر ، وعيناك لم تتفقأ في قبرك (١) ، تنادي بأعلى صوتها ، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون ، ما فيهم إلا باك غير عمر وخالد والمغيرة بن شعبة ، وعمر يقول : إنّا لسنا من النساء ورأيهن في شيء.

قال فانتهوا بعليّ عليه‌السلام إلى أبي بكر وهو يقول أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا أبدا ، أما والله لا ألوم نفسي في جهادكم ، ولو

__________________

(١) قوله : «وما عليها خمار ، وعيناك لم تتفقأ في قبرك» ، هذان المقطعان نتحفظ بالأخذ بهما وذلك ، أما الأول فلمخالفته للأخبار الأخر الدالة على وجود خمار عليها ، ومنها ما تقدم من خبر الخصيبي من أن عمر ضربها حتى أبرى قرطها تحت خمارها ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلمها بما سيجري عليها ، فعلى أقل تقدير كانت مهيأة لمثل تلك الحالة. وأما الثاني فلمنافاته للأخبار التي دلت على أن الله حافظ لأجسادهم تكريما لها من التغير والحدثان ، وتفقأ العينين مخالف للتكريم ، إلّا إذا كان المراد من «التفقؤ» التغير الجزئي لكنه خلاف معناه اللغوي. وبالجملة : هذان الاعتراضان لا يخلّان بالتواتر الإجمالي للقضية.

٤٤٦

كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم ، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني. ولما أن بصر به أبو بكر صاح : خلّوا سبيله ، فقال علي عليه‌السلام : يا أبا بكر! ما أسرع ما توثبتم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأيّ حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله؟!

وكان قنفذ لعنه الله ، حين ضرب فاطمة عليها‌السلام بالسوط ، حين حالت بينه وبين زوجها ، وأرسل إليه عمر إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها ، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها ، فكسر ضلعها من جنبها ، فألقت جنينا من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت ، صلّى الله عليها من ذلك شهيدة.

قال : ولمّا انتهي بعليّ عليه‌السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له : بايع ودع عنك هذه الأباطيل! فقال له عليّ عليه‌السلام : فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا : نقتلك ذلا وصغارا ، فقال له عليّ عليه‌السلام : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال أبو بكر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخا رسول الله فما نقر بهذا. قال : أتجحدون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بيني وبينه؟! قال : نعم ، فأعاد ذلك عليه ثلاث مرات ، ثم أقبل عليهم عليّ عليه‌السلام فقال : يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار! أنشدكم الله أسمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم كذا وكذا ، فلم يدع عليه‌السلام شيئا قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علانية للعامة ، إلا ذكّرهم إياه ، قالوا : نعم.

فلمّا تخوّف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه ، بادرهم فقال : كلّ ما قلت حق قد سمعنا بآذاننا ووعته قلوبنا ، ولكن قد سمعت رسول الله يقول بعد هذا إنّا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا ، واختار لنا الآخرة على الدنيا ، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة. فقال عليّعليه‌السلام ؛ هل أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهد هذا معك؟ فقال عمر : صدق خليفة رسول الله ، قد سمعته منه كما قال ، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل ؛ قد سمعنا ذلك من رسول الله.

٤٤٧

فقال عليّ عليه‌السلام : لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاقدتم عليها في الكعبة ، إن قتل الله محمّدا أو مات لتزونّ هذا الأمر عنا أهل البيت! فقال أبو بكر فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها! فقال عليه‌السلام : أنت يا زبير ، وأنت يا سلمان ، وأنت يا أبا ذر ، وأنت يا مقداد ، أسألكم بالله وبالإسلام ، أما سمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك ، وأنتم تسمعون أن فلانا وفلانا حتى عدّ هؤلاء الخمسة ، قد كتبوا بينهم كتابا ، وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا ، فقالوا : اللهم نعم ، قد سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك لك ، إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا ، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو متّ أن يزووا عنك هذا يا عليّ! قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك : إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم ، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك.

