أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

الوجه الثالث : أنه قال : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (١) ولو كان المراد بأولي الأمر الإمام المعصوم لوجب أن يقال : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الإمام ، فثبت أن الحق تفسير الآية بما ذكرناه (٢) ، انتهى كلامه هبط مقامه.

وفيه :

١ ـ إن الإمام المعصوم وإن كان في كل عصر شخصا واحدا إلا أن الأئمة المتعددين في العصور المختلفة يشكلون جماعة ، والآية المباركة لا تحدد وظيفة الناس في عصر واحد ، بل تعيّن لهم أن كل عصر فيه إمام معصوم يجب الرجوع إليه.

٢ ـ إن تفسير أولي الأمر بالعترة الطاهرة حكم الواحد منهم في العصمة وافتراض الطاعة حكم الرسول لا يتنافى مع عموم لفظ أولي الأمر بحسب اللغة ، وإرادته من اللفظ فإن قصد مفهوم من المفاهيم من اللفظ شيء وإرادة المصداق الذي ينطبق عليه المفهوم شيء آخر ، وذلك كمفهوم الرسول فإنه معنى عام كلي ، وهو المراد من اللفظ في الآية لكنّ المصداق المقصود هو الرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

إشكالان آخران وجوابهما :

الإشكال الأول :

لو كان المراد من «أولي الأمر» العترة الطاهرة لاحتاج ذلك إلى تعريف صريح من الله ورسوله ، ولو كان ذلك لم يختلف في أمرهم اثنان بعد رسول الله.

وجوابه :

إن ذلك منصوص عليه في الكتاب والسنّة كآية الولاية وآية التطهير وغير ذلك ، وكحديث السفينة : مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

(٢) تفسير الرازي ج ١٠ / ١٤٦.

٥٨١

عنها غرق. وحديث الثقلين : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا. وكأحاديث أولي الأمر المروية من طرق الخاصة والعامة.

الإشكال الثاني :

إذا كان المقصود من أولي الأمر هم الأئمة المعصومون ، فلما ذا أشار الله سبحانه في ذيل الآية إلى مسألة التنازع والاختلاف بين المسلمين إذ قال : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (١).

فذيل الآية هنا لم يشر إلى «أولي الأمر» بل أشار إلى الله تعالى وإلى الرسول أي إلى الكتاب والسنّة كمرجعين يرجع إليهما المسلمون عند التنازع والاختلاف.

وفيه :

أولا : إن هذا الإشكال لا يرد على الشيعة الإمامية فحسب بل يشمل بقية التفاسير أيضا ومنها التفسير العامي لأولي الأمر.

ثانيا : لا شك أن المراد من الاختلاف والتنازع في ذيل الآية المذكورة هو الاختلاف والتنازع في الأحكام لا في المسائل المتعلقة بجزئيات الحكومة والقيادة لأنه في مسائل الحكومة والقيادة تجب إطاعة أولي الأمر كما هو صريح صدر الآية المباركة.

وجملة القول : فالمراد من الاختلاف هو الاختلاف في الأحكام والقوانين الكلية التي يعود أمر تشريعها إلى الله سبحانه ونبيّه الكريم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأننا نعلم أن الإمام مجرد منفّذ للأحكام الإلهية وليس مشرّعا ، ولا ناسخا لها ، وإنما يطبق الأحكام والأوامر الإلهية في الأمة ، لذا ورد عنهمعليهم‌السلام أنهم قالوا : «إذا بلغكم عنا

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

٥٨٢

ما يخالف كتاب الله وسنّة نبيّه فاضربوه عرض الحائط ولا تقبلوه» أي يستحيل أن يقولوا ما يخالف كتاب الله وسنّة نبيّه.

وعليه فإن المراد بالتنازع هو تنازعهم بينهم لا تنازع مفروض بينهم وبين أولي الأمر ، ولا تنازع مفروض بين أولي الأمر أنفسهم فإن الأول أي التنازع بينهم وبين أولي الأمر لا يلائم افتراض طاعة أولي الأمر عليهم ، وكذا الثاني أي التنازع بين أولي الأمر أنفسهم فإن افتراض الطاعة لا يلائم التنازع الذي أحد طرفيه على الباطل على أنه لا يناسب كون الخطاب متوجها إلى المؤمنين في قوله : فإن تنازعتم في شيء فردوه ..

ولفظ الشيء وإن كان يعم كل حكم وأمر من الله ورسوله وأولي الأمر كائنا ما كان لكن قوله بعد ذلك : فردوه إلى الله والرسول يدل على أن المفروض هو النزاع في شيء ليس لأولي الأمر الاستقلال والاستبداد فيه من أوامرهم في دائرة ولايتهم كأمرهم بنفر أو حرب أو صلح أو غير ذلك ، إذ لا معنى لإيجاب الرد إلى الله والرسول في هذه الموارد مع فرض طاعتهم فيها.

