أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ٢

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

قال العلوي :

(أولا) : معنى كلامك أن الله لم يكن يعرف عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حق المعرفة فلم يكن يعلم أن مؤهلاته قليلة ولهذا عيّنه خليفة ، وهذا هو الكفر الصريح.

(ثانيا) : إن الواقع أن مؤهلات الخلافة والإمامة كانت متوفرة كاملا في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، بينما لم تكن متوفرة في غيره!

قال العبّاسي : وما هي تلك المؤهلات ـ مثلا ـ؟

قال العلوي :

إن مؤهلاته عليه‌السلام كثيرة جدا ، فأوّل المؤهلات تعيين الله (١) وتعيين رسوله له عليه‌السلام.

وثانيها : أنه كان أعلم الصحابة على الاطلاق ، فهذا رسول الله يقول : «أقضاكم عليّ».

____________________________________

(١) قد بسطنا الأدلة على ذلك فيما سبق فلا نعيد ، ولكنّا نذكر بعضها استئناسا ، فمنها ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمولاتنا فاطمة عليها‌السلام :

«أما ترضين إني زوجتك أول المسلمين إسلاما وأعلمهم علما» (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعلم أمتي من بعدي عليّ بن أبي طالب» (٢).

__________________

(١) مستدرك الحاكم وكنز العمال.

(٢) المناقب للخوارزمي ص ٤٩ ومقتل الحسين ص ٤٣.

٣٠١

وقوله : «علي خازن علمي» (١).

وقوله : «أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها ، فمن أراد الحكمة فليأت الباب» (٢).

وقوله : «وأنا دار العلم وعليّ بابها» (٣).

وقوله : «ما علمت شيئا إلّا علّمته عليّا فهو باب مدينة علمي» (٤).

وقوله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب» (٥).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سئل عن الإمام عليّ : «قسّمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا» (٦).

__________________

(١) شرح النهج / ابن أبي الحديد ج ٢ / ٤٤٨.

(٢) تاريخ بغداد ج ١١ / ٢٠٤ ط / السعادة بمصر. والمناقب للشافعي ص ١٢٤ وفرائد السمطين.

(٣) ذخائر العقبى ص ٧٧ ؛ الرياض النضرة ج ٢ / ١٩٣ ، وينابيع المودة ص ٢١٠.

(٤) المناقب للمغازلي.

(٥) المناقب وكفاية الطالب ص ٩٨ وميزان الاعتدال ج ١ / ٥١ وغيره من المصادر الكثيرة فلاحظ : إحقاق الحق ج ٥ / ٤٦٨ الباب التاسع.

(٦) حلية الأولياء ج ١ / ٦٤ والمناقب للمغازلي.

٣٠٢

ويقول عمر بن الخطّاب : (أقضانا علي) (١) ويقول رسول الله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة والحكمة فليأت الباب».

وقال هو عليه‌السلام :

«علّمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب» (٢).

ومن الواضح أن العالم مقدّم على الجاهل ، يقول الله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٣).

وثالثها : أنه عليه‌السلام كان مستغنيا عن غيره ، وغيره كان محتاجا إليه ، ألم يقل أبو بكر : «أقيلوني فلست بخير فيكم وعليّ فيكم» (٤)!

ألم يقل عمر في أكثر من سبعين موضعا : «لو لا عليّ لهلك

__________________

(١) صحيح البخاري في تفسير قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ...) وطبقات ابن سعد ج ٦ / ١٠٢ والاستيعاب ج ١ / ٨ وج ٢ / ٤٦١ وحلية الأولياء ج ١ / ٦٥ ، ومطالب السئول ص ٢٣ ومواقف الإيجي ج ٣ / ٢٧٦ وشرح ابن أبي الحديد ج ٢ / ٢٣٥ ، الغدير ج ٣ / ٩٦.

(٢) ورد بألفاظ متعددة ، وبطرق كثيرة في مصادر الخاصة والعامة ناهزت الخمسين.

(٣) سورة الزمر : ٩.

(٤) الموجود في المصادر هكذا : «لست بخيركم وعلي فيكم» ويظهر أن ما في المتن تصحيف لما قلنا. ولاحظ شرح التجريد للقوشجي ص ٣٧١ ، ط / حجري ، أو أن تكون العبارة هكذا : «لست بخير وعليّ فيكم» أي ما دام فيكم ، لذا حاولوا قتله مرارا ، كان آخرها لمّا وكّل أبو بكر خالدا ، وقد ذكرنا القصة في البحوث السابقة فلتراجع.

٣٠٣

عمر» (١) «ولا أبقاني الله لمعضلة لست فيها يا أبا الحسن» و «لا يفتينّ أحدكم في المسجد وعليّ حاضر»؟

____________________________________

(١) لعمر بن الخطاب كلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى أمير المؤمنين منها قوله مرارا :

«لو لا عليّ لهلك عمر».