فقال عليّ عليه‌السلام : أما والله لو أن اولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي ، لجاهدتكم في الله ، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة! وفيما يكذّب قولكم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (١) فالكتاب النبوّة ، والحكمة السنّة ، والملك الخلافة ، ونحن آل إبراهيم.

فقام المقداد فقال : يا عليّ! بما تأمرني ، والله إن أمرتني لأضربنّ بسيفي ، وإن أمرتني كففت. فقال عليّ عليه‌السلام : كفّ يا مقداد واذكر عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أوصاك به ، فقمت وقلت : والذي نفسي بيده لو لي أني أعلم أني أدفع ضيما وأعزّ لله دينا ، لوضعت سيفي على عنقي ، ثم ضربت به قدما قدما ، أتثبون على أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصيّه وخليفته في أمته وأبي ولده؟! فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء.

وقام أبو ذر فقال : أيّتها الأمة المتحيّرة بعد نبيّها ، المخذولة بعصيانها ، إن

__________________

(١) سورة النساء : ٥٤.

٤٤٨

الله يقول : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) وآل محمّد الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم ، والصفوة السلالة من إسماعيل ، وعترة النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة ، والكعبة المستورة والعين الصافية ، والنجوم الهادية والشجرة المباركة ، أضاء نورها وبورك زيتها ، محمّد خاتم الأنبياء وسيّد ولد آدم ، وعليّ وصيّ الأوصياء وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجلين ، وهو الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ، ووصيّ محمّد ووارث علمه ، وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ، كما قال الله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٢) فقدّموا من قدّم الله ، وأخّروا من أخّر الله ، واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل الله.

فقام عمر فقال لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر : ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك ، أوتأمر به فنضرب عنقه! والحسن والحسين عليهما‌السلام قائمان ، فلمّا سمعا مقالة عمر بكيا ، فضمّهما عليه‌السلام إلى صدره فقال : لا تبكيا فو الله ما يقدران على قتل أبيكما ، وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : يا أبا بكر! ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم! فأمر بها عمر ، فأخرجت من المسجد وقال : ما لنا وللنساء.

وقام بريدة الأسلمي وقال : أتثب يا عمر على أخي رسول الله وأبي ولده ، وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك؟!

ألستما اللذين قال لكما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انطلقا إلى عليّ وسلّما عليه بإمرة المؤمنين فقلتما : أعن أمر الله وأمر رسوله؟ قال : نعم ، فقال أبو بكر : قد كان

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣٣ و ٣٤.

(٢) سورة الأحزاب : ٦.

٤٤٩

ذلك ، ولكن رسول الله قال بعد ذلك ، لا يجتمع لأهل بيتي النبوّة والخلافة ، فقال : والله ما قال هذا رسول الله ، والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير! فأمر به عمر فضرب وطرد.

ثم قال : قم يا ابن أبي طالب ، فبايع! فقال : فإن لم أفعل؟ قال : إذا والله نضرب عنقك! فاحتج عليهم ثلاث مرات ، ثم مدّ يده من غير أن يفتح كفه ، فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه ، فنادى عليّ عليه‌السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه : (قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) (١).

وقيل للزبير : بايع ، فأبى ، فوثب إليه عمر وخالد والمغيرة بن شعبة في أناس ، فانتزعوا سيفه فضربوا به الأرض حتى كسروه ، ثم لبّبوه ، فقال الزبير وعمر على صدره : يا ابن صهّاك! أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني ، ثم بايع.

قال سلمان : ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها كالسلعة ، ثم أخذوا يدي فبايعت مكرها ، ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين ، وما بايع أحد من الأمة مكرها غير عليّ عليه‌السلام وأربعتنا ، ولم يكن منا أحد أشدّ قولا من الزبير ، فإنه لمّا بايع قال : يا ابن صهّاك! أما والله لو لا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك ، لما كنت تقدم عليّ ومعي سيفي ، لما أعرف من جبنك ولؤمك ، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول.