وبهذا يتضح أن المراد من «أولي الأمر» هم العترة الطاهرة الذين نص عليهم الرسول الأعظم محمّد بأسمائهم عدد نقباء بني إسرائيل كما في الأخبار المتواترة ، منها ما ورد في كفاية الأثر بسند معنعن إلى عمران بن حصين قال : خطبنا رسول الله فقال : معاشر الناس إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، أوصيكم في عترتي خيرا ، فقام إليه سلمان ، فقال : يا رسول الله أليس الأئمة بعدك من عترتك؟ فقال : نعم الأئمة بعدي من عترتي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين عليه‌السلام ، ومنا مهديّ هذه الأمة ، فمن تمسّك بهم فقد تمسّك بحبل الله لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم فاتبعوهم فإنهم مع الحق والحق معهم حتى يردوا عليّ الحوض (١).

__________________

(١) كفاية الأثر ، ص ١٣١.

٥٨٣

وفي خبر آخر عن سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه قال : خطبنا رسول الله فقال : معاشر الناس إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب أوصيكم في عترتي خيرا وإياكم والبدع فإن كل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار ، معاشر الناس من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسّك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة بعدي ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

قال سلمان : فلمّا نزل عن المنبر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبعته حتى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه وقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمعتك تقول : إذا افتقدتم الشمس فتمسّكوا بالقمر ، وإذا افتقدتم القمر فتمسّكوا بالفرقدين ، وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة ، فما الشمس وما القمر وما الفرقدان وما النجوم الزاهرة؟ فقال : أنا الشمس وعليّ القمر والحسن والحسين الفرقدان ، فإذا افتقدتموني فتمسّكوا بعليّ بعدي ، وإذا افتقدتموه فتمسكوا بالحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين تاسعهم مهديهم.

ثم قال عليه‌السلام : إنهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي ، أئمة أبرار ، عدد أسباط يعقوب وحواري عيسى ، قلت : فسمهم لي يا رسول الله ، قال : أولهم عليّ بن أبي طالب ، وبعده سبطاي وبعدهما عليّ زين العابدين ، وبعده محمّد بن عليّ الباقر علم النبيين ، والصادق جعفر بن محمّد وابنه الكاظم سمي موسى بن عمران ، والذي يقتل بأرض الغربة ابنه عليّ ، ثم ابنه محمّد ، والصادقان عليّ والحسن ، والحجة القائم المنتظر في غيبته ، فإنهم عترتي من دمي ولحمي ، علمهم علمي وحكمهم حكمي ، من أذاني فيهم فلا أناله الله شفاعتي (١).

وروى القندوزي الحنفي عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي (سلام الله عليهم) قال :

__________________

(١) كفاية الأثر ، ص ٤١.

٥٨٤

دخلت على جدي رسول الله فأجلسني على فخذه وقال لي : إن الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة ، تاسعهم قائمهم وكلّهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء (١).

الآية الثالثة :

قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢).

من الآيات الدالة على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام هذه الآية المباركة المسماة بآية التطهير.

ووجه الاستدلال بها :

أن الآية المباركة نزلت في الإمام علي والصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء وولديهما الإمامين الحسن والحسين عليهم جميعا التحية والسلام باتفاق المفسرين من العامة والخاصة ، والآية واضحة الدلالة على طهارة هؤلاء وعصمتهم من الذنوب ، وقد عرفنا بمقتضى الأدلة القطعية أن العصمة شرط في الإمامة ، وحيث إن من تقدم على مولانا أمير المؤمنين ليسوا معصومين بالإجماع والضرورة ، ثبت بآية التطهير وغيرها أن أمير المؤمنين معصوم ، وقد ادعى الإمامة لنفسه وأنها حقه وإن لم يتمكن من حرب من تقدّم عليه ، فيكون صادقا بدعواه ، لأن الكذب ولا سيّما في مثل دعوى الإمامة من أعظم الرجس ، فحيث ادّعاها لنفسه فيكون صادقا ، فثبت بهذا أنه إمام وخليفة.

والبحث يتركّز على نقطتين :

الأولى : مورد نزول الآية الشريفة.

الثانية : معرفة مداليلها ومفرداتها.

__________________

(١) المهدي الموعود عند علماء السنة والإمامية ج ١ / ٤٤ ح ١٦ نقلا عن الينابيع ص ٤٩٢.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣.

