أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

الشيعة بما يلزمهم من أحاديث المتقدمين يبادرون إلى قدحها ، تارة في سندها ، وتارة في دلالتها ، وتارة في تأويلها ، وتارة بتخصيصها ، وتارة بالزيادة والنقصان كما أريناكه مرارا» (١).

وأما قوله : وما هم كالروافض والشيعة في إخفاء مناقب مشايخ الصحابة ، فلعمري لقد أراد أن يفضح فافتضح لأنه يطلب منا أن نكذب ونحدّث بما لا أصل له مما أحدثه حب الدنيا وحدا إليه الرجاء والخوف في أيام معاوية وأشباهه ، ويطلب منا أن نروي ما يخالف العقل والدين : كالأخبار القائلة أن أبا بكر وعمر لا يحبان الباطل الدالة على أن النبيّ يحبه حيث غنّى له المغنون والمغنّيات كما يروون ، وكالأخبار القائلة لو لم أبعث لبعث عمر ، ولو كان نبي بعدي لكان عمر المستلزمة لجواز بعثة من سبق منه الكفر ، وكروايات تبشير العشرة بالجنّة ، وكرواية أن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنّة مع أنه لا كهول فيها ، وكرواية دعاء النبي لمعاوية أن يجعله الله هاديا مهديا مع ظهور الضلال على صفحات أفعاله وأقواله : من قتله النفوس البريئة ، وحربه لمن حربه حرب الله ورسوله ، وسبّه لمن سبّه سبّهما ، وإلحاقه العهار بالنسب مراغمة للشريعة الأحمدية ، إلى نحو ذلك من أخبار فضائلهم.

(١١) الحديث الحادي عشر :

حديث برز الإيمان.

روى الجمهور : أن الإمام عليّا عليه‌السلام لمّا برز إلى عمرو بن عبد ود العامري في غزاة الخندق ، وقد عجز عنه المسلمون ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه (٢).

__________________

(١) إحقاق الحق ج ٧ / ٤٣٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ج ١٩ / ٦١ وإحقاق الحق ج ٦ / ٩ وج ٧ / ٤٣٥ نقلا عن الفضل بن روزبهان الأشعري.

٧٨١

وقد وافق على الحديث كبار علماء العامة ، منهم ابن أبي الحديد والفضل بن روزبهان الأشعري حيث قال الأخير :

«صح هذا أيضا في الخبر ، وهذا أيضا من مناقبه وفضائله التي لا ينكره إلّا سقيم الرأي ، ضعيف الإيمان ، ولكنّ الكلام في إثبات النصّ وهذا لا يثبته» (١).

يرد عليه :

أنه لمّا جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام كل الإيمان بإثبات كلّه إليه ، دل على أنه سيّد جميع المؤمنين من الأولين والآخرين عدا رسول الله لأنه نفسه بنص آية المباهلة ، بل هو قوام الإيمان ، لأن ثبات إيمان الكل ببركته ، فيكون أفضل من الكل ، والأفضل أحق بالإمامة ، لقبح تفضيل المفضول ، وأصرح من هذا الحديث في الأفضلية ما اشتهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لضربة عليّ عليه‌السلام يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين» (٢). وفي لفظ آخر : «لمبارزة عليّ عليه‌السلام لعمرو أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة» (٣).

هذا مضافا إلى أن الحديث المزبور يقضي به العقل إذ بقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام لعمرو خمدت جمرة الكفر وانكسرت عزيمة الشرك ، فكان هو السبب في بقاء الإيمان واستمراره ، وهو السبب في تمكين المؤمنين من عبادتهم إلى يوم الدين ، من هنا كان دعاء رسول الله له ، فقد روى ابن أبي الحديد مرفوعا أنّ رسول الله لمّا بارز عليّ عليه‌السلام عمروا ما زال رافعا يديه مقمحا رأسه نحو السماء داعيا ربه ، قائلا :

__________________

(١) إحقاق الحق ج ٧ / ٤٣٥.

(٢) المواقف للإيجي ص ٦١٧ ، ط / اسلامبول ، نهاية العقول في دراية الأصول لفخر الدين الرازي ص ١١٤ ، والتفتازاني في شرح المقاصد ج ٢ / ٢٣٠ ، وينابيع المودة ص ٩٥ و ١٣٧ ، السيرة الحلبية ج ٢ / ٣٢٠.

(٣) مستدرك الحاكم ج ٣ / ٣٢ ، تاريخ بغداد ج ١٣ / ١٩ ، مقتل الحسين للخوارزمي ص ٤٥ ، شواهد التنزيل ج ٢ / ٥ ، وفرائد السمطين ج ١ / ٢٥٥.

٧٨٢

«اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، فاحفظ عليّ اليوم عليا ، ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين» (١).

(١٢) الحديث الثاني عشر :

حديث سد الأبواب إلا باب الإمام عليّ عليه‌السلام.

في مسند أحمد ، من عدة طرق : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بسدّ الأبواب إلّا باب عليّ ، فتكلم الناس ، فخطب رسول الله فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإني أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ ، فقال فيه قائلكم ، والله ما سددت شيئا ولا فتحته ، وإنما أمرت بشيء فاتّبعته (٢).

قال الناصب خفضه الله :

«كان المسجد في عهد رسول الله متصلا ببيت رسول الله وكان عليّ ساكن بيت رسول الله لمكان ابنته ، وكان الناس من أبوابهم في المسجد يترددون ويزاحمون المصلين ، فأمر رسول الله بسد الأبواب إلا باب عليّ ، وقد صح في الصحيحين أن رسول الله أمر بأن يسدّ كل خوخة في المسجد إلّا خوخة أبي بكر ، والخوخة الباب الصغير ، فهذا فضيلة وقرب حصل لأبي بكر وعليّ».