«وعليّ أقضانا».

«اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب».

«لا أبقاني الله بأرض لست فيها أبا الحسن».

«لا أبقاني الله بعدك يا عليّ».

«أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها».

«أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن».

«أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن».

«اللهم لا تنزل بي شديدة إلّا وأبو الحسن إلى جنبي».

«لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن».

«لا أبقاني الله إلى أن أدرك قوما ليس فيهم أبو الحسن» (١).

وقالت عائشة : عليّ أعلم الناس بالسنّة (٢).

وقال ابن مسعود : أعلم أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب (٣).

__________________

(١) أخرج الحديث المصادر التالية : حلية الأولياء ج ١ / ٦٥ ، الطبقات ص ٤٥٩ ، الاستيعاب ج ٤ / ٣٨ ، الرياض النضرة ج ٢ / ١٩٨ ، تاريخ ابن كثير ج ٧ / ٣٥٩ ، المناقب ص ٦٠ ، تذكرة السبط ص ٨٨ ، فيض القدير ج ٤ / ٣٥٧.

(٢) الاستيعاب ج ٣ / ٤٠ ؛ الرياض النضرة ج ٢ / ١٩٣ ؛ مناقب الخوارزمي ص ٥٤ ؛ الصواعق المحرقة ص ٧٦ ؛ تاريخ الخلفاء ص ١١٥.

(٣) الاستيعاب ج ٣ / ٤١ والرياض النضرة ج ٢ / ١٩٤.

٣٠٤

وقال أيضا : كنّا نتحدث أن أفضل أهل المدينة عليّ (١).

وقال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن (٢).

وقال هشام بن عتيبة في الإمام عليّ عليه‌السلام : هو أول من صلّى مع رسول الله وأفقهه في دين الله ، وأولاه برسول الله (٣).

وسئل عطاء أكان في أصحاب محمّد أحد أعلم من عليّ؟ قال : لا والله ما أعلمه (٤).

وقال عديّ بن حاتم في خطبة له : والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنّة أنه ـ يعني عليا ـ لأعلم الناس بهما ، ولئن كان إلى الإسلام أنه لأخو نبي الله والرأس في الإسلام ، ولئن كان إلى الزهد والعبادة أنه لأظهر الناس زهدا ، وأنهكهم عبادة ، ولئن كان إلى العقول والنحائز (٥) أنه لأشدّ الناس عقلا وأكرمهم نحيزة (٦).

وقد امتدح جمع من الصحابة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام في شعرهم بالأعلمية كحسان بن ثابت ، وفضل بن عبّاس ، وتبعهم في ذلك أمة كبيرة من شعراء القرون الأولى.

والأمة بعد اولئك كلهم مجمعة على تفضيل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام على غيره بالعلم والتقى والزهد ، إذ هو الذي ورث علم النبيّ ، وقد ثبت عنه بعدة طرق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه وصيّه ووارثه ، وفيه قال الإمام عليّ : وما أرث منك يا نبيّ الله؟ قال :

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ، الاستيعاب ج ٣ / ٤١ ، أسنى المطالب للجزري ص ١٤ ، الصواعق ص ٧٦.

(٢) حلية الأولياء ج ١ / ٦٥.

(٣) كتاب صفين / نصر بن مزاحم ص ٤٠٣.

(٤) الاستيعاب ج ٣ / ٤٠.

(٥) النحائز ، جمع نحيزة : الطبيعة.

(٦) جمهرة خطب العرب ج ١ / ٢٠٢.

٣٠٥

ما ورث الأنبياء من قبلي ، قال : وما ورث الأنبياء من قبلك؟ قال : كتاب الله وسنّة نبيهم.

قال الحاكم في المستدرك ج ٣ / ٢٢٦ في ذيل حديث وراثته النبيّ دون عمّه العباس ما نصه : لا خلاف بين أهل العلم أن ابن العمّ لا يرث مع العمّ ، فقد ظهر بهذا الإجماع أن الإمامعليه‌السلام ورث العلم من النبيّ دونهم.

وبهذه الوراثة الثابتة صحّ عن الإمام عليّ عليه‌السلام قوله : والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارث علمه ، فمن أحقّ به مني (١)؟.

وهذه الوراثة هي المتسالم عليها بين الصحابة ، وقد وردت في كلام كثير منهم ، وكتب محمّد بن أبي بكر إلى معاوية فيما كتب : يا لك الويل ، تعدل نفسك بعليّ؟ وهو وارث رسول الله ووصيه (٢).

بل هو قاضي الأمة ـ حسبما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقضى أمتي علي» (٣) أو «أقضاكم علي» (٤) و «أعلم أمتي من بعدي عليّ بن أبي طالب» (٥).