٥٨٥

أما النقطة الأول: مما لا ريب فيه عند الفريقين أن موردها أهل الكساء هم : الرسول الأعظم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليّ وسيّدة النساء الصدّيقة فاطمة والإمامان الحسن والحسين عليهم أجمعين آلاف التحية والسلام. ولا خلاف بين المسلمين في أن مورد الآية هم هؤلاء الأطهار ، لكنّ بعض الشواذ من العامة ادّعوا شمول الآية لأزواج النبيّ ، وهؤلاء الشواذ شرذمة قليلة من العامة لا يعبأ بهم ، خالفوا الإجماع ، من هنا صرّح ابن حجر في الصواعق «أن أكثر المفسرين قالوا إنها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام لتذكير ضمير عنكم وما بعده» (١).

وقد جاءت الأخبار الصحيحة والموثقة والحسنة والعالية الأسانيد بذلك وناهزت المئات ، ورواها المحدّثون والمفسرون والمتكلمون في مقام بيانهم لطهارة آل البيت عليهم‌السلام وأن الآية الشريفة نزلت في هؤلاء الخمسة مورد النص القطعي آنذاك دون نساء النبيّ كما يدّعي من لا خبرة له بفقه القرآن وأحاديث السنّة المطهّرة.

وقد أتعب العلّامتان الجليلان الشيخ التستري والسيد النجفي المرعشي «عليهما رضوان الله تعالى» نفسيهما بجمع المصادر العامية التي جاء فيها أن الآية نزلت في العترة الطاهرة دون غيرهم فلتراجع (٢).

وقد روى الحافظ الكبير عبيد الله بن عبد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي «من أعلام القرن الخامس الهجري» فوق المائة وستين حديثا بطرق متعددة وصحيحة أن الآية نزلت بهؤلاء الخمسة عليهم‌السلام مما يدل بالدلالة القطعية صحة هذه الأخبار بحيث لا ينكرها إلا مكابر للوجدان والفطرة السليمة.

__________________

(١) الصواعق المحرقة ص ١٤٣ الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم عليهم‌السلام.

(٢) إحقاق الحق : ج ٢ / ٥٠١ وج ١٨ / ٣٥٩ ـ ٣٨٣ وج ٣ / ٥١٣ وج ٩ / ١ ـ ٦٩ وج ١٤ / ٤٠ ـ ١٠٥.

٥٨٦

ولا بأس هنا بالتطرق إلى ذكر بعض الأخبار من مصادر القوم للإشارة إلى ما قلناه ، فمنها :

١ ـ ما رواه الواحدي في أسباب النزول بأسانيد متعددة عن عمّار بن محمد الثوري قال : أخبرنا سفيان عن أبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ..) قال : نزلت في خمسة : في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (١)

٢ ـ وعن عطاء بن أبي رباح قال : حدثني من سمع أم سليم تذكر : أن النبيّ كان في بيتها ، فأتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة (٢) فيها خزيرة (٣) ، فدخلت بها عليه ، فقال لها : ادعي لي زوجك وابنيك ، قالت : فجاء عليّ والحسن والحسين ، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له (٤) وكان تحته كساء خيبري قالت : وأنا في الحجرة أصلي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ ...) قالت : فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ، ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، قالت : فأدخلت رأسي البيت وقلت : أنا معكم يا رسول الله ، قال : إنك إلى خير ، إنك إلى خير» وكررها مرتين (٥).

٣ ـ ما أورده الحاكم الحسكاني بطرق كثيرة جدا عن :

أ ـ العوام بن حوشب قال : حدثني ابن عم لي من بني الحارث بن تيم الله يقال له مجمع قال : دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي ، قالت : أرأيت خروجك يوم الجمل؟ قالت : إنه كان قدرا من الله ، فسألتها عن عليّ فقالت :

__________________

(١) أسباب النزول ص ٢٩٥.

(٢) البرمة : قدر يطبخ فيه.

(٣) الخزيرة : لحم يقطّع صغارا ويصبّ عليه ماء كثير ، فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق.

(٤) المنامة : فراش ينام عليه.

(٥) أسباب النزول ص ٢٩٥.

٥٨٧

تسأليني عن أحبّ الناس كان إلى رسول الله ، وزوج أحبّ الناس كان إلى رسول الله لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، وجمع رسول الله بثوب عليهم ثم قال : اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، فقلت : يا رسول الله أنا من أهلك؟ قال : تنحي فإنك إلى خير (١).

ب ـ وعن أبي سعيد الخدر في قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ...) قال : جمع رسول الله عليا وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أدار عليهم الكساء فقال : هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (٢).

ج ـ وعن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري عن نبي الله قال : نزلت هذه الآية (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) (٣) قال : كان يجيء إلى باب علي تسعة أشهر كل صلاة غداة ويقول : الصلاة رحمكم الله «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» (٤).