يرد عليه :

إن أراد بقوله : إن عليّا أمير المؤمنين كان ساكن بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه كان ساكن الحجرة المخصوصة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه ، فهذا كذب ظاهر ، وإن أراد : أنه كان ساكنا في بعض الحجرات العشر التي كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا مسلّم ، ولكنه لا يقتضي عدم سدّ بابه لو كانت المصلحة في سدّ الأبواب الباقية رفع مزاحمة

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ج ١٩ / ٦١ وبحار الأنوار ج ٢٠ / ٢١٥.

(٢) مسند أحمد ج ١ / ١٧٥ وج ٤ / ٣٦٩ ، مستدرك الحاكم ج ٣ / ١٢٥ وخصائص النسائي ص ١٣ ، صحيح الترمذي ج ٢ / ٣٠١ ، الدر المنثور ج ٦ / ١٢٢ ، الصواعق المحرقة ص ٧٦ ، وكنز العمال ج ٦ / ١٥٥ ، أسد الغابة ج ٣ / ٣١٤ ، إحقاق الحق ج ٥ / ٥٤١.

٧٨٣

المصلين ، لأنّ تردد الإمام عليّ وأولاده عليهم‌السلام وعبيده ومواليه أيضا كان مزاحما ، فدلّ ذلك على أن تخصيص باب مدينة العلم لم يكن لأجل ذلك ، وإنما كان لزيادة درجاته وطهارته وشرفه وجواز استطراقه في المسجد ولو جنبا ، كما ورد في الحديث الآخر المشهور المذكور في صحيح الترمذي وغيره بسنده عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.

وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله : ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء وكل جنب من الرجال إلّا على محمّد وأهل بيته عليّ وفاطمة والحسن والحسين (١) ، وفي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث المذكور ، ولكني أمرت بشيء فاتّبعته إشارة أيضا إلى ما ذكر فافهم.

وأما ما ذكره الناصب من حديث خوخة أبي بكر فلا يصلح لأن يكون موازيا في الدلالة إلى الفضل لفتح الباب وهذا ظاهر من تفسير الجوهري الخوخة بالكوة في الجدار يؤدي الضوء ، وتفسيرها بالباب الصغير من جملة تمويهات النّاصب ، فلا يلتفت إليه ، مع أنّ أصل هذا الحديث ليس بمتفق عليه ، فلا يصلح للاحتجاج به على الخصم ، بل الخصم يقول : إن أصحاب النّاصب وضعوا هذا في مقابل ذاك حفظا لشأن أبي بكر وترويجا له ، وبالجملة نحن إنما نحتج برواية من لم يعتقد كون علي عليه‌السلام أفضل الصحابة على الإطلاق ، فإن أتيتم في فضائل الصحابة الثلاثة برواية من لم يعتقد أفضليتهم فقد تمّت المعارضة ، وإلّا فلا ، على أنّ ذلك معارض بما رواه ابن الأثير في النهاية ، حيث قال : وفي حديث آخر إلّا خوخة عليّ عليه‌السلام وإذا تعارضا تساقطا ، وبقي حديث الباب سالما مسلما لباب مدينة العلم ، وتوضيح المقام على وجه يتضح به جليّة الحال وسريرة المقال ، أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنى أفعاله في الأمور الدنيوية من الحركة والسكون على ظاهر الحال من

__________________

(١) صحيح الترمذي ج ٢ / ٣٠٠ وكنز العمّال ج ٦ / ١٥٩ وسنن البيهقي ج ٧ / ٦٥ ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ / ١١٥ والصواعق المحرقة ص ٧٣.

٧٨٤

كونها صالحة مباحة على أصلها ، كفتح أبواب الصحابة وإعطائه الراية ، ودفع الآيات من البراءة لأبي بكر ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعلم الباطن استقلالا ولا يعلمها إلا الله سبحانه ، وسدّ الأبواب وأخذ الآيات من أبي بكر بوحي من الله تعالى كما نقله الفريقان ، وكان فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ظاهر الحال ، وفعل الباري سبحانه تعالى في المنع على باطن الحال لا على ظاهره ، فعلم من صلاح باطن الإمام عليّ عليه‌السلام ما لم يكن حاصلا للممنوع ، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان اختصاصه عليه‌السلام بذلك دون غيره عبثا ، ويتعالى فعل القديم سبحانه عنه عقلا ونقلا ، بقوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) ، فقد ثبت صلاح الباطن والظاهر لعليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بمقتضى الوحي من الله سبحانه وفعل رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واختصاص الرسول والإمام عليّ صلوات الله عليهما بفتح بابيهما دليل ظاهر على زيادة درجات المرتضى عليّ عليه‌السلام في الشرف والفضل والكرامة ، حتى لم يبق بعدها زيادة المستزيد إلى أن ألحقه الله بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجواز الاستطراق وهو جنب ، دليل لائح على طهارته وشرفه ، وكذا في حق ذريته الطاهرة عليهم الصلاة والسلام ، فإذن فقد تفرّد الإمام عليّ عليه‌السلام بذلك وهو ممّن لا يضاهيه أحد من الأمة ، ومن ثبت له ذلك كان الاتباع له أولى وأوجب والاقتداء به أوكد ، «ولنعم ما قال السيّد الحميري رحمه‌الله تعالى :

وخصّ رجالا من قريش بأن بنى

لهم حجرا فيه وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسددا

فقيل له سدّ كل باب فتحته

سوى باب ذي التقوى عليّ فسدّدا

لهم كل باب أشرعوا غير بابه

وقد كان منفوسا محسّدا

وقال رحمه‌الله تعالى :

وأسكنه في المسجد الطهر وحده

وزوجته والله من شاء يرفع

فجاوره فيه الوصيّ وغيره

وأبوابهم في المسجد الطهر شرّع

فقال لهم سدّوا عن الله صادقا

فظنوا بها عن سدّها وتمنّعوا

فقال رجال يذكرون قرابة

وما تمّ فيما ينبغي «يبتغي ظ» القوم مطمع

٧٨٥

فعاتبه في ذاك منهم معاتب

وكان له عمّا وللعمّ موضع

فقال له أخرجت عمّك كارها

وأسكنت هذا إن عمّك يجزع

فقال له يا عمّ ما أنا الذي

فعلت بكم هذا بل الله فاقنع (١)»

(١٣) الحديث الثالث عشر :

حديث المؤاخاة والمنزلة.