فغضب عمر وقال : أتذكر صهّاك؟ فقال : [ومن صهّاك] وما يمنعني من ذكرها؟ وقد كانت صهّاك زانية ، أو تنكر ذلك؟! أو ليس كانت أمة حبشية لجدّي عبد المطلب فزنى بها جدّك نفيل فولدت أباك الخطّاب فوهبها عبد المطلب لجدّك بعد ما زنى بها فولدته ، وأنه لعبد لجدّي ولد زنى؟ (٢).

ثم إن مولاتنا الصدّيقة فاطمة عليها‌السلام بلغها أن أبا بكر قبض فدك ، فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر ، فقالت : يا أبا بكر ، تريد أن تأخذ

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٥٠.

(٢) كتاب سليم ص ٧٠ ـ ٨٠ ، وص ٢٣١ ط / دار الإرشاد ، وج ٢ / ٥٧٧ ـ ٥٩٤.

٤٥٠

مني أرضا جعلها لي رسول الله وتصدّق بها عليّ من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب؟ أما كان قال رسول الله المرء يحفظ في ولده ، وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئا غيرها؟! فلمّا سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها ، دعا بدواة ليكتب به لها ، فدخل عمر فقال : يا خليفة رسول الله! لا تكتب لها حتى تقيم البيّنة بما تدّعي ، فقالت مولاتنا فاطمة : نعم أقيم البيّنة ، قال : من؟ قالت : عليّ وأم أيمن ، فقال عمر : لا تقبل شهادة امرأة عجمية لا تفصح ، وأما عليّ فيجوز النار إلى قرصه.

فرجعت فاطمة عليها‌السلام وقد جرعها من الغيظ ما لا يوصف فمرضت ، وكان عليّ عليه‌السلام يصلّي في المسجد الصلوات الخمس ، فلما صلّى ، قال له أبو بكر وعمر : كيف بنت رسول الله إلى أن ثقلت فسألا عنها وقالا : قد كان بيننا وبينها ما قد علمت ، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا ، قال ذاك إليكما ، فقاما فجلسا بالباب ، ودخل عليّ على فاطمة ، فقال لها : أيّتها الحرة فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلّما عليك فما ترين؟ قالت عليها‌السلام : البيت بيتك والحرة زوجتك ، وافعل ما تشاء ، فقال ؛ شدي قناعك فشدت قناعها وحوّلت وجهها إلى الحائط.

فدخلا وسلّما وقالا : ارضي عنا رضي الله عنك ، فقالت : ما دعاكما إلى هذا؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك ، فقالت : فإن كنتما صادقين فأخبراني عمّا أسألكما عنه ، فإني لا أسألكما عن أمر إلّا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه ، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما ، قالا : سلي عما بدا لك ، قالت : نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله يقول : فاطمة بعضة مني فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا : نعم ، فرفعت يدها إلى السماء ، فقالت : اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك ، لا ، والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله ، وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم.

فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور ، وجزع جزعا شديدا ، فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟!

٤٥١

قال : فبقيت فاطمة بعد وفاة أبيها أربعين ليلة ، فلما اشتد بها الأمر دعت عليّا وقالت : يا ابن عم ، ما أراني إلا لما بي ، وأنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب ، تكون لولدي مثلي ، واتخذ لي نعشا فإني رأيت الملائكة يصفونه لي ، وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة عليّ.

قال ابن عبّاس ـ وهو قول أمير المؤمنين ـ أشياء لم أجد إلى تركهنّ سبيلا لأن القرآن بها أنزل على قلب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، الذي أوصاني فيّ وعهد إليّ خليلي رسول الله بقتالهم ، وتزويج أمامة بنت زينب أوصتني بها فاطمة.

قال ابن عبّاس : فقبضت فاطمة من يومها ، فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله ، فأقبل أبو بكر وعمر يعزّيان عليّا ويقولان له : يا أبا الحسن! لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله. فلما كان في الليل دعا عليّ عليه‌السلام العبّاس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذرّ وعمارا ، فقدم العبّاس فصلّى عليها ودفنوها ، فلمّا أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها‌السلام ، فقال المقداد : قد دفنّا فاطمة البارحة ، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال : ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟!

