أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

وهكذا رواه عامة المؤرخين (١) من الصدر الأول إلى يومنا هذا.

النقطة الثالثة :

ضرب الصديقة الزكية فاطمة وتكسير أضلاعها وإسقاط جنينها.

وهذه النقطة بعناصرها الثلاثة متفرّعة على دخول الدار ، لوجود قرائن وشواهد تثبت ذلك ، وحيث وكما عرفت ـ أخي القارئ ـ أن دخولهم إلى الدار ثابت عند الفريقين فلا مجال للتشكيك بالقضية إرضاء للعامة.

أما الضرب : فقد رواها من العامة ثلة منهم أمثال :

(١) ما رواه ابن سعد ، عن يزيد بن هارون ، عن ابراهيم بن سعد ، عن محمّد بن إسحاق عن عليّ بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن سلمى ، قالت : مرضت فاطمة عليها‌السلام .. ثم قالت: يا أمّه ، إني مقبوضة الساعة ، وقد اغتسلت ، فلا يكشفن أحد لي كتفا. قالت : فماتت ، فجاء عليّ عليه‌السلام فأخبرته ، فقال : لا والله ، لا يكشف لها أحد كتفا إلخ ..» (٢).

وروى المجلسي عليه الرحمة نفس الحديث مرفوعا إلى سلمى أم أبي رافع قالت : كنت عند فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكواها التي ماتت فيها ، قالت : فلما كان في بعض الأيام وهي أخفّ ما نراها ، فغدا عليّ بن أبي طالب في حاجته وهو يرى يومئذ أنها أمثل ما كانت ، فقالت : يا أمّه اسكبي لي غسلا ، ففعلت ، فاغتسلت كأشد ما رأيتها ، ثم قالت لي : إني قد فرغت من نفسي فلا أكشفن أني مقبوضة الآن ثم توسدت يدها اليمنى واستقبلت القبلة فقبضت.

فجاء عليّ عليه‌السلام ونحن نصيح فسأل عنها فأخبرته فقال : إذا والله لا تكشف

__________________

(١) الشافي ج ٤ / ١٢٠ ، تلخيص الشافي ج ٣ / ٧٩ ، تفسير العياشي ج ٢ / ٧٠ والبحار ج ٥٣ / ١٩ وج ٢٨ / الباب الرابع. فاطمة بهجة قلب المصطفى ج ٢ / فصل ٣١ ، ومأساة الزهراء.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٨ / ٢٧ ط / صادر وص ١٨ ط / ليدن وسير أعلام النبلاء ج ٢ / ١٢٩.

٤٢١

فاحتملت في ثيابها فغيّبت (١).

(٢) ما اعترضه القاضي عبد الجبار أحد أكابر المعتزلة في كتابه «المغني» ، واعتراضه على الشيعة دليل على شهرة القضية وأنها من المسلّمات عندنا ، قال :

«ومن جملة ما ذكروه من الطعن (على أبي بكر وعمر) ادعاؤهم أن فاطمة عليها‌السلام لغضبها على أبي بكر وعمر وصّت أن لا يصلّيا عليها ، وأن تدفن سرا عنهما ، فدفنت ليلا ، وادّعوا برواية عن جعفر بن محمّد عليها‌السلام وغيره أن عمر ضرب فاطمة عليها‌السلام بالسوط وضرب الزبير بالسيف ، وذكروا أن عمر قصد منزلها ، وعليّ والزبير والمقداد وجماعة ممن تخلّف عن بيعة أبي بكر مجتمعون هناك» (٢).

(٣) ابن أبي الحديد المعتزلي يستنكر على الشيعة أمورا مستهجنة منها :

أن عمر ضرب الزهراء عليها‌السلام بالسوط فصار في عضدها كالدملج ، وبقي أثره إلى أن ماتت وأن عمرا ضغطها بين الباب والجدار فصاحت : «يا أبتاه يا رسول الله وألقت جنينا ميتا ..»(٣).

(٤) الدينوري في المعارف ـ حسبما نقل عنه ابن شهرآشوب ـ قال :

«أن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي» وقد لعبت يد الدّس والتحريف في الكتاب ، فأثبتوا فيه غير ذلك (٤).

(٥) النقيب أبو جعفر العلوي البصري قال :

«.. إذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباح دم هبّار الأسود لأنه روّع زينب بنت محمّد فألقت ذات بطنها ، فظهر الحال أنه لو كان حيّا لأباح دم من روّع فاطمة حتى ألقت

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٣ / ١٨٧.

(٢) الشافي ج ٤ / ١١٠ نقلا عن المغني.

(٣) شرح النهج ج ٢ / ٦٠ تحقيق أبو الفضل ابراهيم ، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة / الميرزا حبيب الله ج ٣ / ٣٧٢ ط / الوفاء.

(٤) المناقب ج ٣ / ٣٥٨.

٤٢٢

ذا بطنها» (١).

(٦) إبراهيم بن سيّار بن هانئ النظّام قال :

«إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام» (٢).

ونقل الأسفرائيني معترضا على النظّام لأنه :

«طعن على الفاروق عمر وزعم أنه شك يوم الحديبية في دينه ، وشك في وفاة النبيّ وأنه كان ممن نفر بالنبيّ ليلة العقبى وأنه ضرب فاطمة» (٣).