في مسند أحمد بن حنبل من عدة طرق : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بين الناس ، وترك عليّا حتى بقي آخرهم ، لا يرى له أخا ، فقال : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك وتركتني؟

فقال : إنما تركتك لنفسي ، أنت أخي ، وأنا أخوك ، فإن ذكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب ، والذي بعثني بالحق نبيّا ما أخرتك إلّا لنفسي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي.

وفي الجمع بين الصحاح الستة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مكتوب على باب الجنة لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، عليّ أخو رسول الله قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام (٢).

(١٤) الحديث الرابع عشر :

حديث إن عليّا مني وأنا من عليّ.

من مسند أحمد بن حنبل ، وفي الصحاح الستة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عدة

__________________

(١) إحقاق الحق ج ٧ / ٤٣٦ ـ ٤٣٨.

(٢) مجمع الزوائد ج ٩ / ١١١ ، ذخائر العقبى ص ٦٦ ، كنز العمال ج ٦ / ٥٩ ، حلية الأولياء ج ٤ / ٣٥٥ ، فيض القدير ج ٤ / ٣٥٥ ، ينابيع المودة ص ٥٩ ، الرياض النضرة ج ٢ / ١٦٨ أسد الغابة ج ٣ / ٣١٧ وج ٢ / ٢٢١ ، خصائص النسائي ص ١٨ ، إحقاق الحق ج ٤ / ١٧٣ ـ ١٧٦ وج ٦ / ٤٦٨ وج ٥ / ١٣٣ ـ ٢٣٤.

٧٨٦

طرق : إن عليّا مني وأنا من عليّ ، وهو وليّ كل مؤمن بعدي ، لا يؤدي عني إلا أنا أو عليّ.

وفيه أيضا : لمّا قتل عليّ أصحاب الألوية يوم أحد ، قال جبرائيل لرسول الله : إن هذه المواساة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عليّا مني وأنا منه ، فقال جبرائيل : وأنا منكما يا رسول الله.

(١٥) الحديث الخامس عشر :

حديث : إن فيك مثلا من عيسى ، أبغضه اليهود حتى اتّهموا أمه ، وأحبّه النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له بأهل (١).

وقد صدق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ودائما هو صادق ـ لأن الخوارج أبغضوا الإمام عليّا عليه‌السلام والنصيرية اعتقدوا فيه الربوبية.

(١٦) الحديث السادس عشر :

حديث لا يحبّك إلّا مؤمن.

في مسند أحمد بن حنبل ، وهو مذكور في الجمع بين الصحيحين ، وفي الجمع بين الصحاح الستة ، أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق (٢).

(١٧) الحديث السابع عشر :

حديث خاصف النعل.

في مسند أحمد بن حنبل : أن رسول الله قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل

__________________

(١) مسند أحمد ج ١ / ١٦٠ ، خصائص النسائي ص ٢٧ ، الصواعق المحرقة ص ٧٤ ، نور الأبصار ص ٨٠ ، كنز العمال ج ١ / ٢٢٦ ، إحقاق الحق ج ٧ / ٢٨٤ ـ ٢٩٦.

(٢) مسند أحمد ج ١ / ٨٤ و ٩٥ و ١٢٨ ، صحيح مسلم ج ١ / ٣٩ ، التاج الجامع للأصول ج ٣ / ٣٣٥ ، صحيح الترمذي ج ٢ / ٣٠١ ، سن النسائي ج ٢ / ٢٧١ ، خصائص النسائي ص ٢٧ ، ذخائر العقبى ص ٤٣ ، تاريخ الخلفاء ص ١٧٠ ، الصواعق المحرقة ص ٧٤.

٧٨٧

القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟

قال : لا ، قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟

قال : لا ، ولكنه خاصف النعل ، وكان الإمام عليّ يخصف نعل رسول الله في الحجرة عند الصدّيقة فاطمة عليها‌السلام (١).

وفي الجمع بين الصحاح الستة ، قال رسول الله : لتنتهنّ معشر قريش ، أو ليبعثنّ الله عليكم رجلا مني امتحن الله قلبه للإيمان يضرب أعناقكم على الدين ، قيل : يا رسول الله ، أبو بكر؟ قال : لا ، قيل : عمر؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل في الحجرة (٢).

(١٨) الحديث الثامن عشر :

حديث الطائر :

في مسند أحمد بن حنبل ، والجمع بين الصحاح الستة ، عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبيّ طائر قد طبخ له ، فقال :

اللهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معني ، فجاء الإمام عليّ فأكل معه (٣). ومنه : أنه لمّا حضرت ابن عباس الوفاة قال : اللهم إني أتقرب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب.

وفي منتخب كنز العمال عن أنس بن مالك قال : كنت أحجب النبيّ فسمعته

__________________

(١) مسند أحمد ج ٣ / ٣٣ ، مستدرك الحاكم ج ٣ / ١٢٢ ، خصائص النسائي ص ٤٠ ، أسد الغابة ج ٣ / ٢٨٢ ، كنز العمال ج ٦ / ١٥٥ ، التاج الجامع للأصول ج ٣ / ٣٣٤ ، حلية الأولياء ج ١ / ٦٧ ، الإصابة ج ٤ / ١٥٢.

(٢) كنز العمال ج ٦ / ٣٩٦ وقال : أخرجه أحمد وابن جرير وصححه ، ومستدرك الحاكم ج ٢ / ١٣٧ ، وصحيح الترمذي ج ٢ / ٣٠ ، وخصائص النسائي ص ١١.