د ـ عن واثلة بن الأسقع قال :

والله لا أزال أحبّ عليّا وحسنا وحسينا وفاطمة بعد إذ سمعت رسول الله يقول فيهم ما قال ، لقد رأيتني يوما وقد جئت رسول الله في منزل أم سلمة ، فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبّلهما ، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ، ودعا بعليّ فأغدف عليهم كساء خيبريا ، كأني أنظر إليه ثم قال : «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» قال شداد لواثلة : وما الرجس؟ قال : الشك في دين الله (٥).

٤ ـ وأورد ابن كثير الدمشقي في تفسيره عن أحمد بن حنبل بسند معنعن عن

__________________

(١) شواهد التنزيل ص ٣٩ ح ٢ رقم ٦٨٤.

(٢) شواهد التنزيل ج ٢ / ٢٣ ح ٦٥٧.

(٣) سورة طه : ١٣٢.

(٤) نفس المصدر رقم الحديث ٦٦٨.

(٥) نفس المصدر رقم الحديث ٦٩٠.

٥٨٨

أم سلمة قالت : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي يوما إذ قالت أن فاطمة وعليا رضي الله عنهما بالسدة ، قال رسول الله : قومي فتنحي عن أهل بيتي ، قالت : فقمت فتنحيت في البيت قريبا ، فدخل عليّ وفاطمة ومعهما الحسن والحسين رضي الله عنهم وهما صبيان صغيران ، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبّلهما واعتنق عليا رضي الله عنه بإحدى يديه وفاطمة رضي الله عنها باليد الأخرى ، وقبّل فاطمة وقبّل عليا وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال :

«اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي» قالت : فقلت وأنا يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنت (١).

ومن طريق آخر قال ابن جرير حدثنا أبو كريب عن الحسن بن عطية عن فضل بن مرزوق عن عطية عن ابي سعيد عن أم سلمة قالت : إن هذه الآية نزلت في بيتي (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ...) قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنك إلى خير ، أنت من أزواج النبيّ ، قالت : وفي البيت رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم (٢).

وعن عطية عن أبي سعيد الخدري قال :

قال رسول الله : نزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي عليّ والحسن والحسين وفاطمة (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ..) (٣).

كما أخرج ابن كثير عن مسلم في صحيحه قال : حدثني زهير بن حرب بسند إلى يزيد بن حبّان قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلمة إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه ، قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله وسمعت منه حديثا ، وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله.

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ج ٣ / ٤١٤.

(٢) نفس المصدر والصفحة.

(٣) نفس المصدر.

٥٨٩

قال : يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفوا فيه ، ثم قال : قام فينا رسول الله يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ثم قال :

أما بعد ألا أيّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله عزوجل ورغّب فيه ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا.

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟

قال : لا وايم الله أن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده (١).

٥ ـ وعن شداد بن أبي عمّار قال : إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليا رضي الله عنه فشتموه ، فلما قاموا ، قال : اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموه إني عند رسول الله إذ جاء عليّ وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فألقى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم كساء له ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأهل بيتي أحق (٢).

وعن أحمد بن حنبل عن عفّان بسند إلى أنس بن مالك قال :

إن رسول الله كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : «الصلاة يا أهل البيت ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ج ٣ / ٤١٥.

(٢) نفس المصدر.

٥٩٠

قال الترمذي : هذا حسن غريب (١). وقال الحاكم النيسابوري : هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.

وهناك طائفة كثيرة جدا من الروايات تشير إلى أن الرسول الأكرم كان يطرق باب الصدّيقة الطاهرة عند الصلاة ويقول : الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

فعن أبي الحمراء قال :

شهدت النبي ثمانية أو عشرة أشهر إذا خرج إلى الصلاة أو إلى الغداة مرّ بباب فاطمة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله ، الصلاة أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ورحمكم الله (٢).

٦ ـ وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي ، وفي البيت سبعة : جبرائيل وميكائيل وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وأنا على باب البيت ، قلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟

قال : إنك إلى خير ، إنك من أزواج النبيّ (٣).

فكل المصادر العامية تشير إلى أن الآية نزلت في عترة النبيّ إلّا ما شذّ منهم كعكرمة وابن عبّاس ، وعروة بن الزبير ومقاتل بن سليمان حيث قالوا : إن الآية نازلة في نساء النبيّ ، وروى السيوطي في الدر المنثور والواحدي في أسباب النزول حديثا عن عكرمة حيث قال خلال تفسيره لآية التطهير :

«ليس بالذي تذهبون إليه ، إنما هو نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ج ٣ / ٤١٣ ومسند أحمد ج ٣ / ٢٥٩ وسنن الترمذي ج ٥ / ٣١ والمستدرك على الصحيحين ج ٣ / ١٥٨.