(٧) وقال العسقلاني :

«أن محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ بعد أن أرّخ موته قال : كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته يقرأ عليه : أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن» (٤).

(٨) روى الجويني في خبر طويل :

«كأني لها ـ والناظر هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وقد دخل الذل بيتها وانتهكت حرمتها وغصب حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها» (٥).

وقد أثبتت هذه النصوص إسقاط الجنين أيضا.

(٩) ونقل الذهبي في ترجمة أحمد بن محمد بن السري ، عن محمد بن أحمد بن حمّاد الكوفي أنه أرّخ موت السري وقال : كان مستقيم الأمر عامة دهره

__________________

(١) شرح النهج ج ١٤ / ١٩٢.

(٢) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ٥٧.

(٣) الفرق بين الفرق ص ١٠٧.

(٤) لسان الميزان ج ١ / ٢٩٣.

(٥) فرائد السمطين ج ٢ / ٣٦.

٤٢٣

ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن (١).

وأمّا النصوص من كتب الشيعة فكثيرة ، وفيما يلي زيادة على ما تقدّم :

١ ـ ما رواه الشيخ الصدوق ، حيث ذكر المسألة بعناصرها الثلاثة : الضرب والكسر والإسقاط (٢).

٢ ـ ما رواه الشيخ المجلسي ، حيث تعرّض لذكر القضية بالعناصر الثلاثة ، تعقيبا على ما ورد في صحيحة محمّد بن يحيى عن أبي الحسن عليه‌السلام : أن فاطمة صدّيقة شهيدة (٣) ، فقال : «إن هذا الخبر يدل على أن فاطمة صلوات الله عليها كانت شهيدة وهو من المتواترات ، وكان سبب ذلك أنهم لما غصبوا الخلافة وبايعهم أكثر الناس ، بعثوا إلى أمير المؤمنين ليحضر للبيعة ، فبعث عمر بنار ليحرق على أهل البيت بيتهم وأرادوا الدخول عليه قهرا ، فمنعتهم فاطمة عند الباب ، فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة فكسر جنبيها ، وأسقطت لذلك جنينا كان سمّاه رسول الله محسنا ، فمرضت لذلك وتوفيت صلوات الله عليها في ذلك المرض (٤).

ملاحظة هامة :

أشار هذا الخبر إلى أن جنبيّ الصديقة الطاهرة قد تكسرا ، مما يعني أن أضلاعا قد تكسّرت ويشهد له ما ورد بالمستفيض : «وكسر جنبها» (٥) ، وما ورد في خبر أن ضلعها قد كسر ، إشارة إلى ضلع الصدر ، فلا منافاة بين كسر الضلع وبين

__________________

(١) ميزان الاعتدال ج ١ / ١٣٩ في ترجمة أحمد بن محمّد السري ، وقد عبّر عنه الذهبي : «بأنه رافضي كذّاب».

(٢) أمالي الصدوق ص ٩٩.

(٣) أصول الكافي ج ١ / ٤٥٨ ح ٢ باب مولد الصدّيقة الزهراء ح ٢.

(٤) مرآة العقول ج ٥ / ٣١٨.

(٥) إرشاد القلوب ج ٢ / ٢٦٣ وأمالي الصدوق ص ١٠٠ وكتاب سليم ص ٧٥ و ٢٣١.

٤٢٤

تكسير أضلاع الجنبين ، فيكون هناك ثلاثة كسور : كسر في وسط صدرها من جراء مسمار الباب ، وكسران على الأطراف.

(٣) وروى الخصيبي عليه الرحمة :

«وركل عمر برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بمحسن لستة أشهر ، وإسقاطها وصرختها عند رجوع الباب ، وهجوم عمر وقنفذ وخالد ، وصفقة عمر على خدها حتى أبرى قرطها تحت خمارها فانتثر وهي تجهر بالبكاء وتقول : يا أبتاه يا رسول الله ابنتك فاطمة تضرب ويقتل جنين في بطنها وتصفق يا أبتاه ، ويسقف [ويصفق] خد لها لما كانت تصونه من ضيم الهوان يصل إليه من فوق الخمار ..» (١).

وفي موضع آخر قال : فصاح أمير المؤمنين بفضة : إليك مولاتك فاقبلي منها ما يقبل النساء وقد جاءها المخاض من الرفسة وردة الباب فأسقطت محسنا عليه قتيلا (٢).

(٤) ما رواه الشيخ أبي عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي :

«فأبت أن تدفعه (٣) إليه ، فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن (محسن) فأسقطت محسنا من بطنها ثم لطمها ، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت ، ثم أخذ الكتاب فخرقه ، فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر ، ثم قبضت ..» (٤).

وما جاء في خبر إثبات الوصية للمسعودي : من أن القوم أحرقوا بابها وضغطوا سيّدة النساء الباب حتى أسقطت محسنا». وكذا خبر دلائل الإمامة (٥)

__________________

(١) الهداية الكبرى ص ٤٠٧.

(٢) الهداية الكبرى ص ٤٠٨.

(٣) أي الكتاب الذي اعترف لها فيه أبو بكر أن فدكا حقّ لها عليها‌السلام.