(٣) خصائص النسائي ص ٥ ، أسد الغابة ج ٤ / ٣٠ ، جامع الأصول ج ٩ / ٤٧١ ، مصابيح السنة ج ٢ / ٢٠ ، مستدرك الحاكم ج ٣ / ١٣١ ، حلية الأولياء ج ٦ / ٣٢٩ ، التاج الجامع للأصول ج ٣ / ٣٣٦ ، ذخائر العقبى ص ٦١ ، البداية والنهاية ج ٧ / ٣٥١ ، منتخب كنز العمال ج ٥ / ٥٣.

٧٨٨

يقول : اللهم أطعمنا من طعام الجنّة فأتي بلحم مشوي فوضع بين يديه ، فقال : اللهم ائتنا بمن تحبّه ويحبك ، ويحب نبيك ويحبه نبيك ، قال أنس : فخرجت فإذا عليّ بالباب فاستأذن فلم آذن له ، ثم عدت فسمعت من النبيّ مثل ذلك فخرجت فإذا عليّ بالباب فاستأذن لم آذن له ، أحسب أنه قال ثلاثا ، فدخل بغير إذني ، فقال النبيّ : ما الذي أبطأ بك يا عليّ؟ قال : يا رسول الله جئت لأدخل فحجبني أنس ، قال : يا أنس لم حجبته؟ قال : يا رسول الله لمّا سمعت الدعوة أحببت أن يجيء رجل من قومي فتكون له ، فقال النبيّ : لا يضرّ الرجل محبة قومه ما لم يبغض سواهم (١).

(١٩) الحديث التاسع عشر :

حديث : أنا مدينة العلم وعليّ بابها.

في مسند أحمد بن حنبل ، وصحيح مسلم ، قال :

لم يكن أحد من أصحاب رسول الله يقول : سلوني إلّا عليّ بن أبي طالب (٢).

وقال رسول الله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها (٣).

(٢٠) الحديث العشرون :

حديث : من آذى عليّا فقد آذاني :

في مسند أحمد ، من عدة طرق : أن النبيّ قال : من آذى عليّا فقد

__________________

(١) إحقاق الحق ج ٥ / ٣٤٧ نقلا عن منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند ج ٥ / ٥٣ ، ط / مصر.

(٢) رواه عن المسند القندوزي في ينابيع المودة ص ٢٨٦ ، الرياض النضرة ج ٢ / ١٩٨ ، ذخائر العقبى ص ٨٣ ، أسد الغابة ج ٤ / ٢٢ ، تاريخ الخلفاء ص ١٧١ ، الصواعق المحرقة ص ٧٦ ، الإصابة ج ٢ / ٥٠٩.

(٣) المستدرك ج ٣ / ١٢٤ ، كنوز الحقائق ص ٤٣ ، أسد الغابة ج ٤ / ٢٢ ، كنز العمال ج ٦ / ١٥٢ ، الصواعق المحرقة ص ٧٣ ، ذخائر العقبى ص ٧٧ ، تهذيب التهذيب ج ٦ / ٢٢٠ ، لسان الميزان ج ١ / ٤٣٢.

٧٨٩

آذاني (١) ، أيّها الناس : من آذى عليّا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا (٢).

(٢١) الحديث الواحد والعشرون :

حديث : تزويج الصدّيقة فاطمة منه عليهما‌السلام.

في الرياض النضرة لمحب الدين الطبري عن أنس بن مالك قال : جاء أبو بكر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقعد بين يديه فقال : يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلامي وأني وأني ، قال : وما ذاك؟ قال : تزوّجني فاطمة ، قال : فسكت عنه ، قال فرجع أبو بكر إلى عمر فقال : هلكت وأهلكت ، قال : وما ذاك؟ قال ؛ خطبت فاطمة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعرض عني ، قال : مكانك حتى آتي النبيّ فأطلب مثل الذي طلبت ، فأتى عمر النبيّ فقعد بين يديه فقال : يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وأني وأني ، قال : وما ذاك؟

قال : تزوّجني فاطمة ، فسكت عنه ، فرجع إلى أبي بكر ، فقال إنه ينتظر أمر الله بها ، قم بنا إلى عليّ حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا ، قال عليّ : فأتياني فقالا : إنّا جئناك من عند ابن عمك بخطبة ، قال علي : قمت أجرّ ردائي حتى أتيت النبيّ فقعدت بين يديه فقلت ؛ يا رسول الله قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وأني وأني ، قال : وما ذاك؟ قلت : تزوّجني فاطمة ، قال : وما عندك؟ قلت فرسي وبزتي ، قال : أما فرسك فلا بدّ لك منها ، وأما بزتك فبعها ، قال : فبعتها بأربعمائة وثمانين ، قال : فجئت بها حتى وضعتها في حجر رسول الله فقبض منها قبضة ، فقال : أي بلال ابتع بها طيبا وامرهم أن يجهزوها ، فحمل لها سريرا مشرطا بالشرط ووسادة من آدم حشوه ليف ..» (٣).

وبسند آخر عن أنس بن مالك قال : كنت عند النبيّ فغشيه الوحي فلما أفاق

__________________

(١) مسند أحمد ج ٣ / ٤٨٣ ، ذخائر العقبى ص ٦٥ ، الصواعق المحرقة ص ٧٣.

(٢) المناقب لابن المغازلي ص ٥٠ رواه بسندين ، وميزان الاعتدال ج ٣ / ١٥١ ، لسان الميزان ج ٣ / ٩٠ ، أرجح المطالب ص ١١٩ ، ينابيع المودة ص ٢٥١ ، إحقاق الحق ج ٦ / ٩٠.

(٣) الرياض النضرة ج ٢ / ١٨٠ ، وإحقاق الحق ج ٦ / ٥٩٢ وكنز العمال ج ٧ / ١١٣.