__________________

(١) خصائص النسائي ص ١٨ ، مستدرك الحاكم ج ٣ / ١٢٦ وصححه هو والذهبي.

(٢) كتاب صفين / نصر بن مزاحم ص ١٣٣ ، مروج الذهب ج ٢ / ٥٩.

(٣) المعجم الصغير للطبراني ص ١١٥ وأخبار القضاء ج ١ / ٨٨ ط / القاهرة ، والمناقب للخوارزمي ص ٤٨.

(٤) التبصير في الدين للاسفرايني ص ١٦١ ط / مصر ، مصابيح السنّة ج ٢ / ٢٣ للبغوي.

(٥) المناقب للخوارزمي ص ٤٩ وكفاية الطالب ص ١٩٠ ط / الغري.

٣٠٦

ورابعها : أنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لم يكن قد عصى الله ، ولم يكن قد عبد غير الله ، ولم يكن قد سجد للأصنام طيلة حياته أبدا ، وهؤلاء الثلاثة كانوا قد عصوا الله ، وعبدوا غيره ، وسجدوا للأصنام ، وقد قال الله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).

ومن الواضح أن العاصي ظالم ، فلا يكون مؤهلا لنيل عهد الله أي : النبوة والخلافة.

وخامسها : أن عليّ بن أبي طالب كان ذا فكر سليم ، وعقل كبير ورأي صائب منبعث من الإسلام ، بينما كان غيره ذا رأي سقيم منبعث من الشيطان ، فقد قال أبو بكر : إن لي شيطانا يعتريني (٢) ، وقد خالف عمر رسول الله في مواضع عديدة (٣) ، وكان عثمان ضعيف الرأي تؤثر فيه حاشيته السيئة أمثال : الوزغ بن الوزغ الذي لعنه رسول الله ولعن من في صلبه ـ إلّا المؤمن وقليل ما هم ـ مروان بن الحكم وكعب الأحبار اليهودي وغيرهما!

قال الملك (موجّها الخطاب إلى الوزير):

هل صحيح أن أبا بكر قال : «إن لي شيطانا يعتريني»؟

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) تاريخ الخلفاء ، السيوطي ص ٧١ ط قم ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة ، ص ٣٤ ، تاريخ الطبري ج ٢ ، ص ٤٦٠ وكان يقصد بالشيطان ـ حسب تعبير بعضهم ـ عمر بن الخطاب ، مستدلا على ذلك بما ورد عن الخطيب البغدادي عن عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج قال : حدثنا عبد الوارث قال : كنت بمكة وبها أبو حنيفة فأتيته وعنده نفر ، فسأله رجل عن مسألة فأجاب فيها ، فقال له الرجل : فما رواية عن عمر؟ قال : ذلك قول شيطان. لاحظ محاورة في الإمامة ، ص ١٤.

(٣) ذكرنا بعضا منها فيما سبق ، وسيستعرض العلوي البقية فتابع.

٣٠٧

قال الوزير :

هذا موجود في كتب الروايات.

قال الملك : وهل صحيح أن عمر خالف رسول الله؟

قال الوزير : نستفسر من العلوي ما ذا يقصد من هذا الكلام؟

قال العلوي : نعم ذكر علماء السنّة في الكتب المعتبرة أن عمر ردّ على رسول الله في موارد عديدة ، وخالفه في مواطن كثيرة ، منها :

١ ـ حين أراد النبيّ أن يصلّي على عبد الله بن أبي ، فقد ردّ عمر على رسول الله ردا نابيا(١) وقاسيا حتى تأذّى منه رسول الله ، والله يقول : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٢).

٢ ـ حين أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفصل بين عمرة التمتع وحج التمتع وجوّز مقاربة الرجل زوجته بين العمرة والحج ، فاعترض عليه عمر وقال هذه العبارة البشعة : «أنحرم ومذاكيرنا تقطر منيّا» (٣)؟

فيردّ عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا : إنك لم تؤمن بهذا أبدا ، وبهذه العبارة عرّفه النبيّ بأنه ـ أي عمر ـ ممن يؤمن ببعض ويكفر ببعض.

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ج ٢ / ٣٢٧ ، تفسير الرازي : ج ١٦ / ١٥٢.

(٢) التوبة : ٦١.

(٣) صحيح البخاري : ج ١ / ٢١٣ و ٤ / ١٦٦ كتاب التمني باب لو استقبلت من أمري ما استدبرت وسنن أبي داود ج ٢ / ١٥٦ باب أفراد الحج ، الحديث ١٧٨٩ باختلاف يسير ، ومسند أحمد : ج ٣ / ٣٠٥ وسنن البيهقي : ج ٥ / ٣ باب من اختار الأفراد. وفتح الباري : ١٧ / ١٠٨ باب نهي النبي على التحريم من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، وصحيح مسلم : ج ٨ / ١٣١ ح ١٤١ باب وجوه الإحرام ، وسنن ابن ماجة باب التمتع بالعمرة.