(٢) شواهد التنزيل ص ٥١ ج ٢ حديث رقم ٦٩٨.

(٣) تفسير الدر المنثور ج ٥ / ٣٧٧.

(٤) الدر المنثور ج ٥ / ٣٧٦ وأسباب النزول ص ٢٩٦.

٥٩١

وكان عكرمة ينادي هذا في السوق ، ويقول : من شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبيّ (١).

ووافق عكرمة وأمثاله ثلة من علماء العامة منهم :

الآلوسي في تفسيره قال :

«والذي يظهر لي أن المراد بأهل البيت من لهم مزيد علاقة به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونسبة قوية قريبة إليه عليه الصلاة والسلام بحيث لا يقبح عرفا اجتماعهم وسكناهم معه في بيت واحد ، ويدخل في ذلك أزواجه والأربعة أهل الكساء وعليّ (كرّم الله وجهه) مع ما له من القرابة من رسول الله قد نشأ في بيته وحجره عليه الصلاة والسلام ، فلم يفارقه وعامله كولده صغيرا ، وصاهره وآخاه كبيرا»(٢).

وهكذا جرى على منواله الزمخشري (٣) والرازي لكنّ الثاني قال :

«والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعليّ منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبيّ عليه‌السلام وملازمته للنبيّ» (٤).

وقد ابتنى استدلالهم لهذا الرأي على عدة وجوه :

الوجه الأول :

أن بعض الروايات التي رواها عكرمة وابن عباس وعروة بن الزبير أشارت إلى نزول الآية في نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وجوابنا عليه :

أولا : إن الروايات المروية بطريق عكرمة وعروة وابن عباس أخبار آحاد لا

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٣ / ٤١٣ وأسباب النزول ص ٢٩٦ والدر المنثور ج ٥ / ٣٧٦.

(٢) تفسير روح المعاني ج ١٢ / ٢٧.

(٣) تفسير الكشاف ج ٣ / ٥٢٢.

(٤) تفسير الرازي ج ٢٥ / ٢٠٨.

٥٩٢

تنهض دليلا على المدّعى ولا تقاوم الروايات المتواترة المروية بطرق صحيحة وعالية ، فلو دار الأمر بين طائفة الآحاد من الأخبار وبين طائفة المتواتر منها لرجّحنا المتواترة على الآحادية ، وهذا متفق عليه عند عامة علماء الرجال ، ومن فعل العكس فهو أرعن لا يفقه شيئا من علم الرجال ومعايير التعادل والتراجيح.

ثانيا : إن الأخذ بهذا الوجه يستدعينا إلى تقييم موضوعي لآراء عكرمة وأقواله ، ودوافعه النفسية فيها ، فالرجل معروف بانتمائه إلى الخوارج ، وللخوارج موقف معروف مع أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، فلو التزم بنزول الآية في أهل البيت بما فيهم الإمام عليّ ، لكان عليه القول بعصمته ، ولأهار على نفسه أسس عقيدته التي سوّغت لهم الخروج عليه ومقاتلته ، وبررت لهم قتله.

فعكرمة خارجي المعتقد ، معروف بعدائه للإمام عليّ وبتكفيرهم له عليه‌السلام. وقد اشتهر بكذبه على مولاه ابن عبّاس ، وكان الموالي يحذّرون عبيدهم من الكذب عليهم ، ويتمثلون بكذب عكرمة على مولاه حتى كان يضرب المثل فيه ، وهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامه ـ واسمه برد ـ «يا برد لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس ، وعن ابن عمر قال ذلك أيضا لمولاه نافع» (١).

ويشهد لما قلنا من أنه كان أباضيا وكذّابا جسورا كلمات علماء الجرح والتعديل فيه ، فها هو الذهبي يفيض كتابه بذكر مثالب عكرمة حيث قال : «عكرمة ، مولى ابن عباس ، وثّقه جماعة واعتمده البخاري ، وأما مسلم فتجنّبه ، وروى له قليلا ، وأعرض عنه مالك وتحايده إلّا في حديث أو حديثين.

قال عنه يحيى بن سعيد الأنصاري : إنه كذّاب.

وعن عبد الله بن الحارث قال : دخلت على عليّ ابن عبد الله فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش ، فقلت له : ألا تتقي الله! فقال : إن هذا الخبيث يكذب على أبي.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ج ٣ / ٩٦.