٧٩٠

قال لي : يا أنس أتدري ما جاءني به جبرائيل من عند صاحب العرش؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ (١).

فإن إعراض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبي بكر وعمر دليل على عدم أهليتهما لها ، وأنه من سخط عليهما ، لطلبهما ما لا يليق بهما ولذا قال أبو بكر «هلكت» وكذا قول عمر مثله ، فيه دلالة على عدم أهليتهما كما قلنا للتزويج بسيّدة النساء ، فإن منعهما دون الإمام عليّ عليه‌السلام بأمر الله كاشف عن أن النظر في أمرها راجع إلى الله سبحانه مع وجود أبيها سيّد المرسلين الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما عرفه عمر حيث قال «إنه ينتظر أمر الله فيها» وليس ذلك إلّا لعظم شأنها عند الله تعالى وكرامتها عليه فلا يزوّجها إلّا بمن هو أهل لها ويليق بقدرها الرفيع ، فزوّجها في السماء بسيّد أوليائه وهو أدل دليل على فضله على الشيخين بل على سائر العالمين عند الله تعالى وعند رسوله ، والأفضل أحق بالإمامة.

(٢٢) الثاني والعشرون :

حديث : كسر الأصنام وردّ الشمس لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام.

روى الجمهور ، من عدة طرق : أن رسول الله حمل الإمام عليّا عليه‌السلام حتّى كسّر الأصنام من فوق الكعبة (٢) ، وأنه لا يجوز على الصراط إلّا من كان معه كتاب بولاية عليّ بن أبي طالب(٣).

وأنه عليه‌السلام ردت له الشمس بعد غيابها ، حيث كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر مولانا عليّ فلم يصلّ العصر حتّى غربت الشمس ، فدعا له

__________________

(١) المناقب للخطيب الخوارزمي ص ٢٣٤ وإحقاق الحق ج ٦ / ٥٩٦.

(٢) خصائص النسائي ص ٣١ ، مسند أحمد ج ١ / ٨٤ و ١٥١ ، كنز العمال ج ٦ / ٤٠٧ عن عدة من الحفّاظ ، ومستدرك الحاكم ج ٢ / ٣٦٦ وج ٣ / ٥.

(٣) المناقب لابن المغازلي ص ٢٤٢ ، الفرائد للحمويني ، ميزان الاعتدال ج ١ / ٢٨ ، ينابيع المودة ص ١١١ ، لسان الميزان ج ١ / ٤٤ و ٥١ و ٧٥ ، كنز الحقائق ص ٥١ ، تاريخ بغداد ج ١٠ / ٣٥٦.

٧٩١

بردّها ليصلّي العصر ، فردت له (١).

فقد تواترت الأخبار بأنّ الشمس ردّت لأجله عليه‌السلام مرارا (٢) ، لكنّ المعروف والمشهور مرتان :

الأولى : في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الحديث الذي نقله ثلة من المحدثين الثقات عن الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت : إن النبيّ صلّى الظهر بالصهباء ثم أرسل عليّا عليه‌السلام في حاجة فرجع وقد صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العصر ، فوضع النبيّ رأسه في حجر عليّ فلم يحرّكه حتى غابت الشمس ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم إن عبدك عليّا احتبس بنفسه على نبيّك فردّ عليه شرقها ، قالت أسماء : فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثم قام عليّ فتوضأ وصلّى العصر ثم غابت (٣) وذلك في الصهباء.

الثانية : كانت في زمن خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وذلك بعد رجوعه من قتال الخوارج وكان ذلك في أرض بابل ، وقد دعا الإمام عليه‌السلام تعالى فردّها عليه. قال الشاعر الحميري :

ردت عليه الشمس لما فاته

وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

حتى تبلج نورها في وقتها

للعصر ثم هوت هوي الكوكب

وعليه قد ردت ببابل مرة

أخرى وما ردت لخلق مغرب

فقد روي عن الإمام الباقر عن جده الإمام الحسين أنه قال : لمّا رجع أبي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن قتال أهل النهروان وأنّه وصل إلى ناحية العراق ولم يكن يومئذ يبيت ببغداد فلمّا وصل ناحية برشيا وما صلّى بالناس الظهر

__________________

(١) مشكل الآثار للطحاوي ج ٢ / ٨ وج ٤ / ٣٨٨ ، ينابيع المودة ص ٢٨٧ ، تفسير الرازي ج ٣٢ / ١٢٦ ، كنز العمال ج ٦ / ٢٧٧ ، مجمع الزوائد ج ٨ / ٢٩٧ ، الصواعق المحرقة ص ٧٦ ، السيرة الحلبية ج ١ / ٣٨٦ ، وإحقاق الحق ج ٥ / ٥٢٢ ـ ٥٣٩ نقلا عن المصادر العامة بطرق متعددة.

(٢) راجع بحار الأنوار ج ٤١ / ١٧٣ ح ١٠.

(٣) إحقاق الحق ج ٥ / ٥٢٣ نقلا عن مشكل الآثار للطحاوي ج ٢ / ٩ ، والصهباء موضع في خيبر.