٣٠٨

٣ ـ في متعة النساء ، حيث لم يؤمن بها ، ولمّا جاء إلى الحكم ، وغصب كرسي الخلافة قال: «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما» بينما يقول الله تعالى في القرآن الكريم : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (١).

حيث ذكر المفسّرون أنها نزلت في جواز المتعة ، وقد كان عمل المسلمين على هذه حتّى أيام عمر ، فلمّا حرّمها عمر كثر الزنا والفجور بين المسلمين ، وبهذا العمل عطّل عمر حكم الله وسنّة رسول الله ، وروّج الزنا والفجور! وصار مشمولا للآية : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .. (الْفاسِقُونَ) .. (الْكافِرُونَ) (٢).

٤ ـ في صلح الحديبية ـ كما مرّ ـ

إلى غيرها من الموارد التي كان عمر يخالف فيها رسول الله ويؤذيه بقساوة كلامه!

قال الملك :

وفي الحقيقة أني أيضا لا أرضى بمتعة النساء!

قال العلوي : هل أنت تعترف بأنه تشريع إسلامي أم لا؟

قال الملك : لا أعترف.

قال العلوي : فما معنى الآية : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) وما معنى قول عمر : «متعتان كانتا ..» ألا يدل قول عمر

__________________

(١) النساء : ٢٤ وقد فصّلنا القول بالمتعتين في مثالب عمر بن الخطّاب فراجع.

(٢) المائدة : ٤٥ ، ٤٧ ، ٤٤.

٣٠٩

على أن متعة النساء كانت جائزة وجارية في عهد رسول الله ، وفي أيام حكم أبي بكر ، وفي جزء من حكم عمر ثم نهى عنها ومنعها؟

بالإضافة إلى سائر الأدلة وهي كثيرة أيها الملك : إن عمر نفسه كان يتمتع بالنساء ، وإن عبد الله بن الزبير ولد من المتعة (١)!

قال الملك :

ما ذا تقول يا نظام الملك؟

قال الوزير :

حجة العلوي سليمة وصحيحة ، ولكن حيث إن عمر نهى ، يلزم علينا اتباعه.

قال العلوي : هل الله والرسول أحقّ بالاتباع أم عمر؟!

ألم تقرأ أيّها الوزير قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٢).

وقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي) (٣).

وقوله (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٤).

__________________

(١) ذكر الراغب الأصفهاني : إن عبد الله بن الزبير عيّر ابن عبّاس بتحليله المتعة ، فقال له ابن عبّاس : سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك ، فسألها فقالت : والله ما ولدتك إلّا بالمتعة. (المحاضرات طبع مصر ج ٢/٩٤ ، ومروج الذهب ، ج ٣ / ٨١ وفي خبر آخر : فاسأل أمك عن بردي عوسجة).

(٢) الحشر : ٧.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) الأحزاب : ٢١.

٣١٠

والحديث المشهور : (حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة (١).

قال الملك :

إني أؤمن بكلّ تشريعات الإسلام ، لكن لا أفهم وجه العلّة في تشريع المتعة ، فهل يرغب أحدكم أن يعطي بنته أو أخته لرجل كي يتمتع بها ساعة ، أليس هذا قبيحا؟

قال العلوي :

وما تقول في هذا أيّها الملك : هل يرغب الإنسان أن يزوّج بنته أو أخته [٢] عقدا دائما لرجل ، وهو يعلم أنه يطلّقها بعد ساعة من الاستمتاع بها؟

قال الملك : لا أرغب ذلك.

قال العلوي : مع أن أهل السنّة يعترفون بأنّ هذا العقد الدائم صحيح ، والطلاق بعده صحيح أيضا ، فليس الفارق بين عقد المتعة والعقد الدائم إلّا أن المتعة تنتهي بانتهاء مدّتها ، والعقد الدائم ينقطع بالطلاق ، وبعبارة أخرى : عقد المتعة بمنزلة الإجارة ، وعقد الدوام

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٨ / ١٢٤ ح ٤٧ باب صفات القاضي.

(٢) حدثني أحد الثقات أن رجلا متدينا زوّج ابنته البالغة من العمر خمسة عشر عاما أحد المؤمنين لما رأى منها الحاجة إلى زوج ، ولمّا عقد الشاب عليها ، أحبها وأحبته ، فحوّلاه إلى عقد دائم. وقد حصل معي أيضا أنّ أحدهم طلب مني أن أزوّجه بالعقد المنقطع أختي المطلّقة ، فوافقت وذهبت بنفسي لإخبارها ، لكنها ـ لظروف ـ رفضت ، وقد تعجّب ذاك الشاب إكبارا وإجلالا لي كيف فعلت ذلك! فقلت له : المتعة حكم الله تعالى ، وأنا أمتثل حكمه بدون ترديد.