(٤) الاختصاص ص ١٨٥.

(٥) دلائل الإمامة ص ٤٦ وإثبات الوصية ص ١٥٥.

٤٢٥

الصحيح السند الدال على «أن عمر بن الخطاب لكزها بنعل سيفه فأسقطت محسنا» لدلالة كبرى على ثبوت الاعتداء على الصدّيقة الطاهرة ، ويؤيد هذا ما ورد أيضا :

١ ـ أن الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام قال للمغيرة بن شعبة : وأنت ضربت فاطمة بنت رسول الله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها ، استذلالا منك لرسول الله ومخالفة منك لأمره ، وانتهاكا لحرمته ، وقد قال لها رسول الله : «أنت سيّدة نساء أهل الجنّة» ، والله مصيرك إلى النار ..»(١).

٢ ـ ما ورد عن المفضل قال : وضرب عمر لها بالسوط على عضدها ، حتى صار كالدملج الأسود ، وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه (٢).

٣ ـ ما ذكره ابن طاوس بزيارة لها عليها‌السلام جاء فيها : «وصلّ على البتول الطاهرة .. المغصوبة حقها ، الممنوعة إرثها ، المكسورة ضلعها ، المظلوم بعلها ، المقتول ولدها ..» (٣).

٤ ـ ما ذكره الشيخ محمّد باقر المجلسي نقلا عن الشيخ الطوسي في زيارة للصدّيقة الطاهرة جاء فيها :

«السلام عليك يا بنت رسول الله ، السلام عليك يا بنت نبيّ الله ، السلام عليك يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت خليل الله ، السلام عليك يا بنت صفيّ الله ، السلام عليك يا بنت أمين الله ، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته ، السلام عليك يا بنت خير البريّة ، السلام عليك يا سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله ، السلام عليك يا أمّ الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة، السلام

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٤ / ٨٣.

(٢) بحار الأنوار ج ٥٣ / ١٩.

(٣) إقبال الأعمال ص ٦٢٥.

٤٢٦

عليك أيتها الصدّيقة الشهيدة ، السلام عليك أيتها الرضيّة المرضيّة ، السلام عليك أيتها الزكية ، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسيّة ، السلام عليك أيتها التقية النقيّة ، السلام عليك أيتها المحدّثة العليمة ، السلام عليك أيتها المغصوبة المظلومة ، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة ، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته ...» (١).

٥ ـ وورد في زيارة أخرى لها ذكرها الشيخ الكفعمي في البلد الأمين جاء فيها :

«السلام عليك يا رسول الله ، السلام على ابنتك الصدّيقة الطّاهرة ، السلام عليك يا فاطمة يا سيّدة نساء العالمين ، السلام عليك أيتها البتول الشهيدة ، لعن الله مانعك إرثك ودافعك عن حقّك والرادّ عليك قولك ، لعن الله أشياعهم وأتباعهم وألحقهم بدرك الجحيم ، صلّى الله عليك وعلى أبيك وبعلك وولدك الأئمة الراشدين وعليهم‌السلام ورحمة الله وبركاته» (٢).

٦ ـ وأورد الشيخ المفيد زيارة لها عليها‌السلام جاء فيها :

«السلام عليك يا رسول الله ، السلام على ابنتك الصدّيقة الطّاهرة ، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ، السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة ، لعن الله من ظلمك ومنعك حقك ودفعك عن إرثك ، ولعن الله من كذّبك وأعنتك وغصّصك بريقك وأدخل الذلّ بيتك ، ولعن الله أشياعهم وألحقهم بدرك الجحيم ، وصلّى الله عليك يا بنت رسول الله وعلى أبيك وبعلك وولدك الأئمة الراشدين عليك وعليهم‌السلام ورحمة الله وبركاته» (٣).

٧ ـ وروى السيد ابن طاوس زيارة للصدّيقة الشهيدة تزار بها في اليوم

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٩٧ / ١٩٥ ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ج ٦ / ١٢ ط / دار الأضواء.

(٢) بحار الأنوار ج ٩٧ / ١٩٧ نقلا عن البلد الأمين.

(٣) كتاب المقنعة ص ٤٥٩ ط / دار المفيد ، وكتاب المزار ص ١٧٩ المطبوع مع تصحيح الاعتقاد.

٤٢٧

العشرين من جمادى الآخرة وهي :