٧٩٢

ورحل ودخل أوائل أرض بابل وقد وجبت صلاة الظهر والعصر فصاح المسلمون يا أمير المؤمنين وجبت صلاة العصر وقد دخل وقتها فعند ذلك قال : أيّها الناس هذه أرض قد خسف الله بها ثلاث مرات وعليه تمام الرابعة فلا يحلّ لنبي ولا لوصي نبيّ أن يصلي فيها لأنها أرض مسخوطة عليها فمن أراد منكم الصلاة فليصلّ قال حوفرة (١) بن مسهر العبدي فتبعته في مائة فارس وقلت لأقلدنّ عليّا صلاتي اليوم قال : وسار أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى أن قطع أرض بابل ونزلت الشمس للغروب ثم غابت واحمرّ الأفق قال : فأقبل إليّ وقال : يا حوفرة هات الماء قال فتقدمت إليه فتوضأ ثم قال : أذّن للعصر فقلت : يا مولاي أذن للعصر وقد وجبت العشاء وغربت الشمس ولكن عليّ الطاعة فأذّنت فقال لي : أقم الصلاة ففعلت فجعل عليه‌السلام يحرك شفتيه بكلام كأنه منطق الخطاف ولم يفهم فإذا بالشمس رجعت بصرير عظيم حتى وقفت في مركزها من العصر فقامعليه‌السلام وكبّر وصلّى العصر وصلّيت ورائه فلمّا أديناها وسلّم وقعت إلى الأرض كأنها وقعت في طست وغابت واشتبكت النجوم فالتفت إلي وقال : أذّنوا الآن للمغرب يا ضعفاء القلوب قال :

فأذّنت وصلّينا المغرب فهو عليه‌السلام آية الله في أرضه وسمائه (٢).

هاتان الروايتان استفاضت كتب الحديث والتاريخ بذكرهما ، ولكن أورد على هذه الكرامة بإيرادات هي :

الإيراد الأول :

لو كان لواقعة ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أصل لكانت من أعظم عجائب العالم التي تتوفر الدواعي إلى نقلها ولم يختص نقلها بالقليل (٣).

__________________

(١) الأصح (جويرية).

(٢) إحقاق الحق ج ٥ / ٥٣٨ نقلا عن بحر المناقب ص ١١٧ وينابيع المودة ص ١٢٨ ، وبحار الأنوار ج ٤١ / ١٧٨ ح ١٣ و ١٤ نقلا عن بصائر الدرجات.

(٣) هذا الإيراد لابن تيمية وابن الجوزي.

٧٩٣

يرد عليه :

(١) إنّ ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام من المتواترات رواها الجم الغفير من الصحابة أمثال أم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وعمّار وابن عبّاس وأبي ذر وأبي سعيد الخدري وغيرهم من جماعة الصحابة ، ولا يشترط في صحة أي واقعة تاريخية أن يتناقلها الرواة الكثيرون ، بل يكفي لصحتها أن يرويها جماعة بحيث تبلغ القضية إلى مستوى التواتر بل أدون من ذلك ، ما دامت القضية لا تخرج عن نطاق أحكام العقل ، ولا تخالف القرآن والسنّة المطهّرة.

(٢) إن الدواعي إلى عدم نقلها أكثر ، لأنّ الناس في أيام الأمويين ومن سبقهم أعداء لأمير المؤمنين عليّ ، ومجتهدون في نقصه وإخفاء فضائله ، فكيف يستفيض بينهم نقل هذه الفضيلة العظيمة؟!

(٣) إنه منقوض بانشقاق القمر الذي هو معجزة لنبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يشاركه فيها أحد ، حتى تتوفر الدواعي إلى إخفائها ومع ذلك لم يكن الراوون لها أكثر من رواة ردّ الشمس.

إن قيل :

إن انشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس لذا لم يروه أكثر الناس بخلاف ردّ الشمس فحيث إنها أشرقت بعد الظلام ، يجب أن يراها حينئذ كل الناس (١).

قلنا : إن هذه الدعوى أيضا باطلة لما في صحيح البخاري في تفسير «اقتربت الساعة» عن أنس قال : سأل أهل مكة أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر.

وفي سنين الترمذي في تفسير هذه السورة عن جبير بن مطعم قال : انشق القمر على عهد رسول الله حتّى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمّد ، فقال بعضهم : لأن كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلّهم.

__________________

(١) هذه الدعوى أيضا لابن تيمية.

٧٩٤

(٤) إن السبب في عدم تناقل القضية بكثرة في الكتب هو غلظة عمر بن الخطاب ومنعه من كتابة وتدوين الأحاديث وتهديده بالحبس أو القتل لكل من فعل ذلك ، بغضا ونصبا عداوة للعترة الطاهرة ، وكذا استنّ بسنته كل من جاء بعده لا سيّما معاوية ومن حذا حذوه ، منعوا نشر الفضائل حتّى لا يتمسّك أحد من الناس بأهل البيت عليهم‌السلام ، وما زال الحال إلى يومنا هذا. هذا مضافا إلى عنصر الأمية الذي كان يتصف به عامة الناس آنذاك مما يصبغ على القضية التاريخية صفة الحفظ في الصدور بحيث أدى إلى تناسي الناس فضائل أمير المؤمنين عليّ خوفا أو عنادا لا سيّما ما هو صريح في إمامته عليه أفضل التحية والسلام.

وقد دلت الأخبار من مصادرنا أن ردّ الشمس للإمام عليّ كان شائعا في عهد الرسول وقد نظر إليها أهل (١) المدينة.

الإيراد الثاني :

إن خصوصيات روايات ردّ الشمس متنافية من وجوه وهو يكشف عن كذب الواقعة ، فقد ورد في بعضها (٢) إن الشمس طلعت حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ، وبعضها (٣) حتى توسطت السماء ، وبعضها (٤) حتّى بلغت نصف المسجد ، وهذا دال على أن ذلك بالمدينة (٥) ، وكثير من الأخبار يدل على أنه بالصهباء (٦) في غزوة خيبر ، كما أن بعضا منها يدل على أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يوحى إليه (٧) ، وبعضها

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٤١ / ١٧٣.

(٢) بحار الأنوار ج ٤١ / ١٦٧ ح ٢.

(٣) بحار الأنوار ج ٤١ / ١٧١ ح ٨.

(٤) بحار الأنوار ج ٤١ / ١٧٧ ح ١١ وص ١٧٤ ح ١٠ وص ١٧٩ ح ١٥ ، وإحقاق الحق ج ٥ / ٥٢٦.

(٥) بحار الأنوار ج ٤١ / ١٧٣ ح ٩.

(٦) بحار الأنوار ج ٤١ / ١٦٧ ح ٢ ، وإحقاق الحق ج ٥ / ٥٢٣ و ٥٣٣.