٣١١

بمنزلة الملك ، حيث إن الإجارة تنتهي بانتهاء المدة ، والملك ينتهي بالبيع ـ مثلا – (١).

إذن : فتشريع المتعة سليم وصحيح لأنه قضاء حاجة من حاجات الجسد ، كما أن تشريع الدوام الذي ينقطع بالطلاق سليم وصحيح لأنه قضاء لحاجة من حاجات الجسد.

ثم أسألك ـ أيّها الملك ـ ما تقول في النساء الأرامل اللّاتي فقدن أزواجهن ولم يتقدّم أحد لخطبتهنّ : أليس عقد المتعة هو العلاج الوحيد لصيانتهن من الفساد والفجور؟

أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن وأطفالهنّ اليتامى؟

وما تقول في الشباب والرجال الذين لا تسمح لهم ظروفهم بالزواج الدائم [أليست المتعة هي الحل الوحيد لهم للخلاص من القوة الجنسية الطائشة؟! وللوقاية من الفسق والميوعة؟ (٢).

أليست المتعة أفضل من الزنا الفاحش واللواط والعادة السريّة؟ إنني أعتقد ـ أيّها الملك ـ أن كل جريمة زنا أو لواط أو استمناء تقع بين الناس ، يعود سببها إلى عمر ، ويشترك في إثمها عمر ، لأنه الذي منعها ، ونهى الناس عنها! وقد ورد في أخبار متعددة : أن الزنا كثر بين الناس منذ أن منع عمر المتعة!

__________________

(١) هذه الكلمة يحتمل زيادتها على النص من قبل الناسخين ، أو لعلّ ما بعدها عبارة محذوفة.

(٢) ما بين المعقوفتين غير موجود في نسخة الرضوي ، ولا يبعد زيادتها من الناسخين أيضا لأن مصطلح «القوة الجنسية» حديث لم يكن متداولا في تلك العصور.

٣١٢

أما قولك ـ أيّها الملك ـ إني لا أرغب .. الخ ، فالإسلام لم يجبر أحدا على هذا ، كما لم يجبرك على أن تزوّج بنتك لمن تعلم أنه يطلّقها بعد ساعة من عقد النكاح ، بالإضافة إلى أن عدم رغبتك ورغبة الناس في شيء لا يقوم [ظ : لا يكون] دليلا على حرمته ، فحكم الله ثابت لا يتغيّر بالأهواء والآراء!

قال الملك ـ موجّها الخطاب للوزير ـ

حجة العلوي في جواز المتعة قوية!

قال الوزير :

لكنّ العلماء اتبعوا رأي عمر.

قال العلوي :

أولا : إن الذين اتّبعوا رأي عمر هم علماء السنّة فقط لا كل العلماء.

ثانيا : حكم الله ورسوله أحقّ بالاتباع أم قول عمر؟

وثالثا : إن علماءكم ناقضوا بأنفسهم قول عمر وتشريعه.

قال الوزير : كيف؟

قال العلوي : لأن عمر قال : (متعتان كانتا في عهد رسول الله أنا أحرّمهما : متعة الحج ومتعة النساء (١) ، فإن كان قول عمر صحيحا فلماذا

__________________

(١) في خبر آخر قال عمر : أيّها لناس ، ثلاث كنّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهن : متعة النساء ، ومتعة الحج وحيّ على خير العمل.

لاحظ : شرح القوشجي مبحث الإمامة ، وقد تقدمت مصادره.

٣١٣

لم يتبع علماؤكم رأيه في متعة الحج؟ حيث إن علماءكم خالفوا عمر وقالوا : بأن متعة الحج صحيحة ، على الرغم من تحريم عمر! وإن كان قول عمر باطلا فلما ذا اتّبع علماؤكم رأيه في حرمة متعة النساء ، ووافقوه؟

الوزير : سكت ولم يقل شيئا.

قال الملك ـ موجّها الكلام إلى الحاضرين ـ لما ذا لا تجيبون العلوي؟

فقال أحد علماء الشيعة واسمه الشيخ حسن القاسمي : الإيراد والإشكال وارد على عمر وعلى من تبعه ، ولهذا ليس لهؤلاء ـ أيها الملك ـ جواب على إيراد سيّدنا العلوي حفظه الله تعالى.

قال الملك :

إذن دعوا هذا الموضوع وتكلّموا حول موضوع آخر.

قال العبّاسي :

إن هؤلاء الشيعة يزعمون أنه لا فضل لعمر ، وكفاه فضلا أنه فتح تلك الفتوحات الإسلامية.