«السلام عليك يا بنت رسول الله ، السلام عليك يا بنت نبيّ الله ، السلام عليك يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت خليل الله ، السلام عليك يا بنت صفيّ الله ، السلام عليك يا بنت أمين الله ، السلام عليك يا بنت خير خلق الله ، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ، السلام عليك يا بنت خير البريّة ، السلام عليك يا سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير خلقه بعد رسول الله ، السلام عليك يا أمّ الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، السلام عليك يا أمّ المؤمنين ، السلام عليك أيتها الصدّيقة الشهيدة ، السلام عليك أيتها الرضيّة المرضيّة ، السلام عليك أيتها الصادقة الرشيدة ، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية ، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسيّة ، السلام عليك أيتها التقية النقيّة ، السلام عليك أيتها المحدّثة العليمة ، السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة ، السلام عليك أيتها الطاهرة المطهّرة ، السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة ، السلام عليك أيتها الغرّاء الزهراء ، السلام عليك يا فاطمة بنت محمّد رسول الله ورحمة الله وبركاته ، صلّى الله عليك يا مولاتي وبنت مولاي وعلى روحك وبدنك ، أشهد أنك مضيت على بيّنة من ربّك ، وأنّ من سرّك فقد سرّ الله ، ومن جفاك فقد جفا رسول الله ، ومن آذاك فقد آذى رسول الله ، ومن وصلك فقد وصل رسول الله ، ومن قطعك فقد قطع رسول الله لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه كما قال عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام ، أشهد الله وملائكته أنّي وليّ لمن والاك ، وعدوّ لمن عاداك وحرب لمن حاربك. أنا يا مولاتي بك وبأبيك وبعلك والأئمة من ولدك موقن وبولايتهم مؤمن ولطاعتهم ملتزم ، أشهد أنّ الدين دينهم ، والحكم حكمهم ، وهم قد بلّغوا عن الله عزوجل ودعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة لا تأخذهم في الله لومة لائم ، صلوات الله عليك وعلى أبيك وبعلك وذريّتك الأئمة الطاهرين. اللهم صلّ على محمد وأهل بيته ، وصلّ على البتول الطاهرة الصدّيقة المعصومة التقيّة النقيّة الرضيّة المرضيّة الزكيّة الرشيدة

٤٢٨

المظلومة المقهورة ، المغصوبة حقّها ، الممنوعة إرثها ، المكسور ضلعها ، المظلوم بعلها ، المقتول ولدها فاطمة بنت رسول الله وبضعة لحمه وصميم قلبه وفلذة كبده والنخبة منك له والتحفة خصصت بها وصيّه وحبيبه المصطفى وقرينه المرتضى وسيّدة النساء ومبشّرة الأولياء حليفة الورع والزهد ، وتفّاحة الفردوس والخلد ، التي شرّفت مولدها بنساء الجنّة ، وسللت منها أنوار الأئمة ، وأرخيت دونها حجاب النبوّة ، اللهم صلّ عليها صلاة تزيد في محلها عندك وشرفها لديك ومنزلتها من رضاك وبلّغها منّا تحيّة وسلاما وآتنا من لدنك في حبّها فضلا وإحسانا ورحمة وغفرانا إنك ذو العفو الكريم».

قال السيّد ابن طاوس : ثم تصلي صلاة الزيارة وإن استطعت أن تصلّي صلاتها (صلّى الله عليها) فافعل وهي ركعتان تقرأ في كل ركعة الحمد مرة وستين مرّة قل هو الله أحد ، وإن لم تستطع فصلّ ركعتين بالحمد وسورة الإخلاص والحمد وقل يا أيها الكافرون ، فإذا سلّمت قلت : اللهم إني أتوجّه إليك بنبيّنا محمّد وبأهل بيته صلواتك عليهم واسألك بحقّك العظيم عليهم الذي لا يعلم كنهه سواك ، وأسألك بحقّ من حقّه عندك عظيم ، وبأسمائك الحسنى التي أمرتني أن أدعوك بها ، وأسألك باسمك الأعظم الذي أمرت به إبراهيم أن يدعو به الطير فأجابته ، وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فكانت بردا ، وبأحبّ الأسماء إليك وأشرفها وأعظمها لديك وأسرعها إجابة وأنجحها طلبة وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه وأتوسّل إليك وأرغب إليك وأتضرّع وألحّ عليك ، وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم فإنّ فيها اسمك الأعظم وبما فيها من أسمائك العظمى أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفرّج عن آل محمّد وشيعتهم ومحبّيهم وعني وتفتح أبواب السماء لدعائي وترفعه في علّيين وتأذن في هذا اليوم وفي هذه الساعة بفرجي وإعطاء أملي وسؤلي في الدنيا والآخرة ، يا من لا يعلم أحد كيف هو وقدرته إلّا هو ، يا من سدّ الهواء بالسماء ، وكبس الأرض

٤٢٩

على الماء ، واختار لنفسه أحسن الأسماء ، يا من سمّى نفسه بالاسم الذي يقضى به حاجة من يدعوه ، أسألك بحقّ ذلك الاسم فلا شفيع أقوى لي منه أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تقضي لي حوائجي وتسمع بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحجّة المنتظر لإذنك صلواتك وسلامك ورحمتك وبركاتك عليهم صوتي ليشفعوا لي إليك وتشفّعهم فيّ ولا تردّني خائبا بحق لا إله إلّا أنت.

وتسأل حوائجك تقضى إن شاء الله تعالى (١).

٨ ـ وورد في زيارتها عليها‌السلام أيام الأسبوع ومما جاء فيها :

«السلام والصلاة على السيّدة فاطمة الزهراء الرشيدة ، السلام على سيّدة نساء العالمين ، وبنت سيّد النبيّين ، وأمّ الأئمة الطاهرين ، فاطمة بنت محمّد الأكرم ، وشقيقة البتول مريم ، أطهر النساء ، وبنت خير الأنبياء ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

اللهم صلّ على السيّدة المفقودة ، الكريمة المحمودة ، الشهيدة العالية الرشيدة أمّ الأئمة ، وسيّدة نساء الأمة ، بنت نبيّك ، صاحبة وليّك ، سيّدة النساء ووارثة سيّد الأنبياء ، وقرينة سيّد الأوصياء ، المعصومة من كل سوء ، صلاة طيبة مباركة ، مرفوعة مذكورة ترفع بها ذكرها في محل الأبرار الأخيار ، في أشرف شرف النبيين في أعلا عليّين ، في الدرجات العلى ، في الرفيع الأعلى.

اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، وأعل كعبها وأكرم مآبها ، وأجزل ثوابها وادن منك مجلسها ، وشرّف لديك مكانها ومثواها ، وانتقم لها من عدوها ، وضاعف العذاب على من ظلمها ، والنقمة على من غصبها ، وخذ لها يا ربّ

__________________

(١) إقبال الأعمال ص ١٠٠ ـ ١٠٢ وبحار الأنوار ج ٩٧ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ وذكرناها بتمامها ليزورها بها المحبون من شيعتها.

٤٣٠

بحقّها ، إنك على كل شيء قدير ، اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، وأبلغها منّا التحيّة ، واردد علينا منها التحيّة ، والسلام عليها ورحمة الله وبركاته» (١).

٩ ـ وجاء في دعاء صنمي قريش الذي كان يدعو به أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام في كلّ صلاة: اللهم العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وافكيها وابنتيهما اللذين أكلا أنعامك وجحدا آلائك وخالفا أمرك وأنكرا وحيك وعصيا رسولك وقلّبا دينك وحرّفا كتابك وعطّلا أحكامك وأبطلا فرائضك وألحدا في آياتك وعاديا أوليائك وواليا أعدائك وأفسدا عبادك وأضرّا ببلادك ، اللهم العنهما وأنصارهما فقد أخربا بيت النبوّة وردما بابه ونقضا سقفه وألحقا سمائه بأرضه وعاليه بسافله وظاهره بباطنه ، واستأصلا أهله وأبادا أنصاره وقتلا أطفاله وأخليا منبره من وصيه ووارث علمه وجحدا نبوته وأشركا بربّهما ، فعظّم ذنبهما وخلّدهما في سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر ، اللهم العنهم بعدد كلّ منكر أتوه وحق أخفوه ومنبر علوه ومؤمن أردوه ومنافق ولوه ووليّ أذوه وطريد أووه وصاحب طردوه وكافر نصروه وإمام قهروه وفرض غيّروه وأثر أنكروه وشر أضمروه ودم أراقوه وخبر بدّلوه وحكم قلّبوه وكفر أبدعوه وكذب دلسوه وإرث غصبوه وفيء اقتطعوه وسحت أكلوه وخمس استحلوه وباطل أسسوه وجور بسطوه وظلم نشروه ووعد أخلفوه وعهد نقضوه وحلال حرّموه وحرام حلّلوه ونفاق أسرّوه وغدر أضمروه وبطن فتقوه وضلع كسروه وصك مزّقوه وشمل بدّدوه وذليل أعزوه وعزيز أذلوه وحق منعوه وإمام خالفوه ، اللهم العنهما بكلّ آية حرفوها وفريضة تركوها وسنة غيّروها وأحكام عطلوها وأرحام قطعوها وشهادات كتموها ووصية ضيعوها وأيمان نكثوها ودعوى أبطلوها وبيعة أنكروها وحيلة أحدثوها وخيانة أوردوها وعقبة ارتقوها ودباب دحرجوها وأزياف لزموها ، اللهم العنهما في مكنون السرّ وظاهر العلانية لعنا دائما دائبا سرمدا لا انقطاع لأمده ولا نفاد لعدده لعنا يغدو أوله ولا يروح آخره لهم

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٩٩ / ٢٢٠.

٤٣١

ولأعوانهم وأنصارهم ومحبيهم ومواليهم والمسلّمين عليهم والمائلين إليهم والناهضين باحتجاجهم والمقتدين بكلامهم والمصدّقين بأحكامهم.

ثم قل أربع مرات : اللهم عذّبهم عذابا يستغيث منه أهل النار آمين ربّ العالمين (١).

١٠ ـ وورد عن السيّد ابن طاوس في كتاب الطرف نقلا عن كتاب الوصية للشيخ عيسى بن المستفاد الضرير عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عليهم‌السلام قال : لمّا حضرت رسول الله الوفاة دعا الأنصار وقال : يا معشر الأنصار قد حان الفراق .. ثم أوصاهم بوصايا منها قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا ـ أيّها الأنصار ـ فاسمعوا ومن حضر ، «أن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله» قال عيسى : فبكى الإمام أبو الحسن عليه‌السلام طويلا ، وقطع بقية حديثه وأكثر البكاء ، ثم قال : هتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله يا أمّه صلوات الله عليها (٢).

١١ ـ قال الشيخ الصدوق عليه الرحمة في معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام: «إن لك كنزا في الجنّة وأنت ذو قرنيها».

قال : قد سمعت بعض المشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده محسن عليه‌السلام وهو السقط الذي ألقته فاطمة عليها‌السلام لما ضغطت بين البابين (٣).