(٧) بحار الأنوار ج ٤١ / ١٦٧ ح ٢ وص ١٧١ ح ٨ ، وإحقاق الحق ج ٥ / ٥٢٢ ـ ٥٢٧.

٧٩٥

أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان نائما ثم استيقظ (١) ، وفي بعضها أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان مشغولا بمرض (٢) النبيّ فأمره جبرائيل أن يأخذ رأس ابن عمه رسول الله ، وفي بعضها أنه عليه‌السلام كان مشغولا بتقسيم (٣) الغنائم فشغل عن الصلاة حتى كادت الشمس تغرب ، إلى غير ذلك من الخصوصيات المتنافية.

والجواب :

(١) يمكننا إدراج بعض الخصوصيات مع البعض الآخر من دون أن يترتب أي تناف ، فأي إشكال لو قلنا أن الشمس طلعت على الجبال والأرض حتى توسطت السماء وأشرق بها نصف المسجد؟!

وأما الخصوصيات الأخرى فلا تناف بينها أيضا إذ قد يكون تعدد المواضع كالمدينة والصهباء نتيجة تعدد الإشراق.

وأما ما ورد في خبرين من أنه كان نائما ثم استيقظ فلا يقاومان الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة على أن رسول الله كان يوحى إليه ، هذا مضافا إلى أنه يمكن الجمع بينها بتعدد الإشراق ، فمرة لمّا كان نائما ، وأخرى لمّا كان يوحى إليه ، أو قد يكون التبس الأمر على الراوي فظن الملازمة بين وضع الرأس على الفخذ وبين النوم ، فأضاف النوم في هذه الواقعة إلى رسول الله الذي تنام عيناه ولا ينام قلبه.

وأما ما ورد من أنه كان يقسّم الغنائم مع النبيّ ففاتته الصلاة فمحمول على فوات فضيلة العصر كما ورد في التعبير أنها «كادت أن تغرب» (٤) وهذا يقتضي أنها

__________________

(١) إحقاق الحق ج ٥ / ٥٣٢ نقلا عن مشارق الأنوار للكازروني ، بحار الأنوار ج ٤١ / ١٨١ ح ١٨ وص ١٨٣ ح ١٩.

(٢) بحار الأنوار ج ٤١ / ١٧٢ ح ٩.

(٣) إحقاق الحق ج ٥ / ٥٢٥ نقلا عن كفاية الطالب للكنجي الشافعي وص ٥٣٢.

(٤) كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٠ ، وبحار الأنوار ج ٤١ / ١٨٤ ح ٢٢ نقلا عن الطرائف مرويا عن ابن المغازلي في كتاب المناقب.

٧٩٦

لم تغرب وإنما دنت وقاربت الغروب ، فردها له ليدرك فضيلة الصلاة في أول وقتها (١).

لكنه مردود : وذلك لأن ردّ الشمس إلى وقت الفضيلة ليس فيه دلالة عرفية على الرجوع ، ولا أحد يلتفت إلى رجوعها إلى وقت فضيلة العصر ، اللهم إلّا إذا قاربت على المغيب فحينئذ تدل على ما ادّعاه السيّد المرتضى عليه الرحمة ، لكنّ هذا التأويل الذي تبنّاه السيّد طبقا لما ورد في خبر واحد يناهض الأخبار التي دلت على أن الشمس غربت بالكامل.

(٢) إن تنافي الخصوصيات ـ على القول بوجودها ـ لا يوجب كذب أصل الواقعة ، وإنما يقتضي الخطأ في الخصوصيات ، إذ لا ترى واقعة تكترث طرقها إلّا واختلف النقل في خصوصياتها ، حتى في قصة انشقاق القمر كرامة لرسول الله وإعجازا له ، حيث تصف الرواية بأن القمر صار فرقتين على جبلين ، وفي رواية أخرى بأنه انشق فلقتين ، فلقة من وراء الجبل وفلقة دونه ، وفي صحيح البخاري : فلقة فوق الجبل ، وفلقة دونه ، على أنه لا تنافى بين تلك الخصوصيات لأن المراد بجميع الخصوصيات كما في رجوع الشمس إلى وقت صلاة العصر لكن وقعت المبالغة في بعضها بأنها توسطت السماء ، والمبالغة غير عزيزة في الكلام ، كما أن وقوع ردّ الشمس في غزوة خيبر لا ينافي بلوغها نصف المسجد ، كما لا تنافي بينها لصحة حمل نوم النبيّ على غشية الوحي والاستيقاظ على تسربه ، ولذا عبّر عنه في بعض الأخبار بالاستيقاظ بعد ذكر نزول جبرائيل وتغشي الوحي للنبيّ.

كما أن تقسيم الغنائم هو الحاجة التي وقعت قبل شغل الإمام عليّ عليه‌السلام بالنبيّ لا في عرضه (٢) ، وهكذا في سائر الخصوصيات التي يتوهم تنافيها.

الإيراد الثالث :

تصف الأخبار بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسدّ رأسه على فخذ أمير المؤمنين أو في حجره ، سواء أكان للنوم كما في الخبر الضعيف أم لتلقي الوحي المباشري ، فإن

__________________

(١) هذا الوجه للسيّد المرتضى في تنزيه الأنبياء ، نقله عنه في البحار ج ٤١ / ١٨٩.

(٢) دلائل الصدق ج ٢ / ٢٩٩.

٧٩٧

أمير المؤمنين عليّا كره أن ينهض لأداء الصلاة فيزعج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا يقتضي هذا أن يكون عليه‌السلام عاصيا بترك الصلاة؟! وبما أنه منزه عن ذلك فلا بدّ من إنكار أصل الواقعة هروبا من المحذور المتقدّم.