قال العبّاس : إنها أوصت أن لا تصلّيا عليها ، فقال عمر : لا تتركون يا بني هاشم حسدكم القديم لنا أبدا ، إنّ هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب ، والله لقد هممت أن أنبشها فأصلّي عليها! فقال عليّ عليه‌السلام : والله لو رمت ذلك يا ابن صهّاك لأرجعت إليك يمينك ، لئن سللت سيفي لأغمدنه دون إزهاق نفسك فرم ذلك! فانكسر عمر وسكت ، وعلم أن عليّا إذا حلف صدق. ثم قال عليّ عليه‌السلام : يا عمر ألست الذي همّ بك رسول الله وأرسل إليّ فجئته متقلدا بسيفي ، ثم أقبلت نحوك لأقتلك فأنزل الله عزوجل : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) (١).

__________________

(١) سورة مريم : ٨٤.

٤٥٢

قال ابن عبّاس : ثم إنهم توامروا وتذاكروا فقالوا : لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيّا ، فقال أبو بكر : من لنا بقتله؟ فقال عمر : خالد بن الوليد ، فأرسلا إليه ، فقالا : يا خالد ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال : احملاني على ما شئتما فو الله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت! فقالا : والله ما نريد غيره! قال : فإني لها ، فقال أبو بكر : إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف فإذا سلمت فاضرب عنقه ، قال : نعم ، فافترقوا على ذلك.

ثم إن أبا بكر تفكّر فيما أمر به من قتل عليّ عليه‌السلام وعرف إن فعل وقعت حرب شديدة وبلاء طويل ، فندم على أمره فلم ينم ليلته تلك حتى أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة ، فتقدّم فصلّى بالناس مفكّرا لا يدري ما يقول ، وأقبل خالد بن الوليد متقلدا بالسيف ، حتى أقام إلى جانب عليّ وقد فطن عليّ ببعض ذلك ، فلمّا فرغ أبو بكر من تشهّده صاح قبل أن يسلّم : يا خالد! لا تفعل ما أمرتك فإن فعلت قتلتك ، ثم سلّم عن يمينه وشماله ، فوثب عليّ عليه‌السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده ، ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله ، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالدا فما قدروا عليه ، فقال العبّاس : حلّفوه بحق القبر (١) لمّا كففت فحلفوه وقام ، فانطلق إلى منزله.

وجاء الزبير والعباس وأبو ذرّ والمقداد وبنو هاشم واخترطوا السيوف وقالوا : والله لا تنتهون حتى يتكلم ويفعل ، واختلف الناس وماجوا واضطربوا وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن : يا أعداء الله! ما أسرع ما أبديتم العداوة لرسول الله وأهل بيته! ولطالما أردتم هذه من رسول الله فلم تقدروا عليه ، فقتلتم

__________________

(١) أي قبر هذا الذي بسببه تخلّى أمير المؤمنين عن خالد؟ هل هو قبر رسول الله أو قبر رفيقة دربه ومهجة كبده فاطمة الزهراء الصدّيقة الشهيدة؟! لا أدري أيّ القبرين أراد مولى الثقلين؟ وإن كانا عزيزين على قلبه إلّا أن قبر مولاتنا الزهراء ـ فديتها بنفسي ـ له ميّزة عند مولانا المرتضى عليّ حيث غاب الطهر الحبيب تحت الثرى يحمل في طياته آهات الفراق وزفرات الألم والاضطهاد من أمة الإسلام؟!!

٤٥٣

ابنته بالأمس ، ثم تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه وابن عمه ووصيّه وأبا ولده. كذبتم وربّ الكعبة ما كنتم تصلون إلى قتله حتى تخوّف الناس أن تقع فتنة عظيمة (١).

الأمر الثاني : إجماع الإمامية على حصول الاعتداء على الصدّيقة فاطمة عليها‌السلام.

لا ريب أن الشهادة في سبيل الله أرفع وسام يكرم به الله أولياءه ، ونعمة عظيمة يهبها لخاصة عبيده المقرّبين ، وما أحلاها إن كانت على يد أجلاف عتاة ، نزعت الرحمة من قلوبهم ، فغدوا بهائم ناطقين (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٢).