وحصيلة الأخبار تفيد :

__________________

(١) الصحيفة العلوية / عبد الله بن صالح السماهيجي رحمه‌الله ص ٢٨٣ ـ ٢٨٦.

(٢) بحار الأنوار ج ٢٢ / ٤٧٦ ح ٢٧.

ملاحظة : ما قرأ هذا الحديث مؤمن إلا وستقطر الدمعة من عينه ، كيف لا؟ وقد هتك حجاب الله بضرب الصدّيقة الطاهرة الزكية وتهشيم أضلاعها وصفعها على خدها الذي طالما قبّله رسول الله ، وإنبات المسمار في صدرها الشريف الذي طالما وضع رسول الله خدّه عليه التماسا للبركة لكونه موضع المسمار ، وإسقاط جنينها ، وسبّها وشتمها الخ ..

(٣) معاني الأخبار ص ٢٠٦ ط / مؤسسة النشر ـ قم.

٤٣٢

١ ـ إحراق بابها عليها‌السلام.

٢ ـ اقتحام دارها.

٣ ـ ضربها على خدّها وعضدها وركلها على بطنها حتى أسقطت جنينها.

٤ ـ ضغطها بين الحائط والباب.

٥ ـ تكسير أضلاع جنبيها وضلع صدرها الشريف.

٦ ـ إخراج أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ملبّبا بالحبل.

٧ ـ نفي الأخوة بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٨ ـ تكذيب الصدّيقة الطاهرة في ملكيتها لفدك.

٩ ـ تمزيق عمر للكتاب (١) الذي اعترف فيه أبو بكر أن فدكا لها وتوهينها أمام جموع المسلمين ، وفي رواية أنه مزّق الصحيفة التي شهد فيها أبوها رسول الله بأن فدكا حق لها ، ولا تعارض بين الروايتين ، إذ لا تنافي بين المثبتات ، وعليه : فإن عمر مزّق الكتابين معا إذلالا منه لمولاتنا فاطمة عليها‌السلام.

وها نحن ـ زيادة على ما قدّمنا ـ سنؤرّخ ما أثبته المؤرخون القدامى عمّا جرى على بضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصدّيقة الشهيدة مولاتنا فاطمة الزهراء بنفسي هي وأبي وأمي ، من خلال ثلاثة نصوص تاريخية صحيحة ، أحدها عامي ، والآخران مثبتان في أهم المصادر التاريخية عند الشيعة الإمامية.

وهذه النصوص هي :

١ ـ نص ابن قتيبة الدينوري أحد أكابر علماء العامة قال :

كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه*

«وأن أبا بكر تفقّد قوما تخلّوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال :

__________________

(١) الشافي ج ٤ / ٩٨.

٤٣٣

والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ، إن فيها فاطمة؟ فقال : وإن ، فخرجوا فبايعوا إلّا عليّا فإنه زعم أنه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي علي عاتقي حتى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها ، فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تسأمرونا ، ولم تردوا لنا حقا ، فأتى عمر أبا بكر ، فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : اذهب فادع لي عليّا ، قال : فذهب إلى عليّ ، فقال له : ما حاجتك؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال عليّ : لسريع ما كذّبتم على رسول الله ، فرجع فأبلغ الرسالة ، قال : فبكى أبو بكر طويلا. فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه ، فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفذ ، فأدّى ما أمر به ، فرفع عليّ صوته فقال : سبحان الله؟ لقد ادّعى ما ليس له ، فرجع قنفذ ، فأبلغ الرسالة ، فبكى أبو بكر طويلا ، ثم قام عمر ، فمشى معه جماعة ، حتى أتوا باب فاطمة عليها‌السلام ، فدقّوا الباب ، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها ، انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم ، فأخرجوا عليّا ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، فقال ؛ إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ، قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق عليّ بقبر رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يصيح ويبكي ، وينادي : يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة عليها‌السلام ، فإنا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعا ، فاستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّا فكلماه ، فأدخلهما عليها ، فلما

٤٣٤

قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها ، فلم ترد التحية (السلام) عليهما ، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله! والله إن قرابة رسول الله أحبّ إليّ من قرابتي ، وإنك لأحبّ إليّ من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني متّ ، ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ، إلا أني سمعت أباك رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول : «لا نورّث ، ما تركنا فهو صدقة» ، فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم تعرفانه وتفعلان به؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني»؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيّ لأشكونّكما إليه ، فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصليها ، ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس ، فقال لهم : يبيت كلّ رجل منكم معانقا حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي. قالوا : يا خليفة رسول الله ، إن هذا الأمر لا يستقيم ، وأنت أعلمنا بذلك ، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين ، فقال : والله لو لا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة ، بعد ما سمعت ورأيت من فاطمة (١).

ـ وقال في موضع آخر تحت عنوان : إبانة عليّ كرّم الله وجهه بيعة أبي بكر.

«ثم إن عليّا كرّم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم

__________________

(١) الإمامة والسياسة المعروف ب «تاريخ الخلفاء» ج ١ / ٣١.