قال العلوي :

عندنا لذلك أجوبة :

أولا : إن الحكام والملوك يفتحون البلاد لأجل توسعة أراضيهم وسلطانهم ، فهل هذه فضيلة؟

٣١٤

ثانيا : لو سلّمنا أن فتوحاته فضيلة ، لكن هل الفتوحات تبرّر غصبه لخلافة الرسول؟ والحال أن الرسول لم يجعل الخلافة له ، وإنما جعلها لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١) .. فإذا أنت ـ أيّها الملك ـ عيّنت خليفة لمقامك ، ثم جاء إنسان وغصب الخلافة من خليفتك وجلس مجلسه ، ثم فتح الفتوحات وعمل الصالحات ، فهل ترضى أنت بفتوحاته أم تغضب عليه ، لأنه خلع من عيّنته ، وعزل خليفتك وجلس مجلسك بغير إذنك؟

قال الملك :

بل أغضب عليه ، وفتوحاته لا تغسل جريمته!

قال العلوي :

وكذلك عمر ، غصب مقام الخلافة ، وجلس مجلس الرسول بغير إذن من الرسول!

ثالثا : إن فتوحات عمر كانت خاطئة وكان لها نتائج سلبية معكوسة ، لأن رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يهاجم أحدا ، بل كانت حروبه دفاعية ولذلك رغب الناس في الإسلام ودخلوا في دين الله أفواجا لأنّهم عرفوا أن الإسلام دين سلّم وسلام ، أما عمر فإنه هاجم البلاد وأدخلهم في الإسلام بالسيف والقهر ، ولذلك كره الناس الإسلام واتهموه بأنه دين السيف والقوة ، لا دين المنطق واللّين وصار ذلك سببا لكثرة أعداء الإسلام.

__________________

(١) لا بدّ من القول : أن الجاعل للخلافة هو الله تعالى وليس الرسول ، فما ذكره العلوي من أن الرسول جعلها للإمام أمير المؤمنين فيه تسامح ، ولكنّه يقصد أنه جعلها له عليه‌السلام بأمر من الله تعالى ، لأن الخلافة تعيين من الله تعالى وليست ترشيحا.

٣١٥

إذن : فتوحات عمر شوّهت سمعة الإسلام ، وأعطت نتائج سلبية معكوسة (١).

____________________________________

إن التشدق بالفتوحات الإسلامية ليس إلّا مظهرا من مظاهر العصبيّة التي نبذها الإسلام تحت قدميه ، هذه الفتوحات التي جعلوها مفخرة عظمى لما يسمى بالخلفاء الراشدين قد صبت علينا الويلات ، حتى نعت الغربيون الإسلام بأنه دين قسوة يعتمد على السيف أكثر من اعتماده على منطق العقل والعلم والدراية!! .. فأغلب هذه الفتوحات إنما كانت من أجل توسيع رقعة الحكم الغاصب للخلافة من أصحابها الحقيقيين أمير المؤمنين وأبنائه الميامين عليهم‌السلام ، بل كانت ضررا على الإسلام ووبالا عليه ، وذلك لأمور :

الأول : لو كانت تلك الفتوحات لله تعالى لكان اتّبعها اهتمام القائمين بها من الحكّام والساسة بإرشاد الناس ـ في تلك البلاد المفتوحة ـ وتعليمهم وتثقيفهم وتربيتهم تربية دينية صالحة ، بحيث يتحول الإسلام في نفوسهم إلى طاقة عقائدية تشحذ الهمم نحو الفضيلة والتكامل ، وتبنّيهم لأحكام الإسلام والدفاع عنها ، فلما لم يكن شيء من هذا حاصلا في تلك البلاد ، علمنا أن فتوحاتهم لم تكن فتحا للإسلام ، بل فتحا للعداء عليه. فها هو رسول الله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يكتفي من الناس بإظهار الإسلام والتلفظ بالشهادتين ثم ممارستهم السطحية لبعض الشعائر والظواهر الإسلامية فحسب وإنما كان يرسل لهم من يعلّمهم ويرشدهم إلى عقائد الإسلام وأحكامه ، بخلاف هذه الفتوحات التي تمت على يد الثلاثة المتقدّمين على مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام فإن الكثير من البلدان فتحت ثم عادت إلى الكفر والعصيان.

قال الطبري :

إن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان وكانوا يجبون أحيانا مائة ألف.

٣١٦

ويقولون هذا صلحنا ، وأحيانا مائتي ألف ، وأحيانا ثلاثمائة ألف وكانوا ربما أعطوا ذلك وربما منعوه ثم امتنعوا وكفروا فلم يعطوا خراجا حتى أتاهم يزيد بن المهلب فلم يعازه أحد حين قدمها ، فلما صالح صولا وفتح البحيرة ودهستان صالح أهل جرجان على صلح سعيد بن العاص (١).