وهم كما قال أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : «فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان»(٣).

والصدّيقة الطاهرة ـ فديتها بنفسي ـ مضت شهيدة مظلومة ، وقد وصفها أئمة آل البيتعليهم‌السلام بالشهيدة ، وبأنها المقهورة المغصوبة حقّها ، المكسور ضلعها ، فهذه الظلامات التي عانتها سيّدة الطهر روحي فداها ، أثارت شجون كل غيور وطالب للحقيقة ، فبكتها العيون والقلوب الصادقة دما على مرّ العصور ، ودوّنها التاريخ بحروف قاتمة ، ونظمها الشعراء في قصائد فاضت بالحزن والألم ، كما استفاضت بها الأخبار ، وانعقد عليها الإجماع ، وكل من كتب عن حياة الصدّيقة عليها‌السلام فإنه تعرّض لتلك الظلامات والمصائب التي كابدتها ، ومن لم يتعرّض لها صريحا لكنه أشار إليها تلميحا ، وقد تكون حجّته عدم توفر الظروف الموضوعية لذكرها حرصا على الأجواء العامة ، أو خوفا من الأعداء النواصب.

وعليه فإن ثمة إجماعا على مظلومية الصدّيقة فاطمة عليها‌السلام وأنها قد ضربت

__________________

(١) كتاب سليم ص ٢٣٥ ـ ٢٣٧.

(٢) سورة الفرقان : ٤٤.

(٣) نهج البلاغة ، خطبة ٨٧ بشرح صبحي الصالح ص ١١٩ ، وخطبة ٨٣ بشرح محمد عبده ج ١ / ١٥٢.

٤٥٤

وأسقط جنينها ، لكن تيار الحداثة والتجديد والوحدة بين المذاهب لم يعجبهم دعوى الإجماع بل لم يقنعهم وجود هذا الكم الهائل من الأخبار الكاشفة عن مظلوميتها ، تشكيكا منهم لأصل القضية ، فيسهل إسقاطها وتمييعها بغية تأسيس القاعدة الصلبة التي يلتقي عليها الجميع سنّة وشيعة ، وكأن الالتقاء مقصور على أن يتنازل الشيعة الإمامية عن معتقداتهم ، وأن يغضوا الطرف عن ظلامات أئمتهم عليهم‌السلام لا سيّما ما جرى على مولاتنا سيّدة نساء العالمين فاطمة عليها‌السلام.

وبالإضافة إلى دعوى الإجماع من المرتضى والطوسي «عليهما الرحمة» فإن مظلوميتها من المتواترات القطعية التي لا يمكن التشكيك بصحة مضمونها ـ من الضرب والإسقاط والكسر ـ ولو لم يكن هناك تواتر لما صحّ دعوى الإجماع على ما ذكرنا. وظني أنّ من يشكّك بقطعيتها لا يمكنه أن يقطع بأمثالها ، إذ التشكيك بالإجماع في هذا المورد ، يستلزم التشكيك بالمتواتر القطعي الدال على هضمها وظلاماتها.

وهاك قائمة مسجّلة بأسماء من اطّلعنا عليهم من العلماء الأعلام المتقدّمين والمتأخرين حيث هم العمدة في تحقق الإجماع :

(١) الثقة الجليل أبي الفضل شاذان بن جبرائيل القمي (متوفى عام ٢٦٠ ه‍):

روى ابن عبّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام فقال : كان رسول الله ذات يوم جالسا ، إذ أقبل الحسن عليه‌السلام فلما رآه بكى ، ثم قال : إليّ إليّ يا بنيّ فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيمن ، ثم أقبل الحسين عليه‌السلام فلما رآه بكى ، ثم قال : إليّ إليّ يا بنيّ فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيسر ثم أقبلت فاطمة عليها‌السلام فلما رآها بكى ثم قال : إليّ إليّ يا بنيّة فما زال يدنيها حتى أجلسها بين يديه ، ثم أقبل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فلما رآه بكى ، ثم قال : إليّ إليّ يا أخي فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى

٤٥٥

جانبه الأيمن ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ما ترى أحدا من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيه من تسرّ برؤيته؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثني بالحق نبيّا وبشيرا ونذيرا واصطفاني على جميع البرية إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزوجل ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم ، أمّا عليّ بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وصاحي لوائي في الدنيا والآخرة وصاحب حوضي وشفاعتي وهو مولى كلّ مؤمن وقائد كلّ تقي وهو وصيي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد مماتي ، محبته محبتي ، ومبغضه مبغضي وبولايته صارت أمتي مرحومة ، وبعد وفاتي صارت بالمخالفة له ملعونة ، فإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى أنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان ، وأمّا ابنتي فاطمة فإنها سيّدة نساء العالمين الأولين والآخرين وهي بضعة مني وهي نور عيني وثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبيّ وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله زهر نورها للملائكة في السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض فيقول الله عزوجل للملائكة : يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيّدة نساء خلقي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار ، وأني لمّا رأيتها تذكرت (١) ما يصنع بها بعدي وكأني وقد دخل عليها الذل في بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقّها ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وسقط جنينها وهي تنادي وا محمداه فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ... إلى أن يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ،

__________________

(١) ليس معنى «تذكره» عليه وآله السلام أنه كان غافلا عمّا سيجري عليها ، لأن الغفلة رجس دفعه الله تعالى عن النبي وعترته الطاهرة ، لكن المعنى : تجدّد أو تأكد حزني عليها ، فتأمل.

٤٥٦

فأقول عند ذلك : اللهم العن ظالمها وعاقب من غصبها حقها ، وأذلّ من أذلها ، وخلّد في النار من ضربها على جنبها حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك آمين ..» (١).

(٢) أبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (المتوفى عام ٣٠٧):

قال : حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :

لمّا بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، فجاءت فاطمة عليها‌السلام إلى أبي بكر ، فقالت : يا أبا بكر منعتني عن ميراثي من رسول الله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله ، فقال لها : هاتي على ذلك شهودا فجاءت بأم أيمن فقالت : لا أشهد حتى أحتجّ يا أبا بكر عليك بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : أنشدك الله ، ألست تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن أم أيمن من أهل الجنّة ، قال : بلى ، قالت : فأشهد أن الله أوحى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) فجعل فدك لفاطمة بأمر الله وجاء عليّ عليه‌السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتابا بفدك ودفعه إليها فدخل عمر فقال : ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر : إن فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فكتبت لها بفدك ، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه وقال : هذا فيء المسلمين وقال : أوس ابن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه قال : إنا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة ، فإن عليا زوجها يجر إلى نفسه ، وأم أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه.

فخرجت فاطمة عليها‌السلام من عندهما باكية حزينة فلمّا كان بعد هذا جاء

__________________

(١) مناقب وفضائل الإمام علي عليه‌السلام / ابن شاذان القمي ص ٨ فصل في إخبار النبي بفضائل أهل بيته.

٤٥٧

عليّ عليه‌السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار ، فقال : يا أبا بكر! لما منعت فاطمة ميراثها من رسول الله؟ وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال أبو بكر : هذا فيء المسلمين فإن أقامت شهودا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله لها وإلا فلا حقّ لها فيه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ فقال : لا ، قال : فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال : إياك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين ، قال : فإذا كان في يدي شيء وادّعى فيه المسلمون فتسألني البيّنة على ما في يدي! وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ولم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادّعوا عليّ شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم! فسكت أبو بكر ثم قال عمر : يا عليّ دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حججك فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فيء المسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال : نعم ، قال : فأخبرني عن قول الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فيمن نزلت أفينا أم في غيرنا؟ قال : بل فيكم ، قال : فلو أن شاهدين شهدوا على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال : كنت أقيم عليها الحدّ كما أقيم على سائر المسلمين ، قال : كنت إذا عند الله من الكافرين ، قال : ولم؟ قال : لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها فدك وقبضته في حياته ثم قبلت شهادة إعرابي بائل على عقبه عليها فأخذت منها فدك وزعمت أنه فيء المسلمين وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادعي عليه ، قال : فدمدم الناس وبكى بعضهم فقالوا : صدقت والله عليّ ، ورجع عليّ عليه‌السلام إلى منزله.