٥٩٣

ويروى عن ابن المسيب أنه كذّب عكرمة والخصيب بن ناصح ، حدثنا خالد بن خداش ، شهدت حماد بن زيد في آخر يوم مات فيه ، فقال :

أحدّثكم بحديث لم أحدّث به قط ، لأني أكره أن ألقى الله ، ولم أحدث به ، سمعت أيوب يحدّث عن عكرمة قال : إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضلّ به. قلت : ما أسوأها عبارة ، بل أخبثها ، بل أنزله ليهدي به وليضلّ به الفاسقين.

وعن فطر بن خليفة قال : قلت لعطاء : إن عكرمة يقول : قال ابن عباس : سبق الكتاب الخفين ، فقال : كذب عكرمة ، سمعت ابن عباس يقول : لا بأس بمسح الخفين وإن دخلت الغائط ..

وعن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال : لو أن عبد ابن عباس ـ أي عكرمة ـ اتقى الله وكفّ من حديثه لشدت إليه المطايا.

وعن مسلم بن ابراهيم ، حدثنا الصلت أبو شعيب قال : سألت محمد بن سيرين عن عكرمة فقال : ما يسوؤني أن يكون من أهل الجنة ، ولكنه كذّاب.

وعن ابراهيم بن المنذر قال : حدثنا هشام بن عبد الله المخزومي قال : سمعت ابن أبي ذئب يقول : رأيت عكرمة وكان غير ثقة.

وعن محمد بن سعد : كان عكرمة كثير العلم والحديث وليس يحتج بحديثه ويتكلم الناس فيه.

وقال مطرف بن عبد الله : سمعت مالكا يكره أن يذكر عكرمة ، ولا رأى أن يروي عنه.

قال أحمد بن حنبل : ما علمت أن مالكا حدّث بشيء لعكرمة إلّا في الرجل يطأ امرأته قبل الزيارة.

وعن يحيى بن سعيد يقول : حدثوني والله عن أيوب أنه ذكر له عكرمة أنه لا يحسن الصلاة ، فقال أيوب : وكان يصلي؟!

٥٩٤

وعن الفضل السيناني عن رجل قال : رأيت عكرمة قد أقيم قائما في لعب النرد.

وعز يزيد بن هارون : قدم عكرمة البصرة ، فأتاه أيوب ويونس وسليمان التيمي ، فسمع صوت غناء ، فقال : اسكتوا ، ثم قال : قاتله الله لقد أجاد.

وعن ابن المديني عن يعقوب الحضرمي عن جده قال : وقف عكرمة على باب المسجد فقال : ما فيه إلا كافر ، قال : وكان يرى رأي الأباضية.

وعن يحيى بن بكير قال : قدم عكرمة مصر ، وهو يريد المغرب ، قال : فالخوارج الذين هم بالمغرب عنه أخذوا.

قال ابن المديني : كان يرى رأي نجدة الحروري.

وقال مصعب الزبيري : كان عكرمة يرى رأي الخوارج ، قال : وادّعى على ابن عباس أنه كان يرى رأي الخوارج.

وعن خالد بن نزار ، قال : حدثنا عمر بن قيس ، عن عطاء بن أبي رباح : أن عكرمة كان أباضيا.

وعن أبي طالب قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : كان عكرمة من أعلم الناس ولكنه كان يرى رأي الصّفرية ولم يدع موضعا إلا خرج إليه .. وكان يأتي الأمراء فيطلب جوائزهم.

وروى سليمان بن معبد السنجي قال : مات عكرمة وكثير عزة في يوم ، فشهد الناس جنازة كثير ، وتركوا جنازة عكرمة» انتهى كلام الذهبي (١).

وقال عنه عطاء : إنه كذّاب (٢).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ج ٣ / ٩٦.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال ج ٥ / ٢٦٦ لأبي أحمد بن عدي الجرجاني ، تحقيق سهيل زكار ، دار الفكر ، بيروت ، ط ٣ ، ١٤٠٩ ه‍ / ١٩٨٨ م.

٥٩٥

وقد حاول علي بن عبد الله بن عباس صده وردعه عن ذلك ، ومن وسائله التي اتخذها معه أنه كان يوثقه على الكنيف ليرتدع عن الكذب على أبيه ، يقول عبد الله بن أبي الحرث :

دخلت على ابن عبد الله بن عباس ، وعكرمة موثق على باب كنيف فقلت : تفعلون هذا بمولاكم؟

فقال : إن هذا يكذب على أبي (١).

ولم يكن حقده منصبا على أهل البيت فقط بل تعداه إلى عامة المسلمين حيث كان يرى أنهم كفار عدا الفرقة التي ينتسب إليها وهي الخوارج ، فعن خالد بن عمران قال : كنا في المغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم فقال : وددت أن بيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يمينا وشمالا (٢). وما تقدم بخبر يعقوب الحضرمي عن جده قال : وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلّا كافر.