فكان همّ خلفاء الفتوحات جلب النفائس والحلي والدراهم والجواري (٢).

قال ابن الأثير :

«إن معاوية بن أبي سفيان عزل معاوية بن حديج عن إفريقية ، واستعمل عليها عقبة بن نافع الفهري ، وكان مقيما ببرقة وزويلة مذ فتحها أيام عمرو بن العاص ، ... فلما استعمله معاوية سيّر إليه عشرة آلاف فارس ، فدخل إفريقية وانضاف إليه من أسلم من البربر فكثر جمعه ، ووضع السيف في أهل البلاد لأنهم كانوا إذا دخل إليهم أمير أطاعوا وأظهر بعضهم الإسلام ، فإذا عاد الأمير عنهم نكثوا وارتدّ من أسلم» (٣).

وهكذا نجد عدم اهتمام كثير من الصحابة بالإسلام كعقيدة ثابتة ، لذا قال موسى بن يسار : «إن أصحاب رسول الله كانوا أعرابا جفاة ، فجئنا نحن أبناء فارس فلخصنا هذا الدين»(٤).

الثاني : أدت سياسة التمييز في العطاء ، وتفضيل العرب على العجم ، والهيمنة والسيطرة التي كانت سائدة بين أواسط الحكام وأتباعهم ، مضافا إلى وفور النعم ، إلى الإعجاب بالنفس والغرور ، مع عدم وجود روادع دينية أو وجدانية لديهم ، فنال الأمة منهم كل مكروه ، وأصيب الإسلام على أيديهم في مقاتله. لقد

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٣ / ٣٢٥ حوادث عام ٣٠ ه‍.

(٢) نفس المصدر ج ٣ / ٣٥٨ ، والكامل في التاريخ ج ٢ / ٤٩٢.

(٣) الكامل في التاريخ ج ٣ / ٤٦٥ وج ٢ / ٤٤٨ ، وتاريخ الطبري ج ٣ / ٣٦٠ والفتوحات الإسلامية لدحلان ، الجزء الأول.

(٤) ميزان الاعتدال ج ٤ / ٢٢٧.

٣١٧

انبهر أصحاب تلك الفتوحات بالمناصب التي كانوا فيها ، وأسالت لعابهم الجواري الحسان ، وتملك البلدان ، فشمخ كل منهم بأنفه ، ونظر في عطفه ، وتكبّر وتجبّر ، لأنه لم يتعامل مع الواقع الجديد بعقلية الرجل المسلم الواعي والهادف ، بل بعقلية الجاهلية ، التي تعتبر القبيلة لا الأمة أساسا ، والفرد لا الجماعة ميزانا ومنطلقا لتعامله مع الآخرين ، فكان جلّ اهتمامهم بتقوية أمرهم ، وتثبيت سلطانهم ، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال وبالإغراء بالمناصب وغير ذلك من سياسات ، ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلّا واحدا منها ، واستمروا في بسط نفوذهم وسلطانهم على أساس أنه ملك قبلي.

«وإذا كان أبو بكر ، وكذلك عمر لا يدري : أخليفة هو أم ملك ، فإن معاوية بن أبي سفيان كان يعتبر نفسه ملكا بالفعل ، وكذلك كان يعتبره الكثيرون ، بل أن عمر نفسه قد اعتبر نفسه ملكا في بعض المناسبات».

لقد اعتبر معاوية والأمويون أنفسهم ملوكا قيصريين ، وأن الدين عندهم مجرد شعار يخدم هذا الملك ويقويه ، وكل ما كان مانعا من الوصول إلى ما يبتغون ، كانوا يدمرونه ويستأصلونه من جذوره.

فالمستفيدون الحقيقيون من تلك الفتوحات هم خصوص هذه الطبقة من المترفين المتجبّرين من أدعياء الإسلام ، كانوا يكيدون للإسلام باسمه ، فهم أصحاب القرار لذا عبّر العامة عنهم ب «أهل الحل والعقد» يحلّون ويعقّدون بأنفسهم من دون استشارة أحد من المسلمين ، لأن القرار بأيديهم ، والله تعالى سلّطهم على عبيده فهم خدم عندهم لا يلوون على شيء إلا بإشارتهم ، فهذا النمط من الحكّام هم المستفيدون حقا ، لذا قد بلغت الثروات في عهد الخلفاء الثلاثة الأول أرقاما خيالية ، حسبما أفادت النصوص التاريخية (١) ، فقد نجد أن عمر بن الخطّاب الذي يقال عنه أنه من أزهد الناس ـ وربّ قول مشهور لا أساس له ـ وأنه

__________________

(١) الغدير ج ٨ / ٢٣٤ ـ ٢٨٩ ، التراتيب الإدارية ج ٢ / ٣٢ وما بعدها ، والبداية والنهاية ج ٧ / ١٦٤.