٤٣٥

أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصبا؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمّد منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار نحن أولى برسول الله حيا وميتا فأنصفونا إنّ كنتم تؤمنون وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع ، فقال له عليّ : احلب حلبا لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا. ثم قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك ، فقال أبو عبيدة بن الجرّاح لعليّ كرّم الله وجهه : يا بن عمّ إنك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ، ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالا واضطلاعا به ، فسلم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء ، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك. فقال عليّ كرّم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين ، لنحن أحقّ الناس به ، لأنا أهل البيت ، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعيّة ، المدافع عنهم في الأمور السيئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، والله إنه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله ، فتزدادوا من الحق بعدا. فقال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان. قال : وخرج عليّ كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم على دابّة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول عليّ كرّم الله وجهه : أفكنت أدع

٤٣٦

رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (١).

٢ ـ وروى الخصيبي ، وهو أحد أكابر علماء الإمامية أنّ الصدّيقة الزهراء عليها‌السلام قالت : لا يصلّي عليّ أمّة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله وأمير المؤمنين بعلي وظلموني وأخذوا وراثتي وحرقوا صحيفتي التي كتبها أبي بملك فدك والعوالي وكذّبوا شهودي وهم والله جبريل وميكائيل وأمير المؤمنين وأم أيمن وطفت عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهارا إلى منازلهم يذكرهم بالله ورسوله لئلا يظلمونا ويعطونا حقّنا الذي جعله الله لنا فيجيبون ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهارا ثم ينفذون إلى دارنا قنفذا ومعه خالد بن الوليد ليخرجا ابن عمي إلى سقيفة بين ساعدة لبيعتهم الخاسرة ولا يخرج إليهم متشاغلا بوصاة [بوصايا] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه وتأليف القرآن وقضاء ثمانين ألف درهم وصّاه بقضائها عنه عدات ودينا فجمعوا الحطب ببابنا وأتوا بالنار ليحرقوا البيت فأخذت بعضادتي الباب وقلت : ناشدتكم الله وبأبي رسول الله أن تكفّوا عنّا وتنصرفوا ، فأخذ عمر السوط من قنفذ مولى أبي بكر ، فضرب به عضدي فالتوى السوط على يدي حتى صار كالدملج ، وركل الباب برجله فرده عليّ وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر ، وصفق وجهي بيده حتى انتثر قرطي من أذني وجاءني المخاض فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم فهذه أمّة تصلّي عليّ ، وقد تبرّأ الله ورسوله منها وتبرّأت منها.

فعمل أمير المؤمنين بوصيتها ، ولم يعلم بها أحدا وأصبح الناس في البقيع ليلة دفن فاطمةعليها‌السلام أربعون قبرا جددا وأن المسلمين لمّا علموا وفاة فاطمة ودفنها أتوا أمير المؤمنين عليه‌السلام يعزّونه بها ، فقالوا : يا أخا رسول الله أمرت بتجهيزها وحفر تربتها ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قد ووريت ولحقت بأبيها صلّى

__________________

(١) الإمامة والسياسة ج ١ / ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٣٠.

٤٣٧

الله عليهما فقالوا : أنّا لله وإنّا إليه راجعون تموت بنت محمّد ولم يخلف ولدا غيرها ولا يصلّى عليها ، إن هذا لشيء عظيم.

فقال عليه‌السلام : حسبكم ما جئتم به على الله ورسوله من أهل بيته ولم أكن والله أعصيها في وصيتها التي وصّت بها أن لا يصلّي عليها أحد منكم وما بعد العهد غدر.

فنفض القوم أثوابهم وقالوا : لا بدّ من الصلاة على بنت نبيّنا ومضوا من فورهم إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا جددا ، فاستشكل عليهم قبرها بين تلك القبور ، فضجّ الناس ، ولام بعضهم بعضا ، وقالوا : لم تحضروا وفاة بنت نبيّكم ولا الصلاة عليها ولا تعرفون قبرها فتزورونها.

فقال أبو بكر : أتوا نساء المسلمين من ينشر هذه القبور حتى تجدوا فاطمة فتصلّوا عليها ويزار قبرها ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فخرج من داره مغضبا وقد احمرّت عيناه ودارت أوداجه وعلى يده قباه الأصفر الذي لم يكن يلبسه إلّا في كريهة ، يتوكأ على سيفه ذي الفقار ، حتى ورد على البقيع ، فسبق إلى الناس النذير فقال لهم : هذا عليّ قد أقبل كما ترون يقسم بالله لئن بحث من هذه القبور حجر واحد لأضعنّ سيفي على غابر الأمة ، فولى القوم ولم يحدثوا أحداثا.