ومن كان هذا شأنه في الكذب والعداء لأمير المؤمنين عليه‌السلام كيف يمكن لروايته أن تصدّق أو أن تعارض النصوص المتواترة؟ وقد تلونا عليك أخي القارئ بعضا منها ؛ وفي هذه الأحاديث المتواترة ما اتفق الرجاليون والفقهاء والمفسرون على صحته ووثاقة رواته. وأما رواية ابن عباس ذلك ، فهي مروية بواسطة عكرمة ، وقد عرفت حاله في الكذب على مولاه. وأما ما روي عن ابن عبّاس من طريق سعيد بن جبير ، فلا يبعد وقوع تدليس في السند ، فبدلا من عكرمة وضعوا سعيد بن جبير ، ولو فرضنا عدم وجود تدليس ، فخبر الواحد لا يقاوم الأخبار الصحاح ، هذا مضافا إلى أن رواية سعيد بن جبير معارضة لرواية ابن مردويه عن ابن عباس المروية في الدر المنثور ، قال ابن عبّاس : شهدنا رسول الله تسعة أشهر يأتي كل يوم باب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عند وقت كل صلاة فيقول : السلام

__________________

(١) الأصول العامة للفقه المقارن ص ١٥٣ ، نقلا عن وفيات الأعيان ج ١ / ٣٢٠.

(٢) ميزان الاعتدال ج ٣ / ٩٥.

٥٩٦

عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الصلاة رحمكم الله ، كل يوم خمس مرات (١).

كما أن الحاكم الحسكاني روى في كتابه «شواهد التنزيل» بعض الأخبار عن ابن عباس يقول فيها إن آية التطهير نزلت بأهل الكساء الخمسة ، فعن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال :

دعا رسول الله الحسن والحسين وعليا وفاطمة ومدّ عليهم ثوبا ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (٢).

وعن أبي صالح عن ابن عباس قال :

نزلت آية التطهير في رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (٣).

وأما عروة بن الزبير فلا حجية لقوله أصلا لاشتهاره بالعداء لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، وكان مقرّبا لدى الأمويين خصوصا عبد الملك بن مروان ، فقد روى ابن أبي الحديد عن جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال :

شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليا عليه‌السلام فنالا منه.

وروى عاصم بن أبي عامر البجلي عن يحيى بن عروة قال :

كان أبي إذا ذكر عليا نال منه.

وقال لي مرة : يا بني والله ما أحجم الناس عنه إلّا طلبا للدنيا ، لقد بعث إليه أسامة بن زيد أن ابعث لي بعطائي فو الله إنك لتعلم أنك لو كنت في فم أسد لدخلت معك ، فكتب إليه : إن هذا المال لمن جاهد عليه ، ولكن لي مالا بالمدينة .. فأصب منه ما شئت.

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ / ٣٧٨.

(٢) شواهد التنزيل ج ٢ / ٣١ رقم الحديث ٦٧٠.

(٣) شواهد التنزيل ج ٢ / ٣١ رقم الحديث ٦٧١.

٥٩٧

قال يحيى : فكنت أعجب من وصفه إياه بما وصفه به ومن عيبه له وانحرافه عنه (١).

وأما مقاتل بن سلمان ، فيكفي في عدم حجية قوله أيضا ما نقله أرباب التراجم في حقه : قال ابن عيينة قلت لمقاتل : زعموا أنك لم تسمع من الضحاك؟ قال : يغلق عليّ وعليه باب ، فقلت في نفسي : أجل باب المدينة.

وقيل أنه قال : سلوني عما دون العرش ، فقالوا : أين أمعاء النملة؟ فسكت وسألوه لما حجّ آدم من حلق رأسه؟ فقال : لا أدري ، قال وكيع : كان كذّابا.

وعن أبي حنيفة قال : أتانا من المشرق رأيان خبيثان : جهم معطّل ومقاتل مشبّه ، مات مقاتل نيف وخمسين ومائة وقال البخاري : مقاتل لا شيء البتة ، وأجمعوا على ترك مروياته (٢).

وفي موضع آخر أيضا قال الذهبي :

«مقاتل بن سلمان البلخي المفسّر ، قال عنه ابن المبارك : ما أحسن تفسيره لو كان ثقة.

وقال أبو حنيفة : أفرط جهم في نفي التشبيه حتى قال : إنه تعالى ليس شيء ، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعله مثل خلقه.

وقال وكيع : كان كذّابا ، وقال البخاري : قال سفيان بن عيينة : سمعت مقاتلا يقول : إن لم يخرج الدجال في سنة خمسين ومائة فاعلموا أني كذّاب.