قال ودخلت فاطمة إلى المسجد وطافت بقبر أبيها عليه وعليها‌السلام وهي تبكي وتقول :

٤٥٨

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا

فغاب عنّا وكلّ الخير محتجب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزّة الكتب

فقمصتنا رجال واستخفّ بنا

إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

فكل أهل له قرب ومنزلة

عند الإله على الأدنين يقترب

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم

لما مضيت وحالت دونك الكثب

فقد رزينا بما لم يزرأه أحد

من البريّة لا عجم ولا عرب

وقد رزينا به محضا خليقته

صاني الضرائب والأعراق والنسب

فأنت خير عباد الله كلّهم

وأصدق الناس حين الصدق والكذب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

منّا العيون بهمال لها سكب

سيعلم المتولي ظلم خامتنا

يوم القيامة أنّى ينقلب

قال فرجع أبو بكر إلى منزله وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال : أما رأيت مجلس عليّ منّا اليوم ، والله لأن قعد مقعدا مثله ليفسدنّ أمرنا فما الرأي؟ قال عمر : الرأي أن تأمر بقتله ، قال : فمن يقتله؟ قال : خالد بن الوليد. فبعثا إلى خالد فأتاهما فقالا : نريد أن نحملك على أمر عظيم ، قال : حملاني ما شئتما ولو قتل عليّ بن أبي طالب ، قالا : فهو ذاك ، فقال خالد : متى أقتله؟ قال أبو بكر : إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلاة فإذا أنا سلّمت فقم إليه فاضرب عنقه ، قال : نعم ، فسمعت أسماء بنت عميس ذلك وكانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها : اذهبي إلى منزل علي وفاطمة فاقرئيهما السلام وقولي لعلي (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) فجاءت الجارية إليهما فقالت لعليّ عليه‌السلام : إن أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السلام وتقول : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) ، فقال عليعليه‌السلام : قولي لها : إن الله يحيل بينهم وبين ما يريدون.

٤٥٩

ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف أبي بكر وصلّى لنفسه وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف ، فلما جلس أبو بكر في التشهّد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدة علي وبأسه فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلّم حتى ظنّ الناس أنه قدسها ، ثم التفت إلى خالد فقال : يا خالد لا تفعل ما أمرتك به ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال : أمرني أن أضرب عنقك ، قال : وكنت تفعل؟ قال : إي والله لو لا أنه قال لي : «لا تفعل» لقتلتك بعد التسليم ، قال : فأخذه عليّ عليه‌السلام فضرب به الأرض واجتمع الناس عليه ، فقال عمر : يقتله وربّ الكعبة! فقال الناس : يا أبا الحسن ، الله الله بحق صاحب هذا القبر ، فخلّى عنه ، قال : فالتفت إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال : يا بن الصهاك لو لا عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقلّ عددا ، ثم دخل منزله (١).

(٣) تقدّم ما ذكره الثقة الجليل الحسين بن حمدان الخصيبي (المتوفى عام ٣٣٤ ه‍) فلا نعيد.

(٤) ذكر الثقة الجليل محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (المتوفى عام ٣٢٨ ه‍): أن السيّدة فاطمة عليها‌السلام صدّيقة شهيدة ، كما أنه روى ظلاماتها عليها‌السلام. قال : حدثنا علي بن محمّد الهرمزاني عن الإمام أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما‌السلام قال : لمّا قبضت فاطمة عليها‌السلام دفنها أمير المؤمنين سرّا وعفا على موضع قبرها ، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

السلام عليك يا رسول الله عني ، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائنة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي ، إلّا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعزّ .. إلى أن قال :

__________________

(١) تفسير القمي ج ٢ / ١٥٥ ـ ١٥٨ ، باب تفسير آية (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)

٤٦٠