والجواب :

(١) إنّما يكون عاصيا عليه‌السلام ـ وحاشاه عن ذلك ـ إذا ترك الصلاة بغير عذر ، وإزعاج النبيّ لا ينكر أن يكون عذرا في ترك الصلاة ، بمعنى أن إزعاج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعتبر سببا وعذرا لترك الصلاة ، فكما أن وجوب الصلاة كان بأمر الله تعالى وتشريعه كذا تركها إنّما هو بأمر الله تعالى وتشريعه ، نظير ذلك حرمة الصلاة على الحائض ، فالأمر بالترك أهم من الأمر بإتيان الصلاة. من هنا نعلم أن ملاكات الأحكام بعضها أهم من بعض ، فملاك الحرمة أهم من ملاك الوجوب ـ في أكثر الأحيان ـ حال التزاحم ، لذا أفتى مشهور فقهاء الشيعة بوجوب تقديم إنقاذ الغريق على الصلاة حال التزاحم ، ومسألتنا من هذا القبيل فإن التزاحم حصل بين وجوب الصلاة وبين وجوب إطاعة الله بواسطة أمر جبرائيل لأمير المؤمنين بأخذ رأس ابن عمه رسول الله ، فلا شك في وجوب تقديم أمر الله تعالى في هذا المورد لعلمه بأنّ الله عزوجل لا يريد الواجب الآخر ـ أعني الصلاة في وقتها المتأخر ـ تعبدا وامتثالا أو لحكمة أخرى.

فإن قيل :

الأعذار في ترك جميع أفعال الصلاة لا تكون إلّا بفقد العقل والتمييز كالنوم والإغماء وما شاكلهما ، ولم يكن عليه‌السلام في تلك الحال بهذه الصفة ، فأما الأعذار التي يكون معها العقل والتمييز ثابتين كالزمانة والرباط والقيد والمرض الشديد واشتباك القتال ، فإنما يكون عذرا في استيفاء أفعال الصلاة وليس بعذر في تركها أصلا ، فإن كل معذور ممن ذكرنا يصلّيها على حسب طاقته ولو بالإيماء.

قلنا :

٧٩٨

غير منكر أن يكون أمير المؤمنين عليّ عليه وآله السلام أن يكون صلّى موميا وهو جالس لمّا تعذر عليه القيام إشفاقا من إزعاج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى هذا تكون فائدة ردّ الشمس ليصلّي مستوفيا لأفعال الصلاة ، وتكون أيضا فضيلة له ودلالة على عظم شأنه.

(٢) إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان مأمورا بترك الصلاة من قيام ـ على أقل تقدير ـ لأن الذي وضع الصلاة على المكلفين ، يرفعها عنهم حيثما شاء في أوقات مخصوصة كما عند الحائض والنفساء واشتداد القتال ، فيدور الأمر حينئذ بين إزعاج النبيّ وبين ترك الصلاة من قيام ، فيترجح الثاني عقلا ونقلا حفاظا على الأول لقوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١).

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٢).

ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا عليّ : من آذى شعرة منك فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله لعنه ملأ السماوات وملأ الأرض (٣).

هذا مضافا إلى أن النبي تنام عينه ولا ينام قلبه ، فكان الأولى ـ بحسب الإيراد ـ أن يرفع النبيّ رأسه عن فخذ الإمام عليه‌السلام حتى لا يفوّت على ابن عمه الصلاة ، ولكن لمّا علم النبيّ أن هذا مرضي لله تعالى لذا لم يرفع رأسه حتى تكون فضيلة للمرتضى عليّ عليه‌السلام ، وكل ذلك راجع إلى الله تعالى حيث (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٤).

__________________

(١) سورة التوبة : ٦١.

(٢) سورة الأحزاب : ٥٧.

(٣) إحقاق الحق ج ٦ / ٣٩١ نقلا عن المناقب للخوارزمي وغيره من أكابر العامة.

(٤) سورة الأنبياء : ٢٣.

٧٩٩

إشكال :

قلتم إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يصلّ العصر حتى فاتته حسبما جاء في الأخبار المتضافرة ، في حين أن هناك أخبارا أخرى دلت على أنه عليه‌السلام صلّى موميا ، فيقع التعارض حينئذ فإما أن يتساقطا معا أو نرجّح إحداهما على الأخرى أو نأخذ بهما معا ، فكيف الحل؟

الجواب :

أما التساقط فغير وارد أصلا للعلم بتحقق أصل الواقعة ، وأما ترجيح إحداهما على الأخرى فممكن لا سيّما المتظافرة منها والتي دلت على أن الصلاة فاتته ، لأن الخبر الواحد لا يعارض المستفيض والمتواتر ، فيقدم الثاني على الأول في حال عدم القدرة على الجمع ، وبما أننا قادرون على ذلك فنحمل الطائفة التي نفت عنه الصلاة على الصلاة من قيام ، فأراد النبيّ ـ بأمر من الله تعالى ـ أن يستوفي الإمام عليه‌السلام أفعال الصلاة برد الشمس له لتكون فضيلة ودلالة على عظم شأنه ومحل كرامته من الله ورسوله.

وقد دل على ذلك «ما ورد من أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للإمام عليّ عليه‌السلام لمّا انتهى من الوحي : فاتتك العصر؟».

قال : صلّيتها قاعدا إيماء ، فقال : ادع الله يردّ عليك الشمس حتى تصليها قائما في وقتها ، فإنه يجيبك لطاعتك الله ورسوله فسأل الله في ردها فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت العصر فصلّاها ثم غربت» (١).

الإيراد الرابع :

ما أورده ابن تيمية (٢) من أن نوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد صلاة العصر وهو مكروه لا يفعله النبيّ ، وهو أيضا تنام عيناه ولا ينام قلبه ، فكيف يفوّت على عليّ صلاته ، ثم

__________________

(١) إحقاق الحق ج ٥ / ٥٣٦ نقلا عن أرجح المطالب ص ٦٨٦ ط / لاهور.

(٢) منهاج السنة.

٨٠٠