٣١٨

كان يرتزق من بيت المال ، وغيرها من الفضائل التي أصبغوها عليه ، نجده قد أصدق زوجته أربعين ألف درهم أو دينار ، وقيل مائة ألف ، كما أنه أعطى صهرا له قدم عليه من مكّة عشرة آلاف درهم من صلب ماله ، وقد ملك أربعة آلاف فرس ، إلى غير ذلك مما يجده المتتبع لمسيرة الثلاثة.

كما أن عمر بن الخطّاب قد حاول أخذ الجزية من رجل أسلم ، على اعتبار أنه : إنما أسلم متعوذا ، فقال له ذلك الشخص : إن في الإسلام لمعاذا! فقال عمر : صدقت أن في الإسلام لمعاذا.

وها ذاك خالد بن الوليد ـ سيف الشيطان المسلول على المؤمنين الموحّدين لا سيّما الصدّيقة الطاهرة الزكية فاطمة عليها‌السلام ـ لعن الله من ظلمها وآذاها ـ يخاطب جنوده ويرغّبهم بأرض السواد : «ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب؟ وبالله ، لو لم يلزمنا الجهاد في الله ، والدعاء إلى اللهعزوجل ، ولم يكن إلّا المعاش لكان الرأي : أن نقارع على هذا الريف ، حتى نكون أولى به ، ونولي الجوع والإقلال من تولّى ، ممن إثّاقل عما أنتم عليه» (١).

وعلى كل حال ، فإن الحرب من أجل الغنائم والأموال (٢) ، كانت هي الصفة المميزة لأكثر تلك الفتوحات ، ويشهد له ما رواه أبو نعيم والحسن بن سفيان عن الحارث بن مسلم التميمي : أن النبيّ أرسل بعض الصحابة في سرية وأنا معهم ، فلمّا بلغنا المغار استحثثت فرسي وسبقت أصحابي ، واستقبلنا الحي بالرنين ، فقلت لهم : قولوا لا إله إلا الله تحرزوا؟ فقالوها. فجاء أصحابي ، فلاموني ، وقالوا : حرمتنا الغنيمة بعد أن بردت في أيدينا ، فلمّا قفلنا ، ذكروا ذلك لرسول الله ، فدعاني ، فحسّن ما صنعت وقال : أما إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا وكذا ..»(٣).

__________________

(١) العراق في العصر الأموي ص ١١. والرّفغ : سعة العيش وطيبه.

(٢) لاحظ الكامل في التاريخ ج ٢ تجد الكثير فيه.

(٣) كنز العمال ج ١٥ / ٣٣٠.

٣١٩

وقال الزبير للذي سأله عن مسيره لحرب الإمام عليّ عليه‌السلام «حدثنا أن هاهنا بيضاء وصفراء ـ يعني دراهم ودنانير ـ فجئنا لنأخذ منها» (١).

الثالث : إن تربية كثير من الأشراف والرؤساء على أيدي غير المسلمات ، له دور كبير في تكوين الشخصية المهزوزة والتي ليس في قلبها متسع للرحمة ، لأن الإسلام دين رحمة ، فمن لم يتصف بتلك الرحمة فلا قيمة لإسلامه ولو تشهد بالشهادتين ألف مرة كل يوم.

لذا فقد كان :

١ ـ لأولاد سعد بن أبي وقّاص معلم نصراني (٢).

٢ ـ يوسف بن عمرو كانت أمه نصرانية (٣).

٣ ـ خالد القسري ، بنى لأمه كنيسة (٤) ، وكان خالد يهدم المساجد ، ويبني البيع والكنائس ، ويولّي المجوس (٥) ، وكان جد خالد من يهود تيماء (٦).

٤ ـ وتزوّج طلحة بيهودية في زمن عمر (٧).

٥ ـ تزوّج عبد الله بن أبي ربيعة بنصرانية في زمن عمر (٨).

٦ ـ كان لعمر بن الخطاب غلام نصراني لم يسلم وقد أعتقه حين وفاته (٩).

__________________

(١) أنساب الأشراف ج ٢ / ٢٧١.

(٢) أنساب الأشراف ج ٢ / ٢٩٢.

(٣) أنساب الأشراف ج ٣ / ٨٨.

(٤) البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٠.

(٥) العراق في العصر الأموي ص ٢٤٠.

(٦) الأغاني ج ١٩ / ٥٧.

(٧) المصنف لعبد الرزاق ج ٧ / ١٧٧ وتفسير الخازن ج ١ / ٤٣٩.

(٨) نسب قريش ص ٣١٨.

(٩) التراتيب الإدارية ج ١ / ١٠٢.

٣٢٠