ـ وقال الخصيبي قدس‌سره في موضع آخر في بيان شكوى سيّدتنا فاطمة الزهراء عليها‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ألمّ بها بعد وفاته ، هذا وقد أسلفنا فيما مرّ جزءا من الكلام الوارد هنا نعيد تسطيره دعما للمطلب :

... وتقصّ عليه قصة أبي بكر وإنفاذ خالد بن الوليد وقنفذ وعمر جميعا لإخراج أمير المؤمنين عليه‌السلام من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال أمير المؤمنين وضمّ أزواج رسول الله وتعزيتهنّ وجمع القرآن وتأليفه وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تالده وطارفه وقضاها عنه وقول عمر له : اخرج يا عليّ إلى ما أجمع عليه المسلمون من البيعة لأمر أبي بكر فما لك أن تخرج عمّا اجتمعنا

٤٣٨

عليه فإن لم تفعل قتلناك وقول فضة جارية فاطمة عليها‌السلام : إن أمير المؤمنين عنكم مشغول والحقّ له لو أنصفتموه واتقيتم الله ورسوله ، وسبّ عمر لها وجمع الحطب الجزل على النار لإحراق أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب [ورقية] (١) وأم كلثوم وفضّة وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة عليها‌السلام وخطابها لهم من وراء الباب وقولها : ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله ورسوله تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله والله متمّ نوره ، وانتهاره لها وقوله : كفّي يا فاطمة فلو أن محمّدا حاضر والملائكة تأتيه بالأمر والنهي والوحي من الله وما عليّ إلّا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه إلى بيعة أبي بكر وإلّا أحرقكم بالنار جميعا ، وقولها له : يا شقيّ عديّ هذا رسول الله لم يبل له جبين في قبره ولا مسّ الثرى أكفانه ، ثم قالت وهي باكية : اللهم إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك وارتداد أمّته ومنعهم إيّانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك بلسانه ، وانتهار عمر لها وخالد بن الوليد وقولهم : دعي عنك يا فاطمة حماقة النساء فكم يجمع الله لكم النبوّة والرسالة ، وأخذ النار في خشب الباب ، وأدخل قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب ، وضرب عمر بها بسوط أبي بكر على عضدها حتى صار كالدملج الأسود المحترق وأنينها من ذلك وبكاها ، وركل عمر الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بمحسن لستة أشهر وإسقاطها وصرختها

__________________

(١) رقيّة هذه بنت أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام من الصهباء أو أمّ حبيب التغلبية التي تزوّجها الأمير عليه‌السلام بعد شهادة الصدّيقة الطاهرة بسنين ، فلم يرو أنه تزوّج في حياة مولاتنا الزهراء عليها‌السلام ، ولا أن له بنتا باسم رقيّة منها ، فما ورد في المتن من أنها كانت ضمن أولاده من الصدّيقة مخالف للأخبار عندنا ، لذا لا يخلو إقحامها في المتن من أمور هي : إمّا أنّها رقيّة بنت خالتها وهو مردود لأنها توفّت قبل شهادة مولاتنا الصدّيقة الزهراء عليها‌السلام ، وإمّا أنها واحدة من نساء المؤمنات كانت في ضيافة الصدّيقة يوم ذاك ، وإمّا دسّ ليحرفوا النّص عن مساره ، وهو الصحيح ويشهد لما قلنا أن النّص عندنا تعرّض لأولادها عليها‌السلام لمّا حملهم أمير المؤمنين وأمهم عليها‌السلام يدور بهم في سواد الليل إلى دور المهاجرين والأنصار ولم يذكر معهم رقيّة هذه ، فتدبّر (من الشارح).

٤٣٩

عند رجوع الباب ، وهجوم عمر قنفذ وخالد ، وصفقة عمر على خدّها حتى أبرى قرطها تحت خمارها فانتثر وهي تجهر بالبكاء تقول : يا أبتاه يا رسول الله ابنتك فاطمة تضرب ويقتل جنين في بطنها وتصفق يا أبتاه! ويسقف خدّ لها كنت تصونه من ضيم الهوان يصل إليه من فوق الخمار ، وضربها بيدها على الخمار لتكشفه ورفعها ناصيتها إلى السماء تدعو إلى الله وخروج أمير المؤمنين من داخل البيت محمّر العينين دائر الحدقتين حاسر حتى ألقى ملاءته عليها وضمّها لصدره وقال : يا ابنة رسول الله قد علمتي أن الله بعث أباك رحمة للعالمين فالله الله أن تكشفي أو ترفعي ناصيتك فو الله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا يبقي الله على الأرض من يشهد أن محمّدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابة تمشي علي وجه الأرض ولا طائر يطير في السماء إلّا هلك ، ثم قال لابن الخطاب : لك الويل كل الويل بالكيل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل أن أخرج سيفي ذا الفقار فأفني غابر الأمة ، فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر وصاروا من خارج الدار ، فصاح أمير المؤمنين بفضّة : إليك مولاتك فاقبلي منها ما يقبل النساء وقد جاءها المخاض من الرفسة وردّة الباب فسقطت محسنا عليه قتيلا وعرّفت أمير المؤمنين إليه التسليم فقال لها : يا فضة لقد عرّفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرّفني وعرّف الحسن وعرّف الحسين اليوم بهذا الفعل ونحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش فواريه بقعر البيت فإنه لاحق بجدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وتشكو حمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار يذكرهم بالله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله عليه في أربع مواطن في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين جميعهم فكلّ يعده النصرة ليومه المقبل فلما أصبح قد جمعهم عنده ثم يشكو إليه أمير المؤمنين المحن السبعة التي امتحن بها بعده ونقض المهاجرين والأنصار قولهم لمّا تنازعت قريش في الإمامة والخلافة قد منع لصاحب هذا الأمر حقّه فإذا منع فنحن أولى به من قريش الذين قتلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبسوه في فراشه

٤٤٠