وقال العبّاس بن مصعب في تاريخ مرو : كان مقاتل لا يضبط الإسناد ، وكان يقصّ في الجامع بمرو ، فقدم جهم فجلس إلى مقاتل ، فوقعت العصبية بينهما ،

__________________

(١) شرح النهج : ج ٤ / ١٠٢ وسير أعلام النبلاء للذهبي ج ٤ / ٤٢١.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٧ / ٢٠٢.

٥٩٨

فوضع كلّ واحد منهما على الآخر كتابا ينقض عليه.

وقال النسائي : كان مقاتل يكذب ، وقال ابن عيينة : قلت لمقاتل : إن ناسا يزعمون أنك لم تلق الضحاك ، فقال : سبحان الله! لقد كنت آتيه مع أبي ، ولقد كان يغلق عليّ وعليه باب واحد.

وقال البخاري : سكتوا عنه ، وروى عبّاس عن يحيى قال : ليس حديثه بشيء.

وقال الجوزجاني : كان دجّالا جسورا ، سمعت أبا اليمان يقول : قدم هاهنا فأسند ظهره إلى القبلة ، وقال : سلوني عمّا دون العرش ، وحدّثت أنه قال مثلها بمكة ، فقام إليه رجل ، قال : أخبرني عن النملة أين أمعاؤها؟ فسكت.

وعن مقاتل بن سليمان عن الضحاك قال : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : أين حبيب الله؟ فيتخطّى صفوف الملائكة حتى يصير إلى العرش ، حتى يجلسه معه إلى العرش ، حتى يمسّ ركبته.

قال ابن عدي : ولمقاتل غير ما ذكرت حديث صالح ، وعامة حديثه لا يتابع عليه. وله كتاب الخمسمائة وفيه حديث كثير وهو مع ضعفه يكتب حديثه.

وقال ابن حبان : كان ـ أي مقاتل ـ يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان يشبّه الرب بالمخلوقات ، وكان يكذب في الحديث.

وقال أبو معاذ الفضل بن خالد المروزي : سمعت خارجة بن مصعب يقول : لم استحل دم يهودي ، ولو وجدت مقاتل بن سليمان خلوة لشققت بطنه (١)» انتهى.

وعليه فإن مقاتل «قاتله الله» عرف بالكذب وبتشبيه الخالق ، وقد اتفقت الخاصة وبعض العامة على أن فكرة التشبيه إنما تسربت إلى الأوساط الإسلامية من قبل مقاتل وأمثاله.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ج ٤ / ١٧٣ ـ ١٧٥.

٥٩٩

فمن كان كاذبا فكيف يؤمن على إخباراته والله تعالى نهانا عن الأخذ بأخبار الفسّاق الكاذبين؟! وهل يصح الاعتماد على هؤلاء في تفسير كتاب الله ورواية الحديث عن رسوله الكريم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

ثالثا : التأمل في النصوص الواردة بشأن أهل البيت ، سواء المرتبط منها بآية التطهير أم غيرها كحديث الثقلين وحديث المباهلة وما إلى ذلك ، يفيدنا أنّ مفهوم «الأهل» لا يشمل الأزواج في استعمالات العرب إلّا على نحو المجاز الذي يحتاج فيه إلى عناية خاصة ، وقرينة توضيحية متصلة أو منفصلة ، ويشهد لهذا ما ورد بالمستفيض بل بالمتواتر قول النبيّ لأم سلمة حينما قالت :

«يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال : إنك على خير ، إنك من أزواج النبيّ»(١).

وما ورد أيضا عن زيد بن أرقم حيث قيل له : «من أهل بيته ، نساؤه؟ قال : لا وأيم الله ، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها (٢).

فتعليل زيد بن أرقم يدل على المفروغية عن ذلك ، ولا يبعد دعوى التبادر من كلمة (أهل) إلى خصوص من كانت له بالشخص وشائج قربى ثابتة غير قابلة للزوال ، والزوجة وإن كانت قريبة من الزوج ، إلا أن وشائجها القريبة قابلة للزوال بالطلاق وشبهه كما ذكر زيد.

رابعا : إن مقالة عكرمة : «ليس بالذي تذهبون إليه ..» دلالة قطعية على نزول الآية في حق العترة الطاهرة ، وما إصرار عكرمة على اختصاص الآية بنساء النبيّ سوى صرف الآية عن المعنى المركوز والمتبادر إليه في فهم الآية يوم ذاك من حيث اختصاصها بأهل الكساء الخمسة دون نساء النبيّ ، فخروجه إلى السوق وإعلانه رأيه

__________________

(١) شواهد التنزيل ج ٢ / ٥٨ حديث رقم ٧١٣ و ٧٣٧ و ٧٥٧ ، والدر المنثور ج ٥ / ٣٧٧.

(٢) تفسير ابن كثير ج ٣ / ٤١٥.

٦٠٠